مجلة حكمة
الدافع الأخلاقي

الدافع الأخلاقي

الكاتبكوني روساتي
ترجمةعبد الله بن عبيد الشهراني
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول الدافع الأخلاقي؛ نص مترجم لد. كوني روساتي، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

في كل يوم من حياتنا اليومية، نواجهُ العديد من الأمور الأخلاقية. وبمجرد ما نُشكِّل أحكاما عما هو صواب أو خطأ، جيد أو سيئ، فهذه الأحكام تؤدي إلى فرض عبء كبير علينا. على الرغم في النهاية، أننا لا نتصرف دائمًا كما نعتقد فيما كان ينبغي أن نتصرف، فإن أحكامنا الأخلاقية تُشكل عادةً دافعا لنا، -على الأقل لدرجة مُعينة-، للتصرُف وفقًا لها. وعندما يتحدث الفلاسفة عن الدافع الأخلاقي (Moral motivation فهذه هي الظاهرة الأساس التي يسعون إلى فهمها. فالدافع الأخلاقي هو أكثر من مجرد ظاهرة عامة – ما يمكن أن نسميه دافعا معياريا – لأن أحكامنا المعيارية الأخرى يكون لها عادة بعض القوى الدافعة. وعندما نتخذ حكما معياريا بأن شيء ما جيد لنا، أو أن لدينا سبب للتصرف بطريقة مُعينة، أو أن مسار عمل مُعين هو المسار العقلاني، فإننا أيضًا نميل إلى أن نكون مدفوعين.

فالكثير من الفلاسفة عدُّوا أن القوة الدافعة للأحكام المعيارية هي الصفة الأساس التي تنم عن وصفها بالمعيارية، ومن ثَمَّ التمييز بينها وبين الأحكام الأخرى التي نتخذها. وعلى النقيض من أحكامنا المعيارية، يبدو أن أحكامنا الرياضية والتجريبية -على سبيل المثال- ليس لها صلة جوهرية بالدافع والفعل. فالاعتقاد بأن مُضادا حيويا سيُشفي من عدوى مُعينة قد يدفع شخص ما أن يأخذ هذا المضاد الحيوي، -إذا كان يعتقد أن لديه العدوى، وإذا كان يرغب في العلاج أو يُقرر أنه كان يجب عليه علاج العدوى لمصلحته الخاصة-. ومع ذلك، فكل شيء حسب ما يعتقد صاحبه، فالاعتقاد التجريبي يبدو أنه لا يحمل معه تأثير أي دافع مُعين، فأي شخص يمكن أن يتخذ حكما على أي مُضاد حيوي سيؤدي إلى الشفاء الفعَّال من عدوى مُعينة بدون أي دافع من ناحية اتجاه أو آخر.

على الرغم أنَّ القوة الدافعة قد تكون علامة مُميزة للأحكام المعيارية، فظاهرة الدافع المعياري (Normative motivation) أكثر أهمية في حالة الأحكام محدودة الأخلاق (Narrowly moral ونال الدافع الأخلاقي اهتماما كبيرا جدًا عن الدافع ذي الصلة بأحكام معيارية أخرى. فهناك اعتقاد على نطاقٍ واسع بأن الأخلاق تتعارض -كثيرًا وفي بعض الأحيان بشدة- عما يمكن عن أي شيء يُقيِّمهُ أو يُفضلهُ أي فرد بصورة أكبر. وربما بسبب الخلاف الظاهر بين المصلحة الذاتية والأخلاقية، فإن حقيقة الدافع الأخلاقي قد بدت مُربِكة بصورة خاصة. فكيف نكون مدفوعين باطمئنان بأحكامنا الأخلاقية؟ وما الطبيعة الدقيقة للصلة بين الحكم الأخلاقي والدافع؟ بالطبع، كلما كانت أقل إرباكًا وأكثر أخلاق دنيوية (Mundane moral)، كلما أصبحت إخفاقات الدافع الأخلاقي أكثر إرباكًا. وإذا كان يتعين علينا شرح الدافع الأخلاقي، فسنحتاج أنْ نفهم ليس فقط كيف أنَّ الأحكام الأخلاقية (Moral judgments) تنجح بصورة عادية في أن تكون دافعا، لكن كيف يمكن أن تفشل في أن تكون دافعا، بل في بعض الأحيان نُشاهد -بصورة مذهلة- ليس إخفاقا في الدافع لدى المضطربين، والبائسين والمحتارين فحسب، بل أيضًا بين أشخاص يتمتعون بصحة ورزانة كاملتين. ماذا يمكن أن نصنع من “الأخلاقي” – الظاهر أنه عقلاني، وفرد لديه إرادة قوية، الذي يبدو عليه أنه يتخذ أحكاما أخلاقية، بينما يبقى غير مُبالي مطلقًا؟

وللإجابة عن الأسئلة المذكورة أعلاه، فقد اختلفت وجهات نظر الفلاسفة بشدة حول الدافع الأخلاقي، وكان يُعتقد في بعض الأحيان أن وجهات النظر هذه تحمل انطباعات مهمة عن الأمور التأسيسية في الأخلاقيات. وبصورة أكثر دقة، وجهات النظر المختلفة عن الدافع الأخلاقي تنطوي على التزام بأطروحات مُعينة كان يُعتقد أنها تحمل أسئلة عن الدلالة اللفظية الأخلاقية وطبيعة الأخلاقية. ربما الأكثر شيوعًا، انتشرت أطروحات مُعينة مجتمعة في دعم وجهات النظر التشككية أو اللاواقعيين (Anti-realist ) فيما وراء الأخلاقيات (Metaethics). ويُقدِّم هذا المدخل خُلاصة المواقف الأساسية التي اتخذها الفلاسفة في جهودهم لفهم وشرح ظاهرة الدافع الأخلاقي. ويشرح باختصار كيف أتت الأطروحات الأساسية بخصوص الدافع الأخلاقي للإفادة عن هيكلة الحوارات عن الدلالات اللفظية الأخلاقية وطبيعة الأخلاق.


 

1. الظاهرة الأساسية لـ الدافع الأخلاقي

الظاهرة الأساسية للدافع الأخلاقي قد تُعطى وصف أكثر نظامية كما يلي، فاستخدام “P” لتدُل على شخص ما أو فرد و ‘φ’ و ‘ψ’ كل منها لتدل على فعل ما. (الفعل الأول φ والفعل الثاني ψ).

عندما يحكم الشخص “P” أن الفعل الأول φ سيكون صائبا أخلاقيًا، وعلية سيكون مدفوعاً بصورة اعتيادية إلى الفعل الأول φ ; وإذا أصبح الشخص P فيما بعد مقتنعًا بأن الفعل الأول φ سيكون خطأ وأن الفعل الثاني ψ هو البديل، سوف تتوقف الدافعية للفعل الأول φ وبالتالي يندفع للفعل الثاني ψ.

يهدف هذا الوصف لالتقاط خصائص خبراتنا العامة. وكما تُوحي الملاحظة، الناس عادة يشعرون بالاندفاع لفعل ما يحكمون عليه أنه صحيح ليفعلونه، علاوة على ذلك، يتحول دافعهم عادة ليتوافق مع التغييرات في أحكامهم الأخلاقية. وإذا حكم فردٌ ما على أنه من الصواب الوفاء بوعد لمساعدة غريب محتاج، فطبيعي أن يشعر بالدافع، على الأقل بدرجة مُعينة، بالعمل من أجل الوفاء بالوعد. وإذا قُدِر له تغيير رأيه عن أولوية وعده، فمن الطبيعي أنه لن يعد له دافع للوفاء بالوعد وسينتقل بدلاً من ذلك لتقديم المساعدة.

قبل أن ننتقل للأسئلة العديدة التي تتركها الأوصاف المذكور أعلاه مفتوحة، والتي تقع في قلب الحوارات عن طبيعة الدافع الأخلاقي، فيجب أن ننوه لنقطتين مهمتين، الأولى: لا يقدم الوصف شيء عن قوة الدافع الأخلاقي، كل ما يخبرنا الدافع عنه أن بعض الناس –أو كلهم- يشعرون بفعل ما يحكمون عليه أنه صواب بأنه ضعيفاً للغاية. وتشير التجربة الشائعة: أنَّ الدافع الأخلاقي في الحقيقة يميل لأن يكون قوي تمامًا، لكن باستحقاق واحد يجب ملاحظته لاحقًا، فوجهات النظر الفلسفية عن الدافع الأخلاقي تتبع بشكل عام التصور الذي يقوم إلى عدم اتخاذ موقف بخصوص القوة الدقيقة للدافع الأخلاقي. الثانية: يعكس الوصف افتراضاً منتشرا على نطاقٍ واسع، وهو وصف يُشكِّل جزءاً من خلفية الحوارات حول طبيعة الدافع الأخلاقي، وبالتحديد أنَّ الدافع الأخلاقي ظاهرة عادية بصورة مدهشة وموثوقة. من خلال الحياة الاجتماعية في كل من علاقاتنا الشخصية، وتفاعلاتنا العامة، يكون من المسلَّم به لدينا أنَّ الأحكام الأخلاقية بكل ثقة -إن لم يكن بكل دقة- دافعة، وتُؤثر في صورة فعَّالة وتُوجِّه الناس لما يشعرون به وما يفعلونه.. ولا يزال الافتراض غير مثير للجدل؛ ففي الحقيقة عبَّر البعض عن شكوك خطيرة بخصوص ما إذا كان الدافع الأخلاقي عاديا وموثوقا كما نفترض عامةً (Copp 1997, 50).

يبدو أنَّ الظاهرة الأساسية للدافع الأخلاقي واضحة بصورة نسبية. وصعوبة المهمة الفلسفية تأتي لأنها أحدى المحاولات التي تعمل على الفهم بشكل دقيق والشرح بصورة أكبر لطبيعة الدافع الأخلاقي. ويكشف القسم 2 والقسم 3 منهجيتين لهذه المهمة. حيث إن المنهجية التي تمت مناقشتها في القسم 3 هي السائدة والشائعة، فإن المنهجية في القسم 2 يجب دراستها باختصار لأنها تُوفر تباينا تثقيفيا مفيداً، بالإضافة إلى لمحة أولية مفيدة عن كيف أن الأفكار حول الدافع الأخلاقي كان يُعتقد أنها تحمل أسئلة أوسع عما وراء الأخلاقيات. ويكشف القسم 4 المزيد من الاعتبارات العامة حول الدافع الأخلاقي وما وراء الأخلاقيات. أما القسم 5 فيدرس الاثار المزعومة للنظريات الفلسفية حول الدافع الأخلاقي من خلال عمل حديث في علم النفس التجريبي.

2. الدافع الأخلاقي وطبيعة الخصائص الأخلاقية

  • الدافع الأخلاقي وطبيعة الخصائص الأخلاقية

عندما نحكم بأن فعلا ما صحيح أو خطأ، أو أن وضعاً مُعيناً حسن أو سيء، فيبدو أننا نُمثل العالم بكوننا في طريق مُعين، وأننا نُعبِّر عن اعتقاد أخلاقي، يُكسِبنا خاصية أخلاقية مُعينة أو سمة معيارية للفعل أو الوضع المعني. وبأخذ الشكل التمثيلي الظاهر للحكم الأخلاقي كمرشد لنا، فقد نحاول شرح الدافع الأخلاقي بالاحتكام إلى طبيعة الخصائص التي تتشكل في أحكامنا الأخلاقية. ولربما نكون مدفوعين بثقة بأحكامنا الأخلاقية، على الأقل عندما تكون تلك الأحكام صحيحة تقريبًا، لأن الخصائص الأخلاقية مثل الصواب والصلاح عندما نفهمها هي ما تدفعنا وتحفزنا.

ينتقد جي إل ماكيي J.L. Mackie  (1977) هذه الصورة للخصائص الأخلاقية في نقاشه الموُسع ضد موضوعية الأخلاقيات. حيث يدعي وجود شيء مثل ذلك في أعمال عدد من الشخصيات التاريخية، من ضمنهم كانط Kant و سيدجويك Sidgwick لكن عرضه الأوضح للصورة يأتي في ملاحظاته حول أفلاطون Plato. فيكتب ماكيي: “في نظرية أفلاطون “المثُل” Theory of Forms ، وبصفة خاصة شكل “الخير” بأنها أبدية، متجاوزة للعقل، حقائق. فهي عنصر هيكلي مركزي في صناعة العالم. ولكن يستقر في الذهن أيضًا أنَّ مجرد معرفتها أو “رؤيتها” لن تُخبر الناس فقط بماذا يفعلونه، ولكن ستضمن بأنهم سيقومون بهذا الفعل، بما يسود على أي ميول مغايرة. فملوك الفلاسفة في الجمهورية -كما يقول أفلاطون- يمكن الوثوق بهم بشكل مطلق لأن تعليمهم أعطاهم معرفة بالمثُل. ولكونهم على دراية بأشكال الخير والعدالة والجمال، والبقية سيكونون مدفوعين إلى السعي إليها والنهوض بتلك الأفكار، من خلال هذه المعرفة وحدها، وبدون أي دافع آخر، وبالتالي سضطرون إلى السعي وراء هذه الأفكار” (Makie 1977, 23 – 24).

هناك بعض الصفات التي تستحق الانتباه من تصور أفلاطون عن الدافع الأخلاقي – أو على الأقل تشخيص ماكيي عنها – أولاً: حيث إن ماكيي يُفسِّر نظرة أفلاطون، ينبع الدافع الأخلاقي مباشرة وبالكامل من استيعاب وجود الخواص الأخلاقية نفسها. وفهم هذه الخواص يدفع الشخص للقيام بفعل، والقيام بذلك بدون أي مصدر إضافي للدافع، وتعتمد قواهم الدافعة على عدم الرغبة أو استعداد الفرد نفسه. ثانيًا: استيعاب الخواص الأخلاقية لا يشكل دافع بحد ذاته: فهو يوفر دافع سائد. فبمجرد ما يستوعب الشخص تلك الخواص، فإن قواها الدافعة تتغلب على أي رغبات أو ميول معارِضة.

وبالإبقاء على نظرية أفلاطون عن المثُل أو الاشكال، كما يفعل، فإنه يُصوِّر كيف سيكون شكل القِيم الموضوعية. فماكيي -في الواقع- يؤيد (وينسب إلى أفلاطون) النظرة التي تُسمى الكينونة الداخلية (Existence internalism). وبحسب الكينونة الداخلية، يُوجد علاقة فعلية بين اتخاذ وضع معياري مُعين والدافع. على سبيل المثال، الأوضاع لا يمكن أن تكون جيدة، ما لم يكن فهمها قادر على إعطاء الدافع، على الرغم أنها لا تحتاج أن تكون غالبة. فإذا فهِم شخص ما شيء وفشل في أن يكون مدفوعًا، فإن مع افتراض ثبات باقي المتغيرات، فهذا ليس بالأمر جيد. وكما يصف ماكيي وجهة نظر أفلاطون، القِيم الموضوعية تُوفِّر دافعا سائدا، وبالتالي تعكس النظرة نحو نموذج قوي بصفة خاصة للكينونة الداخلية. ووفقًا لهذا الشكل الخاص بالكينونة الداخلية، فمن الممكن أن تكون الأوضاع جيدة أو قيِّمة ما لم يُقدم استيعابها دافع مسيطر. والشخصية الباطنية في صورة ماكيي الأفلاطونية تجعلها تتوافق بشكل غريب مع الآراء المعاصرة التي تقبل بشكل تقريبي اشكال بالكينونة الداخلية، في الوقت نفسه الاعتقاد بأن القدرة على الدافع في الحقيقة يعتمد على رغبة سابقة الوجود. مع الاخذ بالاعتبار وجهة النظر حول الأسباب الأكثر ارتباطاً ببيرنارد ويليامز Bernard Williams (1981). فوفقًا لما يُسمى أسباب الباطنية، فإذا كان لدى شخص ما سبب في القيام بإجراء، فيجب بالضرورة أن يكون لديه دافع للقيام بهذا الإجراء. من وجهة نظر ويليامز، فانه من أجل الدفع، يجب أن يكون لدى الشخص موقف دافع في “الوضع الدافعي” (Motivational set) الحالي. إذن نقرِّب القول: إذا لم يؤدي المقابل لدفع شخص على اعتبار رغباته الحالية أو وضعه الدافعي، فلا يمكن أن يكون ذلك سبب للقيام بهذا الفعل. فوجهات النظر لكلاً من ويليامز وماكيي الأفلاطونية، تفترض وجود صلة ضرورية بين الحالة المعيارية والدافع، ولكن وجهة النظر الأولى تجعل الحالة المعيارية تعتمد على دوافع الشخص الذاتية بطريقة قد يرفضها الرأي الأخير.

