المتحدث | آلان واتس |
المترجم | يزن عبود |
عنوان هذه الأحاديث التي سأقدمها اليوم هو “العقل يتغلب على العقل” (أرشيف العقــل) وسأتناول جميع المشاكل المختلفة المتعلقة بالتحكم في العقل ولذا سأقدم ما سأقوله من وجهات نظر مختلفة، على سبيل المثال: إذا كنت مهتماً بالاتصالات فستكون لديك مشكلة التعليق.
أو بطريقة لاهوتية: كيف يمكن للإنسان اتباع إرادة الله إذا كانت إرادة الإنسان منحرفة؟
يرد اللاهوتيين: بأن الإنسان لا يستطيع فعل ذلك من دون الحصول على النعمة الإلهية أو القوة على اتباع إرادة الله.
كيف عندها تحصل على النعمة؟ ولماذا النعمة تعطى للبعض دون غيرهم؟
إذا لم أتمكن من اتباع الإرادة الإلهية بمجهودي الخاص لأن إرادتي أنانية، كيف عندها يمكن لإرادتي الأنانية أن تتحول إلى عكس ذلك؟
إذا لم أتمكن من فعل ذلك لأنني بالفعل الإرادة الأنانية فلا بد من أن النعمة تستطيع فعل ذلك، وإذا النعمة لم تفعله مسبقاً، فلم لا؟ هل لأنني لم اتقبلها؟!! ولكن حسب التعريف فأنا لا أملك القوة لتقبلها لأن إرادتي أنانية، إذا هل يجب أن أصبح كالفيني *وأقول إنه فقط الأشخاص المقدر لهم استقبال النعمة يمكنهم عيش الحياة الجيدة، وهنا نعود إلى الموقف المرفوض في أن الأشخاص الذين يعيشون حياة شريرة ولا يحصلون على النعمة الإلهية لأنهم غير مهيأين لها من خلال الحكمة الإلهية اللانهائية عندها يجب أن يكون الله بنفسه مسؤولاً عن أفعالهم الشريرة، وهذا يسمى تشابك صغير ولطيف.
الآن إذا قمت بصياغة هذا الكلام بلغة الفلسفة والدين الشرقيين فسيكون الأمر على هذا النحو: قال بوذا ” إن الحكمة يجب أن تأتي فقط عن طريق التخلي عن الشغف الأناني أو الرغبة، من يستطيع التخلي عن الرغبة يبلغ النيرفانا*، السلام التام للروح، والتي تعني السلام التام والتحرر “.
نيرفانا تعني باللغة السنسكريتية ” النفخ ” والذي هو الزفير والعكس أو الرغبة هو الشهيق، والآن إذا استنشقت الهواء وحبسته فستفقد أنفاسك ولكت إذا زفرت فإن الهواء سيعود إليك، لذا المبدأ هنا إذا أردت الحياة فلا تتعلق بها دعها تذهب.
ولكن المشكلة هي إذا رغبت بعدم الرغبة أليست هذه بالفعل رغبة؟
كيف لي أن أرغب بعدم الرغبة؟ كيف لي أن أسلم نفسي عندما تكون نفسي تحديداً دافعاً للتمسك والتشبث والتعلق بالحياة، للاستمرار والبقاء
أستطيع أن أرى بعقلانية أنه بالتشبث بنفسي قد اختنق وسأكون مثل الشخص الذي لديه عادة سيئة وبسبب هذه العادة انتحر، وهو على دراية بهذا الأمر كله ولكن لا يستطيع التخلي عنها، لأن وسائل الموت جميلة جداً، لذا يتلخص الأمر كله في هذا السؤال البسيط، البشر كانوا مهتمين منذ زمن طويل جداً بتعديل عقولهم، فهل يوجد هناك أي طريقة يمكن من خلالها تعديل عقل الإنسان؟ أم أنها ببساطة مجرد عملية ليست أكثر من حلقة مفرغة؟
يمكنني أن أسألكم الآن، لماذا أتيتم إلى هنا اليوم، ما الذي كنتم تبحثون عنه؟!
هل سيكون من الوقاحة مني أن أقول إنكم كنتم تبحثون عن المساعدة؟! أنكم كنتم تتأملون أن تسمعوا شخصاً ما لديه شيئاً ما ليقوله ومن شأنه أن يكون مفيداً لكم وذو صلة بكم كأعضاء في عالم يواجه أشد الصعوبات، عالم يعاني من مجموعة معقدة من المشاكل وأي واحدة منها ستكون سيئة بما فيه الكفاية، ولكن عندما نضيف معاً كل المشاكل السياسية والاجتماعية والبيئية الكبرى التي نواجها اليوم فإنها مروعة.
ويقول المرء بطبيعة الحال أن السبب الحقيقي وراء الفوضى التي نعيشها ببساطة ليس لأننا نملك أنظمة خاطئة للقيام بالأشياء سواء كانت تقنية أو سياسية أو دينية بل لأننا نمتلك الأشخاص الخطأ.
الأنظمة ربما تكون صحيحة ولكنها بالأيدي الخاطئة لأننا جميعاً وبطرق مختلفة أنانيون، نفتقر للحكمة ونفتقر للشجاعة، نخاف من الموت ونخاف من الألم، غير راغبين حقاً في التعاون مع الآخرين وغير راغبين بالانفتاح لهم وكلنا نعتقد أن هذا الأمر مؤسف للغاية، لو أنني أستطيع أن أكون الشخص المناسب فقط.
هل سيخبرني هذا الرجل بشيء يساعدني على تغيير نفسي لأصبح أكثر تعاوناً وإبداعاً بين العرق البشري، أود أن أتحسن.
لذا وفي أذهان الكثير من الناس ومن عدة زوايا مختلفة هناك شعور مُلح بأنني يجب أن أحسن نفسي، وهذا أمر بالغ الأهمية، لأنه من الواضح ظاهرياً على الأقل أن الوضع الراهن يُنذر بكارثة.
والآن، وفي هذا السؤال، هل يمكنني تحسين نفسي بنفسي؟
هنالك صعوبة واضحة وهي أنه إذا كنت بحاجة إلى التحسين فإن الشخص الذي بحاجة التحسين هو من سيقوم به، وهنا ندخل في حلقة مفرغة.
