مجلة حكمة
ابن خلدون و العصبية

ابن خلدون: براديغم تركيبي لحضارة شبه مكتملة – بن محمد قسطاني


ملخص:

سعينا في مقالنا هذا، مساءلة منطق اشتغال ابن خلدون ، وطريقة تفكيره العلمية، بالاسترشاد بكيفية اشتغال العلوم الإنسانية المعاصرة، ليس بهدف محاكمته، أو إثبات عبقريته، ولكن بهدف استكشاف حسّه الاجتماعي والعمراني الاستثنائي، الذي تجاوز به المعرفة الإخبارية والحسّ المشترك. وبروح منهجية خاصّة، تقترب وتبتعد في الآن نفسه، من المنهجية المعاصرة في علوم اليوم. وقد خلصنا إلى أن البراديغم الخلدوني، الذي تبلور في مناخ ثقافي غنيّ وخلاق، ما هو إلا تعبير عن حضارة واسعة وشبه مكتملة. وتبقى الحسنة العظمى لابن خلدون، في التركيز على القوة والصراع والرهانات، ليكون جدًا لماركس(K. Marx) وفوكو(M. Foucault) وبورديو (P. Bourdieu).


 

“وأمثال ذلك كثيرة، وتمحيصه إنما هو بمعرفة طبائع العمران، وهو أحسن الوجوه وأوثقها في تمحيص الأخبار وتمييز صدقها من كذبها، وهو سابق على التمحيص بتعديل الرواة، ولا يرجع إلى تعديل الرواة حتى يعلم أن ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع، وأما إذا كان مستحيلا، فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح.”[1]

مقدمة

عندما أكشف عن مطبخي الداخلي وعن مكتبتي الذهنية، وفي إطار التأمل الذاتي، أعترف أن الذي أوحى بهذه المقالة، ليس العودة إلى قراءة ابن خلدون، بقدر ما هو تتبع مسار المحطات الرئيسية لتصور وبناء السوسيولوجيا الحديثة مع إميل دوركايم (E. Durkheim) في نهاية القرن التاسع عشر، وفي قواعد المنهاج السوسيولوجي خاصة[2]، ومع ماكس فيبر(M. Weber) في المفاهيم الأساسية للسوسيولوجيا[3]. ثم كيف حاول بيير بورديو(P. Bourdieu) في نهاية ستينيات القرن الماضي ضبط مهنة عالم الاجتماع[4]. وبعد ذلك البحث الدقيق لجون كلود باسيرون (J. C. Passeron) الممهور بمنطق السوسيولوجيا في تسعينيات القرن الماضي[5]. دون إغفال المساهمات السوسيولوجية والأنثربولوجية الرائدة في العالم الأنجلوساكسوني.

هذه المحطات الثلاث، والتي توازيها أخرى وتتخللها أخريات، سواء في فرنسا أو في دول غربية أخرى، وإن اختلفت فيما بينها، وحصل نوع من التقدم في تحسين الدلالات والإجراءات فيها، وتمّت بها ومعها قطائع. فهي كلها تحاول إرساء منطق السوسيولوجيا (le raisonnement sociologique) والوفاء للحسّ السوسيولوجي، إن أحسنّا ترجمة (l’esprit sociologique) كما طرحه السوسيولوجي الفرنسي بيرنارلاهير Bernard Lahire)) في كتاب له بنفس العنوان[6]، عندما تعرض للفيلسوف ميشيل فوكو (M. Foucault)، معتبرًا إيّاه ذا حسّ سوسيولوجي، يتجلى في التحدث بنفس لغة السوسيولوجيين، وفي نبذ بداهات الحس المشترك العادي أو العالم، وكذلك في ضرورة اعتبار العالم المألوف غريبًا يجب العودة إليه وعدم اعتباره معطى واضحا بنفسه[7].

هوذا السياق المعرفي الذي حفزني للعودة لابن خلدون، والذي أجزم وبدون تردد، أنه يملك حسًّا اجتماعيا استثنائيًا، وهذا ما نحاول فحصه وتبيانه في هذه العجالة.

 

أولا: في ابستيمولوجيا ابن خلدون

ابستمولوجيًا، لا يمكن أن نتحدث عن علم معيّن، ما لم يستطع أن ينشئ له موضوعا خاصًا ومحددًا، لا يشاركه فيه علم آخر[8]. ومن هنا أهمية التعريفات والتحديدات الخاصة بالظواهر المراد فحصها ودراستها. غير أن الموضوع وحده لا يكفي، إذ تبقى المنهجية ضرورية في كيفية تناول الموضوع؛ ووصفه؛ وفحصه؛ ومحاولة فهمه، وتحليله. ومسألة الموضوع والمنهجية والعلاقة بينهما هي قلب التفكير في منطق العلم وفحواه وجدواه. أن نحدد ظواهر معينة كي تكون موضوعًا لعلم ليس أمرا بديهيًا ولا عشوائيًا، فالتاريخ يسعفنا بكون الضرورة الاجتماعية والمعرفية هي المحدد الأول لميلاد العلوم. إذ لا يولد علم حتى يمر بمخاض الفلسفة والأشكال المعرفية الأخرى، وحتى ينعتق من “ما قبل الموضوعات”(les prénotions) بتعبير دوركايم، و”خرافات العامة” بتعبير ابن خلدون.

كما أن تحديد الموضوع مسألة معقدة فيها الاقتباس والاقتداء بعلوم سابقة، مثل علم الحديث بالنسبة لفن التاريخ، والفيزياء والبيولوجيا بالنسبة لميلاد السوسيولوجيا. كما  فيها المستوى العلمي الذي وصل إليه المجتمع والمؤسسات المشتغلة. وكذلك المسار العلمي للمؤسس وخبرته الحياتية من تدريس وممارسة سياسية أو قضاء، وغير ذلك من مناحي الحياة. وغالبًا ما يملي ما نبحث فيه كيفية البحث فيه وضعا لمعايير الفحص والحقيقة والموضوعية والصواب.