يُقدِّم نقاش ماكيي توضيحًا أوليًا عن كيف انتشرت حسابات الدافع الأخلاقي للدفاع عن أو دحض أوضاع أوسع لما وراء الأخلاقيات. وبحسب ماكيي، القوة الدافعة للقيم الموضوعية، فإذا وُجِدت مثل تلك القيم، ستكون كما صورها أفلاطون. “نماذج أو أشكال أفلاطون تعطي صورة دراماتيكية لما يجب أن تكون علية القيم الموضوعية، مثال الخير وهو أن تُوفر المعلومة للعارف بها الاتجاه والدافع ذو السمة الطاغية، فعندما يكون شيء ما جيد يُخبر الشخص الذي يعرف ذلك لكي يسعي وراءه وهذا ما يجعله يسعى خلفه. فالشيء الطيب أو الخير الموضوعي سيسعى له كل فرد عرف به، ليس بسبب أي حقيقة عرضية بأن ذلك الشخص، أو أي شخص، تم تشكيله لدرجة أنه يريد هذه الغاية، ولكن فقط لأن النهاية يجب أن تكون مضمنة فيها بطريقة ما (Mackie 1977, 40). ويدعي ماكيي أن الجُمل الأخلاقية التي نلفظها عندما نُصدر أحكاما أخلاقية تُعبر في الواقع عن افتراضات حول هذه الخصائص “إلزامية موضوعية”؛ ونتيجة لذلك يمكن لأحكامنا الأخلاقية أن تكون صحيحة أو خاطئة. كذلك مذهب الإدراكية الأخلاقية (Moral cognitivism) – الرأي بأن الأحكام الأخلاقية والاعتقادات، والجُمل التي تُعبر عنها، يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة – يوفر الوصف الصحيح للدلالات اللفظية الأخلاقية، عن ماذا تعني أحكامنا الأخلاقية. وعلى اعتبار أنَّ حديثنا الأخلاقي معرفي، فيبدو أنه سيفترض صحة الواقعية الأخلاقية (Moral realism)، والرأي أن الأحكام الأخلاقية والاعتقادات حقيقة قابلة للتقويم، وبعضها صحيح حرفيًا. لكن الحوار أو الخطاب الأخلاقي يعاني مما يُسمى “الفشل المفترض مسبقًا”، وفقًا لماكيي: الحوار الأخلاقي يفترض مُسبقًا خصائص إلزامية موضوعية، لكن لا يوجد أي منها؛ فتلك الخصائص ستكون “كيانات غريبة” على خلاف أي شيء آخر في العالم. من الواضح أن الحديث عن الأخلاق، كما يعتقد ماكيي، يشبه الحديث عن وحيدات القرن Unicorn، (على الأقل بافتراض أنه يتبع أسطورة القرون الوسطى) حول مخلوقات شبيهة بالحصان، لا يمكن ترويضها إلا من قبل العذارى، الذين تمتلك قرونهم الحلزونية قوى سحرية. لكن لا وجود لمثل هذه المخلوقات، وبالتالي فإن حديثنا عن وحيدات القرن خاطئ بشكل منهجي، على الرغم من أن القليل منا لم يعد مستسلما للخطأ. وينكر وجود الخصائص الأخلاقية، يرفض ماكيي الواقعية الأخلاقية، ويجمع بين الدلالات الأخلاقية المعرفية ونظرية الخطأ (Error theory). وفقًا لنظرية الخطأ، “على الرغم من أن معظم الناس في إصدار الأحكام الأخلاقية يزعمون ضمنيًا … أنهم يشيرون إلى شيء إلزامي موضوعيًا، فإن هذه الادعاءات كلها خاطئة” (Mackie 1977, 35).

على الرغم من انقسام الفلاسفة المعاصرين فيما يتعلق بالشك الأخلاقي لماكيي، إلا أنهم اتفقوا في الغالب على رفض مزاعمه القوية للغاية حول الدافع الأخلاقي والخصائص الأخلاقية الموضوعية التي تظهر في أحكامنا الأخلاقية. لقد رفضوا بشكل موحد الاقتراح القائل بأن فهم المتطلبات الأخلاقية من شأنه أن ينتج دافعًا طاغيًا للتصرف وفقًا لذلك. وقد رفض معظمهم الجهود المبذولة لتفسير الدافع الأخلاقي من خلال اللجوء إلى قوة الدفع المنبعثة من الخصائص الأخلاقية والأفعال والأوضاع التي تؤدي إليها. والجدير بالذكر وجود استثناء واحد جزئي للفقرة الأخيرة. حيث ايدت كريستين كورسجارد Christine Korsgaard (1996) فكرة الكيانات الإرشادية الموضوعية، على الرغم من أن هذه الكيانات -في نظرها-، ليست خصائص أخلاقية. وتشارك كورسجارد ماكيي في شكوكها بشأن القيم الموضوعية من النوع الذي يصفه بأنه يظهر في وجهات النظر الواقعية الأخلاقية للفلاسفة مثل أفلاطون. ومع ذلك، لاحظت كورسجارد أن ماكيي مخطئ والتابعين لمذهب الواقعية على حق فيما يتعلق بما إذا كان بإمكان أي كيانات موجودة أن تفي بالمعايير المزدوجة لتزويد الشخص الذي يعرفها بـ “الاتجاه والدافع”. وتصر على أن “الحقيقة الأكثر شيوعًا في الحياة البشرية هي أن العالم يحتوي على كيانات يمكنها أن تخبرنا بما يجب القيام به وتجعلنا نفعل ذلك. وهم البشر والحيوانات الأخرى ” (Korsgaard 1996, 166). يجد معظم الفلاسفة، حتى أولئك المتعاطفين مع فلسفة كانط الأخلاقية ووسم كورسجارد للكانطية، بحيث يجدون فكرة أن الناس (والحيوانات غير البشرية) لهم قيمة ويمكنهم في هذا الصدد “إخبارنا بما يجب القيام به” و”جعلنا نفعل ذلك” إلى حد بعيد المنال. لكن ادعاءات كورسجارد هي جزء من صورة كبيرة وغنية للغاية للأخلاق لا يمكن استكشافها هنا، وعلية سيتطلب التقييم العادل لادعاءاتها التركيز ومحاولة فهم موسعة لهذه الصورة الأكبر. النقطة المهمة مما سبق، هي أن بعض الفلاسفة على الأقل كورسجارد، وربما غيرهم ممن انجذبوا إلى الأفكار المستمدة من فلسفة كانط الأخلاقية، يحتفظون ببعض الانجذاب لفكرة أن الدافع الأخلاقي والمعيارية يجدان مصدرهما في المعيارية بطبيعتهما أو كيانات “التوجيهية موضوعية”.

وسواء كانت هناك أي خصائص أو كيانات لها أي شيء مثل القوى التي يصفها ماكيي أم لا، فمن الخطأ افتراض أن الواقعيين الأخلاقيين والموضوعيين يجب أن يلتزموا بوجودهم. ولا داعي للواقعية أو الموضوعية للاعتقاد بأن الخصائص الأخلاقية، أو الحقائق المتعلقة بتجسيدها ستكون عند إدراكها كافية لتحفيز جميع الأشخاص بغض النظر عن ظروفهم، بما في ذلك تركيبتهم المعرفية والتحفيزية. ومن المؤكد أن الواقعيين لا يحتاجون إلى تبني وجهة النظر التي ينسبها ماكيي إلى أفلاطون، وهي أن رؤية القيم الموضوعية ستضمن أن تصرُّف المرء، “يبطل أي ميل مغاير” (Mackie 1977,23). على سبيل المثال، قد يدرك الفرد حقيقة أخلاقية، لكنه يعاني من اللاعقلانية المؤقتة أو ضعف الإرادة؛ وقد تكون خالية من مثل هذه العيوب المؤقتة، ولكنها تمتلك تركيبة دافعية لا تُمحَى تؤدي إلى إعاقة أو هزيمة القوة التحفيزية للحقائق الأخلاقية. وأي تفسير معقول للدوافع الأخلاقية يجب أن يعترف بمصادر الفشل التحفيزي؛ وأي تحليل معقول للخصائص الأخلاقية يجب أن يسمح بها. حتى أولئك الواقعيين أو الموضوعيين الذين يؤكدون أن جميع الأشخاص العقلانيين والقابلين للتحفيز (Motivationally unimpaired) سيتم تحريكهم من خلال الحقائق الأخلاقية ولا يحتاجون إلى الاعتقاد بأنه سيكون لديهم دافع لا يمكن تبريره -كما لوحظ سابقًا-، بغض النظر عن آرائهم فيما يتعلق بأسئلة ما وراء الأخلاق الأوسع، لا يتخذ الفلاسفة المعاصرون أي موقف بشأن القوة المحددة للدافع الأخلاقي مع عدم أغفال -المشار إليه سابقًا- بأنهم فيما يبدو يرفضون فكرة أن الدافع الأخلاقي هو المسيطرة بالعادة.

3. الحكم والدافع الأخلاقي

حاول الفلاسفة في أغلب الأحيان شرح الدافع الأخلاقي، ليس من خلال مناشدة القوى الخاصة للخصائص الأخلاقية، ولكن من خلال مناشدة طبيعة الأحكام الأخلاقية. ربما تكون الأحكام الأخلاقية من هذا القبيل بحيث لا يمكن لأي شخص أن يحكم بصدق على فعل أخلاقي أو وضع ما جيد، بينما يظل غير متأثر تمامًا. وعلية يجب أن تعمل الجهود المبذولة لفهم الدافع الأخلاقي من حيث الدافع من خلال الأحكام الأخلاقية على توجيه سؤالين محوريين. أولاً: ما طبيعة العلاقة بين الحكم الأخلاقي والدافع، وهل الأحكام الأخلاقية تدفع بالضرورة أم أنها تدفع بشكل عرضي فقط؟ ثانيًا: هل يمكن للأحكام الأخلاقية أن تدفع من تلقاء نفسها أم أنها يمكن أن تدفع من خلال الرغبة كوسيط أو حالة ارتباط أخرى؟ وقد أجاب الفلاسفة على هذه الأسئلة بطرق مختلفة.

1.3 الفلسفة الهيومية في مقابل مناهضي الفلسفة الهيومية

دعونا ننظر في السؤال الثاني أولاً، إن إحدى الطرق التي يمكن للأحكام الأخلاقية من خلالها أن تدفع وتحفز، بل وتدفع من تلقاء نفسها، هي إذا لم تكن الأحكام الأخلاقية تمثلها. لنفترض أن الأحكام الأخلاقية لم تنسب إلى الخصائص ولم تعبر عن معتقدات أخلاقية (Moral beliefs) حول ماهية تلك الخصائص. أو حسب ما يؤكد مذهب اللإدراكية الأخلاقية (Moral non-cognitivism) يمكن أن نفترض بدلاً من ذلك، أن الأحكام الأخلاقية تعبر عن رغبات أو حالات أخرى، أو ما يسميه الفلاسفة أحيانًا “الاتجاهات المؤيدة”، عندها سيكون من الواضح كيف ترتبط الأحكام الأخلاقية بالدافع. إنها ببساطة تعبر عن حالة محفزة يمتلكها الفرد بالفعل؛ لإصدار حكم أخلاقي (صادق) يجب أن يكون هو الدافع بالفعل، أو إلى درجة معينة على أقل احتمال. ينشأ اللغز الحقيقي حول كيف يمكن للأحكام الأخلاقية أن تدفع وتحفز أولئك الذين يؤكدون أن الأحكام الأخلاقية تعبر عن معتقدات أخلاقية، لأن العلاقة بين كلاً من المعتقد والحالة المعرفية والدافع غير مؤكدة.

كيفية حل الفلاسفة لهذه الاحجية تتحول إلى قضية مركزية في علم النفس الأخلاقي، أي ما إذا كان ما يسمى بالنظرية الهيومية Humean ] نسبة إلى ديفيد هيوم[ أو نظرية هيوم في التحفيز صحيحًا. ووفقًا لوجهة النظر الهيومية، فإن الإيمان غير كافٍ للتحفيز والدفع، والذي يتطلب بالإضافة إلى الاعتقاد، وجود رغبة أو حالة صادقة، وبالتالي لا يمكن أن ينشأ الدافع الأخلاقي من الاعتقاد الأخلاقي وحده، بل يجب أن يعتمد أيضًا على وجود رغبة مسبقة أو حالة أخرى إرادية أو محفزة جوهريًا. ربما يكون من الإنصاف القول إن الفلسفة الهيومية Humeanism ] نسبة إلى ديفيد هيوم[  لا تزال هي الرأي السائد. وهذا هو القول الذي تبناه بعض الذين يقبلون أو يرفضون المعرفية والواقعية الأخلاقية، لذلك لم يتم اعتبارها وحدها حاسمة في تسوية القضايا الأوسع فيما وراء الأخلاق. كما تم تبني وجهة النظر هذه من قِبل اللاواقعية غير المعرفية، ومن قبل بعض الواقعيين الأخلاقيين أيضًا مثل مايكل سميث Michael Smith (1994) وبيتر رايلتون Peter Railton (1986 أ)، إلى جانب عدد من الفلاسفة البارزين، بما في ذلك توماس ناجيل Thomas Nagel (1970)، وجون ماكدويل John McDowell (1979)، ومارك بلاتس Mark Platts (1980)، وديفيد ماكنوغتون David McNaughton (1988)، وجوناثان دانسي Jonathan Dancy (1993). أما توماس سكانلون Thomas Scanlon (1998) وروس شافير لانداو Russ Shafer-Landau (2003) كلهم رفضوا الصورة الهيومية بحجة أن الدافع الأخلاقي في الواقع لا يعتمد على وجود الرغبة، حيث يمكن أن يؤدي الإيمان الأخلاقي بحد ذاته إلى الدافع.

يمكن للاعتقاد الأخلاقي تحت أي ظرف أن يكون بذاته محفزا ودافعاً، وهو موضوع خلاف بين مناهضي الهيومية (Anti-Humean). يعتقد البعض أن الاعتقاد الأخلاقي كافٍ للتحفيز المباشر لمجرد الاعتقاد بأنه صواب، مثل القول أن الوفاء بالوعد من شأنه أن يكون دفع للمؤمن -ولو بشكل نسبي- لكي يتصرف على نحو يحافظ على وعده. يعتقد البعض الآخر أن المعتقدات الأخلاقية تنتج الرغبات، والتي تحفز بعد ذلك بالاقتران مع المعتقدات الأخلاقية التي أنتجتها. إن الاعتقاد بأنه من الصواب الوفاء بوعد ينتج رغبة بالقيام بذلك الفعل، وهذه الحالات المعرفية والمرتبطة تدفع المؤمن للعمل على نحو يجعله يحافظ على الوعد ولو بشكل نسبي. ويقدم بعض منظري الفضيلة نسخة منقحة من الفكرة الأخيرة، بذريعة أن نوعًا معينًا فقط من الاعتقاد الأخلاقي – مرتبط بمفهوم مثالي أو كامل للموقف في ضوء فهم أكثر شمولية واتساع لكيفية العيش – بالتالي يولد بالفرد الدافع للقيام به كمعتقد أخلاقي يدل على الوجوب (Little 1997; McDowell 1978). والشخص العفيف لا يكون لديه مجرد معتقدات أخلاقية، ولكن لديه مجموعة معقدة من الإيمان والنظرة الأخلاقية التي ستدفعه بشكل موثوق إلى التصرف بشكل أخلاقي. أما الآراء المختلف التي يتبناها مناهضي الهيومية، فمن شبه المسلم لديهم أن الأشخاص غالبًا ما يفشلون في التحرك والتصرف مثلما يعتقدون أنه واجب عليهم. وبِناءً على أي من هذه الآراء، فإن فشل التحفيز أو الدفع ينبع من فشل إدراكي.

