
توجد ثلاث مقدمات في برهان الإمكان الكوزمولوجي وهي :
1- كل شيء موجود يوجد تفسير لوجوده ( إما لضرورة تقتضيها طبيعته أو لسبب خارجي).
2- إن كان هنالك تفسير لوجود الكون، فهذا التفسير هو الله.
3- الكون موجود.
الآن، ماذا ينتج منطقياً من هذه المقدمات الثلاث؟
من المقدمة 1 و 3 ينتج :
4- وجود الكون له تفسير.
و من 2 و 4 ينتج منطقيّاً :
5- إذن، تفسير وجود الكون هو الله.
هذه حُجّة متماسكة منطقياً، لذا إن أراد الملحد إنكار النتيجة يجب عليه القول أن إحدى المقدمات الثلاث خاطئة، ولكن أي واحدة سيرفض؟ المقدمة الثالثة لا يمكن أن ينكرَها أي باحث صادق عن الحقيقة، لذا يجب على الملحد أن يرفض إما المقدمة الأولى أو الثانية، إن أراد أن يبقى ملحداً وعقلانيّاً في نفس الوقت. إذن، السؤال هو: هل المقدمة الأولى والمقدمة الثانية صحيحتان أم خاطئتان؟ حسناً دعونا نُلقي نَظرة عليهما.
وِفقاً للمقدمة الأولى يوجد نوعان من الأشياء:
(أ): أشياء توجد وجوباً (ضرورةً)
(ب): أشياء توجد إمكاناً
الأشياء التي توجد وجوباً توجد لضرورة تقتضيها طبيعتها ذاتها. العديد من الرياضيّين يعتقدون أنّ الأعدادَ والمجموعات وغيرها من المفاهيم الرياضية وجودها من هذا النوع الأول. هذه الأشياء لا توجد لسبب خارج عنها، إنما وجودَها تقتضيهِ طبيعتُها ضرورةً. و على النقيض من ذلك، الأشياء الممكنة الوجود توجد لسبب خارج عنها. توجد لأن شيئاً ما أوجدها. هذه المجموعة من الأشياء تشمل البشر والكواكب والمجرّات.
ما الدليل الذي يمكن تقديمه للاعتقاد بأن هذه المقدمة الأولى صحيحة؟ حسناً عندما تفكّر بهذه المقدمة مليّاً تجد أنَّ لديها نوعاً من الدليل الذاتي. تخيّل أنّكَ ذهبتَ في رحلة إلى الغابة مع أصدقائك، ثم صادفت في طريقك كرةً شفّافة ملقاة على الأرض، طبيعياً ستتساءل عن سببِ وجودها في هذا المكان. إذا قال لك أحدُ رفقاءِ الرحلة ” إنها فقط موجودة بلا سبب، لا تقلق بشأنِها ” ستظُنَّ أنّه إما أن يكونَ مجنوناً أو أنه فقط يريد المضيَّ قُدُماً في الرحلة بلا تأخير. لن يأخذَ أحدٌ على محملِ الجدّية الرأيَ القائلَ أنَّ هذه الكرة موجودةٌ على الأرض بلا سبب.
الآن افترض أن حجمَ هذهِ الكرة كان بحجم سيّارة. هذا الافتراض لن يلغي الحاجة لطلب تفسير وجودها. افترض أنّها كانت بحجم منزل. نفسُ المشكلة. افترض أنها بحجم قارّة أو كوكب، أيضاً نفس المشكلة. افترض أنّها بحجم الكون الهائل، لن تزول المشكلة حتى مع هذا الافتراض. زيادة حجم الكرة المُفتَرضَة لن يؤثّر على المطالبة بوجود تفسير.
هذه المقدمة الأولى هي التي غالباً ما ينكرُها الملحد. أحياناً يردّ الملاحدة على المقدمة الأولى بقولهم أنّها صحيحة عند تطبيقها على كل ما في الكون ولكن ليس عند تطبيقها على الكون ذاته، ولكن هذا الرد يسمّى بـ”مغالطة سائق الأجرة” لأنّه وكما أشار الفيلسوف الملحد آرثر شوبنهاور بذكاء، أنّ المقدمة الأولى لا يمكنك أن تتجاهلها ببساطة عندما تصل إلى وجهتك المطلوبة.
سيكونُ أمراً اعتباطياً للملحد أن يدّعيَ أنَّ الكونَ هو الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة. في مثال الكرة والغابة السابق أوضحنا أن زيادة حجم الكرة – حتى ولو كانت هذه الزيادة تصل لحجم الكون – لن تُلغيَ الحاجة لطلب تفسيرٍ ما لوجودها.
لاحظ أيضاً مدى لا علميّة رد الملحد السابق. لأن علم الكوزمولوجي الحديث يهدف إلى معرفة سبب وجود الكون، فموقف الملحد هذا يعيق تقدّم العلم.
بعضُ الملحدين حاولوا تبرير الادعاء القائل أنَّ الكونَ هو الاستثناءُ للمقدمة الأولى بقولهم أنه يستحيل وجود سبب لتفسير وجود الكون. لأن تفسير وجود الكون سيكون في حالةٍ ما قبل أن يوجد الكون. ولكنّ هذه الحالة هي عدم، والعدم لا يمكن أن يكون تفسيراً لوجود أي شيء، إذن الكون يجب أن يوجد بلا تفسير.
مسار الاستدلال هذا يتّضح أنه خاطئ. لأنه يفترض أنَّ الكونَ هو كل ما يوجد، لذا إن لم يكن هناك كون فلن يسبقه إلا عدمٌ محض. وبعبارة أخرى، هذا الاستدلال يفترض ضمنيّاً أن الإلحاد صحيح، وهذه مصادرةٌ على المطلوب أو استدلالٌ دائري. أنا أتفق مع الافتراض القائل أنّ سبب الكون هو حالةٌ ما تسبق وجودَه ولكنّي أقول أنًّ هذه الحالة هي الله وإرادته وليست العدم المحض.
لذا يبدو لي أن المقدمة الأولى معقولة، فهي على الأرجح صحيحة بالفعل وهذا كل ما نحتاجه لبناء حجّة جيدة.
ولكن ماذا عن المقدمة الثانية؟ هل هي معقولة؟ ما يبدو محرجاً بالفعل للملحد في هذه النقطة هو أن المقدمة الثانية متكافئة منطقياً مع رد الملحد على برهان الإمكان. العبارتان تكونان متكافئتين منطقياً عندما يستحيل أن تكون إحداهما صحيحة والأخرى خاطئة في نفس الوقت. إما أن يثبتان معاً أو يرتفعان معاً. إذاً ما هو رد الملحد غالباً لـ برهانُ الإمكانِ ؟ يدعّي الملحد غالباً الادعاء التالي لنقض برهانُ الإمكانِ :
أ. إذا كان الإلحاد صحيح، لا يوجد تفسير لوجود الكون.
وهذا بالضبط ما يقوله الملحد للرد على المقدمة الأولى. الكون وُجِدَ هكذا بدون تفسير، ولكن هذا الادعاء متكافئ منطقياً مع:
ب. إذا كان هناك تفسير لوجود الكون، فالإلحاد غير صحيح.
لذا لا يمكنك قبول (أ) و رفض (ب).