ملحق لمدخل (الاستخلاص) حول تشارلز ساندرز بيرس والاستخلاص من (موسوعة ستانفورد للفلسفة)
لقد صاغ تشارلز ساندرز بيرس Charles Sanders Peirce مصطلح «الاستخلاص Abduction» في عمله على منطق العلم،. وقدمه للإشارة إلى نوع من الاستدلال غير الاستنباطي الذي اختلف بالطبع عن النوع الاستقرائي المألوف. ظهر اتهام شائع بعدم وجود صورة متماسكة منبثقة من كتابات بيرس حول الاستخلاص. (وقد لا يكون هذا مفاجئًا، نظرًا إلى عمله المتواصل على الاستخلاص طوال حياته المهنية، التي امتدت إلى أكثر من خمسين عامًا. انظر إلى (Fann, 1970) للحصول على سرد موجز وشامل لتطور أفكار بيرس حول الاستخلاص). مع ذلك، فمن الواضح أن مصطلح «الاستخلاص Abduction»، كما فهمه بيرس، مختلف إلى حد ما عما يُفهم حاليًا، انظر (Campos, 2011) و(McAuliffe, 2015). تكمن إحدى الاختلافات الرئيسة بين مفهومه والمفهوم الحديث في انتماء الاستخلاص، في المفهوم الحديث، إلى ما أطلق عليه التجريبيون المنطقيون «سياق التبرير» – وهي مرحلة التقصي العلمي المعنية بتقييم النظريات – بينما اتسم استخلاص بيرس بمكانه الصحيح في سياق الاكتشاف، مع تقييم مرحلة التقصي التي نحاول فيها توليد نظريات لاحقًا. وكما يقول:
«الاستخلاص هو عملية تشكيل فرضيات تفسيرية. وهي العملية المنطقية الوحيدة التي تقدم أي فكرة جديدة» (CP 5.172). ويقول في مكان آخر إن الاستخلاص يشمل «جميع العمليات التي تولد بها النظريات والمفاهيم» (CP 5.590).
بعد ذلك، يلعب الاستنباط والاستقراء دورًا في مرحلة لاحقة من التقييم النظري:. يساعد الاستنباط في اشتقاق نتائج قابلة للاختبار من الفرضيات التفسيرية التي ساعدنا الاستخلاص على تصورها، ويساعد الاستقراء أخيرًا في التوصل إلى حكم على الفرضيات، إذ تعتمد طبيعة الحكم على عدد من النتائج المثبتة القابلة للاختبار. (بصرف النظر عن ذلك، تجدر الإشارة إلى دفاع جيرهارد شورز Gerhard Schurz مؤخرًا عن وجهة نظر الاستخلاص التي تظهر إلى حد كبير في الروح البيرسية[i]. وفقًا لهذا الرأي، «إن الوظيفة الحاسمة لنمط الاستخلاص … مكونة من عمله كاستراتيجية بحث من شأنها قيادتنا، بالنسبة إلى نوع معين من السيناريو، في مدة معقولة إلى التخمين التفسيري الواعد الذي يخضع بعد ذلك لمزيد من الاختبار» (Schurz, 2008:205). تعتبر الورقة ذات أهمية بسبب التصنيف المفيد لأنماط الاستخلاص التي تطرحها).
مع ذلك، كما لاحظ هاري فرانكفورت (Frankfurt, 1958)، فليس من السهل فهم وجهة النظر السابقة كما قد تبدو للوهلة الأولى. يفترض أن يكون الاستخلاص جزءًا من منطق العلم، ولكن ما هو المنطقي بالضبط في اختراع فرضيات تفسيرية؟ وفقًا لبيرس (CP 5.189)، ينتمي الاستخلاص إلى المنطق بسبب إمكانية إعطائه وصفًا تخطيطيًا، كما يلي[ii]:
رُصدت الحقيقة المفاجئة C.
ولكن إذا كانت A صحيحة، ستكون C منطقية.
إذن، هناك سبب للشك في أن A صحيحة.
إلا أن فرانكفورت أشار على نحو صحيح إلى عدم كون ذلك استدلالًا من شأنه قيادتنا إلى أي فكرة جديدة. في النهاية، يجب أن تكون الفكرة الجديدة – الفرضية التفسيرية A – قد حدثت لأحد قبل أن يستطيع المرء استنتاج سبب للشك في صحة A، لأن A هي فعلًا في المقدمة الثانية.