وقد وجد كثيرون أن الصورة الأساسية للهيومية هي الأكثر منطقية. وقبل دراسة بعض الاعتبارات التي يُعتقد أنها تفضلها، يجب أن نلاحظ حقيقة أن الفلسفة الهيومية لا تلزم المرء بأي وجهة نظر معينة فيما يتعلق بأنواع الرغبات المسؤولة عن الدافع الأخلاقي. قد تتخذ الهيومية وجهة نظر مفادها أنه لا توجد رغبة معينة متورطة في الدافع الأخلاقي. على العكس من ذلك، قد تدفع الرغبات المختلفة عند وجودها بشكل عرضي فردًا إلى القيام بما يرى أنه يجب عليه القيام بفعله، بما في ذلك الرغبة في أن يحظى باحترام جيرانه، أو لتعزيز مصالحه بطريقة ما، أو تعزيز رفاهية أولئك الذين يهمونه. قد تكون الرغبة الطارئة أو غير الكافية جاذبة وبسيطة لشرح الظاهرة الأساسية للدافع الأخلاقي. وبعد ما سبق، نجد أن ما يحتاج إلى الشرح، بناءً على ما جادل فيه الكثيرون، ليس كيف يمكن أن يكون لدينا الدافع للقيام بما نعتقد أنه ما يجب القيام به سواء في بعض الأحيان أو كثير من الأحيان، وما يحتاج شرحه هو كيف يتم تحفيزنا بشكل موثوق للقيام بما ينبغي علينا القيام به. يتضمن ذلك شرح سبب تحول الدافع بشكل موثوق به لتتبع التغييرات في معتقداتنا الأخلاقية. فكما سنرى، فقد اقترح أولئك المتقبلين للصورة الهيومية، أننا في بعض الأحيان ننظر إلى رغبات معينة تمامًا أو إلى سمات عميقة لعلم النفس البشري من أجل شرح الدافع الأخلاقي.

تزعم إحدى الحجج المؤيدة للصورة الهيومية أنه إذا كانت المعتقدات كافية للدفع، فإننا نتوقع من الأشخاص الذين لديهم نفس المعتقدات أن يتم تحفيزهم بنفس الطريقة. بينما في الواقع، هناك بعض الناس مدفوعون بإيمانهم الأخلاقي، كالمساهمة في واجب الإغاثة من المجاعة، عبر كتابة شيك إلى منظمة أوكسفام، ولكن لا يشعر آخرون بمثل هذا الميل على الإطلاق. لكن معارضي الهيومية يدعون أنهم يستطيعون تفسير هذه الاختلافات من خلال إظهار إما أن الدافع التفاضلي (Differential motivation) يرجع في الواقع إلى اختلافات أخرى في المعتقد أو إلى الدوافع التي تتنافس وتتغلب على الرغبات التي تولدها المعتقدات الأخلاقية (Shafer-Landau 2003, 129–130)

الحجة الثانية لصالح الفلسفة الهيومية وهي تحاكي وجهة النظر حول الأسباب المرتبطة بوليامز Williams (1981)، والتي نوقشت بإيجاز في وقت سابق. حيث تذكر أنه وفقًا لأسباب الباطنية، فمن الضروري أن يكون لدى الفرد سبب للقيام بعمل ما، وعلية يكون مدفوعًا للقيام بهذا الإجراء. وفي وجهة النظر الأكثر تحديدًا، يكون لدى الفرد سبباً للقيام بعمل ما فقط إذا كانت لديه رغبة في القيام بهذا الإجراء أو من أجل تحقيق غاية تتطلب القيام بهذا الإجراء. وإذا كانت النزعة الباطنية حول الأسباب صحيحة، وعلية فعندما يحكم الفرد بشكل صحيح على أنه لديه سبب للقيام بعمل ما، فلا شك أن يكون لديه بالفعل رغبة موجودة مسبقًا. وهنا يرفض مناهضو الهيومية –أحيانًا- الأسباب الباطنية (Reasons internalism)، وكذلك نظرية هيومية في الدفع. ولكن، حتى لو سمح بصحة الأسباب الباطنية، فإنهم يعتقدون أن الحجة الثانية تفشل في تقويض موقفهم. لأنه يبدو من الممكن ألا تتضمن جميع أحكامنا الأخلاقية حكمًا (صحيحًا أو غير ذلك) بأن يكون لدينا سببًا لاتخاذ إجراء. وعلى سبيل المثال، يمكن للفرد الحكم على أنه سيكون من الصواب الوفاء بوعده دون الحكم على أن لديه سببًا لفعل أي شيء. ما الذي قد يفسر هذا؟ على سبيل المثال ربما، تفشل في التفكير في العلاقة بين ما هو صواب للقيام به وبين ما لديك من اسباب لفعلها؛ أو ربما يكون لديك اعتقاد خاطئ أن الحقائق المتعلقة بالعمل الصحيح أخلاقيًا لا تنطوي على حقائق حول ما لديك من اسباب لفعلها. أما إذا كان بإمكان الفرد أن يحكم على إجراء ما بشكل صحيح دون الحكم على أن لديه سببًا للقيام بهذا الإجراء، فعندئذ حتى و إذ كان الفعل صحيحًا، فإنه يستلزم سببًا للفعل، والأسباب تستلزم الرغبات، ولا يجب أن تتضمن المعتقدات الأخلاقية رغبات موجودة مسبقًا (Shafer-Landau 2003, 128–129)

ربما تكون الحجة الأكثر تعقيدًا والتي تصب في صالح النظرية الهيومية عن الدافع، عندما تستدعي الاعتبارات في فلسفة العقل وعلم النفس الأخلاقي، وعلى وجه التحديد، الاختلافات الأساسية بين الاعتقاد والرغبة والتي تبدو أنهما تحسبان ضد معاداة للفلسفة الهيومية. يُقال إن المعتقد والرغبة، كمسألة مفاهيمية، يختلفان فيما يسمى “اتجاه الملاءمة” (Anscombe 1963). لأن حالات الاعتقاد لا يمكن أن تنطوي على حالات الرغبة. لأنه في الوقت الذي تهدف المعتقدات إلى ملاءمة العالم، فأن الرغبات تهدف إلى تغيير العالم. وهذا يعني أنه في حين كانت المعتقدات لها اتجاه ملاءمة “من العقل إلى العالم”، فإن الرغبات لها اتجاه ملاءمة أخر “من العالم إلى عقل”. ولكي يتم اعتبار الحالة العقلية بمثابة اعتقاد، يجب أن تكون على الأقل مستجيبة إلى حد ما للأدلة التي تحمل حقيقة أو زيف محتواها المقترح. إن الحقائق تتعارض مع أي معتقد مضاد. على النقيض من ذلك، فإن الحقائق المخالفة للمحتوى المقترح للرغبة -حقيقة أن العالم لا يسير حسب ما يريد المرء – لا يجب أن تحسب ضد تلك الرغبة. لأن الرغبات على وجه التحديد لا تهدف إلى الاستجابة للعالم، ولكن لجعل العالم يجيب عليها (لجعل العالم مناسبًا لمحتوياتها المقترحة أو ما هي الرغبات من أجله)، فقد يستمر حتى عندما يرفض العالم التعاون. وبافتراض صحة ادعاءات الحجة السابقة حول الاعتقاد والرغبة، يذهب الجدل، على الأقل في بعض اصدارات معاداة الفلسفة الهيومية سيتطلب ما هو غير متماسك، أي الحالات العقلية المتنافرة مع اتجاهات الملاءمة: الحالات العقلية التي يمكن أن تكون في وقت واحد قادرة على تمثيل طريقة المعتقدات وطريقة دافعية تلك الرغبات. لكن مناهضي الهيومية قد يجادلون بأن صورتهم عن الدافع الأخلاقي من خلال المعتقد الأخلاقي مترابطة. للوقوف على هذا، نحتاج إلى النظر في إمكانية أن تكون الحالة العقلية متعارضة مع اتجاهات الملاءمة لأنه في عرض كل اتجاه من اتجاهات الملاءمة، تكون الحالة العقلية موجهة إلى افتراضات مختلفة: الفاعل الفاضل “يؤمن” (يؤمن تجاه الاتجاه الملائم). لنفترض يجب تعزيز الحالة “S” و”الرغبات” في إحداث “S” (الرغبة في اتجاه الملاءمة) (Little 1997, 64).

قدم مناهضو الهيومية اعتبارات مختلفة -بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي- لدعم رفضهم لمذهب الهيومية. على الجانب السلبي، يحاولون هزيمة الاعتبارات التي يعتقد أنها تفضل النظرية الهيومية، كما رأينا بالفعل في سياق استكشاف بعض هذه الاعتبارات. على الجانب الإيجابي، يلجأ مناهضو الهيومية أحيانًا إلى علم الظواهر (الفينومينولوجيا) في الدافع الأخلاقي، بحجة أنه يدعم وجهة نظرهم. بسؤال الشخص محل الدراسة الذي يميل بشدة للقيام بخلاف ذلك عن سبب تصرفه في النهاية كما كان يعتقد أن الأخلاق مطلوبة ولم يبلغ عن رغباته في لحظة الفعل; بدلاً من ذلك، وحسب ما يعتقد سيوضح أن الإجراء الذي اتخذ كان الشيء الصحيح الذي يجب فعله (Shafer-Landau 2003, 123). تخبرنا تجربتنا الخاصة وتجارب الآخرين أنه على الرغم من أن أفعالنا غالبًا تنشأ من رغباتنا، إلا أنها تنشأ أحيانًا بدلاً من معتقداتنا التقييمية. كدعم إضافي لهذه الادعاءات حول الفينومينولوجيا في الدافع الأخلاقي. وناشد شافير-لاندو الحالات غير الأخلاقية التي يبدو أن الدافع ينبع من المعتقد. ضع في اعتبارك الشخص الذي يقنع نفسه بأن لديه رغبة يفتقر إليها في الواقع، مثل الرغبة في أن يصبح محاميا. ليلتحق بكلية الحقوق ثم يجد نفسه غير متحمس من خلال فصولها الدراسية وعليه قام بالتسرب من المدرسة، بعد الصيف الذي أمضاه في العمل كنجار اكتشف مدى حبه للنجارة (Shafer-Landau 2003, 125). يبدو أن أكثر ما يفسر بشكل معقول تسجيل الفرد في كلية الحقوق وجهوده الفاترة خلال تلك السنة الأولى هو اعتقاده الخاطئ بأنه يرغب في أن يصبح محاميا. بالتمعن في العديد من خياراتنا سنرى أنها تشمل إخضاع أنفسنا لتجارب مملة، بل مؤلمة – تجارب لا يرغب أحد منا بالتأكيد في تحقيقها – بالتالي يدين لنا أصحاب النزعة الهيومية ببعض الشرح عن رغبتنا في الاستمرار في مثل هذه الخيارات. فيما يبدو أن إرادة الخاصة بالهيومية مجبرة على الاستعانة بشيء من الرغبة الإضافية التي نسعى إلى إشباعها، مثل، في حالة ترك كلية الحقوق، الرغبة كانت في أن تصبح محامياً. لكن مثل هذا التفسير سيكون غير محتمل في الحالات التي نكون فيها مخطئين بشأن رغباتنا. وعلية لا يمكن إعطاء سبب مقنع لقبول تفسير قائم على أساس الرغبة لأفعالنا، يفوق التفسير الأكثر وضوحًا فيما يتعلق بمعتقداتنا كما ذكر شافير-لاندو.

ومع ذلك، يصر أصحاب النزعة الهيومية على أنه لا يوجد شيء مباشر في محاولات تفسير الدافع الأخلاقي والفعل من منظور المعتقدات. فقط تذكر حجة الفلسفة الهيومية القائمة على الاختلافات في “اتجاه الملاءمة” بين المعتقد والرغبة. على كل حال عند ترك هذه الحجة جانبًا، فأنه لا فينومينولوجيا الدافع الأخلاقي ولا الحالات التي يكون فيها الأفراد مخطئين بشأن رغباتهم تدعم وجهة النظر المناهضة للهيومية. حقيقة أن الفرد قد يستشهد بمعتقده بدلاً من الرغبة في ايضاح سبب قيامه بما رأى أنه على حق، حيث لا يفعل شيئًا لإظهار أن معتقدة الأخلاقي دفعه بشكل مباشر إلى التصرف أو أنه عمل على توليد رغبة دفعته إلى ذلك التصرف. من المعروف أن التقارير الذاتية الفردية غير موثوقة ويمكن بصعوبة حل مسألة رئيسية حول علم النفس الأخلاقي. وبالنسبة إلى الحالات التي (يَزعم) فيها الأفراد بأنهم مخطئين بشأن رغباتهم، فإن الفطرة السليمة تشير إلى أن الهيومية لديها تفسير أكثر وضوحًا. قد يجادل ذو الميول الهيومية بأن المتسربين من كلية الحقوق في الواقع كانوا يرغبون في أن يصبحوا محامين، أو على الأقل الالتحاق بكلية الحقوق؛ هم ببساطة لم يفهموا كيف ستكون دراسة القانون، وبمجرد أن مروا بتلك التجربة، فقدوا رغبتهم في مواصلة دراسته. أو ربما بالأساس لم يكن أحدهم يرغب حقًا في أن يصبح محاميًا، رغم أن نفسه أخبرته بذلك. ومع ذلك، فقد قام بالالتحاق بكلية الحقوق ليس من خلال معتقده المجرد، ولكن من خلال رغبة أكثر عمقًا، وربما ليست رغبة واعية بالكامل، مثل الرغبة في إرضاء والديه أو الحصول على المكانة أو الراتب الذي يأتي مع كونه محاميًا.

لم يقدم مناهضو الهيومية أي سبب لتفضيل تفسيراتهم على بدائل الهيومية. بلا شك، يفترض مناهضو الهيومية بأن الفينومينولوجيا، تعمل على حل الخلاف، ولكن على الطرف الأخر سيصر معتنقي الهيومية على موقفهم بعدم تفضيله موقف الهيومية المضادة.

لا تغطي المناقشة السابقة بالطبع كل حجة تم طرحها في الجدل الطويل بين أصحاب نزعة الهيومية ومناهضي الهيومية، إلا القليل من تلك التي وجدها الفلاسفة بوضوح أكثر إقناعاً. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان سيتم حل النقاش وكيفية حله. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن طبيعة النزاع غير واضحة إلى حد ما. هل هو في الأساس نزاع مفاهيمي يجب حله، على سبيل المثال، عن طريق تحليل مفاهيم المعتقد والرغبة؟ على الرغم من أن الحجج التي تناشد الاعتبارات في فلسفة العقل وعلم النفس الأخلاقي قد أظهرت أنها أقل من مقنعة حتى الآن. هل الخلاف تجريبي في الأساس؟ يبدو أن الميل إلى اللجوء والاحتكام إلى الفطرة السليمة وفينومينولوجيا الفعل الأخلاقي يظلل ويقود للتعامل مع القضية على أنها تجريبية جزئيًا على الأقل، على الرغم من أنه ربما يكون الغرض من هذه المناشدات هو مجرد التحقق من الادعاءات المفاهيمية. على أي حال يمكن لتجربتنا المنشودة، أن تكون عادلة، وغير حاسمة أيضًا، التي يستشهد بها أولئك الموجودون على جانبي المناقشة. وفي سياق درء انتقادات الرأي القائل بأن الفضيلة هي المعرفة، يقترح ليتل Little (1997) أن الخلاف يعتبر خلاف نظري في الأساس، وينطوي على أسئلة كبيرة ومعقدة حول طبيعة الفاعلية والمعيارية والمسؤولية. سواء كان الأمر كذلك أم لا، قد يكون ليتل محقًا في اقتراحه أن النزاع لن يكون قابلاً للحل من خلال اللجوء إلى الحجج المحلية البسيطة التي درسناها. فإلى أي مدى يجد المرء أنه من المعقول أن أيًا من الجانبين قد يتحول، في النهاية، إلى نظريات كبرى مقبولة وتظهر فيها هذه الآراء على شكل متعاقب.

