مجلة حكمة
إذا لم يعجبك الأمر فارحل

حماقة عبارة “إذا لم يعجبك الأمر فارحل” – سِدْنِي جي. هارِس / ترجمة: سعيد الغامدي


أحد أشد العبارات جهلًا و بغضًا يمكن لشخص أن يقولها لآخر هي : “إذا لم يعجبك الأمر هنا ، لماذا لا تغادر ؟”

هذا الوضع هو السبب الرئيس لتأسيس أمريكا ، بكل أملها و طاقتها و خيريتها . الناس الذين قدموا هنا لينشئوا بلدةً أفضل من أي بلد شاهده الناس من قبل ، أُقصوا و رُفضوا من جيرانهم في العالم القديم .

لم تعجبهم الظروف حيث عاشوا فأرادوا أن يحسنوها . و لو أنهم سُمِح لهم بذلك و شُجِّعوا عليه لَكان تاريخ العالم القديم أسعد ، بدلًا من المحن البائسة التي وجهت أنظار الناس إلى أمريكا على أنها أملهم الأفضل الأخير .

و الآن نجد الكثير من الأمريكيين – المتعجرفين و البُدناء و الغارقين في ثرائهم و كسلهم – يقولون نفس تلك العبارة القبيحة لجيرانهم : “إذا لم يعجبك الأمر هنا، لم لا تغادر؟”

لكن معظم الناس الذين يريدون تغيير الظروف السيئة يعجبهم العيش هنا ، يحبون الحياة هنا . يحبونها بشدة لدرجة أنهم لا يطيقون مشاهدتها تعاني من أوجه قصورها ، و يريدون أن يرتقوا بها لمُثُلها .

إن الناس الذين يقبلون بسَكينةٍ الفسادَ و الانحرافاتِ و الظلمَ في مجتمعنا هم الذين لا يحبون أمريكا ؛ إنهم يحبون مكانتهم و أمنهم و امتيازاتهم الخاصة .

لا يجب أن يُواجَه أحدٌ بهذا الخيار الوضيع في قبول الأوضاع كما هي أو التخلي عن المكان الذي ترعرع فيه .

لسنا نمتلك حقِّا فقط بل مسؤولية لنجعل محيطنا عادلًا و و مزدهرًا كما أعلن آباؤنا المؤسسون أنه ما يجب علينا أن نكون عليه إذا أردنا أن نرتقي لمَطْمَحهم بوصفنا “النموذج للعالم”

أولئك الذين يريدون الرحيل لهم الحق في ذلك ، لكن أولئك الذين يريدون البقاء و العمل لما يعدونه مجتمعًا أفضل يجب أن يُحمَوا في هذا الحق ، لأن بدونه فإن أمتنا ستغرق في ركود ، و عملية التغيير ستنقلب إلى قمع بأيدي المستفيدين من إبقاء الأوضاع كما هي عليه .

لو كان كل المستوطنين الذين قدموا هنا ، بآمالٍ عالية في نظام اجتماعي جديد و أكثر عدالة ، قد أُجبروا على “الرجوع من حيث أتوا” ، لما كان لدينا الولايات المتحدة الأمريكية . هذه البلاد كانت وليدة الاستياء من التخطيط القديم للأمور ، و نمت بدماء و تصميم الرجال الذين لم يخشوا الحديث و العمل لتغييرات أساسية في البنية السياسية و الاجتماعية كلها .

إن كان هناك شخصٌ ما لا يعجبه – حقًّا – ما تمثله أمريكا فيجب أن يُدعى لمغادرتها ؛ لكن هناك فرقٌ شاسع بين هذا الشخص و أولئك الذين يرفضون ما سمحنا لأنفسنا أن نكون عليه ، عبر الجشع و التحيز و الفوارق المناطقية إلى المشكلات العُظْمى التي نواجهها الآن . لا يستطيع مجتمعٌ تحمل تكلفة خسارة هؤلاء “المحرضين” الطيبين .

المصدر