مجلة حكمة
علم البيولوجيا الاجتماعية

علم البيولوجيا الاجتماعية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: وجدان الودياني


مدخل حول علم البيولوجيا الاجتماعية كعلم بيئة سلوكي وشعبي، والانتقادات عليه؛ نص مترجم لد. كاثرين دريسكول، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


قُدّم مصطلح “البيولوجيا الاجتماعية” في كتاب “البيولوجيا الاجتماعية: البناء الجديد” الذي ألفه ويلسون (1975Wilson) باعتباره “دراسة منهجية للأساس البيولوجي لكل السلوكيات الاجتماعية” (Wilson, 1975, 4).  ويبدو أن ويلسون يقصد بـ “الأساس البيولوجي للسلوك” الإشارة إلى الأسباب الاجتماعية والبيئية المسؤولة عن تطور السلوك بين الحيوانات، وليس الأسباب العصبية أو النفسية للسلوك لدى الأفراد. ومع ذلك، فقد تصور ويلسون بوضوح أنه سيكون للبيولوجيا الاجتماعية وعلم الأعصاب تفاعلات نظرية مهمة (Wilson, 1975, 5).  إن إشارات ويلسون إلى التطور تشير عادة إلى التطور من خلال الانتقاء الطبيعي، بالرغم من قبوله أن تسفر عملية الانتقاء تلك على المجتمعات الحيوانية عن نتائج غير قابلة للتكيف على مستوى السكان (انظر على سبيل المثال، الفصل الرابع من Wilson, 1975).

وبناء عليه؛ فإن أحد المعاني المحتملة في البيولوجيا الاجتماعية هو المجال الذي عرّفه ويلسون في فصل الحيوان غير البشري من كتابه على أنه: التوجهات المنهجية في التكيف لفهم دوافع السلوك الحيواني وطبيعته. ولكن مصطلح “البيولوجيا الاجتماعية”، والذي استُخدم بشكلٍ خاصٍ في العمل الذي وصفه في معظم كتابه، كان مصطلحاً حديثاً، واستخدمه للإشارة إلى عمل العلماء الذين لم يصنفوا أنفسهم تحت هذا المسمى.  كما لم يكن اسم “عالم البيولوجيا الاجتماعية” مقبولًا كلياً من قِبل هؤلاء العلماء. بدلاً من ذلك، في حين استمر عددٌ قليلٌ من العلماء في استخدام مصطلح “البيولوجيا الاجتماعية ” لوصف عملهم (على سبيل المثال، Hurdy,1999)،

أثناء النقاش الحاصل حول هذا العلم وبعده، مال العلماء الذين يستخدمون هذه الأساليب إلى استخدام مصطلحات أخرى غالبا “علم البيئة السلوكي” (1978Krebs & Davies,).

من ناحية أخرى، لم يكن سلوك الحيوانات الموضوع الوحيد الذي نوقش في علم البيولوجيا الاجتماعية؛ فقد عرض كلاً من الفصلين الأول والثاني من كتاب ويلسون وجهات النظر حول قابلية دراسة السلوك البشري من خلال أبحاثٍ مشابهةٍ.  وقد طُورت هذه المبادئ إلى حدٍ ما في كتابه الأخير “حول الطبيعة البشرية” (Wilson, 1978).  ولعدة أسباب، أهمها جدل ويلسون حول عدم قابلية العديد من السلوكيات الاجتماعية المعضلة للتغيير، فقد أثار محتوى هذين الفصلين مناقشة بالغة القسوة يشار إليها أحياناً باسم “حروب البيولوجيا الاجتماعية”. (من بين المناقشات التي تناولت بشكل جيد تاريخ وعلم الاجتماع الخاص بـ “حروب البيولوجيا الاجتماعية”، تلك التي قدمها Segerstrale في عام 2000).  ونظراً للاهتمام الذي حظيت به هذه المناقشة، فقد أصبح مصطلح “البيولوجيا الاجتماعية” مرتبطاً بهذا المشروع البشري المقترح في وقتٍ مبكرٍ، أو على الأقل هوجم وصفه من قبل منتقديه (انظر على سبيل المثال Allen et al., 1975; Caplan, 1979; Gould, 1977, 251–259; 1978; Sociobiology Study Group of Science for the People, 1976).  وقد يُطلق على مشروع ويلسون البشري المقترح مسمى “البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” بعد كيتشر (1985Kitcher, ).  وادعى النقاد بأن “علماء البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” كانوا متمسكين بشكل من أشكال الحتمية الجينية، وهي تكيفية شديدة، ومالوا إلى تجاهل آثار التعلم والثقافة.

ويستخدم مصطلح “البيولوجيا الاجتماعية” أيضاً للإشارة في بعض الأحيان إلى الأساليب التطورية الحالية في التعامل مع السلوك البشري، والتي تحتفظ بالتركيز السلوكي الذي يشير إليه ويلسون (Griffiths, 2008; Sterelny and Griffiths, 1999).  ومع ذلك، فقد طورت معظم المشاريع الحديثة التي تدرس تطور السلوك مجموعة متنوعة من السمات النظرية والمنهجية الخاصة بها، وذلك على الرغم من تأثرها بمشروع ويلسون، (Smith et al., 2001; Winterhalder and Smith, 1992)؛ ولعل أفضل طريقة لفهم البيولوجيا الاجتماعية في هذه الحالة هي من حيث “التغير الوراثي”، باعتباره سبقاً تاريخياً لهذه المشاريع.  وتشمل “سلالة” علم البيولوجيا الاجتماعية علم البيئة السلوكي البشري، ونظرية الوراثة المزدوجة مؤخراً (Boyd and Richerson, 1985; Cavalli-Sforza and Feldman, 1981) وعلم النفس التطوري Cosmides and Tooby, 1987)). ويُشار لهذه المشاريع الآ بـ “العلوم الاجتماعية التطورية” في أغلب الأحوال (Smith et al., 2001). ومع مرور الوقت، أصبحت الآراء النظرية المختلفة واختيارات المنهجية راسخة في كل مشروع، مما زاد من تفاوتها الذي قد يظهر أيضاً بشكل جزئي على مستوى التخصصات، حيث يميل علماء الإنسان إلى أن يكونوا علماء في علم البيئة السلوكي البشري؛ ويميل علماء النفس إلى أن يكونوا علماء النفس التطوري؛ وينتهي الأمر بالأفراد الذين لديهم خلفية ما في نمذجة علم الأحياء السكاني إلى نظرية الوراثة المزدوجة. ولكن تحتفظ كل المشاريع الثلاثة ببعض مظاهر مشروع ويلسون الأصلي، وخاصة أسلوبه المنهجي في التكيف.  ومن بين التخصصات الثلاثة هذه، فإن ما يطلق عليه في أغلب الأحيان “البيولوجيا الاجتماعية” هو علم البيئة السلوكي البشري بسبب تركيزه على تطور السلوك (حيث يركز علم النفس التطوري على تطور التقنيات أو الأدوات النفسية مثل تلك المعنية باكتشاف الغش والخداع؛ بينما تدرس نظرية الوراثة المزدوجة التطور الثقافي للصفات التي يتم تعلمها اجتماعياً).

وعلى هذا يركز البحث على ثلاثة معانٍ رئيسية لـ “البيولوجيا الاجتماعية”. أولاً، سيصف بإيجاز البيئة السلوكية الحيوانية التي وصفها ويلسون بأنها “البيولوجيا الاجتماعية”؛ وثانياً، سيستعرض ويقيّم وصف “البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” التي تعرضت للهجوم من قِبَل العديد من العلماء والفلاسفة من منتصف إلى أواخر سبعينيات القرن العشرين.  وسيذكر ثالثاً السمات الرئيسية لعلم البيئة السلوكي البشري الحالي. وسيناقش القسم الأخير بعض الانتقادات المهمة التي أُثيرت بشأن البيولوجيا الاجتماعية وعلم البيئة السلوكي في البحوث السابقة، وسيبحث بعض الردود المحتملة على هذه الانتقادات.

 


 

1) علم البيولوجيا الاجتماعية كعلم بيئة سلوكي

إن أول تعريفٍ لعلم “البيولوجيا الاجتماعية” هو ما ذكره ويلسون ذاته في أعماله العديدة والتي يشار إليها حالياً (وأُشيرَ إليها آنذاك إلى حدٍ كبيرٍ) بعلم البيئة السلوكي. يستخدم علم البيئة السلوكي نظرية التطور، وخاصة الأساليب التكيفية لمحاولة فهم سلوك الحيوان. ولنتأمل هنا، على سبيل المثال، أنثى دبور الجوهرة الطفيلية. تعيش هذه الأنثى وتضع بيضها في شرانق منتفخة؛ بعد ولادة الإناث منها ووصولها إلى مرحلة البلوغ، تتزاوج مع أحد الذكور الذي يعيش في نفس الشرنقة، ثم تنشأ وتطير لوضع البيض في شرانق أخرى. يتمتع دبور الجوهرة بنظام تحديد الجنس الفرداني الضعفاني، ويمكن للإناث التحكم في جنس بيضها من خلال التحكم في حالة تخصيب البويضة عندما تضعها. الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص في هذا الدبور هو أن نسبة الإناث للذكور التي تضعها تعتمد على أسبقية وصولها للعش. إذا كانت أول من يصل إلى العش فإنها تضع عدداً من البيض يغلب فيه نسبة الإناث (حوالي 91.3%) وتقل فيه نسبة الذكور (حوالي 8.7%).  في حين أنه إذا وضعت البيض في عش قد سبقتها إليه أنثى أخرى (يسمى هذا بالتطفل الفائق)، فإنها تعطي ذكوراً أكثر بكثير من الإناث.  يهتم علماء البيئة السلوكية بفهم سبب اتسام السلوكيات الحيوانية كهذا السلوك بالسمات المميزة التي تتمتع بها.

بتميز علم البيئة السلوكية أحيانًا بتداخله مع “علم السلوك” السابق الذي من المحتمل أن يكون أشهر ممارسيه كونراد لورنز ونيكو تنبرجن. اشتهر تنبرجن (1963Tinbergen,) بصياغة أربعة أنواع من الأسئلة التي قد يطرحها أحد علماء السلوك في محاولة لفهم نمط معين من السلوك الحيواني، مثل استراتيجية وضع البيض التي تتبناها أنثى دبور الجوهرة أعلاه. أولاً، يمكن أن يطرح عالم السلوك أسئلة حول الأسباب المباشرة للسلوك: على سبيل المثال، ما هي التقنيات العصبية أو النفسية التي تؤدي إلى وضع أنثى الدبور بيضها بتلك الطريقة؟ ما هي التقنيات المسؤولة عن تطوير هذه الآلية، ما هي العمليات التطويرية التي تبني النسيج العصبي الذي يسبب بشكل مباشر سلوك وضع البيض؟  وثانياً، يستطيع عالم السلوك أن يطرح سؤالين نهائيين عن التطور حول السلوك: ما هي الوظيفة التطورية للسلوك، بمعنى، كيف يساهم وضع البيض على هذا النمط في النجاح التناسلي للدبور، ولأسلافه، وبالتالي إلى تاريخ تطور السلوك من خلال الانتقاء الطبيعي (إن كان ذلك هو تاريخه) في مجموعة دبور الجوهرة؟  وأيضًا، ما هي سلالة السلوك، أي أين نشأ في الشجرة التطورية لدبور الجوهرة؟

وعلى عكس علماء السلوك، مال علماء البيئة السلوكيين الذين درسوا سلوك الحيوان في البداية إلى التركيز على السؤال الثالث، مسألة الوظيفة التطورية على حساب الآخرين (Griffiths, 2008؛ Krebs and Davies, 1997). وقد أشار غريفيس (2008Griffiths, )  إلى أن تركيز علماء السلوك على أسئلة الوظيفية على حساب أسئلة السببية والتنمية والسلالة (التنمية بشكل خاص) كان إشكالياً للغاية، لأنه لا يُمكن الإجابة على الأسئلة الأربعة بشكل صحيح بشكل مستقل.  تعمل التنمية على تقييد تطور السمات البيولوجية بطرق متعددة، والسلوك بشكل خاص، نظراً لاعتماده على التطور على المستويين العصبي والنفسي.  ولكن اعتبر علماء البيئة السلوكية أن تعقيد الموارد التطويرية التي تساهم في السلوك هي السبب لتجنب مثل هذه الدراسات (ولو بشكل مؤقت على الأقل) كجزء من دراستهم لتطور السلوك.  ويرى غرافين (1984(Grafen, أن مشكلة أساليب السلوك التطورية تكمن في صعوبتها وطول فترة تنفيذها، خاصة إذا كان الغرض الوحيد أو الأساسي من العمل التطويري التحقق من أن الصفة المعنية لها بالفعل تاريخ تطوري يمكن فهمه باستخدام طرق التكيف.  ويزعم غرافين أنه إذا توجّب على علماء البيئة السلوكيين إجراء دراسات تطورية أو نفسية حتى يكونوا واثقين نسبياً من استنتاجاتهم بشأن التاريخ التطوري للسمات، فمن المرجح ألا تبلغ هذه الدراسات مبلغ الدراسات النشوئية، وذلك لأن مثل هذا العمل التطوري والجيني سوف يستغرق وقتاً طويلاً للغاية. والأسوأ من ذلك، أنه قد لا تكون لمثل هذه الدراسات مصلحة ذاتية وتمثل مضيعة للوقت والموارد للباحث – وليس لكل الصفات خلفية تطورية مثيرة للاهتمام أو مفيدة أو تنتج عن تقنيات نفسية مثيرة للاهتمام وغير معروفة.  وبدلاً من ذلك، يرى غرافين أن على علماء البيئة السلوكيين استخدام ما أسماه “مناورة النمط الظاهري” في دراسة تطور السمات السلوكية. وهذا يتضمن افتراض أن الأسباب الممكنة التطورية والنفسية والجينية لصفة سلوكية- مثل استراتيجية وضع البيض التي تتبناها أنثى دبور الجوهرة- تسمح للعلماء “بالتظاهر” بأنهم مباشرين للغاية باكتشافهم نماذج تطورية، ورغم ذلك لايزالون يخرجون بنماذج تعطي الإجابات الصحيحة تقريباً عن العمليات الأولية والظروف والقيود التي تؤثر على هذه الصفة أثناء تطورها (للاطلاع على آراء أخرى مماثلة، انظرMaynard Smith, 1982, ff6).