إن مسألة ملائمة المنهاج للموضوع هو منطق العلم (le raisonnement scientifique) نفسه، فعندما يحدد العلم في أي شيء سيشتغل بالتحديد والتعريف والإحاطة، يحتاج إلى وضع سبل الفحص منطقا أو تجريبا أو وهما معا، اعتمادًا على طبائع الأشياء بلغة ابن خلدون. ملائمة المنهاج للموضوع، ثم بناء المعيّرة والقواعد من أجل العودة المعيارية للوقائع، هي مسألة التمحيص التي تعني لغة إزالة الشوائب والعيوب، والاعتماد على الطبائع التي تعني لغة أيضًا خصائص الشيء الملازمة والضرورية داخليا، والصفات التي نطلقها عليها خارجيًا.

نحاول في هذه المقالة إذا، الإلمام بطريقة تفكير ابن خلدون العلمية، أو بتعبير أدق بالمنطق الذي يشتغل وفقه فكر العلامة. كيف ينشئ موضوعاته، هل من الذاكرة أم من المخيلة؟ من الواقع التجريبي أم من الاستنباط المعياري؟ وكيف يبني هذه الموضوعات؟ ويضع لها حدودًا وتعاريف؟ وما هي مناهجه وسبل الوصول عنده إلى الحقائق العلمية؟ وما هي الاعتقادات الفكرية والمنطلقات المعرفية التي توجه تحرياته؟ وكيف تعامل مع الحس المشترك[9]؟ كل ذلك وفق حسّه الاجتماعي والعمراني والحضاري الذي تجاوز به المعرفة الإخبارية نحو بناء صرح جديد للنظر.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فنحن نفعل ذلك مسترشدين بكيفيات اشتغال العلوم الإنسانية المعاصرة، ليس في أفق أن نطلب من ابن خلدون ما لا يمكن أن يقوم به، وليس في أفق إثبات العبقرية للعلامة كعقدة تبرير أو تعويض أو”إثبات هوية” أو “تعويضا نفسيا” أو “فقرا في النظر”[10]. نقوم بذلك لاعتقادنا الراسخ بأن الفصل المنهجي في التراكم العلمي هو فصل في النتائج وكيفية بناء الموضوع والتقنيات وليس في الحس والروح والمنطق والخيال والذكاء. إن القياس هو القياس، والفطنة هي الفطنة، والذوق هو الذوق، وكذلك الخبرة الحياتية والممارسة، والذي يتغير هو السياقات، بالتراكم وغنى المعارف والقطائع التاريخية. هي مسألة تجسير بين الروح المنهجية الخلدونية والحس السوسيولوجي.

من زاوية أخرى، واعتبارا لراهنيّة مفهوم الهوية، واستغلاله الفادح في الحروب الأهلية العربية تكون العودة إلى علاقة ابن خلدون بالسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا الكولونياليتين جد مثمرة. يحدثنا التاريخ عن حدث يربط بين ابن خلدون والاستعمار عندما أمر وزير الحرب الفرنسي بطبع كتاب “تاريخ البربر” سنة (1840)[11]. أما الإثنولوجيا في الجزائر والتي تعتبر فيها أعمال هانوطو (Hanotaux) ولوتورنو (Le Tourneau)، ودجندر ماسكوري (DJENDER M) مركزية، لا يمكن استبعاد كون  كثير من أحكامها من المقدمة[12]. وتتخذ المسألة بعدًا أخطر عندما نربط ابن خلدون بغوتييه(Gautier) المترجم الأول للمقدمة، والذي قال عنه إيف لاكوست(Yve Lacoste):” إن واضع النزاع البدوي والحضري، وغزوات العرب هو إميل فيليكس غوتييه (Émile-Félix Gautier)، فبعد أن أسهم سنة 1897 إلى جانب غالياني(le général Gallieni) في القمع الرهيب لثورة “الفاهافالو”(Fahavalo) في مدغشقر، عين أستاذًا في مدينة الجزائر، وأصبح أحد ألمع منظري الاستعمار..”[13].

هكذا تتضح عامّة، العلاقة المعقدة بين ابن خلدون والسوسيولوجيا الكولونيالية، عبر الاهتمام السياسي المباشر أولا، ثم عبر الاستغلال ” العلمي”؛ عبر المفاهيم، و العصبية خاصة.

ما يثير في فكر ابن خلدون، وما لم يكن عاديًا بالنسبة لمن يعود لقراءة مقالته، بالقياس مع الطبيعة الاستنباطية لمفهوم العلم التقليدي السابق له، والمستوى المعرفي لزمانه، ثلاثة أمور ملفتة: أولاها، منهاجه الاستقرائي الملائم، المبني على أخبار الدول، وعلى ملاحظات عينيّة لأحداث بعينها، وذلك كله ببناء منهج رصين يمتح من قياس منطق الفكر السليم، وطبائع الأشياء والعمران. وثانيها، قدرته على جمع المشتت من الأحداث في نماذج مثالية بالمفهمة العالمة، والتي تذكرنا بالمنهاج الفيبري، والمتخصصة لتصب في العلوم المعيارية، بعيدًا عن التمثلات والحسّ المشترك. أما ثالثها، فهي قدرته على بناء القطائع المنهجية بين مجالات المعرفة، فتراه فيلسوفا مع الفلاسفة، وفقيها مع الفقهاء، ومؤرخا مُمحصا للأخبار بتحديد المفاهيم والمقاربات. وهي كلها خصائص تقترب من المنهجية المعاصرة للعلوم الإنسانية، بمعنى عدم محاولة الفهم والتفسير إلا على أساس المعطيّات.

