مجلة حكمة
الحقائق عند ابن عربي الأعيان الثابته

الحقائق عند ابن عربي: الأعيان الثابتة، وحقيقة الحقائق، والتعين – وليام تشيتيك


  • الأشياء والحقائق عند ابن عربي

تأتي الأسماءُ الإلهيَّةُ عند ابـن عربي للدَّلالَةِ على الصِّفاتِ الكُلِّيَّةَ التي تحوي الوجود، مثل الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والجُود والقِسْط (وغالبا ما يسميها باسم “الأئمة السبعة” تمييزا لها عن الأسماء الأُخرى). وتوجد هذه الصفات في كلِّ شيء؛ لأنها مُتَعَلِّقَةٌ بالجوهر الحقيقي للحقِّ، وتحمل تجلِّيَها الذَّاتيَّ في نفسها. ورغم ذلك تبقى متحجِّبَة بشكل كبير؛ لأنَّه ما مِنْ شيء إلَّا وله استعداده أو قابليَّته، ولأنه لا شيء يرى الحقَّ في حَدِّ ذاته، ورغمَ أنَّ كلَّ شيء وجه، وكلَّ شيء حجاب هو/لا هو أيضا.

“وقوله: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا؛ أي ممنوعا، يقول أنَّ الله يُعْطِي على الدَّوام، والمَحَالُّ تقبل على قَدْرِ حقائقِ استعداداتِها، كما تقول أنَّ الشمسَ تنبسِطُ أنوارُها على الموجودات وما تَبْخَل بنورِها على أحد، وتقبل المَحَالُّ ذلك النُّور على قَدْرِ استعدادها” (ابن عربي ، الفتوحات المكية، طبعة 1911، 1:287.10).

ما الذي يحدد قَدْرَ الاستعداد إذن؟ هذا السُّؤال يعودُ بنا إلى بَحْثِ حقيقةِ الشَّيء وماهيَّتِه الَّتي لا يمكن تحديدها بتعاريفنا، ولكن بعلم الله وحده الذي يعلم الشَّيء دائما وأبدا، سواء كان موجودا في الكون أم لا. تسمى الحقائق عند ابن عربي -غالبا- باسم الأشياء؛ جمع شيء، أو الأعيان؛ جمع عَيْن. وهذه الأشياء/الأعيان لا وجود لها في ذاتِها على الحقيقة؛ لأنَّ الوجودَ الحقَّ لا يكون إلا للحقِّ؛ لذا فهذه الأشياء هي المَعْدُومَات. وبِلُغَة الفلسفة، الشيء هو المُمْكِن، الذي يمكن أن يوجد أو لا، أمَّا الحق فهو على خِلافه؛ لأنه واجب الوجود، ولا يمكن عَدَمُه.

ما هي الأشياء على الحقيقة؟ إنها لوازمُ واجبِ الوُجود، أو هي إمكانات تجَلِّي الكامِن في الاحتمال المُطلَق، أو هي القيودُ دائمةُ الاستمرار للمُطلق. ومعنى أنَّ شيئا أصبح موجودا في الكون؛ أنَّ الموجود الحقَّ قد تكشَّف فيه على وَجْه خاصٍّ، وأنَّه وَجْه من وجوه الله، وأنَّه كلمة منطوقة في أنفاسِ الرَّحمن، لونٌ خرج إلى الوجود بتألُّق النُّور.

“فلا وجود حقيقي لا يقبل التبديلَ إلا الله؛ فما في الوجود المُحَقَّق إلا الله، وأما ما سواه فهو الوجودُ الخياليُّ…. فكلُّ ما سوى ذات الحق فهو في مقام الاستحالة السَّريعة والبطيئة، فكلُّ ما سوى ذات الحق خَيَال حَائِل وظِلٌّ زَائِل؛ فلا يبقى كونٌ في الدُّنيا والآخرةِ وما بينهما، ولا روح ولا نفس، ولا شيء ممَّا سوى الله -أعني ذات الحق- على حالة واحدة، بل تَتَبَدَّل من صورة إلى صورة دائما أبدا، وليس الخيالُ إلا هذا؛ فهذا هو عينُ معقوليَّةِ الخيال…. فهو هو، وما هو هو”. (ابن عربي ، الفتوحات المكية، طبعة 1911، 2:313.12)

