اعتمدنا لأكثر من قرن على السعرات الحرارية في إخبارنا عمّا يُسمّنّا. يقول بيتر ويسلون: لقد حان الوقت لنبذ وحدة القياس الأكثر إضلالًا في العالم خلف ظهورنا.
المرة الأولى التي ظنّ فيها سيلفادور كامتشو أنه سيموت كانت عندما كان في سيارة والده الكرايسلر مع صديقٍ له يستمع إلى الموسيقى. كان طالب الهندسة البالغ من العمر اثنان وعشرون عامًا قد ركن السيارة قرب منزله في مدينة تولوكا، ولم يلحظ مع الإضاءة الليلية الضئيلة أن ثمةَ رجلان موشومان يقتربان. كانت أغنية توري أموس “bliss” للتو قد بدأت عندما وجه أفراد العصابة أسلحتهم إلى الشاب.
وهكذا بدأت محنة الـ٢٤ ساعة . كان كامتشو قوي الإرادة والبنية وكان الأعند منهما فخُصّ بعصب العينين والضرب . ثم طرحه أحد اللصوص على الأرض واضعًا سلاحه على مؤخرة رأسه وقال لقد حان أجلك . أغمي عليه ثم أفاق فإذا به شبه عارٍ في حقلٍ ويداه مقيدتان خلف ظهره .
نجا كامتشو من الموت ولكنه لم ينجُ من الأذى النفسي فقد أصيب بالاكتئاب . ثم ما لبث أن أفرط في الأكل والشرب حتى صار وزنه ١٣٠ كيلو بعد أن كان رشيقًا حيث كان وزنه ٧٠ كيلو.
قرّبه ذلك من الموت للمرة الثانية ، بعد ٨ سنوات من المرة الأولى ، وكان ذلك في ٢٠٠٧. يتذكر أنه يستيقض وتطرف عيناه في ضوءٍ ساطع : كان يُحمل على نقالة جرحى إلى جناح الطوارئ في المشفى، وقد أصيب باضطراب في نبضات القلب .
قال : ” أخبرني طبيب القلب أني سأموت خلال خمس سنوات إن لم أنحف وأتحكم بصحتي”.
أجبرته الأزمة الثانية أن يعالج الصدمة النفسية السابقة في وقتٍ متأخر . ولكي يعالج ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة خضع لجلساتٍ إرشادية وأخذ عقاقيرًا مضادةً للاكتئاب والقلق . وحاول أن يخفف من وزنه لكي يعالج مشاكل صحته البدنية. دفعه هذا الجهد المبذول إلى الدخول في صلب قضية علمية مقلقة تعد من أوسع القضايا جدًلا في عصرنا : إلا وهي حروب السعرات الحرارية ، خلافٌ قوي حول الحمية وخسارة الوزن .
اليوم بعد أكثر من عقد من التحذير المؤلم من طبيب القلب يعيش كامتشو في مدينة بازل في سويسرا . يعيش مرتاحًا واثقًا إلا أن يذكر موضوعان . عندما يروي قصة اختطافه إذ يطأطأ رأسه وتتلاشى ابتسامته ويبدو هادئًا ، مع أنه يقول أن قد شُفي من نوبة الهلع . الموضوع الحساس الأخر هو خسارة الوزن، الأمر الذي يجعله يهز رأسه غضبًا مما عانى هو وملايين غيره من ممارسي الحمية . ” أنه لأمرٌ سخيف ، قومٌ يعيشون بألم وتأنيب ضمير ولا يتلقون إلا نصائح مربكة أو خاطئة تمامًا” هكذا قال كامتشو بغضب.
الإرشادات التي أعطها الأطباء وأخصائيو التغذية لكامتشو بالإضافة إلى بحثه في الشبكة العنكبوتية كانت كلها مجمع عليها . وهذا معروف عند ملايين ممن حاولوا ممارسة الحمية. يقول كامتشو: ” الجميع يقولون أن أردت أن تخسر وزنك فعليك أن تقلل من أكلك وتُكْثر من حركتك ولتقوم بذلك عليك أن تحسب سعراتك الحرارية”.
في أثقل وزن وصل إليه كامتشو كان مؤشر كتلة جسمه – نسبة طوله إلى وزنه – تصل ٣٥.٦ أي أعلى من ٣٠ درجة وهو ما يعتبره الأطباء سمنة مفرطة . وتشر معظم الإرشادات الحكومية إلى أن الرجل يحتاج ٢٥٠٠ سعرة يوميًا ليحافظ على وزنه ( و٢٠٠٠ سعرة بالنسبة للنساء ) . أخبر أخصائيو التغذية كامتشو بأنه لو أكل أقل من ٢٠٠٠ سعرة يوميًا فإنه سينقص٣٥٠٠ أسبوعيًا أي سيخسر ٠.٥كيلو أسبوعيًا .