ويتابع فرانكفورت قائلًا إن عددًا من المقاطع في عمل تشارلز ساندرز بيرس تشير إلى فهم الاستخلاص بعيدًا عن عملية اختراع الفرضيات بل باعتباره عملية تبني الفرضيات، إذ لا يكون تبني الفرضية صحيحًا أو مثبتًا أو مؤكدًا، لكن كمرشح جدير بمزيد من التحقيق. وفقًا لهذا الفهم، ما يزال من الممكن اعتبار الاستخلاص جزءًا من سياق الاكتشاف. كما يمكنه العمل كنوع من وظيفة الاختيار، أو كمرشِح، لتحديد أي من الفرضيات المتصورة في مرحلة الاكتشاف يجب تمريرها إلى المرحلة التالية لتخضع للاختبار التجريبي. يتمثل معيار الاختيار في وجوب إيجاد سبب للشك في صحة الفرضية، ويتحقق مثل هذا السبب عندما تقدم الفرضية أي حقائق ملحوظة نهتم بشرحها بالطبع. هذا من شأنه تقديم معنى أفضل لادعاء بيرس أن الاستخلاص هو عملية منطقية.
مع ذلك، يرفض فرانكفورت بدوره هذا الاقتراح في نهاية المطاف. نظرًا إلى، حسب قوله، العدد غير النهائي من الفرضيات التي يمكنها تفسير حقيقة معينة أو مجموعة من الحقائق -التي اعترف بها تشارلز ساندرز بيرس–. فمن الصعب أن يكون شرطًا كافيًا لتبني فرضية (بالمعنى الوارد سابقًا) من شأن صحتها جعل هذه الحقيقة أو مجموعة الحقائق أمرًا طبيعيًا. كحد أدنى، لا يبدو أن للاستخلاص فائدة كبيرة كوظيفة اختيار. غير أن المرء قد يشك فيما إذا كان هذا اعتراضًا صحيحًا. مع تذكر ما قيل فيما يتعلق بحجج نقص الإثبات، نلاحظ أنه من غير الواضح بأي حال من الأحوال وجوب تحديد «تفسير حقيقة معينة» بـ «جعل هذه الحقيقة أمرًا طبيعيًا». لكل ما يقوله فرانكفورت، لكي تفسر الفرضية حقيقة ما، يكفي أن تشمل هذه الحقيقة. لكن لا ير أي فيلسوف علم في الوقت الحاضر هذا الاستلزام كافٍ للتفسير. يبدو من المعقول قراءة عبارة «جعل حقيقة معينة أمرًا طبيعيًا» على أنها «إعطاء تفسير مرض لهذه الحقيقة». وردًا على اعتراض فرانكفورت، يمكن بالتالي القول إنه حتى في حال وجود عدد لا نهائي. من الفرضيات التي تفسر حقيقة معينة، فقد لا يعطي إلا القليل منها تفسيرًا مرضيًا لها. الأمر متروك لباحثي بيرس ليقرروا ما إذا كان هذا التفسير المقترح معقولًا في ضوء كتابات بيرس الأخرى.
حتى في حالة أمكن قراءة «جعل حقيقة معينة أمرًا طبيعيًا» على أنها «إعطاء تفسير مرض لهذه الحقيقة»،. من اللافت للنظر عدم وجود إي إشارة في كتابات بيرس المتعلقة بالاستخلاص إلى فكرة أفضل تفسير. قد تبقى بعض التفسيرات المرضية أفضل من غيرها، وربما يظهر من بينها التفسير الأفضل الفريد من نوعه. تُعد هذه الفكرة حاسمة في كل التفكير الحديث حول الاستخلاص. وهنا يكمن فرق رئيسي آخر بين مفهوم بيرس للاستخلاص والمفهوم الحديث.
الهوامش:
[i] نسبة إلى تشارلز ساندرز بيرس Charles Sanders Peirce.
[ii] يوضح المخطط المنطقي للاستخلاص أن هناك حقيقة مدهشة (س) غير مبررة بحسب معارفنا. وأن الفرضية (أ) قد تفسر الحقيقة المدهشة (س)، وبالتالي يجب التحقق من صحة الفرضية (أ).