جادل الفلاسفة كثيرا في موضوع عِلم الله بالجزئيات، وقد كرَّر القرآن مرارا أنَّ الله يعلم كلَّ شيء، “وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ”، يقول: “إِلَّا يَعْلَمُهَا” (6:59). يعتقد ابن عربي أنَّ عِلْمَ الله بالجزئيَّاتِ والكليَّات يتعلَّقُ بالذَّات ولا يتَغَيّر أبدا؛ فالله يعلمُ الورقةَ التي تسقط دائما وأبدا، وعندما يحين وقتُ سقوطها يقول لها: اسقطي! وهكذا كلُّ الأشياء: “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (القرآن 36:82).

والأشياء المعروفة معدومة في حدِّ ذاتها (مثل الأفكار التي لا وجود لها خارج العقل)، وتبقي كذلك حتى يُصْدِر اللهُ الأمرَ التكوينيَّ (كن)، عندها لا بُدَّ للشيء أن يكون. يُسَمِّي ابن عربي شَيْئيَّةَ الأشياءِ في عِلْمِ الله باسم شيئيَّاتِ الثُّبُوت؛ لأنَّ الأشياء لا تتغيَّر في ذاتها. وعلى الرغم من ظهورها إلا أنَّ الأمر التكوينيَّ لا يُزيل عنها حُكْمَ الثُّبوت؛ لأنَّ الحقَّ وحده هو الظَّاهرُ الحقُّ، وعلى الرغم من كونها مُقيَّدة ومعرَّفة بشيئيَّة الأشياء. والضَّوْء هو المثال المُشتهر هنا، فعندما يلقي الضوءُ شعاعَه على قطعة من الزجاج المُلَوَّن، يبدو ملوَّنا، ولا يظلُّ ظاهرا حقَّا إلا الضَّوْء.

  • الأعيان الثابتة

من أكثر الأفكار التي يناقشها ابن عربي شهرة هي أنَّ الأشياء التي يعلمها الله تسميَّ بـ الأعيان الثابتة . وقد آثر المترجمون الأوائل استخدام تعبيرات مثل الراسخة، الدائمة “المثال الخالِص” أو “الجوهر”، دون أن يلاحظوا عدم وجود فرق ماهويّ بين الأعيان الثابتة والأعيان الموجودة. إنَّ الأعيان الثابتة هي الأشياء التي يعلمها الله رغم كونها معدومة في حد ذاتها؛ فالأعيانُ الموجودةُ هي الأشياءُ ذاتها في وجود خياليٍّ أو  مُقَيَّد بعينِه طبقا للأمر التكويني. وليستْ الأعيان الثابتة أمثلةَ الأعيانِ الموجودةِ ولكنَّها عينُها، وليستْ هي الجواهر إذا ما عَنَيْنَا بهذا أيَّ شيء آخر غير ماهيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ للأعيان.

استطاع ابن عربي -من خلال القول بثبات الأعيان في العِلْمِ الإلهيِّ- أنْ يقولَ أنَّ الخلافَ القائِمَ بين علماءِ الكلامِ والفلاسفة تعود أصولُه إلى كيفية فهمِهم للأعيان. مثلا، الذي يقول بِقِدَمِ العَالَمِ قد فهم أنَّ الحق لا يتَّصِف “بأنه لم يكن يراه -يعني العالم- ثم رآه”، أما من يقول أنَّ العالم مُتَّصِفٌ بالحُدُوث فإنَّه “نظر إلى وجود العالم في عينه لنفسه”؛ والذي لا يكون إلا معدوما، وعندئذ يدرك ضرورة أن يخرج العالم حيثُ الوجود. (ابن عربي ، الفتوحات المكية، طبعة 1911، 2:666.35)

