مجلة حكمة
الاصطناعي

الاصطناعي – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: مالك آل فتيل


مدخل حول مفهوم الاصطناعي، والأعمال الفنية، وصنع الأشياء، والقصد أو النتية الانتاجية؛ نص مترجم لد. بيث بيرستون، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


يمكن تعريف “الاصطناعي” بأنه شيء صُنعَ أو أُنتجَ عن قصد لغرض معين. غالبًا ما تُستخدم كلمة “اصطناعي” بمعنى أكثر تحديداً للإشارة إلى أشياء بسيطة مصنوعة يدويًا ذات تمثيل ثقافي معين. وفقًا لقاموس ويبستر الدولي الجديد الثالث، فإن الاصطناعي هو “عادة ما يكون شيئاً بسيطًا (كأداة أو حلية) يبرز به الفرق بين صنعة، وتعديل، الإنسان والشيء الطبيعي.” يعرّف قاموس أوكسفورد الإنجليزي ” الاصطناعي” بأنه “أي شيء ينتج عن فن الإنسان وبراعته؛ أي مُنتج اصطناعي”. يمكننا أن نجد هذا المعنى في الكلمة نفسها: فهي مشتقة من الكلمات اللاتينية arte المشتقة من ars (الفن)، ومن كلمة Factum وهي الفاعل الماضي لكلمة facere (to make). في العلوم التجريبية، يُستخدم تعبير “اصطناعي” أحيانًا للإشارة إلى نتائج التجربة التي لا تعتبر ناتجاً للظواهر الطبيعية قيد البحث، ولكنها ناتجة عن ترتيب تجريبي معين، وبالتالي فهي نتاج بشري بشكل غير مباشر.

 

  • 1- في مفهوم الاصطناعي

  • 2- الاصطناعي، والعمل، وأنطولوجيا المصنوعات

  • 3- صنع الأشياء: الإجراء الإنتاجي

  • 4- النية الإنتاجية (قصد الانتاج)

  • 5- في توصيف وتقييم المنتج الاصطناعي

  • 6- الأعمال الفنية

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مداخل ذات صلة


 

1- في مفهوم الاصطناعي

قسّم أرسطو الأشياء الموجودة إلى أشياء “موجودة بطبيعتها”، وأشياء “موجودة بأسباب أخرى”. الأولى تشمل “أصناف الحيوان وأعضاؤه وأصناف النبات والأجسام -مثل الأرض، والنار، والهواء والماء”، والأخرى تشمل “السرير والمعطف (السترة)، وما شابه ذلك على الصفة التي يدل عليها لفظها أي من جهة ما هي عن طريق الصناعة”. (Physica, Book II, 192 b 9–18، الترجمة من كتاب ابن باجة: شرح السماع الطبيعي لأرسطوطاليس). يميز أرسطو هنا بين الأشياء الطبيعية والأشياء المصنَّعة (“المنتجات الاصطناعية”، المرجع نفسه،192 b 28)، ويصف الأخيرة بأنها نتاج فن صناعة الأشياء. ينطوي فن صنع شيء ما على نية وقصد؛ وبالتالي يمكن تعريف الاصطناعي على أنه شيء تم صنعه عن قصد لغرض ما.

الشيء الاصطناعي له بالضرورة صانع أو مؤلف (ستُستخدم لفظة المؤلف للدلالة على المُصنِّع والمُنتِج والمؤلف – المترجم)؛ وبالتالي، يمكن اعتبار مفهومي الاصطناعي والمؤلف مفهومين مترابطين (Hilpinen 1993, 156–157)

(م1): الشيء هو اصطناعي إذا وفقط إذا كان له مؤلفًا.

يُفترض هنا أن مفهوم التصنيع ينطوي على نفس نوع ودرجة القصدية لمفهوم الاصطناعي. وتجدر الإشارة إلى أن الشرط (م1) يسمح بإمكانية أن يكون للشيء الاصطناعي عدة مؤلفين يساهمون في إنتاجه. يمكن تسمية هذه الأشياء “المصنوعات المُنتجةُ بشكل جماعي”.

لا تقتصر القصدية على البشر وحدهم. مثلاً، في تجربة حديثة، قام غراب من كاليدونيا الجديدة يُدعى بيتي Betty بثني قطعة من الأسلاك وحوَّلها إلى خطاف واستخدمها لرفع دلو يحتوي على طعام كان محشورًا في أنبوب عمودي (Weir at al., 2002). كان الإجراء المطلوب لحل مشكلة بيتي، وهو ثني سلك معدني وتحويله إلى خطاف (“غير طبيعي” تمامًا)، يبدو أنه مثال على الفعل الذكي الموجه نحو هدفٍ مُحدد. يمكن اعتبار خطاف هذا الغراب بمثابة شيء اصطناعي بسيط صُنعَ لغرض الوصول إلى دلو الطعام. كما أنه قد لوحظ تصنيع الأدوات عند الحيوانات في البرية، على سبيل المثال، يقطع الشمبانزي الأوراق عن أغصان الأشجار ويستخدمها للوصول إلى النمل أو النمل الأبيض. (Beck 1980, 117)

