مجلة حكمة
الديمقراطية وجذورها العالمية لماذا لا تعني الدمقرطة الغربنة

الديمقراطية وجذورها العالمية: لماذا لا تعني الدمقرطة الغربنة

الكاتبأمارتيا سن
ترجمةإنشاء الله مصطفى

I

لم تعد خافيةً تلك الشكوك حول الآفاق الفورية للديمقراطية في العراق التي بشر بها التحالف تحت قيادة أمريكا. إن الغموض الواضح في أهداف الاحتلال، وغياب الوضوح حول عملية الدمقرطة جعل من هذه الشكوك أمرًا محتومًا. غير أنه سيكون من الخطأ الفادح ترجمة هذه الريبة حول عراقٍ ديمقراطي إلى حالةٍ من الريبة أكبر حول إمكانية تحقيق الديمقراطية –بل الحاجة إليها- في هذا البلد، أو في أي بلدٍ آخر محروم منها؛ إذ ليس ثمة من باعثٍ على القلق بشأن التأييد العام للنضال من أجل الديمقراطية في العالم، بما هو التحدي الأهم لعصرنا. إن الحركات الديمقراطية، عبر العالم (في جنوب إفريقيا والأرجنتين وإندونيسيا، بالأمس، وفي بورما وزيمبابوي وغيرهما، اليوم) تعكس تصميم الناس على الصراع من أجل المشاركة السياسية وصوتٍ فعالٍ. لذلك، ينبغي وضع المخاوف بشأن ما يجري حاليًا من أحداث في العراق في سياقها؛ فثمة عالمٌ كبيرٌ خلفها.

من المهم أنْ نأخذ في الحسبان، على صعيد أوسع، اعتراضين على هذه المناصرة للديمقراطية اكتسبا، في الآونة الأخيرة، قاعدةً واسعةً ضمن النقاشات حول الشؤون الخارجية في العالم، في أمريكا وأوروبا خاصة. ثمة اتجاهٌ أولٌ لديه شكوكٌ حول ما يمكن للديمقراطية أن تضيفه إلى البلدان الأكثر فقرًا. ألن تكون الديمقراطية حاجزًا أمام التنمية، تشيح بالانتباه بعيدًا عن أولويات التغيير الاقتصادي والاجتماعي، من قبيل توفير الغذاء الملائم، والرفع من دخل المواطنين، وإنجاز الإصلاح المؤسساتي؟ إذْ يمكن أن يكون الحكم الديمقراطي، أيضًا، غير ليبرالي، يفضي إلى معاناة أولئك الذين لا ينتمون إلى الأغلبية في هذا النظام. ألن تتمتع الفئات الهشة بحماية أفضل في ظل الحكم السلطوي؟

ويركز اتجاهٌ ثانٍ على الشكوك التاريخية والثقافية حول مناصرة الديمقراطية لدى من -يزْعم أنهم- “لا يعرفونها”. لقد بات التسليم، من قبل المنظمات الوطنية أو الدولية أو ناشطي حقوق الإنسان، بأن الديمقراطية قاعدةٌ عامة صالحةٌ للجميع عرضةً للنقد الشديد، على اعتبار أنه (أي التسليم هذا) يتضمن مسْعًى إلى فرض قيم الغرب وممارساته على مجتمعات هي غير غربية. وتذهب الحجة إلى أبعد من أن الديمقراطية، في عالمنا المعاصر، هي –في أصلها- ممارسةٌ غربيةٌ، كما لو أن الحال كذلك فعلًا. إنها تفترض أن جذور فكرة الديمقراطية لا يمكن أن يعثر عليها إلا في فكرٍ غربي خالصٍ ازدهر، منذ أمدٍ بعيد، في أوروبا فقط وليس في أي مكان غيرها.

هاتان معضلتان مشروعتان ومقنعتان، ومفهومٌ طرحهما على هذا النحو من الإصرار. لكن هل للهاجسين هذين أساسٌ يبررهما؟ إذا افترضنا جدلًا أن الأمر ليس كذلك، فمن المهم أن نلاحظ أن اتجاهي النقد هذين غير منفصلين تماماً. في الواقع، تكمن مثالبهما، بدرجة أولى، في النظر إلى الديمقراطية على نحو خاطئٍ وضيق باختزالها، تحديدًا، في مجرد اقتراع عام، وليس تصورهما على نطاقٍ أوسع بحسبانها “استعمالًا للعقل العمومي”، وفق تعبير جون رولز. يشمل هذا المفهوم الأكثر اتساعًا إمكانيةً للمواطنين للمشاركة في النقاشات السياسية، ويجعلهم، بالتالي، أقْدر على التأثير في الاختيارات العامة. ولكي نستوعب مكْمن الخطأ في اتجاهي نقد الديمقراطية لا بد من الاقتناع بأن لها مستلزماتٍ تتجاوز صناديق الاقتراع.

ليس التصويت، في الواقع، سوى واحدٍ من بين الوسائل –وهو في غاية الأهمية من دون شك– لجعل النقاشات العمومية فعالةً، إذا اقترنت لحظة التصويت بفرصة الحديث والاستماع من دون خوف. هكذا تبلغ الانتخابات قوتها ومداها حين تتصل بإمكانية النقاش العمومي المفتوح. قد يصبح التصويت غير مناسبٍ، على نحوٍ فظيعٍ، إذا ما وظف وحده. تؤكد هذا الانتصارات الانتخابية الهائلة للطغاة، في الأنظمة السلطوية، من الاتحاد السوفياتي في حقبة ستالين إلى عراق صدام حسين. لا تكمن المعضلة، في الحالات هذه، في الضغط على الناخبين أثناء فعل التصويت في حد ذاته، فحسب، بل في الطريقة التي يحبط بها النقاش العمومي حول الإخفاقات والخروقات بتوسل الرقابة وقمع المعارضة السياسية وانتهاك المبادئ المدنية الأساس: الحقوق والحريات السياسية.

لقد كانت الحاجة إلى نظرةٍ أشمل إلى الديمقراطية –في منأى عن اختزالها في الانتخابات الحرة أو الاقتراعات– موضوع نقاشٍ مستفيضٍ، ليس في الفلسفة السياسية المعاصرة، فحسب إنما، أيضًا، في المجالات الجديدة لنظرية الاختيار الاجتماعي (Social Choice ) ونظرية الاختيار العمومي (Public Choice )، المتأثرة بالمنطق الاقتصادي والأفكار السياسية. يمكن لعملية اتخاذ القرار، عبر المناقشة، أن تعزز المعطيات حول مجتمعٍ ما وحول الأولويات الفردية، كما أن هذه الأولوياتٌ من شأنها أن تستجيب هي أيضا للتداول العمومي. وكما أكد جيمس بيوكانان (James Buchanan)، المنظر الرائد لفكرة الاختيار العمومي، فإن “تعريف الديمقراطية، بحسبانها “نظام حكم بواسطة المناقشة” يتضمن مسألة أن القيم الفردية يمكن أن تتغير، بل وتتغير، خلال عملية اتخاذ القرار”.