ذلك ما نروم بسطه في هذه الورقة، لكن بعد تحديد المؤثرات الاجتماعية والفكرية والحضارية التي رافقت مشروع ابن خلدون، والتي بها نُزيل القداسة عن إبداع فذ، لا يمكن أن ينتج في صحراء. ونوجز هذه المؤثرات في القبيلة، والثقافة الإسلامية، والثقافات المتوسطية، وحضارة الأندلس.

ثانيا: المؤثرات الاجتماعية والفكرية والحضارية في فكر ابن خلدون

1)في القبيلة

لا يمكن أن نفهم فكر ابن خلدون، وربما تاريخ العرب والمسلمين، دون العودة إلى فهم القبيلة، ما هيّ، وكيف تشتغل؟

القبيلة جماعة تنتسب إلى جد حقيقي أو وهمي[14]، ويعتبر هذا الانتساب نعتا لها، وصفة وتمييزًا عن القبائل الأخرى. ويتخذ التمييز شارات ورموزا وتاريخا وشعارًا. ومن هنا أهمية الانتباه لحالة الميّز هذه، حالة تهب الهوية وتحمي من الفناء والانصهار. كما أن الانتساب يهب القدرة على الاستمرار في العيش سويّة وفق الانتماء إلى دم واحد وأرومة واحدة يجب الدفاع عنها، والموت في سبيلها، وتلك هي العصبية ، والتي قد تضاف إليها عصبيات سياسية مثل الولاء والدين[15].

لفهم القبيلة ونفسيتها الاجتماعية، لا بد من استحضار كونها تجمعًا يستجيب لحاجات طبيعية بالدرجة الأولى، الدفاع عن البقاء وعن المراعي، وما يلي ذلك كله بنية فوقية، بما في ذلك العرض، والشرف، والكرم و العصبية .

القبيلة وحش طبيعي، تنين متعدد الرؤوس، لكنه جسد واحد شرس يدافع عن نفسه بالعادة؛ والعرف؛ والرمز؛ والأسطورة، لكن بالحرب بالدرجة الأولى[16]. القبيلة حيوان حربيّ، ودون فهم الحرب، ومظاهرها، وأنواعها، والعادات المرافقة لها، والأعراف الضابطة[17]، دون ذلك لا يمكن أن نفهم نفسية أمم العصبيات بتعبير ابن خلدون.

يقول ابن خلدون: ” والثاني وهو العدوان أكثر ما يكون من الأمم الوحشية الساكنين بالقفر كالعرب والترك والتركمان والأكراد وأشباههم لأنهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بأيدي غيرهم ومن دافعهم من متاعه أذنوه بالحرب ولا بغية لهم فيها وراء ذلك من رتبة أو ملك..”[18]

القبيلة بنية تحتية، وآلية اشتغال معاشي، وحربي، بنية تحتية لنفسها ولما تحتها من الأفخاذ، وحتى لما فوقها أحيانا، من الأحلاف والدول[19]. كما أنها بنية رمزية للمستويات كلها. القبيلة ثقافة تشتغل وفق آليات دقيقة من القيم والعادات والأعراف والأوفاق. وذلك بغرائزية الدفاع عن المعاش والاستمرار، الأمر الذي يفسر التصاقها بالطبيعة وحسية فنها وأشكالها التعبيرية. لا يمكن فهم القبيلة دون الانسلاخ عن الثقافة الحديثة، ثقافة المدينة والعقلانية.  

2)في الثقافة الإسلامية

الثقافة الإسلامية هي القرآن؛ والسنة؛ والشريعة بعد ذلك؛ وما استدعى ذلك من علوم من أجل الفهم مثل التفسير؛ ومن حفظ الذكرى مثل التاريخ؛ ومن علوم مساعدة؛ اللغة خاصة: النحو، والبيان، والمعاني، والبديع[20]. ثم الشريعة من أجل استنباط أحكام العبادة والمعاش، والأوفاق من القرآن والسنة. وعلوم الشريعة هي الأصول، والفقه، وتدبر الأعمال..[21].

هذا في البداية، بعد ذلك واحتكاكا بالثقافات الأخرى ظهر علم الكلام، ما بقي منه لصيقا بروح النصوص من أشعرية، وما تشبع بالمنطق ليوافق الشرع مقتضى العقل السليم كالمعتزلة، وبينهما مقالات…، ثم الفلسفة وهمها الأول، التوفيق بين الدين والعقل، ومسائل أخرى منها الجواني داخل الملة، ومنها المشترك بين جميع الناس…، ثم جاء التصوف كتأمل باطني ذوقي، فردي وجماعي استلهم كل الأذواق وكل الفنون التي عاشتها التجارب الروحية لكل الشعوب المتاخمة[22].

إلى جانب ذلك لا يمكن فهم الثقافة الإسلامية دون بعدها الفقهي القانوني سواء على مستوى علاقات الأفراد فيما بينهم، أو علاقات الجماعات فيما بينها، أو على مستوى الآداب السلطانية. هذا البعد القانوني بقي مستمرًا رغم اضمحلال الأشكال الفكرية الأخرى، وهو الأمر الذي يؤهله ليساعدنا في فهم كيفية صياغة المجتمع لنفسه وتدبيره لمصيره قبل الاستعمار.