يمكن تقسيم المصنوعات إلى مُنتجات مقصودة ومُنتجات غير مقصودة. عندما ينسجُ الخياط معطفًا، فإن نيته هي نسج معطف بحجم مُحدد وطراز معين، بالإضافة لذلك ينتجُ قصاصات من القماش كمنتجات ثانوية. هذه المنتجات الثانوية هي نتاج أفعال متعمدة للخياط، ولكنها ليست منتجات مقصودة. الأمثلة النمطية للمصنوعات، على سبيل المثال، الأدوات والأسلحة والحلي، عادة ما تكون منتجات مقصودة، وتعريف “الاصطناعي” كشيء مصنوع عن قصد لغرض معين ينطبق على هذه الأشياء. رغم ذلك فإننا نجد أنه في الأدبيات الأنثروبولوجية والأثرية، قد تُستخدم الكلمة بمعنى أوسع، إذ تشمل جميع الأشياء التي تنتج عن الأنشطة البشرية. وفقًا لكاثي شيك ونيكولاس توث (1993، 49)، فإن المصنوعات (البشرية) هي “أشياء عدلها البشر، إما عن قصد أو عن غير قصد”. يتم استخدام كلمة “مصنوعات” بهذا المعنى الواسع لجميع الأشياء والظواهر التي تهم علماء الآثار مُعتبرةً إياها كمصادر للمعلومات حول الثقافات القديمة. من ناحية أخرى، غالبًا ما يقتصر الاستخدام العلمي لتعبير “مصنوعات” إلا على “المواد المُصنَّعة عمداً”  (Dunnell 1977, 120–121; Oswalt 1976, 24). هناك تمييز مفاهيمي واضح بين الشيء المصنوع والمستخدم لغرض ما، وبين المخلفات الناتجة عن الأنشطة البشرية (أو الحيوانية) (Andrefsky 2001, 2). يمكن اعتبار الأشياء بالمعنى الأول على أنها مصنوعات (أشياء اصطناعية) بالمعنى الدقيق والصحيح للكلمة.

تشكل الأشياء المأخوذة من بيئتها الطبيعية والمُستخدمة كأدوات أو لغرض آخر، غير غرضها الأساسي، جسرًا بين الأشياء الطبيعية والأشياء الاصطناعية. تسمى هذه الأشياء “المصنوعات الطبيعية” (“made by nature” ; Oswalt 1973, 14–17; 1976, 17–23; Schnurrenberger and Bryan 1985, 134; Schick and Toth 1993, 92–93; Dickson 1996, 74). عندما يُعدَّلُ الشيء الطبيعي وتُحسَّن قابليته للاستخدام في أغراض معينة، في هذه الحالة، يتحول إلى مُنتجٍ اصطناعي صريح.

حتى الحيوانات التي لا نميل إلى أن ننسب لها القصد يمكن القول إنها تصنع الأشياء، على سبيل المثال، تستخدم بعض الدبابير الطين لبناء أوعية كروية، تملؤها بحشرات مشلولة أو عناكب لتوفر الغذاء لنسلها. من الطبيعي أن نطلق على هذه الأشياء “مصنوعات حيوانية” حتى عندما يكون سلوك الحيوان فطريًا تمامًا وليس مثالاً على الفعل الهادف الذكي. عرّف جيمس ل. جولد James L. Gould (2007، 249) المصنوعات الحيوانية على أنها “أي إبداع حيواني، سواء باستخدام و / أو بتعديل المواد المتاحة، بهدف الاستفادة منه أو إفادة نسله.” هنا يتم استبدال شرط القصد بشرط آخر، وهو أن يكون المُنتج مفيدًا للحيوان بالمعنى البيولوجي المناسب. وعلى حد تعبير جولد، يُمكننا، حتى بالنسبة إلى “المصنوعات الحيوانية”، التمييز بين مصطلحي المصنوعات والمخلفات الناتجة عن النشاط الإنتاجي، إذ تتكون المخلفات من منتجات غير مفيدة للحيوان.

 

2- الاصطناعي، والعمل، وأنطولوجيا المصنوعات

المقولة (م1) جعلت مفهوم الاصطناعي (بالمعنى الدقيق) مكافئًا لمفهوم العمل (كمنتج على عكس النشاط)؛ على سبيل المثال، ووفقًا لـ (م1)، يجب تسمية جميع الأعمال الفنية، بما في ذلك الأعمال الموسيقية والأدبية، “مصنوعات” بسبب أن لها صُنَّاع (مؤلفون). في علم الجمال، تم استخدام تعبير “مُصنَّع” بهذا المعنى الواسع عندما أُعتُبرَ، كما فعل بعض الفلاسفة، أن الأعمال الفنية هي بالضرورة مصنوعات (Davies 1991, 120–141; Levinson 2007, 81–82). من الناحية الوجودية، يمكن أن يكون المصنَّع إما شيئًا مادياً فريدًا كبرج إيفل مثلاً، أو أن يكون نوعًا قد يكون له العديد من الأمثلة (مثلًا، مشبك ورق أو رواية “أرواح ميتة” لـ نيكولاي غوغول)، أو أن يكون شيئاً مجرداً، مثلًا، اللغة الاصطناعية. قد يكون الشيء المُصنَّع الفريد شيئًا محمولاً أو، من حيث المبدأ، قابلًا للنقل، يمكن فصله عن محيطه المباشر دون إتلافه، أو غير قابل للفصل عن ركيزته أو أساسه. تُسمى الأشياء من النوع الأول بأشياء مستقلة وجوديًا؛ أما المصنوعات من النوع الأخير فهي أشياء تابعة بمعنى أنه من المستحيل (وجوديًا) بالنسبة لها أن توجد بدون ركيزتها (راجع Simons 1987, 294–323; Husserl 1913/2001, Investigation III, sections 2, 5.). فالمعطف والكرسي كائنات مستقلة، ولكن، مثلًا، نفق قاعدة أبينيني  Apennine Base Tunnel الذي تم تشييده في أوائل القرن العشرين هو شيء تابع، أساسه الجزء التوسكاني-الإيميلي من سلسلة جبال أبينيني. لا يمكن فصل النفق عن الجبل بالطريقة التي يمكن بها فصل العجلة عن الدراجة. النفق هو مُنتج اصطناعي بالمعنى الدقيق للكلمة لكونه شيئاً تم إنشاؤه عن قصد بغرض تسهيل حركة السكك الحديدية بين بولونيا وفلورنسا.