علم أنه لابد من انضباط حقيقي لينقص قامته القصيرة لاسيما أنه يعمل عملًا مكتبيًا إذ يعمل مهندس تخطيط في مشفى مكسيكي . ولكنه شخص ذو عزيمة غير عادية، كسرعة إدراك خاطفيه. حيث بدأ يستيقض قبل الفجر يوميًا ليقطع ١٠ كيلو متر . وأيضًا بدأ يحسب كل لقمة يأكلها .
يقول كامتشو ” كنت أكتب قائمة في في برنامج أكسل بالأطعمة التي أتناولها يوميًا وأسبوعيًا وشهريًا. أصبحت فعلًا هوسًا بالنسبة لي”. كان يذهب إلى برقر كينق ليتناول تاكو مقلي ومحشي بلحم الخنزير والجبن وترتا( خبز مكسيكي محشو باللحم والفصوليا المقلية والأفوكادو والفلفل). ويخرج لشرب الخمر والبيرة كما هو معتاد .
“كنت دائمًا مرهق وجائع ومتقلب المزاج ومشتت. كنت أفكر في الطعام طوال الوقت ” أُخبر كثيرًا بأنه إن نفذ الخطة بشكل صحيح – أن يستهلك سعرات أقل من التي يحرق – فإن النتيجة ستظهر سريعًا . ” فعلتُ كل ما يفترض أن أفعل ” قالها وكأنه طالب في المدرسة أتمّ واجباته ولكنه أخفق في الامتحان. اشترى سوار اللياقة البدنية لِيحسب كم يحرق من السعرات خلال الجري . ” أُخبرت أن أتمرن لمدة ٤٥ دقيقة على الأقل أربع أو خمس مرات في الأسبوع . في الحقيقة أنا أجري لأكثر من ساعة يوميًا .” استمر في تناول أطعمة منخفضة السعرات والدهون لثلاث سنين، لكنّه لم ينجح . في تلك المرحلة خسر ١٠ كيلو ولكنه اكتسبها مرة أخرى على الرغم من تقليله للسعرات .
ممارسو الحمية في العالم يعرفون مشاعر الاحباط التي شعر بها كامتشو جيدًا . فمعظم الدراسات تقول أن ٨٠٪ من الناس يستعيدون ما خسروا من أوزانهم على المدى البعيد. ومثل كامتشو عندما نفشل نفترض أننا كسولون أو طماعون وأننا ملومون.
أنها قاعدة عامة صحيحة عندما تأكل سعرات أقل بكثير مما تحرق فإنك ستنحف ( وستسمن عندما تأكل أكثر ). ولكن خطط الحمية الشائعة التي تروج لنا كل سنة تخالف تلك التي أعطيت لكامتشو . السعرات كوحدة قياس علمية ليست موضع خلاف . ولكن حساب السعرات في الأطعمة بدقة أصعب بكثير مما توحي به الأرقام الدقيقة المكتوبة بثقة على علب الأطعمة . صنفان من الطعام متفقان في السعرات قد يهضمان بطرقٍ مختلفة. فالأجساد تختلف في معالجة السعرات الحرارية . وقد يختلف الجسد ذاته من وقتٍ لأخر. فوقت تناول الطعام عامل مهم . فكلما بحثنا أكثر، أدركنا أن حساب السعرات قد يساعدنا قليلًا في التحكم بأوزاننا أو الحفاظ على نظام غذائي صحي، ولكن حساب السعرات المستهلكة والمحروقة بهذه البساطة المضللة خطأ خطير .
السعرات الحرارية موجودة في كل مكان في الحياة اليومية. إذ تحتل أعلى القائمة في بطاقة المعلومات التي توضع على الأطعمة والمشروبات المعلبة. والكثير من المطاعم تكتب السعرات الحرارية في كل طبق في قائمة الأطعمة. قياس السعرات الحرارية التي نحرقها أصبح شيئًا معتادًا . معدات النادي و أساور اللياقة على معاصمنا حتى هواتفنا تخبرنا كم نحرق من السعرات خلال التمرين الواحد أو خلال اليوم .
لم يكن الأمر هكذا . افترض العلماء لقرون أن المهم هو كتلة الطعام المستهلك. في نهاية القرن السادس عشر اخترع طبيب إيطالي اسمه سانتوريو سانكتوريس (كرسيًا لقياس الوزن) متدلياً من ميزان ضخم، جلس على فترات منتظمة ليقيس نفسه، وكل ما يأكل ويشرب وكل ما يخرج من فضلات. وبعد ٣٠ عام من إدمان الكرسي استطاع سانكتوريس أن يجيب على بعض تساؤلاته حول تأثير استهلاكه للأطعمة على جسده.