وإلى جانب كل هذا يقف الشعر شامخا كرافد مركزي للآداب، إلى جانب رسائل الدواوين ونثر الفريد من كل شيء، من الأغاني حتى الحيوان والبخلاء…، دون نسيان العلوم كحاجة طبيعية وكمطلب ضروري لذوي المكانات، الطب، والفلك، والرياضيات، وغيرها من علوم الطبيعيات بلغة  العصر…

تلك الأمواج الزاخرة كانت بحر الأفذاذ منذ التلمذة حتى الرياسة، وكانت الخلفية التي غاص فيها ابن خلدون، واتخذ منها مواقف معقدة ومركبة، من إعلان نوع من التصوف السني ذوقا، والأشعرية كلاما، والمالكية فقها وقضاء، وإعلان عداء للفلسفة[23]، والسخرية من تماميتها المنهجية التي تسقطها في المزالق والمطبات..، لكن ومع ذلك أبدى عقلانية فذة في القياس وملاحظة مجريات الأحوال بروح فلسفية عميقة وقويمة.

3) في الثقافات المتوسطية

في العصر الوسيط كان البحر المتوسط يمثل مركز الأرض، حيث لقاء الأديان السماوية الثلاث وفلسفة اليونان والتجربة السياسية الرومانية والفارسية…، وفي قلب المركز تعتبر الأندلس جوهرة الحضارة والازدهار، حيث قطفت ثمار ما وصلت إليه الحضارات الإنسانية كلها، سواء على المستوى السياسي ونظام الملك، أو على المستوى المعماري وبناء المدن، وكذلك على المستوى التقني والزراعي، من مدّ القنوات واستيراد المزروعات …؛ وكان لابد لهذا الرفاه، من إنتاج فكر ملائم ينظم الواقع أولا، وكان الفقه والتشريع في مستوياتها المتسامحة مالكية وظاهرية خاصة، ثم المستويات العليا من فكر وفلسفة وطب وحوار أديان وشعر..

كانت قرطبة واشبيلية، بل وحتى القرى الأندلسية تموج بالإبداع والحوار، وكان التلاقح مع فاس، وتلمسان، والقاهرة، ودمشق، مثمرًا..،هو المناخ الثقافي المتوسطي غير الموغل في تجريد فلسفة اليونان، وحكمة الأسيويين …مناخ الملائمة والنفعية، إنه المناخ الثقافي الذي عاش فيه الرجل الفذ ليوهب عقلية الملاحظ، والممارس، بخلفية الفيلسوف اللبيب..

4) في الثقافة الأندلسية

لا يمكن فهم ابن خلدون دون العودة إلى حضارة تكاد تكون مكتملة، وهي الحضارة الأندلسية التي توفرت لها كل شروط النجاح الاقتصادية، والزراعية، والتجارية، والفكرية. حضارة مدن مزدهرة مثل قرطبة، واشبيلية وغيرها. مدن تجري من تحتها الأنهار ريعا وفر الفائض لاستدراج مزيد من الهجرات والتلاقح العربي و الأمازيغي واللاتيني، المسلم منه  والمسيحي، واليهودي. وبنيت مدارس لتوفير الخبرات لسد الحاجات الضرورية، من ماء عذب، وري، ومعمار، وتقنيات الدفاع، وحفظ الصحة وضبط المعاملات… وحاجيات يومية من قوت ولباس  في أسواق عامرة … وكماليات من غناء وشعر وطبّ  وفلسفة رفيعة.

 فأنتجت المدارس أسماء فذة مثل ابن حزم، وابن طفيل، وابن سبعين، وابن عربي، وابن زيدون، وابن رشد وابن ميمون. ورغم الهموم السياسية الضيّقة، ورغم استبداد الفقهاء، المتزمت أحيانا، فالسائد كان تفتحا وعقلا لأنه وحده حفظ خيوط الحوار.

تلك كانت الأرضية الاجتماعية والثقافية العامة التي شكلت الذهنية الخلدونية، والتي لا يمكن تفسيرها بالعبقرية فحسب، فابن خلدون نفسه يذكرنا بجودة الدروس التي تلقاها من طرف أساتذة أكفاء[24]، يشرفه أن يكون تلميذًا لهم وبعد ذلك زميلا..، كما يحدثنا عن زملائه في السياسة، من كتّاب، وشعراء، من المستوى الرفيع، الأمر الذي سهل عليه مأمورية كتابة كثير من الأبواب في الصناعات، والأدب، والفلسفة، والطب، والشعر.

ثالثا: ابن خلدون وفن التاريخ: المنهاج.

لكتاب المقدمة[25]، مقدمة منهجية تتكون من أربعة نصوص، الأول بدون عنوان وهو عبارة عن مدخل تقليدي، لكن العلامة استغله للبدء في طرح تصوره لمشروعه (من الصفحة 3 إلى الصفحة 9). النص الثاني عنونه بالمقدمة في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها ( من الصفحة 9 إلى الصفحة 14). النص الثالث عنونه بفصل، دون إضافة أو تخصيص( من الصفحة14 إلى الصفحة 35). ثم الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ونحوها، وما لذلك من العلل والأسباب(من الصفحة 35 إلى الصفحة 41).وهو كما يتضح بداية طرح المشروع في شرح طبيعة العمران، لكن مازال في بداية الباب يوضح منهجه.

في هذه المقاطع يصف ابن خلدون، بشكل معلن وبمنهجية مدهشة، مسلحة بخلفية فكرية وفلسفية قوية، محيطة بحيثيات الإدراك الإنساني، و المعرفة البشرية. بقواعدها المنطقية من جهة، وقوانين الأشياء الطبيعية، منها والإنسانية من جهة أخرى.

