مجلة حكمة
الأبعاد الثلاثة للترجمة

الأبعاد الثلاثة للترجمة – مصطفى خلال


الأبعاد الثلاثة للترجمة

ترتبط الترجمة بعمليات معقدة، لا تظهر بيسر، بعيدا عن التحليل المعمق للفكر. فهي من جهة، تقنية، ومن جهة ثانية، تستدعيها ضرورة الاجتماع البشري، بالمعنيين، السوسيولوجي، والحضاري، وهي من جهة ثالثة، تستجيب لحاجات جدالية، تتجاوز براءة النقل المتبادل للخبرات الإنسانية.

إن البعد التقني، والبعد المرتبط بضرورة الاتصال، والبعد المتعلق بمتغيرات الصراع الفكري، تمثل جميعها محددات عامة، تلغي التباينات الزمنية، وتوحد عملية الترجمة كنشاط مميز لكل حضارة تسعى إلى تجاوز فضائها الخاص، وتتطلع إلى اختراق عوالم غريبة عن ذاتها.

ما يحققه الإنسان، من الترجمة، في أبعادها الثلاثة تلك، هو التجديد باعتباره ميلا عنيدا لا محيد عنه بالنسبة لأي فعل حضاري عام. لذا نجد، في مختلف مراحل التاريخ الفكري للمجموعات الحضارية الكبرى، الحرص على تنظيم عمل الترجمة كآلية من بين أهم آليات الجهاز العام لتولد منتجات هذه الحضارة أو تلك. وبسبب من هذا أيضا، نلاحظ أن الحضارة الواحدة، تهتم بالترجمة عموما، غير أنها تركز هذا النشاط على العطاءات التي هي في أمس الحاجة إليها.

البعد التقني في عمل الترجمة

من المسلم به أن الترجمة كعمل إنما تتخذ قاعدة لها، الازدواج في اللغة، والقدرة على تداول الألسن بالنسبة للذات الفردية الواحدة. فالترجمة، كاشتغال على نصوص، تستبقه قدرة خاصة على تلقي لغتين، وفي أفضل الأحوال، القدرة الخاصة على تلقي أكثر من لغتين. وهذه القدرة الخاصة، وحدها الكفيلة تقنيا بتجاوز صعوبة بالغة، تتعلق بثنائية النقل والترجمة. ذلك أنه يصح أن نقول إن فلانا “نقل المعنى” من اللغة “أ” إلى اللغة “ب”، وأن فلانا “ترجم ذات التصور” من لغة “شكسبير” مثلا، إلى لغة “الجاحظ“، على اعتبار أن العلمين هذين، كلاهما يمثل بصرامة، قواعد التعامل مع لغة ثقافة كل واحد منهما.. فإذا نحن نقبل هكذا المعنى المنقول، ونحتمل أن تكون له مقابلات مقبولة أخرى عديدة؛ في حين أن دائرة الاحتمال تنحصر وتضيق تماما حين يتعلق الأمر بترجمة التصور(1). إن النقل يفترض “معرفة ما”، بكل من لغة “شكسبير”، ولغة “الجاحظ”؛ أما الترجمة، فتقوم على قاعدة القدرة الخاصة على “تملك واختراق” لغة الحضارة الإنجليزية، ولغة الحضارة العربية.

التسليم بهذا المنطلق، لا يتأسس على سلامة النظر المحض. ذلك أن المعاينة، في هذا الموضوع بالذات، وحدها تسمح بالأخذ به. ولهذه المعاينة مواد مضبوطة، أو يمكن ضبطها، حسب اختيارات الدارس المعني بهذا الاهتمام. فنحن نعيش في عصر، تميزه عمليات نقل اللغات إلى بعضها البعض، تحت ضغط حاجات قد تتعدد، لكنها لا تختلف في جوهر دوافعها… مثلما تميزه أعمال ترجمة قد يسهل الوقوف على حاجاتها، واستيعاب دواعيها. وفي الترجمة بالذات، قد نقرأ الكتاب الواحد، مترجما عدة ترجمات إلى لغة واحدة بعينها، من قبل مترجمين متعددين متفرقين. بل إن ذلك الكتاب الواحد، مثلما يمكن أن نقترض، قد يترجمه مترجم وحيد، عدة ترجمات، كل واحدة يميزها تقدم جديد حاصل في ترقيه اللامتوقف في تكوينه الخاص. وهو ما يبين أمرين لهما دلالة خاصة في موضوعنا هذا: أولهما أن عملية النقل، لا يعتريها تغير يمكن أن نقف له على اعتبار خاص، في حين أن عمل الترجمة قابل للتغير، حتى في مستوياته التقنية: اللغوية، واللسانية، والاصطلاحية، والقاموسية. وثانيهما أن الترجمة تجديدية الجوهر، ذات أفعال غائية بعيدة الأثر في المسلكيات المعرفية للذات المترجمة، على اعتبار أن هذه الذات تنتمي ضرورة إلى مجموعة تحددها ضوابط تاريخ حضاري خاص.