يمكن أن يشمل نوع الأداة التي حُدَّدَ من خلال وصف ما أو مفهوم مشترك على عدة أنواع فرعية أو أصناف؛ على سبيل المثال، هناك أنواع مختلفة من مشابك الورق حصل مؤلفوها (أي مخترعوها) على براءات اختراع منفصلة؛ تندرج هذه المشابك تحت نوع عام من المُنتجات الاصطناعية، “مشبك ورق”. تتطور أنواع المصنوعات شائعة الاستخدام (الأقلام، ومشابك الورق، وأجهزة الحاسب الآلي، وما إلى ذلك) تدريجياً بمرور الوقت حيث يحاول المؤلفون والمصممون المختلفون تحسين أنواع المصنوعات القديمة، أو تكييفها، مع الظروف والأغراض الجديدة. (راجع Petroski 1992a, 1992b)

تُصنف المُنتجات الاصطناعية بطرق مختلفة: على أساس الشكل، أو طريقة التصنيع، أو خصائص المواد، أو الطراز، أو الغرض من استخدامها، أو على أسس أخرى. في المناقشات الفلسفية حول طبيعة المصنوعات، غالبًا ما يتم وصفها بأنها “لها وظائف أصلية مقصودة” (Rudder Baker 2008, 3;  راجع أيضًا Simon 1996, 3)، ويتم تحديد هذه الوظائف من خلال استخدامها؛ وهكذا يلاحظ هيلاري كورنبليث (1980، 112): “غالبًا، بالنسبة لأكثر المصنوعات، يبدو أن ما يجعل مُنتجان ينتميان إلى النوع نفسه، هو كونهما يؤديان الوظيفة نفسها”. هذه هي الطريقة التي من المفترض أن ينظر بها مستخدم المُنتج، لكنها، أي الوظيفة، ليست بأي حال تُعتبر الأساس الوحيد لتصنيف المصنوعات. على سبيل المثال، يتم تقسيم المنتجات المتعلقة بالفنون البصرية على أساس طريقة إنتاجها، فهناك رسومات ولوحات ومطبوعات وصور فوتوغرافية، وتنقسم المطبوعات إلى نقش وحفر وطباعة خشبية وطباعة حجرية وأنواع أخرى. يمكن أن يخدم الرسم أو التصوير العديد من الأغراض المختلفة؛ فقد يكون لغرض دراسة جمالية، أو يمكن استخدامه للمساعدة في تحديد شخص أو شيء ما. في البحث الأثري، تُصنف المصنوعات عادةً على أساس الشكل (مورفولوجي) أو الطراز، أو على أساس ملامح أخرى يمكن ملاحظتها والتي بدورها تقود، كدليل، إلى فرضيات حول وظيفة المصنوعات المقصودة. (Adams and Adams 1991, 217–225; Read 2007)

إذا ميزنا مفهوم العمل (Work) عن مفهوم المصنوعات (Artifact) وقلنا، على سبيل المثال، أن المؤلف (الصانع) لا يمكنه إنتاج عمل ما إلا عن طريق إنتاج بعض المصنوعات (على سبيل المثال، لكتابة رواية، يتعين على المؤلف إنتاج مخطوطة)، هنا استخدمنا كلمة “مصنوعات” بمعناها الدقيق والاساسي. وعليه، تُعد أمثلة المصنوعات لنوعٍ محددٍ هي بمثابة مصنوعات فريدة وفق هذا المعنى الدقيق للتعريف.

 

3- صنع الأشياء: الإجراء الإنتاجي

عادة ما يُصنع الشيء الفريد، الذي هو مُنتج صناعي بالمعنى الدقيق، من شيء أو أشياء موجودة مسبقًا بواسطة تعديلات متتالية مقصودة. يمكن أن تختلف إجراءات إنتاج المُنتج الصناعي، ويمكن وصف المُنتج الصناعي على أساس تلك الإجراءات التي أنتج بواسطتها، أي من حيث أنواع الإجراءات العامة التي من خلالها تم تعديل الأشياء بها (راجع Oswalt 1973, 169–172, 1976, 203–205; Beck 1980, 105). بما فيها عملية (أو أعمال) الفصل، ففصل شيء عن شيء آخر (أو كليهما) يُمكِّن من استخدام الأشياء الناتجة لأغراض معينة. فصنع عصا المشي عن طريق كسر أحد أطراف الشجرة وتجريدها من الأوراق واللحاء تُعتبر من أعمال الفصل. (يسمي أوزوالت هذا النوع من الإجراءات “اختزال”؛ انظر 1976، 203).

إعادة التشكيل هي طريقة أخرى لإنتاج شيء (نوع) جديد؛ تتكون المُنتجات من تغيير شكل شيء أو هيكله (إما شيء طبيعي أو اصطناعي) بدون فصل أي جزء عنه أو إضافة شيء إليه (Beck 1980, 105). فخطاف الغراب بيتي عبارة عن “منتج اصطناعي”، مصنوع عن طريق إعادة تشكيل قطعة من الأسلاك المعدنية، ويمكن لمنفاخ الزجاج أن يصنع جسمًا زجاجيًا مجوفًا عن طريق إعادة تشكيل كوب من الزجاج الساخن بواسطة أنبوب النفخ. ولإنتاج مصنوعات معقدة، من الضروري ضم عدد من الأشياء معًا؛ يطلق أوزوالت على هذا النوع من الإجراء أو مبدأ الإنتاج بـ”الدمج” (1976، 203-204). على سبيل المثال، السكين المصنوعة من خلال ربط مقبض خشبي بشفرة معدنية هو منتج مصنوع بالدمج.

يعتبر سيمون وديمونت (1996، 264) أن “النزع” و”التشكيل” و”التجميع” هي أنواع الإجراءات الإنتاجية الأساسية. عادة ما يتم صنع المنتجات الاصطناعية المعقدة من خلال سلسلة منوعة من هذه الإجراءات الأساسية (وربما هناك إجراءات الأخرى). بالنظر إلى عدد من أنواع الإجراءات الإنتاجية أ1، …، أر، …، أن، يمكن تعريف المُنتج الاصطناعي، شبه استقرائيًّا Quasi-Inductive، على أنها أشياء تم إنتاجها عن قصد من شيء أو أشياء (أصول) طبيعية أو اصطناعية عن طريق الإجراءات أر (ر=1، …، ن). في هذه الحالة يمكننا القول بوجود قصدية في الانتاج باعتبار أن المؤلف قام بالإجراءات أر عن قصد؛ إلا أنها لا تتطلب نية مسبقة لإنتاج شيء محدد من أي نوع كان. فقد يكون صاحب الفعل كان ببساطة يلعب أو يختبر المواد المتاحة له، فقد يُظهر الشيء المُنتج “صنعة وتعديلاً بشريين”، حتى إن لم يكن له مثيلًا في أي نوع من أنواع المصنوعات المعروفة السابقة.