ولكن منذ أن كتب رافين مقاله، حدث تحول معين في علم البيئة السلوكي غير البشري بعيداً عن مناورة النمط الظاهري، ولصالح التركيز على التقنيات الأقرب، وليس فقط لأن هذه العوامل تكشف ما إذا كانت استراتيجية سلوكية قد تتطور من خلال الانتقاء الطبيعي في أي حالة بعينها، ولكن تعتمد طبيعة تكاليف اللياقة البدنية والفوائد العائدة على الكائن الحي- في بعض الأحيان- على كيفية حل المشكلة التكيفية التي يواجهها. على سبيل المثال، يهتم لوتم وآخرون (1995(Lotem et al., بنوع آلية التعلم التي تستخدمها أمهات طيور الواربلرز الكبرى للكشف عن وجود طيور الكوكو في أعشاشهم: وهذا يحد من مدى موثوقية كشف بيض الكوكو. وبالمثل، يرى شوكر ووست (2004(Shuker and West,  بأنه لا يُمكن فهم القيود المفروضة على استراتيجية وضع البيض لدى أنثى دبور الجوهرة الطفيلية بشكل صحيح دون الانتباه إلى قيود تقنيات الكشف التي يستخدمها الدبور لتحديد وجود أو غياب الإناث الأخرى، مقابل بيض الإناث الأخريات في كل منطقة.

ولعل الأداة التحليلية الأكثر أهمية التي يستخدمها عالم البيئة السلوكي هي النموذج الأمثل (Maynard Smith,1987): ومع ذلك، فإنه من الممكن استخدام نماذج الاعتماد على التكرار، التي لا تفترض التثبيت السكاني لصفة معينة، مثل نماذج الاستراتيجيات المستقرة التطورية (Maynard Smith, 1982) (انظر أيضا مدخل نظرية الألعاب التطورية) والنماذج الديناميكية، كتلك المستخدمة في دراسة سمات تاريخ الحياة (Roff,  1992). صُممت النماذج المثلى لتوضيح أي من مجموعات الاستراتيجيات السلوكية المتغيرة المحتملة من شأنها زيادة قيمة اللياقة المحلية في ظل مجموعة من الظروف البيئية والقيود التي يتم تمثيلها ضمنياً أو ظاهرياً في البنية الدقيقة للنموذج.  ويفترض أن تمثل هذه الظروف شروط اختيار الصفة (الظروف المسؤولة عن دفع تطورها عن طريق الانتقاء الطبيعي- Brandon, 1990)؛ ومع ذلك، فإنها غالباً ما تُستمد من مراقبة الظروف التي يعيش فيها الكائن الحي حالياً، حيث يفترض أن هذه الظروف ظلت عموماً نفس الظروف التي تطور فيها الكائن الحي (Turke, 1990). قدم ويرين (1980(Werren, نموذجاً كهذا لدبور الجوهرة سالف الذكر؛ يقترح النموذج أن سبب التغير في نسبة الأبناء إلى البنات- عندما تجد أنثى الدبور شرنقةً مأهولةً- ناجم عن الفرصة المحتملة للتزاوج مع بنات الأنثى السابقة.  إذا وضعت الأنثى الأولى بيضها في الشرنقة أولاً، ستتزاوج البنات المولودات مع أخوتهن وستصبح كل ذريتهن من سلالة أول أنثى.  وهذا يعني أن الأنثى الأولى بحاجة إلى إنتاج عدد قليل جداً من الذكور – يكفي فقط للتزاوج مع جميع الإناث؛ وتعتمد زيادة النجاح التناسلي للجيل الثاني للأنثى الأولى على زيادة عدد البنات.  ولكن في حالة وجود أنثى متطفلة، فإنه بإمكان أبناءها التزاوج مع الأعداد الكبيرة من بنات الأنثى الأولى.  تحتاج الأنثى فائقة التطفل إلى زيادة عدد الإناث اللاتي يتكاثرن مع أبنائها في الشرنقة مقارنة مع إخوانهم، فيما تحد من مقدار المنافسة بين أبنائها الذكور في الوقت ذاته.  فإذا كان لديها بضع بيضات فقط لتضعها، فمن المنطقي أن تضعهم جميعاً ذكوراً تقريباً؛ وكلما زادت كمية البيض، يصبح من المنطقي زيادة نسبة الإناث في المجموعة تدريجياً. وقد قام ويرين بحساب النسب المئوية المثلى للذكور والإناث لكل مجموعة بيض. إن ملاحظاته على النسب بين الذكور والإناث تتناسب نوعاً ما مع توقعات هذا النموذج، لكن ليس تماماً.

وهناك نوع من الخلاف بين عدد من الفلاسفة وعلماء البيئة السلوكيين حول ما الذي يمكن للنماذج المثلى كنموذج ويرين اثباته بالضبط.  ويزعم أورزاك وسوبر (1994(Orzack and Sober, أن علماء البيئة السلوكيين مثل ويرين يستخدمون النماذج المثلى لإثبات أن السمات محل البحث هي عمليات تكيف، أي أنها تطورت بواسطة الانتقاء الطبيعي.  بالإضافة إلى ذلك؛ يأخذ أورزاك وسوبر النماذج المثلى إلى كونها نماذج مراقبة، أي أنها مصممة لتحديد نتيجة الانتقاء الطبيعي في مجموعة يكون فيها الانتقاء الطبيعي هو القوة الوحيدة المهمة، وبالتالي تُبيّن- في حال تنبؤ النموذج بشكل صحيح بالصفات الظاهرة للسمة قيد الدراسة- بأن هذا الانتقاء الطبيعي أهم قوة في تطور هذه المجموعة.  والفكرة إذاً هي أنه من المفترض أن يثبت النجاح النسبي لنموذج ويرين أن الانتقاء الطبيعي كان القوة الأكثر أهمية في تطور استراتيجية وضع البيض لدى دبور الجوهرة، وربما كانت هناك قوى أخرى مشاركة، ولكنها ليست على نفس القدر من الأهمية.  ومع ذلك، فقد زعم فلاسفة آخرون مختلفون أن هذه النماذج لا تقدم افتراضات تكيف قوية كهذه؛  على سبيل المثال، يزعم بوتوتشنيك (2009Potochnik, ) أن النماذج المثلى مصممة فقط لإظهار الدور العام الذي يلعبه الانتقاء الطبيعي وغيره من القوى (مثل القيود التطورية)، وهي ليست مصممة لاختبار فرضيات التكيف القوية حول الاستراتيجيات السلوكية المعنية ــ أي أن نجاح النموذج في حالتنا السابقة كان المقصود منه إثبات أن الانتقاء الطبيعي كان يحكم استراتيجية أنثى الدبور، من خلال نتائج المنافسة بين ذكور الدبابير في الشرنقة، والتفاوت في كمية البيض، وغير ذلك من الشروط والقيود التي يلقى بها نموذج ويرين قبولاً. لا يهدف نجاح النموذج إلى إظهار أن الانتقاء الطبيعي كان القوة الوحيدة المهمة المشاركة في تطور استراتيجية دبور الجوهرة. للحصول على انتقادات أخرى لطريقة عرض النموذج الخاضع للرقابة، انظر رايس (2012(Rice, وبولدوك وسيزيللي (2012(Bolduc and Cezilly,.

ومع ذلك، من المثير للاهتمام، زعم بعض علماء البيئة السلوكيين بأنهم لا يستخدمون النماذج المثلى لاختبار ما إذا كان الانتقاء الطبيعي يعمل على سمة ما، ولكنهم بدلاً من ذلك يفترضون فاعلية الانتقاء الطبيعي من أجل اختبار الفرضيات حول الظروف والقيود التي تعمل على تلك السمة (Parker and Maynard Smith, 1990). قد يكون هذا معضلاً، إذا كان ذلك يعني أن يقبل علماء البيئة السلوكيين بكل سرور الرأي القائل بأن الانتقاء الطبيعي يحسن معظم السمات ولا يختبر هذا الادعاء أبدًا بشكل صحيح. ومع ذلك، فإن أحد التفسيرات لباركر وماينارد سميث (1990Parker and Maynard Smith,) لا يعني أن علماء البيئة السلوكية لديهم التزام غير قابل للتكذيب بفكرة أن الانتقاء الطبيعي هو مُحسِّن. وبدلاً من ذلك، فإنهم يدّعون أن اختبار الفرضيات حول عملية الانتقاء الطبيعي بحد ذاته ليس ما يركز عليه علماء البيئة السلوكية. يفترض علماء البيئة السلوكية مبدئياً بأن السمة تكيف من أجل اختبار فرضيات أخرى عنها – “يتظاهرون كما لو” أن السمة كانت تكيفًا، ويستخدمون هذا الافتراض لاكتشاف الانحرافات عن المثالية التي قد تكشف عن مفاضلات وقيود مثيرة للاهتمام – يمكن لطبيعة الانحراف أن تشير إلى ما قد يكون مفقودًا في النموذج. هذا بالطبع له فائدة أنه عندما تفشل النماذج في البداية، لا يبحث العلماء عن فرضيات بديلة غير قابلة للتكيف، ولكن بدلاً من ذلك يبحثون في البداية عن قيود ومفاضلات وشروط جديدة قد يخضع لها الاختيار. على سبيل المثال، يصف جيرالديو (1997(Giraldeau, الانحرافات عن المثالية في تطور الصبغات الضوئية في العصي (مقابل المخاريط) في شبكية عين الأسماك التي تعيش في أنواع معينة من البيئات البحرية حيث يكون التحول في الحساسية الضوئية مفيدًا. يستخدم جيرالديو هذا الانحراف ليشير إلى وجود قيد جزيئي على تطور الخلايا العصوية. من المفترض أن يؤدي الفشل المتكرر في إيجاد طرق لسد الثغرات في النماذج المثلى هذه في النهاية إلى قيام العلماء المعنيين بالنظر في التفسيرات البديلة غير التكيفية. لذلك لكي يقوم علماء البيئة السلوكيين بهذا العمل، عليهم التخلي عن الرأي القوي القائل بأن الانتقاء الطبيعي هو القوة الأكثر أهمية في أصل السمات؛ يتطلب هذا الاستدلال- غالباً- وجهة نظر مفادها أن الانتقاء الطبيعي عادة ما يحسن محلياً (أي يحسن فقط بالنسبة للقيود الشديدة المحتملة).