حسناً، هل تريد نعمة الله؟! إذا اطلبها من الله لعله يمنحك إياها.
وسيقول لك اللاهوتيون: نعم، الله يمنح نعمته مجاناً، يمنحا للجميع لأنه يحب الجميع، إنها موجودة كالهواء كل ما عليك فعله هو استقبالها.
أو كما يقول المسيحي الكاثوليكي الأكثر تزمتاً: كل ما عليك فعله هو أن تتعمد، أن تأخذ التضحية المقدسة للمذبح وتتناول الخبز والنبيذ جسد ودم المسيح وها هي النعمة وتمنح بالوسائل المادية البسيطة لذا فهي متاحة بسهولة ويُسر.
حسناً، الكثير من الناس تعمدوا لكن الأمر لا يكون دائماً بالأخذ، الناس يسقطون من النعمة، لماذا يفعلون ذلك؟
كما ترى، فنحن نتحدث عن نفس المشكلة القديمة ولكننا رفعناها خطوة للأمام ولكنها نفس المشكلة القديمة، كيف يمكنني تحسين نفسي بنفسي كانت المشكلة الأولى، والمشكلة الثانية هي كيف يمكنني قبول نعمة الله كلاهما نفس المشكلة لأنه يجب عليك اتخاذ خطوة ستضع نفسك خارج سيطرتك إلى سيطرة أفضل وإذا كنت لا تؤمن بالنوع المسيحي من الله فيمكنك أن تؤمن بالنوع الهندوسي، والذي هو ذاتك الداخلية، كما ترى فإنه يوجد لديك ذاتاً أدنى والتي يمكنك تسميتها بالأنا الخاصة، والتي هي الوغد الصغير الذي يتربص بك دائماً وخلف هذه الذات أو الأنا يوجد الأتمان* أو الذات الداخلية أو النور الداخلي كما يسميها الكويكرز*، الذات الحقيقية، الروح التي تتطابق بشكل كبير مع الله، لذا عليك أن تتأمل بطريقة تتطابق مع ذاتك العليا.
وكيف ستفعل ذلك؟ حسناً، ستبدأ بمراقبة جميع أفكارك بعناية فائقة ومراقبة مشاعرك ومراقبة عواطفك حتى تبدأ في بناء شعور بالفصل بين المراقب وما يُراقب حتى لا تنجرف مجدداً مع تيار وعيك وستبقى الشاهد اللامبالي والغير متحيز، معلقاً الحكم وتشاهد كل شيء يستمر.
يبدو أن هذا الأمر يشبه التقدم على الأقل تتخذ وجهة نظر موضوعية عما يحدث، أنت تبدأ في أن تكون في وضع يسمح لك بالتحكم فيه، ولكن انتظر لحظة، من هذه الذات التي خلف الذات وتراقب الذات، هل يمكنك مراقبتها؟
سيكون مثيراً للاهتمام إن تمكنت من فعل ذلك لأنك ستكتشف عن طريق السبب أن هذا تماماً كمشكلة النعمة ليست أكثر من نقل للمشكلة الأولى، كيف أكون غير أناني بقوتي الخاصة؟ يصبح الأمر كيف أحصل على النعمة بقوتي الخاصة؟ وبنفس الطريقة نجد أن الذات المشاهدة أو الذات المراقبة لكل أفكارنا ومشاعرنا عي في حد ذاتها مجرد فكرة.
أي عندما تدخل الشرطة منزلاً يوجد فيه لصوص، فإن اللصوص يصعدون من الطابق الأرضي إلى الطابق الأول وعندما تصل الشرطة إلى الطابق الأول يكون اللصوص قد صعدوا إلى الطابق الثاني وهكذا إلى الثالث وأخيراً إلى السطح، وكذلك عندما يوشك الأنا الأدنى على الانكشاف يتماهى فوراً مع الذات العليا، يرتقي إلى مستوى أعلى، لأن اللعبة الدينية ليست سوى نسخة راقية ورفيعة المستوى عن اللعبة العادية، كيف يمكنني أن أكون أذكى من نفسي؟ كيف يمكنني أن أتفوق على نفسي؟
لذا إذا وجدت على سبيل المثال أنه في السعي وراء المتعة، الملذات العادية في هذا العالم مثل الطعام، الجنس، السلطة، الممتلكات كل هذا يصبح أمراً مرهقاً وأعتقد الآن أنه غير موجود، لذا أتجه نحو الفنون والأدب، الشعر والموسيقى وأغرق نفسي في تلك الملذات وبعد فترة لم تعد هذه الأشياء هي الإجابة، لذا ألجا إلى التحليل النفسي وبعدها اكتشف أن هذه ليست الإجابة، لذا أذهب للتدين ولكنني ما زلت أفكر فيما كنت ابحث عنه عندما أردت قطعة حلوى فقط، أريد أن أحصل على هذا الشيء “الجيد” ولكن أرى الآن أنه لن يكون شيئاً مادياً جيداً، كل الأشياء المادية الجيدة تنهار ولكن ربما هناك شيئاً روحياً جيداً لن ينهار.
ولكن في هذا المسعى فإنه لا يختلف عن السعي وراء قطعة الحلوى نفس القصة القديمة ولكنك قمت بصقل قطعة الحلوى فقط وجعلتها مجردة ومقدسة وباركتها وما إلى ذلك.