2.3 الباطنية ضد الظاهرية

بغض النظر عما يمكن أن يستنتجه المرء بشأن ما إذا كانت الأحكام أو المعتقدات الأخلاقية تحفِّز وتدفع من تلقاء نفسها أو عن طريق بعض الحالات النزوعية الموجودة مسبقًا فقط، يبقى السؤال حول الطبيعة الدقيقة للعلاقة بين الحكم الأخلاقي والدافع. هل الأحكام الأخلاقية تحفز وتدفع بالضرورة أم أنها تحفز بشكل عرضي أو احتمالي فقط؟ إذا كان الأخير، فكيف لنا أن نفسر سبب كون العلاقة العرضية بين الحكم الأخلاقي والدافع قوية وموثوقة كما تبدو؟

التقسيم الرئيسي للرأي فيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين الحكم الأخلاقي والدافع هو بين هؤلاء الفلاسفة الذين يقبلون والذين يرفضون أطروحة تعرف باسم باطنية الحكم التحفيزي (Motivational judgment internalism). هذه الأطروحة هي شكل من أشكال الحكم الباطني أو الداخلي (Judgment internalism). تقليدياً، تم وصف الحكم الباطني بتبنيها فكرة أن الدافع يكون داخلي للحكم الأخلاقي، بمعنى أن الحكم الأخلاقي نفسه يحفز دون الحاجة إلى رغبة مصاحبة (“باطنية قوية”) أو أن هناك صلة ضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع (“الباطنية الضعيفة”). وكما هو موضح حاليًا في الأدبيات، الحكم الباطني يجعل الادعاء المفاهيمي على صلة ضرورية بين الحكم الأخلاقي الصادق والأسباب أو الدوافع المبررة له بالضرورة. وإذا حكم الفرد بصدق على شيء أنه يجب عليه فعل φ، فعندئذ يكون لديه سبب أو دافع لهذا الفعل φ. ويجب التمييز بين الحكم الباطني وأطروحة الكينونة الداخلية، والتي عرضناها سابقًا. ونذكر أنه وفقًا للباطنية الوجودية، توجد علاقة ضرورية بين وجود حالة معيارية معينة والدافع. كما يمكن أن يكون الاعتبار سببًا أو يكون حقًا، كأن يكون قادرًا على التحفيز. في حين أن الحكم الباطني ينص على شرط ضروري لكونه حكمًا من نوع معين، لأن الباطنية الوجودية تنص على شرط ضروري وهو أن يكون فعلًا أو حالة أو اعتبار من نوع معياري معين.

ترى باطنية الحكم التحفيزي، والتي سوف نشير إليها فيما بعد بـ “الباطنية”، أن الشخص لا يمكنه إصدار حكم أخلاقي بصدق دون أن يكون لديه دافع على الأقل إلى حد ما للالتزام بحكمه. كما يمكن أن تتخذ الباطنية أشكالًا أضعف أو أقوى. في شرح ماكيي لأفلاطون، هو الرأي القائل بأن الشخص الذي يصدر حكمًا أخلاقيًا صادقًا سيكون بالضرورة الدافع الأكبر للامتثال لحكمه. وهكذا، فإن ما يجب أن تكون عليه الخصائص الأخلاقية الموضوعية يتضمن شكلاً متطرفًا إلى حد ما من الكينونة الداخلية، والذي سيكون متحالفًا مع شكل متطرف إلى حد ما مع الحكم الباطني. ولم ينجذب الفلاسفة الأخلاقيون المعاصرون إلى هذا الادعاء القوي عندما يكون الدافع الأخلاقي مرتبطًا بالحكم الأخلاقي أكثر مما كان علية عندما يرتبط الدافع الأخلاقي بالخصائص الأخلاقية. وبدلاً من ذلك، فقد قبلوا أشكالًا أضعف من الباطنية، والتي تسمح بذلك على الرغم من أن الشخص الذي يصدر حكمًا أخلاقيًا صادقًا، سوف يشعر بالضرورة ببعض الدافعية للتقيد به، وقد يتم تجاوز هذا الدافع أو يفقد أهليته بسبب الرغبات المتضاربة والسقوط نتيجة مجموعة متنوعة من الأمراض العقلية، مثل الاكتئاب وضعف الإرادة (Svavarsdottir 1999, sec.1)..

كما يجب أن يكون واضحًا بالفعل، فإن أولئك الذين يقبلون شكلاً أو آخر من أشكال باطنية الحكم التحفيزي لديهم تفسير جاهز لموثوقية الدافع الأخلاقي، بما في ذلك موثوقية التحول التحفيزي من أجل تتبع التغييرات في الحكم الأخلاقي. في الواقع، إحدى الحجج المقدمة لصالح الباطنية هي أنه إذا قبلناها هي لوحدها، يمكننا أن نقدم شرح بشكل معقول عن سبب التغييرات في الدافع الأخلاقي تتبع بشكل موثوق التغييرات في الحكم الأخلاقي (Smith 1994, 71–76). لنفترض أن جونز وتومسون يناقشان هل الإجهاض جائز الأخلاقي. تميل جونز إلى الاعتقاد بأن الإجهاض خطأ أخلاقي. ومن المعروف أنها انضمت إلى خط الاحتجاج خارج عيادة محلية للإجهاض ومحاولة ثني النساء عن إجراء عمليات الإجهاض. في المقابل، يعتقد طومسون أن الإجهاض مسموح به أخلاقيًا. ولنفترض أنه بعد مناقشة مستفيضة، أقنع طومسون جونز بأن الحجج الأكثر منطقية تدعم أن الإجهاض جائز. ما الذي يتوقعه الناس بشكل معقول فيما يتعلق بسلوك جونز المستقبلي؟ إذ كانوا يتوقعون أنها لن تميل ولن تغير موقفها خصوصاً بعد الانضمام إلى خط الاحتجاج، وأنها ستتوقف عن جهودها لثني النساء الأخريات عن إجراء عمليات الإجهاض. لكن هذا التوقع يعتمد بشكل ما على توقع أن جونز شخصية جيدة وقوية الإرادة – وليس مكتئبةً أو لا مبالية أو تعاني من ضعف الإرادة – فإن ما كان يحفزها للقيام بهذا الفعل قد تم تغييره، وذلك استجابة للتغيير في حكمها الأخلاقي، وهو بالضبط ما ستقودنا الباطنية إلى توقعه. إذا كانت الباطنية صحيحة، فيمكننا بسهولة تفسير التغييرات التحفيزية أو الدافعية. العلاقة الوثيقة بين الحكم الأخلاقي والدافع هي في نهاية المطاف، أفضل تفسير باطني أو داخلي أنها نتاج محتوى أو طبيعة الحكم الأخلاقي نفسه (Smith 1994, 72).. وأولئك الذين يقبلون الباطنية سوف يدينون لنا في النهاية بطبيعة الأحكام الأخلاقية التي تشرح وتلتقط العلاقة الضرورية التي يفترض وجودها بين الحكم الأخلاقي والدوافع.

الأطروحة التي تعارض بشكل مباشر باطنية الحكم التحفيزي، أو الظاهرية التحفيزية (Motivational externalism)، أو الظاهرية فقط، تنكر أنها من المفاهيم البديهية التي تحفز بالضرورة الأحكام الأخلاقية. وفقًا للظاهرية، فإن أي ارتباط موجود بين الحكم الأخلاقي والدافع هو عرضي بحت، على الرغم من أنه قد يتحول إلى سمات عميقة للطبيعة البشرية. ويحدث الدافع الأخلاقي عندما يتحد الحكم الأخلاقي مع الرغبة، ويكون محتوى الحكم مرتبطًا بمحتوى الرغبة من أجل تبرير الفعل. الحجة المذكورة أعلاه تصب لصالح الباطنية تنفي في الواقع أن الظاهرية يمكن أن تشرح بشكل كاف الظاهرة الأساسية للدافع الأخلاقي، خصوصاً، التحول الجاد للدافع الأخلاقي لمطابقة التغييرات في الحكم الأخلاقي. لكن لماذا تعتقد أن الظاهرية ستكون غير كافية من الناحية التفسيرية؟ بمجرد أن نحصل على الأطروحة الظاهرية حول الارتباط الضروري بين الحكم الأخلاقي والدافع، سوف تكون لدينا القصة بأكملها: إذا أصدر الفرد حكمًا أخلاقيًا سوف يكون مندفع ومتحفز، مع افتراض ثبات باقي المتغيرات؛ وإذا لم يكن لديه الدافع، فإنه على الإطلاق لن يصدر حكمًا أخلاقيًا صادقًا وفعالًا، على الرغم من المظاهر التي تظهر عكس ذلك. لأن الذي يتمسك بالظاهرية فقط ينكر وجود علاقة ضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع. وتتركنا الأطروحة الظاهرية في حاجة إلى تفسير مستقل للدافع الأخلاقي. ويؤكد الباطنية أن أي تفسير من هذا القبيل سيكون قاصرًا – ونسمي هذا “التحدي الباطني” للظاهرية.

وفقًا لنسخة واحدة مهمة من التحدي الباطني، التي قدمها مايكل سميث Michael Smith، سيتعين على من يأخذ بالظاهرية أن يشرح العلاقة بين الحكم الأخلاقي والدافع الظاهري أو الخارجي (Motivation externally) على أنه لا يرجع إلى محتوى الأحكام الأخلاقية، بدلاً من ذلك فهو يرجع إلى “محتوى التصرفات الدافعية التي يمتلكها الشخص الصالح وقوي الإرادة” (Smith 1994, 72).. لكن يُزعم أن هذا يُلزم من يأخذ بالظاهرية بصورة غير مقبولة للدافع الأخلاقي. سيقول الباطني أو من يأخذ بالباطنية أن العامل الذي يتم تحفيزه لفعل الشيء الصحيح يتم تحفيزه لفعل الشيء نفسه المعطى من محتوى حكمه الأخلاقي؛ لذا فهو مندفع لفعل الشيء نفسه الذي يرى أنه على حق (73). فالشخص الذي يحكم أنه من الحق القيام بعمل من شأنه تعزيز سعادة شخص آخر، على سبيل المثال، فهو يقع تحت رغبة أو اهتمام رئيسي من أجل تقديم الخير. على النقيض من ذلك، يجب على من الظاهري أن يقول إن العامل قد تم تحريكه للقيام بما يراه صحيحًا بسبب محتوى التصرفات الدافعية التي يمتلكها الشخص صالح. السؤال إذن هو ما يمكن أن تكون عليه هذه التصرفات. تذكر أنه عندما يتغير حكم الشخص، يميل دافعه للتغيير. إذا كان هذا التحول التحفيزي سيتم تفسيره من حيث التصرفات الدافعية للشخص الصالح، وليس من حيث محتوى أحكامه الأخلاقية، فإن التصرف الوحيد الذي يمكنه القيام بالتفسير هو الدافع لفعل الشيء الصحيح، مهما حدث (75). ووفقًا لسميث، فإن وجهة النظر هذه تتعامل بشكل لا معقول مع الدافع الأخلاقي على أنه فرعي أو ثانوي؛ إنها تنبع من الرغبة في فعل الشيء الصحيح جنبًا إلى جنب مع الحكم الأخلاقي الحالي للشخص بشأن الشيء الصحيح الذي يجب فعله. ويرغب شخص ما في الترويج لخير آخر، ليس بشكل غير مشتق (أساسي) لأنه يرى أنه من الصواب الترويج لمصلحته وبالتالي يرغب في فعل هذا الأمر، ولكن لأنه يرغب في فعل الصواب، وما حدث ما هو إلا لتعزيز مصلحته. لكن الشخص الصالح، كما يدعي سميث، يهتم بشكل أساسي (غير اشتقاقي) بالعدالة والمساواة ورفاهية الأحباء. إن الاهتمام غير الاشتقاقي فقط عن فعل ما يعتقد المرء أنه صحيح، ويحفيزك بهذه الطريقة، وليس بالأشياء الأخرى، هو “صنم أو رذيلة أخلاقية” (75). تقترح سميث أنه من خلال تحفيز أو دفع الشخص الصالح على فعل ما يعتقد أنه صحيح أخلاقيًا، مهما كان ذلك، فإن الصورة الظاهرية “يبعدها عن الغايات التي تهدف إليها الأخلاق بشكل صحيح” (76).

استجاب الظاهريون لهذا التحدي وذلك من خلال الإشارة إلى أن حقيقة أن الشخص الطيب لديه الدافع لفعل ما يعتقد أنه صحيح لا يمنعه أيضًا من أن يكون الدافع غير مشتق من خلال الاهتمام المباشر، على سبيل المثال، من أجل رفاهية أحبائهم. لقد جادلوا أيضًا بأنه لا يوجد “صنم أو رذيلة أخلاقية” في افتراض أن الشخص الصالح ميال بشكل تحفيزي لفعل الشيء الصحيح، على كل حال تعد هذه التفسيرات الظاهرية بديلة للعلاقة الموثوقة بين الحكم الأخلاقي والدافع (Copp 1997, 49–50). ويمكن للفرد، على سبيل المثال، ببساطة أن يميل إلى الرغبة فورًا في القيام بكل ما يعتقد أنه من الصواب القيام به أو أي شيء يرى أنه ذا قيمة، بدلاً من الاستعداد لفعل الشيء الصحيح، مهما كان الأمر(Copp 1997, 50–51). وجادل سيجرون سفافارسدوتير Sigrun Svavarsdottir (1999) بأن سميث مخطئ عندما ادعى أن الخيار الظاهري الوحيد لشرح التحول التحفيزي هو عبر مناشدة الرغبة في فعل الشيء الصحيح، لكنها تعتقد أن شيئًا قريبًا من وجهة النظر التي رفضت من قبل سميث توفر الصورة الظاهرية للدافع الأخلاقي فقط. ويجب علينا، من وجهة نظرها، أن نفهم الشخص الصالح باعتباره مهتمًا بفعل ما هو قيم أو مطلوب من الناحية الأخلاقية، حيث يجب فهم هذا الاهتمام ليشمل ما هو صادق، وعادل، ولطيف، ومراعي، وأمين وما إلى ذلك. ولا تعني حقيقة أن الشخص الطيب متحمسًا بشكل تحفيزي، كما يبدو أن سميث تقترح إلى أنها تهتم بشيء واحد فقط، وهو القيام بما تعتقد أنه صحيح. ولا يعني ذلك أنها تقوم بفعل يعتبر ببساطة الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله. على العكس من ذلك، فإنه يتوافق مع الصورة الظاهرية التي تقول إن الشخص الصالح غالبًا ما يستجيب بشكل مباشر لاحتياجات الآخرين للراحة أو الهدوء. علاوة على ذلك، فإن النظرة الظاهرية التي تصور الشخص الصالح على أنه مدفوع بالرغبة في أن يكون أخلاقيًا لا تتضمن إدخال فكر غريب (أو اغتراب) – “إنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله” – في وعيه من أجل شرح الدافع الأخلاقي. بدلاً من ذلك، بعد أن شُكل الحكم الأخلاقي الذي يجب أن يكون عليه الفعل φ، فإن الرغبة في أن تكون لاعباً أخلاقياً في الشخص الصالح، دورًا في إحداث “الانتقال النفسي” من الحكم على صواب الفعل φ إلى الرغبة في φ  (Svavarsdottir 1999, 201). أخيرًا، يجادل سفافارسدوتير أنه على الرغم من أن الرغبة في القيام بالعمل الصحيح أخلاقيًا، كمساعدة شخص آخر محتاج، قد تنبع في البداية من الرغبة في أن يكون أخلاقيًا، إلا أنها قد تعمل بشكل مستقل عن الرغبة الأخيرة، بحيث تكون رغبتها في المساعدة. ليست مجرد رغبة آلية (Svavarsdottir 1999, 205–206, 213–214)..