يطرح كل هذا أسئلةً عميقةً حول التركيز السائد على الاقتراع والانتخابات، في أدبيات الشؤون الدولية، وحول وجاهة الرأي، الذي عبر عنه بدقة صامويل هنتنغتون (Samuel Huntington) في مقاله “الموجة الثالثة” (“The Third Wave”)، الذي يذهب فيه إلى أن “انتخاباتٍ مفتوحةً حرة ونزيهةً هي جوهر الديمقراطية، شرطٌ لا غنًى عنه”. لكن على الديمقراطية، في التصور الواسع للتفكير العمومي، أن تؤمن مكانةً مركزيةً لنقاشٍ عمومي حر وتفاعلاتٍ تداولية في التفكير والممارسة السياسيين، ليس من طريق انتخاباتٍ، فحسب، ولا فقط من أجلها. إن المطلوب، كما لاحظ رولز، هو حفظ “تنوع المعتقدات وواقع التعدد” بما هو في القلب من “الثقافة العامة للديمقراطيات الحديثة”، والذي وجب تأمينه، في النظام الديمقراطي، من خلال “الحريات والحقوق الأساس”.

يفسح لنا تصور الديمقراطية على نحوٍ أوسعٍ – من حيث هي تفكيرٌ عمومي (Public Reasoning) – أيضًا، إدراك أن جذورها أبعد من كونها مجرد ممارساتٍ رتيبةٍ ضيقةٍ جداً تختزل، اليوم، في “مؤسسات ديمقراطية”. لقد كانت هذه الحقيقة الأساس على درجة عالية من الوضوح، لدى توكفيل؛ حيث أشار، في 1835، في كتابه الديمقراطية في أمريكا (Democracy in America)، إلى إمكانية النظر إلى “الثورة الديمقراطية الكبرى”، الجارية ساعتئذ، من وجهة نظر واحدةٍ، على أنها “أمرٌ جديدٌ”. لكن يمكن إدراكها، أيضًا، على أنها جزءٌ من “النزوع الأكثر استمرارًا وقدمًا وشهرةً في التاريخ”. وعلى الرغم من أن أمثلته اقتصرت على ماضي أوروبا (مركزةً على المساهمة القوية في الدمقرطة التي مثلها قبول أناسٍ عاديين ضمن صفوف رجال الدين، “منذ سبع مائة سنة، في فرنسا”)، فإن لهذه الشهادة من توكفيل أهمية على نطاق واسع.

نعثر على أنماطٍ من مناصرة التعددية والتنوع والحريات الأساس في تاريخ العديد من المجتمعات. هكذا تفرض علينا التقاليد الطويلة للتشجيع وحماية النقاشات العمومية، في القضايا السياسة والاجتماعية والثقافية، في الهند والصين واليابان وكوريا وإيران وتركيا والعالم العربي وفي أجزاء من أفريقيا، مثلًا، اعترافًا أكبر في تاريخ الأفكار الديمقراطية. يمثل هذا الإرث العالمي أرضيةً كافيةً لمساءلة الرأي الشائع بأن الديمقراطية هي فكرةٌ غربيةٌ خالصةٌ و، بالتالي، شكلٌ من الغرْبنة (Westernization). إن للاعتراف بهذا التاريخ أثرٌ مهم على السياسات المعاصرة في سبيل تعزيز الإرث العالمي في حماية وتحفيز التداول الاجتماعي والتفاعلات التعددية، التي لا تقل أهمية، اليوم، عما كانت عليه حين وجدت من يدافع عنها.

يصف نيلسون مانديلا، في سيرته الذاتية الطريق الطويل إلى الحرية (Long Walk to Freedom)، مدى اندهاشه، مذْ كان طفلًا صغيرًا، بالطبيعة الديمقراطية للاجتماعات المحلية التي كانت تقام في بيت الوصي على العرش في مكيكيزويني (Mqhekezweni)؛ حيث كل من رغب في التحدث كان له ذلك. لقد كانت ديمقراطيةً في أبهى صورها. وإذا كان صحيحًا أن بعض هذه المجالس شهدت على نمط من التراتبية حسب أهمية المتحدثين، غير أن جميعهم كان يحظى بالإصغاء المطلوب لحديثة: الرئيس والمرؤوس؛ المحارب والمعالج؛ التاجر والفلاح؛ مالك الأرض والمزارع… هكذا كان الأساس الذي عليه شيد هذا النمط من الحكم الذاتي يكمن في حرية كل الناس في التعبير عن آرائهم والمساواة في قيمتهم بحسبانهم مواطنين.

أيد الأنثروبولوجيان الكبيران ماير فورتس (Meyer Fortes) وإدوارد إيفنس بريتشارد (Edward E. Evans-Pritchard)، في كتابهما المشهور النظم السياسية الإفريقية (African Political Systems)، الصادر قبل ستين عامًا، فكرة أن “بنية الدولة الإفريقية تتضمن أن الملوك والرؤساء يحكمون بالتوافق”. قد يكون في هذا بعضٌ من المبالغة على نحو ما أكدته النقود لاحقًا لهذا الكتاب، غير أنه ما من شكٍ في أهمية المساءلة والمشاركة في التراث السياسي الإفريقي. سيكون من سوء الفهم العميق، إذن، تجاهل كل هذا وحسْبان الصراع من أجل الديمقراطية في إفريقيا مجرد محاولة استيرادٍ لـ”فكرة غربية” عن الديمقراطية. لقد بدأ طريق مانديلا” الطويل إلى الحرية من دياره بإفريقيا، لا من خارجها.

ما من مكانٍ في عالمنا المعاصر تلح فيه الحاجة إلى المزيد من الانخراط القوي في الديمقراطية أكثر من إفريقيا. لقد عانت القارة، كثيرًا، مع نهاية القرن العشرين، من سيطرة النزعة التوتاليتارية والنظم العسكرية، بعد إسدال الستار النهائي على الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والبرتغالية والبلجيكية. ينضاف إلى هذا، حظ إفريقيا العاثر لما وجدت نفسها في القلب من الحرب الباردة؛ حيث رعت كل قوة عظمى معسكرًا مواليًا لها معاديًا لخصمها. هكذا لم يفتقر أي مغتصبٍ للسلطة المدنية إلى سندٍ من قوة عظمى مرتبطٍ بها عسكريًا. إن القارة التي بدت، في الخمسينيات من القرن الماضي، على طريق تطوير نمط من الديمقراطية في بلدانٍ حديثة الاستقلال، سرعان ما باتت تحت قيادة مجموعةٍ من الرجال الأقوياء المرتبطين، على نحوٍ ما، بالاصطفاف الحاد في سياق الحرب الباردة. لقد كان ينافسون الاستبداد الجنوب إفريقي القائم على الفصل العنصري.

شيئًا فشيئًا، أخذت هذه الصورة في التغير بفضل الدور الريادي لجنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري. لكن، وكما أكد أنتوني أبيا (Anthony Appiah)، “سيبوء الاستقلال الإيديولوجي بالفشل إذا لم يأخذ في حسبانه ”التراث” الداخلي والأفكار ”الغربية” الخارجية”، على السواء؛ فحتى حين تكون المؤسسات الديمقراطية، التي طورها الغرب، محل ترحيبٍ وتفعيلٍ، فإن المهمة تقتضي فهمًا عميقاً لجذور الوعي الديمقراطي في إفريقيا نفسها. هذا وتعترض مشكلاتٌ مشابهةٌ، وبدرجات متفاوتةٍ، أجزاء أخرى من العالم غير الغربي في صراعها من أجل إرساء أو تعزيز الحكم الديمقراطي.