لذا كما هو الحال مع الذات العليا، والذات العليا هي ذاتك الدنيا وأنت تأمل بالتأكيد أن تكون أبدية وغير قابلة للتدمير وتحمل كل الحكمة، ثم تكمن المشكلة الكبرى في كيفية تفعيل هذه الذات العليا أو كيف يحدث أي فرق في ما تفعله وما تفكر به، أعرف جميع أنواع الأشخاص الذين جعلوا هذه الذات العليا تعمل بممارسة اليوغا لكنهم كبقية الناس العاديين وفي بعض الأحيان يكونون أكثر سوءاً ويمكنهم خداع انفسهم، يمكنهم القول على سبيل المثال: “حسناً، إن وجهة نظري في الدين ليبرالية للغاية واعتقد أن جميع الأديان تحتوي على وحي إلهي فيها، لكنني لا أفهم الطريقة التي تتشاجرون بها بشأن هذا الأمر، تتشاجرون وتقولون أننا شهود يهوه* لدينا الدين الحقيقي، ويقول آخرون حسناً، نحن الروم الكاثوليك لدينا الدين الحقيقي، ويقول المسلمون لا، إنه مذكور في القرآن وهذه هي الطريقة الصحيحة، وينهض شخص آخر وقد يكون كاثوليكي واسع الثقافة ويقول: حسناً، لقد منح الله الروح من خلال جميع التقاليد ولكن تقاليدنا هي الأكثر رقياً ونضجاً، ثم يأتي شخص ما ويقول: حسناً، كما قلت لكم إنهم جميعاً على سوية واحدة من الوحي الإلهي وعند رؤيتي لهذا فبالطبع أنا أكثر تسامحاً منك. أرأيت كيف ستعمل هذه اللعبة؟
أستطيع أن أمثل هذا الموقف وعلى فرض أنكم تعتبروني نوعاً من المعلمين الروحانيين وأنتم على دراية كيف يكره المعلمون الروحانيون بعضهم البعض ودائماً ما يحتقرون بعضهم البعض، ويمكنني أن أقول: حسناً، أنا لا أحتقر المعلمون الروحانيون الآخرون.
وهذا يجعلني أذكى منهم جميعاً، نحن دائماً نفعل ذلك، دائماً نحاول أن نجد طريقة لنكون متفوقون بدرجة وبأكثر الوسائل دهاءً على الإطلاق.
لذا تدرك الآن ذلك وتقول: أنا أدرك الأمر ولكن أخبرني، كيف لا أفعل ذلك؟
سأقول لك: لماذا تريد أن تعرف؟
حسناً، سأكون أفضل بهذه الطريقة.
نعم، ولكن لماذا تريد أن تكون أفضل. هل رأيت؟! إن سبب رغبتك في أن تكون أفضل هو سبب عدم كونك كذلك.
هل يجب أن أصيغها بهذه الطريقة، نحن لسنا أفضل لأننا نريد أن نكون أفضل، لأن الطريق إلى الجحيم ممهد بالنوايا الحسنة.
لأن جميع فاعلي الخير في العالم، سواء كانوا يفعلون الخير للآخرين أو يفعلونه لأنفسهم، فهم مثيري شغب، على أساس ” من فضلك دعني أساعدك وإلا ستغرقين ” قال القرد للسمكة وهو يضعها على الشجرة بأمان.
نحن البروتستانت الأنجلو ساكسون* البيض، بريطانيون وألمان وأميركيون لقد كنا في حالة هياج على مدار المائة عام الماضية أو أكثر لتحسين العالم، لقد قدمنا فوائد ثقافتنا وديننا وتقنيتنا للجميع باستثناء ربما السكان الأصليين لأستراليا وأصرينا على أن يتلقوا فوائد ثقافتنا وحتى أساليبنا السياسية وديموقراطيتنا، “من الأفضل لك أن تكون ديموقراطي وإلا سنطلق عليك النار”.
وبعد أن منحنا هذه النعم في كل مكان نتساءل لماذا يكرهنا الجميع.
انظر، لأن فعل الخير للآخرين وحتى فعل الخير لنفسك يكون مدمراً بشكل مذهل لأنه مليء بالغرور، كيف لك أن تعرف ما هو جيد للآخرين؟، كيف لك أن تعرف ما هو جيد بالنسبة لك؟
إذا قلت إنك تريد أن تكون أفضل فأنت تريد أن تعرف ما هو الجيد لك، ولكن من الواضح أنك لا تعرف ذلك لأنه لو كنت تعلم فسوف تكون أفضل، لذا نحن لا نعلم ما هو الجيد.
إنها مثل مشكلة علماء الوراثة التي يواجهونها اليوم، لقد ذهبت من وقت ليس ببعيد إلى اجتماع لعماء الوراثة حيث اجتمعوا في مجموعة من الفلاسفة واللاهوتيين وقالوا لي: انظر، الآن نحن بحاجة إلى المساعدة، نحن الآن على شفا معرفة كيفية إنتاج أي نوع من الشخصيات البشرية التي نرغب في الحصول عليها، نستطيع أن نقدم لك القديسين، الفلاسفة، العلماء والسياسيين العظماء أي شيء تريده فقط أخبرنا أي نوع من الجنس البشري يجب أن ندعه يتكاثر، لذلك قلت لهم: كيف سيتمكن أولئك منا الغير معدلين وراثياً أن يقرروا كيف يمكن للأشخاص المعدلين وراثياً أن يكونوا عليه؟.
لأنني أخشى وبشدة أن اختيارنا للفضائل قد لا ينجح، قد يكون الأمر مثل هذا النوع الجديد من حبوب القمح عالية الغَلَة التي تم تصنيعها والتي أصبحت مدمرة للبيئة.
عندما نتدخل في عمليات الطبيعة وننتج نباتات وحيوانات كفؤة فهناك دائماً طريقة ما يتعين علينا من خلالها دفع الثمن، ويمكنني أن أرى بوضوح أن البشر المعدلين وراثياً قد يكونون فظيعين، يمكن أن يكون لدينا وباء من الناس الفاضلين، هل تدرك ذلك؟!!، أي حيوان ينظر إليه في حد ذاته على أنه فاضل، فهو يقوم بعمله ولكن في الحشود يكونون لا يطاقوا مثل حشد متقاطع من النمل أو الجراد الهائج فهم جميعاً حيوانات جيدة تماماً ولكن هذا كثير جداً، ويمكنني أن أتخيل كتلة ضاربة من مليون قديس.