نستطيع الآن، انطلاقا من هذا التمييز الذي نضعه، بين النقل المتبادل بين لسانين، والترجمة العلمية، أن نستبين أهمية البعد التقني بالنسبة لهذه الأخيرة. وهي الأهمية التي تتأكد حين نلاحظ القيمة التي يكتسيها وعي المترجم الحق، في مقابل الشعور العابر لدى الناقل، فيما يرجع للتعامل مع النشاط الذهني الخاص الذي يشتركان فيه. كي تتضح هذه الأهمية لا بد من الإشارة إلى الحرص لدى المترجم على: أ – الحفاظ على قوة اللفظ، ب – سرعة إيحائه كما في الأصل، ج – لمعانه وشدة جلبه للقارئ، د – توازنه فيما يرجع لنبرته الخاصة كما في الأصل. وفي حالة صعوبة تحقيق هذه المحافظة الصارمة، يلجأ المترجم العلمي، إلى “تلسين” اللفظ، وهو ما يحدث في عدد وافر من المفاهيم القاموسية الخاصة، والتي تكون حتى في اللغة المترجم عنها، مبتدعة ابتداعا ولدته حركية خاصة بحركية مجتمع وتاريخ وصراع حضارة هذه اللغة. والقصد بالتلسين هنا، المحافظة على اللفظ، والمفهوم، والاصطلاح، كما هو في لغته الأصلية، وذلك على مستوى النطق، مع تحوير بسيط في هذا النطق، يتماشى والصواتة الطبيعية التي تتحكم في اللغة المترجم إليها. وفي هذه الحالة، يفسر المترجم الحق مسلكه العلمي هذا، ويؤسس عملية تلسينه للمفهوم المذكور. والأمثلة عندنا، في لغة العرب، وفي الفلسفة خاصة، هي من الكثرة بحيث يقتضي حصرها بحثا جامعيا غير مصطنع. غير أن “التلسين” إذا كان هو إدخال مصطلح شديد القوة، مفرط الاستعمال، موجه لحركة التفكير، موسع للتداول، -إدخاله في لغة غريبة عنه، فإنه لا يكون اعتباطا، لا يكون نتيجة عجز إيجاد مقابل، بل إنه ينتج عن بحث مزدوج في اللغتين، أو قل في الثقافتين. ذلك أنه يندر ألا نعثر على مقابل ولو ضمني، في اللغة المترجم إليها، إلا في حالة تطفلنا على عمل الترجمة. والتطفل هنا، يعني، فقرنا الثقافي والمعرفي في ثقافة اللغتين معا، أو على الأقل، فقرنا في إحدى اللغتين. لقد وجد الأستاذ عبد الله العروي، مقابلا حقيقيا لمفهوم “إيديولوجيا” الفرنسي، في لغة الثقافة العربية، وهو مفهوم “دعوى” وقدم تفسيرا ثقافيا عميقا، على قصره، لهذا التقابل؟ غير أنه ما لبث أن فضل “تلسين” المفهوم، فعربه، بل وخضعه للقواعد الصرفية العربية، فقال:”أدلج“، “يؤدلج“، “أدلوجة“. ومن وقتها أصبحت اللفظة لينة الاستعمال، موحية بدلالالتها في أقلام مفكرين وباحثين عرب معاصرين، في الشرق العربي خاصة. وبالطبع، يمكن لآخرين أن يحافظوا على نفس حقهم في الاجتهاد، مثلما ذهب إلى ذلك الأستاذ طه عبد الرحمان الذي يضع لذات المصطلح، لفظة “فكرانية”. وللمتأمل للمقابلين، العارف بأصول وتاريخ المصطلح عند الفرنسيين، أن يدرك أهمية البعد التقني في الإبداع المتصل بعمل الترجمة، وهو البعد الذي يتضح أننا لا نقصد به إيجاد مقابلات، بل تأصيل المترجم (بالفتح) بحيث يحافظ على بهاء وقوة المترجم انطلاقا من الثراء المعرفي الذي يوجه المترجم (بالكسر)، ثراء مزدوج، أي ثراء ثقافتين في فردية واحدة.