II

تربط فكرة الأصل الغربي للديمقراطية، في بعض الأحيان، بممارسة التصويت والانتخاب في اليونان القديمة، تحديداً في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. وإنه لمن المهم، حقيقةً، الاعتراف بالدور اللافت للديمقراطية الأثينية المباشرة، في تطوير أفكار الديمقراطية وممارساتها، التي دشنتها الحركة الرائدة لكلايستين (Cleisthenes) (حوالي 506 قبل الميلاد). يشتق مصطلح “الديمقراطية” من الكلمتين اليونانيتين “الشعب” (Demos) و”السلطة” (Kratia). وعلى الرغم من أن أشخاصًا كثر في أثينا (النساء والعبيد تحديدًا) لم يتمتعوا بصفة المواطنة ولم يحظوا بحق التصويت، إلا أن الأهمية الكبيرة للممارسة الأثينية المتمثلة في تقاسم السلطة السياسية تستحق الاعتراف من دون مواربةٍ.

لكن إلى أي مدًى يسمح هذا باعتبار الديمقراطية مفهومًا غربيا بالأساس؟ تبرز هنا معضلتان رئيستان: تكمن المعضلة الأولى في أهمية التفكير العمومي، الذي يتجاوز ضيق التصور المختزل للديمقراطية في الاقتراع العام. وأثينا عينها كانت مميزةً بتحفيزها للنقاش العمومي، كما كانت، على العموم، اليونان القديمة. لكنها لم تكن متفردةً في هذا الشأن؛ إذ ثمة، أيضًا، في مجتمعاتٍ أخرى من بين الحضارات القديمة تاريخٌ طويلٌ من التسامح والتعددية والتداول العمومي.

أما المعضلة الثانية فتتصل بتقسيم العالم إلى حضاراتٍ معزولةٍ عن بعضها في نطاقاتٍ جغرافية مطابقةٍ للحضارات تلك؛ حيث تمثل اليونان القديمة، مثلاً، جزءًا لا يتجزأ من تقليدٍ “غربي” يمكن التعرف عليه. ليست المسألة هذه صعبة التحقق، فحسب -بالنظر إلى تباين تاريخ أجزاء أوروبا المختلفة- إنما من الصعب، أيضًا، إغفال جانبٍ مضْمرٍ من التفكير العنصري في هذا الضرب من الاختزال الكامل للحضارة الغربية في العصور اليونانية القديمة. لن يكون من العسير علينا، وفق هذا المنظور، حسبان أحفاد قبائل القوط (Goths) الشرقيين والقوط الغربيين وأوروبيين آخرين غيرهم، على سبيل المثل، من ورثة التقليد اليوناني؛ “فكلهم أوروبيون”. غير أنه ثمة إحجامٌ كبيرٌ في ملاحظة روابط الفكر اليوناني القديم بالمصريين والإيرانيين والهنود القدامى، على الرغم من الأهمية الكبرى التي أبداها اليونانيون أنفسهم –وفق ما تكشفه السرديات المعاصرة- بالحديث إلى هؤلاء (بدلًا من القوطيين القدامى).

غالبًا ما كان مدار النقاشات يحوم حول قضايا متصلة، إنْ على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، بالأفكار الديمقراطية. حينما سأل الإسكندر جماعةً من فلاسفة الجايين (Jain philosophers) في الهند عن سبب ضعف اكتراثهم لموكب الفاتح العظيم، تلقى الجواب التالي، الذي وضع مباشرةً مشروعية اللامساواة على المحك: ” أيها الملك الإسكندر، كل إنسانٍ لا يملك أن يحصل إلا على جزءٍ من قطعةٍ أرضيةٍ كهاته التي عليها نقف. ما أنت إلا إنسانٌ مثلنا، عدا كونك مشغولًا، على الدوام، بما لا يفيد: السفر لأميالٍ طويلةٍ، بعيدًا عن موطنك، مع ما في سفرك هذا من إزعاجٍ لنفسك وللآخرين!… ستموت بعد حينٍ، وعندها لن تحوز من الأرض غير القدر الذي يكفي لدفنك”. وقد أفاد أريان (Arrian) بأن رد الإسكندر على هذا اللوم على غياب المساواة كان بالإعجاب عينه الذي أفصح عنه في لقائه مع ديوجين (Diogenes)، على الرغم من ثبات سلوكه على ما كان عليه (أي على النقيض مما كان يدعى). هكذا يظهر أن تقسيم عالم الأفكار على أساس الخصائص العرقية المشتركة للشعوب هو طريقةٌ عجيبة لتنميط تاريخ الفكر.

لا يؤخذ في الحسبان هنا، مطلقًا، كيف تنتشر التأثيرات الفكرية، أو كيف تنتج التطورات الموازية في عالمٍ مترابطٍ بالأفكار لا بالعرق. ليس ثمة ما يشير إلى أن التجربة اليونانية في الحكم الديمقراطي كان لها الكثير من التأثير الفوري على الدول الواقعة غرب اليونان وروما، كفرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا. في المقابل، نعثر في بعضٍ من دول آسيا المعاصرة –في إيران ومنطقة باكتريا[1] (Bactria) والهند- على عناصر للديمقراطية مندمجة في تدبير البلديات المتأثر، على نحوٍ واسعٍ، باليونان. لقد كان لمدينة سوسا في الجنوب الغربي لإيران، بعد قرونٍ عديدةٍ من حقبة الإسكندر، مجلسٌ منتخبٌ، ومجمعٌ شعبي، وقضاة يقترحون من قبل المجلس وينتخبون من قبل المجمع. ثمة، أيضًا، شواهد مهمةً على عناصر للحكم الديمقراطي على المستوى المحلي في الهند وباكتريا خلال الفترة عينها.

جديرٌ بالإشارة، طبعًا، أن هذا النمط من الممارسات كان ينحصر، بشكلٍ شبه تام، في الحكومات المحلية. غير أنه من الخطأ، مع ذلك، إقصاء هذه التجارب المبكرة للحكم التشاركي بحسبانها غير ذات أهمية في التاريخ الشامل للديمقراطية. ينبغي قياس فداحة هذا التجاهل في ضوء الأهمية الخاصة للسياسات المحلية في تاريخ الديمقراطية، بما فيها جمهوريات-المدن التي نشأت، في إيطاليا، بعد أكثر من ألف عامٍ بدْءًا من القرن الحادي عشر. وكما أشار بنيمين شوارتز (Benjamin Schwartz) في كتابه المهم عالم الفكر في الصين القديمة (The World of Thought in Ancient China)، فإن، “فكرة أن الديمقراطية غير قابلةٍ للتحقق في الدول الكبيرة تظل، حتى في تاريخ الغرب وذكرياته حول “الديمقراطية الأثينية”، حكمةً مقبولةً إلى حدود مونتيسكيو وروسو”.