وهي منهجية تروم التطبيق الملائم على أحداث بعينها، وعوائد خاصة، في رقعة من الأرض محددة. دون جموح النسقية الفلسفية. وكل ذلك من أجل بناء معارف دقيقة، وإن استعملت القياس فمن باب الشاهد على الشاهد، وليس من أجل التعميمات المألوفة لدى الفلاسفة منذ أرسطو والفارابي. “داخلا من باب الأسباب على العموم إلى الأخبار على الخصوص”(ص7)، مستعملا في ذلك لغة علمية تقريرية غير تأويلية. والغاية من كل ذلك عدم اعتبار التاريخ محض رواية الأحداث دون تمحيص، وكذلك الابتعاد عن التقليد ” حتى تنزع من التقليد يدك” (ص6)، وهذا يذكرنا بمقدمة دوركايم لكتابه قواعد المنهاج السوسيولوجي عندما أعلن عدم إعطاء أي سلطة للحس المشترك سواء على مستوى الرأي المكتسب أو على مستوى الأفكار المسبقة.

بعد ذلك، يحسم ابن خلدون على أن التاريخ فن، وهو مرادف الصناعة والعلم بلغة عصره. إذا كان التاريخ فنًا، فبماذا هو كذلك؟ هو كذلك بباطنه، أما ظاهره فهو كونه مرغوب فيه، ومن ثمة قربه من الأدب وحسن الحديث، والسمر والأمثال كما ذكر. و هو أمر يتساوى فيه العلماء والجهال، ويعني هنا ربما بعد المتعة لهذا الفن الذي يبدو ظاهرا على أنه العناية بالخبر، ما يشبه اليوم عمل الإعلامي والصحافي، حيث الاهتمام بالبارز من الأحداث مثل الحروب، والأيام، بلغة العرب، وكما ذكرها ابن خلدون. وكذلك سرد أخبار الدول، السلطة والقوة باللغة السوسيولوجية الحديثة، وكذلك المجال والجغرافيا، وتغلب الأحوال.

أما باطنه فهو نظر، بكل المعاني التأملية القياسية، وحسن التقدير من جهة، والاستقرائية المتتبعة لطبائع العمران من الجهة الثانية. ويلخص ذلك في كونه تحقيق بما تعنيه من المعيارية، وتراكم المعارف المقعدة، والاحتكام إليها. وكذلك المرافعة والحجاج، وامتلاك الحجة كأننا في محكمة العقل. ولا يمكن أن يتم ذلك دون الفهم وما يستدعيه من الفطرة السليمة والذوق الملائم والقدرة على التحليل. وذلك كله وفق القوانين والمبادئ المرتبطة بكيفيات الوقائع، وأسباب وقوعها.

 بكل ما سبق، يستحق هذا العلم أن ندرجه داخل الفلسفة، وهو أصيل في الحكمة يقول ابن خلدون، لكنه أصيل بغير النسقية، وقياس الغائب على الشاهد وإنما بالحيثيات السابقة.

هذا العلم، يرى ابن خلدون أن مزاوليه أنواع:منهم الفحول المستوعبون والممحصون، ومنهم المتطفلون الذين خلطوا التاريخ بدسائس من الباطل، ومنهم المقتفون. وبذلك وصلتنا الأخبار غير منقحة، تارة عن غير قصد، وتارة بابتداع زخارف الروايات وفق التلفيق والوضع. 

بعد ذلك يعرج على ذكر عيوب المقلّدين، والتي ينطلق فيها من طبيعة الأخبار نفسها التي ترتبط  بالغلط والوهم، كما  طبيعة الإنسان مرتبطة بالتقليد والتطفل على الفنون، وسيادة الجهل. ويرجع ابن خلدون أسباب تهافت المقلدين إلى أمور أربعة هي:

1) عدم استعمال الملاحظة في أسباب الوقائع؛

2) عدم مراعاة مقتضى الأحوال؛

3) عدم رفض الترهات؛

4) عدم التحقيق والتنقيح؛

لأنهفي رأيه، الحق لا يكون إلا بالبصيرة.

أما أصحاب الإمامة المعتبرة والشهرة، فهم أقلية، مثل أبي إسحق الطبري، وابن الكلبي، والواقدي، والأسدي، والمسعودي، رغم عموم مناهجهم ومسالكهم، ورغم كون المسعودي والواقدي فيهما المطعن والمغمز فهما مقبولان، شريطة انتباه القارئ وفق طبائع العمران. وغير هؤلاء ليس هناك سوى مقلد بصفات سلبيّة، مثل بلادة الطبع والعقل، والذهول عن التحولات التي تقع في المجتمع.

من هذه الصفات نستشف شرط النباهة الذي يشترطه ابن خلدون لمزاولة علم التاريخ، خاصة نباهة الانتباه للتغيّر لأنه جوهر التاريخ، ومن قرأ أحداثه ثابتة ما فهم شيئا، لأنه سيجرد الصور عن موادها، وهذه آفة الفلسفة عند ما تقيس الشاهد على الغائب. ويتجلى الذهول هذا في أشياء يجب الانتباه إليها، مثل ضرورة ربط الظاهر بالباطن، والسابق باللاحق، والطريف بالتليد، وكذلك في عدم البحث في الأصول. بعد النقلة، جاء المختصرون، مثل ابن رشيق الذي اكتفى بالأسماء دون الأنساب، وبذلك بقيّ عند سطح السطح.

بعد هذا التمهيد الهادم، وعلى طينة الأفذاذ، يبني ابن خلدون منهاجه على التفصيل، ليس في الأخبار فحسب، بل وفي الاعتبار، وذلك ليس بالوصف والوقوف عنده، بل بالفهم والتحليل في البحث في علل وأسباب ظهور الدول مع الاقتصار على المغرب، مغرب العرب والبربر.لأنه يكاد لا يتصور غيرهما كما يقول، وهو تحديد منهجيّ يكاد يقودنا إلى المونوغرافيات السوسيولوجية المعاصرة. مغرب الضواحي(القرى بلغة عصرنا)، والمدن والأمصار (الجهات والأقاليم بلغة عصرنا أيضًا)، ثم الاهتمام بالقوة والسلطة كموضوع مركزي في علم الاجتماع السياسي.

