مجلة حكمة
البيوتيقا و الكرامة

هل مفهوم الكرامة البشرية عديم الجدوى في البيوإتيقا ؟ – روبرتو أندورنو / ترجمة: محمد جديدي


البيوتيقا الكرامة البشرية

         “كل من يأخذ الحقوق على محمل الجد عليه أن يقبل بالفكرة الغامضة لكنها قوية للكرامة البشرية”

رونالد دوركين

                    

مقدمة

     في مقال منشور في ديسمبر 2003 ضمن المجلة الطبية البريطانية، وصفت البيوإتيقية الأمريكية روث ماكلين Ruth Macklin  الكرامة البشرية بمفهوم عديم الجدوى في الإتيقا الطبية لأنه لا يشير إلى أي شيء آخر عدا ما هو متضمن في المبدأ الإتيقي لاحترام الأشخاص: اقتضاء الموافقة المستنيرة، الحفاظ على سرية المرضى وضرورة تجنب التمييز والممارسات المتعسفة. وبصيغة أخرى، فإن احترام كرامة الأشخاص ليست شيئا آخر سوى احترام استقلاليتهم. لهذا السبب، خلصت روث  ماكلين، أنه يمكن التخلي ببساطة عن مفهوم الكرامة من دون أن ينجر عن ذلك أي خسارة. 1

     يظهر عدد الردود التي أثارها المقال في العداد اللاحقة للمجلة، خاصة من طرف الممارسين والممرضات، يظهر جيدا أن الموضوع، ليس موضوعا أكاديميا خالصا، بل يمس جوهر الممارسة الطبية.

     والسؤال المطروح إذن هو الآتي: هل مفهوم الكرامة الإنسانية سطحي في البيوتيقا ؟2


  1. ما الكرامة البشرية ؟

     ينبغي الاعتراف بأن تعبير الكرامة البشرية عادة ما يستعمل بدلالة جد غامضة، وهو ما يشجع الاستعمال المتضخم الذي تكون أحيانا هدفا له. ويحدث حتى أن تستدعى بغية تدعيم مطالب متناقضة، كما هو الحال في الجدل حول الأوتنازيا (الموت الرحيم)، لأنه طالما أن كل من يدافعون عن هذه الممارسة ومن يعارضونها يلجؤون إلى فكرة الكرامة البشرية. وبالمثل، ففي مرت عدة تستخدم بكيفية مفرطة كحجة سهلة وسريعة(« knock-out argument ») بغرض نقد بعض الممارسات، مثل الاستنساخ أو الهندسة الوراثية، لتجنب صعوبة تقديم شروحات إضافية.3

     مع ذلك، فمجرد ان يكون لمفهوم الكرامة دلالة جد واسعة ويمكن أن تستعمل بكيفية مفرطة لا يبدو وأنه حجة كافية كي نستنتج أنها عديمة الجدوى. لأنه، وبعد كل شيء، أليس الأمر كذلك جل المفاهيم  الكبرى للإتيقا (الخير، العدالة، الحرية، الحب…)؟ هل يتوجب من ثم حذف جميع هذه المفاهيم بسبب الصعوبة التي نصادفها في تعريفها بكيفية مضبوطة، أو من إفراط غالبا ما تكون عرضة له.

     في الواقع، إذا كان لفكرة الكرامة البشرية مضمون ثري جدا بحيث يمكن أن يشمل مفاهيم مشتتة من قبيل اقتضاء موافقة المرضى للعلاجات، منع الممارسات التمييزية والمفرطة إزاءهم، أو مبدا عدم الترييث للجسم البشري، فيجب أن نرى في هذا، ليس سببا في هجرانها والتخلي عنها، بل على العكس، سببا في الإبقاء عليها بتقدير كبير ومواجهة التحدي لمزيد من ضبط معالمها.