في الواقع، غالبًا ما تضطلع هذه التواريخ بأدوارٍ ملهمةٍ، وتكبح الشعور بالبعد عن أفكار الديمقراطية. فحين حازت الهند استقلالها، في 1947، لم تتضمن مرجعية النقاشات السياسية، التي قادت إلى إقرار دستور جد ديمقراطي -بما جعل من الهند أكبر ديمقراطية في القرن العشرين- التجارب الغربية في الديمقراطية، فحسب، بل ذكرت، أيضًا، بالتقاليد الهندية الخالصة في هذا المجال. شدد جواهر لال نهرو[2] (Jawaharlal Nehru) على التنوع العقدي والتعددية في القواعد السياسية للأباطرة الهنود أمثال أشوكا[3] (Ashoka) جلال الدين محمد أكبر [4] (Akbar). لقد تم استحضار دعم النقاش العمومي من قبل تلك الأنظمة المتسامحة وربطه، على نحوٍ عجيب، بدستور الهند الحديث التعددي.

ثمة، أيضاً، نقاشاتٌ مهمةٌ خلال السنوات الأولى لاستقلال الهند حول ما إذا كان في مكن “التنظيم السياسي القديم للهند” خدمة النموذج الدستوري لهند القرن العشرين، على الرغم من أن هذه الفكرة كانت، في الواقع، أقل مقبوليةً من فكرة ربط تأسيس دستور الولايات المتحدة في 1776، مثلًا، بالممارسات السياسية لليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. لقد خاض رئيس لجنة صياغة الدستور الهندي، بهيمراو رامجي أمبيدكار (B.R. Ambedkar) في تفاصيل تاريخ نظام الحكم الديمقراطي المحلي في الهند للنظر في مدى إمكانية أن يكون مثمرًا في خدمة النموذج الدستوري للديمقراطية الهندية الحديثة. وكانت خلاصة أمبيدكار أنه لا ينبغي، بالتأكيد، إيلاء ذاك الدور أهمية، لأن النزعة المحلية ولدت “ضيق الأفق والطائفية” (وقد أكد أمبيدكار، شخصياً، أن “هذه القرى الجمهورية وقفت خلف خراب الهند”). على الرغم من ذلك، حتى حين رفض أمبيدكار، على نحوٍ قاطعٍ، إمكانية أن تكون المؤسسات الديمقراطية للهند القديمة بمثابة نماذج معاصرة ملائمة، فإنه لم يخْفق في إدراك الأهمية العامة لتاريخ التفكير العمومي الهندي، وشدد، على نحوٍ خاص، على التعبير عن الرؤى غير الأرثوذوكسية والنقد التاريخي لانتشار اللامساواة في الهند. وثمة، هنا، تشابهٌ مباشرٌ مع استدعاء نيلسون مانديلا القوي لتراث إفريقيا الخاص في التفكير العمومي عند مرافعته عن ديمقراطيات تعددية في إفريقيا.

III

تزخر الأدبيات القائمة حول تاريخ الديمقراطية بالتناقضات المشهورة بين أفلاطون وأرسطو، ومارسيليوس دي بادو وميكيافيلي، وهوبز ولوك… إلخ. لكن تراثًا فكريًا واسعًا للصين، واليابان، وشرق وجنوب شرق آسيا، وشبه القارة الهندية، وإيران، والشرق الأوسط، وإفريقيا أهْمل، على نحوٍ شبه كاملٍ، في تحليل إسهام نموذج التفكير العمومي. وهذا لم يحفز فهمًا شاملًا، على نحوٍ كافٍ، لطبيعة الأفكار الديمقراطية وقوتها، بما هي متصلةٌ بالتداول العمومي البناء.

يرتبط نموذج التفكير العمومي، على نحوٍ وثيقٍ، بممارستين اجتماعيتين محددتين، تستحق انتباهًا خاصا: التسامح مع وجهات النظر المختلفة (بما في ذلك القبول بالاختلاف في الرأي)؛ وتشجيع النقاش العمومي (بما في ذلك القبول بقيمة التعلم من الآخرين). لطالما نظر إلى التسامح والانفتاح على النقاش العمومي على أنهما سمتان –ربما فريدتان- للتقليد الغربي. لكن ما مدى صحة هذه الفكرة؟ ما من شكٍ في أن التسامح مثل، على العموم، سمةً بارزةً في السياسات الغربية الحديثة (لنضع جانبًا الانحرافات المتطرفة كتلك التي شهدت عليها ألمانيا النازية والإدارة غير المتسامحة للإمبراطوريات البريطانية أو الفرنسية أو البرتغالية في آسيا وإفريقيا). مع ذلك، لا يكاد يكون هناك انقسامٌ تاريخي كبيرٌ يمكنه أن يفْصل التسامح الغربي عن الاستبداد غير الغربي. حين أجبر الفيلسوف اليهودي ابن ميمون، في القرن الحادي عشر، على الهجرة من أوروبا غير المتسامحة، على سبيل المثال، عثر على ملاذٍ متسامحٍ في العالم العربي، وحضي بمكانةٍ مشرفةٍ ومؤثرةٍ في بلاط السلطان صلاح الدين الأيوبي في القاهرة. وصلاح الدين هذا، هو عينه الذي قاتل ببسالةٍ، في الحروب الصليبية، من أجل الإسلام.

لم تكن تجربة ابن ميمون استثناءً؛ إذْ على الرغم من أن العالم المعاصر حافلٌ بالأمثلة على الصراعات بين المسلمين واليهود، فإن القادة المسلمين في العالم العربي وفي إسبانيا الوسيطة كان لهم تاريخ طويلٌ في إدماج اليهود كأعضاء آمنين في المجتمع، حرياتهم و-أحيانا- أدوارهم القيادية مصانة. وكما أشارت ماريا روزا مينوكال (María Rosa Menocal)، في كتابها الأخير زخرفة العالم (The Ornament of the World)، فإن حقيقة أن قرطبة، في الفترة التي حكم فيها المسلمون إسبانيا في القرن العاشر، كانت “منافسًا حقيقيًا، كبغداد، بل أكثر، على لقب أكثر الأمكنة تحضرًا على الأرض”، مردها (أي تلك الحقيقة) إلى التأثير المزدوج للخليفة عبد الرحمان الثالث ووزيره اليهودي حاصدي بن شبروت. في الواقع، ثمة شهادات مهمة، كما تؤكد مينوكال، على أن وضع اليهود، بعد الغزو الإسلامي، تحسن على جميع الصعد؛ حيث انتقلوا من أقلية مضطهدةٍ إلى أقلية محمية”.

وعلى نحو مشابهٍ، حين كان الإمبراطور المغولي جلال الدين محمد أكبر، المؤمن بالتعدد وبالدور البناء للنقاش العمومي، يتحدث في الهند في 1590 عن الحاجة إلى التسامح ومنشغلاً بإرساء الحوار بين جماعات مختلفةٍ اعتقاداتها (تشمل الهندوس والمسلمين والمسيحيين والفرس والجاين واليهود و، حتى، الملحدين)، كانت محاكم التفتيش ما تزال قائمةً في أوربا، وعلى نحون أشد. لقد أحرق جيوردانو برونو (Giordano Bruno) بتهمة الهرطقة، في كامبو دي فيوري (Campo dei Fiori) في روما عام 1600، حين كان جلال الدين محمد أكبر يتحدث عن التسامح في مدينة أغْرا (Agra). لكن ينبغي أنْ لا نسقط في فخ ادعاء أن المجتمعات غير الغربية هي، بشكلٍ عام، أكثر تسامحًا مما هي عليه المجتمعات الغربية؛ إذْ من غير الممكن إجراء مثل هذا التعميم. لقد كانت هناك أمثلةٌ عظيمةٌ على التسامح، وأيضًا على التعصب، في جانبي هذا التقسيم المزعوم للعالم. إن ما يحتاج التصحيح، هنا، هو إخضاع هذه الاستثنائية الغربية في مسألة التسامح إلى التأكيد عن طريق البحث؛ لكن لا ينبغي تعويض هذه النزعة بتعميم تعسفي مماثلٍ، نقيضٍ له.