ومع ذلك، هناك طريقة أخرى لفهم كيفية استخدام علماء البيئة السلوكيين للنماذج المثلى، وهي طريقة لا يتم أخذها في الاعتبار كثيرًا، تكمن في الاهتمام بتقديم وصف وظيفي للسمات التي يدرسونها (Kitcher, 1987؛ انظر أيضًا Bolduc and Cezilly, 2012، لآراء مماثلة من حيث أنماط القرار بدلاً من الاستراتيجيات السلوكية). أحد الأمور التي قد تهم عالم البيئة السلوكي هو كيفية وصفه بالضبط لطبيعة السلوك الذي يفكر فيه: ما هي التصرفات السلوكية المكوِنة (من بين جميع سلوكيات الكائن الحي) لكل استراتيجية، وكيف ترتبط هذه التصرفات معًا كتكيف. يحتاج هؤلاء العلماء إلى تقديم وصف للعلاقة بين سلوك الكائن الحي وبيئته، وكيف يساهم في لياقة الكائن الحي. في حالة دبور الجوهرة، لاحظ علماء البيئة السلوكيين أن الدبابير تضع نسباً مختلفة من البيض في حالات مختلفة. السؤال هو كيف نفهم هذه السلوكيات المختلفة لوضع البيض بنسبة بين الجنسين: التخمين هو أن هذه السلوكيات المختلفة تترابط معًا بطريقة ما، كمظاهر لاستراتيجية معينة لضبط نسبة الجنس إلى كمية البيض؛ وأن وجود هذه الاستراتيجية الخاصة-هذا النمط المحدد لسلوك وضع نسبة البيض إلى الجنس- يعني شيئًا لإناث الدبور عند النظر إليه ككل. ولكن لماذا يتوجب على عالم البيئة السلوكي قبول صحة أي وصف وظيفي معين؟

يمكن أن يسمح النموذج الأمثل لعالم البيئة السلوكي بإيجاد واختبار مثل هذا الوصف الوظيفي بطريقتين. أولاً، يتضمن النموذج الأمثل (ضمنياً أو ظاهرياً) مجموعة استراتيجية، وهي مجموعة من الأوصاف للاستراتيجيات السلوكية المحتملة؛ يختار النموذج أحد أوصاف هذه الاستراتيجية باعتباره أقرب وصف قابل للتكيف. في نموذج ويرين، ستكون مجموعة الاستراتيجية عبارة عن مجموعة (ضمنية) من الأوصاف لمجموعة من الاستراتيجيات الممكنة لتعديل نسبة الجنس التي يمكن أن يأتِ بها دبور الجوهرة (على سبيل المثال، تتضمن كل استراتيجية مجموعة مختلفة من الخيارات حول نسب الجنس في نطاق كامل من الظروف ذات الصلة مثل التطفل والتطفل الفائق وكميات البيض المختلفة). الفكرة هي أن نموذج الأمثل يمكن أن يختار أي وصف من هذه المجموعة كوصف لاستراتيجية التكيف القصوى – بناءً على وجهة النظر هذه لما يفعله علماء البيئة السلوكية، صُمّم نموذج ويرين لاختيار أفضل وصف لاستراتيجية وضع البيض لنسبة الجنس من المجموعة الاستراتيجية. الفرضية هي أن هذا الوصف لاستراتيجية التكيف القصوى سيكون الوصف الصحيح لما يفعله الدبور. إذا كان هذا هو الوصف الصحيح، فيمكن لويرين الآن التنبؤ بنسب الذكور/الإناث في بيض الدبور التي يجب أن يراها في الحالات التي لم تتم ملاحظتها حتى الآن. تسمح له هذه التنبؤات باختبار ما إذا كان الوصف صحيحًا – إذا كانت هذه التنبؤات صحيحة، فبناءً على وجهة النظر هذه، أكد ويرين بأن وصف استراتيجية ضبط نسبة الجنس المعينة المشتقة من نموذجه هو الوصف الصحيح لطبيعة عمل الدبور.

ثانيًا، إن وصف الاستراتيجية التي اختارها النموذج ليس مجرد وصف لها على أنها سلسلة من تصرفات سلوكية (أي ميول لوضع نسب جنسية مختلفة في ظل ظروف مختلفة)، ولكن للعلاقات بين تلك التصرفات ومختلف السمات البيئية التي تحدد مدى ملاءمة تلك التصرفات. على سبيل المثال، في حالة دبور الجوهرة، فإن وجود منافسات أخريات من الإناث، والمرونة في كمية البيض، وقدرة الأبناء على التزاوج عدة مرات، واستحالة تنقّل الأبناء بين الشرنقات وما إلى ذلك، هي سمات البيئة التي تحدد ما إذا كانت أي استراتيجية محتملة لوضع البيض لدبور الجوهرة تكون قابلة للتكيف إلى أقصى حد، ويمكن لنموذج أمثل مؤكد جيدًا أن يوضح هذه الكيفية. بالتالي، بناءً على الحصول على الدليل المناسب على أن هذا هو النموذج الصحيح، فإن وصف الاستراتيجية التي يقدمها نموذج ناجح (ضمنيًا أو ظاهرياً) هو وصف وظيفي للاستراتيجية – وصف لكيفية مساهمة السلوك في ملاءمة الكائن الحي. للحصول على مناقشة أكثر تفصيلاً لدور النمذجة المثلى في علم الأحياء، راجع المدخل الخاص بالتكيف.

 

  1. “البيولوجيا الاجتماعية الشعبية”

الطريقة الثانية التي أصبح من خلالها مفهوم “البيولوجيا الاجتماعية” نهجًا خاص لفهم السلوك البشري على وجه التحديد والذي يسميه فيليب كيتشر (1985(Kitcher, “البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” (على عكس وصفه لـ “البيولوجيا الاجتماعية الضيقة” والذي يعادل تقريبًا “علم البيئة السلوكي” أعلاه). يُطلق على علم البيولوجيا الاجتماعية الشعبية هذا الاسم نظراً لارتباطه بكيفية دراسة السلوك البشري الموصوف في مجموعة متنوعة من الأعمال السابقة التي كتبها ويلسون وآخرون للجمهور العام، وليس الجمهور الأكاديمي. في هذه الأعمال، يقدم ويلسون وغيره من “علماء البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” بعض المخططات التخمينية والأولية لكيفية تقدم علم تطوري للسلوك البشري: تركيز ويلسون الرئيسي في الطبيعة البشرية (1978(Wilson, وبدرجة أقل الفصل الأخير من البيولوجيا الاجتماعية (5197Wilson, ) هو إظهار أن مثل هذا العلم ممكن، لوصف بعض التقنيات التي يمكن استخدامها في متابعته، ورسم بعض التحليلات التطورية الممكنة لبعض السلوكيات البشرية المعينة. بسبب تقديمه في الصحافة الشعبية، ربما كانت “البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” مهمة في تشكيل التصورات الشعبية لطبيعة البيولوجيا الاجتماعية (على سبيل المثال، مقال صحيفة التايم، “لماذا تفعل ما تفعله” 1977، 110 (أغسطس 1)، 54) وبالتالي أثار حفيظة النقاد. لسوء الحظ، ربما أدت حدة النقاش هذه إلى قدر معين من التفسير الخاطئ لآراء علماء البيولوجيا الاجتماعية. سيتناول هذا القسم المخاوف الرئيسية التي أثارها النقاد حول البيولوجيا الاجتماعية “الشعبية” المبكرة لويلسون، ومناقشة ما إذا كانت أوصافه لآرائه عادلة وإلى أي مدى.

الحتمية الجينية. في مجموعة متنوعة من المقالات يزعم نقاد رئيسيون لعلم البيولوجيا الاجتماعية مثل ستيفن جيه جولد (8197، 251-259؛ 7197Steven J. Gold, ) وما يسمى ب “مجموعة دراسة البيولوجيا الاجتماعي” (يشار إليها فيما بعد باسم م.د.ب) (Allen et al, 1975 ؛ مجموعة دراسة البيولوجيا الاجتماعية للجمهور العام، 1976) أن علماء البيولوجيا الاجتماعية هم محددون جينيون أقوياء. على سبيل المثال، وفقًا لـ م.د.ب.، يعتقد ويلسون أن هناك جينات معينة “مسؤولة عن” السمات السلوكية، بما في ذلك السمات القابلية للتلقين، والأقاليم، والحرب، والإيثار المتبادل، وأن هذه الجينات تخضع للانتقاء الطبيعي بطريقة مباشرة نسبيًا. في الواقع، ترى م.د.ب. (1976) بأن الادعاء بأن السمات لها أصل انتقائي يتطلب وجود جينات “لها”؛ يُقال إن قبول ويلسون الواضح بأن السمات قد تحتوي غالبًا على مكون ثقافي قوي هو خطأ، لأنه إذا كان هذا صحيحًا، فلن تخبرنا النظرية التطورية بأي شيء عن أصل هذه السمات.

يُعتقد، حتى من قبل النقاد الآخرين أمثال كيتشر الذي يعتبر أحد أقوى منتقدي البيولوجيا الاجتماعية، أن كلا الادعاءين يمثلان تحليلات غير عادلة لآراء علماء البيولوجيا الاجتماعية، وخاصة ويلسون – وقد ألقى باللوم على جولد و م.د.ب في هذه النقطة (Kitcher, 1985, 22-23). في كتابه عن الطبيعة البشرية، يصف ويلسون الجينات على أنها، أساسًا، صانعة للاختلاف – فهو يدعي صراحة أن الاختلافات في الجينات، حتى بالنسبة للصفات القابلة للتوريث، تفسر فقط التباين في السمات عبر السكان. إنها ليست بأي حال من الأحوال أسبابًا مستقلة لأي سمة في الأفراد، كما أن التباين في البيئة يمثل جزءًا من التباين في أي سمة (Wilson, 1978, 183). في دراسة واحدة على الأقل يقول ويلسون رداً على و م.د.ب.، فيما يتعلق بمسألة المساهمات النسبية في التباين في السلوك البشري من التباين في الجينات مقابل التباين في البيئة، فإن “وجهات نظره تؤيد البيئة أكثر من الجينات” (Wilson, 1978, 183). يبدو أيضًا أن ويلسون يحاول دعم ادعائه بوجود بعض السلوكيات البشرية التي من المحتمل أن تكون وراثية بدرجة كبيرة: فهو يصف مجموعة متنوعة من الأدلة المختلفة التي قد تحددها. تتضمن هذه الأدلة المظهر الثقافي المتقاطع (مثل Wilson, 1975, 550; Wilson, 1978, 20, 129)؛ التماثل المعقول مع الأنواع الأخرى ذات الصلة الوثيقة (خاصة الشمبانزي) (مثل1978, 20, 27, 151)؛ التطور المبكر للسمة المعنية (على سبيل المثال 1975, 551; 1978, 129)؛ الاختلافات بين الأفراد التي تنشأ دون اختلافات في بيئتهم التنموية (مثل 1978, 128-130)؛ المتلازمات الجينية التي تسبب اختلافات سلوكية (مثل 1987, 43-45)؛ ودراسات التوائم (مثل 1978, 145). أخيرًا، يدعي ويلسون بأن محاولة تغيير السلوك البشري من شكله الموروث عادة ما تفشل أو تسبب الاحباط (Wilson, 1978, 20)؛ يصف فشل بعض المحاولات لتغيير سمات السلوك البشري الطبيعي عن طريق تغيير البيئة الاجتماعية بشكل كبير، مثل استمرار الروابط الأسرية تحت العبودية (Wilson, 1978, 136) وفي الكيبوتسات الإسرائيلية (1978, 134). بالطبع يبقى من المطروح للنقاش كون ما سبق دليلًا جيدًا على ادعاءاته أم لا، فهذا (Kitcher, 1985؛ مجموعة دراسة البيولوجيا الاجتماعية للجمهور العام، 1976). يجدر بنا أن نضع في الاعتبار أنه بينما يعتقد ويلسون أن الدليل على أن بعض السلوكيات البشرية وراثية يعد مؤكّدا (Wilson, 1978, 19) إلا أنه يرى العديد من تفسيراته التطورية المحددة المقترحة على أنها أولية وتوقعية وليست كاملة (مثلاً، تصريح ويلسون بأن مناقشته للمثلية الجنسية أولية: 1978,146). لمزيد من المناقشة حول المشاكل المتعلقة بالوراثة عند دراسة تطور السلوك، انظر القسم 4.2. أدناه، ومدخل التوريث.

تجاهل التعلم والثقافة. كملازم للاعتراض على أن البيولوجيا الاجتماعية الشعبية كانت ملتزمة بالحتمية الجينية، غالبًا ما يُتهم الباحثون الرئيسيون بأنهم غير حساسين لمشكلة التعلم والثقافة، أي لمشكلة أن العديد من السمات التي يهتمون بها لا تخضع ببساطة للانتقاء الطبيعي على الإطلاق، وأن هذه الحالة قد تكون بالفعل شائعة في البشر (Kitcher, 1985؛ مجموعة دراسة البيولوجيا الاجتماعية للجمهور العام، 1976). ومع ذلك، فقد أدرك ويلسون، على سبيل المثال، بوضوح الدور المهم للثقافة في العديد من السمات السلوكية (Wilson, 1976)؛ في الواقع، كان يعتقد أنه حتى الاختلافات الجينية الطفيفة التي أحدثت فرقًا في السلوك يمكن المبالغة فيها من خلال الثقافة المكتسبة – وهذا ما يسمى بـ “التأثير المضاعف” (على الرغم من أنه موضع تساؤل أن يكون التأثير المضاعف فعالاً – ماينارد سميث ووارن، 1982). بالإضافة إلى ذلك، نشر ويلسون في النهاية كتابه “الجينات والعقول والثقافة” مع تشارلز لومسدن، كاستجابة جزئية لهذه المخاوف من جانب منتقديه (Lumsden and Wilson,1981)، وكانت محاولة للنظر في آثار انتقال الثقافة على الطبيعة. وانتشار الصفات السلوكية والتفاعل بين الجينات والثقافة. ومع ذلك، تعرض الكتاب لانتقادات شديدة (انظر، على سبيل المثال، Kitcher, 1985; Lewontin, 1991;  Maynard Smith and Warren, 1982). كان الشاغل الرئيسي الذي أثير هو أنه لم يكن هناك سوى القليل من المحتوى في النماذج التي قدمها الكتاب – وقد اتبعت السمات الأكثر إثارة للاهتمام ببساطة من الافتراضات المضمنة فيها، لا سيما الافتراضات حول الدرجة التي تحتفظ بها الجينات بالثقافة “مقيدة” (Lumsden and Wilson, 1981, 13; Wilson, 1978, 167).