     من الصحيح أن الكرامة تنطوي على اقتضاء احترام الأشخاص، مثلما تعترف ماكلين. ومع هذا، فإن «احترام الأشخاص» ليس نتيجة لكرامتهم. لهذا   لا ينبغي الخلط بين هذين المفهومين. سيكون ذلك مثل الخلط بين الناقوس والصوت الذي ينتجه، السبب والنتيجة. وبعبارة أخرى، فإن فكرة الكرامة سابقة على تلك المتعلقة بالاحترام وتهدف إلى الإجابة عن السؤال «لماذا يتوجب علينا احترام الأشخاص ؟ »

     إن مفهوم الكرامة ليس كذلك مرادفا للاستقلالية. وبالتأكيد، فإن احترام استقلالية الأشخاص هو جزء مما تطالب به كرامتهم. غير أن هذين المفهومين  لا يتماثلان. بمعنى آخر، الأفراد ليسوا بعد مستقلين أخلاقيا، مثل المواليد الجدد، أو أولئك الذين وفقدوا بالفعل استقلاليتهم الأخلاقية، مثل بعض الأفراد المصابين بأمراض عقلية، ليس لهم أية استقلالية، وهذا ليس هو الحال هنا.

     في الواقع، يحيل مفهوم الكرامة البشرية إلى خاصية لا تنفصل عن الوجود الإنسان ذاته، وهو ما يفسر أن تكون واحدة للجميع وأنها لا تقبل الدرجات. هذا المفهوم يحيل إذن إلى فكرة أن «كل شيء يرجع إلى الكائن البشري لأنه إنساني.»4 يعني هذا أن احتراما لا مشروطا يعود إلى كل فرد، مهما كان سنه، جنسه، صحته الجسمية أو العقلية، الدين، الوضع الاجتماعي أو الأصل الإثني. إننا ندرك جيدا أن ما يتعلق به الأمر هنا هو الكرامة الملازمة وليس بالكرامة الإتيقية  dignité éthique: فبينما الأولى ذات مفهوم ستاتيكي، بما أنها تعود إلى كل كائن إنساني لمجرد وجوده وباستقلال عن الخواص الأخلاقية للفرد المعني، أما الثانية فهي مفهوم ديناميكي، لأنها لا تنطبق على وجود الشخص، إنما على فعله، وتسمح بتأكيد، على سبيل المثال، أن رجلا نزيها «أكثر كرامة» من لص. لكن ما يهمنا هنا بشكل خاص هو المعنى لمصطلح «الكرامة».

  1. هل تحتاج الكرامة الإنسانية إلى تبرير ميتافيزيقي ؟ 

وإذا ما أردنا الذهاب بعيدا في فهم القيمة الكامنة للكائن البشري والتساؤل حول الأساس النهائي لها، فإن المسألة تصبح أكثر استشكالا، ذلك أنه يمكن عندئذ أن يكون مستحيلا تجنب تقسير ميتافيزيقي أو تيولوجي. في هذا المستوى، فإن الحجة الأكثر تكرارا هي من دون شك تلك الخاصة، انطلاقا من الملكات الأكثر إنسانية (الفكر والإرادة الحرة)، بتسليط الضوء على الطبيعة للنواة الصلبة للكائن البشري.5 وإلى هذا تضاف الفكرة، الحاضرة لدى أفلاطون وخاصة، في التيولوجيا المسيحية، والتي وفقا لها كل كائن إنساني، بالضبط بحكم طبيعته الروحية، يمتلك تشابها إلهيا معينا (imago Dei) وهو مدعو إلى حياة السعادة الأبدية في الله.6

     أكيد، إذا ما تموقعنا على أرضية القانون الوضعي، فإن اللجوء الصريح إلى هذه المفاهيم الميتافيزيقية للغاية ليس ضروريا تماما (ولا ممكنا، فضلا عن ذلك) من اجل التعرف على الكرامة البشرية ضمن الحياة الاجتماعية. وبهذا المعنى، فمن المفيد التذكير بأن كُتّاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المعتمد في 1948، وبالضبط بعد الفظائع المرتكبة من طرف الاشتراكية ـ القومية، أجمعوا على الاعتراف بـ «الكرامة الملازمة لكل أعضاء العائلة الإنسانية» والحقوق المترتبة عليها، مع وجود مواقف فلسفية، سياسية ودينية مختلفة كلية، وحتى متعارضة.