يفرِّق أتباعُ ابن عربي -أحيانا- بين الأسماء الإلهية والأعيانِ عن طريق تَسْمِيَةِ الأسْمَاءِ الأُولَى بالأسماء الكلِّيَّة واللاحقةِ بالأَسماءِ الجُزئيَّة. يَضَعُ ابن عربي في الحسبانِ القاعدةَ الكلاميَّة التي تقولُ أنَّ الأسماءَ الإلهيةَ توقيفيةٌ؛ مما يعني أنَّه لا ينبغي أنْ نُسَمِّيَ اللهَ إلا بما سَمَّى به نفسَه في النُّصوص الإلهيَّة. ومع ذلك يُقَرِّرُ ابن عربي أنَّ كلَّ شيء مُفْرَد هو اسم إلهي؛ فكلُّ اسم يُشير إلى الطلاقة وراءَ كل مقيَّد مُعيَّن.

وبهذا المعنى يكون كلُّ شيء وعَيْن وجها خاصًّا لله يميِّزه عن أغياره. وبعد أن اقتبس ابن عربي الحديثَ القائل أنَّ لله تسعة وتسعين اسما، بيَّنَ أنَّ هذه الأسماء تُعَدُّ أمَّهاتِ الأسماءِ، التي يتولَّد عنها كلُّ اسم آخر، ثمَّ يتابع قائلا:

“ثم إنه لكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه هو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره والممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن” (ابن عربي ، الفتوحات المكية، طبعة 1911، 4:288.1).

  • حقيقة الحقائق عند ابن عربي

الشَّيءُ -عند ابن عربي- من أَنْكَرِ المُنْكَرَاتِ؛ فكلمة شيء تَعْنِي أيَّ شيء سواء كان موجودًا أو معدومًا، حقًّا أو ليس بِحَقٍّ. أضِفْ إلى هذا، أنَّه يقول بتجنُّبِ استخدامِها أثناء الحديثِ عن الله؛ لأنَّ اللهَ لم يستعملْها مُسَمِّيًا بها نفسَه. وابن عربي يُطلِق على الله اسمَ العَيْن، رغم أنَّه -عادة- في بعض سياقاته يذكِّرنا بما أسمتْه التقاليدُ المُتَأَخِّرةُ باسمِ عقيدةِ وَحْدَةِ الوُجُود، لا سيّما عند استخدامِه تعبيرَ “العين الواحدة”. على سبيل المثال:

“فأظهرَ الكلَّ بالكُلِّ وضربَ الكلَّ في الكل؛ فظهرْنا به له ولنا، فنحن به من وجه وما هو بنا؛ لأنه الظاهر ونحن على أصلنا، وإن كنا أُعْطِينا باستعدادنا في أعياننا أمورا لها سَمِيّ بما يظنه المحجوب أسماء لنا من عرش وكرسي وعقل ونفس وطبيعة وفلك وجسم وأرض وسماء وماء وهواء ونار وجماد ونبات وحيوان وإنسان وجانّ، كل ذلك لعين واحدة ليس إلا” (ابن عربي ، الفتوحات المكية، طبعة 1911).

في الحقيقة، أشار ابن عربي إلى الله مستخدما كلمةَ شيء في فِقرة واحدة، وفي عَمَلٍ من أعمالِه المُبَكِّرة، وقَدْ جذبَ هذا الأمرُ انتباهَ كثير من المُحقِّقين؛ فهو يذكر هناك “الشَّيءَ الثَّالِث”، ويبدو أنَّ تلك الفكرةَ تُلْقِي الضَّوْءَ على مقارَبَتِه كلِّها. (تاكيشيتا Takeshita 1982، بشيرBashier  2004).