التكيف القوي. كانت السمة الإشكالية الثالثة المنسوبة إلى البيولوجيا الاجتماعية الشعبية هي اعتمادها على شكل قوي للغاية من التكيف. في كلتا الورقتين من قبل م.د.ب. (1976) وجولد وليونتن في ورقتهما الشهيرة “Spandrels of San Marco”(Gold and Lewontin, 1979)، يرى نقاد البيولوجيا الاجتماعية بأن علماء البيولوجيا الاجتماعية تكيفيين مفرطي التفاؤل. في حين أن ورقة “Spandrels” موجهة إلى “التكيف” بشكل عام، لكن كان علماء البيولوجيا الاجتماعية من مقاصدها الواضحة (على سبيل المثال، عمل David Barash (1976) على الغيرة عند الذكور من الطيور الزرقاء). كانت الاتهامات الرئيسية في ورقة “Spandrels ” كالتالي: أن التكيفيين يعاملون جميع السمات كتكيفات؛ أنه عند “تحليل” الأفراد إلى سمات للدراسة ، فإنهم لا يهتمون بإثبات أن الصفات التي تم تحليلها إلى هذا الحد يمكن أن تتطور بالفعل بشكل مستقل عن طريق الانتقاء الطبيعي؛ أنهم يتجاهلون القيود التنموية على التطور؛ أنهم فشلوا في تحديد السمات السائدة لأسباب أخرى غير الانتقاء الطبيعي؛ أنهم فشلوا في التمييز بين التكيف الحالي والتاريخ الماضي للانتقاء الطبيعي؛ أنهم يولدون فرضيات تكيفية، ويفشلون في اختبارها بشكل صحيح واستبدال فرضية واحدة بأخرى، متجاهلين الأنواع الأخرى المثيرة للاهتمام من التفسيرات التطورية وغير التطورية. بدلاً من ذلك، وفقًا لجولد وليونتين، يخبر مؤيدو التكيف قصصًا تخمينية بحتة وغير قابلة للاختبار “تمامًا” ويقدمونها كحقيقة علمية.

مرة أخرى، بقدر ما كانت افتراضات ويلسون وعلماء البيولوجيا الاجتماعية الآخرون مجرد تخمينات بحتة، فقد يكون هذا النقد مبرراً: يصف ويلسون الكثير من التفسيرات التطورية لسلوكيات بشرية معينة في الفصلين الأول والأخير من عمليه “البيولوجيا الاجتماعية” و “في الطبيعة البشرية”، ويعد بعضها تكهنات من جانبه (ليس جميعها). ربما يتم وصف القصص التكيفية التكهنية بشكل مناسب على أنها “مجرد قصص”؛ السؤال هو ما إذا كانت مثل هذه القصص، التي يتم التعامل معها كفرضيات أولية، هي إشكالية في حد ذاتها. بالإضافة إلى ذلك، بينما لم يقم ويلسون بأي محاولة لاختبار أي من فرضياته التخمينية، يحاول علماء البيئة السلوكيين اختبار فرضيات التكيف عن البشر والحيوانات الأخرى. مرة أخرى، السؤال الصحيح هو ما إذا كانت هذه الاختبارات مناسبة أو كافية لإثبات صحة الفرضيات المعنية. لكن جولد وليونتين يقدمان بعض الاعتراضات الأكثر تعقيداً على أساليب التكيف. سيتم مناقشة بعضها في القسم الرابع.

 

  1. البيولوجيا الاجتماعية كعلم بيئة سلوكي بشري

علم البيئة السلوكي البشري (HBE)، أو علم البيئة التطوري البشري، هو علم الاجتماع التطوري الحالي الأكثر ارتباطًا بالمشروع الاجتماعي البيولوجي الأصلي؛ إنه المشروع الذي لا يزال يشار إليه أحيانًا باسم “البيولوجيا الاجتماعية” من قبل بعض فلاسفة العلم (Griffiths, 2008; Sterelny and Griffiths, 1999). غالباً ما يتم استخدام “البيولوجيا الاجتماعية” بهذه الطريقة كمصطلح معاكس لمصطلح “علم النفس التطوري”، وهو مشروع علم اجتماعي تطوري حالي آخر مستوحى من علماء البيولوجيا الاجتماعية الأوائل، كما طُوّر كثيراً من كيفية تصور علم البيولوجيا الاجتماعية المبكر: للحصول على مناقشة أكثر للموضوع، انظر مدخل علم النفس التطوري. الأسماء الشائعة الأخرى لعلم البيئة السلوكي البشري هي “الأنثروبولوجيا التطورية” (2000(Smith, أو “الأنثروبولوجيا البيئية الداروينية” (1995(Vayda, (نظراً لأن معظم ممارسيها لديهم خلفية في أقسام الأنثروبولوجيا أو يعملون فيها، ويستخدمون العمل الميداني الأنثروبولوجي باعتباره الوسيلة الرئيسية لاختبار فرضياتهم حول السلوك البشري). تُستخدم الأسماء المختلفة عندما يؤكد الباحثون المعنيون على روابط مجالهم بالأنثروبولوجيا أو مع البيئة السلوكية غير البشرية. يشترك علم البيئة السلوكي البشري كثيراً مع البيئة السلوكية غير البشرية الموصوفة أعلاه. في التركيز على السلوك تحديدا، بدلاً من الآليات النفسية الموصوفة في علم النفس التطوري. على عكس علم البيئة السلوكي غير البشري، فقد استمر علم البيئة السلوكي البشري في استخدام مناورة النمط الظاهري لغرافين (1984Grafen, )، حيث لا يحاول ممارسوها عادةً اكتشاف أو وصف الموارد الجينية أو غيرها من الموارد المستخدمة في تطوير السلوك الذي يهتمون به؛ ولا يحاولون عادة اكتشاف علم النفس الأساسي. ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات في محور الاهتمام، من حيث اختلاف الأسئلة حول السلوك البشري التي يتناولها علماء علم البيئة السلوكي البشري عن تلك التي يتناولها علماء علم البيئة السلوكي غير البشري أحياناً.

إن الغرض الرئيسي من نهج علم البيئة السلوكي البشري هو الافتراض بأن استراتيجيات السلوك البشري هي تكيفات إرشادية لتحديد الأسباب البيئية المحلية التطورية والحالية للاختلاف في السلوك البشري. كان أحد الأمثلة القياسية اللطيفة من منطق علم البيئة السلوكي البشري هو عمل هيلارد كابلان وكيم هيل (1992Kaplan and Hill, ) على استراتيجيات اختيار الفريسة بين خبراء الصيد والالتقاط في قبيلة آشي في باراغواي. الفكرة هنا هي أن استراتيجية اختيار الفريسة الخاصة بآشي هي مظهر محلي لتكيف سلوكي بشري أكبر لاختيار الفريسة: من خلال وضع هذا الافتراض، يمكن لكابلان وهيل استخدام سلوك اختيار فريسة آشي كطريقة لتحديد الظروف التي أدت إلى تطور استراتيجية اختيار الفريسة الأكبر وتحديد الأسباب التي تجعل الآشيون يختارون الفريسة التي يختارونها في بيئتهم المحلية.

تماماً كما هو الحال في علم البيئة السلوكي غير البشري، عادةً ما توصف الاستراتيجيات السلوكية في علم البيئة السلوكي البشري بأنها تصرفات سلوكية معقدة. تتضمن الميول السلوكية استجابات سلوكية للمحفزات المحلية؛ بينما تتضمن الاستراتيجيات السلوكية بعد ذلك إنتاج مجموعة من الاستجابات المختلفة لمجموعة محفزات مختلفة (قد نطلق على هذه المجموعة من المحفزات شروط الاستجابة للاستراتيجية). وفقًا لكابلان وهيل، تتضمن استراتيجية اختيار فريسة آشي اختيار مجموعة متنوعة من الفرائس المحتملة المختلفة من البيئة؛ يعتمد ما إذا كانت الفريسة ستؤخذ أو لا على عدد من الظروف التي تعمل كشرط للاستجابة: على سبيل المثال، وجود الفريسة بسمات محددة معينة، مثل العائد من السعرات الحرارية للفريسة مع اعتبار الوقت اللازم للحصول عليها (المعروف باسم الربحية)، معدل تواجد تلك الفريسة في البيئة، ما إذا تمت مصادفة الفريسة في بحثهم أم لا، ووقت البحث المتاح في رحلة البحث عن الطعام. عادةً ما يصف علم البيئة السلوكي البشري الاستراتيجيات السلوكية من حيث “الوراثة اللاجينية” أو قاعدة القرار، والتي تُعطَى عادةً كدالة رياضية تحدد قيم ظروف الاستجابة على القيم المناسبة لمعايير المخرجات السلوكية. يوفر عمل كابلان وهيل أيضًا مثل هذه القاعدة اللاجينية (انظر , 1992: 170 Kaplan and Hill)، والتي تصف العلاقات بين وقت البحث والربحية وما إلى ذلك، لتحديد الفريسة التي سيتم اصطيادها عند المواجهة عندما يكون الآشي يبحث عن الطعام.

يُفترض أيضاً أن استراتيجية اختيار الفريسة ككل (بمعنى، ليست مثلاً مجموعة اختيارات الفريسة المحددة والمناسبة محليًا للآشي، ولكن استراتيجية اختيار الفريسة البشرية العامة التي تعتبر مظهراً من مظاهرها)، تكون لأغراض إرشادية لتكوّن تكيفًا مع الظروف السابقة التي أدت لاختيار تلك الاستراتيجية؛ هذه هي شروط الاختيار للاستراتيجية. لنفترض أنه من المعقول اتخاذ استراتيجيات سلوكية على هذا النحو لتكون قادرة على التكيف (انظر المناقشة اللاحقة في القسم 4) فإن شروط الاختيار لاستراتيجية سلوكية معينة ستشمل عادة شروط الاستجابة (لأنه من المفترض أنها تتطلب إنتاج سلوك واضح من أجل أن يعمل الاختيار وفقًا لاستراتيجية سلوكية) ولكن ربما أيضاً ميزات السياق الأكبر مما جعله شديد التكيف للاستجابة بهذه الطريقة لظروف الاستجابة هذه. بمعنى آخر، في حالة اختيار الفريسة، من المفترض أن تكون الربحية وكثافة الفريسة وتوافر وقت البحث من بين شروط الاختيار لاستراتيجية اختيار الفريسة (بافتراضها تكيفاً). ولكن الأمر نفسه ينطبق على التفاصيل الأكبر حول البيئة التي لم يتم تضمينها بشكل واضح في هذه النماذج، مثل حدود القدرة البشرية التي تحدد الفريسة التي يمكن الوصول إليها في تلك البيئة، والبيئة التي تحدد الفريسة الموجودة فيها، وما إلى ذلك. لذلك، يهتم علماء علم البيئة السلوكي البشري بتحديد شروط اختيار استراتيجيات السلوك البشري بشكل عام.

ومع ذلك، فإن مختصي علم البيئة السلوكي البشري هم علماء أنثروبولوجيا، وبالتالي يريدون أيضاً وصف الأسباب المحلية للسلوكيات العلنية المتنوعة للغاية التي ينخرط فيها البشر؛ يمكن القيام بذلك عن طريق تحديد المظاهر المحلية لظروف الاستجابة للاستراتيجيات التي يستخدمها هؤلاء البشر. تحديد شروط الاستجابة هذه هو مسألة تحديد الوصف الوظيفي الصحيح لتلك الاستراتيجيات (Kitcher, 1987). فكيف توصف مثل هذه الاستراتيجيات؟ تجدر الإشارة إلى أن هذا صعب للغاية: ما يلاحظه علماء علم البيئة السلوكي البشري في الميدان هو مجموعات من السلوكيات العلنية في سياق مجموعة متنوعة من الظروف البيئية التي يمكن أن يكون أي منها ظروف الاستجابة. قد يكون من غير الواضح تماماً سبب حدوث هذه السلوكيات، وأي الظروف المحلية هي المحفزات التي يكون السلوك استجابة لها. في الواقع، قد لا يكون واضحاً حتى أي السلوكيات العلنية هي مظاهر لنفس الاستراتيجية. في حالة الآشي، ما لاحظه كابلان وهيل ليس استراتيجية كاملة لاختيار الفريسة، بل مجموعة متنوعة من المواقف التي قام فيها أفراد أو مجموعات من الناس بأخذ الفرائس التي واجهوها أثناء البحث عن الغذاء، من بين العديد من الأنواع الأخرى للبحث عن الغذاء وأنواع أخرى من السلوكيات. والسؤال هو ما هي السلوكيات العلنية التي أسفرت عن استراتيجية اختيار فريسة واحدة، إن وجدت، في هذه المواقف، وكيف ترتبط هذه السلوكيات العلنية ببعضها البعض وبالظروف البيئية التي تحدث فيها.