     لاحظ جاك ماريتان Jacques Maritain، الذي ساهمت أفكاره في إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بهذا الخصوص أن هذه الوثيقة التأسيسية استندت،  ليس على فكر تأملي مشترك، إنما على فكر عملي مشترك، ليس على التصور ذاته للعالم والإنسان، بل على تأكيد القناعات العملية المشتركة.7 وإليه تعود هذه الإضافة، بنوع من السخرية: « نتفق جميعا حول الحقوق التي يجب احترامها، لكن شريطة ألا نسأل لماذا …. »

     ينبغي ألا ننسى أيضا أن مبدأ الكرامة البشرية هو بالفعل قاعدة صريحة لكل الأدوات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تلت إعلان سنة 1948، خصوصا تلك المتصلة بمنع التعذيب، العبودية، المعاملات اللاإنسانية والمهينة، جميع انواع التمييز، وكذا لعدد معتبر من الدساتير الوطنية، خاصة تلك التي اعتمدت بعد الحرب العالمية الثانية.9 على مستوى الاتحاد الأوربي، فإن ميثاق الحقوق الأساسية الموقع بـ نيس  Nice في 7 ديسمبر 2000 يخصص كذلك مكانة بارزة لمبدإ الكرامة. حسب المادة 1، «لا يجوز انتهاء حرمة الكرامة الإنسانية ويجب احترامها وحمايتها.»9 على المستوى القانوني، من المفيد الإشارة أنه منذ سنوات، طبقت المحاكم الأوربية، سواء الوطنية أو الجماعاتية من دون تردد مفهوم الكرامة البشرية ضمن قرارات ملموسة، لا سيما في إدانة المعاملات اللاإنسانية   أو المهينة، وهو ما يوضح أن مبدا الكرامة ليس فقط خطابيا خالصا.10

     هكذا إذن، كما يؤكده فيلسوف الحق دونالد دوركين Ronald Dworkin، يبدو واضحا اليوم أن «من يزعم أخذ حقوق الإنسان على محمل الجد ملزم بقبول فكرة الكرامة الإنسانية، غامضة لكنها قوية».11 وفقا للكاتب نفسه، تحيل هذه الفكرة إلى «الأهمية الباطنية للحياة الإنسانية»12 و«تقضي بألا يعامل  شخص ما أبدا بكيفية ما بحيث تنكر الأهمية الوحيدة لحياته».13

     إن ما ذُكر للتو لا يشير مع ذلك إلى أن مفهوم الكرامة الإنسانية ليس حقا بحاجة إلى أي أساس نهائي ذو طبيعة ميتافيزيقية أو لاهوتية. بل على العكس، يبدو أنه بحاجة إليها بعمق. ذلك أنه، كيف يمكننا تفسير أن الإنسان، أي إنسان، وهو كائن عارض وفان، يستحق احتراما إذا لم يكن هناك شيء ما بداخله يتجاوز المادة ويربطه بالمطلق ؟ كيف يمكن تبرير الكرامة الإنسانية إذا لم يكن الإنسان «كائن روحي»14، إنما مجرد مجموعة صغيرة من الخلايا، أو تركيب معقد من العناصر الكيميائية نتيجة الصدفة ؟ بأي وسيلة يكون ممكنا البرهنة أن كل كائن بشري، حتى الأكثر ضعفا، حتى الأشدّ مرضا، له قيمة متأصلة إذا لم يكن «الإنسان يتجاوز بلا حدود الإنسان» حسب عبارة باسكال Pascal .