فقط في الآونة الأخيرة تحول التركيز إلى الطاقة التي تحتويها المواد الغذائية المختلفة. في القرن الثامن عشر اكتشف انطوان لافوازييه -نبيل فرنسي – أن الشمعة المحترقة لابد لها من غاز من الهواء – سماه أوكسجين- لِتوقد الشعلة وتنتج الحرارة وغيرها من الغازات. وطبق نفس المبدأ على الطعام مستنتجًا أن الطعام يوقد الجسد كنارٍ تحترق ببطء . وقد بنى مسعرًا -جهاز كبير يتسع لخنزير هندي لقياس السعرات الحرارية- وقاس الحرارة التي تنتجها المخلوقات ليقدر مقدار ما تنتجه من طاقة. ولسوء الحظ فإن الثورة الفرنسية- لاسيما مقصلة الإعدام – قد أفسدت الأمر . ولكنه قد بدأ في أمرٍ. بنى علماء أخرون بعد ذلك ” مسعرًا قنبليًا” يحرقون فيه الطعام لِيقيسوا الحرارة الناتجة عنه ومن ثم الطاقة المحتملة فيه.
السعرات الحرارية ( calorie) مأخوذة من الكلمة اللاتينة (calor) والتي تعني حرارة ، وقد كانت في الأصل تستخدم لقياس كفاءة بخار المحركات: السعرة الحرارية الواحدة هي الطاقة اللازمة لتسخين كيلوغرام من الماء بمقدار درجة مئوية. وفقط في الستينات من القرن التاسع عشر استخدم عالم ألماني السعرة الحرارية لقياس الطاقة في الطعام. كان ويلبيور اتواتر -وهو مزارع كيميائي أمريكي- أول من روج لفكرة استخدامها لقياس الطاقة في الطعام وقياس الطاقة التي يحرقها الجسد في بعض الأنشطة مثل العمل العضلي وإصلاح الأنسجة وتقوية الأعضاء. وفي عام ١٨٨٧ كتب -بعد رحلةٍ إلى ألمانيا- سلسلة مقالات اشتهرت في مجلة (century) الأمريكية قال فيها”أن الطعام للجسد كالوقود للنار”. وقدم للناس “المغذيات الكبيرة”- الكاربوهايدرات والبروتين والدهون – وسميت بهذا الاسم لأن الجسم يحتاج الكثير منها.
اليوم الكثير منا يرغب بمراقبة استهلاكه للسعرات الحرارية ليقلل من وزنه أو يحافظ عليه. أما اتواتر فقد حفزه أمرٌ أخر : بحث عن أغذية فعالة لتملأ بطون أولئك الجوعى في فترة كان فيها سوء التغذية أمرًا شائعًا.
ولكي يعلم مقدار الطاقة التي تزود بها المغذيات الكبيرة الجسم، قام باطعام عينات من نظام غذائي أمريكي “متوسط” في تلك الحقبة – يعتقد أنه يحتوي على كمية وفيرة من دبس السكر ، ووجبة الشعير ، و أحشاء الدجاج – لمجموعة من الطلاب الذكور في قبو في جامعة ويسليان في ميدلتاون ، كونيتيكت. استمر باطعامهم لمدة تصل إلى ١٢ يومًا في كل مرة يأكل فيها أحد المتطوعين وينام ويرفع الأثقال في حجرة ارتفاعها ستة أقدام وعرضها أربعة أقدام وعمقها سبعة أقدام. حُسبت الطاقة في كل وجبة عن طريق حرق نفس الأطعمة في المسعر القنبلي.
كانت الجدران مليئه بالمياه وسمحت التغيرات في درجة حرارتها لأتواتر أن يحسب مقدار الطاقة التي ولّدتها أجسام الطلاب. قام فريقه بجمع براز الطلاب واحرقوه أيضًا ليعرفوا كم بقي من الطاقة في أجسامهم في عملية الهضم.
قد يستغرق الطعام – عند بعض الناس– من ٨ إلى ٨٠ ساعة ليسافر من الإناء إلى المرحاض.
كان هذا أمرًا جديدًا في تسعينات القرن التاسع عشر . وخلص أتواتر في النهاية إلى أن غراما من الكربوهيدرات أو البروتين يساوي متوسط أربعة سعرات حرارية من الطاقة المتاحة للجسم ، وأن غرامًا من الدهون يساوي في المتوسط ٨.٩ من السعرات الحرارية ، وهو رقم تم تقريبه فيما بعد إلى تسعِ سعراتٍ حراريةٍ . نحن نعرف الآن الكثير عن كيفية عمل الجسم البشري: كان أتواتر على حق في أن بعض الطاقة المحتملة في وجبة ما قد أخرجت ، لكن لم يعلم أن بعضها كان أيضًا يستخدم لهضم الوجبة نفسها ، وأن الجسم يحرق كميات مختلفة من الطاقة معتمدًا على الغذاء. إلى الآن بعد مرور أكثر من قرن على إشعال براز طلاب ويسليان ، تظل الأرقام التي حسبها أتواتر للمغذيات الكبيرة مقياسًا لقياس السعرات الحرارية في الأطعمة. كانت تلك التجارب أساس حساب السعرات الحرارية اليومية لسلفادور كامتشو.