تبدو الفكرة كما يلي: إذا كانت استراتيجيات السلوك البشري تكيفات، فمن المتوقع أن تكون العلاقات بين الاستجابات السلوكية والظروف البيئية المحلية التي تشبه تلك الموجودة في الماضي التطوري البشري هي الأمثل محلياً، مع افتراض ثبات العوامل الأخرى؛ هذا يعني أن شروط الاستجابة للاستراتيجية ستكون (كما يُزعم) هي تلك التي جعلت اللياقة السلوكية تزداد في البيئة التي تطورت فيها، وفي أي بيئة مشابهة بشكل ملائم، إلى جانب شروط الاختيار الإضافية المعقولة  (Irons, 1998). يميل مختصو علم البيئة السلوكي البشري، مثل علماء البيئة السلوكيين الذين يدرسون الحيوانات غير البشرية، إلى استخدام النمذجة المثلى لتحديد الاستراتيجية التي ستكون أقصى قدر (إذا كان محلياً) من اللياقة البدنية في الظروف التي تطورت فيها. تماماً كما هو الحال في البيئة السلوكية غير البشرية، سيحدد النموذج استراتيجية، بما في ذلك ظروف الاستجابة والاستجابات السلوكية العلنية المختلفة لها، والتي من شأنها زيادة اللياقة إلى أقصى حد في ظل مجموعة من شروط الاختيار المقترحة في الماضي التطوري. قد تكون شروط الاختيار هذه إما صريحة أو ضمنية في النموذج، أو افتراضات النموذج.

هذا يثير التساؤل حول كيفية اختيار النموذج المناسب. في الحالات التي قد يكون فيها هيكل المشكلة فريداً بالنسبة للحالة البشرية وحيث يُتوقع أن تكون البيئة الحالية مختلفة عن الموقف الذي تطورت فيه الاستراتيجية في الأصل، غالباً ما يكون النموذج الذي يختاره مختصو علم البيئة السلوكي البشري فريداً، وسيكون من المقترح على الأقل شروط الاختيار التي حُدِّدت من خلال التماس المعلومات حول السجل الأحفوري. قد يكون تاريخ حياة الإنسان مثالاً جيداً، حيث يكون الوضع البشري فريداً نسبياً: على سبيل المثال، بالمقارنة مع الرئيسيات الأخرى، يتمتع البشر بحياة طويلة وطفولة طويلة بشكل غير عادي، وحياة طويلة بعد انقطاع الطمث. نتيجة لذلك، يتعين على علماء البيئة السلوكية البشرية أن يستأنفوا السجل الأحفوري بالتفصيل لتحديد أنواع التحولات التطورية التي قد تكون ذات علاقة (Hawkes, 2003 Kaplan et al., 2000). عندما يكون هيكل مشكلة التكيف التي يواجهها البشر والظروف التي تعمل على سلوكهم من المتوقع أن تعكس تلك الموجودة في الحيوانات غير البشرية وأن تكون مشابهة جداً لتلك الموجودة في البشر في ماضيهم التطوري، فإن اختيار النموذج غالباً ما يكون معياراً من علم البيئة السلوكي غير البشري؛ يمكن أن تستند شروط الاختيار المقترحة على الظروف الحالية التي لوحظت في مجتمعات البحث عن الغذاء. في حالة البحث عن الغذاء، هذا هو بالضبط ما يحدث: نماذج اختيار الفريسة المستخدمة من قبل كابلان وهيل هي تلك المستخدمة لفهم أنواع مماثلة من الاستراتيجيات في الحيوانات غير البشرية. هذا لأن كابلان وهيل يتوقعان أن الظروف ذات الصلة التي تعمل على اختيار الفريسة البشرية تعكس عن كثب تلك التي تعمل على الحيوانات غير البشرية. تتمثل المشكلة الأساسية لاستراتيجيات اختيار الفريسة فيما إذا كنت ستأخذ عنصراً من الفريسة وتلتقطه أو تجمعه، عند مواجهة عنصر فريسة محتملة عند البحث عن الطعام، أو ما إذا كان عائد السعرات الحرارية في الوقت المستثمر سيزيد عند تجاهله ومواصلة البحث عن شيء آخر بربحية أعلى. يمكن أن يكون هذا هو الحال في الحالات التي يكون فيها للأغذية المحتملة الأخرى أرباحاً أعلى بكثير أو معدلات عالية بما فيه الكفاية. الاستراتيجية إذن هي مسألة بناء “نظام غذائي” – تلك الفريسة التي تُصطاد دائماً عند مواجهتها. يتم ذلك عن طريق طلب عناصر الفريسة بترتيب الربحية. ثم يجب إضافة الفريسة الأكثر ربحية إلى النظام الغذائي. تتمثل الخطوة التالية في حساب متوسط ​​معدل عائد البحث عن الغذاء (بالسعرات الحرارية لكل ساعة) الذي حُصِل عليه بمجرد البحث عن العنصر الأكثر ربحية، نظراً لربحيته، وعدد مرات مواجهته، وتكلفة السعرات الحرارية للبحث نفسه. إذا كان معدل عائد الغذاء (بالسعرات الحرارية لكل ساعة) مع هذا العنصر فقط أقل من الربحية (بالسعرات الحرارية في الساعة) لثاني أعلى عنصر ربحية، فيجب إضافة ثاني أعلى عنصر إلى النظام الغذائي؛ يجب بعد ذلك حساب متوسط ​​معدل عائد البحث عن الغذاء مع أول وثاني أعلى بنود ربحية. ثم يجب مقارنة متوسط ​​معدل عائد البحث عن الغذاء الجديد بربحية ثالث أعلى عنصر ربحية – وهكذا حتى تحصل جميع الفرائس المحتملة المتبقية على أرباح أقل من متوسط ​​معدل عائد البحث عن الطعام مع جميع العناصر الموجودة حالياً في النظام الغذائي. الفكرة هي أن الغذاء يزيد من عائد السعرات الحرارية في الساعة عن طريق أخذ تلك العناصر الموجودة في النظام الغذائي عند مقابلتها فقط وتجاهل كل شيء آخر.

لذلك سيسعى مختصو علم البيئة السلوكي البشري أخيرا لاختبار نموذجهم الأمثل. عادةً ما يتضمن وصف تلك الاستراتيجية التي اختارها النموذج أوصافاً للاستجابات السلوكية المحتملة للظروف (أو قيم معايير تلك الاستجابات) التي تتجاوز ما لوحظ بالفعل؛ هذا يعني أن النموذج يتوقع أن هذه الاستجابات يجب أن تحدث أيضاً إذا كان وصف الاستراتيجية صحيحاً. على سبيل المثال، في حالة اختيار الفريسة لكابلان وهيل، يتنبأ النموذج بأنماط اختيار فريسة الآشي التي لم يرها المراقبون حتى الآن، مثل الفريسة التي يجب ولا ينبغي أن يواجهها الآشي وتحت أي ظروف. لذلك، يمكن اختبار النموذج من خلال البحث عن موقف تراقب فيه شروط الاستجابة للاستراتيجية معرفة ما إذا كان السلوك استجابة لتلك الظروف كما يوحي النموذج. هذا أحد أسباب اختبار هذه القواعد في مجتمعات البحث عن الغذاء – لأن العديد من هذه الاستراتيجيات لها ظروف استجابة تعكس ظروفًا يُفترض أنها موجودة في الماضي التطوري البشري، والتي قد تحصل في مجتمعات البحث عن الغذاء ولكن ليس في المجتمعات الحديثة. على سبيل المثال، من الواضح في حالة البحث عن الغذاء لدى كابلان وهيل، أن القليل من المجتمعات الزراعية الحديثة أو حتى الصغيرة الحجم تنخرط بشكل روتيني في البحث عن الغذاء الذي يعد مصدراً أساسياً للتغذية، وبالتالي لا تقدم فرصة للأفراد للقيام باختيار الفريسة الصحيحة. السبب الآخر لإجراء هذه الاختبارات في مجتمعات البحث عن الغذاء هو أن مختصي علم البيئة السلوكي البشري يريدون فهم الأسباب المحلية للسلوك الظاهر في هذه المجتمعات على وجه الخصوص.

إذا كانت الاستراتيجية كما هو موصوف، يأخذ مختصو علم البيئة السلوكي البشري النموذج ليتم تأكيده، وبالتالي أيضاً وصف السمة التي يستخدمونها (نظراً لأنها تُقدَّم من خلال وصف السمة)، فإن علماء البيئة السلوكيين يهتمون بشرح طبيعة الأسباب المحلية للسلوك الظاهر المحلي (في حالة كابلان وهيل، أسباب سلوك اختيار فريسة الآشي)؛ وكذلك التفسير المقترح لأصل الاستراتيجية السلوكية من حيث شروط الاختيار السابقة التي يستخدمها النموذج (في حالة كابلان وهيل، التفسير التكيفي لاختيار الفريسة من حيث الربحية وتوزيع الفرائس وما إلى ذلك).

تتطلب الاختلافات بين الاستراتيجيات السلوكية المتوقعة والموصوفة من العلماء بناء نماذج جديدة، أو اقتراح شروط أو قيود إضافية لإضافتها إلى النماذج الأصلية؛ يجب أن يكون هناك دليل مستقل على الحصول على هذه الشروط أو القيود. تنحرف ملاحظات كابلان وهيل عما يتنبأ به نموذجهم: يشترك الآشي في عدد من قرارات اختيار الفريسة التي من الواضح أنها لا تؤدي إلى زيادة اللياقة. على وجه الخصوص، يبدو أن الرجال غالبًا ما يتجاهلون العديد من مصادر الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية من النباتات وأحياناً الحيوانات الصغيرة، ولا تلعب النساء دوراً أكبر. السؤال إذن هو كيفية المضي قدماً: غالباً ما يقترح مختصو علم البيئة السلوكي البشري تغييرات على النموذج قد تفسر فشل التنبؤ هذا؛ في كثير من الأحيان، يقدمون بعض الأدلة المستقلة على اقتراحاتها. على سبيل المثال، أحد التفسيرات التي اقترحها هوكس لسبب فشل سلوك الذكور في الصيد غالباً في تلبية توقعات اختيار الفريسة (تم العثور على إخفاقات مماثلة في العديد من المجتمعات إلى جانب الآشي) هو أن الرجال يلعبون دوراً كبيراً لأسباب أخرى غير مجرد جمع السعرات الحرارية – فهم أيضاً مهتمون بالتباهي من أجل الحصول على مكافآت أخرى مقابل لياقتهم، مثل جذبهم لإناث أكثر أو تكوين جماعة مع رجال آخرين. كان هوكس قادراً على إظهار أن قرارات اختيار الفريسة للرجال كانت متسقة مع وجهة النظر هذه (Hawkes, 1991).

 

  1. انتقادات رئيسية لعلم البيولوجيا الاجتماعية وعلم البيئة السلوكي

هناك عدد من الانتقادات الفلسفية لعلم البيئة السلوكي وأساليبه؛ سيتناول هذا القسم بعض هذه الانتقادات.

 

4.1 التكيف

ربما كانت أهم الانتقادات الموجهة إلى “البيولوجيا الاجتماعية الشعبية” أنها كانت شديدة التكيف؛ يتم توجيه أنواع مماثلة من الانتقادات إلى سلالات البيولوجيا الاجتماعية الحديثة، مثل علم البيئة السلوكي. علماء البيئة السلوكيين، بما في ذلك مختصو علم البيئة السلوكي البشري هم في الحقيقة متكيفون منهجيون (Godfrey Smith, 2001)، من حيث أنهم يفترضون أن الانتقاء الطبيعي يعمل على تحسين السمة التي يدرسونها كاستدلال، من أجل بناء أشياء أخرى حول تلك السمة؛ وهكذا لا يلتزمون بالضرورة بشأن قوة الاختيار الطبيعي من جانبهم (كما تمت مناقشته سابقًا). قاد هذا العديد من علماء البيئة السلوكية إلى اعتبار انتقادات غولد وليونتين (1979) بمثابة حكاية تحذيرية، بدلاً من كونها موجهة إليهم بشكل صحيح – انظر، مثلاً، اعتراض جولد وليونتين بأن فرضيات التكيف لم تكن قابلة للاختبار، ويمكن لعلماء البيئة السلوكيين دحضها بسهولة (Mayr, 1983). وبالمثل، رد باركر وماينارد سميث (1990) على اعتراض جولد وليونتين بأن خبراء التكيف لا يأخذون في الحسبان بشكل صحيح قيود النشوء والتطور؛ ناقش باركر وماينارد سميث بأنه يتم أخذها في الاعتبار – حتى عندما لا يتم تمثيل قيود التطور والمفاضلات بشكل صريح في النماذج المثلى، فإنها غالباً ما تكون مدمجة في مجموعة الاستراتيجيات أو تكون ضمنية في تلك النماذج. ومع ذلك، فمن المعقول الإشارة إلى أن دراسة باركر وماينارد سميث لم تستجب بالكامل لاعتراض غولد وليونتين: أدرك جولد وليونتين أن النماذج التكيفية تلجأ إلى القيود؛ كان قلقهم هو أن مثل هذه القيود يتم مناشدتها بشكل خاص لملء الفجوات في النماذج، ولا تخضع لأي اختبار خارجي.