في الواقع، فإن النقطة التي يريد الظاهريون الإصرار عليها هي أن بعض حالات النزوعية يجب أن تعمل في الحركة بدءًا من الحكم علي أن الفعل φ بأنه فعل صحيح إلى الرغبة أو الانتقال إلي الفعل φ. بعد كل شيء، سيذكرنا الظاهري أن هذه الحركة لا تحدث في جميع الفاعلين الأخلاقيين؛ والبعض منهم سيحكم على أنه من الصواب φ دون أن ينتقل إليه. ويأخذها الظاهريون عادةً كنقطة لملاحظة الفطرة السليمة وهي وجود تباين واسع في تأثير الأحكام الأخلاقية على مشاعر الناس ومداولاتهم وأفعالهم (Svavarsdottir 1999, 161)..

غالبًا ما تتمحور النقاشات بين الباطنيين والظاهريين حول شخصية “اللا أخلاقي” – الشخص الذي يصدر أحكامًا أخلاقية على ما يبدو، بينما يظل غير متأثر تمامًا بالامتثال لها. ولقد بُذلت جهود مختلفة للتعامل مع مشكلة غير الأخلاقي، وقد أدت هذه الجهود إلى تطوير إصدارات عديدة من الحكم الباطني التحفيزي. بشكل عام، وقد أصر الباطنيون على أن اللاأخلاقي يعتبر استحالة مفاهيمية (Conceptual impossibility). الاستراتيجية المعيارية التي يستخدمها أنصار الباطنية للتعامل مع اللاأخلاقي الافتراضي هي تحديد محتوى للأحكام الأخلاقية التي من شأنها أن تؤدي إلى عدم قدرة أي فاعل (أو لا يوجد فاعل عقلاني (Rational agentعلى أي حال) على توظيف المفاهيم الأخلاقية بكفاءة وإصدار حكم أخلاقي صادق، مع عدم التأثر. يجيز الباطنيون بأن يكون الدافع الأخلاقي غير مهيمن؛ لأنه من الممكن أن تكون الرغبات المتنافسة أقوى وبالتالي قد تسود. كما تسمح أيضًا بأن الدافع الأخلاقي غير مجدٍ أو غير قابل للتنفيذ؛ ويجوز لأي شخص أن يحكم على أنه من الصواب فعل φ، في حين لا ينتقل للفعل φ، بسبب الاكتئاب أو ضعف الإرادة. ومع ذلك -وبغض النظر عن حالات اللاعقلانية-، فإن الشخص الذي يبدو أنه يصدر حكمًا أخلاقيًا، بينما يظل غير متأثر، يجب أن يفتقر حقًا إلى الكفاءة في التعامل مع المفاهيم الأخلاقية أو التحدث بصدق. في الحالة الأخيرة، انها حكمت على فعل شيء بأنه “حق” فقط بمعنى “فاصلات مقلوبة” (R. M Hare, 1963)، كما هو الحال عندما يجيب المجرم غير التائب، الذي يسعى إلى الحصول على حُكم بعقوبة أخف، للقاضي، بنبرة ندم، أنه يعرف أن ما فعله كان “خطأ”.

فيما يؤكد الظاهريون، أن اللاأخلاقية ليست استحالة مفاهيمية. لانهم يرون أن بأماكنهم أخذ تصور عن اللاأخلاقيين، وعلية فإذا تم أخذ هذا التصور، لن تكونوا هناك استحالة المفاهيمية (Shafer-Landau 2003, 146). على عكس ما يزعمه المتشددون الباطنيون، يمكن للأفراد تطبيق المفاهيم الأخلاقية بصدق وكفاءة دون تحفيز بأي طريقة محددة. في حين أن بعض غير الأخلاقيين قد يستخدمون المصطلحات الأخلاقية فقط بمعنى الفاصلة المقلوبة، فلا يمكن تفسير جميع حالات الفشل التحفيزي على أنها حالات من اللاعقلانية أو عدم الكفاءة المفاهيمية أو النفاق.

في هذه المرحلة من الجدل، يميل الباطنيون والظاهريون إلى تقديم حجج إضافية في محاولة للتغلب على ما يبدو أنه مأزق. على سبيل المثال، قد يدعونا الظاهريون إلى النظر في القضايا التي يحكم فيها الشخص على أنه من الصواب القيام بالفعل φ، مع الاعتقاد بأنه سيكون من المستحيل في الواقع النجاح في القيام بهذا الفعل φ، أو الحالات التي يعتقد أن القيام بهذا الفعلة من شأنها أن تتعارض بشكل ملحوظ مع مصالحه أو ستمنعه من الحصول على شيء يشتهيه بشدة. ألا يبدو من المعقول أنه في مثل هذه الحالات يمكن للشخص أن يحكم على أنه من الصواب له أداء الفعل φ، بينما يفشل في الانتقال إليه φ؟ بشكل عام، يجادل الظاهريون بأن الباطنيين لا يستطيعون فهم المنافس التاريخي للأخلاق – المتشكك الذي يسأل، “لماذا تكون أخلاقيًا؟” قد يقدم الظاهريون أيضًا حججًا تهدف إلى نقل العبء إلى الباطنيون لإثبات أن الباطنية هي ابتذال أو تفاهة مفاهيمية (Svavarsdottir 1999, 2006)..

من أجل معالجة مجموعة متنوعة من الحالات بشكل كامل يفشل فيها الاتصال بين الحكم الأخلاقي والدافع، قدَّم الباطنيون نسخًا أكثر تأهيلًا للباطنية. تؤكد هذه الاصدارات المؤهلة من الباطنية أن العلاقة الضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع لا تثبت إلا في ظل ظروف معينة. أما بخصوص ماهية هذه الشروط، فقد تم طرح آراء متنوعة. على سبيل المثال، قام سميثSmith  (1994) بتطوير نسخة من النزعة الباطنية، أو ما يسميه “مطلب التطبيق العملي” ، مع التأكيد على وجود صلة ضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع، على الأقل في “الشخص الصالح وقوي الإرادة”. يدعي أن العلاقة بين الحكم الأخلاقي والدافع تُوجد في الشخص “العقلاني عمليًا”. بينما اقترح آخرون أنه ينطبق على الشخص “الطبيعي نفسياً” (Dreier 1990)  أو في الشخص “المدرك أخلاقيا” (Bjorklund et al. 2012: 126-128).

لكن المشاكل لا تزال قائمة. ماذا عن الشخص الذي أصدر حكمًا أخلاقيًا معينًا في الماضي ودائمًا ما تم دفعه للتصرف وفقًا لهذا الحكم، ولكنه لم يعد متحمسًا، بينما يستمر في إصدار الحكم؟ ربما ترى أنه يجب عليه أخلاقياً أن يعمل بنشاط لمساعدة المرضى والفقراء. بعد 20 عامًا من القيام بذلك، خلص إلى أنه فعل ما يكفي وتوقف عن تحفيزه للتصرف وفقًا لحكمه، لكنه استمر في الحكم على أنه يجب عليه أخلاقياً أن يعمل بنشاط لمساعدة المرضى والفقراء. ألا يبدو من المعقول أنه مختص بالمفاهيم الأخلاقية، وأنه يتحدث بصدق، وأنه يستخدم المصطلحات الأخلاقية بمعناها العادي، بدلاً من معنى “الفواصل المقلوبة”؟ ومع ذلك، لم يكون لا مبالٍ أو مكتئبٍ أو مريض عقليًا.

دفعت مثل هذه الحالات البعض إلى الابتعاد عن فكرة أن العلاقة الضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع محمولة على كل حكم أخلاقي فردي. أولئك الذين يطورون أشكال ما بجوركلوند وآخرون Bjorklund et al.  (2012) (انظر أيضًا بجورنسون وآخرون 2015) في الدعوة إلى “الباطنية المؤجلة” (Deferred internalism) بالقول بأن الارتباط الضروري بين الحكم الأخلاقي والتحفيز يمكن أن يكون أكثر وهناً.

3.3 الباطنية المؤجلة

بالضرورة، إذا حكم شخص ما أنه يجب عليه أخلاقيًا القيام بالفعل φ، فهو إما (على الأقل إلى حد ما) مندفع لهذا الفعل أو أن بعض الأحكام الأخلاقية ذات الصلة تكون مصحوبة بدافع. (Bjorklund et al. 2012: 128)

لذلك، في المثال أعلاه، عامل المساعدة الانسانية لدينا لم يعد مندفع كما كان، ولكنه لا يزال يحكم بأن عليه واجباً أخلاقياً للقيام بالفعل φ لأنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببعض الأحكام الأخلاقية والتي كانت مصحوبة بدوافع، أي أحكامه السابقة. فيرى البعض الآخر أن اللا أخلاقي واضح فقط بالنسبة إلى الظروف التي يكون فيها الدافع الأخلاقي صحيحًا عادة، وقد أدى هذا بالبعض إلى إيجاد الأحكام الأخلاقية ذات الصلة في مجتمع الفاعل. تيرازان Tresan (2009a and 2009b)، على سبيل المثال، يؤخذ في الاعتبار إمكانية وجود نسخة “مجتمعية” من الباطنية المؤجلة، والتي تعتبر معتقدات الفرد أخلاقية فقط عندما، تكون المعتقدات في مجتمع المؤمنين مع هذا المحتوى محفزة ودافعة. (And see Blackburn 2001, 63.).

وحيث إن نُسخ الباطنية أصبحت مؤهلة بشكل متزايد، فقد يميل المرء إلى التساؤل عما إذا كان هناك فرق كبير بين الباطنية والظاهرية. وقد يميل المرء إلى التساؤل كذلك عما إذا كان أي منهما يتمتع بميزة خاصة تجعله قادر على شرح مصداقية الدافع الأخلاقي. وإذا كان الأمر كذلك، فقد ينجذب المرء إلى ما يبدو أنه الحكاية الأبسط التي يجب أن يرويها الظاهري حول العلاقة بين الحكم الأخلاقي والدافع.

يؤكد المخلصون الظاهريون أنهم يستطيعون تفسير العلاقة القوية، والطارئة بين الحكم الأخلاقي والدافع بشكل كامل ومناسب، ويقدمون تفسيرات مختلفة لكيفية تحفيز الأحكام الأخلاقية بشكل موثوق. كما رأينا، يسعى سافافارسدوتير Svavarsdottir إلى شرح الدافع الأخلاقي من خلال الانخراط في حالات نزوعية معينة، أي الرغبة في القيام بما هو قيم أو مطلوب من الناحية الأخلاقية – الرغبة، باختصار بأن تكون أخلاقيًا. بيتر رايلتون Peter Railton يحيل الى مساعي القلق الذي يجب على الناس عمومًا أن يكونوا قادرين على تبرير خياراتهم وسلوكهم من وجهة نظر أكثر حيادية. لكنه يعتقد أيضًا أن دوافع الناس العادية على ما يبدو تلعب دورًا، يُقترح هذا عندما يشير إلى أنه إذا كنا نريد حقًا أن يأخذ الناس الأخلاق على محمل الجد، “يجب أن نسأل كيف يمكننا تغيير الطرق التي نعيش بها بحيث يكون السلوك الأخلاقي أكثر عقلانية بشكل منتظم بالنظر إلى الغايات التي لدينا بالفعل” (Railton 1986a, 203). ووفقًا لديفيد برينك David Brink، فإن الظاهرية تجعل القوة الدافعة لأحكامنا الأخلاقية “مسألة تتعلق بحقيقة نفسية عرضية، اعتمادًا على كل من محتوى الآراء الأخلاقية للناس ومواقفهم ورغباتهم” (Brink 1989, 49). ومع ذلك، قد تكون هذه المواقف والرغبات مشتركة على نطاق واسع ومتجذرة في السمات المركزية للطبيعة البشرية. ويفترض كما أكد الفيلسوف ديفيد هيوم أن التعاطف سمة عميقة ومشتركة على نطاق واسع في علم النفس البشري. ويلاحظ برينك في حين أنه قد يكون حقيقة عرضية أن معظم الناس سيكون لديهم بعض الرغبة في الامتثال لما يعتقدون أن الأخلاق تتطلبه، إلا أنها ستكون حقيقة عميقة عنهم. “الدافع الأخلاقي، وفقًا لوجهة النظر هذه، يمكن أن يكون واسع الانتشار ويمكن التنبؤ به، حتى لو لم يكن ضروريًا، ولا عالميًا، ولا مهيمنًا” (Brink 1989, 49; Boyd 1998, sec. 4.7)..

يتبنى الفلاسفة الذين يؤيدون النزعة الظاهرية عمومًا الفلسفة الهيومية، على الرغم من أنه من المهم أن نتذكر أن العديد من الباطنيين، بما في ذلك معظم اللامعرفيين أو اللاإدراكيين Non-cognitivism والتعبيريين Expressivists، يقبلون أيضًا النظرية الهيومية للدافعية فيما يخص الحكم الأخلاقي. في الواقع، يجادل البعض بأن الملاحظة الأساسية التي تدعم الظاهرية تدعم أيضًا النظرية الهيومية: إن التباين الواسع في التأثير التحفيزي للأحكام الأخلاقية يشير ليس فقط إلى أنها تحفز بشكل طارئ، بل أنها تفعل ذلك من خلال بعض الحالات الإرادية. مع ذلك، لا يحتاج الظاهريون إلى أن يكونوا من الهيومية. شافير-لانداو الذي يرفض كلاً من الفلسفة الهيومية والباطنية، ويرى أن المعتقدات الأخلاقية هي بالفعل محفزة جوهريًا – يمكنها الدفع من تلقاء نفسها. لكن على عكس النزعة الباطنية، فهي ليست بالضرورة محفزة. قد تفشل المعتقدات المحفزة جوهريًا في الدفع في ظل ظروف الإرهاق الشديد أو الاكتئاب الشديد أو الدوافع المعاكسة الساحقة (Shafer-Landau 2003, 147–148). حقيقة أن شافير لانداو يتعامل مع عدم جدوى الدافع الأخلاقي في ظل هذه الظروف مثل دعم شكل من أشكال الظاهرية، في حين إن سميث يعامل قابلية عدم الجدوى في ظل ظروف مماثلة على أنها متوافقة مع شكل من أشكال الباطنية، وهذا يوحي ببعض الخلاف بين الفلاسفة فيما يتعلق بتحديد متى يُصنَّف وجهة النظر على أنه شكل من أشكال الباطنية أو الظاهرية.

4. الدافع الأخلاقي وما وراء الأخلاقيات

لطالما تداخل التفكير الفلسفي حول ظاهرة التحفيز الأخلاقي مع الجهود المستمرة لمعالجة الأسئلة التأسيسية في الأخلاق وأثَّرها. كان لاستخدام الأفكار المتعلقة بطبيعة الدافع الأخلاقي لدعم الفلسفة اللاواقعية (Anti-realism) في الأخلاق أهمية خاصة – وهي وجهة النظر المضادة لادعاءات الواقعيين الأخلاقيين، حيث ترى أنه لا توجد حقائق أخلاقية، ولا حقائق حول ما تتطلبه الأخلاق، أو تمنعه، أو ما تسمح به، ربما باستثناء جانب بسيط للغاية. لقد رأينا بالفعل مثالًا واحدًا لكيفية تأثير الأفكار حول الدافع الأخلاقي على وجهات نظر أوسع فيما وراء الأخلاقية أو الميتا أخلاقية (Metaethical) في نقد ماكيي للموضوعية الأخلاقية. كما ذكرنا سابقًا، يدافع ماكيي عن الادراكية اللاواقعية (Cognitivist anti-realism)، وهي شكل من أشكال الفلسفة اللاواقعية التي تربط الإدراك بنظرية الخطأ. ووفقًا لهذه الادراكية اللاواقعية، فأن العبارات الأخلاقية تعبر عن افتراضات حول الخصائص الوصفية الموضوعية – أي تلك التي تتضمن “يجب السعي وراءها” – وعلية لا توجد مثل هذه الخصائص في اللاواقعية المعرفية؛ وبسبب أخفاق الافتراض المسبق، فإننا نخطئ بشكل منهجي في أحكامنا الأخلاقية.

