مجلة حكمة
ابن طفيل خطاب ابن طفيل في عصر التنوير الأوربي - كمال سلمان

خطاب ابن طفيل في عصر التنوير الأوربي – كمال سلمان

تحليل خطاب حي بن يقظان الفلسفي لـ ابن الطفيل


 

موضوعات البحث:

إمكانية الارتقاء والتدرج في المحسوس – المشهود حتى  الوصول إلى عالم المعقول؛ إثبات وجود العقل الفعال Intellact agent وهو جوهر البحث؛ مناقشة بعض المحاولات التي تجرّد الخطاب عن سياقه الميتافيزيقي بغية وضعه في عداد قراءات متابينة مع ذهنية ابن طفيل  كالقول بوجود عينة من نظرية (تطور النوع إنساني بلحاظ مادي.. جدلي)! وأخيرا الرد على شبهة  الصراع بين الدين والفلسفة.

المبتدأ التقديمي: 

يركز البحث في فحواه على دور الأعمال الفلسفية في الإسلام وأثرهها المعرفي في المسار الحركي بعصر الظلام المسمى بعالم المسيحية  قبيل النهضة، فالتنوير  ومشتقاته المعرفية كالعلمانية، ويحلل ضمينا قيمة (الميتافزيقية) ونوعية الخطاب المصاغ الذي تميّز بها فلاسفة ومفكرو الإسلام في العصر الوسيط .

وقد أوجد الخطاب الفلسفي ذي الطابع Dramaturgi لدى المفكر الفيلسوف ابن طفيل ٤٩٤ ـ ٥٨٠ هـ / ١١٠٠ ـ ١١٨٥م  التأثير البالغ على العقل المسيحي مما ارتقى من مستوى إقبال العامة إلى حد التأمل الفلسفي لدى بعض فلاسفة عالم المسيحية. وعليه فالفكر الفلسفي المتيافزيقي في الإسلام جزء من (منظومة) هذه النهضة ومراتبها المتلاحقة شريطة اعتداده  دون تبخيس وتنقيص، وأخيرا بعد العبور من النهضة ظلّ على تأثيريته ضمن مراحل التنوير حتى عام 1936م.

ومن هنا يتضح بيّنا أهمية الخطاب الميتافزيقي عند ابن طفيل في أهمّ فترة من فتراة تاريخ الفكر البشري في عالم المسيحية قبيل التحول إلى التنوير حيث جغرافيا الغرب وإلى يومنا هذا. وتجدر التنبيهة على أن بحوث ودراسات كثيرة دونت حول ابن طفيل، لكن قيمة كل بحث ملزوم بالكشف عن موضوعية معينة المبتكرة والتحليل الفلسفي الذي يلزم أن لا يناقض سياق ابن طفيل الفكري الكلياني contexte أولا، ثم إعمال المنهج الذي يتيح لنا فهما ممكنا في موضوع، وهنا بالذات في الرواية الفلسفية الخالدة، حيث إعمال منهج التحليل الخطاب Analysis Discourse .

المفاهيم المفتاحية:

الخطاب الفلسفي، المسحية، النهضة، التنوير، العلمانية، تفاعل الغرب مع فلسفة الشرق، فلاسفة عرب، فلاسفة الإسلام، مفكرو الإسلام، ابن طفيل، حي بن يقظان، تاريخ الفكر الفلسفي، تحليل الخطاب، Analysis Discourse ، التحليل الفلسفي، Ibn Tofayl Abubacer ، كمال سلمان.

مدخل إيضاحي:

أ)  مفهوم (الخطاب)  Discourse[1]:

للخطاب[2] تعريفات كثرة، وقد يتبادر في البدء إمكان إلقاء نظرة على مفردات الجرجاني أو التهانوي.. للوقوف على المعنى، إلا أن هذه المحاولة من اللاجدوى، لأن الخطاب مقولة حديثة، لكنني سوف أعرفه على أنه منظومة من المعاني اللائي تحقق للعلامات المحورية هوية واضحة ومعنى معينا؛ وذلك عبر التمفصل  Articalation الذي يمكّّن من فهم الواقع المحيط بالشيء، والعنصر الأساس في عملية التمفصل هو الدال المركزي «Central Signifier [3]» الذي يمنح الفكر: (مركزية) معينة؛ لذلك يعرف على أنه «النص الموحد من حيث الموضوعية والموقف وتكوين متماسك في مجال المعرفة أو الحقيقة [4]».

 وفي المنتهى يمكنني الإشارة على أن الذي يعنى بالخطاب فإنه يقوم بعملية تضامم المعاني ليخرج بفكرة مركزية تكوّن أسّ الموضوع.

وانطلاقا من هذه الإيضاحة تتجلى قيمة الرؤية عند  تحليلها ضمن  Analysis Discourse على صعيدي الماضي التراثي أو حتى النتاج الحاضر دونما فرق.

ب)  عن التنوير والحضارة civilization  وأشياء أخرى[5]:

يشير تاريخ التنوير الأوربي أن هذا المفهوم اشتّق من مفردة لغوية إنجيلية ضمن فقرة قال فيها السيد المسيح: «أنا نور العالم، فمن يتبعني لن يمشيَ أبدا في الظلمات، وإنما سيكون له نور الحياة[6]» وأن ديكاررت Descartes [7]  1569ـ 1650م استخدمه للمرة الأولى للدلالة على الحقائق التي تكتسب أو يهتدى إليها عن طريق العقل، ولم يعتزم استعمال «هذا المصطلح ضد[8]» المعارف مطلقا.

وعليه فلا يقتصد منه في فترة الوضع والاستعمال العرفي منطقَ الصراع مع المعارف العقلية والإلهية  والوحيانية.. ولم يكن كما صوره بعض على أنه معاد للدين، أجل فقد كان يكتنه في ذاته عداء، لكنه عداء إيجابيا لدحض الخرافة والجربزة والبلاهة الداخلة باسم الدين على تعاليم المسيحية والتي استولت على ذهنية الكنسية والقساوسة لا أصل الدين؛ ولذلك جعل منطلق التنوير يستند إلى مفردة النور.

ويتضح أن ثمة رؤية اعتزمها ديكارت تنطوي على مسألة الاتحاد بين النهضة والدين، وإن الدين ومعارفه وحقائقه من أسس التغيير الاجتماعي إنْ تتحقق شروطه ويرتفع عنه المانع. وهذه الرؤية تلاحظ بصيغة أخرى عند مالك بن نبي؛ إذ يؤكد أن: «الحضارة لا تنبعث كما هو ملاحظ إلا بالعقيدة الدينية وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثه[9]».

ولو ألقينا نظرة عائدة إلى عصر ديكارت وتيقنا على أنه كان في بادرة التنوير إثر ما قدمه من أعمال فكرية فعندها يحسن استطرادا التطرّق إلى أسس التنوير العامة، الأسس التي غيّرت عالم المسيحية من الخرافة والجربزة إلى عالم متقدم في المظاهر الاجتماعية والسياسية والصناعية. وما يهم الآن بناء على التكريس الموضوعي الإشارة إلى أثر فلاسفة الإسلام وموضوع الميتافزيقا في مراحل هذا التغيير، حيث صارت في سياق طولي تحرك روح التنوير وتستنهض العقل المسيحي من خموله أنذاك بصفة عامة، وهي قادمة من أصل حضارة دامت بالعطاء والوفاء للإنسانية والمعارف والعلوم سبعة قرون متواصلة. وكما هو معلوم إن هذا الأعمال الفلسفية إنما ازدهرت في ظلة (التوحيد الإبراهيمي) ومعارف الدين المنحدرة عن الحقيقة الدينية؛ ولذلك فإن التجاهل أو التغافل عنها خَلَف لوجه الإنصاف الإنساني مهما وقفت وراءها دوافع شخصية أو قومية أو عقدية..

ولو عدنا إلى أسس التنوير ثانية يمكن القول أن الإنسان الواعي للتجارب البشرية لا يمكن أن يكون غير مطلع عن العَلاقة الإيجابية المتحصلة بين حركة الحضارة civilization وبين حركة التنوير وما فيهما من تفاعل بينَ بينَ والذي يسمى بالتفاعل الحضاري.