لذلك قلت لهؤلاء الناس: “انظروا، إذا كان هنالك أي شيء يمكنكم فعله، فقط تأكدوا من الحفاظ على مجموعة كبيرة متنوعة من البشر رجاءً، لا تقللوا انتاجنا إلى بضعة أنواع ممتازة، ممتازة لماذا؟، نحن لا نعرف ابداً كيف ستتغير الظروف وكيف تتغير حاجتنا لأنواع مختلفة من الناس، في وقت ما قد نحتاج إلى أشخاص فرديين وعدوانيين للغاية وفي وقت آخر قد نحتاج إلى أشخاص متعاونون للغاية وفي وقت آخر قد نحتاج إلى أشخاص مليئين بالاهتمام بالتلاعب المتقن في العالم الخارجي وفي وقت آخر قد نحتاج إلى أشخاص يستكشفون نفسيتهم الخاصة ويتأملون، لذلك لا يوجد أي معرفة لذلك ولكن كلما زادت التنوعات والمهارات التي نمتلكها كان ذلك أفضل بالطبع.
لذا ترى هنا مجدداً المشكلة تظهر في علم الوراثة، نحن لا نعرف حقاً كيف نتدخل في طريقة العالم، الطريقة التي يكون بها العالم في الواقع عبارة عن كائن حي مترابط بشكل معقد للغاية، ونفس المشكلة تظهر في الطب لأن الجسم البشري عبارة عن كائن حي مترابط بشكل معقد للغاية وإذا نظرت إليه بطريقة سطحية فقد ترى أن هنالك خطأ ما فيه، مثل جدري الماء حيث تظهر بقع تسبب الحكة وتنتشر في كل مكان، وقد تقول: حسناً، يوجد بقع هنا وهناك سنقضي عليها، لذا تقتل الجرثومة ولكن بعد ذلك تجد أنه لديك مشاكل حقيقة لأنه تعين عليك إدخال بعض الجراثيم لتقتل الجرثومة التي كانت موجودة، إن الأمر مثل إحضار الأرانب إلى أستراليا وتركهم يتزاوجوا حتى بدأوا بالانتشار في كل مكان وخرج الموضوع عن السيطرة، ثم تفكر جيداً وتدرك أن المشكلة ليست بأنه هنالك جراثيم في الدم، فهناك جراثيم في كل مكان، إذا ما الخطأ في هذا الشخص بحيث أصبح نظامه الدموي فجأة عرضة لتلك الجراثيم بالتحديد.
مناعته لم تكن عالية لذلك ما كان يجب عليك أن تعطيه مضاداً حيوياً بل كان يحب أن تعطيه فيتامينات.
حسناً، إذا سنقوي مناعته.
ولكن مناعته ضد ماذا؟ قد تقوي مناعته ضد هذا النوع وهذه الفئة من الجراثيم ولكن بعد ذلك هناك جراثيم أخرى تحب هذا الموقف وتأتي على الفور.
نحن دائماً ننظر إلى الإنسان طبياً في أجزاء وقطع لأنه لدينا أخصائيين في القلب وأخصائيين في الرئة وأخصائيين في العظام وأخصائيين في الأعصاب وما إلى ذلك وكل منهم يرى الإنسان من وجهة نظره، هناك عدد قليل من الأطباء العاميين ولكنهم يدركون أن جسم الإنسان معقد للغاية بحيث لا يمكن لأي عقل أن يفهمه وعلاوة على ذلك، لنفترض أننا نجحنا شفاء كل هؤلاء الأشخاص من تلك الأمراض، فماذا سنفعل بعد ذلك بشأن مشكلة السكان؟، أعني أننا أوقفنا الكوليرا والطاعون الدبلي الأسود ونحن نتغلب على مرض السل، وربما نجد علاج للسرطان وأمراض القلب، عندها من ماذا سيموت الناس؟!.
حسناً، سيستمرون بالعيش وبالكميات الهائلة منا، ثم سيتعين علينا إصلاح مشكلة الولادات، حبوب للجميع، ثم نجد الآثار، الآثار الجانبية لتلك الحبوب وماهي الآثار النفسية على الرجال والنساء لعدم إنجاب الاطفال بالطريقة المعتادة؟، لا نعرف.
وما الذي يبدو اليوم جيداً أو بالأمس مثل مبيد الحشرات اتضح أنه سيغدو كارثة.
ما بدا في المجال الأخلاقي والروحي مثل الفضائل العظيمة في الأوقات الماضية يُنظر إليه اليوم على أنه شر شنيع.
لنأخذ على سبيل المثال محاكم التفتيش، في عصرها كان الكاثوليك ينظرون إلى محاكم التفتيش المقدسة كما ننظر اليوم إلى الطب النفسي، كما ترى تشعر أنه بتعرض الإنسان للسرطان فتقريباً أي شيء سنقوم به لعلاجه مبرر، أعثر العمليات تعقيداً، أغرب الجراحات، تبقى الناس معلقة لأيام وأيام بنهاية الأنابيب مع اختراق الأشعة السينية والحروق، أو الأشخاص الذين يخضعون للعلاج بالصدمات الكهربائية الأشخاص المحبوسين في ممرات رتيبة عديمة اللون في مؤسسة عقلية وبكل حسن نية وإيمان كانوا يعرفون أن السحر والهرطقة آفات مروعة تهدد أرواح الناس إلى الأبد، لذلك أي وسيلة كانت مبررة لعلاج الناس من الهرطقة.
نحن لا نتغير، نحن نفعل نفس الشيء اليوم ولكن تحت اسماء مختلفة، ويمكننا أن ننظر إلى الوراء إلى هؤلاء الناس ونرى مدى شر ذلك ولكن لا يمكننا رؤيته في أنفسنا، لذلك أحذر من الفضيلة.
قال لا وتسه الفيلسوف الصيني: “إن الفضيلة العليا ليست فضيلة وبالتالي فهي في الحقيقة فضيلة، ولكن الفضيلة الأدنى لا يمكنها أن تتخلى عن كونها فضيلة وبالتالي فهي ليست فضيلة”.
إذا ترجمنا ذلك بطريقة أكثر تفصيلاً فإن الفضيلة العليا لا تعي ذاتها كفضيلة وبالتالي فهي في الحقيقة فضيلة، والفضيلة الدنيا واعية بذاتها لدرجة أنها ليست فضيلة.
بعبارة أخرى، عندما تتنفس فإنك لا تهنئ نفسك على كونك فاضلاً ولكن التنفس بحد ذاته فضيلة عظيمة، إنها الحياة.