 هذه هي منهجيته في البحث، أما بيداغوجيته وطريقته المبتدعة بتعبيره، فكانت معلنة أيضًا في مخاطبة الخاصة من العلماء، لأنهم وحدهم يقدرون تجاوز الطابع التبسيطي للخبر، نحو البحث في العلل وأخذ العبر. وكذلك في سلك مسلك التبويب والشرح  للاجتماع الإنساني تبعًا للعوارض الذاتية وعلل الكوائن.

بعد ذلك، وفي فصل”في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها”، يعرض ابن خلدون بشكل نظري وتطبيقي إلى ذلك الفن الغزير المذهب، والذي يحصر فائدته في الاقتداء، وذلك بإيراد المعارف الكثيرة والمتنوعة اللازمة لكل من أراد أن يزاول هذا الفن والتي حصرها في:

– النظر والتثبت؛ وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه اليوم الملاحظة بأنواعها والفهم والتفسير.

– أصول العادة ؛وهذا ما يذكرنا بالمتغيرات المتلازمة سواء في الوقائع أو الأفعال.

– قواعد السياسة؛ وهذا أيضا يذكرنا بالمؤسسات والنظم الاجتماعية.[26]

– طبيعة العمران والأحوال؛ ومن هنا أهمية البحث في القوانين الضابطة للتاريخ دون تاريخية، بجمع المعطيات فحسبه، وهو ما يطلق عليه  دوركايم علم المعطيات.

– قياس الغائب على الشاهد والحاضر بالذاهب؛ منهاجا وعبرة.

– عرض على الأصول؛ بالبحث في منابع الأمور.

– القياس بالأشباه، واعتبار السياقات.

– سبر لمعيار الحكمة؛ عبر الوعي بأهمية النظر وعدم القطع المنهجي مع الفلسفة.

– الوقوف على طبائع الكائنات؛ ومنه أهمية علوم الطبيعة.

– تحكيم النظرة والبصيرة؛ وهو ما يسميه أحيانا بالكياسة.

ويمكن إجمال الخصائص المذكورة كلها في المنهجية القياسية سواء في فحص الموجودات، أو الوقائع على أساس الطبائع، أوعلى مستوى القياس.

 

رابعًا: المفاهيم المحورية عند ابن خلدون  

من المقومات الإبيستيمولوجية لابن خلدون التي تقلص كثيرًا من المسافة الفكرية بينه وبين السوسيولوجيا المعاصرة اعتماده شبكة قراءة متكئة على مفاهيم ملائمة نبعت من الواقع أو الميدان باللغة المعاصرة، وتستعمل بالعودة إليه لوصفه وفهمه وتفسيره. وتعتبر العصبية نواة شبكة القراءة هذه، والتي تمتد لتشمل مفاهيم أخرى، مثل البداوة، الدولة، الملك، الحضارة، المعاش، والعلم…إلخ[27]. وهي كلها مفاهيم أبدعها ابن خلدون بحذر منهجيّ، وبنسبية نظريّة يقظة، في إطار البحث والاجتهاد، والاقتصار على معطيات شمال إفريقيا، بعيدًا عن أيّ نسقية فلسفية تريد بناء مدينة فاضلة.

ما هي العصبية عند ابن خلدون؟

للعصبية أبعاد عدة، فهي ملك و مزيّة، وشرط وجود البدو، إنها نمط عيش وإنتاج ونظرة إلى الكون وقاع حياة. إن العصبية التي يملكها البدو تملكهم، وهي محركهم وقوتهم، وقد يكون مطمحها واكتمالها الملك والدولة. وهي بذلك مُحرك يحمل في ذاته ضعفه ووهنه في اكتماله الحضري، والذي وإن كان أعلى فهو سريع العطب لأنه بدون العصبية نفسها. ورغم إقرار ابن خلدون بكون البداوة هي البداية، وهي محركة التاريخ، إلا أنه ينتقدها ويقر بأنها بحاجة إلى الحضر.

ولفهم أكثر دقة، يجب أن نعترف بأن ابن خلدون يتحدث عن البدو بصيغة الجمع. فمنهم «الأبّالة» وهم أصحاب العصبية بالمعنى الدقيق، لأنهم معرفون بالأصل والنسب والبأس والخشونة والغزو، وهم الذين يحملون وطنيتهم فوق جمالهم ورماحهم. وقد يكون الصنف الثاني من البدو من ضحايا الصنف الأول، وهم «الشاوية»، صنف متحرك أيضا لكن ببطء أكبر. وبعد ذلك يأتي الصنف الثالث «أصحاب الواحات والوديان». هؤلاء أدنى الحضر في الحضارة وأعلاهم في الخشونة، كما أنهم أعلى مستويات البدو في الحضارة. وتعتبر هذه الحلقة أساسية لأنه منها تنطلق الدعوات والدول. إن العقل المدبر مستقر ولو في أدنى مستويات الاستقرار. وعندما يقول بأن البدو محتاجون إلى الحضر في الضروري، فهو يدخل المستوى الثاني والثالث في الحضر.

إن البدو لا اكتمال لهم، إلا بالدولة والملك، والدولة حضر. وبذلك تأكل السياسة البدوية نفسها. هذا هو مصدر تشاؤمية ابن خلدون ونظريته الدائرية التي تأسست على منهجية استقرائية. إن القراءة الأولية لتاريخ ممالك المغرب؛ المرابطين والموحدين والمرينيين، لا يمكن إلا أن يقر بإجرائية مفهوم العصبية المبني هو نفسه على القبيلة. القبيلة و العصبية إذا حقيقة واقعية، لكن بحركية وتلوّن وتشكل مرتبطين بالزمن وأحوال المعاش وأشكال التغلّب بالمصطلح الخلدوني نفسه.