عندما يكون المنتج الاصطناعي مُنتجاً تابعًا، تم إنشاؤه عن طريق الفصل أو إعادة التشكيل، مثلاً: نفق أو عقدة، فإن الإجراءات الإنتاجية تعدل ركيزة (أصل) المُنتج، ليصبح هذا المُنتج الجديد بمثابة ميزة جديدة غير قابلة للفصل عن أصله، في هذه الحالة يمكننا أن نعتبر المُنتج الجديد مُنتجًا اصطناعيًا. ولكن، في حالة الانفصال، لا يُعتبر المُنتج المنفصل عن أصله مُنتجًا اصطناعيًا (كالصخر والتراب الذي أُزيل من الجبل أثناء بناء النفق)، بل يُعتبر من مخلفات النشاط الإنتاجي.

يتم ربط العديد من المنتجات الاصطناعية معًا، بمعنى أنها إما صُمِّمَت لتكون أجزاء لمُنتج اصطناعي معقد، مثل العجلات وإطار الدراجة، أو يتم ربطها معًا عند استخدامها بطريقة مقصودة، كقوس الكمان والكمان، أو كالقاطرة وعربات سكة الحديد. يصف أوزوالت (1976، 204) الشكل الأخير من الارتباط على النحو التالي: “النماذج المرتبطة دائمًا ما يتم ضمها معًا بطريقة فنية في استخدامها الأساسي.” يمكن القول إن المُنتجات الاصطناعية المرتبطة تم تصميمها وصنعها لبعضها البعض، لكن قد تُستخدم منفردة لأغراض “عرضية” لم تكن مقصودة.

يُعد الفصل وإعادة التشكيل والدمج (التجميع) أوصافًا لإجراءات عامة تُطبق في حالات مختلفة من مراحل صنع المُنتجات الاصطناعية بواسطة تقنيات أو إجراءات إنتاجية مختلفة. (للاطلاع على مفهوم إجراءات العمل، انظر Segerberg 1985) تتطلب مثل هذه الإجراءات غالبًا استخدام العديد من المُنتجات الاصطناعية كأدوات إنتاج.

 

4- النية الإنتاجية (القصدية)

عندما ينوي شخص ما صنع شيء من نوع معين، فإن نيته الإنتاجية تحتوى على وصفٍ للشيء المقصود إنتاجه، حينها، نيته “تربط” المُنتج المُراد صناعته بعددٍ من الخصائص التي تحدد الطابع المقصود للمُنتج. يعتمد وجود المُنتج وبعض خصائصه على طابعها المقصود. يتم التعبير عن هذا من خلال شرط الاعتماد التالي (Hilpinen 1992, 65):

(اعتماد) يعتمد وجود المُنتج الاصطناعي وبعض خصائصه على نية المؤلف في صنع شيء من نوع محدد.

وبسبب هذه الاعتمادية على مقاصد المؤلف، يمكن القول أن المُنتجات الاصطناعية هي “إبداعات عقلية” (Thomasson 2007, 52). ينطبق هذا الشرط على كل من المُنتجات الاصطناعية بالمعنى الصحيح وعلى البقايا الناتجة عن الإجراءات الإنتاجية.

تتشكل العلاقة السببية بين المُنتج الاصطناعي والطابع المقصود – أو بالمعنى الدقيق للكلمة، بين المُنتج الاصطناعي والنية الإنتاجية لمؤلفها – من خلال إجراءات المؤلف، أي من خلال عمله على الشيء. الخصائص الفعلية للمُنتج الاصطناعي تشكل طابعها الفعلي. يعتمد نجاح النشاط الإنتاجي للمؤلف على درجة الملاءمة أو الاتفاق بين الطابع المقصود والطابع الفعلي للمُنتج. دائمًا ما يكون الطابع الفعلي للمُنتج الاصطناعي أكثر ثراءً من الطابع المقصود: فالمُنتج يناسب مقاصد المؤلف إذا وفقط إذا تضمنت الأولى الأخيرة.

من المفترض أن يكون أحد الأوصاف المدرجة في الطابع المقصود، على الأقل، وصفًا فرعيًا أو “جوهريًا” يحدد هوية المُنتج والمعايير التي يمكن من خلالها تمييزه عن المُنتجات الأخرى (راجع Hilpinen 1992, 61). على سبيل المثال، “الرسم” و “الكرسي” هي أوصاف مرتبة، لكن “الأحمر” (أو “الشيء الأحمر”) ليست كذلك. فمن الممكن إعطاء إجابة محددة للسؤال حول عدد الكراسي الموجودة في غرفة معينة، لكن هذا لا ينطبق على السؤال عن عدد الأشياء الحمراء الموجودة في الغرفة، فكما أشار غوتلوب فريج Gottlob Frege (1884/1953، 66)، أن وصف “الشيء الأحمر” لا يحدد الأشياء بطريقة دقيقة. يمكن تحديد أنواع المُنتجات الاصطناعية عدديًا (مثل: “كرسي”)، أو إجماليَّا (مثلاً: “خشب رقائقي” أو “ويسكي”).