يمكن اعتماد ملاحظة مماثلة بخصوص تقليد النقاش العمومي. مرةً أخرى، يبدو التراث اليوناني والروماني، في هذه المسألة، مهما بشكل خاص لتاريخ التفكير العمومي، لكنه لم يكن فريدًا، في هذا الصدد، في العالم القديم. إن الأهمية المعقودة من قبل المفكرين البوذيين على التداول العمومي لم تقدْ إلى حوارات عديدةٍ حول القضايا الدينية والدنيوية، في الهند وشرق وجنوب شرق آسيا، فحسب، وإنما أنتجت، أيضاً، ما يمكن حسبانه نوعًا من التجمعات العامة المفتوحة المبكرة التي ترمي، أساسًا، إلى تسوية الخلافات المتصلة بوجهات النظر المختلفة. انشغلت هذه “المجالس” البوذية، التي انعقد أولاها بعيد وفاة غوتاما بوذا (Gautama Buddha)، ابتداءً، في معالجة الاختلافات بشأن المبادئ والممارسات الدينية، لكنها تعاملت، أيضاً، مع متطلبات الواجبات الاجتماعية والمدنية، كما ساعدت في إرساء ممارسة النقاش المفتوح حول القضايا الخلافية.

ولعل أكبر المجالس تلك -ثالثها- المنعقد، تحت رعاية الإمبراطور أشوكا، في القرن الثالث قبل الميلاد، في باتاليبوترا[5] (Pataliputra)، عاصمة الهند آنذاك، المسماة حاليا باتنا (Patna) (ربما هي اليوم مشهورةٌ أكثر بأنها مصدر الأرز الناعم طويل الحبة). لقد كانت النقاشات العمومية، الخالية من العنف أو العداء، مهمةً على نحوٍ خاص بالنسبة إلى اعتقاد أشوكا العام بأهمية التداول الاجتماعي، كما تشهد على ذلك النقوش التي وضعها على الأعمدة الحجرية المنتشرة في الهند، خاصة، وفي خارجها. وقد طرح مرسوم إراغودي (Erragudi) هذه المسألة بقوة:

إن قواعد دراهما في [السلوك القويم] ممكنةٌ وفق سبلٍ مختلفةٍ. غير أن جذورها كامنةٌ في السيطرة على النفس في الحديث، بحيث لا يفصح المتحدث عن أي نوعٍ من التبجيل لطائفته، في مقابل تحقير الطوائف الأخرى، في مواقف غير مناسبةٍ، بل يجب أن يكون الحديث معتدلًا دائمًا. على العكس من ذلك، ينبغي تكريم الطوائف الأخرى، كما يليق، بكل السبل وفي جميع المناسبات… وإذا تصرف أحدٌ على نحوٍ غير لائقٍ فإنه لا يسيء إلى طائفته، فحسب، بل يضر بالطوائف الأخرى. حين يمجد شخصٌ طائفته ويحقر من الطوائف الأخرى، فقط لمجرد انتمائه إليها فإنه يسيء، حقيقةً، بشدة إلى طائفته بهذا السلوك.

من المهم الإشارة، هنا، في ما يتصل بالنقاش العام والتواصل، إلى أن كل المحاولات المبكرة للطباعة، تقريبًا، والتي جرت في الصين وكوريا واليابان، باشرها تقنيون بوذيون في سياق انشغالهم بتوسيع التواصل. أول كتابٍ طبع في العالم كان ترجمةً صينيةً لمقالةٍ هندية سنسكريتية عرفت لاحقًا باسم كتاب الماس (Diamond Sutra)، ألفه راهبٌ هندي-تركي يدعى كوماراجيفا (Kumarajeeva)، في القرن الخامس، والذي نشر في الصين بعدها بأربعة قرونٍ ونصف في عام 868. هكذا حمل تطور الطابعة، مدفوعًا بشدة بالانخراط في نشر التصورات البوذية (بما فيها الرحمة والإحسان)، إلى نقل إمكانيات التواصل العمومي بشكل عام. لقد كان ابتكار الطباعة، الذي مثل، ابتداءً، وسيلة نشر التعاليم البوذية، لحظةً فارقةً في التواصل العمومي وسعت، على نحوٍ معتبرٍ، إمكانيات التداول الاجتماعي.

كان لانخراط رجال الدين البوذيين في توسيع التواصل في المجالات الدينية و، أيضًا، الدنيوية صلةً وثيقةً بالجذور العالمية للديمقراطية. وقد اتخذ هذا التواصل، أحيانًا، شكل خلافٍ متمرد. في الواقع، قدم فو-يي (Fu-yi) وهو زعيمٌ كونفوشيوسي ينتمي إلى تيارٍ مناهضٍ للبوذية، في القرن السابع، الشكوى التالية إلى الإمبراطور تانغ (Tang) [بالتوازي، تقريبًا، مع الغضب من عدم انضباط طائفةٍ الفالون تانغ (Falun Gong)]: “إن البوذية، التي تسللت إلى الصين من آسيا الوسطى، على نحو غريبٍ وبربري، كانت، مع ذلك، أقل خطرًا. لكن، ومنذ عهد هان (Han)، بدأت النصوص الهندية تترجم إلى الصينية. لقد أضحت منشوراتهم تنال، بشكلٍ سلبي، وفي الوقت عينه، من إيمان الأمراء، الذي فسد، ومن البر الواجب تجاه الآباء، الذي تدهور؛ حيث شرع الناس في حلاقة رؤوسهم، وباتوا يرفضون الانحناء إلى الأمراء وأسلافهم”. وفي حالات أخرى، أخذت جدليات العلاقة شكل التعلم المتبادل. في الواقع، لعب رجال الدين البوذيين الدور الأكبر في التبادلات العلمية الواسعة الرياضياتية والأدبية، بين الصين والهند، خلال الألفية الأولى بعد الميلاد.

وفي اليابان بداية القرن السابع ميلادي، لم يبعث ولي العهد الأمير البوذي شوطوكو (Shotoku)، في عهد أمه الإمبراطورة سويكو (Suiko) ببعثاتٍ إلى الصين لاجتذاب الفن والعمارة وعلم الفلك والأدب والدين (بما في ذلك النصوص الطاوية والكونفوشيوسية، فضلاً عن البوذية)، فحسب، إنما استدخل دستورًا ليبراليا نسبيًا يسمى كيمبو (kempo) المعروف بـ” دستور السبع عشرة مادة“، في 604 من الميلاد. وقد شدد هذا الدستور، بالروح عينها للماكنا كارتا[6] (Magna Carta) (الصادرة في إنكلترا بقرونٍ ستة بعده)، على أن “القرارات المتصلة بالقضايا المهمة لا ينبغي أن تتخذ من قبل شخصٍ واحدٍ، بل يجب أن تكون محل نقاشٍ من قبل أناسٍ كثر”. ومن توجيهات هذا الدستور أيضًا أنه “لا ينبغي لأحدٍ الاستياء من اختلاف الآخرين عنا؛ لأن لكل الناس قلوبًا، ولكل قلبٍ ميوله الخاص. حق الآخرين خطأٌ علينا تجاوزه، وحقنا خطأٌ عليهم تجاوزه”. ليس غريبًا، إذن، أن يرى العديد من المحللين في دستور القرن السابع هذا ما وصفه ناكامورا هاجيم (Nakamura Hajime) الخطوة الأولى في التطور التدريجي نحو الديمقراطية في اليابان.