ورغم ذلك، وربما هذا هو المهم والآن خاصة، فإن العصبية باقيّة حتى بزوال الدول، لأنه نمط عيش وأسلوب حياة بيئي، يقول ابن خلدون: “والثاني هو العدوان أكثر ما يكون من الأمم الوحشية الساكنين بالقفر، كالعرب والترك والتركمان والأكراد وأشباههم، لأنهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بأيدي غيرهم، ومن دافعهم من متاعه آذنوه بالحرب ولا بغية لهم فيها وراء ذلك من رتبة أو ملك …”[28]. وهو طرح واضح، لكون ” العصبية قوة حيوانية غير خاضعة للإرادة الإنسانية”، وهكذا يتضح الطابع المؤقت والنسبي للدائرية الخلدونية، بالنسبة للدولة التي تزول، وتبقى القبيلة ولو على مستوى الذهنية والقيّم.

العصبية عند ابن خلدون عصبيّات، ففيها عصبية النسب ولا تتوفر سوى في الحالات البدوية النقيّة، مثل المرابطين والموحدين والمرينيين، ثم عصبية ولاء كما هو الأمر لدى الترك والمماليك، ثم عصبية دعوة عند الأدارسة التي ربطت الولاء بالدعوة نظرا لافتقارها لعصبية النسب والقبيلة.

العصبية بكل ما سبق، بؤرة شبكة القراءة التي اعتمدها ابن خلدون لفهم تاريخ دول شمال إفريقيا ومعاشها وعمرانها وحضارتها وعلومها. وهي مفهوم استقاه بالاستقراء والمعاينة والملاحظة بالمشاركة.

ذلك هو البراديغم الذي حدّد معالمه ابن خلدون، بالتعريف الاستقرائي والقياسي، والذي وضع له منهجية دقيقة لمقاربته من أجل الفهم والتفسير، والالتزام بالنصح بأخذ العبرة حتى تستدرك ربما الحضارة التي ينعيها ما فاتها لتلتحق بقيم ومبادئ حضارة تلوح في الأفق، كان هو وابن رشد وآخرين، القنطرة التي مرّمنها الفكر الحر اليوناني إلى التحديث.

خلاصة :

أنهي هذه المساهمة فيما لم يكن مُمكنا أن يلتفت إليه ابن خلدون، ما لم يكن مُمكنا أن يلتفت إليه بحكم سياقه التاريخي والسياسي والحضاري والاجتماعي والثقافي والمعرفي، وبحكم مكانته الاجتماعية.

لقد كان فعل الكتابة في العصر الوسيط العربي عامة، فعل معرفة عالمة، خاصة بالنسبة للمنتسبين لحاشية السلطة من وزراء وكتاب إداريين وشعراء بلاط وإمارات، وفقهاء وقضاة. ومن ثمة الاهتمام بما تطلبه السلطة كحاجة سياسية تدبيرية، وحتى فرجويّة لما نتذكر الآداب الشعبية لدى الجاحظ والمقامات وألف ليلة وليلة. إن الانتساب للمعرفة العالمة لمجتمع البلاط بتعبير نوربر إلياس[29] هو الذي فرض أهمية البحث في مصادر القوة العصبية خاصة، ثم العلوم والصنائع. ما كان ممكنا أن يطرح ابن خلدون الفعل الاجتماعي أو الواقعة الاجتماعية كمفهومين رائدين في السوسيولوجيا المعاصرة، لأن الأمر استدعى عقلانية الصناعة حتى ينتبه إلى ذلك، سواء عند الوضعية أو الفهميّة اللتان حاولتا تصفية الحساب مع الجماعة، نحو المجتمع بتعبير فرناند تونايز(F. Tonies).ورغم ذلك، تبقى الحسنة العظمى لابن خلدون، في التركيز على القوة والصراع والرهانات ليكون جدًا لماركس(K. Marx)وفوكو(M. Foucault) وبورديو(P. Bourdieu).

 

 


البيبليوغرافيا:

بالعربية:

-عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، ط1، دار إحياء التراث العربي. بيروت.(بدون تاريخ).

-إيف لاكوست: العلامة ابن خلدون، ترجمة ميشال سليمان، الطبعة الأولى، بيروت،دار ابن خلدون، (بدون تاريخ).

– بن محمد قسطاني، الواحات المغربية قبل الاستعمار، غريس نموذجا، ط1، الرباط، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سلسلة الدراسات والأطروحات، 2005.

-بن محمد قسطاني، “التنظيم العرفي للعلاقات الاجتماعية، “تعقدين” واحة غريس نموذجا”، ضمن كتاب: القانون والمجتمع، ط1،الرباط، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سلسلة: الندوات والمناظرات- رقم 7- 2005، صص، 167_ 175.

-عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، الطبعة الأولى، بيروت/ البيضاء، المركز الثقافي العربي، دار التنوير، 1981.

– عبد الله حمودي: الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية، نقله إلى العربية، مولدي لحمر، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد 19، المجلد الخامس، (شتاء 2017)، صص،  19_56.

-كلود كاهين،تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، منذ ظهور الإسلام حتى بداية الإمبراطورية العثمانية، نقله إلى العربية، الدكتور بدر الدين قاسم، ط1، بيروت، دار الحقيقة، 1983.

-رحمة بورقية،الدولة والسلطة والمجتمع، ط1، بيروت،دار الطليعة، 1991.

-محمد عابد الجابري: بنية العقل الغربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1986.

-جورج لابيكا، “عودة إلى مقدمة ابن خلدون”، مجلة الفكر العربي، عدد 6، طرابلس ( 1978).

بالفرنسية:

– AbdesselamCheddadi, Ibn Khaldoun : Le Voyage d’Occident  et d’Orient, Traduction, Sindbad, 1980.