يظهرُ في البداية أنَّه يَتَكلَّم باللغة السِّينويَّة التقليديَّة فيما يتعلَّق بالضَّرورة والاحتمال، ولكنه بعد ذلك يستحضر مفهومَ البرزخ لشرحِ كيف يُمكن أنْ يجتمعا معا. يرى ابن عربي أنَّ الأشياء على ثلاثِ مراتب. يتَّصِف النوع الأول بالوجود بذاته، وهذا هو الموجود الضروريّ؛ الله، ولا يكون إلا مطلَق الوجود، وعنه يفيضُ إلى الوجود كلُّ شيء. أما النَّوع الثَّاني فهو الموجودُ بالله؛ وهو الوجود المُقَيَّد المُعَبَّر عنه بالعالَم؛ كلُّ ما سوى الله. يكتبُ ابن عربي عن الشَّيء الثَّالث قائلا أنَّه:

“لا يتَّصِف بالوجود ولا بالعدم، ولا بالحدوث ولا بالقدم…. وعن هذا الشَّيء الثَّالث ظهرَ العالَم؛ فهذا الشيءُ هو حقيقةُ حقائقِ العالَمِ الكلِّيَّة المعقولة في الذِّهن…. فإنْ قلتَ هذا الشَّيء هو العالَم صدقتَ، وإنْ قلتَ إنه الحقُّ القديم سبحانه صدقتَ، وإنْ قلتَ إنه ليس العالَمَ ولا الحقَّ تعالى وإنَّه معنى زائد صدقتَ” (ابن عربي ، إنشاء الدوائر، 16-17).

وإذا قرأنا المقطع الذي أوردناه كاملا وأَنْعَمْنَا النظرَ في الوَصفِ المُفَصَّل للشَّيء الثَّالث، نجد أنَّ ابن عربي يناقشُ الخيالَ المطلقَ على أنَّه البرزخ الأعلى. ورغم ذلك، نرى أنَّ الشَّيء الثَّالِث لم يتأسَّسْ كمصطلح فنيّ، على غِرارِ المترادفة التي يذكرها في نفسِ المقطع؛ أعني حقيقة الحقائق، والتي تُسَمَّى أيضا الحقيقةَ الكُلِّيَّة والحقيقة المُحَمَّدِيَّة. والحقيقةُ -كما ذكرنا قبل ذلك- تستخدمُ بمعنى العينِ والجوهرِ والشَّيءِ والمُمْكِنِ، رغم شيوع استخدامها على نطاق أوسع من ذلك. و الأسماء الإلهية القرآنية -من أجل ذلك- تُسَمَّى بالحقائق، لا الأعيان أو الأشياء.

“ذلك أنَّه ما مِن موجود سوى الله مِن المُمْكِنات إلا وهو مُرْتَبِط بنِسْبَة إلهيَّة وحقيقة ربَّانيَّة تُسَمَّى أسماء حُسْنَى؛ فكلُّ مُمْكِن في قَبْضَةِ حقيقة إلهيَّة” (ابن عربي ، الفتوحات المكية، طبعة ،1911، 2:115.27).

وإذا ما ذُكِرتِ الحقائقُ الكليَّةُ عند الحديثِ عن الشَّيء الثَّالث؛ فإنَّ ابن عربي يعني بها الأسماءَ والصِّفاتِ الإلهيةَ، والتي تجلَّتْ في الحقائق الجُزئيَّة أو الأعيان. وإنَّنا نجد في نَسَقِهِ نُسْخَة من شَجَرة فرفوريوس، رغم عدم استخدامه هذا التعبير أبدا. كلُّ فَرْد (ورقة) عضْو في نَوْع (غُصن) ينتمي بدوْرِه إلى جِنْس (فَرْع)، وهكذا، حتى تنتهي جميعُها في نهايةِ الأمر مندرجةً تحت جِنْسِ الأجناس؛ حقيقةِ الحقائق. هذه الحقيقة ليستْ واجبَ الوجود وليستِ العالَمَ أيضا.

وهي العلمُ الإلهيُّ للأشياء بالنِّسْبة إلى الله، وعندئذ تكون قديمة، أما بالنِّسْبة إلى العالَم؛ فهي الكُلُّ دائمُ التغيُّرِ للخلْقِ الذي يزول. واستنادا إلى مصطلح يستخدمه في مكانٍ آخر، أطلقَ أتباعُه على هذه الحقيقة بالنسبة إلى الله اسمَ “الفَيْض الأقْدَس”، ويُعَرِّفُونَه على أنّه التَّجَلِّي الذاتيّ لله، لذاتِه في ذاتِه، أو هو العلم الذَّاتيُّ الذي يَعْرِفُ من خلاله لوازمَ أزليَّتِه. ويقابلونه بمُصْطَلَحِ”الفَيْض المُقَدَّس”؛ الفِعْل الخلَّاق الذي به تتجلَّى كلُّ الحقائق.