والحضارة باعتبارها: «التقدم العقلي والمادي[10]» في مظاهر الاجتماعية والصناعية والتكنولوجية.. لها شأنية التقليد  والانفعال، لكن انفعال بصفة الإيجاب، وقد انفعل عالم المسيحية مع هذه الشأنية بوجه تام. فبينما كان عالم الإسلام المنفتح (الفاعل المعرفي) وعالم المسيحية (القابل المنغلق) اللذان يمثلان بشكل وآخر مسألة تضاد وجودي – سواد / بياض – في العصور القروسطية نتيجة قراءة الفقة والكلام التاريخيين، يلاحظ أن حركة التنوير تضع طرق التفاعل بشكل غير مسبوق بمنطق المعقول / العقلانية فتمحي حدود الأسود والأبيض دالة على توجه جديد نحو الإنسانية والاجتماع المشترك والحقوق و(معاوضة ومبادلة[11]) لكي »تنتقل [آداب وعلوم وفنون..] بشرية من بعض أحسن مما عندهم مما استحدثوه وإذا ما أضيف لها السنن الكونية[12]«  ويتحصل التفاعل في المنافع والمصالح والمشتركات الإنسانية، وهذا ما حدث بالفعل لعالم المسيحية.

الملاحظ في هذا السياق أمران قد لا يركز عليهما في تحليل التفاعل وهو أولا: أن عالم الإسلام بدء للمرة الأولى يتفاعل مع نتاج الحضارات الفكري انطلاقا من خرير نهر الفرات إلى طمي النيل الأسمر حتى وديان جزيرت كريت.. وأكثره منطقي ـ فلسفي باللغة اليونانية، فكان هو (القابل) حيث تأثر مفكري الإسلام بالأعمال المنظورة مع لحاظ ميزة مهمة، وهي أن هذا التفاعل لم يكن صرافة استيراد للتلقين والتقفي، وإنما تبلورت رؤية التحقيق في فحوى ما وصل من معارف، ولذلك برز ما يسمى بــ«الفلاسفة المستعملٍّون[13]» وهم ممن حقق في معارف الشعوب والأمم وفي الصدارة معارف اليونان.

 وكان الكندي 290 هـ على رأس القائمة، ولا مُشاحة إن يسمى عصره بداية التنوير في الإسلام، وقد استمر حتى عهد ابن سينا ٣٧٠ – ٤٢٨ هـ فابن رشد ٥٢٠ – ٥٨٧م وأن مقولة ابن رشد التي يقول فيها: «يا أيها الناس، أنا لا أجزم أن ما تسمونه بالعلم الإلهي علم خاطئ، ولكني أقول أنني عارف بالعلم الإنساني[14]) من ضمن أهم ما انفعلت منها أوربا في الإنسانية ضمن قرونها المعلومة وسرعان ما ظهرت على العالمَ المسيحي إمارة المصحاحية في الفكر فتفاعلت مع حضارة الإسلام البادئة من رمول البداوة والمنتهية بجمال العمران المدني ومعارف العقل والدين. وهكذا استمرت أوربا غير منقطعة عن التفاعل ومنه قراءة الأعمال الفلسفية – المعرفية وآخره خطاب ابن طفيل ٤٩٤ ـ ٥٨٠ هـ / ١١٠٠ ـ ١١٨٥م الوارد ضمن قصة (حي بن يقظان) كما سيتضح بعد قليل، وهي الأكثر إقبالا والأطول اهتماما من بقية أعمال الميتافيزيقا في الإسلام كونها آخر كتاب فلسفي قرأته لنا هذه القارة الخصبة ذات البشرة الشقراء وأطالت مطالعته.

إن تجربة الحضارةcivilization  تضعنا أمام مسار فكري ذي اتجاهين عريضين بالجيئة والذهوب، فبالجئية المعرفية – الفلسفية تفاعل مفكري الإسلام كما مرت الإشارة حتى بدأ الازدهار يعلو معارف وعلوم وصناعات وفنون.. ومع هذا النتاج بالذات تفاعلت أوربا تباعا فحرّكت روح الحياة الجديدة العلمية التجريبية والفلسفة الجديدة في جسدها الهامد الذي أصرعه الجهل والخرافة والجربزة منذ الحكم الروماني الذي قضى على النشاط العقلي والمعرفي. وبالتزامن مع حياتها الازدهارية أو بعده بقليل[15] نرى عكس المستوى في الإسلام حيث تصاب روح المعارف بعاهة فتعيق المصحاحية الفكرية فيحدث الركود والتأخر في الصناعة والاستقصاء في العلوم التجريبية وعدم تأسيس علوم فرعية لمستجدات الحياة الجديدة.. فتقدمت أوربا وتغلغلنا نحن في صميم التأخر قبل قرون أربع. والآن مرة أخرى نعود إلى أوربا – الغرب من جديد! وتعود مسألة الصراع على القبول أو الرفض لأي عمل فكري يأتي من الغرب، ولعل قصة السجستاني والكندي من أروع ما يمكن الاستدلال بها على هذا الأمر. ويبدو أن مسألة الانتهال من معارف غير منشؤة في دائرة الإسلام تعامل معها الأقدمون بعقلانية / معقولية بنحو أعم وحددوا المواقف الإيجابية منها.

لكن بالنسبة إلينا الآن وبعد هذه القرون الطويلة والتجارب السالفة الخصبة لا يزال ثمة من يعيش عصور الإسلام التاريخية فينطلق بذهنية الجمود للحوار! ويسعى بمبدأ الانسداد نحو الانفتاح على كل ما هو إيجابي  في الغرب! وينقض بروح ميؤسة الأسس التي قدمت العلوم الإنسانية والتجريبية والفلسفية والآدابية والفنونية في مغرب الأرض.

 وهذا ما لا مبرر له إلا دافع التمسك بالمعرفة الدينية، وهي ليست إلا نتاج بشر عاشوا قبلنا وضعوها حسب الزمان والمكان والمتغير والثابت والأسباب التي تحكمت عصورهم وحياتهم في الثقافة والحضارة والسياسة والاجتماع.. ومن أمثلتها المعارف العقلية التي أُخذت من زهو الربيع اليوناني ثم البدء عن إيجاد أو الكشف عن سنخية بينها وبين علوم الدين من قبل مفكري الإسلام ومحاولة إصهارها في قضية التوحيد، كما فعل الفيلسوف الكندي مثلا في مغايرته نظرية أرسطو الذي اعتقد بـ(قِدَم العالم) إذ وقف الكندي في نهاية المطاف مع نظرية (حدوث العالم) على نقيض منه.. ومن هذا المنطلق نسأل: هل نحن اليوم نعيش حالة (القابل) – بتعبير فلسفي – إثر ما نترجمه وهو يفوق عصر الكندي ١٨٥ – ٢٥٢هـ بأضعاف مكاثرة في هذا القرن الـ٢١م؟

هل نستطيع أن ننفي عنا تقوال ما أكثر التنصيص والاقتباس والنقل والترجمة وأقل التحقيق والإبداع الذاتي أم بعد تجارب منفتحة وتأويلات مساوقة لروح العصر علينا فهم مسألة الانضام والاشتراك في حدود الإنسانية والعلوم والمعارف والتكنولوجيا.. مع الحفاظ على ما به الامتياز بين الغرب (عوالم غير الإسلام ) والشرق (عالم الإسلام)؟

ومهما يكن فالملحوظ وفقا للمعطيات والتجريب وجود همدة فكرية نوعية – بشكل وآخر – تلزمنا العمل الجاد للتأتي بكنديّ ما  في القرن[16] الـ  ٢١والانتفاع من (رسائله) على أنه وُلِد أو سيُولد، وسجستانيّ ما ٣٧١ هـ / ٩٨١م ليضع (صوان النهضة[17])  في هذه المرة، وفارابيّ ما ٢٥٧ – ٣٣٩هـ كي نسأله سبل الوصول إلى مدينةٍ ما نفتقدها بكل تأكيد فإننا قد لا نهتدي أحيانا إلى (زقاق السعادة) القريب منا!  فابن سينا ٣٧٠ – ٤٢٨ هـ ليكتب لنا (تنبيهات القرن الـ ٢١م)، فمحي الدين بن عربي ٥٦٠ هـ = ١١٦١ / ٦٣٨ هـ ١٢٤٠ م ليشرح لنا (فتوحات الروح) بحلقات صوفية كي يستنير العقول ويرتقي بالنفوس كي تشاهد التجربة العرفانية وإلى عباس بن فرناس، وأبي بكر الرازي، وأبي حيان التوحيدي، وابن جورجيس..