ثمة، في الواقع، العديد من مظاهر الانخراط الراسخ في النقاش العمومي والتفكير الجماعي التي يمكن العثور عليها في أمكنة وأزمنةٍ عديدةٍ عبر العالم. لنأخذ نموذجًا آخر كان له عظيم النجاح العلمي والثقافي، في الحضارة العربية التي تلت الألفية الأولى للإسلام، كشف عن مثالٍ لافتٍ لإبداعٍ أصيلٍ ممزوجٍ بانفتاحٍ على التأثيرات الفكرية التي مأتاها من خارج؛ من أشخاصٍ ذوي معتقداتٍ ونظمٍ سياسية مختلفة. لقد كان لكلاسيكيات اليونان الأثر العميق في الفكر العربي، كما كانت الحال بالنسبة إلى مجال أكثر تخصصا كالرياضيات الهندية. هكذا، وعلى الرغم من أن نظام الحكم الديمقراطي لم يكن ضمن إنجازات هذا الفكر، لم تتمثل ميزة ما حقق –من ازدهارٍ لافتٍ للفلسفة العربية والأدب والرياضيات والعلوم– في تخليد الإبداع المحلي، فحسب، إنما أيضًا في تمجيد التفكير العمومي المفتوح الذي أثر في المعرفة والتكنولوجيا والسياسة على السواء. وقد أوضح علي بن أبي طالب، بجلاءٍ، الفكرة الكامنة في هذا الانفتاح، في القرن السابع من الميلاد، في قولته: “ما من غنًى يمكن أن يغنيك أكثر من غنى النفس، وما من عزلة هي أشد قفْرًا من الغرور”. هذه المقولات وأخرى على شاكلتها استشهد بها تقرير التنمية البشرية العربية 2002″ الصادر عن الأمم المتحدة لملاءمتها للعالم المعاصر. غير أن أطروحة الاستثناء الأوروبي، على النقيض من هذا، تدعو العرب -على غرار باقي العالم غير الغربي- إلى نسيان إرثهم الخاص في مسألة التفكير العمومي.

IV

لا يشوه تجاهل مركزية التفكير العمومي في فكرة الديمقراطية تاريخ هذه الفكرة ويقزمه فحسب، إنما، أيضًا، يشيح بالانتباه بعيدًا عن السيرورات التفاعلية التي من خلالها تعمل الديمقراطية وتضمن نجاحها. تهْمل الجذور العالمية للتفكير العمومي – وهذه خسارة كبرى في حد ذاتها- بالتوازي مع تقويض وعيٍ سليمٍ لمكانة الديمقراطية ودورها في العالم المعاصر. وعلى الرغم من توسيع حق تصويت الراشدين وانتخاباتٍ حرةٍ ونزيهةٍ، فإن التداول الحر الخالي من الرقابة مهم للناس لكي يكونوا قادرين على تحديد مطالبهم وانتقاداتهم وكيف عليهم أن يصوتوا.

خذ في الاعتبار الادعاء، الذي نوقش كثيرًا، والذي مفاده أن المجاعات لا تحصل إلا في الديمقراطيات، بل حصرًا في المستعمرات البريطانية (كما كانت الحال في الهند البريطانية)، أو في الديكتاتوريات (كما في إثيوبيا والسودان أو الصومال في العقود الأخيرة)، أو في دول الحزب الواحد (كما في الاتحاد السوفياتي في ثلاثينيات القرن الماضي، أو الصين ما بين 1958 و1961، أو كمبوديا في السبعينيات، أو كوريا الشمالية في الماضي القريب)؛ فمن الصعب على حكومةٍ الصمود في وجه النقد العام عند حدوث مجاعة. ليس فقط خوفًا من خسارة الانتخابات، بل أيضا خشية العواقب المحتملة للرقابة العامة حين تكون الصحافة وسائل الإعلام الأخرى مستقلةً وحرةً، ويكون في مكن المعارضة مضايقة المسؤولين. دائمًا ما تكون نسبة المتضررين من المجاعة ضئيلةً إلى حد ما (أقل من 10 في المائة من السكان)؛ ولكي تصبح المجاعة كابوسًا فمن الضروري توليد التعاطف العام لدى الناس من طريق مشاركة المعلومات وفتح النقاش العمومي.

على الرغم من أن الهند شهدت على مجاعاتٍ حتى استقلالها في 1947 –آخرها كانت مجاعة البنغال في 1943، التي قتلت ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين شخصٍ- فإن هذه الكوارث توقفت، فجأةً، بعد إرساء ديمقراطية تعددية. في المقابل، شهدت الصين على ما صنف بالمجاعة الكبرى في التاريخ، بين 1958 و1961، ذهب ضحيتها بين ثلاثةٍ وعشرين وثلاثين مليون شخصٍ، في أعقاب كارثة التنظيم الجماعي (Collectivization) في فترة ما سمي “القفزة الكبرى إلى الأمام” (“Great Leap Forward”). ومع ذلك، فإن نظام اشتغال الديمقراطية، الذي يكون ناجعًا -من دون عناء كبير- في توقع الكوارث البارزة كالمجاعات، مثلاً، لا يكون بالنجاعة نفسها في تسْييس بشاعة سوء التغذية المزمن وتدهور الأوضاع الصحية للناس، طالما لم يصل الأمر حدودًا قصوى. هكذا لم يكن لدى الهند أي مشكلة في تفادي المجاعة بالتدخل في الوقت المناسب، غير أنه كان من الصعب عليها كثيرًا أن تحفز اهتمامًا عامًا مناسبًا بالحرمان الأقل خطورة وإلحاحًا، من قبيل الحضور المزمن والصامت للجوع، الذي لم يصل درجة الإدقاع، في أرجاء البلاد، أو المستوى المتدني للخدمات الصحية الأساس.

إذا كانت الديمقراطية الهندية ليست خلوا من نجاحات، غير أن إنجازاتها ما تزال ضعيفةً بكثير بالنظر إلى ما يمكن للتفكير العمومي أن يصنعه في مجتمعٍ ديمقراطي إذا قرر مواجهة الحرمان الأقل وضوحًا كالجوع المزمن. يمكن تسليط نقدٍ مماثلٍ بشأن حماية حقوق الأقليات، التي لا يمكن أن تضمنها قاعدة الأغلبية، طالما لا يمنح النقاش العمومي للحقوق تلك وضوحًا سياسيًا ولا وضعًا مناسبًا حتى تحظى بدعمٍ عام. لم يكن هذا ما حصل في ولاية غوجارات (Gujarat) العام الماضي، حين قادت أعمال الشغب، الموجهة سياسيًا، إلى تشددٍ طائفي غير مسبوقٍ معادٍ للمسلمين، وانتصارٍ انتخابي للحكومة الهندوسية الشوفينية، في الولاية تلك. ستعتمد حماية العلمانية وحقوق الأقليات بشدة في الهند على مدى اتساع النقاش العام وحيويته في هذا الموضوع؛ فإذا لم تفهم الديمقراطية على أنها مجرد اقتراعٍ عام فحسب، بل بحسبانها، أيضًا، شكلًا عامًا من التفكير العمومي، فإن المطلوب من ذلك تعزيز الديمقراطية لا إضعافها.