عندما تخرج بعيون جميلة، زرقاء أو بنية أو خضراء حسب الحالة فأنت لا تهنئ نفسك على نمو إحدى أكثر الجواهر روعة على وجه الأرض لذا فهي مجرد عيون ولا تعتبرها فضيلة أن ترى وأن تستمتع بمعجزات اللون والشكل ولكن هذه فضيلة حقيقية، فضيلة بالمعنى القديم للكلمة كقوة، كما هو الحال عندما نتحدث عن فضيلة الشفاء عند النباتات هذه فضيلة حقيقة، لكن الفضائل الأخرى عالقة في أصواتها الهوائية، هي فضائل مقلدة وعادة ما تخلق المشاكل لأن أكثر الأشياء شيطانية تتم باسم الحق وتأكد من أن كل شخص مهما كانت جنسيته أو إطاره السياسي أو دينه يذهب دائماً إلى الحرب بإحساس بالصواب التام بأن الجانب الآخر هو الشيطان.
إن خصومنا سواء في الصين أو فيتنام أو روسيا لديهم نفس الشعور بالحق تجاه ما يفعلونه كما هو الحال بالنسبة لنا، والخراب على كلا المجلسين، لأنه وكما قال كونفوشيوس: “الخير الطيب من لصوص الفضيلة” والذي هو شكل آخر من مثلنا “الطريق إلى الجحيم ممهد بالنوايا الحسنة”.
لذا فإن الجانب الأخلاقي أو غير الأخلاقي لهذه الاعتبارات هو أنه إذا كنت مدركاً حقاً لعملك الداخلي فسوف تدرك أنه لا يوجد شيء يمكنك فعله لتحسين نفسك لأنك لا تعرف ما هو الأفضل لك على أي حال، وأنت الذي ستقوم بالتحسين هو نفس الشخص الذي يحتاج إلى تحسين، وهذا ينطبق على المجتمع أيضاً يمكننا تغيير المجتمع ويمكننا الحصول على حماس هائل ينبع من فكرة وجود ثورة جارية وأن هذه الثورة ستضع كل شيء في نصابه الصحيح، هل تعرف أي ثورة وضعت أي شيء في نصابه الصحيح على الإطلاق؟! سواءً جاءت الثورة من الجناح اليساري أو الجناح اليميني.
أفضل أشكال السلطة التي وجدت على الإطلاق في هذا العالم هي تلك التي مرت بصعوبات حيث لم يكن لديها أي نظام واضح للسيطرة لكنهم استمروا في طريقهم، نوعاً مما أسميه الفوضى المُسيطَرة يبدو أنه ينجح أكثر من أي شيء آخر.
عندما يكون لدينا نظام عظيم وقوة عظيمة لتطبيقها فهنالك دائماً المزيد من العنف والمزيد من إراقة الدماء والمشاكل ولا فرق بين أن يكون الرئيس ماو أو أدولف هتلر.
لذا، ماذا لو بدلاً من ذلك إذا رأينا أنك لا تستطيع أن تتفوق على نفسك ولا يمكنك أن تكون غير واعي بذاتك عن قصد، لا يمكنك أن تكون عفوياً عن عمد ولا يمكنك أن تكون محباً بصدق من خلال نيتك في الحب سواء أكنت تحب شخصاً ما أو لا تحبه، إذا تظاهرت بحب شخصاً ما فإنك تخدعه وتبني أسباباً للاستياء.
لذا تقول: حسناً، أتمنى أن أكون صادقاً.
أوه، هذه بداية الكثير من الأكاذيب التي لا يمكنك تخيلها، مثل عندما أسمع الكثير عن الحب والحب الكبير قادم على الطريق، الجميع يجب أن يحبوا بعضهم البعض، ويغنون أغاني عن الحب، هل تعرف ماذا أفعل؟ اشتري مسدساً وأوصد بابي لأنني أعلم أن هناك عاصفة من النفاق تتخمر.
لذا دعونا ننظر إلى الأمر من وجهة نظر مختلفة، قد تعتقد أن بداية الحديث كانت محبطة للغاية، لنفترض أننا لا نستطيع فعل أي شيء لتغيير أنفسنا لنفترض أننا عالقون في هذا الأمر.
الآن، هذا أسوأ شيء يمكن أن يسمعه الجمهور الأميركي “لا يوجد أي طريقة لتحسين نفسك” لأن كل أنواع الثقافات في هذا البلد مخصصة لتحسين الذات.
دعنا نأخذ الركض على سبيل المثال – تلك الممارسة المزرية – إنه لأمر لطيف للغاية أن تركض وأن ترقص عبر التلال بسرعة كبيرة لكن هؤلاء العدائين هم مجرد شاحنة قمامة يهزون عظامهم وعقولهم ويركضون على كعابهم، ولإن هناك كآبة حول هذا الأمر فإنه أمر جيد لك.
وبالتأكيد أيضاً، لماذا تذهب إلى المدرسة؟ هناك سبب واحد فقط للذهاب إلى المدرسة وهو أن شخصاً ما لديه شيئاً ما سواء كان استاذاً أو مكتبة تريد اكتشافه، أو أنك مهتم بشكل لا بصدق بمعرفة كتابة الأحرف الصينية أو كيفية فهم علم النبات وتريد أن تعرف، أنت مهتم فقط بالزهور وتريد معرفة كل شيء يمكن معرفته عنها، هذه الغاية من الذهاب إلى المدرسة.
أو ربما ترغب في تعلم ممارسة اليوغا، هناك أسباب يتم تقديمها الآن في جامعة كاليفورنيا حول كونداليني يوغا* للحصول على المصداقية، مضحك جداً عندما أفكر بهذا قبل عشر سنوات، لكن الهدف الكامل من الذهاب إلى المدرسة هو أنك مهتم بشيء ما، أنت لا تأتي لتحسين نفسك لكن المشكلة هي أن المدارس حصلت على الفكرة الخاطئة، لقد اعطوا الناس تكريماً للتعلم ويجب أن تكون مكافأة دراسة اللغة الفرنسية مثلاً هي القدرة على التحدث بالفرنسية والاستمتاع بقراءتها والاستمتاع مع الفرنسيين، لكن عندما تحصل على درجة علمية فيها تصبح الدرجة العلمية هي الهدف في لعبة التفوق على الذات.