 العلى محظورة إلا على … من بنى فوق بناء السلف[18]

مع هذا اللحاظ أن الغرب تجاوز فلسفة اليونان فالقروسطية وأخيرا الهيجلية حتى وصل إلى فلسفات عدة أبرزها الهيرمنوطيقا[19]. وإنطلاقا من السياق ذاته يتضح أن الحضارة هي التي تغيّر وجه المجتمعات إثر ما يقدمه المفكرون والفلاسفة والأدباء والعلماء والكتّاب وصناعيون في أعمالهم.

ج) . (حي بن  يقظان) الأكثر ترجمة في تراث الفلسفة :

      ومهما يكن من أمر التحقيق عند الكندي ١٨٥ – ٢٥٢هـ وتأثير مقولة ابن رشد وتعرّف الغرب على أعمال فلاسفة الإسلام والعرب فإن من ضمن النتاج المترجم من العربية إلى اللاتينية وقد أسهم كغيره في حركة التنوير الغربية خطاب (حي بن يقظان) الفلسفي للفيلسوف «أبي بكر بن طفيل 580 هـ / 1185م [20]» الذي يطلق عليه باللاتينية: «Abubacer » في عالم المسيحية أنذاك.

لقد أدى الخطاب دورا بارزا في التنوير بعصور بدأ الصراع بين الدين والعلم التجريبي في عالم المسيحية، فخفّف من شدة الكنيسة وبروز غشومتها التي لا تتأنى عن حرق مناهضي بعض  تراثها الملفع بالخرافة كما أحرقت «سيريفين ولابار[21]» وغيرهما بحجية المناقشة في الجانب العقدي المسيحي. وأما في العقد اليهودي فقد تم تكفير أسبينوزا بواسطة زعماء العقيدة الذين قالوا: «لعننا لباروخ أسبينوزا ونكفره ونطبق بحقه كافة اللعنات المذكورة في سفر الأحكام [22] ». ويحسن أن نعترف في طول السياق التكفيري والإحراقي القروسطي وأن نقرّ بصرامة على أن قيمة الإصلاح لأصحاب الموقف أو المشروع ضرب من أحكام التصفية الجسدية في الأغلب الأعم.

ورغم أن مؤرخي تاريخ الفلسفة يرون أن الأعمال الكتابية لهذا الفيلسوف لقد تلفت «ولم يبق لهذا الفيلسوف إلا الرواية الفلسفية.. [23]» والتي ترجمها أ. بوكوك Edward Pococke Junior إلى اللاتينة[24] للمرة الأولى تحت مسمى: « Philosofus autodidactus »[25]، وفيها اهتمام ملحوظ في شرح حركة العقل وتدرجه الطبيعي حتى الوصول إلى غايته، أي: العقل الفعال Intellact agent[26] ، والذي بُرهن عليه فلسفيا على أنه أعلى مرتبة النفس، بل في نيل صفة العقل الفعال[27] حصول صيرورة  وهي (جوهر مفارق)، إلا أن هذه القصة فقد حققت لابن طفيل شهرة عالمية جدا وفاقت الأعمال الفلسفية المنقولة إلى اللاتينية كافة[28].

وتثير قلة التأليف عند هذا الفيلسوف جانبا مهما من حياته، ويبدو من خلال الرواية التاريخية على أن « ميله إلى الاستمتاع بالتأمل أكثر من ميله إلى التأليف، وقلما كان يكتب[29]». ومن هذا المنطلق ارتأى « جوتيية Gauthier [30] » الذي نقد نص ابن طفيل عدم وجود أعمال كتابية أخرى غير الرواية، بيد أن التحقيق أثبت لابن طفيل كتابا آخر يسمى: « رسالة علم النفس[31] » مما حدا بـ« البدوي[32] وهانري كوربان[33]» تأكيد صحة الرواية التاريخية الناقضة لرأي جوتية المشيرة إلى الرسالة المنظورة. ومهما يكن فإن الجدير بالموضوعية هنا دور هذا الخطاب الفلسفي في حركة التنوير، حيث ترجم إلى عدة لغات عالمية[34] بعد ترجمة بوكوك، ثم تتوالى الترجمة لاحقا من قبل  « George keith[35] عام 1674م، ثم [36]George Ashwell عام 1686م ثم [37]Simon Ockley عام 1708م.. » لتصل إلى العصر الحديث فيترجمها: « أنجل جونتات بلنثية[38] سنة 1936م، وهي آخر ترجمة حتى اللحظة.

 ويحدثنا [39] Paul Brnnlr عن التنوير الذي أوجده هذا خطاب الفلسفي قائلا: « هذا النتاج القصير كان بصفة الإعصار الذي حل بأروبا كلها وحظى بإقبال جماهيري [40] ». والسر الإعصار  هذا يتضح بجلاء عند كوربان ١٩٧٨م الذي يرى أن الفيلسوف ابن طفيل جعل المسحية  تعيش: « نظرية العقل الفعال بعمق يذهب إلى حدود السرّ Transconscınce عندهم لا فقط إلى حدود اللاوعي lnconscience مما جعل النظرية تتيح لهم بشكل عمل مسرحي دراماتي Dramaturgie أشخاصه رموز الفيلسوف عينها في مسيره على الطريق الذي يؤدي به إلى هذا العقل الفعال[41]». وعلى هذا الأسّ المعقول الذي يطرحه كوربان ١٩٧٨م حظي النص باهتمام بالغ من قبل فلاسفة أوربا. وهذا ما يؤكده عبد الرحمن البدوى مشيرا أن الرواية لغاية كتابة: (الموسوعة الفلسفية) – موسوعة البدوي – فأن «الدراسات حول هذه الراوية توالت ودونما انقطاع، وهي الأكثر اهتمام في العصر الحديث[42] ».

لقد تمت الإشارة إلى أن هذا الخطاب الفلسفي ترك أثره المعرفي البالغ على العقل المسيحي بعد الترجمة إلى اللاتينية، وانطلاقا من التأثير ذاته ظهر نتاج فلسفي واجتماعي مماثل وبعضه مقتضب مباشرة من النص نفسه، فهذا Baltazar Grancıan ينشر نصا تحت عنوان: El Criticon وذلك سنة 1650 ــ 1653م، وكما يحدثنا البدوي فإن جزء هذا النص لا يختلف من حيث المضمون عن (حي بن يقظان)[43].

ويستمر البدوي في سرد النصوص التي تظهر بين حين وآخر بتأثير من رواية ابن طفيل وها هو يضع الأمارة هذه المرة على  Danil de foe ليكشف أن قصة روبنسون كروز[44] منتزعة أيضا من نص الفيلسوف ابن طفيل، وقد نشرها 1719م، بمعنى أنها جائت تمام بعد ظهور ترجمة بوكوك إلى اللاتينية [45] . ومن الملفت للنظر أن هذا النص الفلسفي بلغ أثره إلى مستوى التأمل الفلسفي، حيث إن الفيلسوف الألماني الشهير ليبنتز[46] Leibniz Wihelm Gottfried » فقد اطرها [القصة] إطراء بالغا وقد قرأها في ترجمة بوكوك عن اللاتينية «[47]. وبعد هذه المساهمة التنويرية لابن طفيل في عالم المسيحية، فمن الضروري تحليل (حي بن يقظان) لمزيد من المقاربة لفهم مرحلة تنويري لازال أثرها لهذا اليوم مشهودا في أسس التصور الغربي.

د) . الاتجاه الميتافيزيقي والموقف التوحيدي :

يحدثنا الفيلسوف ابن طفيل في (حي بن يقظان) عن أمور مسبوقة في جانب التفكير الفلسفي وقد تأمل فيها ثلة من الفلاسفة، ومن خلال تتبعي لـ(حي) فإن الأسلوب وأنساقية الرواية تلزم قبل الكشف والتحليل ملاحظة بعض النصوص التي كتبها فلاسفة عظام ممن تقدم على ابن طفيل، فإنها دونما شك تساعد على فهم الرموز والإشارات والتنبيهات والاصطلاحات التي احتواها الخطاب، وذلك لأن ثمة من كتب (حيّا) أو تطرق لمسائل العقل وتدرجه في كسب المعارف حتى الصيرورة عقلا فعالا، لكنه لم يكتب قصة كما ابن طفيل.