     مع هذا، كما سبق ذكره، إذا ما تموقعنا، ليس على مستوى الفلسفة أو التيولوجيا، إنما على مستوى القانون، فإن النظام الدولي لحقوق الإنسان يشتغل من دون أن يكون في حاجة إلى إحالة صريحة للأساس النهائي للكرامة البشرية. إن نقص مرجعية كهذه مستوعب تماما ويستجيب لاستراتيجية مستعملة من أجل التقدم في الاعتراف القانوني بحقوق الإنسان في العالم. لكن ينبغي الاعتراف أن هذه المواثيق الدولية ليست كافية ذاتيا. لهذا يخطئ الحقوقيون الوضعيون في اعتقادهم أن مسألة تبريرهم الفلسفي ليس لها أهمية 15، بما أن حقوق الإنسان معترف بها بالفعل من طرف القانون الدولي. في الواقع، إن للأساس البراغماتي المحض للحقوق ضعف بنيوي، لأن إجماع اليوم يمكن أن يندثر غدا. يبين التاريخ، خاصة المتعلق بالقرن العشرين، أنه حتى في البلدان المسماة «متحضّرة» أن التراجع في الاعتراف بالكرامة البشرية الملازمة لكل كائن إنساني يظل دوما ممكنا. لهذا السبب، لا يجب التخلي عن التفكير حول الأساس النهائي للكرامة البشرية. ومع ذلك، فإن مهمة كهذه تتجاوز جليا دور ووسائل القانون الوضعي الذي ليس له سوى غائية عملية بارزة، بعد كل شيء: ترقية الخير المشترك وضمان احترام حقوق كل واحد. إن الجهد في تعميق وتطوير التفكير حول للماذائية النهائية للكرامة هذه لا يتعلق بكفاءة القانون، على كل حال بكيفية مباشرة، إنما بالأحرى بالفلسفة والتربية.

  1. الكرامة البشرية كاقتضاء للاآداتية الكائن الإنساني

     لا يتردد بعض الكتاب في وصف الكرامة البشرية بـ «مبدأ المصفوفة» للبيوإتيقا.16 وهذا الوصف له ما يبرره تماما. يكفي أن نقرأ النصوص الدولية حول البيوتيقا المعتمدة في السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة باليونيســكـو UNESCO والمجلس الأوربي، لنكتشف بإطلاق الدور المركزي الذي توليه لمفهوم الكرامة البشرية. إن إعلان اليونيسكو حول الجينوم البشري وحقوق الإنسان لسنة 1997، على سبيل المثال، تستخدم في المجموع خمسة عشر مرة مفهوم الكرامة البشرية.17 وبدورها، تؤكد المعاهدة الأوربية حول حقوق الإنسان والبيوطب (أو معاهدة أوفايدو «Convention d’Oviedo»، بدءا من مادتها الأولى، أن هدفها يكمن في «حماية الكائن البشري في كرامته وفي هوّيته». للتذكير أيضا فإن العنوان الكامل للمعاهدة الأوربية يتضمن إشارة صريحة للكرامة الإنسانية.18 على الرغم من أن فكرة الكرامة ظلت دوما تحظى بمنزلة هامة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن المقام الأول الذي تحتله في القانون البيوطبي الدولي الجديد مدهش تماما.19

     هذا ما يفيد، إذا ما أردنا ضبط أفضل لدلالة فكرة الكرامة الإنسانية في الميدان البيوطبي، فمن المفيد اللجوء غلى الصيغة الكانطية الشهيرة والتي وفقا لها ينبغي أن يعامل كل شخص على الدوام باعتباره غاية في ذاته وليس أبدا كـوسيلة.20 هذا الواجب يهدف إلى التأكيد أن الشخص الإنساني على العكس من «الشيء»: فبينما للأشياء «ثمن» بما أنها قابلة للتعويض بشيء آخر متكافئ معه، فإن للأشخاص «كرامة»، لأنهم فريدين من نوعهم ولا يمكن تعويضهم بشيء.