لا ينبغي أن ينظر إلى الحاجة إلى المزيد من التقصي ونقاشٍ عمومي أكثر قوة -حتى في الدول التي تحظى بمؤسسات ديمقراطية راسخةٍ- على أنها دعوةٌ إلى اليأس. هكذا يمكن للناس الاستجابة إلى الانشغالات المعبر عنها بشكل عام، وإلى نداءات التسامح والإنسانية، وهذه من مهمات التفكير العمومي. في الواقع، ليس من السهل استبعاد إمكانية حدوث هذه الاستجابة، في نطاق محدود في الهند، في أعقاب أحداث العنف في غوجارات وانتصار الطائفية الهندوسية في انتخابات غوجارات في ديسمبر 2002. لم يساعد ذاك الانتصار المصْطنع في غوجارات حزب بهاراتيا جاناتا (Bharatiya Janata Party BJP) في انتخابات الولايات الهندية الأخرى التي أجرت انتخاباتها بعد غوجارات. لقد خسر حزب بهاراتيا جاناتا في كل الولايات الأربع، في انتخابات 2003، غير أن الخسارة اللافتة كانت تلك التي حصلت في هيماشال براديش (Himachal Pradesh)، حيث كان الحزب، ساعتئذ، في السلطة قبل أن يحصل على ستة عشر مقعدًا، فقط، مقابل أربعين مقعدًا لحزب المؤتمر. أكثر من ذلك، ظفرت امرأةٌ مسلمةٌ من حزب المؤتمر بمنصب عمدة أحمد أباد (Ahmedabad) قبيل أشهرٍ فقط من أحداث العنف المناهضة للمسلمين في غوجارات. كثيرة هي القضايا التي عليها ستعتمد طاقة التفكير العمومي واتساعه في المستقبل. تحملنا هذه القضية إلى الحجج التي ساقها دعاة التفكير العمومي في ماض الهند، بمن فيهم أشوكا وأكبر، والذين ما تزال تحليلاتهم ملائمةً لنا اليوم تمامًا.

يمكن أيضا إدراك الدور المعقد لمسألة التفكير العمومي عند المقارنة بين إنجازات الصين والهند في مجال الرعاية الصحية وأمد الحياة خلال العقود الأخيرة. وقد تبين أن الموضوع هذا كان مدار اهتمام المعلقين الصينيين والهنود منذ آلاف السنين. ففي الوقت الذي كتب فيه فاكسيان فا هين (Faxian Fa-Hien) في القرن الخامس، بإعجابٍ وبتفصيلٍ مفرطٍ عن الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة في باتاليبوترا، رأى زائرٌ لاحقٌ للهند، في القرن السابع، هو ييجينغ أي تشينغ (Yi Jing I-Ching)، بنظرةٍ أكثر تنافسية، بأن “أحداً لم يتجاوز الصين في فنون العلاج بالوخز بالإبر والكي وجس النبض في الجسم؛ لا يوجد دواء إطالة أمد الحياة إلا في الصين. وقد كان ثمة نقاشات عديدة، أيضًا، حول تشاناشار (Chinachar) – وهي ممارسة صينية – في مجالاتٍ مختلفةٍ حين وصلت البوذية بين البلدين.

كان للصين والهند، في منتصف القرن العشرين، متوسط العمر نفسه، تقريبًا، في حدود خمسة وأربعون سنة. غير أن الصين بعد الثورة، إثْر انخراطها الشامل في تطوير خدمات الصحة والتربية (انخراطٌ انطلق منذ أيام الثورة الأولى) حققت مستوًى عالٍ من التفاني في تطوير الخدْمات الصحية التي لم تفلح الإدارة الهندية المتواضعة في مضارعته. وفي اللحظة التي اعتمدت فيها الإصلاحات الاقتصادية، في 1979، تجاوزت الصين الهند في متوسط العمر بثلاثة عشرة سنةٍ أو أكثر؛ فبينما وصل أمد الحياة سبعةً وستين عامًا في الصين، لم يكن يتعدى في الهند أربعةً وخمسين عامًا. مع ذلك، ورغم أن الإصلاحات الاقتصادية الجذرية دشنت مرحلة نمو اقتصادي غير مسبوقٍ، فإن الحكومة تخلت عن التزامها بتقديم الخدمات الصحية، واستعاضت عن التأمين التلقائي والمجاني للخدْمات الطبية بإلزامية تأمينٍ خاصٍ من أداء المستفيد (ما عدا إذا كان من أداء المشغل، وهو ما لا يحصل إلا مع أقلية صغيرة). لم تقابل هذه الحركة التراجعية الواسعة في تغطية العلاجات الطبية سوى بمقاومةٍ عامة ضعيفةٍ (على نحو مشابهٍ مما كان سيكون عليه الأمر، من دون شك، في ديمقراطيةٍ تعددية) على الرغم من أثرها شبه الأكيد على كبح التقدم الحاصل في متوسط العمر الصيني. في المقابل، باتت الخدْمات الصحية غير المرضية في الهند، شيئًا فشيئًا، محط إدانة ورقابةٍ عامين، وهو ما فرض بعض التغييرات الإيجابية في الخدمات المقدمة.

وعلى الرغم من أن معدل النمو في الصين أكبر بكثير منذ الإصلاحات الاقتصادية، فإن تطور معدل أمد الحياة، في الهند، كان أسرع بنحو ثلاثة أضعافٍ منه في الصين؛ فإذا ما قورن متوسط العمر في الصين، الذي يبلغ حاليًا سبعين عامًا، بمقابله في الهند، الذي يصل ثلاثةً وستين عامًا، فإننا نجد أن الفارق بين المعدلين -وهو لصالح الصين- قلص لصالح الهند إلى النصف تقريبًا بسبعة أعوام، على مدار العقدين الأخيرين. لكن ينبغي التنبيه، هنا، إلى حقيقة أن صعوبة الرفع من أمد الحياة تزداد أكثر فأكثر، بالنظر إلى بلوغ المستوى الأقصى، ويمكننا التأكيد على أن الصين قد تكون بلغت الآن مستوًى صارت مع أي زيادةٍ في أمد الحياة أمرًا شديد الصعوبة. ومع ذلك، فإن هذا التفسير لا يستقيم، بما أن متوسط العمر الصيني، البالغ سبعين عامًا، أقل بكثيرٍ من المسجل في العديد من دول العالم، بل حتى في بعض المناطق في الهند.

