يرى الكاتب جان إيف برانشر “Jean-Yves Pranchère“، عضو مركز النظرية السياسية في الجامعة الحرة في بروكسل ، أن الشعبوية الرجعية التي غالبا ما يتذرع بها ، هي أن الوعي العام لم يشكل أي سلطة اجتماعية أساسية لجميع الثورات الديموقراطية وهذا ما أثبتته دراسة روزنفيلد، التي نجحت من خلالها في عمل تاريخ فلسفي.
يعرف “الوعي العام” بأنه تراكمات متنقلة من الممارسات والمعتقدات والأفكار المسبقة المشتركة لدى مجتمع ما و هي في تغير مستمر . هذه “البداهة” قد تكون موضع شك ، على طريقة الفيلسوف ليو شتراوس، على أساس أن الإيمان بتاريخية الوعي العام قد يخلق وهم المحدثون ، بحيث أنه ينبغي التحرر من الوعي التأريخي الزائف الذي يتجاهل ثباتية الفكر لصالح التغيير في المتخيل الثقافي واستعادة الوصول إلى وعي عام أكثر صدقا وعمقا ، متطابقة مع طبيعة إنسانية عامة . لكن التاريخانية أو “التاريخ الواقعي” و نفي السياق التاريخي مفهومين متناظرين وشريكين في العلاقة التجريدية للتاريخ: يمنع التضاد النسبي و السببي من الوصول إلى المعقولية أو الفهم الخاص بكل ماهو تاريخي، و الذي يكمن في تداخل الظروف التجريبية و الديناميكيات المنطقية. حتى “الحقيقي”، يتم سرد الأفكار فيه ضمن ظروف الحياة والوجود ، التي لا يمكن فصلها.
هذا الرابط الملازم والثابت للتفكير المنطقي في السياقات الاستراتيجية بينهما هو في قلب التاريخ العظيم والمثير للوعي العام. إن فهم تاريخ فكرة سياسية ، تحت عنوان “التاريخ الاجتماعي للأفكار”، يكون في سياقات إنتاجها ونشرها ، ,وإسنادها إلى “التصورات والمعتقدات والممارسات الاجتماعية اليومية للجسم الاجتماعي المتعدد الطبقات “. يعد كتاب صوفيا روزنفيلد “التاريخ الفلسفي” و باللغة الفرنسية ” « histoire philosophique »الذي حقق نجاحا كبيرا ، تجربتها في هذا المجال المؤرخ بالكامل. إن التاريخ ليس المرجع الذي ظهر منه المنطق الفلسفي، بل ظروف الحياة السياسية، ومساراتها، لأن الوعي العام و الحس السليم هو اسم “السلطة المعرفية” التي ترجع إليها السلطة السياسية، الذي يعبر حتما عن “التاريخ المرتبط سياسيا بنظرية المعرفة”.
يحدد “الوعي العام” “سلطة جديدة” ، معرفية وسياسية ، والتي تشكلت ابتداء من القرن الثامن عشر، لهذا السبب لا يجب علينا أن نبحث عن مضمونها “الأصيل” أو رؤيتها بالشكل العام التي من شأنها أن تغير محتوياتها مع مرور الوقت. في كل عصر، لايكون أساس الوعي العام في المحتوى الذي يشكل مجتمع الأفكار لأي جماعة سياسية ، لكن في المطالبة بسلطته الاجتماعية . تعد هذه الفكرة حديثة: خسر هذا المصطلح في أوائل القرن الثامن عشر المعنى الأروسطي ، الذي كان يملك حتى عصرديكارت ولوك ، المعنى العام كما يعرف عند تقاطع الحواس الخمس مع ضمان إدراك جميع الحواس، بدون استعادة دلالتها في لغة شيشرون اللاتينية و الرومانية ومعناها (معتقدات الضمنية والمشتركة في المجتمع). لم يعد “الوعي العام” الذي أشير إليه في إنجلترا بعد عام 1688، في سياق الصراعات السياسية التي تسمح بالنظام البرلماني وإنشاء مكان عام مفتوح لتنوع الآراء، مفهوم مستخدم من قبل الفلاسفة لوصف الإجماع الذي يضع أساس السلام في المدينة؛ بل هو “سلاح أيديولوجي” تتجادل معسكرات عدة على وجوده لضمان هيمنتها على الواقع الجديد للرأي العام.
ويتم تحقيق ذروة هذه السياسة مع نشر الوعي العام في عام 1776 لتوماس باين، الذي يعبر عن الثورة الأميركية. يقول باين عن “دور القوة” الذي أشارت إليه صوفيا روزنفيلد، بأنه القدرة على “إقناع العديد من المواطنين الجدد الذين يريدون في الواقع عكس ما يعتقد أنه مرغوب فيه” . افترض باين أن التعبير عن الشعور الأميركي المشترك هو مشروع ثوري، الذي لم يكن هو نفسه على الإطلاق قبل بضعة أشهر. بأسلوب عامي، وليس استدلالي ، يعد مجرد رفض الآراء المتعارضة أمرا مثير للسخرية ، دون وجود احتجاج و سند من الخبرة العملية واليومية، أقنع باين القراء بأهمية التعرف على الوعي العام للعمل واتخاذ قرار الانقطاع التاريخي، وهذا يعني مشروع الديموقراطية ، حيث سيادة المواطنون “بحكم قدرتهم الفطرية على الحكم العملي والحكمة”. صنع التصور المتناقض للوعي “سلاحا للثورة المتجهة نحو المستقبل”:
تم استثمار الوعي العام للفلاسفة الاسكتلنديين من القرن الثامن عشر، الذي تميز بالإجماع المحافظ، من قبل العقل الراديكالي للتنويريين ، الذين غيروا جميع الحقائق التقليدية و خططوا لبناء مجتمع جديد.