غالبًا ما يُعبَّر عن نية المؤلف الإنتاجية من خلال المُنتجات المعرفية التي تُظهر طبيعة المُنتج وطريقة انتاجه، كالرسم أو الرسم التخطيطي أو النموذج، إلى جانب قائمة بالأجزاء والمواد ومجموعة من التعليمات (قواعد منظمة) لعملية الإنتاج. هذه التمثيلات (البيانية) مهمة بشكل خاص في حالة المصنوعات المعقدة المنتجة بشكل جماعي. إنها ضرورية للتواصل الناجح بين مؤلفي المُنتج، ولتنسيق أعمالهم الإنتاجية. (للحصول على تمثيلات مختلفة للمُنتجات الاصطناعية المعقدة، راجع Simons and Dement 1996, 266–75)

يمكن تصنيف المُنتجات الاصطناعية إلى مُنتجات أساسية أو غير أساسية (عرضية). على سبيل المثال، يُعتبر كل من “وحدة التحكم بالمحرك” و “مشبك الورق” مُنتجين أساسيين، ولكن يمكن إنشاء مسار عبر الغابة عن قصد (مسار اصطناعي) أو يمكن أن يتكوَّن هذا المسار عن غير قصد بسبب عادة الناس في اتباع نفس المسار عند قطع الغابة. كما يمكن أن تكون اللغات والكلمات كيانات طبيعية (بدون مُنشئين معروفين) أو كيانات اصطناعية صُمِّمت عن قصد لغرض معين. في الواقع، يمكن اعتبار العديد من اللغات “الطبيعية”، خاصة في شكلها المكتوب، مُنتجات اصطناعية. على سبيل المثال، يعود تأسيس اللغة النرويجية الجديدة نينوشك (Landsmål أو Nynorsk) إلى جهود الشاعر النرويجي إيفار أوسن Ivar Aasen، الذي قدمها كبديل للغة النرويجية الرسمية آنذاك (Riksmål ، Dano) في منتصف القرن التاسع عشر. بعد ذلك، عُدلت مُقترحات أوسن واستكملت من قبل العديد من المؤلفين الآخرين الذين ساهموا في تطوير اللغة النرويجية الحديثة. (راجع Haugen 1966, 33–45)

وفقًا لشرط الاعتماد، يمكن اعتبار الشخص مؤلفًا/صانعاً لمنتج ما إذا وفقط إذا كان وجود المُنتج وطابعه يعتمدان على النوايا الإنتاجية لذلك الشخص. مثل هذا الاعتماد يعترف بالدرجات؛ وبالتالي من الممكن التمييز بين درجات التأليف. ميز فيلسوف القرن الثالث عشر القديس بونافنتورا أربع طرق يمكن للشخص من خلالها أن يكون مؤلفًا لكتاب: الناسخ (الجامع) ينسخ ببساطة أعمال الآخرين، دون إجراء أي تغييرات أو إضافات. والمترجم الذي يترجم نصوص المؤلفين الآخرين دون إضافة أي مادة جديدة إلى النص، في حين أن المعلق يكتب عمل الآخرين ويضيف عمله مع عمل الآخرين في نفس المؤلَّف، مضيفًا عمله الخاص بهدف التفسير. أخيرًا، المؤلف (auctor)، بالمعنى الدقيق للكلمة، الذي “يكتب عمله الخاص بمعية أعمال الآخرين، ولكنه يضع عمله الخاص كمركز للمؤلَّف مُضيفًا إليه أعمال الآخرين بهدف التأكيد” (Eisenstein 1979, 121–22; Woodmansee 1992, 281). الناسخ الذي ينسخ نصًا عن قصد ينتج مُنتجاً اصطناعياً جديداً، نسخة جديدة من النص، وهو بلا شك مؤلِّفُ تلك النسخة: إذ يعتمد وجود النسخة وطابعها على مقاصد الناسخ. ينوي الناسخ أن يكون للنسخة طابع نصي معين، ولكن هذه النية تتحدَّد وتعتمد على المقاصد الإنتاجية للمؤلف الأصلي للنص. لذا فإنه فيما يتعلق بالطابع النصي للنسخة يمثل الناسخ درجة دُنيا (أو صفرية) من التأليف. تعتمد المقاصد النصية للمترجم أيضًا على مقاصد المؤلفين المُترجمة نصوصهم معًا، ولكن طريقة دمج تلك الأعمال الأصلية متروكة للمترجم. يمثل المترجم والمعلق درجات متوسطة من التأليف بين الناسخ والمؤلف بالمعنى الصحيح أو الدقيق للكلمة.

 

5- في توصيف وتقييم المنتج الاصطناعي

كما ذُكر سابقًا، غالبًا ما يتم وصف الأشياء الاصطناعية من خلال وظائفها وأهدافها (راجع Simon 1996, 5)، ويمكن التعرف على أنواع المُنتجات الاصطناعية من خلال الأوصاف الفريدة التي تشير إلى وظيفتها المقصودة (على سبيل المثال، “المطرقة”). يمكن تسمية الأداة التي صُنعَت لغرض “س” باسم “أداة س” (مثلاً: الأداة التي صُنعت لغرض الحفر باسم “أداة حفر”). يمكن تقسيم خصائص الأداة س إلى فئتين: (1) تلك المتعلقة بوظيفة الأداة كأداة لـ س، و (2) خصائص غير ذات الصلة بالغرض س. ويمكن تسمية الخاصية الأولى بـالخاصية المهمة للأداة (أو خاصية أداة س المهمة)؛ وقد يطلق عليهم أيضًا “خصائص المصنعية الجيدة” للشيء. على سبيل المثال، يعتبر وزن المطرقة من سماتها المهمة، لكن لونها ليس كذلك. بالإضافة إلى الوصف التعريفي لـلشيء س، فإن النية الإنتاجية للمؤلف سوف تتضمن الخصائص التي يعتبرها مهمة لغرض س. وستعتمد الخصائص هذه على هذا الغرض (أو الأغراض)؛ وبالتالي، فإن الصفة المقصودة للمنتج الاصطناعي، هنا الأداة، ليست مجرد مجموعة من الخصائص، بل لها هيكل هرمي. في كثير من الحالات، من المتوقع أن يخدم الشيء المُراد انتاجه العديد من الأغراض المختلفة؛ وبالتالي قد يصعب توصيف س. إذا تم تقييم منتج اصطناعي على أساس ملاءمته لغرض معين، فإن صلاحيته هي شكل من أشكال ما يمكن أن يسمى بالصلاحية الأداتية. (جي إتش فون رايت 1963، 19-22.)