اعتراض آخر على الأساليب التكيفية من غولد وليونتين استمر كنقد لعلم البيئة السلوكي هو أن هذه الأساليب لا تسمح للعلماء بالنظر في التفسيرات غير التكيفية للسمات التي يتم تطبيقها عليها، مثل ما إذا كانت هذه السمات قد أُصلِحت عن طريق الانحراف أو هي مجرد آثار جانبية لسمات أخرى (أي ما إذا كانت “spandrels”). من حيث المبدأ، يمكن أن تساعد طرق التكيف في تحديد الحالات التي تكون فيها السمة غير قابلة للتكيف إذا اتُّبِعت بشكل صحيح- مثلاً، يمكن تحديد الانحراف من خلال مقارنة توزيع السمات المتوقعة تحت الانتقاء وتحت الانحراف مع التوزيعات السكانية الفعلية (Sober, 2005)؛ السؤال هو ما إذا كانت أنواع الأساليب المستخدمة في علم البيئة السلوكي هي الأكثر كفاءة في اكتشاف هذه الحالات (2009Lewens, ). ذهب بعض الفلاسفة إلى أن التكيف المنهجي أكثر ضرراً في الممارسة مما يبدو من حيث المبدأ، لأن علماء الاجتماع التطوري الحقيقي ليسوا جيدين في إسقاط فرضيات التكيف لخاصية ما حتى عندما تكون هناك حجة قوية يجب القيام بها (انظر، مثلاً، Lloyd, 2005,، خصوصًا الفصل 8). لمزيد من المناقشة حول كل هذه المسائل، انظر المدخل الخاص بالتكيف.

 

4.2 توريث الصفات السلوكية

بينما يبدو اتهام علماء البيولوجيا الاجتماعية “الشعبية” الأوائل بأنهم كانوا من مؤيدي الحتمية الجينية بكونه اتهاماً غير عادلاً، غير أن هناك اعتراض ذو صلة يمكن عزوه إلى كل من البيولوجيا الاجتماعية “الشعبية” والأشكال اللاحقة لعلم البيئة السلوكي البشري وغير البشري، بمعنى لكي تتصف أي سمة بكونها تكيفاً فإن ذلك يتطلب أن تكون هذه السمة قابلة للتوريث، وأن معظم السلوكيات البشرية ليست وراثية. إن القول بأن السمة قابلة للتوريث بأبسط معانيها هو فقط القول بأنه إذا كان الوالد يمتلك هذه السمة، فإن السمة تميل أيضاً إلى الظهور في السلالة (أي أن نقول إن السمة قابلة للتوريث تعني ببساطة أن السمة موروثة بشكل موثوق). التعريف الجيني للسكان الأكثر تطلباً للتوريث هو أن السمة الوراثية T هي سمة يمكن فيها حساب الانحراف في T بشكل أساسي من خلال الانحراف في الجينات بدلاً من الانحراف في البيئة (انظر أيضًا المدخل الخاص بالوراثة). من المفترض أن يكون التوريث بهذا المعنى مطلوباً للانتقاء الطبيعي لأنه من أجل أن ينشر الانتقاء الطبيعي متغير T في مجتمع ما، عندما يزيد T متوسط ​​عدد نسل أصحابه، يجب أن يكون لدى هذه السلالة أيضا Tبشكل موثوق إذا انتشرت T على حساب المتغيرات الأخرى. ومع ذلك، تكمن المشكلة في أن العديد من السمات السلوكية البشرية لا يبدو أنها قابلة للتوريث بهذه الطريقة: فهي تميل إلى الاختلاف بشكل كبير عبر الثقافات والبيئات وحتى داخلها، في حين أن التباين الجيني البشري منخفض جداً بحيث لا يُمكن تفسير هذه الاختلافات Buller, 2005) Cosmides and Tooby, 1987;).

ومع ذلك، يمكن لمختصي علم البيئة السلوكي البشري التغلب على هذه المشكلة، من خلال الإشارة إلى أن الأنماط المحلية للسلوك الظاهر هي مظاهر لاستراتيجيات أكثر عمومية؛ تؤدي الاختلافات في البيئة إلى ظهور مظاهر العناصر المختلفة لهذه التصرفات السلوكية المعقدة التي يمتلكها البشر. مثلاً، تختلف أنماط سلوك البحث عن الغذاء لشعب آشي في غابة باراغواي المطيرة (Hill and Hurtado, 1996) والإنويت في القطب الشمالي ( Smith, 1991) اختلافًا كبيرًا، والاختلافات الجينية بين هذه المجموعات غير كافية للتفسير. ومع ذلك، يمكن أن يكون كلاهما مجرد مظاهر محلية لاستراتيجية (أو استراتيجيات) أكبر وأكثر عمومية للبحث عن الغذاء يمتلكها البشر، والتي يمكن أن تكون قابلة للتوريث والتكيف. الاستراتيجية السلوكية هي في النهاية مجرد تصرف سلوكي معقد،  يتضمن الاستجابة بعدة طرق محددة لمجموعة من الإشارات البيئية، والتي يمكن تحقيق معظمها من خلال وجود آلية أو آليات نفسية مناسبة تقوم عليها مجموعة التصرفات. في هذه الحالة، يعتمد توريث استراتيجية سلوكية فقط على وجود آلية أو آليات نفسية تنتج تلك الاستراتيجية بشكل موثوق، وهذه الآلية نفسها قابلة للتوريث. بالطبع قد يكون موضوعًا جدليا ما إذا كانت هناك مثل هذه الآليات القابلة للتوريث للاستراتيجيات السلوكية التي يهتم بها مختصو علم البيئة السلوكي البشري.

ناقش بعض الفلاسفة أيضًا بأنه من الممكن أن تكون السمات تكيفات بالمعنى القياسي حتى عندما لا تكون قابلة للتوريث وفقاً للتعريف الجيني للسكان. على الرغم من الادعاء أعلاه بأن التوريث بالمعنى الوراثي للسكان مطلوب كشرط لفعل الانتقاء الطبيعي، فإن كل ما هو مطلوب تقنياً لحدوث الانتقاء الطبيعي على سمة T هو أن يكون T قابلاً للتوريث بالمعنى الأضعف، أي أن يتم نقلها بقوة، بحيث يميل متغير السمات في أحد الوالدين إلى الظهور بشكل موثوق في السلالة. كان السبب في أن التوريث في المعنى الوراثي للسكان ضروري أيضاً للانتقاء الطبيعي هو أنه كان يُعتقد أن الجينات هي المورد التطوري الوحيد الذي ينتقل إلى السلالة، لذلك فقط إذا كان الاختلاف في السمات يتبع الاختلاف في الجينات، فستخضع السمات للانتقاء الطبيعي من أجل الأسباب الموضحة أعلاه. ومع ذلك، فقد ناقش مجموعة متنوعة من الفلاسفة والعلماء مؤخراً (Odling-Smee et al., 2003؛ Sterelny، 2003, 2007, 2012) بأن الانتقاء الطبيعي يمكن أن يحدث على السمات -حتى لو كانت الصفات تختلف كثيراً مع البيئة -بدلاً من الجينات، يقترح ستيرلني أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال بناء متخصص قوي لفترة طويلة حيث يمكن أن تنتقل البيئات نفسها عبر الأنساب. وهذا له نتيجة مثيرة للاهتمام: إذا كانت السمات الثقافية المنقولة بشكل موثوق به يمكن أن تخضع للانتقاء الطبيعي، فيمكن استخدام الأساليب والنماذج التطورية القياسية كتلك المستخدمة في البيئة السلوكية لفهم تطور هذه السمات.

لكن هذه ليست نهاية المشكلة. ناقش بعض الفلاسفة بأنه لا يُمكن فهم جميع السمات التي يتم نقلها أو تعلمها ثقافياً بشكل صحيح باستخدام أساليب التكيف، لأن العديد من هذه السمات ليست وراثية حتى في هذا المعنى الأضعف، وبالتالي لا يُمكن أن تكون تكيفات (Driscoll, 2009; Driscoll and Stich, 2008; Kitcher, 1990). والأسوأ من ذلك أن مثل هذه السمات يمكن أن تبدو شديدة التكيف مع النماذج التطورية. مثلاً، السمات التي تخضع للتعلم الفردي شديد التكيف أو عمليات الانتقال الاجتماعي التكيفية في السكان (Henrich and Boyd, 1998؛ Henrich and Gil-White, 2001) ومع ذلك ليست تكيفات لأنها لا تتشكل عن طريق الانتقاء الطبيعي. هذا لأنه في العديد من هذه الحالات، قد لا تكون سمات البيئة التي تجعل السمة تبدو قابلة للتكيف قد ظهرت في الواقع كظروف اختيار في التاريخ السببي للسمة (أو ربما كأسباب بأي معنى). في مثل هذه الحالات، فالأساليب التطورية الشائعة في البيولوجيا الاجتماعية والعلوم الاجتماعية التطورية الحالية (مثل النمذجة المثلى) ستجعل السمات تبدو وكأنها تكيفات مع تلك الظروف عندما لا تكون كذلك. للحصول على مناقشة أكثر تفصيلاً لنظرية الإرث المزدوج، والتطور المشترك لثقافة الجينات والنظرية المرتبطة بها، راجع مدخل التطور الثقافي.

4.3 التركيز السلوكي مقابل التركيز النفسي

هناك مشكلة أخرى لعلم البيئة السلوكي والبيولوجيا الاجتماعية وهي تركيزهما على محاولة فهم الأساس البيولوجي للسلوك على هذا النحو. كان التركيز السلوكي منطقياً بالنسبة لعلماء البيئة السلوكيين المتأثرين بعلم السلوك الأخلاقي لورنز وتينبرجن، ولكن بمجرد اهتمام علماء النفس الإدراكي بتطبيق التفكير التطوري على عملهم، بدأت تأثيرات الثورة المعرفية في علم النفس في التأثير على بعض مفكري “علم النفس الاجتماعي”، وقاموا بتحويل علم البيولوجيا الاجتماعية إلى علم النفس التطوري (Cosmides and Tooby, 1987 Tooby and Cosmides, 1990). كانت نتيجة الثورة المعرفية في علم النفس هي أن العديد من علماء النفس اعتبروا أن الهدف الصحيح للتفسير في علم النفس هو حالات أو آليات نفسية حقيقية بدلاً من تصرفات سلوكية (كما في سلوكية سكينر) (تشومسكي، 1959). رُبِطت الحالات والآليات النفسية إلى حد كبير في العلوم المعرفية منذ منتصف القرن العشرين، بمصطلحات حسابية ومادية، أي أن العقل هو الدماغ، وأن حالات وآليات الدماغ هي في الأساس حالات حسابية وأجهزة كمبيوتر متسلسلة (رغم التأكيد بأنها غالبا ليست أجهزة كمبيوتر تسلسلية). الأوصاف النفسية إذن هي ببساطة أوصاف لأنظمة الدماغ هذه في مصطلحات حسابية أو معالجة المعلومات. بشكل عام، تستعين هذه الأوصاف بالتمثيلات وقواعد القرار والخوارزميات التي تعالجها أنظمة الدماغ. كان التحول في المنهجية والنظرية الذي يمثله هذا التغيير في النهج مهماً للغاية. ولكن يبدو أيضاً أنه جعل علماء النفس الإدراكي المهتمين بالتطور يكرهون التفكير في التصرفات السلوكية كأهداف مناسبة للتفسير التطوري، تماماً كما كانوا يكرهون التفكير فيها كأهداف مناسبة للتفسير النفسي (Cosmides and Tooby, 1987). يبدو أن هذه المشكلة لم تواجه علماء البيئة السلوكية البشرية أبداً؛ في الواقع، لا يتم التعامل مع السلوك باعتباره الهدف الوحيد المناسب للتفسير التطوري فحسب، بل يتم تجاهل علم النفس بشكل صريح لصالح السلوك لأسباب منهجية – والتركيز على السلوك هو جزء من “مناورة النمط الظاهري” (Grafen, 1984) والتي (كما هو موصوف أعلاه) تبسط النمذجة التطورية وعملية استخلاص التفسيرات منها في علم البيئة السلوكي البشري.

أدى اهتمام علماء النفس التطوريين بهذه المسألة إلى سلسلة من الحجج المتداولة بين علماء البيئة السلوكيين البشريين وعلماء النفس التطوريين لتفضيل السلوك على علم النفس والعكس صحيح. طُرِحت حجتان رئيسيتان لصالح اعتبار السلوك هو الهدف الصحيح للتفسير. الأولى عملية بحتة: وهي أنه يمكن ملاحظة السلوك بشكل مباشر نسبياً في حين أن الآليات النفسية ليست كذلك، لدرجة أن طبيعة عدد قليل من الآليات النفسية قد أُثبِت بشكل تام (أحد الأمثلة القليلة قد يكون آليات تعلم اللغة) (Alexander, 1990). والحجة الثانية هي أنه يمكن أن يكون السلوك الوحيد تكيفًا لأن السلوك الوحيد هو العلاقة السببية الفعلية بين الكائن الحي وبيئته (Alexander, 1990) (انظر نفس الفكرة في شكل مبكر في Skinner, 1984 ).