ربما يكون تطور نظريات الميتا أخلاقية على مدار الثمانين عامًا الماضية تقريبًا قد تشكل بشكل أعمق من خلال استخدام أطروحات معينة حول الدوافع الأخلاقية لدعم اللإدراكية اللاواقعية (Non-cognitivist anti-realism). اللإدراكية اللاواقعية، مثل الادراكية اللاواقعية، فكلاهما ترفض وجود خصائص أخلاقية قوية وحقائق أخلاقية. ولكن على عكس وجهة النظر الأخيرة، فإنها ترفض الإدراك لصالح اللامعرفية، والذي يتم تصوَّيره تقليديًا على أنه الرأي القائل بأن الأحكام الأخلاقية تعبر عن مواقف بدلاً عن المعتقدات أو الافتراضات، وبالتالي فهي ليست حقيقة قابلة للتقييم.

يقدم شافير-لانداو (2003) صياغة لما يسميه الحجة غير الادراكية (Non-cognitivist Argument)، والتي توضح بشكل مفيد كيف تم استخدام الأطروحات التي ابرزت الجهود المبذولة لفهم الدافع الأخلاقي لدعم اللإدراكية اللاواقعية، فيما يلي:

  1. 1-    إذا حكم المرء بصدق على عمل ما بأنه صواب، فعندئذ يكون الفرد بالضرورة. مدفوعًا إلى حد ما للتصرف وفقًا لذلك الحكم (باطنية الحكم التحفيزي).
  2. 2-    عندما تؤخذ المعتقدات من تلقاء نفسها، فإنها لا تحفز ولا تولد أي حالات فعالة تحفيزيًا. (الفلسفة الهيومية التحفيزية – Motivational Humeanism).
  3. إن الأحكام الأخلاقية -بعد ذلك- ليست معتقدات. (اللامعرفية أخلاقية).

وبما أن الواقعية الأخلاقية تدمج الادعاء المعرفي بأن الأحكام الأخلاقية هي معتقدات، فإن استنتاج الحجة غير الادراكية يستلزم أن تكون الواقعية الأخلاقية خاطئة.

كان على الفلاسفة المعاصرين للساعين للدفاع عن نسخ أو اصدارات من الواقعية الأخلاقية أو الموضوعية أن يتعاملوا مع هذا الخط الأساسي من الحجة أو الجدل الدائر، حتى لو لم يتعاملوا معه دائمًا بشكل صريح. وبالتالي، فإن الحجة غير الادراكية تزودنا بأداة مفيدة لرسم خرائط للمواقف المتنافسة فيما وراء الأخلاق. يمكننا تصنيف مواقف الفلاسفة بشكل سلبي من حيث المقدمات المنطقية للحجة غير الادراكية التي يقبلونها أو يرفضونها. فقد رفض البعض الفرضية 1، وغالبًا ما استمروا في الدفاع عن أشكال الواقعية الأخلاقية الطبيعية (Naturalist moral realism) التي تتبنى الظاهرية (على سبيل المثال، Railton 1986; Boyd 1988; Brink 1989). ووفقًا لوجهات النظر الأخيرة، فإن الخصائص الأخلاقية هي نوع من الملكية الطبيعية والحقائق الأخلاقية هي حقائق طبيعية. الأحكام حول هذه الحقائق تعبر عن افتراضات، وبالتالي يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة، لكن هذه الأحكام لا تدفع أو تحفز بالضرورة. ويتم تحديد ما إذا كانت أحكامنا الأخلاقية تدفعنا من خلال حقائق عرضية أو طارئة حول علم النفس ومعتقداتنا الأخلاقية الجوهرية.

رفض البعض الفرضية 2 (McDowell 1978, 1979)، وبعض ممن رفضوا الفرضية 2 انضموا إلى إصدارات تتماشى مع نهج البنائية الأخلاقية أو العقلانية (على سبيل المثال، Darwall 1983; Scanlon 1998). وتأخذ الآراء الأخيرة أشكالًا متنوعة على نطاق واسع، لكنها ترى بشكل عام المبادئ الأخلاقية على أنها متطلبات للعقلانية أو العقل، أو كنتيجة لاتفاق افتراضي بين الأشخاص المناسبين. الأسباب الأخلاقية هي اعتبارات محفزة ودافعة، على الأقل عندما نفكر فيها بشكل صحيح، لكن قوتها التحفيزية لا تعتمد على رغبة سابقة. وقد رفض البعض كلا الفرضيتين 1 و2، للدفاع عن أشكال الواقعية الأخلاقية اللاطبيعية (Non-naturalist moral realism ) (Shafer-Landau 2003).

من وجهة النظر هذه، فالخصائص الأخلاقية ليست متطابقة مع الخصائص الطبيعية أو الوصفية، على الرغم من أنها قد تكون مكونة بالكامل بواسطتها. الأحكام الأخلاقية المحفزة جوهريًا – يمكنها الدفع في حالة عدم وجود رغبة موجودة مسبقًا، لكنها ليست بالضرورة محفزة. وأخيرًا، هناك من وافق البعض على كلا الفرضيتين 1 و2، على الأقل صقلها بشكل مناسب، بحجة أنه يمكننا رؤيتهما على حد سواء ليكونا متوافقين مع مذهب الإدراكية الاخلاقية، وكذلك مع الواقعية الأخلاقية (Smith 1994). على سبيل المثال، يفهم سميث موضوع الأحكام حول الإجراء الصحيح على أنه أسباب معيارية للعمل. ووفقًا له، تُعطى الأسباب المعيارية من خلال الحقائق حول ما نرغب، بشكل مثالي ومناسب، في أن نرغب فيه؛ ووجود مثل هذه الحقائق يعني أن بعض الرغبات مطلوبة بشكل عقلاني. إذا اعتقدنا أن لدينا سببًا معياريًا للفعل φ فمن المنطقي أننا يجب أن نراعي هذا الفعل، وفي الحكم على أن لدينا سببًا معياريًا للقيام بالفعل φ، فسننتقل بالضرورة، بقدر ما نكون عقلانيين، إلى الفعل φ. ومفهوم الصواب هو مفهوم عما كنا نريد، لو كنا عقلانيين تمامًا، لاننا نرغب في أنفسنا للرغبة في عالمنا الفعلي. عندما نعتقد أنه سيكون من الصواب القيام بالفعل φ، إذن بقدر ما نكون عقلانيين، سيكون لدينا الدافع لتبني الموقف φ.

في الآونة الأخيرة، جادل البعض (على سبيل المثال، Tresan 2006, 2009a, 2009b) أنه عندما تُفهم كما سماها بيروكلوند Bjorklund وآخرون (2012) بأنها “غير دستورية” فإن الحكم الدافعي الباطني لا يتوافق فقط مع عقلانية سميثية، ولكن مع مجموعة واسعة من النظريات الميتا أخلاقية المعرفية. “الباطنية غير الدستورية” (أو ما يسميه تريزان Tresan “باطنية الاشراف على العقل”) وهي وجهة النظر القائلة بأنه وفقًا لمفهومنا عن المعتقد الأخلاقي، لا تُحسب الحالة العقلية -بالضرورة- على أنها اعتقاد أخلاقي إلا إذا كانت مصحوبة بدافع، فإذا كان “P” هو المعتقد الأخلاقي، فإن “P” يكون مصحوبًا بالدافع. ووفقًا لتريزان، بمجرد أن نتعرف على هذا الشكل من النزعة الباطنية، نرى أنها متوافقة بشكل تقريبي مع نسخ المعرفية، وبالتالي مع مجموعة من وجهات النظر ما وراء الاخلاقية، بما في ذلك أشكال الفلسفة الطبيعة الأخلاقية (Ethical naturalism) (2006: 68). ويتناقض هذا مع محاولات الجمع بين الباطنية والمعرفة على أساس أن طبيعة المعتقد الأخلاقي تضمن الدافع (في ظل ظروف معينة على أقل تقدير) إما بسبب محتوى المعتقدات الأخلاقية (سميث 1994) أو لأن المعتقدات الأخلاقية نفسها هي الحالات المحفزة والدافعة في جوهرها (Dancy 1993) انظر (Bjorklund et al. 2011).

5. الدافع الأخلاقي وعلم النفس التجريبي

قد يضيف العمل في علم النفس التجريبي على تشكيل كيفية فهمنا والإجابة على أسئلتنا حول الدافع الأخلاقي. مؤخرًا قام عدد من الفلاسفة بإدخال نتاج فكري في علم النفس كان لها تأثير على أسئلة فيما وراء الاخلاقيات وحول مسألة الدوافع الأخلاقية على وجه الخصوص. ويعد هذا العمل ذو أثر على طبيعة الدافع بشكل عام، وعلى النقاش بين الدوافع الباطنية التحفيزية والظاهرية، وعلى معقولية التفسيرات الفلسفية المختلفة لطبيعة الدافع الأخلاقي.

شرودر Schroeder وآخرون، يرسمون ما يصفونه بالرسوم الكاريكاتورية لأربع نظريات محتملة عن الدافع الأخلاقي، وهي: الذرائعي (Instrumentalist)، والمعرفي (Cognitivist)، والعاطفي (Sentimentalist)، والشخصاني (Personalist ويجادلون بأن “نظريات الدوافع الأخلاقية التي تناسب الصورة العلمية الحالية هي تلك التي تدين بشكل كبير لهيوم أو أرسطو وليس كانط” (72). وفقًا للقائل بالذرائعية (الذرائعي)، “يتم تحفيز الناس عندما يشكلون معتقدات حول كيفية إشباع الرغبات [الجوهرية] الموجودة مسبقًا” (74)، والتي تؤدي بدورها إلى تكوين رغبات غير جوهرية لاتخاذ إجراءات محددة تهدف إلى إشباع رغباتهم الجوهرية. فعندما يكون لدى الشخص رغبة جوهرية “D” ويؤمن بأن القيام بالأفعال φ سوف يرضي “D”، فإنه يرغب (بلا سبب جوهري) في إرضاء فعل φ. ومن وجهة النظر الذرائعية، التي يطلق عليها عادة “الهيومية”، فإن الطابع الأخلاقي على وجه التحديد للدافع يأتي من الرغبة الجوهرية لفعل ما يعتبره المرء حق. على عكس الذرائعي، يرى المعرفي أن الدافع الأخلاقي لا يبدأ بالرغبات، ولكن بالمعتقدات المتعلقة بأي الأفعال هي الصواب. وتكون لمثل هذه المعتقدات حافز بشكل مستقل عن الرغبات الجوهرية الموجودة مسبقًا. والعمل الجدير أخلاقيًا لا ينشأ من الرغبات، على الأقل ليس في المقام الأول، ولكن من الأحكام الأخلاقية (76). ويرى العاطفي أن العواطف تلعب دورًا مركزيًا في الدافع الأخلاقي، ولكي يكون الفعل نتيجة للدافع الأخلاقي، يجب أن تسبب بعض المشاعر هذا الفعل. هذا البعض من المشاعر يمكن أن نصفها بالنوع الصحيح من المشاعر وهي أشياء مثل الرحمة أو التعاطف (77). أخيرًا، يرى الشخصاني أن مصدر الدافع الأخلاقي في حسن الخلق، وبشكل أكثر تحديدًا، في الفضائل. “الشخصية الجيدة التي تتضمن معرفة الخير، يريد ما هو جيد لذاتها، والميول العاطفية طويلة الأمد التي تفضل العمل الجيد، والعادات طويلة الأمد في الاستجابة لمعرفة الفرد، ورغباته وعواطفه بأفعال جيدة”. ويبدأ العمل الأخلاقي عندما تدفعه حساسية الشخص تجاه الأنماط الأخلاقية والاستدلال الأخلاقي (مثل أن الكذب يميل ليكون سيئًا) للحكم على أن الفعل سيكون جيدًا، مما يشرك تصرفاته وعاداته العاطفية طويلة الأمد، ويؤدي إلى دافع أخلاقي.

وفقًا لشرودر وآخرين، فإن كل من هذه الآراء “تفترض بشكل مسبق وجود التزامات تتعلق بطبيعة الحالات النفسية مثل المعتقدات والرغبات والاختيارات والعواطف وما إلى ذلك، جنبًا إلى جنب مع الالتزامات المتعلقة بالأدوار الوظيفية والسببية التي تلعبها” (79). ونظرًا لكون هذه الالتزامات ليست فلسفية فحسب، بل هي تجريبية أيضًا، فهي تلخص العمل التجريبي – “كتاب علم الأعصاب المدرسي” – على أنه الفيزيولوجيا العصبية للتحفيز ولتقييم الآثار المترتبة على العلم لهذه الآراء الفلسفية الأربعة حول الدوافع الأخلاقية.

وهم يجادلون بأن وجهة نظر الذرائعي تحقق نتائج جيدة في ضوء علم الأعصاب، كما هو الحال مع القصة الشخصية. في المقابل، فإن التفسير المعرفي للدافع الأخلاقي يواجه مشكلة “لأن سلوكنا الأخلاقي لا يبدو أنه تحت سيطرة الحالات المعرفية وحدها بشكل مستقل عن الرغبة” (106). وبالمثل وجهة نظر العاطفي تواجه صعوبة “لأن النظام العاطفي، على الرغم من ارتباطه الوثيق بالنظام الكامن وراء الفعل الطوعي والاختياري، سيتبين أنه مع ذلك يختلف عنه ما لم تكن المشاعر هي نفسها مبنية جزئيًا على الرغبات” (106). شرودر وآخرون “نعترف بأن فهمنا الحالي لعلم الأعصاب غير مكتمل وأنه يمكن تقديم ردود على الانتقادات التي يوجهونها” (106). ومع ذلك، فإنهم يقترحون أن الاهتمام بعلم الأعصاب “يمكن أن يعمل على تقييد التنظير المستقبلي حول بنية الفاعلية الأخلاقية (Moral agency) … ” (107).

تحاول روسكيس Roskies (2003) استخلاص استنتاجات حول نوع معين من الباطنية حول الدافع الأخلاقي من خلال التركيز على الأدلة التجريبية المستمدة من المرضى الذين يعانون من تلف في قشرة الفص الجبهي البطني بالدماغ. بتعبير أدق، هي تجادل ضد وجهة النظر القائلة بأن المعتقد الأخلاقي يستلزم دافعًا ومحفزاً أخلاقيًا، وهي وجهة نظر تسميها “الباطنية الدافعة”، وهي وجهة النظر التي تُسمى “الباطنية القوية” كما وصفتها في القسم 3.2، فإن الدوافع الباطنية هي الرأي القائل “الدافع جوهري، أو مكون ضروري للاعتقاد أو الحكم الأخلاقي” (52). إن الشخص الذي يؤمن بصدق أنه يجب عليه أن يفعل ذلك يكون مدفوعًا، إلى حد ما لــ “F”. على النقيض من ذلك يرى الظاهري (من يأخذ بالظاهرية)، أن الاعتقاد الأخلاقي لا يستلزم دافعًا أخلاقيًا؛ فيمكن لأي شخص أن يعتقد أنه يجب عليه أن يفعل ذلك “F”، بينما يفتقر إلى أي دافع لذلك يوضح روسكيس أن الادعاء الباطني يتضمن: الضرورة، والجوهر، والخصوصية. ووفقًا للدافع الباطني، فأنه من الضروري أن يكون الدافع مصاحبًا للاعتقاد أو الحكم الأخلاقي، وبالتالي فهي صحيحة “لأي فاعل قادر على المعتقدات الأخلاقية” (52). وتتمثل جوهرية الدوافع الباطنية في فكرة أن العلاقة بين المعتقد الأخلاقي أو الحكم والدافع قائمة بسبب محتوى الاعتقاد الأخلاقي، وليس بسبب شيء لا علاقة له بمحتوى ذلك الاعتقاد. أما بالنسبة إلى الخصوصية، فإن الدوافع الباطنية ترى أن المعتقدات الأخلاقية تختلف عن الأنواع الأخرى من المعتقدات، والتي لا تعد دافعاً جوهريًا (52).