يمكن تقييم النشاط الإنتاجي للمؤلف على أساس العلاقات القائمة بين الطابع المقصود للمُنتج، وطابعه الفعلي، والغرض و (Hilpinen 1995, 140):

(ت1) درجة ملاءمة الطابع المقصود بالطابع الفعلي للمُنتج،

(ت2) درجة ملاءمة الصفة المقصودة للمُنتج والغرض س، بمعنى آخر، ملاءمة مُنتج من النوع المقصود للغرض س،

و

(ت3) درجة ملاءمة الطابع الفعلي للشيء والغرض س، أي ملاءمة المُنتج لـ س.

(ت1) يحدد ما إذا كان المُنتَج يُجسدُ مقاصد المؤلف بنجاح أم لا؟، (ت2) يحدد ما إذا كانت الطابع الذي ينوي المؤلف منحه للمنتج مناسبٌ للغرض س أم لا؟، و (ت3) ينص ما إذا كان المؤلف قد نجح في صنع شيء مناسب بالفعل للغرض س أم لا؟

تعتبر دراسة المنتجات الاصطناعية تقييمية في جوهرها، نظرًا لأن عرض شيءٍ ما باعتباره منتج اصطناعي يعني مشاهدته في ضوء المقاصد والأغراض.

ليس من الضروري أن يكون الغرض والتصميم اللذان يستند إليهما تقييم المُنتج الاصطناعي هو الغرض الذي كان يدور في ذهن المؤلف؛ فقد تُستخدم الأداة لأي غرض آخر. وقد تُقلب عملية التقييم بحيث يحاول مؤلف أو مالك المُنتج إيجاد استخدامات جديدة له.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نفرِّق بين الطابع الفعلي للمنتج الاصطناعي عن تصور المؤلف له. إذا كان تصور المؤلف لشيء ما يتفق مع طابعه المقصود، فإن الأداة ستكون مرضية للمؤلف ذاتيًا، ولكنها قد تفشل في ملاءمة نواياه الإنتاجية إذا كان لديه تصور خاطئ عنها.

إذا كان النشاط الإنتاجي للمؤلف ناجحًا، فإن طابع المنتج الاصطناعي المكتمل تعتمد على نواياه الإنتاجية وتتفق معها، عندها يمكن اعتبارها تجسيدًا لهذه المقاصد. إذا كان الطابع الفعلي لشيء ما لا يتفق مع طابعه المقصود، فلن يكون مرضيًا بالنسبة للمؤلف، وإذا كان تصور المؤلف للشيء لا يتفق مع طابعه المقصود، فإن المُنتج سيكون غير مرضيًا موضوعيًا من وجهة نظر المؤلف. في الحالة الأخيرة، سيكون لدى المؤلف سببًا لمحاولة تحسين المنتج كي يلبي نواياه الإنتاجية. وسيكون التغيير الذي سيطرأ على المنتج الذي يهدف إلى التوفيق بين طابعه الفعلي وطابعه المقصود، من وجهة نظر مقاصد المؤلف، تغييرًا تدريجيًّا.

يبدو من المعقول اعتبار الشيء مُنتجاً اصطناعيَّا مناسبًا فقط إذا حالف النجاحُ النشاطَ الإنتاجي لمؤلفه بدرجة معينة، كأن يوفر المُنتجُ بعض المميزات المتضمنة في النية الإنتاجية. قد يسمى هذا الشرط بشرط النجاح:

(نجاح) الشيء هو منتجٌ اصطناعيٌّ إذا فقط وفَّرَ بعض المميزات المتضمنة في النية الإنتاجية للمؤلف.

إذا فشل النشاط كليًّا، فالفاعل لم يُنجز شيئًا سوى “الخردة”. (راجع 1996, 10; Thomasson 2003, 598–99). لكن، حتى إن كان الشيء المُنتج لا يتناسب مع نية المؤلف الإنتاجية، لكنه قَبَلَها على أنها تحقيق مرضٍ لنيته، فقد يُنظر إلى المُنتج على أنه منتجًا اصطناعيًا مناسبًا. يُعبر عن هذه الحالة بشرط القبول التالي:

(القبول) الشيء هو منتجٌ اصطناعيٌّ فقط إذا قَبِلَهُ المؤلف على أنه يَفي ببعض المميزات المتضمنة في النية الإنتاجية.

يعتمد القبول على مقاصد المؤلف وأهدافه، ولكن كما أشير أعلاه، يمكن تقييم المُنتج لاحقًا بواسطة أشخاص آخرين أو بواسطة المؤلف نفسه فيما يتعلق بالاستخدامات والأهداف الأخرى الممكنة. إذا كان للمُنتج عدة مؤلفين، فيجب أن ينطبق شرط القبول من قِبَلِ واحد منهم على الأقل.

وفقًا لشرط القبول، لا يعد الشيء مُنتجًا اصطناعيًّا إلا إذا اعتبره مؤلفه على هذا النحو، أي أنه قَبِلَهُ كمنتج لنشاطه المقصود. يتعلق شرط النجاح بالتوافق بين الطابع الفعلي والمقصود للكائن؛ بينما يتعلق شرط القبول على المطابقة بين تصور المؤلف عن شيء ما والطابع المقصود منه. في هذا السياق، يجب ملاحظة أن نية المؤلف قد تتغير أثناء نشاطه الإنتاجي. في الحالات المذكورة أعلاه، يجب اعتبار “النية الإنتاجية” على أنها تشير إلى محتوى المقاصد النهائية للمؤلف فيما يتعلق بالمُنتج الاصطناعي.

في بعض الحالات، يكون استيفاء شرط القبول كافيًا لإرضاء شرط النجاح بمعنى أنه إذا أنتجَ المؤلفُ شيئًا بقصد صنع شيء من نوعٍ ما، وقبلَهُ على أنه شيء من هذا النوع، فإنه لا يمكن إغفال أنه واحد من النوع المقصود. فعندما يوقع أحدهم على مستند ما، فإن قبوله للخربشة غير المقروءة التي أمضاها كتوقيع له يكفي لجعلها توقيعًا له. (ومع ذلك، في مناسبة لاحقة، يمكنه بالطبع أن يرتكب خطأً ويفشل بعد ذلك في التعرف عليه، أو يعتقد أنه مزورًا).