تكمن المشكلة الرئيسية في هاتين الحجتين في أنهما على الرغم من صحتهما في السلوك الظاهر، إلا أنهما لا يصحان في التصرفات أو الاستراتيجيات السلوكية (التصرفات السلوكية المعقدة) التي تمثل الأهداف الفعلية للتفسير في البيئة السلوكية – أو على الأقل ليست أكثر صحة من الآليات النفسية. لا تتفاعل التصرفات السلوكية سببياً مع البيئة إلا بقدر ما تؤدي إلى المظهر الفعلي للسلوك الظاهر؛ كما أنها ليست أكثر من الآليات النفسية “يمكن ملاحظتها بشكل مباشر” حيث لا يُمكن ملاحظتها حتى يتجلى السلوك الصريح، وحتى بعد ذلك يكون التمييز بين الاستراتيجيات المختلفة ذات التصرفات السلوكية للمكونات المتداخلة أمراً صعباً كذلك.

تستند الحجج المؤيدة للادعاء القائل بأن الآليات النفسية فقط هي التي يجب اعتبارها تكيفات، على فكرة أن السلوك هو في الحقيقة مجرد مظهر من مظاهر علم النفس الأساسي. ليس السلوك تكيفًا بقدر ما هو تأثير التكيف. يناقش كوزميديس وتوبي (1987Cosmides and Tooby, ) أيضًا بأن التعميمات التطورية المثيرة للاهتمام تظهر على مستوى علم النفس، وليس السلوك. مرة أخرى، ومع ذلك، تعتمد هذه الحجة على فهم “السلوك” على أنه “سلوك ظاهر”، وهي أجزاء فردية من النشاط البدني لا يتم إنتاجها بالضرورة بمرور الوقت والتي لا تحدث في تعميمات علم الاجتماع التطوري، مقابل فهم “السلوك” على أنه “آليات سلوك معقد” التي يبدو أنها قابلة للانتقال (عبر الآليات النفسية التي تدعمها). ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن مثل هذه الاستراتيجيات هي موضوع دراسات تطورية مهمة – مثل نظرية اللعبة التطورية، التي يعتمد عليها كوزميديس وتوبي أنفسهم: إن الحجة لتوقع أن يكون نموذج “كشف الغشاشين” الشهير (Cosmides and Tooby, 1992; Cosmides, 1989) مشتق من عمل آكسلرود وهاميلتون (1981Axelrod and Hamilton) وترايفر (1971Triver, ) يوضح أن TIT FOR TAT، والتي تتطلب من لاعبيها أن يكونوا قادرين على اكتشاف الغشاشين بناءً على تفاعلات الإيثار المتبادل، هي استراتيجية تطورية مستقرة.

في الآونة الأخيرة، قدم الفلاسفة أيضاً بعض الحجج لجانب أو آخر من هذه القضية. يرى بولر (Buller, 2005, 50-52)، مثلاً، بأن السلوكيات لا يُمكن أن تكون تكيفًا لأنها ليست وراثية، بينما الآليات النفسية كذلك. ومع ذلك، فإن مناقشة بولر لا تميز بين السلوكيات الواضحة والاستراتيجيات السلوكية الموضحة أعلاه. يناقش بولر بأن السلوكيات يمكن أن تختفي من السكان لأجيال إذا لم تظهر ظروف الاستجابة الضرورية أبداً، ولكنها لا تزال تظهر مرة أخرى إذا ظهر المحفز مرة أخرى، وهذا يشير إلى أن هذه السلوكيات ليست موروثة على هذا النحو بدلاً من الآلية النفسية الأساسية. في هذا هو على حق طالما أنه يقصد السلوكيات الظاهرة؛ يمكن أيضاً أن تظل التصرفات أو الاستراتيجيات السلوكية موجودة ويمكن توريثها في غياب شروط الاستجابة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وصف بولر “للآلية النفسية” في هذا السياق يبدو وكأنه تصرف سلوكي (2005, 52-53).

ثمة نقاش آخر في الدراسات الفلسفية للتفكير، وهو يكمن في الادّعاء بأن السلوكيات ليست الأهداف المناسبة لتفسيرات الانتقاء الطبيعي، وهو أن السلوكيات ليست شبه مستقلة (Lewontin, 1978) بالطريقة التي يجب أن تتطور عن طريق الانتقاء في حد ذاتها (Sterelny, 1992; Sterelny and Fitness, 2003; Sterelny and Griffiths, 1999). هذا لأن العديد من الاستراتيجيات السلوكية ستعتمد على آليات متعددة الأغراض لا يُمكن أن تتغير أثناء التطور دون أن تتفرع تلك التغييرات إلى الاستراتيجيات الأخرى التي تنتجها تلك الآليات. ومع ذلك، يرى دريسكول (2004(Driscoll, بأن هذا ليس هو الحال بالضرورة؛ فلكي تكون الآليات متعددة الأغراض قادرة على إنتاج أكثر من استراتيجية، يجب أن يكون لها خوارزميات متفرعة؛ يجب أن يحدث التباين في أي من هذه الآليات اللازمة لتوليد الانحراف في أي استراتيجية واحدة فقط على الفرع ذي الصلة بالاستراتيجية المعنية وتحتاج إلى تأثير ضئيل أو معدوم على الفروع الأخرى. بدلاً من ذلك، ما إذا كان التفسير التطوري موجهاً بشكل صحيح على المستوى السلوكي أو النفسي يعتمد على الحالة.

 

  1. خاتمة

على الرغم من تاريخ البيولوجيا الاجتماعية المعقد، غير أنها لا تزال موضع اهتمام الفلاسفة ولها بعض الأهمية في بعض المناقشات الفلسفية الهامة. أحد هذه الأسئلة هو ما إذا كان ينبغي فهم البشر على أنهم يتمتعون بطبيعة، أو مجموعة من السمات التي تعتبر بالنسبة إلى ويلسون تلك الصفات الموروثة التي حُدِّدت في السكان عن طريق الانتقاء الطبيعي (1978(Wilson,. وبالتالي يمكن اكتشاف هذه “الطبيعة” وفهمها باستخدام أساليب التكيف المعيارية المستخدمة في مجالات أخرى من علم الأحياء. الأهم من ذلك، يفترض ويلسون بأن بعض الخصائص التي تشكل الطبيعة البشرية سلوكية تحديدا.

بغض النظر عن الاهتمام الأساسي بمسألة ما إذا كانت هناك طبيعة بشرية، فإن القضية مهمة لأنه قد يكون لها نتيجة أخلاقية أو اجتماعية مهمة: ما هو المجتمع الذي يمكن أن نمتلكه، وما هو المجتمع الذي يجب أن يكون لدينا، قد يعتمد على ماهية الطبيعة البشرية (1978(Wilson,. كان هذا القلق هو الذي أشعل “حروب البيولوجيا الاجتماعية” في الأيام الأولى التي تلت انتشار البيولوجيا الاجتماعية. كانت “مجموعة دراسة البيولوجيا الاجتماعية” تشعر بالقلق من محاولة ويلسون مناقشة كون العديد من السمات الإشكالية أو الضارة للمجتمعات الحالية، مثل الأدوار القمعية بين الجنسين والعلاقات العرقية السلبية والعدوان بين الأشخاص، قد تكون غير قابلة للتغيير (Sociobiology Study Group of Science for the People, 1976). قاوم فلاسفة علم الأحياء بشدة فكرة أن البشر لديهم “طبيعة” في أي شيء مثل المعنى التقليدي للجوهر الثابت (Hull, 1986; Lewens, 2012; Lloyd and Crowley, 2002) ولكن هناك أيضاً بعض النقاش حول إمكانية القول بأن للبشر طبيعة بمعنى مجموعة من السمات المتطورة بالطريقة التي يقترحها ويلسون (على سبيل المثال انظر Machery, 2008, 2012؛ للنقد انظر Powell, 2012). يركز الفلاسفة في هذا المجال بدلاً من ذلك على مفاهيم الطبيعة البشرية التي تأخذ في الاعتبار مرونة التنمية البشرية وقدرة البشر على بناء تنميتهم الخاصة ومن ثم “طبيعتهم” (Griffiths, 2009; Ramsey, 2013; Stotz, 2012).

أمل آخر من جانب الفلاسفة هو أنه قد يمنحنا فهم تطور الإدراك بعض التبصّر في طبيعة سمات نفسية بشرية معينة لها اهتمام فلسفي خاص. إحدى هذه السمات هي علم النفس الأخلاقي لدينا. يهتم علم النفس الأخلاقي بالفلاسفةِ الذين يحملون وجهات نظر طبيعية عن الأخلاق لأنهم يعتقدون بأن القيم الأخلاقية تعتمد جزئياً على علم النفس الأخلاقي؛ إن من شأن فهم علم النفس الأخلاقي وكيفية تطوره أن يعطينا نظرة ثاقبة على القيم الأخلاقية الصحيحة. قد يساعد فهم أصول علم النفس الأخلاقي البشري أيضاً في الإجابة على بعض الأسئلة الماوراء أخلاقية (Street, 2006). كما كان يأمل ويلسون، فإن العلماء الذين يعملون في التخصصات التي هي من نفس فصيلة مجال البيولوجيا الاجتماعية الحديثة ساهموا في فهمنا للطريقة التي قد تكون بها المعايير- بما في ذلك المعايير الأخلاقية- قد ترسخت في التطور البشري (انظر مثلا، Henrich and Boyd, 2001; Sripada, 2005). ومع ذلك، لا يزال الفلاسفة يختلفون بشدة حول كيفية فهم تطور علم النفس الأخلاقي، وخاصة لاكتساب العادات (Dwyer, 2006; Sripada and Stich, 2006;   Sterelny, 2010).

لا تزال المناقشات الأخرى حول البيولوجيا الاجتماعية جارية. على سبيل المثال، بينما أصبح التكيف المنهجي هو النهج المعياري في علم البيئة السلوكية وظل كذلك، لم يقتنع جميع الفلاسفة بأن هذه ممارسة حميدة تماماً – لا تزال هناك مخاوف بشأن الافتراضات التي تتطلبها هذه المنهجية (انظر مثلًا Lewens, 2009; Lloyd, 2005). وبالمثل، كان هناك اهتمام متزايد بدور الثقافة في طبيعة وتاريخ السلوك البشري؛ ازداد العمل في دراسة تطور الثقافة منذ نشر لومسدن وويلسون (1981(Lumsden and Wilson, كتابهما. ولا يزال الفلاسفة والعلماء يتناولون أسئلة حول “كيف” و”إلى أي مدى” يمكن القول بأنّ السمات الثقافية تتطور؛ وكما نُوقِش أعلاه، ما إذا كانت السمات التي تطورت بهذه الطريقة يمكن اعتبارها تكيفات بأي شكل (Driscoll, 2011; Fracchia and Lewontin, 1999, 2005; Henrich et al., 2008; Sperber, 2006; Sterelny, 2006).

 

 