ثمة خلاصتان، يمكن أن نوجزهما في فكرتين: 1 – كل عمل ترجمة يكتسي بعدا تقنيا، ومن ثمة فهو يدعو إلى عمل شامل تعمم فوائده على كافة أنشطة الذهن الثقافية، ذات الطبيعة المتعالية. إن هذا البعد التقني هو ما يجعل الفيلسوف ينهل من ثراء فلسفي تقني، يستنجد به الناقد، والمؤرخ، بل والباحث في نظريات العلم. وهذا البعد الشمولي هو ما يجعل الترجمة عملا تحيطه المسؤولية بالمعنى العلمي، للكلمة. 2 – كل عمل ترجمة، يستجيب لضرورات تقنية خاصة، تجعل الاحتكاك الحضاري ممكنا، وفاعلا، ومفيدا. وهذه الخلاصة هي ما يقودنا إلى الحديث عن البعد الثاني في عمل الترجمة، الذي هو كما قلنا، غير عمليات النقل التي نصادفها في الأعمال الأدبية ذات الغايات التجارية الشديدة الضرر بالنسبة لعمل الترجمة العلمية.

البعد الحضاري في عمل الترجمة 

يتردد كثيرا القول “إن الترجمة مستحيلة”، وقد تحولت في بعض المقاربات إلى أطروحة تم التدليل عليها نظريا، وذلك انطلاقا من الاجتهادات التي تأخذ بها اللسانيات عموما. إذا تركنا هذا الجانب التقني والعملي، فإنه يبقى مع ذلك شديد الصلة بالبعد الحضاري لعمل الترجمة. ذلك أنه لو انطلقنا من كون التقابلات اللفظية، في كل حضارة على حدة، لا تفي بالغرض أبدا، فإنه يفيدنا تجاوز ذلك لسببين: أولهما، أن الترجمة ضرورة حضارية بالأساس. وثانيهما أن ثوابت حضارة غير كافية في حد ذاتها لاستقواء هذه الحضارة وللمحافظة على جوهر تطورها واستمرارها في الزمن. ولهذين السببين، لا يهتم الفاعلون المنطلقون من عمل الترجمة كضرورة، بهذه العوائق الطبيعية التي يوضع على رأس قوائمها أمر الاستحالة. ذلك أن الناس لو أخذوا هذا السبيل اختيارا، لما كان للاحتكاك الحضاري وفوائده العظمى في تاريخ الإنسانية مكان في تعقل أنشطتهم المشتركة.