إذا تم تعريف مفهوم المُنتج الاصطناعي من حيث الإجراءات الإنتاجية بالطريقة المقترحة في القسم الثالث، إذاً يجب الأخذ بعين الاعتبار: “شرط النجاح” الذي يعني أن المؤلف أو المؤلفين قد نجحوا بالفعل في تنفيذ الإجراء الإنتاجي المقصود، وكذلك: “شرط القبول” الذي يعني أن المؤلف (أو أحد المؤلفين) يعتقد أن الإجراء قد اكتمل.

تتضمن نظرية راندل ديبرت Randall Dipert الخاصة بالمُنتجات الاصطناعية شرطًا (إضافياً)، وهو أن يُضمِّنُ مؤلفُ المُنتج الاصطناعي (بالمعنى الدقيق للكلمة) في نيته وجوب أن يتم التعرف على مُنتجه على أنه قد تم تعديله عن قصد لهدف معين ((Dipert 1993, 29–31. هذا شرط معقول، حيث يمكن افتراض أن مُنتجا خاصًا لغرض ما هو منتج جيد لهذا الغرض فقط إذا كان مستخدموه المحتملون يتعرفون عليه على هذا النحو. ومع ذلك، لا ينبغي أن يؤخذ هذا التمييز على أنه يعني التعرف العام: فسمك القرش الميكانيكي المستخدم في صناعة أفلام المغامرات يُعتبر مُنتجًا اصطناعيًا، رغم أنَّ مؤلفوه لا يرغبون في أن يتم التعرف عليه على هذا النحو من قبل الجمهور، على العكس من ذلك؛ يُفترض أن شرط التعرّف لا ينطبق إلا على الأشخاص الذين يستخدمونه في صناعة الفيلم.

توفر الشروط المذكورة أعلاه توصيفًا جزئيًا لمفهوم المنتج الاصطناعي. قد نقول أن الأشياء المختلفة المعدلة أو المنتجة عن قصد تظهر درجات مختلفة من البراعة الاصطناعية Artifactuality، اعتمادًا على مدى استيفائها لتلك الشروط.

 

6- الأعمال الفنية

كما ذُكر أعلاه، غالبًا ما يُنظر إلى البراعة على أنها إحدى السمات المميزة للأعمال الفنية؛ فجورج ديكي (1984، 63) في تحليله يعدها شرطاً أساسياً، إذ يعتبر العمل الفني “مُنتجاً من النوع الذي تم إنشاؤه لتقديمه إلى جمهور عالم الفن”. لا يمكن القبول بشرط البراعة إلا إذا تم فهم مفهوم المنتج الاصطناعي بمعنى واسع بحيث يتم اعتبار الأحداث والعمليات التي أُنشئت عن قصد (كالعروض الفنية) والأعمال التي لها أمثلة (كالأعمال الموسيقية والأدبية) بمثابة منتجات اصطناعية. فطبقًا للشرط (م1)، فإن شرط الصنع في هذا المعنى يعادل شرط أن يكون للعمل الفني مؤلفًا.

اعترض بعض الفلاسفة على شرط البراعة، مستخدمين ما يسمى بـ”فن الأخشاب الطافية” أو “الأشياء الموجودة” (فن الموجود Found Art) كأمثلة مضادة (راجع Weitz 1956, 34; Dickie and Stecker 2009, 152–153). فالشيء الموجود في الطبيعة والمقدم في معرض فني دون أي تعديل مادي هو صفة فنية طبيعية (غير اصطناعية)، تماماً كشيء طبيعي تم تبنيه لبعض الاستخدامات. لتجنب النتيجة المتناقضة المتمثلة في افتقار بعض الأعمال الفنية إلى المؤلفين، يجب تفسير مفاهيم التأليف والبراعة في هذا السياق بطريقة تجعل اختيار موضوع ما، أي عرضه على عالم الفن، كافيًا لجعل مُقدِّم العرض هو مؤلفه، أي كموضوع للتقدير الجمالي. وفقًا لهذا الرأي، فإن تقديم كائن طبيعي كموضوع للتقدير الجمالي يعد “تعديلًا مقصودًا” مطلوبًا للبراعة (راجع Dickie 1984/1997, 45–46). على أية حال، عادة ما تكون أعمال “فن الموجود” عبارة عن مجموعة من الأشياء الطبيعية والتحف التي تم جمعها معًا بواسطة فنان. هذه الأعمال هي مُنتجات اصطناعية حقيقية بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فقد جُمعت الأشياء الطبيعية والاصطناعية لأغراض جمالية عمدًا.

تشكل المُنتجات الاصطناعية Artifacts بالمعنى الواسع مجموعة من الكيانات غير المتجانسة وجوديًا والتي تمتد عبر حدود الفلسفية التقليدية بين الملموس والمجرد، والأشياء الحقيقة والأحداث حتى العمليات. (راجع Thomasson 1999, xii, 117–120).