-Bernard Lahire : L’esprit sociologique, édition la découverte, 2015.

– Ben Mohamed Kostani,  « Complications du sens commun chez Durkheim et Ibn Khaldoun », In revue Sociologie S. ……

–  Emile Durkheim : Les règles de la méthode sociologique, PUF, 2013.

– François Dubet : « Introduction à l’édition « Quadrige » de livre de Emile Durkheim: les règles de  la méthode sociologique, PUF, 2013.

– Max Weber, Concepts fondamentaux de sociologie, Gallimard, 2016.

 

-Mohamed Arkoun, pour une critique de la raison islamique, Maisonneuve et Larose, 1976.

sociologue, Mouton, 1983.

-Jean-Claude Passeron : le raisonnement sociologique, Albin Michel, 2006

-Henry Corbin : Histoire de la philosophie islamique, des origines jusqu’à la mort d’Averroès, Gallimard, 1964

– Khatibi Abdélkébir, Maghreb pluriel, Denoël, Paris, 1983.

-Pierre Bourdieu, Jean-Claude Chamboredon et Jean-Claude Passeron.Paris : le métier du sociologue, Mouton, 1983.

 

 

عبد الرحمان ابن خلدون ، المقدمة، الطبعة1،(بيروت،دار إحياء التراث العربي،بدون تاريخ)، ص37. [1]

[2]Emile Durkheim : Les règles de la méthode sociologique, (Paris, PUF, 2013).

[3]Max Weber: Concepts fondamentaux de sociologie, (Paris, Gallimard,2016).

[4]Pierre Bourdieu, Jean-Claude Chamboredon et Jean-Claude Passeron.Paris : le métier du sociologue, (Mouton, 1983).

[5]Jean-Claude Passeron : le raisonnement sociologique, (Paris, Albin Michel, 2006).

[6]Bernard Lahire : L’esprit sociologique, (Paris, la découverte, 2015).

[7] Bernard Lahire : L’esprit sociologique, P 116.

[8] François Dubet : « Introduction à l’édition « Quadrige » de livre de Emile Durkheim: les règles de  la méthode sociologique, (Paris, PUF, 2013), p 2.

[9]أنظر مقالنا:

– Ben Mohamed Kostani,  « Complications du sens commun chez Durkheim et Ibn Khaldoun », In revue Sociologie S………….

 

[10] التعابير للسوسيولوجي المغربي عبد الكبير الخطيبي، أنظر:

– Khatibi Abdélkébir, Maghreb pluriel, (Paris, Denoël, 1983), p64.

[11] AbdesselamCheddadi, Ibn Khaldoun : Le Voyage d’Occident  et d’Orient,( Traduction, Sindbad, 1980), p 254.

[12]يقولعبد العروي:” ولا يبعد أن تكون تلك الأوصاف ذاتها متأثرة بمقدمة ابن خلدون المترجمة إلى الفرنسية منذ أواخر القرن الماضي.” أنظر: عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، الطبعة 1، (بيروت/ البيضاء، المركز الثقافي العربي، ،دار التنوير، 1981)، ص، 41

 

[13] إيف لاكوست: العلامة ابن خلدون، ترجمة ميشال سليمان، الطبعة 1، (بيروت،دار ابن خلدون، بدون تاريخ)، ص 95.

[14] كما يقول بذلك مثلا :موريس غودوليي، جاك بيرك وآخرون، أنظر: حمودي عبد الله،”الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية”، نقله إلى العربية، مولدي لحمر، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد 19، المجلد الخامس، (شتاء 2017)، صص،  19_56.

[15]أنظر كتابنا: الواحات المغربية قبل الاستعمار، غريس نموذجا، الطبعة الأولى، (الرباط، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سلسلة الدراسات والأطروحات، 2005)، ص، 231,

[16]كلود كاهين: تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، منذ ظهور الإسلام حتى بداية الإمبراطورية العثمانية، نقله إلى العربية، الدكتور بدر الدين قاسم، ط1،(بيروت، دار الحقيقة، 1983)، ص، 8.

[17]أنظر مقالنا: “التنظيم العرفي للعلاقات الاجتماعية، “تعقدين” واحة غريس نموذجا”، ضمن كتاب: القانون والمجتمع، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ط1، (سلسلة: الندوات والمناظرات- رقم 7- الرباط، 2005)، صص، 167_ 175.

[18]ابن خلدون، المقدمة، ص 271.

[19]رحمة بورقية: الدولة والسلطة والمجتمع، ط1، (بيروت، دار الطليعة، 1991)، ص، 196.

[20]للاستزادة أنظر:

-Henry Corbin : Histoire de la philosophie islamique, des origines jusqu’à la mort d’Averroès,(Paris, Gallimard, 1964).

[21]Mohamed Arkoun, pour une critique de la raison islamique, (Maisonneuve et Larose, 1976).

[22] محمد عابد الجابري: بنية العقل الغربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية،ط1، (الدار البيضاء/المغرب، ، المركز الثقافي العربي،1986).

[23]ابن خلدون، ص 514.

[24] Abdesselam Cheddadi, Ibn Khaldun : Le Voyage d’Occident  et d’Orient, (Traduction, Sindbad, 1980), P 45.

[25]اعتمدنا هنا نسخة قديمة، طبعة مطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية بشارع محمد علي بمصر، بدون تاريخ، وأنوه إلى كون جميع النصوص مأخوذة منها.

[26]Max Weber, Concepts…,P129.

[27]أنظر لابيكا جورج: “عودة إلى مقدمة ابن خلدون”،مجلة الفكر العربي (عدد 6، طرابلس 1978)، ص 55.

[28]ابن خلدون، ص271.

[29] Norbert Elias, La Société de cour, Champs, essais, 1969