ومن هذا المنطلق يلزم ذكر نقطتين على النحو المقبل:

د). ١. رؤية فلسفية بلا قصة لـ(حي بن يقظان) :

            أ) أبو بكر محمد ابن باجة ٥٣٣ هـ / ١١٣٨م المناصر للمنهج الذوقي ـ الشهودي الذي يعتمده أهل التصوّف (المتصوفة).

            ب) آراء الفيلسوف الفارابي ٢٥٧- ٣٣٩هـ في مصير الروح والسعادة في الانشمار عن رأي الملة[48].

            ج) …

د). ٢. رؤية عبر (خطاب) فلسفي متمثل بـ(حي بن يقظان) :

           أ) ابن سينا ٣٧٠- ٣٢٥هـ الذي يرى ظاهر موسوعة (الشفاء[49]) لا تفي بالغرض في التعريف بالحكمة المشرقية حيث شرح في موسوعته أرسطو ممّا يجعل الحاجة إلى البحث عن باطن له وسر فأورد (سلامان)  و(أسال) ممّا حدا بابن طفيل إلى تأويل الاسمين لإظهار المعنى الكامنة فيهما.

ب) … …

هـ). تحليل خطاب (حي بن يقظان) :

يعرض لنا الفيلسوف ابن طفيل في خطابه الفلسفي عملية Articalation [50] إيجابية ناجحة وذلك لمّا يعتزم مسألة التوفيق بين المعرفة الدينية والفلسفية، وهي مشكلة كبرى كما يعلم المعنيون بتارخ الفلسفة والدين والعقيدة؛ مشكلة قديمة بدأت منذ أن تُرجم النتاج الفلسفي اليوناني للمرة الأولى إلى العربية في جغرافيا الإسلام وفي أوربا عندما اعتنقت الشعوب الأوربية الديانة العيسوية فبدأت غشومة الكنيسة بإنشاء أجواء ظلامية، بل (زادت في الطنبور نغمة) حيث وصل الأمر إلى مشاهد مخزية من تاريخ الجهل الكنيسوي حينما يتلفع ذهنه بالخرافة والجربزة والبلاهة ويبقى في حيز عدم التنوير ليقوم بما يندى له جبين البشرية لمجرد اختلاف في الرأي والموقف أو طبيعة الاجتهاد والتلقي في المعارف ومن هذا القبيل: « مطاردة الفقهاء للحكماء[51]» والفلاسفة بفتاوى مضمونها الاغتيال، وقد مرّ قبل قليل فتاوى الكنيسة في عقوبة الحرق لمناهضي تراثها الذي يعد ممتنعا لمن يعتزم المناقشة فيه، لكن ما أشبه العصور بعضها ببعض! نقول ذلك ولنا أن نتأمل ونسأل وهل تخلص عصرنا من هذا النوع من الهمجية واللامنهجية واللاعقلانية، فلا تزال مشاهد عصور الظلام ومحاكم التفتيش القروسطية قائمة بالفعل لكنها في المشرق خصيصة وأقاليم معلومة، وفي أجواء الأمة الراهنة[52] بصفة عامة! ولا يمكن نسيان إعدام الحلاج الذي درس في (زوايا[53]) تستر وهو أبرز تلميذ عبد الله أبي سهل التستري الأحوازي المتصوف الشهير.. بفتوى فقيه منغلق! وعلى إثر ذلك كان شهيد المحبة الإلهية وقتيل الشوق الواله لله تعالى شأنه، ضمن أشهر حادثة في هذا السياق المؤلم.

ز). قسمة الخطاب  وفيها مسألتان :

ز) . ١. قسم حي بن يقظان :

سؤال في المستهل: كيف ظهر (حي بن يقظان) في الجزيرة؟

مرت الإشارة على أننا في طور الكشف عن الخطاب الفلسفي الكامن في الرواية الفلسفية، وتمت الإيضاحات على أن اجتزاء جزء من مجموع دوال الخطاب يمكنها أن تودي إلى تهرئة المعنى التام أو تخرم صورة الخطاب حيث يعتزم ابن طفيل إيصاله إلى القارئ.

وإنطلاقا من هذا المعنى بالذات فمسألة (التوالد الطبيعي[54]) علامة محورية في الخطاب تتجه نحو تكوين (هوية الخطاب)، وفيها:

أولا: الإلماعة إلى إمكان الارتقاء العقل وأدواته الإدراكية و(التصرف[ الإدراكي ]  في الأشياء[55]).

ثانيا: وهذا هو المهم، أن سواء كان التوالد طبيعي أم بإرادة الله تعالى، فإن الذي لا مفرّ منه وجود «صانع[56]» وهو الله تعالى شأنه.

ومن هنا يبدأ ابن طفيل بالشك المنهجي في احتمالين هما: «التولد التلقائي [57]»  أو « الزاوج السري [58]»، لكن إن كان توالد ممكنا تلقائيا فما اسم هذه « الجزيرة [59]» التي بإمكانها أن تولد البشر دون مقاربة تكوينية بين الذكر والأنثى! ولذلك يقول ابن طفيل:

« (إما أن يكون[60]) بالتوالد الذاتي من مادة قد نفخ العقل الفعال فيها قوة روحية من عنده؛

وإما أن يكون قد ألقي في اليمِّ طفلا فتقاذفته الموج إلى شاطئ الجزيرة[61]».

والآن، أنه لم يبت بأي منهما وهذا ما جعل المسألة تقتبل وجوه الاحتمالات!

ويمكن أن نعبر عنها بإجمال النص، وسأوضحه بعد قليل، بينما من ارتضى (التوالد الطبيعي) لم يلتفت إلى (إجمال النص) ووقع في شبهة ارتياء (عدم النص).. وبعد هذا يمكن القول أن وجوه الاحتمالات المفتوحة ليست مفتوحة مطلقة وإنما مقيدة؛ وقيد القول هو الدال المحوري كما في (وجود الصانع للنشأة[62]) وهو الأبرز على أن سائر الدوال تسانده قبل وبعد وهي ترد بكثرة في الرواية.. ومنها أيضا (ضرورة الأنبياء[63]).. (ضرورة الشريعة[64]).. تعليم (النفس الناطقة[65]).. ومن هذا السياق لنا القول: فأي  هي دوال الخطاب التي يمكن التمسك بها بنظرية التوالد الطبيعي التي يرى بعض أنها على صلة بـ(نظرية الطبيعة المادية[66]

وعلى فرض أن دالة (التوالد الطبيعي) وهي الوحيدة الواردة في الرواية يمكن الانسجام معها، ولكن كيف يمكن الأخذ بها وإبرازها على أنها غاية الخطاب أو مدعاة إلى فهمها على أنها محور الخطاب! والحال أن الدوال الناقضة لها محورية وفرعية ترد كثرة متماسكة في رؤية مخلوقية النفس بواسطة الصانع، وهو الله تعالى؟

والأهم في هذا الجانب  مراحل (حي بن يقظان) في العمر حيث إنه يبدأ من العقلية وينتهي بالصوفية.

أ) السابعة: يتجه نحو الأخلاق الحسنة « بأنه أسمى من خلقة الطبيعة أو الحيوان العجماوي [67]  » على أنها ملزمة عقلا وشرعا وأنها تضفي الإنسان مهابة.. ثم يبدأ التفكير  وينطلق يبحث عن معنى الحياة  أهو مادي أم  روحاني؟ ومن هنا يشكف أنه الحياة أمر روحاني يفارق الجسد كما في موت « الظبية [68]» التي ارتضع منها.

ب) الثامنة والعشرون: يرتقي إلى إدراك عالم الأفلاك.. لكنه يسال أهذا العالم: « محدَث أم قديم[69]»؟ لقد أدرك على غرار Ramban « = موسى بن ميمونة [70]» ١١٣٥ -١٢٠٤م و«القديس توما الأكويني[71]» ١٢٢٤- ١٢٧٤م ، حيث سواء كان محدَثا أم قديما فلا بدّ له من صانع.