 


المراجع

  • Adams, W. Y., and E. W. Adams, 1991, Archaeological Typology and Practical Reality. A Dialectical Approach to Artifact Classification and Sorting, Cambridge and New York: Cambridge University Press.
  • Andrefsky, W. Jr., 2001, ‘Emerging Directions in Debitage Analysis’, in Lithic Debitage. Content, Form, Meaning, W. Andrefsky Jr. (ed.), Salt Lake City: University of Utah Press, pp. 2–14.
  • Aristotle, Physica, in The Works of Aristotle Translated into English(Volume II), David Ross (ed.), Oxford: Clarendon Press, 1930.
  • Beck, B. B., 1980, Animal Tool Behavior: The Use and Manufacture of Tools by Animals, New York and London: Garland STPM Press.
  • Bloom, P., 1996, ‘Intention, History, and Artifact Concepts’, Cognition, 60: 1–29.
  • Davies, S., 1991, Definitions of Art, Ithaca and London: Cornell University Press.
  • Dickie, G., 1984, ‘The New Institutional Theory of Art’, in Aesthetics: Proceedings of the Eighth International Wittgenstein Symposium(Part I), R.Haller (ed.), Vienna: Hölder-Pichler-Tempsky, pp. 57-64.
  • –––, 1984/1997, The Art Circle: A Theory of Art, Evanston, Ill.: Chicago Spectrum Press.
  • Dickie, G., and R. Stecker, 2009, ‘Artifact, Art as’, in Companion to Aesthetics, 2nd Edition, S. Davies, K. M. Higgins, R. Hopkins, R. Stecker, and D. E. Cooper (eds.), Malden, Mass., and Oxford: Wiley-Blackwell, pp. 152-154.
  • Dickson, D. B, 1996. ‘Archaeology’, in Encyclopedia of Cultural Anthropology(Volume 1), D. Levison and M. Ember (eds.), New York: Henry Holt and Co., pp. 74–80.
  • Dipert, R., 1993, Artifacts, Art Works, and Agency, Philadelphia: Temple University Press.
  • Dunnell, R. C., 1971, Systematics in Prehistory, New York: The Free Press, and London: Collier-Macmillan Limited.
  • Eisenstein, E., 1979, The Printing Press as an Agent of Change: Communications and Cultural Transformations in Early Modern Europe, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Frege, G., 1884/1953, The Foundations of Arithmetic. A Logico-Mathematical Enquiry into the Concept of Number, transl. by J. L. Austin, 2nd edition, New York: Philosophical Library.
  • Gould, J. L., 2007, ‘Animal Artifacts’, in Creations of the Mind. Theories of Artifacts and Their Representation, E. Margolis and S. Laurence (eds.), Oxford and New York: Oxford University Press, pp. 249–266.
  • Haugen, E., 1966, Language Conflict and Language PlanningThe Case of Modern Norwegian, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Hilpinen, R., 1992, ‘Artifacts and Works of Art’, Theoria, 58: 58–82.
  • –––, 1993, ‘Authors and Artifacts’, Proceedings of the Aristotelian Society, 93: 155–178.
  • –––, 1995, ‘Belief Systems as Artifacts’, The Monist, 78: 136–155.
  • Husserl, E., 1913/2001, Logical Investigations, D. Moran (ed.) and J. N. Findlay (transl.), Vol. 2, London: Routledge. Translation of Logische Untersuchungen, 2nd Edition, Vol. 2, Investigations III-VI, 1913.
  • Kornblith, H., 1980, ‘Referring to Artifacts’, Philosophical Review, 89: 109–114.
  • Levinson, J., 2007, ‘Artworks as Artifacts’, in Creations of the Mind. Theories of Artifacts and Their Representation, E. Margolis and S. Laurence (eds.), Oxford and New York: Oxford University Press, pp. 74–82.
  • Oswalt, W. H., 1973, Habitat and Technology: The Evolution of Hunting, New York: Holt, Rinehart, and Winston, Inc.
  • –––, 1976, An Anthropological Analysis of Food-Getting Technology, New York– London: John Wiley & Sons.
  • Petroski, H., 1992a, The Evolution of Useful Things, New York: Random House.
  • –––, 1992b, ‘The Evolution of Artifacts’, American Scientist, 80: 416–420.
  • Read, D. W., 2007, Artifact Classification. A Conceptual and Methodological Approach, Walnut Creek, Calif.: Left Coast Press.
  • Rudder Baker, L., 2008, ‘The Shrinking Difference between Artifacts and Natural Objects’, American Philosophical Association Newsletter for Philosophy and Computers, 7(2): 2–5.
  • Schick, K., and N. Toth, 1993, Making Silent Stones Speak: Human Evolution and the Dawn of Technology, New York and London: Simon and Schuster.
  • Schnurrenberger, D., and A. L. Bryan, 1985, ‘A Contribution to the Study of the Naturefact-Artifact Controversy’, in Stone Tool Analysis: Essays in Honor of Don E. Crabtree, M. G. Plew, J. C. Woods, and M. G. Pavesic (eds.), Albuquerque: University of New Mexico Press, pp. 133–159.
  • Segerberg, K., 1985, ‘Routines’, Synthese, 65: 185–210.
  • Simon, H., 1996, The Sciences of the Artificial, 3rd edition, Cambridge, Mass., and London: MIT Press.
  • Simons, P., 1987,  A Study in Ontology, Oxford: Clarendon Press.
  • Simons, P., and C. Dement, 1996, ‘Aspects of the Mereology of Artifacts’, inFormal Ontology, R. Poli and P. Simons (eds.), Dordrecht, Boston, London: Kluwer Academic Publishers, pp. 255–276.
  • Thomasson, A., 1999, Fiction and Metaphysics, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2003, ‘Realism and Human Kinds’, Philosophy and Phenomenological Research, 67: 580–609.
  • –––, 2007, ‘Artifacts and Human Concepts’, in Creations of the Mind. Theories of Artifacts and Their Representation, E. Margolis and S. Laurence (eds.), Oxford and New York: Oxford University Press, pp. 52–73.
  • Weir, A., Chappell, J., and A. Kacelnik, 2002, ‘Shaping of Hooks in New Caledonian Crows’, Science, 297: 981.
  • Weitz, M., 1956, ‘The Role of Theory in Aesthetics’, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 15: 27–35.
  • Woodmansee, M., 1992, ‘On the Author Effect: Recovering Collectivity’, Cardozo Arts and Entertainment Law Journal, 10: 279–292.
  • von Wright, G. H., 1963, The Varieties of Goodness, London and New York: Routledge and Kegan Paul.

 

Academic Tools

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

Other Internet Resources

[Please contact the author with suggestions.]

Related Entries

aesthetics: aesthetic judgment

 

[1] Preston, Beth, “Artifact”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2020/entries/artifact/>.