لذلك فما يعتمد في التفاعل الحضاري، انطلاقا من عمل الترجمة هو الأخذ “بالكليات” المشتركة في الحضارات، وهي كليات من إنتاج “العقل” بمعناه المجرد أي باعتباره مصدر الدلالات التي يبدعها “اللوغوس“، وليس بمعانيه الثقافية والأنتروبولوجية، ومن هنا يقل شأن أطروحة الاستحالة: إن جميع الحضارات تلجأ إلى القياس، والمفاضلة، والترابط، والتحليل، والتركيب، والاستضافة، والتناظر، الخ… غير أن المضامين التي تحملها الحضارات لهذه الآليات النابعة من اللوغوس المجرد، قد تختلف ضرورة، طبقا لاختلاف ثوابت كل حضارة. ومع ذلك فإن ما ينتج عن هذه الاختلافات هو قوائم قاموسية ننجح إلى حد معتبر في حل إشكالات مقابلاتها، وإيجاد قنوات احتكاك بينها. وهذا راجع إلى أن مجال التصور لدى البشر، يتجاوز مجال التناول اللغوي. إننا لا نعبر بنفس الكيفية، غير أننا ننجح في أن نتصور بنفس الكيفية، حتى ولو اختلفت أدوات الحكم لدينا. إن التناول اللغوي جماعي الطبيعة، وفردي في آن واحد. أما التداول الحضاري فهو جماعي حصرا. لأن الحضارات الكبرى، في تعدديتها، تخفي وراءها وسائل ذاتية، هي، جوهريا واحدة، تختلف فيها شروط الإبداع، فينتج عن ذلك اختلاف المناهج وتلاقحها. فنحن إذا لم نأخذ بعين الاعتبار فروقات العبادة، والطقوس التعبدية الناتجة عن الاجتهادات المتعددة داخل دائرة جوهر الدين، نقف على فروقات أخرى في اللغة، وفي الحضارة، أثبتت أبحاث عديدة، انتماءها إلى دائرة جوهر العقل، سواء في إنتاج آليات المنطق أو تقعيدات اللغة. وتذهب نفس الأبحاث إلى أن النظر إلى هذه الفروقات على أنها تضادات صارمة، إنما هو ناتج عن مبالغات قد يسهل دائما تبريرها. هذا فضلا، عن أن تلك الأبحاث لا تقتصر على الكليات الجامعة للحضارات، من قبيل الكليات البيولوجية والفيزيولوجية، ولا على كليات اللوغوس فقط، بل تضيف إليها الكليات النفسية، وهو ما يقرب مما يطلق عليه اللسانيون المعاصرون اسم الأوليات.

ذلك جانب أساسي في البعد الحضاري للترجمة. ومن النافل في القول، إن كل حضارة فاعلة، إنما تحتاج إلى عمل الترجمة لأغراض غدا متيسرا الوقوف على مكوناتها. كما أنه غدا متيسرا تفسير حركات الترجمة، دواعيها، موانعها، صوارفها، في كل لحظة من لحظات الحضارة. أي أنه يتيسر دائما الاستنجاد بالتاريخ، لفهم خلفيات عمل الترجمة عند العرب، واللاتينيين، وحضارات الشرق الأبعد، وهو الاستنجاد الذي قد يسقط أحيانا، عددا من المؤولين، في مناحي إيديولوجية قد تفيد، وقد لا تفيد.

الترجمة والحاجة الجدالية

عرفت جميع الحضارات، وهي قيد النشوء، ثم في مسارها التطوري، ونادرا في حالات اكتمالها، حركة تدور حول قضايا كبرى، فكرية، وعلمية وظفت فيها أنشطة عمل الترجمة توظيفا ملحوظا. وأول ما قامت حوله الدالات هو ما سمي “الترجمة الحرفية”، يتم فيها التقيد، بالمعنى الضيق للتقيد، بالترجمة اللفظية.. ثم ما سمي “الترجمة الحرة”، ويتصرف صاحبها على ضوء فهمه للمعاني التي يجتهد في إيجاد مقابلات تخصها. غير أن هذه الجدالية، كانت دائما، أمرا عاديا. وقد تم تجاوز هذه الثنائية بالاستيعاض عن المسلكين بالترجمة الرديئة، والترجمة الأصيلة. وقد شكلت هذه المسألة موضوعا للجدل واسعا، في ثقافات متعددة. فحول ترجمة القرآن إلى اللغات اللاتينية، قامت وما تزال جدالات لم تختص بها المنابر العلمية، بل تجاوزتها إلى ما دون ذلك. وحول ترجمة أصول فلسفية، من لغة أوروبية إلى أخرى أوروبية أيضا، نطلع باستمرار على جدل علمي مثير بين فلاسفة مختصين، وليس فقط، بين القائمين بأعمال الترجمة. وفي المغرب، أدلى مرارا الأستاذ عبد الله العروي بأحكام تخص أعمال المترجمين، شكلت مادة للجدل، بل واضطر معها إلى إعادة ترجمة أحد كتبه الأساسية دون أن يعفي نفسه من كتابة تفسير غاضب لهذا المسلك، وبين أن هذه الجدالية ستظل مقرونة باستمرار بالترجمة، ما دام هناك عمل يغري بالترجمة، إنه الإغراء الذي توجد وراءه سلطة المنتج للكتاب، العلمية، وسمو مقامه الفكري. غير أن ما يقابل هذه السلطة، وذلك السمو، ليس دائما من نفس مستوى الذي يقبل على اختيار عمل الترجمة. وهذه واحدة من أبرز سلبيات هذا النشاط.