ج) الخامسة والثلاثون: التأمل في العالم  لما له من بهاء  ونظام  وروعة فلا بد له من فاعل عالم وهو « تام بسيط أزلي [72]» قادر مختارا جميلا.. متصف بجميع الكمالات، خال من النقائص.. بدأت العبودية له من آدم وإلى اليوم[73].. والأهم اكتشافه صلة النفس بواجب الوجود.

د)  الخمسون: يصل إلى الله، أي أنه يبلغ ما يبلغه الصوفية من الشهود و« الفناء في الله[74]»

بديهي عند كل مُعنى بالفلسفة والفكر الفلسفي أنه دعوى جعل العقل سلّما إلى مطلق المعارف، وأن الاتصال هو نتيجة النظر والتأمل، ولو لاحظنا (حي بن يقظان) وهو في عزلته والإنطواء على معرفة الذات (= النفس) وقد وصل حد الكمال، ومن يعيش في المجتمع وقد تلّقى المعارف والعلوم وكلاهما قد وصلا الغاية المنشودة، فلا تعارض بين الفلسفة والدين (العقل والنقل)، وكل ما في الأمر أن هناك تعارض ظاهري «لأن العقل نور من عند الله والشريعة وحي من الله والله هو المصدر الواحد لهذه وذلك[75] ». وعلى هذا الأس يمكن فهم التعارض من خلال الوقوف على حقيقة الظاهر والباطن؛ ولذلك يدعو ابن طفيل الفيلسوف إن وجد المفكر أقوالاً ما في الشريعة تناقض الأمر الفلسفي فعليه أن يعرف أنه لا يعدو أكثر من مستوى الظواهر، وهو قد يكون ناتجا عن طبيعة الخطاب الذي توجه إلى عامة البشرية، فبإمكانه التأويل بما يتناسق مع الفلسفة.

ز). ٢. قسم أبسال وسلامان:

قبالة الجزيرة التي يقطنها (حي بن يقظان) جزيرة يعيش فيها شعب يدبن بإحدى الملل القديمة الصحية التي وصلتهم من خلال الأنبياء أو نبي بعينه، وفي هذا الشعب رجلان فاضلان هما أبسال وسلامان، على أن الأول يغور في باطن الشريعة والآخر يكتفي بمدلول الشريعة الظاهري فوقع الخلاف بينهما، ومن هذه الاختلافية بالذات يعتزم أحدهما وهو أبسال أن يهاجر إلى الجزيرة المجاورة ظانا أن ليس فيها بشر على الإطلاق بغية الانقطاع إلى العبادة.. الزهد.. الفضيلة.. العزلة التأملية..

تعلمت أن أفترض الليل

وكأنّه النهار

والعزلة نعيماً لأيام (الغربة الغريبة[76])

 فإذا به يتفاجأ بوجود (متوحد[77]) بحسب تعبير ابن باجة ٥٣٣ هـ / ١١٣٨م وهو(حي بن يقظان)  ولما يراه (المتوحّد)  فيندهش من وجود  أبسال فيتصوره نوعا جديدا من المخلوقات الحيوانية التي لم يشهدها من قبل حتى يلتقيه أبسال بشكل وآخر فيستأنس (حي بن يقظان) من  وجود أبسال لكنه لا يعرف الكلام فيبدأ الزاهد أبسال بتعليمه  الكلام.. وبعد ذلك يبدأ (حي بن يقظان) ببيان ما اكتسبه من معارف  وعلوم ومشاهدات  وذوقيات.. عن النفس والشريعة والملائكة والأنبياء والنعيم والجحيم وما شاهداه في إدراكات حسية للحقائق الروحية التي انكشفت له.. عندها يندهش أبسال بما يسمع من (حي بن يقظان)! فيتأمل بما سنّه الأنبياء ويؤيد صدق الرسالات أو الرسالة التي وصلت جزيرتهم بتوسيط نبي ما.

يتفق أبسال و(حي بن يقظان) على الذهاب إلى جزيرة المجاروة التي تركها أبسال بغية أن يكشف بعض الحقائق  أمام سلامان  إلا أنه يكشف أن صديقه قد صار حاكما في  الجزيرة.. ولما بدأ يحدثه عن تجربة (حي بن يقظان) الرموز والإشارات.. الموجودة في العالم  والتي تتبع الحقائق الروحية يلاحظ أن سلامان لم يول اهتماما بما ينبغي لانشغاله سُدة الحكم بالدنيا ونعيمها اللذة والنشوة والرفاه والخدم والحشم.. وعلى أثره عامة المجتمع.. فيتوصل (حي بن يقظان) أن لا جدوى من إكثار الحديث وإطالة المقام فلذلك يقرر العودة إلى الجزيرة (سيلان) وعلى هذا القرار يوافقه أبسال إذ حمل كل منهما عزيمة الانقطاع والتبل في العبادة لله فيتركا الشعب مع الحاكم على ما هم عليه من العمل بظاهر الشريعة بينما هما على عزيمة التأمل في حقيقة العسيرة المنال.

ويكشف لنا ابن طفيل في خطابه  أمرين:  

(ألف) دور العقل المتأمل في الطبيعيات اكتساب العلم عن الحيوانات والنباتات والمعادن.. والتمايز بين ماهيات وحيثيات وتعلم تباين الماهيات وحيثياتها.. وأن معرفة الأشياء  بحسب الطاقة البشرية ممكنة إلا أن هذا التعلّم رائده العقل الفعال الذي يدرك كليات الأشياء، والذي يراه ابن سينا أنه (عنصرا وسيطا بين عالم الغيب وعالم الشهادة[78]) بينما يذهب الفارابي إلى تحديد ماهيته بقوله في (عدم كينونة العقل في المادة أصلا وفصلا[79]). ومهما يكن بعد هذا الطائل فإن حي بن يقظان عبر العقل الفعال وإطالت التامل أدرك ضرورة وجود صانع للكون سواء كان الكون مسبوقا بالعدم أم قديما.. فله صانع، وأن من أوجده لا يمكن أن يكون مسبوقا بالعدم.. وهكذا حتى أهتدى إلى الخالق العظيم.

 (باء) إمكان الاتصال بين العقل والنقل (الفلسفة والدين) فحي بن يقظان هو رمز الإنسان المتحرّر من جهة السلطة  والمعارف والعلوم، وأن الدين حق والفلسفة حق؛ والحق لا يكون متعددا، ثم إن (أبسال) رمز لرجل الدين المتعمق المتأول في المعاني الروحيانية، و(سلامان) رجل دين متعلق بالظاهر يترك التاويل [80].

وبعد هذه الدوال المحورية  فالخطاب يريد إيصال هذه الرؤية أن الإنسان الذي نال الكمال الأول في الحكمة لكنه غير محظوظ من حيث العلم في الشريعة فعليه أن يسعى لنيل الدين، ولكن إن نال الفلسفة والدين فيسهل عليه التوافق بينهما، والمراد من الفلسفة هنا (المنهج العقلي) والبرهان على ذلك أن ابن طفيل سلك مسار من تقدمه من الفلاسفة وأن فيلسوف تبعي، ويتضح هذا جليا إن قمنا بلحاظ أعماله الفلسفية وفقا لقاعدة Contexte حيث يصنف مستواه ورؤيته في دائرة من سبقه[81]. ولحد الآن لهذا المنهج أتباع وأساتذة في مصر وإيران والعراق.. وأن نظرية جادامير الذي سلك العودة إلى الفهم الأرسطي الكلياني؛ والقول بتأسيس «الكلياني هيرمنوطقيي [82] » للموافقة بشكل وآخر لهذا المنهج بعد أن تعرض في عصر التنوير إلى هزات عنيفة، عززت مكانته من جديد في الشرق؛ لأن المنهج هو منهج أرسطو الشهير في المحسوس والمعقول.

وإنطلاقا من الموقف ذاته لا بد من قول أن الفلسفة هي وليدة (الحكمة[83])، فلا يمكن أن تخالف الدين كون الدين حكمة حقيقية، حكمة أبدية، وبينهما من حيث التصور المنطقي، تصور صلة الجزء بالكل؛ وبعبارة بديلة: أن الحكمة متناسقة الأجزاء وليس متنافية الأجزاء فلا يمكنها أن تتناقض في ذاتها، وأن بين الفلسفة والدين سنخية.. وقد مرّ قبيل قليل أن العقل حق والوحي حق وكلاهما يعبران عن الحقيقة الواحدة.