ووفقًا لروسكيس، “الدوافع الباطنية” تواجه معضلة: إما أن أطروحتها الباطنية ضعيفة جدًا وغير مثيرة للاهتمام من الناحية الفلسفية، أو أنها قوية بما يكفي لتكون مثيرة للاهتمام من الناحية الفلسفية، ولكنها أيضًا “خاطئة بشكل واضح” (51). في الاعتبار الأول من المعضلة، تكون الأطروحة الباطنية ضعيفة للغاية وبالتالي فهي غير مهمة من الناحية الفلسفية. ويوضح روسكيس معضلة هذا الاعتبار من خلال وجهة نظر سميث القائلة بأن هناك صلة ضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع، إلا عندما يفشل الفاعل في أن يكون عمليًا عقلانيًا. تتطلب هذه الأطروحة تحديدًا لما يجب أن يكون عقلانيًا من الناحية العملية، ولكن إذا كان العقلاني عمليًا فأن هذا يرقى إلى الرغبة في التصرف كأفضل حكم، كما تؤكد، فإن الأطروحة عديمة الأهمية. إنه ليس ادعاءً قويًا بوجود صلة ضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع، ولكنه مجرد ادعاء تعريفي حول العقلانية العملية. علاوة على ذلك، فهي تفتقر إلى الخصوصية، لأنها تنطبق أيضًا على ما يعتبره الفاعل أفضل من الناحية الأخلاقية. وهذه نسخة أخرى من الدوافع الباطنية تجعل الأطروحة متواضعة كذلك (51-53).

على الجانب الآخر من المعضلة، فإن الادعاء الباطني مثير للاهتمام من الناحية الفلسفية، ولكنه خاطئ هنا، تجادل روسكيس بأن الأشخاص المصابين بتلف بقشرة الفص الجبهي البطني في المخ يمثلون “مثال مضاد لسير” الباطنية. كما تصفهم روسكيس، فإن هؤلاء المرضى “يبدون طبيعيين من الناحية المعرفية في مجموعة واسعة من الاختبارات النفسية المعيارية، بما في ذلك تلك التي تقيس الذكاء وقدرات التفكير”، ومع ذلك، “يبدو أنهم جميعًا يواجهون صعوبة خاصة في التصرف وفقًا للأعراف الاجتماعية على الرغم من احتفاظهم بقدرتهم على الحكم بشكل مناسب في مثل هذه الحالات ” (56). تمت الإشارة إلى حالة هؤلاء المرضى على أنها “اعتلال اجتماعي مكتسب”. ووفقًا لروسكيس، فإن مرضى تلف قشرة الفص الجبهية البطنية بالمخ قادرون على “التفكير أخلاقيًا في المستوى الطبيعي” ومزاعمهم الأخلاقية “تتفق مع تلك العادات”، لكنهم يفشلون في التصرف بشكل موثوق به كما يفعل الأشخاص العاديون، وما هو أكثر من ذلك، “يبدو أنهم يفتقرون إلى التحفيز المناسب والاستجابات العاطفية ” (57). لا يُظهر مرضى تلف قشرة الفص الجبهية الباطنية في المخ الاستجابة الموصلة للجلد مثل العبء العاطفي التي يظهرها الأشخاص العاديون، والتي يعتبرها روسكيس دليلاً على غياب الدافع. فتَزعم أن مرضى تلف قشرة الفص الجبهي الباطنية في المخ يقدمون مثالًا مضادًا للباطنية الدافعة لأن لديهم إتقانًا للمصطلحات الأخلاقية ويبدو أنهم يصدرون أحكامًا أخلاقية صادقة، بينما يفتقرون إلى أي دافع للتصرف وفقًا لها (59).

تم تقديم حجج مختلفة ضد النتائج المزعومة للنتائج التجريبية للدافعية الباطنية. جادل البعض بأن مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ يفتقرون إلى المفاهيم الأخلاقية (Kennett and Fine 2007)، وأن مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ يصدرون أحكامًا أخلاقية فقط في ما أسماه آر إم هير R. M Hare (1963) بمعنى “الفواصل المقلوبة” (Kennett and Fine 2007)، وأن مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ هم  في الواقع مدفوعين عندما يصدرون أحكامًا أخلاقية (Kennett and Fine 2007)، وأن الدليل المقدم للادعاء بأن مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ يصدرون أحكامًا أخلاقية دون الشعور بالعواطف “ليس حاسمًا” (Prinz 2015)، وأن لدينا أسبابًا للشك في أن لدى مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ معتقدات أخلاقية بالاصل (Cholbi 2006)، وأن مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ يعانون من ضعف في الأداء وبالتالي لا يصدرون أحكامًا أخلاقية حقيقية، الأمر الذي يتطلب مزيد من الأمور التي تشفع لهذه الفكرة (Gerrans and Kennett 2010). بطرق مختلفة، تتحدى هذه الاستجابات ما إذا كان هناك تماسك من الناحية المفاهيمية، بحيث يتم التعامل مع حالات مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ كحالات من عدم الأخلاق (اللاأخلاقي). وبقدر ما يتعلق الخلاف بالتماسك المفاهيمي لـــ “اللا أخلاق”، فمن غير المؤكد كيف تساعد جاذبية الأدبيات التجريبية في دفع الجدل والنقاش إلى الأمام. بالطبع، قد تؤكد روسكيس باتباع (برينز Prinz (2015)، انظر أدناه)، في الواقع، الباطنية هي أطروحة نفسية وليست مفاهيمية، وفي هذه الحالة فإن هذه الانتقادات للتماسك المفاهيمي للتعامل مع حالات مرضى تلف القشرة الباطنية بالمخ باعتبارها حالات من عدم الأخلاق لن تعُد تنطبق.

سواء نجحت ردود روسكيس (2006 و2007) على العديد من هذه الاعتراضات أم لا، فهناك أسباب للشك في أن البيانات التي يستشهد بها روسكيس كافية لتقويض النزعة الباطنية. تقر روسكيس أن بعض إصدارات الباطنية (على الرغم من أنها تعتبرها إشكالية أو لم يتم تطويرها بشكل كافٍ حتى الآن) قد تكون متسقة مع البيانات الخاصة بمرضى تلف القشرة الباطنية في المخ (2003: 62-63) ويُشير سكرويدير Schroeder وآخرون (2010:95). أن الأبحاث تشير إلى أن السيكوباتيين [السيكوباتي هو الشخص مضطرب العقل] لديهم “قدرة متناقصة على التمييز بين الانتهاكات الأخلاقية والتقليدية”، مما دفع البعض إلى استنتاج أن لديهم “ضعفًا في المفاهيم الأخلاقية” (2010: 96، نقلاً عن نيكولز Nichols 2004). فإذا كانت لديهم بالفعل مفاهيم أخلاقية ضعيفة، فإنهم لا يمثلون أي مشكلة للباطنية.

ومع ذلك، في حالة مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ، لاحظوا أنه “قد تم الجدل بأن الأشخاص الذين يظهرون اعتلالًا اجتماعيًا مكتسبًا لا يظهرون عجزًا أخلاقيًا على الإطلاق، ولكن عجزهم في الجوانب غير الأخلاقية للحياة يظهر فقط في المواقف الأخلاقية من حين لآخر”. ويشيرون إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لحل مسألة ما إذا كان مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ يشكلون تهديدًا لما أسماه شرودر وآخرون بـ “استدعاء الإدراك” (Call cognitivism) وتسميه روسكيس له بــ “الدافع الباطني أو الداخلي (Motive-internalism)” (2010: 97). على أي حال، هناك جدل حول أفضل السبل لشرح البيانات المتوفرة من مرضى تلف القشرة الباطنية في المخ. فمثلاً المرضى الذين أصيبوا بهذا المرض في وقت مبكر من حياتهم يظهرون سلوكًا اجتماعيًا، بما في ذلك السلوك العنيف، أما الذين تعرضوا للصابة بهذا المرض في وقت لاحق من حياتهم لا يفعلون ذلك. الخلاف هو ما إذا كان المرضى الأخرون ليسوا عنيفين، على سبيل المثال، لأن أحكامهم الأخلاقية فيها دافع إلى حد ما أو إذا كان سلوكهم اللاعنفي هو مجرد سلوك مأخوذ من عادة.  أخيرًا، كما أوضحت روسكيس (2007: 205) بعناية، “الدليل غير حاسم لأن أفضل الاختبارات تصميمًا لإدراك وسلوك مرضى تلف القشرة الباطنية بالمخ لم يتم إجراؤها بعد”.

جادل برينز (2015)، على عكس روسكيس، بأن الأدلة التجريبية تدعم النزعة الباطنية. حيث يجادل أولاً بأن “الباطنية يمكن فهمها على أنها أطروحة نفسية” (61)، بدلاً من كونها حقيقة مفاهيمية أو حقيقة مسبقة، ثم يقدم العديد من الحجج التجريبية لدعمها. يستدعي الأول وجهة نظر تسمى “العاطفية”.

  1. تتكون الأحكام الأخلاقية من المواقف العاطفية.
  2. تعمل المواقف العاطفية على التحفيز والدفع.
  3. وعلية فإن الأحكام الأخلاقية تعتبر دافعة (70).

الخطوة المثيرة للجدل في الحجة هي المقدمة الأولى. يقول برينز أن الفرضية 1 هي بيان للعاطفة، في أنَّ الرأي القائل بأن “الأحكام الأخلاقية تتكون من مشاعر موجهة إلى كل ما نقوم بإعطائه أخلاقيا” (70). ويجادل بأن الأطروحة تدعم تنبؤات تجريبية مختلفة، والتي تثبتها الدراسات. أولاً: تقدم دراسات التصوير العصبي حول مذهب الإدراكية الاخلاقية دليلاً على أن “الناس يدخلون في حالات عاطفية عندما يصدرون أحكامًا أخلاقية” (71). ثانيًا: تُظهر الدراسات أن العواطف المستحثة لها تأثير في الحكم الأخلاقي، وأن “المشاعر المختلفة لها تأثيرات مختلفة” (72). على سبيل المثال، يؤدي إثارة الاشمئزاز إلى الحكم على سيناريو ينطوي على خطأ أخلاقي بشكل أكثر قسوة. بينما تزيد السعادة المستحثة الأحكام الأخلاقية الإيجابية وليست السلبية، في حين أن الغضب يزيد الأحكام الأخلاقية السلبية وليس الأحكام الأخلاقية الإيجابية (72). أخيرًا: يختلف الأشخاص الذين لديهم ميول عاطفية مختلفة في الأحكام الأخلاقية. على سبيل المثال، “السيكوباتيون الذين يعانون من عجز في العديد من المشاعر السلبية، ولكن ليس لديهم اشمئزاز، يظهرون عدم حساسية تجاه الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، لكنهم غير معروفين بالانحراف الجنسي” (73)، بينما يعاني المصابون بمرض هنتنغتون من قصور في الاشمئزاز، ويظهرون أنماطًا من الانحراف الجنسي (72). هذه النتائج كما يؤكد برينز، “تضيف دعمًا للادعاء بأن العواطف هي ما تكون الأحكام الأخلاقية. كما أن المشاعر تحدث عندما يصدر الناس أحكامًا أخلاقية، وتُستخدم كمعلومات عند الإبلاغ عن قوة المواقف الأخلاقية، ويؤدي العجز العاطفي إلى أوجه قصور مماثلة لما في الحساسية الأخلاقية” (73). وفقًا لبرينز، وبالنظر إلى هذا البرهان، وبالنظر إلى عقود طويلة من البحث الذي يربط العاطفة بالسلوك، وبهذه الطريقة تم دعم الفرضية 2، كما توفر هذه الحجة دعمًا قويًا للباطنية.

أما ما يأتي به الادعاء العاطفي يعتبر أقل وضوحًا بكثير مما يسمح به برينز. يقول أحيانًا أن الأحكام الأخلاقية “تتكون من” مواقف عاطفية، وأحيانًا تكون عبارة عن “مكونات” من الأحكام الأخلاقية. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان الدليل يوفر دعمًا مناسبًا للعاطفة، على عكس الرأي القائل بأن العواطف (عرضًا) تصاحب الحكم الأخلاقي. لذا من غير المفاجئ أن تصاحب المشاعر الحكم الأخلاقي، وذلك بالنظر إلى أهمية الأخلاق لرفاهية الإنسان.

يقدم برينز أربع حجج إضافية، يتم النظر في اثنتين منها فقط باختصار هنا. الأول يجادل من الأدلة التجريبية التي يبدو أنها تظهر أن الناس عادة “يعتبرون العواطف ضرورية لوجود مواقف أخلاقية” (75). على سبيل المثال، طُلب من الأشخاص في إحدى الدراسات تقييم المواقف الأخلاقية لشخصين. الشخص “أ” يدخن الماريجوانا، ولا يشعر بالذنب لفعله ذلك، وليس لديه مواقف سلبية تجاه الآخرين الذين يفعلون ذلك، ولكنه مع ذلك يقول إنه يعتقد أن تدخين الماريجوانا خطأ أخلاقيًا. أما الشخص “ب” يدخن الماريجوانا، ويشعر بالذنب لفعله ذلك، ولديه مشاعر سلبية تجاه أولئك الذين يفعلون هذا الفعل، لكنه مع ذلك يقول إنه يعتقد أن تدخين الماريجوانا ليس خطأ أخلاقيًا. استنتج غالبية المستجيبين أن المدخن الأول لا يعتقد حقًا أن تدخين الماريجوانا خطأ أخلاقيًا، بينما يعتقد الثاني أنه خطأ أخلاقيًا، على الرغم من مزاعمها بخلاف ذلك. يقول برينز إن “الغالبية تتعامل مع العواطف على أنها ضرورية وكافية للإسناد الأخلاقي”، مما يشير إلى أن “الناس العاديين ملتزمون بنوع من العاطفة”. هذا سيظهر لنا على الأكثر ما يعتقده الناس العاديون؛ لن تدعم العاطفة باعتبارها أطروحة ميتافيزيقية “أنها جزء من جوهر الأحكام الأخلاقية التي يمكن أن تكون دافعة” (64). يفترض برينز بأن المزيد من البحث قد “يؤسس ارتباطًا مفاهيميًا أكثر اتساقًا بين المشاعر والأحكام الأخلاقية” (76). في الوقت الحاضر، وعلى الرغم من ذلك، فأن الدراسات التي يستشهد بها برينز تعد غير كافية لتقديم الكثير من الدعم للباطنية.

أما الحجة الثانية من حجج برينز الأخرى فهي تتعرض للدراسات التي تظهر أن الناس لديهم الدافع في بعض الأحيان للتصرف بشكل أخلاقي، حتى عندما يكون من المنطقي عدم القيام بذلك. فيقترح أن “أبسط تفسير هو أن الأحكام الأخلاقية لها قوة دافعية، مستقلة عن الدافع غير الأخلاقي” (77). لكن الظاهريين هم على الأقل في وضع جيد لشرح الأدلة من خلال طلب التثاقف والرغبات المشتركة لمساعدة الآخرين أو لفعل الشيء الصحيح.