لقد عرفت حضارات أعمال ترجمة، فقط من أجل تحقيق أغراض جدالية، إما علمية، وإما إيديولوجية. نجد الحضارة العربية، والحضارة الغربية، من بين هذه الحضارات التي اتسمت فيها أعمال الترجمة بمآلات من نوع المآل الجدالي. وهو ما نتج عنه، تداخل بين الردائة والرقي، في تكوين التيارات، وخلق الاتجاهات. أما الأهم في هذا كله، فهو أن الترجمة لا تقصى من الروح الجدالية في البناء الحضاري، سواء كانت نقلا، أو أعمال ترجمة خالصة. فلكي يدعم اتجاه ما، نظرياته، ومواقفه، ويسهل تحقيق غاياته، لا يجد الطريق إلى ذلك، فقط عبر اجتهاداته. لهذا المسلك، إيجابيات لا ترد. ذلك أنه عن طريق ضرورات الجدل. نكتشف آخر، فنحضنه ثم نوظفه. وقد يغضب هذا الاكتشاف آخرين. مما يضطرهم إلى إعادة النظر في تصوراتهم. وبدون هذه الروح الجدالية، وبدون تطعيمها بأعمال الترجمة، ما كان للثراء الحضاري أن يستقيم، في أي لحظة من لحظات التاريخ، سواء في عصور بعيدة، أو في زماننا الجاري هذا. لقد أوردت نصوص قديمة(2)، آثار هذه الروح، وتجري في عصرنا مجادلات، ترتبط أحيانا بأعمال الترجمة، وأحيانا أخرى بآثارها غير المباشرة، وقد ترتبط على نحو مختلف، في بعض الحالات، بالترجمات غير المعلنة، والتي ينسب أصحابها منتجاتها لعقولهم. ومع ذلك، فإن ما يبرز تلك الروح، بكيفية مثيرة لشهية القراءة، وبمضامين مغرية بالتدبر، هو هذا العطاء من النصوص القديمة، والذي لو خصصت لشذراته، أو فقرات بطولها، لكونت عملا مستقلا. ما تثبته هذه الفقرات، في نصوص قديمة متفرقة، هو أن أعمال الترجمة لم تكن بعيدة عن إضفاء روح الجدل، أو الإسهام فيها، على نحو غير مباشر. وإذا كانت لعمل الترجمة أفضال كثيرة، فإن من بين أهم أفضالها، الاستجابة للحاجة الجدالية لدى مكونات الحركات الفكرية العامة، داخل كل منظومة حضارية. وهذا النتاج غير المباشر لعمل الترجمة، هو ما يعطي لما أسميناه في بداية مقالنا هذا ارتباط عمل الترجمة بالتجديد كضرورة حياتية لا محيد عنها.

لقد لخصنا، في هذا المقال، الأبعاد الثلاثة للترجمة، كما نراها، مستقين ذلك من بحث أنجزناه، لغير الغرض المتوخى في هذا التلخيص. وقد قصدنا من ذلك أن نبرز الأهمية الخاصة لعمل الترجمة الذي لم يعد مفيدا إبقاؤها بعيدا عن الاهتمام العلمي. ذلك أن المغرب، والعرب عموما، يعرف منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن حركة ترجمة جديرة بالنظر، وبالتساؤل حول مجمل معطياتها، ودقائق نتاجها. ويبدو أن هذا التراكم، لصيق بما أسميناه الأبعاد الثلاثة للترجمة 

 مجلة الجابري – العدد العاشر


هوامش:

1 – انظر: “Piaget – J – et autres…: Logiquelangage et théorie

2 – النصوص كثيرة: انظر مثلا ابن سبعين في بد العارف، أو المراكشي في المعجب.