     إن الصيغة الكانطية، التي تعبّر عن اقتضاء لا آداتية الكائن الإنساني، ذات ثراء غير عادي، فيما يتصل بـ البيوتيقا . إنها تعني، مثلا، ألا يجب أن يخضع شخص ما لتجارب علمية ذات هدف غير علاجي والتي ستجعل حياته في خطر محقق، حتى وإن قدم هذا معارف جد مفيدة لتطور العلاجات الجديدة ؛ وأن يكون من غير المقبول أن يدفع اشخاصا في حالة فقر مدقع لبيع اعضائهم (على سبيل المثال، كِلْية) لإشباع حاجات أسرهم؛ وأن ليس لنا الحق في تدمير متروّ (عمدي) أجنة بشرية لغايات البحث؛ وألا نستطيع إنتاج استنساخات بشرية أو تحديد مسبق لخصائص شخص قادم بواسطة الهندسة الوراثية بغرض إشباع رغبات متقلبة لأولياء محتملين. في جميع هذه الحالات هناك تشييّء للإنساني وبالتالي ممارسة مخالفة للكرامة البشرية.

     لكن من دون الذهاب إلى حالات قصوى، فإن فكرة الكرامة باعتبارها اقتضاء لا أداتي للشخص ذات عون كبير أيضا على مستوى الممارسة الطبية اليومية. وعندما تحضر هذه الفكرة في أذهان الأطباء الممارسين والممرضات، فإن مواقفهم إزاء المرضى تختلف تماما عما تكون عليها من دونها [أي من دون فكرة الكرامة]. تصبح من ثم الممارسة الطبية شيئا ما أكبر من كونه مجرد قضية تقنية لتشكيل تعبير عن نشاط إنساني بعمق. ولا يصبح المريض مجرد «حالة» حيث يتوجب الاعتناء بها، إنما بالأحرى بـ «شخص»، أي كائن فريد   وفائق الوصف بحاجة لتلقي مساعدة ومرافقة في معاناته.

     هكذا إذن، يلعب مفهوم الكراهية البشرية دور الفكرة الموجهة في الإتيقا الطبية. وعلى الرغم من طابعه الواسع على ما يبدو، فإنها تحدد معالم للممارسات البيوطبية، وفي نهاية المطاف، تتأتى إلى إعطائها معناها النهائي. بالتأكيد، فإن معنى الكرامة غير قادر بمفرده على حل معظم الإحراجات البيوإتيقية. وهو ليس كلمة سحرية حيث يكفي إثارتها تكفي لإيجاد حل دقيق للرهانات المعقدة في الطب والوراثة. لهذا، وحتى تصبح إجرائية، فإنها بحاجة لمفاهيم ملموسة أكثر، التي تصاغ عادة باستعمال مصطلحات «الحقوق»: «الموافقة المستنيرة»، «السلامة الجسدية»، «السرية»، «عدم التمييز» إلى غيرها من مصطلحات أخرى.

 

خلاصة

     إن مبدأ احترام الكرامة الإنسانية يلعب دورا مركزيا في البيوتيقا الدولية، على وجه الخصوص في الإعلانات الثلاث لليونيسكو UNESCO. ومع أن وثائقه لا تقدم أي تعريف لهذا المفهوم، إلا أنه يمكننا مقاربة مفهوم الكرامة بكيفية معينة انطلاقا من مجموع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

     في جميع الحالات، سيكون من الخطإ استنتاج من نقص التعريف أن مفهوم الكرامة هو مفهوم خطابي أو سياسي. على العكس، فإن اللجوء إليها يستجيب لحاجة بتقديم أساس نهائي للاحترام الذي يستحقه كل كائن بشري أمام تجاوزات ممكنة في المجال البيوطبي، فضلا عن قيمة الإنسانية في ذاتها.