وبالطبع التفوق على الذات هو العمل الرئيسي للمجتمع التعليمي اليوم، تتعلم جميع القواعد عن كيف لك أن تكون استاذاً جيداً.
ودائماً من الجيد الذهاب إلى اجتماع أساتذة محترفين، في مجالي والذي هو الفلسفة تذهب إلى مؤتمر للفلاسفة وستلاحظ أنه عندما يجتمعون جميعاً في البار أو المطعم أو غرفة شخصاً ما الشيء الوحيد الذي لا يتحدثون عنه هو الفلسفة، إنه أمر سيء جداً بالفعل اظهار اهتمامك بالفلسفة بين زملائك وينطبق الشيء نفسه تماماً في تجمعات رجال الدين لا يتحدثون عن الدين، ما يتحدثون عنه كلاهما هو السياسة، سياسة الكنيسة وسياسة الأكاديمية.
إنه انطباع سيء أن تكون متألقاً في هيئة التدريس لأنه يعتبر تفوق على زملائك وبالتالي يميل أعضاء هيئة التدريس إلى تنمية الرتابة المدروسة عليك وينبغي أخذ الحذر من ذلك، أعني إذا كان لديك حشود من الطلاب يأتون إلى محاضراتك فستتلقى نظرات غضب من زملائك، وبعد ذلك بالطبع هناك عالم كامل من التفوق على الذات، فقد أُجريت الأبحاث وتم نشر أوراق علمية عما هي الكمية النسبية للحواشي السفلية للنص الأصلي والحواشي السفلية على الحواشي السفلية، والطرق المختلفة لجعل مراجعتك دقيقة بشكل مؤلم إنها لا حصر لها.
ولكنك ترى ما هو الأمر الآن، إنها منحة دراسية حول المنح الدراسية ولكنها ليست منحة دراسية، تماماً كما أن التعليم مفيد لك هو غير مرتبط بالتعليم فإن فكرة تحسين نفسك من خلال التعلم فهي غير مرتبطة بعملية التعليم، وبنفس الطريقة فإن ممارسة الأعمال التجارية هي ممارسة الأعمال التجارية فقط، الأعمال التجارية مثل تصنيع الملابس هو أمر جيد جداً للقيام به يمكنني أن أتخيل أنه سيكون أمراً ممتعاً شيئاً يمكن للمرء أن يفخر به جداً، تصنيع ملابس جيدة، بالطبع أنت بحاجة إلى بيعها لتأمين الطعام ولكن صنع الملابس لكسب المال يثير موضوعاً آخر لأنه عندها لن يكون اهتمامك بصنع الملابس بل في كسب المال وبعد ذلك ستغش في الملابس وتحصل على كمية مزعجة من المال لا تعرف ماذا ستفعل بها، لا يمكنك تناول عشرة أبقار مشوية في يوم واحد، لا يمكنك العيش في ستة منازل في آن واحد ولا يمكنك قيادة ثلاث سيارات رولز رويس في نفس الوقت، فماذا ستفعل؟
حسناً، فقط اذهب لكسب المزيد من المال، ضع أموالك مرة أخرى واستثمرها مجدداً وذلك سيكسبك المزيد والمزيد، وأنت لا تهتم بكيفية كسبه طالما أنك تحصل عليه ولا تهتم إذا لوثوا الأنهار أو نشروا أبخرة النفط في كل مكان وقتلوا جميع الأسماك، فماذا في ذلك؟؟!، طالما أنك ترى هذه الأرقام تصعد فأنت على غير دراية بأي شيء آخر.
لذا ترى أنك قررت القيام بشيء لتحسين نفسك وكسب المال، كما ترى المال هو المقياس للتحسن ومقياس لقيمتك الاقتصادية أو على الأقل هذا ما يفترض أن يكون عليه الأمر ولكنه ليس شيئاً من هذا القبيل، ولكنك خرجت بمعنى آخر من أجل المكانة بدلاً من الواقعية.
لذا بمعنى آخر إذا كنت تتقن فناً ما موسيقياً مثلاً فلماذا تعزف الموسيقى؟
إن السبب الوحيد لعزفك الموسيقى هو الاستمتاع بها، أما إذا كنت تعزف الموسيقى لإبهار الجمهور أو لتقرأ عن نفسك في الصحيفة فأنت غير مهتم بالموسيقى وبنفس الطريقة، لماذا آتي وأتحدث إليكم؟
لأنني استمتع بذلك، أحب صوتي وأنا مهتم بما اتحدث عنه واتقاضى أجراً مقابل ذلك، وهذا ذكي في هذه الحياة أن تتقاضى أجراً مقابل ما تستمتع به.
لذلك إليك الموقف، كما ترى فإن فكرة تحسين الذات بأكملها هي هدف مستحيل وخدعة، دعونا نبدأ من حيث نحن، ماذا سيحدث إذا كنت تعلم من دون أدنى شك بأنه لا يوجد أي شيء يمكنك فعله لتحسين نفسك حسناً، إنه نوع من الراحة، أليس كذلك؟
والآن تسألني “ماذا سأفعل الآن؟”.
وتلاحظ أن هناك القليل من القلق يظهر لأننا معتادون جداً على جعل الأشياء أفضل، لنترك العالم مكاناً أفضل مما كان عليه عندما وجدناه، أريد أن أكون في خدمة الآخرين وكل هذه الأفكار الضبابية الرهيبة ولذا نعتقد أن هنالك تلك الحكة الصغيرة ما تزال موجودة، ولكن لنفترض بدلاً من ذلك أنك تدرك أنه لا يوجد أي شيء حقاً يمكنك فعله لتحسين نفسك أو لتحسين العالم إذا استطعنا إدراك ذلك فأنه يمنحنا متنفساً في المسار الذي يمكننا ببساطة مراقبة ماذا يحدث حولنا، فقط نشاهد ماذا يحصل لا يوجد أي شخص فعل ذلك من قبل وبالتالي يبدو الأمر بسيطاً للغاية، يبدو بسيطاً لدرجة أنه يبدو كما لو أنه لا يستحق القيام به، ولكن هل سبق لك أن راقبت فقط؟.