لا شك إن البحث التجريبي حول الدافع الأخلاقي، له أهمية كبيرة في حد ذاته. لكن الكثيرين قد يشككون في صلة مثل هذا البحث بما يعتبره الباطنيون ادعاءً مفاهيميًا، وادعاءً بوجود صلة ضرورية بين الحكم الأخلاقي والدافع الأخلاقي. حتى لو افترضنا أن البحث التجريبي يمكن أن يساعد في حل المأزق بين الباطنيين والظاهريين، فإن البحث الحالي بعيد كل البعد عن القيام بذلك.


 

المراجع

  • Aiken, H., 1950, “Evaluation and Obligation,” Journal of Philosophy, 47: 5–22.
  • Alston, W., 1967, “Motives and Motivation”, in P. Edwards (ed.), The Encyclopedia of Philosophy, New York: Macmillan, 399–409.
  • Anscombe, G. E. M., 1963, Intention, 2nd edition, Ithaca: NY: Cornell University Press.
  • Ayer, A.J., 1936, Language, Truth, and Logic, London: Gollancz.
  • Bedke, M.S., 2009, “Moral judgment purposivism: saving internals from amoralism”, Philosophical Studies, 144: 189–209.
  • Bjorklund, F., Bjornsson, G., Erikson, J., Olinder, R., and Strandberg, C., 2012, “Recent Work on Motivational Internalism”, Analysis, 72: 124–137.
  • Bjornsson, G., 2002, “How emotivism survives immoralists, irrationality, and depression”, Southern Journal of Philosophy, 40: 327–344.
  • Bjornsson, G., Strandberg, C., Ollinder, R., Eriksson, J, and Bjorklund, F. (ed.), 2015, Motivational Internalism, Oxford: Oxford University Press, 1–20.
  • Blackburn, S., 1984, Spreading the Word, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1985, “Errors and the Phenomenology of Value”, in T. Honderich (ed.), Morality and Objectivity: A Tribute to John Mackie, London: Routledge & Kegan Paul.
  • –––, 1987,“How to Be an Ethical Anti-Realist”, in Essays in Quasi-Realism, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2001, Ruling Passions, Oxford: Clarendon Press.
  • Boyd, R., 1988, “How to be a Moral Realist”, in G. Sayre-McCord (ed.), Essays on Moral Realism, Ithica, NY: Cornell University Press, 181–228.
  • Brink, D., 1989, Moral Realism and the Foundations of Ethics, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1997, “Moral Motivation”, Ethics, 108: 4–32.
  • Bromwich, D., 2010, “Clearing conceptual space for cognitivist motivational internalism”, Philosophical Studies, 148: 343–367.
  • Broome, H., 1997, “Reason and Motivation,” Proceedings of the Aristotelian Society (Supplement), 71: 131–147.
  • Cholbi, M. J., 2006, “Belief attribution and the falsification of motive internalism”, Philosophical Psychology, 19: 607–616.
  • Clark, P., 2004, “Kantian Morals and Humean Motives”, Philosophy and Phenomenological Research, 68: 109–126.
  • Copp, D., 1995, “Moral Obligation and Moral Motivation,” Canadian Journal of Philosophy, Supplement, 21: 187–219.
  • –––, 1997, “Belief, Reason, and Motivation: Michael Smith’s The Moral Problem”, Ethics, 108: 33–54.
  • ––– and Sobel, D., 2002, “Desires, Motives, and Reasons: Scanlon’s Rationalistic Moral Psychology”, Social Theory and Practice, 28: 243–276.
  • Dancy, J., 1993, Moral Reasons, Oxford: Basil Blackwell.
  • Darwall, S., 1983, Impartial Reason, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Deigh, J., 1995, “Empathy and Universalizability,” Ethics, 105: 743–763.
  • Drier, J., 1990, “Internalism and Speaker Relativism,” Ethics, 101: 6–26.
  • –––, 2000, “Dispositions and Fetishes: Externalist Models of Moral Motivation”, Philosophy and Phenomenological Research, 61: 619–638.
  • Frankena, W., 1976, “Obligation and Motivation in Recent Moral Philosophy,” in K. Goodpaster (ed.), Perspectives on Morality: Essays of William Frankena, Notre Dame, IN: Notre Dame University Press.
  • Gerard, E., and McNaughton, D., 1998, “Mapping Moral Motivation”, Ethical Theory and Moral Practice, 1: 45–59.
  • Gibbard, A., 1990, Wise Choices, Apt Feelings, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Greenberg, M., 2009, “Moral Concepts and Moral Motivation”, Philosophical Perspectives, 23: 137–164.
  • Hare, R., 1952, The Language of Morals, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1963, Freedom and Reason, Oxford: Oxford University Press.
  • Harman, G., 1975, “Moral Relativism Defended,” Philosophical Review, 85: 3–22.
  • Herman, B., 1993, The Practice of Moral Judgement, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Hume, D., 1975, An Enquiry Concerning the Principles of Morals, Oxford: Clarendon Press.
  • –––. A Treatise of Human Nature, Oxford: Clarendon Press, 1978.
  • Jackson, F. and Pettit, P., 1995, “Moral Functionalism and Moral Motivation”, Philosophical Quarterly, 405: 20–40.
  • Kauppinen, A., 2008, “Moral internalism and the brain”, Social Theory and Practice, 34: 1–24.
  • Kennett, J., 2015, “What’s Required for Motivation by Principle?” in G. Bjornsson, C. Strandberg, R. Ollinder, J. Eriksson, and F. Bjorklund (eds.), 2015, Motivational Internalism, Oxford: Oxford University Press.
  • Kennett, J. and Fine, C., 2008, “Internalism and the Evidence from Psychopaths and ‘Acquired Sociopaths’”, in W. Sinnott-Armstrong (ed.), Moral Psychology, Vol. 3: The Neuroscience of Morality, Cambridge, MA: MIT Press 173-190.
  • Korsgaard, C., The Sources of Normativity, Cambridge: Cambridge University Press, 1996.
  • Kristjansson, K., 2013, “Aristotelian motivational externalism”, Philosophical Studies, 164: 419–442.
  • Kriegel, U., 2012, “Moral Motivation, Moral Phenomenology, and the Alief/Belief Distinction”, Australasian Journal of Philosophy, 90: 469–486.
  • Little, M., 1997, “Virtue as Knowledge: Objections from the Philosophy of Mind,” Noûs, 31: 59–79.
  • Mackie, J., 1977, Ethics: Inventing Right and Wrong, New York: Penguin.
  • Mameli, M., 2013, “Evolution, Motivation, and Moral Beliefs”, in K. Sterelny, R. Joyce, B. Calcott, and B. Fraser, (eds.), Cooperation and its Evolution, Cambridge, MA: MIT Press, 528–548.
  • Mason, E., 2008, “An Argument Against Motivational Internalism”, Proceedings of the Aristotelian Society (New Series), 108: 135–156.
  • McDowell, J., 1978, “Are Moral Requirements Hypothetical Imperatives?” Proceedings of the Aristotelian Society, 52: 13–42.
  • –––, 1979, “Virtue and Reason”, Monist, 62: 331–50.
  • McNaughton, D., 1988, Moral Vision, Oxford: Basil Blackwell.
  • Mill, J., 1979, Utilitarianism, Indianapolis: Hackett Publishers.
  • Miller, C., 2008, “Motivation in Agents”, Noûs, 42: 222–266.
  • –––. 2008, “Motivational Internalism”, Philosophical Studies, 139: 233–255.
  • Nagel, T., 1970, The Possibility of Altruism, Oxford: Oxford University Press.
  • Nichols, S., 2002, “How psychopaths threaten moral rationalism: is it irrational to be amoral?” Monist, 85: 285–304.
  • Nowell-Smith, P.H., 1954, Ethics, London: Penguin Books.
  • Parfit, D. 1997, “Reasons and Motivation”, Proceedings of the Aristotelian Society (Supplement), 71: 99–130.
  • Platts, M., 1979, Ways of Meaning, London: Routledge and Kegan Paul.
  • –––, 1980, “Moral Reality and the End of Desire”, in M. Platts (ed.), Reference, Truth, and Reality, London: Routledge and Kegan Paul.
  • Prinz, J., 2015, “An Empirical Case for Motivational Internalism,” in G. Bjornsson, C. Strandberg, R. Ollinder, J. Eriksson, and F. Bjorklund (eds.), Motivational Internalism, Oxford: Oxford University Press, 61–84.
  • Railton, P., 1986a, “Moral Realism”, Philosophical Review, 95: 163–207.
  • –––, 1986b, “Facts and Values,” Philosophical Topics, 14: 5–31.
  • –––, 1992, “Some Questions About the Justification of Morality”, Philosophical Perspectives 6: 27–53.
  • Roskies, A., 2003, “Are ethical judgments intrinsically motivational? Lessons from ‘acquired sociopathy’”, Philosophical Psychology, 16: 51–66.
  • –––. 2006, “Patients with ventromedial frontal damage have moral beliefs”, Philosophical Psychology, 19: 617–627.
  • –––. 2007, “Internalism and the evidence from pathology”, in W. Sinnott-Armstrong (ed.), Moral Psychology, Vol. 3: The Neuroscience of Morality, Cambridge, MA: MIT Press, 191-206.
  • Ross, W.D., 1930, The Right and the Good, Oxford: Clarendon Press.
  • Sayre-McCord, G., 1997, “The Metaethical Problem”, Ethics, 108: 55–83.
  • Scanlon, T., 1998, What We Owe to Each Other, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Scheuler, G., 1995, Desire, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Schroeder, T., Roskies, A., and Nichols, S., 2010, “Moral Motivation,” in J. Doris (ed.), The Moral Psychology Handbook, Oxford: Oxford University Press, 72–110.
  • Shafer-Landau, R., 1998, “Moral Motivation and Moral Judgment”, Philosophical Quarterly, 48: 353–8.
  • –––, 2000, “A Defence of Motivational Externalism,” Philosophical Studies 97: 267–91.
  • –––, 2003, Moral Realism: A Defence, Oxford: Clarendon Press.
  • Shaver, R., 2006, “Sidgwick on Moral Motivation”, Philosophers’ Imprint, 6(1), [available online].
  • Shoemaker, D., 2000, “Reductionist Contractualism: Moral Motivation and the Expanding Self”, Canadian Journal of Philosophy, 30: 343–370.
  • Smit, H., 2003, “Internalism and the Origin of Rational Motivation”, Journal of Ethics, 7: 183–231.
  • Smith, M., 1987, “The Humean Theory of Motivation”, Mind: 36–61.
  • –––, 1994, The Moral Problem, Oxford: Basil Blackwell.
  • –––, 1996, “Internalism’s Wheel”, in B. Hooker (ed.), Truth in Ethics, Oxford: Blackwell, 69–94.
  • –––, 1997. “In Defense of The Moral Problem: A Reply to Brink, Copp, and Sayre-McCord,” Ethics, 108: 84–119.
  • Stampe, D., 1987, “The Authority of Desire”, Philosophical Review, 96: 335–81.
  • Stevenson, C., 1944, Ethics and Language, New Haven: Yale University Press.
  • –––, 1963, “The Emotive Meaning of Ethical Terms”, in Facts and Values, New Haven: Yale University Press.
  • Strandberg, C., 2001, “The Pragmatics of Moral Motivation”, Journal of Ethics, 15: 341–369.
  • Svavarsdottir, S., 1999, “Moral Cognitivism and Motivation”, Philosophical Review, 108: 161–219.
  • –––, 2006, “How Do Moral Judgments Motivate?” in J. Dreier (ed.), Contemporary Debates in Moral Theory, Malden, MA: Blackwell, 163–181.
  • Tiffany, E., 2003a, “Alienation and Internal Reasons for Action”, Social Theory and Practice, 29: 387–418.
  • –––, 2003b, “A Functional Account of Moral Motivation”, Southern Journal of Philosophy, XLI: 601–625.
  • Timmons, M., 1999, Morality Without Foundations, Oxford: Oxford University Press.
  • Tresan, J., 2006, “De dicto internalist cognitivism”, Noûs, 40: 143–165.
  • –––, 2009a, “Metaethical Internalism: Another Neglected Distinction”, Journal of Ethics, 13: 51–72.
  • –––, 2009b, “The challenge of communal internalism”, The Journal of Value Inquiry, 43: 179–199.
  • van Roojen, M., 2010, “Moral Rationalism and Rational Amoralism”, Ethics, 120: 499–525.
  • Velleman, J. D., 1992, “The Guise of the Good”, Noûs, 26: 3–26.
  • –––, 1996, “The Possibility of Practical Reason”, Ethics, 106: 694–726.
  • Wallace, R.J., 2006, “Moral Motivation”, in J. Dreier (ed.), Contemporary Debates in Moral Theory, Malden, MA: Blackwell, 182–196.
  • Wedgwood, R., 2004, “The Metaethicists’ Mistake”, Philosophical Perspectives, 18: 405–426.
  • Wiggins, D., 1990–1991, “Moral Cognitivism, Moral Relativism and Motivating Moral Beliefs”, Proceedings of the Aristotelian Society (New Series), 91: 61–85.
  • Williams, B., 1981, “Internal and External Reasons”, in Moral Luck, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Wong, D., 2009, “Emotion and the Cognition of Reasons in Moral Motivation”, Philosophical Issues, 19: 343–367.
  • Zangwill, N., 2003, “Externalist Moral Motivaiton”, American Philosophical Quarterly, 40: 143–154.

ملحق المصطلحات

الكينونة الداخليةExistence internalismالدافع الأخلاقيMoral motivation
الأسباب الباطنيةReasons internalismالدافع المعياريNormative motivation
مذهب الإدراكية الاخلاقيةMoral cognitivismمحدودي الاخلاقNarrowly moral 
الواقعية الأخلاقيةMoral realismالأخلاق الدنيويةMundane moral
نظرية الخطأError theoryما وراء الأخلاقيةMeta-ethics
مذهب اللإدراكية الاخلاقيةMoral non-cognitivism اللاواقعيينAnti-realist 
النظرية الهيوميةHumean theory الفلسفة اللاواقعيةAnti-realism 
المضاد للهيوميةAnti-Humeanالأحكام الأخلاقيةMoral judgments
استحالة مفاهيميةConceptual impossibilityمعتقدات أخلاقيةMoral beliefs
القابلين للتحفيزMotivationally unimpaired باطنية الحكم التحفيزيMotivational judgment internalism
  الحكم الباطنيJudgment internalism
الظاهرية التحفيزيةMotivational externalismالدافع الظاهريMotivation externally 
الادراكية اللاواقعيةCognitivist anti-realismفاعل عقلانيRational agent
اللإدراكية اللاواقعيةNon-cognitivist anti-realismالحجة غير الادراكيةNon-cognitivist Argument
الواقعية الأخلاقية الطبيعيةNaturalist moral realism الفلسفة الهيومية التحفيزيةMotivational Humeanism
الباطنية المؤجلةDeferred internalism  
الواقعية الأخلاقية اللاطبيعيةNon-naturalist moral realism الفاعلية الأخلاقيةMoral agency
الذرائعي معتنق الفلسفة الذرائعيةInstrumentalistالدافع الباطنيMotive-internalism
الدافع التفاضليDifferential motivationالوضع الدافعيMotivational set
استدعاء الإدراكCall cognitivismالفلسفة الطبيعة الاخلاقيةEthical naturalism
استدعاء الإدراكCall cognitivismالفلسفة الطبيعة الاخلاقيةEthical naturalism

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

cognitivism vs. non-cognitivism, moral | moral anti-realism | moral non-naturalism | moral realism | naturalism: moral | practical reason: and the structure of actions | Williams, Bernard

Acknowledgments

I want to thank Sarah Buss for helpful suggestions on an early draft of the original version of this entry, and Sigrun Svavarsdottir for detailed comments on the revised version.


[1] Rosati, Connie S., “Moral Motivation”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2016/entries/moral-motivation/>.