وقد وقع بعض نتيجة عدم التحليل الصادق  ولعدم امتلاكه طَرَفي المعارف الدينية والفلسفية، وقع في لُبسة التعارض بينهما كما ورد في تاريخ  الإسلام[84] والغرب الفكري والفلسفي، والأهم الغرب بعد أن تحول من عصور القروسيطة وترك (عالم المسحية) حتى دخل عهد الإصلاح والتنوير إذ اعتد في أثناء عملية النقلة أن الدين معاديا للعلم [85]Science.. ولا بد من قول أن دعوى الصراع بين العلم والدين تحتاج إلى مزيد من البحث لبيان فحواها الخواء كون التناسب بينهما مناسبة تناف، وهذا ما لا سبيل له الآن.

كما وبلحاظ آخر فإن الفيلسوف ابن طفيل يلفت النظر إلى لزوم تصنيف البشر من حيث اكتساب الذات للمعارف والعلوم إلى أربعة أصناف: الفيلسوف والعالم بالدين البصير بالمعاني, ورجل الدين المتعلق بالظاهر وهو الفقيه وأخيرا عامة الناس[86]. ولو تاملنا هذا التصنيف هو من أهم دوال الخطاب وقارنها مع ما هو الحال أنذك في عالم المسيحية من افتعال صراع بين الدين والعلم منشؤه الشبهة، واللادين والدين، والمؤمن المتزمت والجاحد.. عندها ينجلي أثر الرواية الإيجابي ويبرز سرّ إقبال العقل المسيحي عليها ترجمةً وقراءة، وكما تمت الإشارة فإن الرواية بقيت حتى عام 1936م [87] موضع اهتمام في الغرب وهو في ذروة العلمانية.

 وعليه إن لم يكن هناك تأثيرا لهذا الخطاب المجتزء من الميتافيزيقا على العقل المسيحي فيكون من العبث أن يهتم به الغرب وهو في ذروة المناهضة للخرافة والجربزة اللتين عمّتا المسحية، مما يعني أن الميتافزيقا لا تنافي الدين وجودها ضروري لإزالة الأوهام التي قد تسود باسم الدين والتوحيد والأخلاق.. نتيجة أساب موجبةٍ ما.

 

المحصلة:

هذا ما يمكن التطرق اليه بصورة مجملة إثْرَ تحليل الخطاب على أن الرؤية التي يطرحها  الفيلسوف ابن طفيل هي لا تختلف عما سبقه من الفلاسفة، لكنها تجمع بين المدرسة المشائية والمدرسة الأفلاطونية بشكل وآخر؛ إذ جمع بين إمكان تلقي المعارف والعلوم بالشهود والذوقية المستقية ومثّل لذلك بالمتوحّد (حي بن يقظان) وأن الصلة بين الدين والفلسفة التي هي جزء من الحكمة صلة التآلف لا التناف.. ويمكن فهم هذا المنظور شرط الوقوف على دوال الخطاب المحورية التي وردت هنا وهناك..  ساعد التحليل على وضعها في نسق منطقي.

وبعبارة بديلة: تكوين بناء طولي تترابط الدوال فيه بعضها ببعض، وأبرز الدوال المحورية التي أنشأت تكوين البناء بواسطة عملية Articalation هي:

– وجود الصانع.

– ضرورة الدين للبشر.

– ضرورة الأخلاق.

– ثبوت النفس الناطقة .

– ثبوت العقل الفعال lntellact agente.

ومن هذه الدوال الصارمة ينغلق منفذ الارتياء لكل خطاب يراد تكوينه بالتنافي لما أبداه ابن طفيل، ومنها تكوين تطور الأنواع والتوالد الطبيعي.. ويمكن نفيه أيضا على أساس البناء الطولي بسهولة كما قد سلف، أن فهم فحوى الخطاب إن لوحظ في contexte يسهل استيعابه تماما.

وتبيّن ضمنيا من فحوى البحث أن الأعمال الفلسفية – الميتافيزيقية لها أثر إيجابي في مسار تصحيح التصور الديني الخاطئ، وعصر الظلام الغربي المسمى بعالم المسيحية أبرز شاهد في هذا المجال حيث هزيمة الخرافة أمام الدين الحق، والعلم الحق الذي هو من صفات الله تعالى، وكما مرّت الإلماعة فإن هذا الخطاب الفلسفي ذي الطابع Dramaturgi هو الأكثر تأثيرا على العقل المسيحي مما ارتقى هذا العقل من مستوى ظلام جربزة إلى مستوى نور التأمل الإيجابي. وعليه فالفكر الفلسفي المتيافزيقي الإسلامي وبالتحديد خطاب ابن طفيل كان جزءا من أسس منظومة التنوبر الغربي في مراتبها المتلاحقة حتى عام ١٩٣٦م وهذه حقيقة لا يمكن  التنقيص من شأنها، بل يلزم النظر إليها بعين الموضوعية.. وقد ظلّ على تأثيريته حتى عام 1936م.

وتجدر التنبيهة على أن ثمة دوال غير محورية وردت في الخطاب يمكن تقسمها على نمطين أدبي وفلسفي نشير إلى أهمها بالتابع المقبل:

 

أ) الأسلوب الأدبي الرمزي ـ الخيالي:

ـ رواية فلسفية أدبية دونما تناف في تصنيها ضمن أروع ما وصل إلينا من تراث في الفلسفة.

ـ الأسوبية الأدبية المبتكرة غير المسبوقة، الحوادث والشخصيات والمناخات وعمارة الرؤية المترابطة والعنصر الخيالي الخصب كالقول بالتوالد الطبيعي.

ب) الرؤية الفلسفية – الصوفية:

ـ الـتأكيد على الإشراق الروحي، ودعوة إلى إصغاء نداءات القلب واعتماد الذوقيات المستقيمة.

– الرد على شبهة الصراع بين العقل والنقل  (الفلسفة والدين).

   – رؤية إمكان البدء بالمحسوس والتدرج حتى العالم المعقول، فنيل العقل الفعال.

– قدرة المنهج الشهودي الصوفي على اكتساب الميتافيزيقا.

– الفيلسوف يدرك الإنسان الديني ولا يصدق العكس بالنسبة إلى أحوال الفيلسوف وتأملاته.

– إبطال نظرية التوالد الطبيعي وهي نظرية قديمة لها صلة بطبيعة الجغرافيا واعتدالها في الأجواء.. يمكن لنا تفنيدها والتأكيد على بطلان فحواها كغيرها مما جاءت بالفلسفة كنظرية أرسطو والتي فيها (الفلك عاقل[88]) على أن هذا القبيل من النظريات بطلت إثر تقدم العلوم التجريبية المعنية بعلم الهيئة والطب الحديثين مثلا.


كمال سلمان – دين وكلام وفلسفة ـ إيران

kamalbinsalman@gmail

kamalobinsalman@gmail

(الف) المصادر العربية والفارسية: 

    1. القرآن الكريم.
    1. التنوير الأوربي: 13، دار الطليعة ، ط 1، أيلول 2005 بيروت.
    1. . هانري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ترجمة: نصير مروة، ط2، عويدات للنشر، بيروت 1998م .
    1. محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة: 11ـ12، بلا بيانات النشر، محاضرات ألقيت في الرياض 1975م
    1. عبد الرحمن البدوي ، الموسوعة الفلسفية: 143، الموسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيرون 1984م.
    1. . المجمع العلمي، المعجم الفلسفي: 120، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1983م .
    1. جميل صليبا، المعجم الفلسفي : 86 ـ 87، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982مبيروت.
    1. حسن القبانجي، حياة الفلاسفة والعرفاء: 1/12، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ، بيروت 2014م
    1. حي بن يقظان، تحقيق عبد الرحمن البدوي: 8، طبعة القاهرة 1998م.
    1. حي بن يقظان، ، طبعة بيروت م.
    1. . حنا الفاخوري ، تاريخ الفلسفة العربية: 2/ 378، ط 3، دار الجيل،   بيروت 1993م.
    1. . داوري أردكاني، فلسفة وهرمنوتيك معاصر، مجلة: نامه فرهنك، العدد: 18/60. (بالفارسية)
    1. مالك بن نبي ، شروط النهضة، دار الفكر الطبعة الثانية، دمشق 1986م.
    1. الفارابي، تحصيل السعادة، طبعة حيدر آباد [باكستان] ١٩٣٦م.
    1. الفارابي، آراء المدينة الفاضلة، دار المشرق، بيروت 1968م.
    1. البيجوري، منية المريد في شرح جوهرة التوحيد، تحقيق: علي جمعة محمد الشافعي، دار السلام للطباعة والنشر الطبعة الأولى بيروت، 2002م.
    1. بولس الخوري، قراءة للفكر العربي الحال، المكتبةالبولسية، بيروت – لبنان ١٩٩٩م.
  1. حي بن يقظان لـ ابن سينا وابن طفيل والسهروردي، دار المدى، دمشق، ٢٠٠٥ م.