راقبت ماذا يحدث وراقبت نفسك ماذا تفعل عن طريق تفاعلك مع ماذا يحدث، فقط راقب الأشياء تحدث ولا تتعجل لتعتقد أنك تعلم ماذا يحدث، بعبارة أخرى الناس ينظرون إلى الأمر ويقولون: حسناً، إنه العالم الخارجي.
حقاً؟، وكيف لك أن تعلم، الأمر كله من وجهة نظر عصبية فإن العالم كله هو شيء يحدث في عقلك فقط، أنت تعتقد أن هناك شيء ما خارج جمجمتك ولكنه مجرد فكرة في نظامك العصبي قد يكون موجود أو قد لا يكون ولكنها مجرد فكرة داخل نظامك العصبي، وتعتقد أن هذا العالم هو عالم مادي، حسناً، تلك فكرة فلسفية لشخص ما أو تعتقد أنه عالم روحي، إن تلك أيضاً فكرة فلسفية لشخص ما، إن العالم الحقيقي ليس روحانياً ولا مادياً، العالم الحقيقي هو ببساطة (( تصفيق )) فهل يمكننا أن ننظر إلى الأشياء بهذه الطريقة بدون تثبيت التسميات والتدرجات والتصنيفات والأحكام على كل شيء، فقط نراقب ماذا يحصل ونراقب ما نفعله.
الآن ترى إذا فعلت ذلك فأنت على الأقل تعطي نفسك فرصة كما لو أنه وبهذه الطريقة تتحرر من الفضول ومحاولة تحسين نفسك كما لو أن طبيعتك تبدأ بالاعتناء بنفسها لأنك لا تعترض طريق نفسك طوال الوقت ستبدأ في اكتشاف أن الأشياء العظيمة التي تفعلها تحدث بالفعل، على سبيل المثال لا يوجد أي عبقري في هذا العالم يمكنه أن يشرح كيف يقوم بالأشياء العبقرية، أي عبقري عظيم يقول لك: ” نعم، لقد تعلمت تقنية للتعبير عن نفسي لأن لدي شيئاً ما بداخلي ويجب أن أعبر عنه كان يجب علي أن أعرف كيف أخرجه من داخلي، لذا إذا كنت موسيقياً كان على أن أتعلم تقنية التدوين الموسيقي أو أياً كان الأمر أو إذا أردت وصف شيء ما فيجب أن أتعلم لغة حتى يتمكن الآخرون من فهمي، احتجت إلى تقنية ولكن باستثناء ذلك أخشى أنني لا أستطيع أخبارك كيف استخدمت هذه التقنية للتعبير عن هذا الشيء الغامض الذي أردت أن أريك إياه.
لو استطعنا إخبار الناس بذلك لكانت لدينا مدارس ندرب فيها العباقرة الموسيقيين والعقول العلمية المعجزة بشكل لا يقبل الخطأ وسيكون هناك الكثير منهم لدرجة أننا لن نعرف ماذا نفعل بهم، سيكون العباقرة في كل مكان ثم سنقول: يبدو أن هؤلاء الناس ليسوا مبتكرين على الإطلاق، هل تعلم كم عدد الأشخاص الحاصلين على شهادة الدكتوراه؟
ولأن الشيء الرائع دائماً عن الجينات هو أن زميلنا هنا يفعل شيئاً لا يمكننا فهمه إنه يفاجئنا بعبقريته.
لكنك تستطيع أن ترى بنفس الطريقة أنه لا يمكننا فهم أدمغتنا، علم الأعصاب لا يعرف سوى القليل نسبياً عن الدماغ وهذا يعني شيئاً واحداً فقط وهو أن الدماغ أذكى بكثير من علم الأعصاب.
نعم، هذا الشيء موجود والذي يمكنه القيام بكل هذه المعجزات الفكرية والثقافية الغير عادية لكننا لا نعرف كيف تمكنا من فعل هذه الأشياء ولكننا فعلناها ولم تكن لدينا حملات لتطوير الدماغ على القرود أو أياً كان أسلافنا، لقد حدث ذلك بالفعل وكل هذا التطور والنمو كما ترى فهو في الأساس شيء يحدث، ولكن لكي يحدث فهنالك شيئان مهمان.
أولاً كما قلت يجب أن يكون لديك القدرة التقنية للتعبير عما يحدث، وثانياً يجب عليك أن تبتعد عن طريق نفسك.
ولكن في صميم مشكلة التحكم بأكملها، كيف يمكنني أن أبتعد عن طريقي؟
وإذا عرضت عليك نظاماً لنتدرب عليه جميعاً ونبتعد عن طريقنا فسيتحول الأمر إلى شكل آخر من أشكال تحسين الذات.
كما ترى هنا هذه ديناميكيات هذا الشيء، ونحن نجد هذه المشكلة التي تراها مراراً وتكراراً طوال تاريخ الروحانية البشرية.
في فلسفة الزن البوذية هناك قول “لا يمكنك بلوغ أي شيء بالتفكير فقط ولا يمكنك بلوغه بعدم التفكير”.
إنه فقط كما ترى يبدو أن ابتعادك عن طريق نفسك هو مسألة اختيار عندما تدرك أنه لا يوجد أي شيء آخر يمكنك فعله، عندما ترى بعبارة أخرى أن القيام بأي شيء حيال وضعك لن يساعدك وعندما ترى بالتساوي أن محاولة عدم القيام بأي شيء حياله لن يساعدك أيضاً، فأين أنت؟
من حيث تقف فأنت مرتبك وأنت ببساطة تكتفي بالمشاهدة.
الآن تقول: أنا بحاجة إلى المساعدة في هذه العملية وبالتالي سأجد شخصاً آخر ليساعدني، قد يكون معالجاً أو رجل دين أو معلماً روحياً أو قد يكون أي نوع من الأشخاص الذين يُعلمون تقنية تحسين الذات.