وفي لحظة الإصلاحات الاقتصادية، حين كان للصين متوسط عمرٍ يقارب سبعة وستين سنة، كان متوسط العمر لولاية كيرالا (Kerala) معدلٌ مشابه. أما الآن، فإن أمد الحياة في كيرالا يصل أربعة وسبعين عامًا مجاوزًا بكثير معدل السبعين عامًا في الصين. وإذا مضينا قدمًا ونظرنا إلى معطيات نوعية أكثر حساسية، سنجد أن معدل وفيات الرضع انخفض في الصين ببطءٍ شديدٍ منذ الإصلاحات الاقتصادية، بينما استمر في التراجع على نحوٍ حاد جدا في كيرالا. فبينما كان لولاية كيرالا، في 1979، معدل وفيات الرضع نفسه، تقريبًا، مقارنةً بالصين –سبعة وثلاثون في الألف-، فإن المعدل الحالي في الولاية بين ثلاثة عشر وأربعة عشر في الألف، وهو أقل بكثيرٍ من نصف معدل الصين (الذي ظل جامدًا خلال العقد الأخير). يبدو أن ولاية كيرالا، بخلفية سياستها المساواتية، استطاعت أن تستفيد أكثر من ممارسة تفكيرٍ عمومي متواصلٍ يحرصه النظام الديمقراطي. هذا الأخير، وحده فقط، القادر على مساعدة الهند على تقليص فجوتها مع الصين، على نحوٍ فعالٍ جدًا، على الرغم من الاختلالات الكبيرة للخدْمات الصحية في الهند، والتي نوقشت على نطاقٍ واسعٍ في الصحافة. في الواقع، إن معرفة العديد من المعطيات –مع الكثير من التفاصيل– عن عجز الرعاية الصحية الهندية من خلال الانتقادات الصحفية يساهم، في حد ذاته، في تحسين الوضع الحالي.

يمكن للدور الإخباري للديمقراطية، الممارس أساسًا من خلال حوار عامٍ مفتوحٍ، أن يحظى بأهمية حاسمةٍ. وقد استرعى تقييد هذه الميزة الإخبارية الانتباه أكثر في سياق وباء السارس الأخير. فعلى الرغم من أن حالات الإصابة بداء السارس ظهرت للمرة الأولى في نونبر 2002 جنوب الصين، وتسببت في العديد من الوفيات، إلا أن المعلومات حول هذا المرض الجديد القاتل ظلت طي الكتمان حتى شهر أبريل. في الواقع، لم تنشر الأخبار إلا بعد أن انتشر هذا الوباء شديد العدوى في هونكونغ وبيجين، لكن حينها بات الوباء، بالفعل، خارج إمكانية العزل والقضاء عليه محليًا. من الواضح، إذن، أن الافتقار إلى نقاش عامٍ مفتوحٍ لعب دورًا حرجًا في انتشار وباء السارس، غير أن المسألة أعمق بكثيرٍ.

V

إن قيمة التفكير العمومي تمارس في التفكير في الديمقراطية نفسها؛ إذْ من الجيد أن الممارسات الديمقراطية أخضعت لتمحيصٍ دقيقٍ في الأدبيات المتصلة بالشؤون الدولية، لأن ثمة نقائصٌ بارزةٌ في ممارسة العديد من البلدان التي لديها مؤسسات الديمقراطية. وليست تكمن قيمة النقاش العمومي حول النقائص تلك في السعي إلى معالجتها، بل لأن هذه هي بالضبط وظيفة الديمقراطية، كشكل من التفكير العمومي. بهذا المعنى، تحتاج عيوب الديمقراطية إلى مزيد من الديمقراطية لا إلى القليل منها.

إن محاولة معالجة عيوب الممارسات الديمقراطية عبر مزيدٍ من السلطوية والقضاء على التفكير العمومي يزيد من تعريض بلدٍ ما لكوارث من فترة إلى أخرى (بما فيها، في حالاتٍ عديدةٍ، المجاعة)، فضلًا عن التراجع عن المكتسبات المحققة بسبب غياب اليقظة العامة (كما يبدو أنه حدث، إلى حد ما، في مسألة الخدْمات الصحية الصينية). ثمة أيضًا ضياعٌ حقيقي للحرية السياسية وتقييدٌ للحقوق المدنية حتى في أقوى النظم السلطوية كسنغافورا وكوريا الجنوبية ما قبل الديمقراطية. فضلًا عن ذلك، ليس ثمة ما يضمن أن القضاء على الديمقراطية سيجعل من الهند، على سبيل المثال، تشبه سنغافورا أكثر من السودان، أو أنها ستكون أقرب إلى كوريا الجنوبية منها إلى كوريا الشمالية.

يسعفنا تصور الديمقراطية كنمط من التفكير العمومي بحسبانها “حكمًا يرتكز على المناقشة” في تحديد الجذور بعيدة المدى للأفكار الديمقراطية عبر العالم. إن ما يبدو تواضعًا غربيا في شكل ترددٍ في دعم “الأفكار الغربية حول الديمقراطية” في العالم غير الغربي يتضمن ادعاءً بامتلاكٍ متعجرفٍ لتراثٍ عالمي بحسبانه ملكية حصرية للغرب. هكذا فإن الشك الذاتي بخصوص “الدفع” بالأفكار الغربية في المجتمعات غير الغربية، يوازيه يقينٌ في النظر إلى الديمقراطية بحسبانها فكرةً غربية نموذجية وتصورًا غربيا خالصًا.

نجم هذا التحريف من تجاهلٍ فاضحٍ للتاريخ الفكري للمجتمعات غير الغربية، لكن أيضًا من خللٍ في تمثل الديمقراطية، ابتداءً، كنمطٍ من التصويت، بدلًا من تصورها على نحوٍ واسع كممارسة للتفكير العمومي. إن فهمًا سليمًا لمستلزمات الديمقراطية وللتاريخ العام للأفكار الديمقراطية قد يساعد اليوم، على نحوٍ كبير، في ممارساتٍ سياسية أفضل، وقد يسعف، كذلك، في إزالة بعض الغشاوة الثقافية المصطنعة التي تعيق حسن تقدير الأمور.

المصدر


[1] باكتريا هي وسمٌ لمنطقة قديمة في آسيا الوسطى تقع حاليًا في أفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان. (المترجم)

[2] بعد انخراطه في المعارضة السلمية للاستعمار الإنكليزي، أصبح جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند، بعد استقلالها في 1947. (المترجم)

[3] أشوكا هو إمبراطور هندي (304 ق.م-232 ق.م) وحد شبه قارة الهند وساهم، بعد اعتناقه، البوذية في نشر تعاليمها في الهند وخارجها. (المترجم)

[4] هو السلطان جلال الدين محمد أكبر أحد أهم السلاطين في دولة المسلمين المغول في الهند. (المترجم)

[5] هي عاصمةٌ قديمةٌ للإمبراطوريات الهندية القديمة، قريبة من مدينة باتنا (Patna) الحالية في الهند.

[6] توصف الماغنا كارتا، أو العهد الأعظم، بأنها أول وثيقة دستورية مكتوبةٍ في التاريخ. تضمنت التزام الملك جون في المملكة البريطانية عام 1215 بالقانون الإقطاعي وحفظ مصالح النبلاء؛ ينظر:

 Roberta Baxter, The Magana Carta: cornerstone of theconstitution, (New Hampshire : Heinemann Library, 2012). (المترجم)