(باء) . دراسات للباحث مخطوطة:

  1. كمال سلمان، كتاب: فلسفة لابن النهر (مخطوطة معدة للنشر)، ٢٠١٢م.
  2. كمال سلمان، كراس: المنهج والهيرمنوطيقا والشبستري(مخطوطة) ٢٠١٥م.

(تاء) المصادر الأنجليزية بالتوسيط: 

  1. Paul kraus. AbiBakr Muhammadi filii Zachariae Razis, Opera Philosophica , Vol. I, Cairo, 1939
  2. Yanow, D., (1996), How Does a Policy Mean?, Washington, DE: Georgetown

 University Press

الهوامش:

[1] . المصطلحات الحديثة : 322.

[2] . الخطاب ضد السرد Narrator، السرد يتبنى ما هو أعم من الحقيقة فقد يكون خاليا  أسطوريا؛ ومن هذا المنطلق نتبنى الخطاب الداعم إلى الحقيقة كما سيتضح في تعريفه.

[6] . مدخل إلى التنوير الأوربي: 139.

[8] . المصدر: 139.

[10] . جميل صليبا: ١/ ٤٥٥- ٤٥٧.

[12]. الإسلام والحضارة:11ـ12.

[13] . علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب: 242.

[14] . هانري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية:  368.

[17] وضع السجستاني كتاب (صوان الحكمة) آراء أستاذه الكندي، وهو من المصادر المهمة في فلسفة الكندي.

                   وقائلة أما لك من جديد … أقول لها القديم هو الجديد

[20] . كوربان، تاريخ الفلسفة : 352.

[21] . البدوي ، الموسوعة الفلسفية: 143.

[22] . حركة الفكر الفلسفي في الإسلام: ١/ ٥٥٧.

[23] . البدوي ، موسوعة  الفلسفة: 1/ 70 .

[24] . اللغة التي كانت سائدة في أوربا كافة قبل اللغة القومية اليوم من الفرنسية والإنجليزية..  انظر: مدخل إلى التنوير الأوربي: 42.

[25] . تاريخ الفلسفة الإسلامية: 352.

[26] . للمزيد من التعرّف على الفارق بين الطبيعة  والعقل الذي يتسامى على عماء الطبيعة انظر: المصدر: صليبا، المعجم الفلسفي : 86 ـ 87.

[27]. يطيق على العقال الفعال في الشريعة «روح القدس»؛ ترى الشريعة أن بلوغ روح القدس يلزم الامتناع عن الأفعال المحرمة والذميمة والخلق القبيح والمحرم.. فقد قال القرآن: (بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، المطففين: 14؛ وذلك لأن كل فعل من منظور القرآن حجاب يحجب النفس القادرة عن مشاهدة آيات الله الكبرى.. كما في تصور الأديان الإبراهيمية. قال تعالى: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى). النجم:18.

[28] في الرؤية التي يطرحها ابن طفيل بأسلوب فريد يجمع بين الخيال الأدبي والبرهان الفلسفي حيث التدرج الطبيعي للعقل وتعايش النفس الإنسانية مع الأمر المحسوس.. حفز هذا الأسلوب المفكر طيب التيزيني[28] أن يرتأي عبر المنهج المادي ـ الطبيعي أن ابن طفيل يحاول إثبات المنهج الطبيعي الجدلي.. مستدلا بما ورد في الخطاب التركيبي عقلاني ـ صوفي من دوال غير محورية وهو ارتياء غير سليم؛ وذلك لأن الروايات التاريخية تؤكد لنا أن ابن طفيل وهو فيلسوف مسلم متدين أن أعماله الفلسفية إنما هي على منهج من تقدمه من رؤية توحيدية أولا، بل قد انصرف أخريات حياته إلى « العلم الإلهي وبقي منشغلا به[28]» تماما بعيدا عن الطب الذي كان يتعين على الفيلسوف أن يعرفه حسب ثقافة عصره.. حتى ارتحل عن الوجود في مراكش، وكتب عن النفس كسائر الفلاسفة إذ هو فيلسوف يقتفي خطوات من تقدمه من فلاسفة الإسلام في الرؤية الإلهية و(مخلوقية النفس) بواسطة قدرة الله تعالى شأنه، وقد أجمع فلاسفة الإسلام على أن النفس مخلوقة. (انظر : ابن سينا،  النجاة: ٢٥٨).

 وحسب تعبير الفارابي عاد ابن طفيل إلى النفس لاستكمال فضائلها: (كمِّل حقيقتك التي لم تكمل … والجسم دعه في الحضيض الأسفل ) (انظر: حياة الفلاسفة والعرفاء: 1/12).

انظر: مقال الأستاذ طيب التيزيني (الفلسفة العربية الإسلامية – إشكالية ونقد، مجلة التراث العربي) ومحاولة إظهار حي بن يقظان على أنه  تطور إنساني مادي وصل إليه وفق المنهج الجدلي المادي.. بينما ابن طفيل وليد حضارة الإسلام كما بينّا، ولم يثبت أنه ذو اتجاه غير  إلهي كي ينشئ القصة بناء على أصالة الطبيعة والدفاع عنها. ويمكن القول أن تلقى الأستاذ طيب التيزيني من قصة ابن طفيل جاء بدافع المؤازرة لغير الميتافيزيقا، وهو يتباين مع منهج التفكير والمفكر الذي يكشف عن الحقيقة لذاتها ولا يولي اهتماما للدفاع عن أيديولوجية معينة ولا يؤطر الرؤى التراثية لمناصرة موقف معين إلا إذا قام الدليل على ذلك مع لحاظ شرط القبول، ومنها: سياق الرؤية والاتجاه الفلسفي السائد وأعمال واضع الرؤية.

[29] ديبور، تاريخ الفلسفة في الإسلام: 309.

[30] . ترجم ولخص الراوية إلى الفرنسية ونشرها عام 1900م .

[31] . انظر: كوربان تاريخ الفلسفة الإسلامية : 325.

[32] . البدوي، موسوعة الفلسفة: 1/ 69

[33] .انظر: كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية: 325.

[34]  ومنها فارسية وأشهرها: حـائری،عـبد‌ الرحيم‌،داستان: (حي بن يقظان و شمهی از‌ احوال‌ ابسال و سلامان‌) مطبعهء‌ حاج‌ عبد الرحيم 1343 هــ‌.ش؛ فروزانفر با نام « زندهء بيدار» 1334 هـ.ش

[35] . البدوي ، موسوعة  الفلسفة: 1/ 70

[36] . المصدر: ١/ ٧٠.

[37] . المصدر: ١/ ٧٠.

[38] . المصدر: ١/ ٧٠.

[39] . المصدر: ١/ ٧٠.

[40] Paul kraus. AbiBakr Muhammadi filii Zachariae Razis, Opera Philosophica , Vol. I, Cairo, 1939

[41] . تاريخ الفلسفة الإسلامية: 352.  لمزيد من الاطلاع  أيضا انظر:  حي بن يقظان، تحقيق عبد الرحمن البدوي: 8، طبعة القاهرة.

[42] . الموسوعة الفلسفية: 1/ 75.

[43] ومما يمكن الإشارة إليه في مجال تلقي المسيحية من الإسلام والعرب محاولة الفيلسوف الفرنسي روجر بيكون حيث كتب في  cepus Majusقسم البصريات ناسخا البجث من كتاب (المناظرة) للعلامة ابن الهيثم، وأن كتاب بيكون شاهد ناطق على تأثر بيكون من ابن حزم الأندلسي، كما يشير المعنيون بالمقارنة وتاريخ النهضة والازدهار في الإسلام.