     بعد كل شيء، ليس للعلوم الطبية من هدف آخر سوى أن تكون في خدمة الناس، بمعنى أن تسهم في رفاههم  الجسمي والنفسي. ذلك أنه ليس الإنسان من جُعل ليخدم الطب ؛ بل الطب هو من وضع لخدمة الإنسان. وبالتحديد، هذه الفكرة الأساسية التي جاء مفهوم الكرامة الإنسانية قادرة على تذكيرنا بها.

المصدر


 هوامش المقال:

تنبيه: نشير فقط إلى أن الإحالات الأصلية وردت بالترقيم الحالي لكنها جاءت في كل صفحة على حدى تبعا لأرقامها التي وردت بها ووضعناها هنا بلغتها الأصلية دون إضافات  أو تعليقات، إلا ما كان منها شرحا، لأنها إحالات إلى نصوص لا نظن أنها مترجمة إلى العربية وكي يستفيد منها القارئ إذا رغب بالتعمق والاستزادة في حال الرجوع إليها.

1 Ruth Macklin, « Dignity is a useless concept », British Medical Journal, 2003, vol. 327, p. 1419.

2 للتبسيط سأستعمل هنا مصطلحات بيوإتيقا وإتيقا طبية وكأنهما مرادفين، على الرغم من دلالتهما المختلفة.

2 Pour simplifier, j’utilise ici les termes « bioéthique » et « éthique médicale » comme des synonymes, bien qu’ils n’aient pas exactement la même signification.

3 Dieter Birnbacher, « Ambiguities in the concept of Menschenwürde », dans : Kurt Bayertz (dir.), Sanctity of Life and Human Dignity, Dordrecht, Kluwer, 1996, p. 107; Ulfrid Neumann, « Die Tyrannei der Würde », Archiv für Recht- und Sozialphilosophie, 1998, n° 2, p. 153.

4 Paul Ricoeur, « Pour l’être humain du seul fait qu’il est humain », dans : Jean-François de Raymond (dir.), Les enjeux des droits de l’homme, Paris, Larousse, 1988, p. 236.

5 يعتبر أرسطو الفيلسوف الذي أسهم بكيفية متينة من خلال ما قدمه من أفكار حول النفس البشرية. وفقا له، كل كائن حي، بحكم تعريفه، طبيعته، يتحرك بمبدأ حياة. لكن الملكة الفكرية (العقل) الخاصة بالنفس البشرية تميزها جذريا عن نفوس الكائنات الحية الأخرى: فالنفس الإنسانية لا مادية بالمعنى الكامل للكلمة. استنتج هذا أرسطو من قدرة الإنسان على التجريد، بمعنى الجمع بين صور (أو ماهيات) الأشياء التي نعرفها من دون إدراج مع ذلك المادة التي تتكون منها. في حين، أن هذا غير ممكن إلا قياسا إلى الذهن البشري ليس كيانا ماديا، أي بالنظر إلى كونه شيء أكثر من مجرد ملكة لعضو مادي. وبعبارة أخرى، بما أن النفس البشرية قادرة على التفكير في جميع الأشياء، فهي لا تمتزج بأي منها (De l’Âme, III, 4, 429a)

6 Voir par exemple: Platon, Théétète, 176b; La République, IX, 589e ; Les Lois, V 726d; Gn. 1,26 ; Augustin, De la Trinité, XIV, 16 ; Thomas d’Aquin, Somme théologique, I, q. 93, a. 7.

7 Jacques Maritain, L’Homme et l’Etat, Paris, PUF, 1953, p. 69.

8 Cf. Constitution d’Allemagne, article 1; Constitution Belge, article 23; Constitution Suisse, article 119 (relatif à la procréation médicalement assistée et au génie génétique); Constitution d’Irlande, Préambule; Constitution de la République Tchèque, Préambule ; Constitution d’Espagne, article 10; Constitution de la Suède, article 2; Constitution de la Finlande, article 1; Constitution de la Grèce, article 7.2; Constitution de la Pologne, Préambule et article 30; Constitution de la Lituanie, article 21; Constitution de la Slovénie, article 34; Constitution de la Russie, article 21; Constitution d’Afrique du Sud, sections 7.1 et 10; Constitution du Mexique, articles 3.1 et 25; Constitution d’Israël, article 1; Constitution du Brésil, article 1.