حسناً، وكيف ستعرف ما إذا كان هذا الشخص قادراً على تعليمك كيف يمكنك الحكم على سبيل المثال ما إذا كان المعالج النفسي فعالاً أم أنه مجرد دجال؟
كيف يمكنك الحكم على ما إذا كان المعلم الروحي حكيماً روحياً أم أنه مجرد ثرثار جيد؟
وبالطبع تسأل أصدقائك وتسأل طلابه أو مرضاه الآخرين وهم جميعاً متحمسون، بالطبع يجب أن تكون متحمساً عندما تشتري شيئاً باهظ الثمن، إذا اشتريت سيارة واتضح أنها معيبة فمن الصعب جداً الاعتراف بأنها معيبة وأنك خدعت، وينطبق الأمر نفسه عند شرائك لدين أو عملية باهظة الثمن.
ولكن ما لا يدركه الناس بشكلٍ كافٍ هو أنه عندما تختار سلطة ما سواء كانت سلطة دينية أو نفسية فإنه اختيارك الخاص، بعبارة أخرى أن هذا الشخص أو هذا الكتاب أو هذا النظام هو الصحيح فإنه رأيك الشخصي وكيف تكون مؤهلاً للحكم، في النهاية إذا كنت تقول لهذا الشخص أو المصدر الآخر اعتقد بأنك السلطة فهذا رأيك الشخصي لذا لا يمكنك حقاً الحكم على ما إذا كانت السلطة سلطة سليمة إلا إذا كنت أنت بنفسك سلطة سليمة وإلا فقد يتم خداعك فقط.
يمكنك أن تقول على سبيل المثال: اعتقد أن الكتاب المقدس هو كلمة الله.
حسناً، هذا رأيك الشخصي، أنا أعلم أن الكتاب المقدس يقول إنه كلمة الله ولكن هو رأيك بأن الكتاب المقدس لا يكذب، الكنيسة تقول أن الكتاب المقدس هو كلمة الله ولكن هو رأيك بأن الكنيسة على حق، لا يمكنك الهروب من هذا الموقف إنه رأيك الشخصي.
لذا كما ترى عندما تختار سلطة تساعدك على تحسين ذاتك فإن الأمر أشبه بتعيين الشرطة من أموال ضرائبك ووضعهم مسؤولين عن التأكد من أنك تطيع القانون، أعني ألا يمكنكم الاعتناء بأنفسكم، أليست هذه أرض الأحرار وموطن الشجعان أم لا؟
ولكن يبدو أنه لا أحد يريد أن يتولى هذه المسؤولية لأنهم يشعرون أنهم لا يستطيعون القيام بها.
القديس بولس قال: “كيف لا أستطيع فعل الخير الذي أريد أن أفعله ولكن الشر الذي لا أريد أن أفعله أستمر بفعله”.*
لذا فنحن في صعوبة على الفور لأن محاولة تحسين ذاتك تشبه محاولة رفع نفسك بالهواء من خلال سحب نفسك برباط حذائك وهذا شيء لا يمكننا القيام به.
الآن، هناك جميع أنواع الطرق التي يحاول بها المتدينون شرح أنه يمكنك القيام بذلك وقد أشرت مسبقاً إلى نعمة الله وسيقولون لك: لا، لا يمكنك القيام بالمهمة بنفسك لأن ذاتك التي ستقوم بتحسينك بحاجة إلى تحسين، لذلك عليك أن تقول “ساعدني يا الله”.
وبالطبع إذا كان الله موجود فهو رأيك الشخصي وأن الله سيستجيب لدعائك هو رأيك، وفكرتك عن الله هي فكرتك عن الله، إذا اشتريت نص لشخص آخر فقد اشتريته، ربما تحدث إليك والدتك ووالدك عن الله بطريقة مثيرة للإعجاب للغاية ولكن في الأساس أنت اشتريت فكرتهم.
وإذا كنت أباً بنفسك، أنا جد الآن ولدي خمسة أحفاد وأعلم أنني غبي كما كان جدي غبياً أجلس هناك في الموضع الذي سينظرون إلي وسيقولون: “واو، هذا رجل مهم” وأنا أعلم أنني مثل أي شخص آخر لذا آمل ألا يصدق أطفالي الأشياء بناءً على سلطتي لأنها ستكون دائماً سلطتهم، وإذا بدوت مثيراً للإعجاب وأصدرت ضجيجاً كبيراً حولهم فقد تم خداعهم فقط.
*الكالفينية: والمعروفة أيضاً باللاهوت المصلح وهي مذهب مسيحي بروتستانتي يعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جان كالفن والذي يعتبره الكثيرون من أهم ما كتب في الحركة البروتستانتية.
*النيرفانا: وتعني المُطفأ وهو مفهوم في الديانات الهندية يمثل الحالة النهائية للأفراج عن الخلاص والتحرر من إعادة الميلاد المتكرر في سمسارة.
* الأتمان: هو مصطلح بوذي يعني عدم وجود (ال) ذات أو روح وهو ينطبق على إنكار الروح أو الذات الخالدة المستقلة التي لا تتغير ميتافيزيقياً.
* الكويكرز: عضو من جمعية الأصدقاء الدينية وهي حركة مسيحية أسسها جورج فوكس حوالي 1650 وتكرس جهودها لمبادئ السلام ويرتكز إيمان الكويكرز على عقيدة النور الداخلي أو الشعور بعمل المسيح المباشر في النفس وقد دفعهم هذا إلى رفض الخدمة الدينية وجميع أشكال العبادة التقليدية.
*شهود يهوه: أعضاء في حركة برج المراقبة للكتاب المقدس والمنشورات المسيحية أسسها تشارلز تيز راسل في الولايات المتحدة وينكر شهود يهوه العديد من العقائد المسيحية التقليدية ويرفضون الخدمة العسكرية ونقل الدم لأسباب دينية.
*الأنجلو ساكسون: والذين يطلق عليهم في بعض السياقات اسم الساكسون أو الإنكليز وهم مجموعة ثقافية تتحدث اللغة الإنكليزية القديمة وسكنت معظم ما يُعرف اليوم بإنكلترا أو جنوب شرق اسكتلندا في أوائل العصور الوسطى.
* كونداليني يوغا: هي ممارسة روحية في تقاليد اليوغا التانترا الهندوسية تركز على نقاط طاقة كونداليني وهي طاقة روحية في الفلسفة اليوغية.
*الآية رقم 7:19 الرومان من الكتاب المقدس.