ج[44]  ثمة نقطة جوهرية بين قصة حي بن يقظان  وقصة روبنسون لا بدّ من الالتفات إليها وهي أن منهجية اكتساب المعارف والمفاهيم الإنسانية عبر النفس الناطقة (العقل)، بينما في قصة روبنسون عبر  الاجتماع والتجمع البشري وحفظ الأنظمة الرمزية ورعايتها كنظام اجتماعي للزمن وكذا نظام اللغة. وهو كما يبدو فإن روبنسون يتبع منظومة العلوم الاجتماعية التي حلت مكان الفلسفة العقلية منذ أن أبدى عالم الاجتماع هوبز نظرياته.

[45] . المصدر: ١/ ٧٥.

 [46] له بحث في مسألة العدل الإلهي: (طئوديسة).. لو قارنا بين أفكار ليبنتز مع ما هو سائد عند مفكري الغرب يتضح لنا قربه من التيار المعتزلي، وبعبارة أخرى: أنه يؤدي الاعتزالية بشكل حديث، والحال أن أكثر مفكري الغرب (أشعريون) أو يتقاربون منه بشكل واضح، والأهم هنا هو ابن طفيل حيث يمكن الوقل أنه قريب من المعتزلة.

[47] . انظر: حي بن يقظان، تحقيق البدوي:  18.

[48] . انظر: آراء أهل المدينة الفاضلة، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٩٤٥ م؛ وتحصيل السعادة، طبعة حيدر آباد [باكستان] ١٩٣٦م.

[50] . هانري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية:  368.

[51] . حنا الفاخوري ، تاريخ الفلسفة العربية: 2/ 378.

[52] أيديولوجية القاعدة وطالبان وتنظيم الدولة اللإسلامي.. تمتاز بقطع الرؤوس! أو بترها بالفوس! أو إرعاب النفوس! ويستندون في ذلك إلى أحاديث موضوعة تدلّ على إيجاد الرعب! وهي تناقض رؤية الإسلام في المحبة والرأفة.

 أما إسلام الخميني ثورة طائفية وإثارة الحرب.. وكل هذه الأحوال تبرر باسم الله، وصراع حول من هو الأولى بالكينونة الرمزية لعالم الإسلام في القرن الـ 21م.

[55] . منطق المظفر: 19.  (من دورسنا في تلقي المنطق للعام الداراسي  2002م).

[57] . حي بن يقظان: 27 طبعة بيروت. يقول ابن طفيل: « فمنهم من بت بت الحكم وجزم القضية بأن حي بن يقظان من جملة من تكون في تلك البقعة من غير أب ولا أم ».  (حي بن يقظان: 27 طبعة بيروت.)

[58] . المصدر: 21. يقول ابن طفيل: « منهم من أنكر تكوين حي بن يقظان وروى من أمره خبرا.. أن جزيرة عامرة بالناس يمكلها رجل شديدة الأنفة والغيرة وكانت له اخت ذات جمال وحسن باهر فعظلها عن الزواج إذ لم يجد لها كفوا وكان له قريب يسمى يقظان فتزوجها سرا على وجه مذهبهم المشهور في زمنهم ثم أنها حملت  منه فوضعت طفلا فلما خافت  أن يتضح أمرها وضعته في تابوت  ثم أودعته ثم قذفته في البحر ». (حي بن يقظان: 27 طبعة بيروت.)

[59] . حي بن يقظان: 27.  يقول ابن طفيل:  « من جزر الهند تحت خط الاستواء ». (حي بن يقظان: 27 طبعة بيروت.)

[60] . في ضوء ضوابط اللغة العربية كما نلاحظ فإن (إما) غير جازمة وإنما هي مفصلة ونحويا لا تثبت أمرا ما لم تقيدها إضافة بعد كل مرة  يتم إعمالها.

[61] . انظر: حي بن يقظان: 27، طبعة بيروت.

[62]. انظر، قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (إذا كان حادثا [أي: العالم]  فلا بدّ له من مُحدِث) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٦٠ -٦١.

[63] . انظر: قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: ( ذكروا جزيرة قريبة من الجزيرة .. انتقلت إليها نلة من الملل الصحية المأخوذة من بعض: الأنبياء المتقدمين..) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٨٠.

[64] . انظر: قوله:  قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (فما زالت تلك الملة تنتشر بتلك الجزيرة وتقوى وتظهر.. ) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر:  ٨٩.

[65] . انظر: قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (مشاهدة ذواتا كثيرة مفارقة للمادة.. ) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٨٥.

[66] .  تمت الإشارة إلى محاولة المفكر طيب التيزيني في ذلك. راجع الهامش المتقدم.

[67] . انظر: قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (واتخذ من أغصان الشجر عصيا.. مكن له بها ستر  عورته..) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٣٤.

[68] . قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (أدرك موتها [ أي: الظبية] فسكنت حركاتها بالجملة..) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٣٥.

[69] . انظر: قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (.. فلما أعياه ذلك، جعل يفكر ما الذي يلزم عن كل واحد.. فرأى أنه إنْ اعتقد حدوث العالم..) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٨٥.

[70] . فيلسوف اقتدى بالفارابي وابن سينا في إقامة البرهان على وجود الله تعالى وعدم تجسيده ودافع عن برهان التوحيد.

[71] . فيلسوف ولاهوتي من إيطاليا.. يرى أن الأشياء تتصل بالله وتعود إليه لأنه خالقها سواء وجدت بالثبوت أو الإثبات.

[72] . انظر:  قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (وإن كان فاعلا للعالم فهو لا محالة قادر عليه.. ) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ٦١.

[73] . قال القرآن الكربم: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِين)، الدخان: 8.

[75] . الفاخوري، تاريخ الفلسفة العربية:378.

[76] . من قصيدة للباحث ضمن مجموعة شعرية:  (أريد قبعة بحجم عبادان) .

[77] . ترى نظرية ابن باجة (ابن الصائغ) أن في الإنسان مهمة واحدة وهي مهمة عقلية إن بلغها عندها ينعم بالسعادة الحقة وعندها يصير (الإنسان الروحاني) حيث يصبح جوهرا من الجواهر المفارقة.. وكما نلاحظ هي على خطى نظرية العقال الفعال المطروحة عند الفارابي فابن سينا والتي تسمى عند ابن رشد بالاتصال. لقد ألفه ابن باجه رسالة (تدبير الموحّد) وكنظرية وتجلت بصورة فائقة في رسالة تلميذه ابن طفيل ( حي بن يقظان) وهي موضع الدراسة الآن. وجدير بالذكر أن ابن طفيل يرد على قول ابن باجه الذي فيه أن الفناء الصوفي لا يمكن وصفه. انظر:  قول ابن طفيل؛ جميع الطبعات: (..وانظر إلى قول أبي بكر الصائغ..) وفي طبعة، بيروت، تحقيق: ألبير نصري نادر: ١٧.

ويمكن القول أن المتوحد تطلق عادة على من ( يبتعد عن مجتمعه ويتزوي في زاوية منه مختليا بنفسه ومنفصلا حياة الزهد. حركة الفكر الفلسفي : ١/٥٤٣.

[78] . المجمع العلمي، المعجم الفلسفي: 120.

[79] . المصدر: 120.

[80]. البدوي، الموسوعة الفلسفية : 75.

[81]. ونستدل على صحة هذا بالاستناد إلى قاعدة Conteste مثلا كون اين طفيل يطرح نظرية العقل الفعال وهي ركن ركين في الفلسة الموروثة.

[82]. داوري أردكاني، فلسفة وهرمنوتيك معاصر، مجلة: نامه فرهنك، العدد: 18/60. (بالفارسية، ترجمة: كمال سلمان).

[83]. المراد من الحكمة هنا إحياء المصطلح الموروث والذي يعم العلم والمعرفة بعموم الإطلاق، ويؤكده القرآن الكريم: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) البقرة: 269، بينما الفلسفة في مدلولها الجديد انطلاقا من القرن السابع عشر، إنما هي مطلق المعرفة. لذلك فالفلسفة من الحكمة، لكنها لا تعني استغراق تمام معنى الحكمة. وبعبارة منطقية صورية: بينهما عموم وخصوص مطلق.

[86] . المصدر: 75.

[87] . ترجمة عبد الرحيم الحائري، ومر الحديث عنها في الهامش المتقدم.