  • التَّعَيُّن و الأعيان الثابته

كانَ القونويُّ سببًا في الذُّيوع الكبير للمُصْطَلَح الفنِّيِّ؛ “التَّعَيُّن”، والذي يَلعب دورًا رئيسًا في الجَدَلِ الدائرِ حولَ حقيقةِ الحقائق بين أتباع ابن عربي . اشتُقَّتِ الكلمةُ من “عَيْن” التي تعني أنْ تصير عينا. ولأنَّ العينَ شيءٌ؛ فلنا ترجمة الكلمة إلى reification التجسُّد، ليس بالمعنى الذي يمكن أن يتبادرَ إلى الذِّهن البشريِّ، لكنْ بمعنى الدَّلالة على الطريقةِ التي يسلكها المُطْلَقُ في أن يصيرَ قَيْدَ الحدِّ والتقدير والتَّعريف والتَّشَيُّء، في عمليةِ إعلانِ ذاته ككلِّ شيء سوى الله. وهكذا، فإنَّ كلَّ شيء تعيُّن وتحديد وتقدير للحقِّ المُطلَق، الذي يُسمَّى باللاتَعَيُّن. وحقيقةُ الحقائق هي التعيُّنَ الأول، وكلُّ تعيُّن آخر يَخْطُو خُطَاه.

ولسعاد الحكيم عمل مُسهَب (المعجم الصُّوفي، الحكمة في حدود الكلمة)، ورغم كونه بعيدا عن أن يكونَ دراسةً كاملة للمُصطلحات الفنِّيَّة عند ابن عربي ، إلا أنَّها قامَتْ بتَعْدَاد أربعين مترادِفَة لحقيقة الحقائق تحتَ عنوان الإنسان الكامل. يمكن فهمُ حقيقة الحقائق في السِّياق الغربيِّ على نحو أتمٍّ إذا ما استخدمنا كلمة “اللوجوس” الذي به جاء كلُّ شيء إلى الوُجود. تحتلُّ هذه الفكرةُ مكانا مركزيًّا في رؤية ابن عربي للعالَم، وهي المفهوم الجامع لأبعادِ رؤيَتِه تلك المُتَبايِنَة. لم تذكر سعاد الحكيم الشَّيءَ الثَّالِثَ ضِمن هذه المترادفات، ولكنَّ الاستمرار في قراءة المقْطَع الذي أوردناه قبل ذلك عن الشَّيءِ الثَّالثِ يُوضِّحُ لنا أنَّ حقيقةَ الحقائِق هي -بالتَّأكيد- حقيقةُ الإنسان الكامل، أو عينُه الثَّابتة.

“والإنسان ذو نِسبتَينِ كاملَتين؛ نسبة يدخل بها إلى الحضرة الإلهيَّة، ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانيَّة…. فكأنَّه برزخ بين العالم والحقِّ، وجامع لخلق وحقٍّ، وهو الخطُّ الفاصِل بين الحضرة الإلهيَّة والكونيَّة، كالخطِّ الفاصل بين الظِّلِّ والشمس وهذه حقيقته، فله الكمال المطلق في الحدوث والقِدَم، والحقُّ له الكمال المُطلَق في القدم وليس له في الحدوث مَدْخَل يتعالَى عن ذلك، والعالَم له الكمال المطلق في الحُدُوث وليس له في القِدَم مدخل يخْسَأ عن ذلك؛ فصار الإنسانُ جامِعًا، ولله الحمد على ذلك” (ابن عربي ، إنشاء الدوائر، 22).

الحقائق عند ابن عربي: الأعيان الثابتة، وحقيقة الحقائق، والتعين – وليام تشيتيك

الأعيان الثابتة