المراجع

  • Alexander, R. D., 1990, Epigenetic Rules and Darwinian Algorithms: The Adaptive Study of Learning and Development.Ethology and Sociobiology, 11: 241–
  • Allen, E., B. Beckwith, J. Beckwith, S. Chorover, D. Culver, M. Duncan, et al., 1975, Letter, 13 November,New York Review of Books, 22: 43–
  • Axelrod, R. and W. D. Hamilton, 1981, The Evolution of Cooperation.Science, 211: 1390–
  • Barash, D. P., 1976, Male Response to Apparent Female Adultery in the Mountain Bluebird (Sialia currucoides): An Evolutionary Interpretation.The American Naturalist, 110(976): 1097–
  • –––, 1977,Sociobiology and Behavior, New York: Elsevier.
  • Bolduc, J. S., and F. Cezilly, 2012, Optimality modelling in the real world.Biology and Philosophy, 27: 851–
  • Boyd, R. and P. J. Richerson, 1985,Culture and the Evolutionary Process, Chicago: University of Chicago Press.
  • Brandon, R., 1990,Adaptation and Environment, Princeton: Princeton University Press.
  • Buller, D. J., 2005,Adapting Minds, Cambridge, MA: MIT press.
  • Caplan, A. L. (ed.), 1979,The Sociobiology Debate: Readings on The Ethical and Scientific Issues Surrounding Sociobiology, New York: Harper Collins.
  • Cavalli-Sforza, L. L. and M. W. Feldman, 1981,Cultural Transmission and Evolution: A Quantitative Approach, Princeton: Princeton University Press.
  • Chomsky, N., 1959, Verbal Behavior. By B.F. Skinner.Language, 35(1): 26–
  • Cosmides, L., 1989, The logic of social exchange: Has natural selection shaped how humans reason? Studies with the Wason selection task.Cognition, 31: 187–
  • Cosmides, L. and J. Tooby, 1987, From Evolution to Behavior: Evolutionary Psychology as the Missing Link, in J. Dupre (ed.),The Latest on the Best, Cambridge, MA: MIT press, pp. 277–
  • –––, 1992, Cognitive adaptations for social exchange. In Barkow, J. H., L. Cosmides & J. Tooby (eds.),The Adapted Mind, Oxford: Oxford University Press, pp. 163–
  • Driscoll, C., 2004, Can behaviors be adaptations? ,Philosophy of Science, 71: 16–
  • –––, 2009, On our best behavior: Optimality models in human behavioral ecology.Studies in the History of the Biological and Biomedical Sciences, 40: 133–
  • –––, 2011, Fatal Attraction? Why Sperber’s attractors do not prevent cumulative cultural evolution.British Journal for the Philosophy of Science, 62: 301–
  • Driscoll, C. and S. Stich, 2008, Vayda Blues: Explanation in Darwinian Ecological Anthropology. In Walters, B., B. McCay, P. West & S. Lees (eds.),Against the Grain: The Vayda Tradition in Human Ecology and Ecological Anthropology (pp. 175–191), Lanham, MD: AltaMira Press.
  • Dwyer, S., 2006, How Good is the Linguistic Analogy? In Carruthers, P., S. Laurence & S. Stich (eds.),The Innate Mind: Vol 2: Culture and Cognition (pp. 237–256), New York: Oxford University Press.
  • Fracchia, J. and R. C. Lewontin, 1999, Does Culture Evolve?History and Theory, 38(4): 52–
  • –––, 2005, The Price of Metaphor.History and Theory, 44: 14–
  • Giraldeau, L. A., 1997, The Ecology of Information Use. In Krebs, J. R. & N. B. Davies (eds.),Behavioural Ecology: An Evolutionary Approach, 4th Edition ed. (pp. 42–68), Oxford: Blackwell Publishing.
  • Godfrey Smith, P., 2001, Three Kinds of Adaptationism. In Orzack, S. H. & E. Sober (eds.),Adaptationism and Optimality (pp. 335–357), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Gould, S. J., 1977,Ever Since Darwin, New York: W. W. Norton and Co.
  • –––, 1978, Sociobiology: The Art of Storytelling.New Scientist, 80: 530–
  • Gould, S. J. and R. Lewontin, 1979, The Spandrels of San Marco and the Panglossian Paradigm: A Critique of the Adaptationist Programme.Proceedings of the Royal Society of London, Series B, Biological Sciences, 205: 581–
  • Grafen, A., 1984, Natural selection, kin selection and group selection. In Krebs, J. R. & N. B. Davies (eds.),Behavioural ecology: an evolutionary approach (pp. 62–84), Oxford: Blackwell scientific publications.
  • Griffiths, P. E., 2008, Ethology, Sociobiology and Evolutionary Psychology. In Sarkar, S. & A. Plutynski (eds.),Blackwells Companion to Philosophy of Biology, Oxford: Blackwells.
  • –––, 2009, Reconstructing Human Nature.Arts: The Journal of the Sydney University Arts Association, 31: 30–
  • Hawkes, K., 1991, Showing Off: Tests of an Hypothesis About Men’s Foraging Goals.Ethology and Sociobiology, 12: 29–
  • –––, 2003, Grandmothers and the Evolution of Human Longevity.American Journal of Human Biology, 15: 380–
  • Henrich, J. and R. Boyd, 1998, The Evolution of Conformist Transmission and the Emergence of Between-Group Differences.Evolution and Human Behavior, 19: 215–
  • –––, 2001, Why People Punish Defectors: Weak Conformist Transmission can Stabilize Costly Enforcement of Norms in Cooperative Dilemmas.Journal of Theoretical Biology, 208(1): 79–
  • Henrich, J., R. Boyd and P. J. Richerson, 2008, Five Misunderstandings about Cultural Evolution.Human Nature, 19: 119–
  • Henrich, J. and F. J. Gil-White, 2001, The evolution of prestige: Freely conferred deference as a mechanism for enhancing the benefits of cultural transmission.Evolution and Human Behavior, 22: 165–
  • Hill, K. and A. M. Hurtado, 1996,Ache Life History, New York: Aldine de Gruyter.
  • Hrdy, S. B., 1999,Mother Nature: A history of mothers, infants and natural selection, New York: Pantheon/Random House.
  • Hull, D., 1986, On Human Nature.PSA: Proceedings of the Biennial Meeting of the Philosophy of Science Association, 2: 3–
  • Irons, W., 1998, Adaptively Relevant Environments Versus the Environment of Evolutionary Adaptedness.Evolutionary Anthropology, 6: 194–
  • Kaplan, H. and K. Hill, 1992, The evolutionary ecology of food acquisition. In Smith, E. A. & B. Winterhalder (eds.),Evolutionary Ecology and Human Behavior, New York: Aldine de Gruyter.
  • Kaplan, H., K. Hill, J. Lancaster and A. M. Hurtado, 2000, A Theory of Human Life History Evolution: Diet, Intelligence, and Longevity.Evolutionary Anthropology, 9: 156–
  • Kitcher, P., 1985,Vaulting Ambition, Cambridge MA: MIT press.
  • –––, 1987, Why not the best?, in J. Dupre (ed.),The Latest on the Best, Cambridge, MA: MIT press, pp. 77–
  • –––, 1990, Developmental decomposition and the future of human behavioral ecology.Philosophy of Science, 57: 96–
  • Krebs, J. R. and N. B. Davies, 1997, The Evolution of Behavioural Ecology. In Krebs, J. R. & N. B. Davies (eds.),Behavioural Ecology: An Evolutionary Approach (4th ed., pp. 3–12), Oxford: Blackwell Publishing.
  • Krebs, J. R. and N. B. Davies (eds.), 1978,Behavioral ecology: an evolutionary approach (1st ed.), Oxford: Blackwell Scientific Publications.
  • Lewens, T., 2009, Seven types of adaptationism.Biology and Philosophy, 24: 161–
  • –––, 2012, Human Nature: The Very Idea.Philosophy & Technology, 25(4): 459–
  • Lewontin, R. C., 1978, Adaptation.Scientific American, 239(3): 212–
  • –––, 1981, Sleight of Hand.The Sciences, 21(6): 23–
  • Lloyd, E. A., 2005,The Case of the Female Orgasm: Bias in the Science of Evolution, Cambridge: Harvard University Press.
  • Lloyd E. A. and S. J. Crowley, 2003, Essentialism and Human Nature.Encyclopedia of Life Sciences (eLS), published online 28 MAY 2003. doi: 10.1038/npg.els.0003453
  • Lotem, A., H. Nakamura and A. Zahavi, 1995, Constraints on egg discrimination and cuckoo–host co-evolution.Animal Behavior, 48: 1185–
  • Lumsden, C. and E. O. Wilson, 1981,Genes, Mind and Culture, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Machery, E., 2008, A Plea for Human Nature.Philosophical Psychology, 21(3): 321–
  • –––, 2012, Reconceptualizing Human Nature: Response to Lewens.Philosophy & Technology, 25: 475–
  • Maynard Smith, J., 1978, Optimization Theory in Evolution.Annual Review of Ecological Systems, 9: 31–
  • –––, 1982,Evolution and the Theory of Games, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Maynard Smith, J. and N. Warren, 1982, Models of Cultural and Genetic Change.Evolution, 36(3): 620–
  • Mayr, E., 1983, How to carry out the Adaptationist Program? ,American Naturalist, 121(3): 324–
  • Odling-Smee, J., K. N. Laland and M. W. Feldman, 2003,Niche Construction: The Neglected Process in Evolution, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Orzack, S. H. and E. Sober, 1994, Optimality Models and the Test of Adaptationism.American Naturalist, 143(3): 361–
  • Parker, G. A. and J. Maynard Smith, 1990, Optimality theory in evolutionary biology.Nature, 348: 27–
  • Potochnik, A., 2009, Optimality modeling in a suboptimal world.Biology and Philosophy, 24: 183–
  • Powell, R., 2012, Human Nature and Respect for the Evolutionarily Given: a Comment on Lewens.Philosophy & Technology, 25: 485–
  • Ramsey, G., 2013, Human Nature in a Post-essentialist World.Philosophy of Science, 80(5): 983–
  • Rice, C., 2012, Optimality explanations: a plea for an alternative approach.Biology and Philosophy, 27: 685–
  • Roff, D. A., 1992,The Evolution of Life Histories, New York: Chapman & Hall.
  • Segerstrale, U., 2000,Defenders of the truth: the sociobiology debate, Oxford: Oxford University Press.
  • Shuker, D. M. and S. A. West, 2004, Information constraints and the precision of adaptation: Sex ratio manipulation in wasps.Proceedings of the National Academy of Sciences, 101(28): 10363–
  • Skinner, B. F., 1984, The Evolution of Behavior.Journal of the Experimental Analysis of Behavior, 41(2): 217–
  • Smith, E. A., 1991,Inujjuamiut Foraging Strategies: Evolutionary Ecology of an Arctic Hunting Economy, Hawthorne, NY: Aldine de Gruyter.
  • –––, 2000, Three Styles in the Evolutionary Analysis of Human Behavior. InAdaptation and Human Behavior: An Anthropological Perspective, New York: Aldine de Gruyter, pp. 27–
  • Smith, E. A., M. Borgerhoff Mulder and K. Hill, 2001, Controversies in the evolutionary social sciences: a guide for the perplexed.Trends in Ecology & Evolution, 16(3): 128–
  • Sober, E., 2005, Is Drift a Serious Alternative to Natural Selection as an Explanation of Complex Adaptive Traits?Royal Institute of Philosophy Supplements, 80(56): 125–
  • Sociobiology Study Group of Science for the People, 1976, Sociobiology: Another Biological Determinism.BioScience, 26(3): 182; 184–
  • Sperber, D., 2006, Why a Deep Understanding of Cultural Evolution is Incompatible with Shallow Psychology. In Enfield, N. J. & S. Levinson (eds.),Roots of Human Sociality, Oxford: Berg, pp. 441–
  • Sripada, C. S., 2005, Punishment and the strategic structure of moral systems.Biology and Philosophy, 20(4): 767–
  • Sripada, C. S. and S. Stich, 2006, A Framework for the Psychology of Norms. In Carruthers, P., S. Laurence & S. Stich (eds.),The Innate Mind: Vol. 2: Culture and Cogntion (pp. 280–301), New York: Oxford University Press.
  • Sterelny, K., 1992, Evolutionary Explanations of Human Behavior.Australasian Journal of Philosophy, 70(2): 156–
  • –––, 2003,Thought in a Hostile World: The Evolution of Human Cognition, Oxford: Blackwell publishing.
  • –––, 2006, The Evolution and Evolvability of Culture.Mind and Language, 21(2): 137–
  • –––, 2007, Social intelligence, human intelligence and niche construction.Philosophical Transactions of the Royal Society of London B, 362: 719–
  • –––, 2010, Moral Nativism: A Sceptical Response.Mind and Language, 25(3): 279–
  • –––, 2012,The Evolved Apprentice, Cambridge, MA: MIT press.
  • Sterelny, K. and J. Fitness (eds.), 2003,From Mating to Mentality: Evaluating Evolutionary Psychology, New York: Psychology Press.
  • Sterelny, K. and P. Griffiths, 1999,Sex and Death, Chicago: University of Chicago Press.
  • Stotz, K., 2010, Human nature and cognitive-developmental niche construction.Phenomenology and the Cognitive Sciences, 9: 483–
  • Street, S., 2006, A Darwinian Dilemma for Realist Theories of Value.Philosophical Studies, 127: 109–
  • Tinbergen, N., 1963, On aims and methods of ethology.Zeitschrift fur Tierpsychologie, 20: 410–
  • Tooby, J. and L. Cosmides, 1990, The Past Explains the Present: Emotional Adaptations and the Structure of Ancestral Environments.Ethology and Sociobiology, 11: 375–
  • Trivers, R. L., 1971, The evolution of reciprocal altruism.Quarterly Review of Biology, 46: 35–
  • Turke, P. W., 1990, Just Do It.Ethology and Sociobiology, 11: 445–
  • Vayda, A. P., 1995, Failures of Explanation in Darwinian Ecological Anthropology.Philosophy of the Social Sciences, 25: 219–249, 360–
  • Werren, J. H., 1980, Sex Ratio Adaptations to Local Mate Competition in a Parasitic Wasp.Science, 208: 1157–
  • Wilson, E. O., 1975,Sociobiology, Cambridge, MA: Belknap/Harvard University Press.
  • –––, 1976, The Response: Academic Vigilantism and the Political Sigificance of Sociobiology.BioScience, 26(3): 183; 187–
  • –––, 1978,On Human Nature, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Winterhalder, B. and E. A. Smith, 1992, Evolutionary Ecology and the Social Sciences. In Smith, E. A. & B. Winterhalder (eds.),Evolutionary Ecology and Human Behavior (pp. 3–23), New York: Aldine de Gruyter.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

adaptationism | evolution: cultural | game theory: evolutionary | heritability | psychology: evolutionary

Acknowledgments

Thanks to Colin Allen for many helpful comments on an earlier version; and to John Carroll and Johannes Hafner for some helpful pointers.


[1] Driscoll, Catherine, “Sociobiology”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2018/entries/sociobiology/>.