9 يضع مشروع الدستور الأوربي أيضا الكرامة الإنسانية في المقام الأول للقيم  التي يستند إليها الاتحاد الأوربي. أنظر المادة I -2

10 Cf. Béatrice Maurer, Le principe de respect de la dignité humaine et la Convention européenne des droits de l’homme, Paris, La documentation française, 1999.

11 Ronald Dworkin, Taking Rights Seriously, Cambridge, Harvard University Press, 1977, p. 198.

12 Ronald Dworkin, Life’s Dominion. An Argument About Abortion, Euthanasia and Individual Freedom, New York, Vintage, 1994, p. 236.

13 Ibid.

14 Cf. Claudie Bruaire, L’être et l’esprit, Paris, PUF, 1983.

15 C’est le cas, par exemple, de Norberto Bobbio. Cf. L’età dei diritti, Turin, Einaudi, 1990, p. 16.

16 Noëlle Lenoir et Bertrand Mathieu, Les normes internationales de la bioéthique, Paris, PUF, 1998, p. 16.

17 Cf. Préambule et articles 1, 2a, 2b, 6, 10, 11, 12, 15, 21 et 24.

* معاهدة أوفايدو، هي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في 4 أفريل 1997 بأوفايدو بأسبانيا وتهدف إلى حماية حقوق الإنسان والكرامة البشرية ذات الصلة بتطبيقات وممارسات البيولوجيا والطب وقد وردت بهذا العنوان: اتفاقية حول حقوق الإنسان والبيوطب. تحت رقم 164.

Convention pour la protection des Droits de l’Homme et de la dignité de l’être humain à l’égard des applications de la biologie et de la médecine: Convention sur les Droits de l’Homme et la biomédecine

تمّ تعديل بعض بنودها ودخلت حيز التنفيذ في 1 ديسمبر 1999 أي سنتين من بعد التوقيع عليها وهي مفتوحة للبلدان غير الأعضاء والتي تريد أن تنضم إليها. ويتعلق الأمر في المجال البيوطبي بهذه الأداة القانونية الدولية الوحيدة. باستنادها إلى الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان وضعت مبادئ اساسية تتصل بالممارسة الطبية اليومية وبالبحث البيوطبي وبالأبحاث المتعلقة بالهندسة الوراثية وزرع الأعضاء والأنسجة وكذا بالموافقة المستنيرة وبحق احترام الحياة الخاصة والحق في المعلومة الطبية خاصة. (المترجم)

18 Le titre complet de la Convention d’Oviedo est: « Convention pour la protection des droits de l’homme et de la dignité de l’être humain à l’égard des applications de la biologie et de la médecine ». Cf. Roberto Andorno, « La Convention d’Oviedo : vers un droit commun européen de la bioéthique », dans : Laurence Azoux-Bacrie (dir.), Bioéthique, bioéthiques, Bruxelles, Bruylant, collection “Droit et Justice”, vol. 45, 2003, p. 59-93.

19 Deryck Beyleveld et Roger Brownsword, Human Dignity in Bioethics and Biolaw, Oxford, Oxford University Press, 2002, p. 11.

20 Emmanuel Kant, Fondements de la métaphysique des moeurs, Paris, Vrin, 1980, p. 105.

*عضو اللجنة الدولية للبيوإتيقا باليونيسكو وباحث بالمركز المشترك بين الأقسام لإتيقا العلوم (IZEW)،   جامعة توبنغن، ألمانيا.

** باحث وأكاديمي جزائري، أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة 2، الجزائر.