الزمن ذاتي وغير موضوعي، ودائما متصل بالماضي المتغير…
الزمن في كل مكانٍ حولنا، ولعلّ هذا هو السبب في تعاملنا مع الكثير مما يتعلق به كنوع من المسلمات: كمثال قبولنا بأن الماضي ثابت وغير قابل للتغيير، وأن المستقبل حر ومتغير.
الزمن الحاضر
متى يكون الآن؟ وعلى الرغم من الجنون الذي يبدو عليه السؤال في بادِئِ الأمْر – إلّا أن إجابته، بالتأكيد، هي أن الآن تعني هذه اللحظة في الوقت الحالي – ونحن ندرك أيضًا أن هذه اللحظة من الآن سوف تمر قبل اكتمال هذا التفكير. ويعبر الحاضر عن فترة غير واضحة المعالم أو الحدود، ومتصلة بين الماضي والمستقبل؛ ولذا فنحن لا نعرف من أين بدأ أو إلى أين ينتهي. كل ما يمكننا معرفته هو أن حاضرنا (لحظتنا الآنية) سيصبح ماضينا على الفور. ورغم أننا – على ما يبدو – نشعر ونعرف ما تعنيه اللحظة الحالية، فإن هذا الشعور لا يجعل منها حقيقة زمنية. وقد روى رودولف كارناب – فيلسوف حلقة فيينا – كيف أخبره أينشتاين بأن “تجربة الآن (اختبار اللحظة الآنية) تعني شيئاً خاصاً للإنسان، شيئاً يختلف في أساسه عن الماضي والمستقبل، ولكن هذا الإختلاف المهم لا يحدث ولا يمكن أن يحدث في إطار علم الفيزياء.”
ووفقًا لنظرية أينشتاين في النسبية، فإن الزمن ليس مطلقًا؛ وإنما على العكس من ذلك فهو نسبي، ويعتمد على موقع الأحداث التي يتم رصدها زمنيًا. وفي واقع الأمر، لا يوجد لحظة الآن وحيدة، حيث أنه من المستحيل وقوع حدثان مستقلان في نفس الوقت إذا كانت تفصلهما مسافة. ويختلف تقدير الآن بحسب الشخص. فنحن لا نرى الأشياء في نفس الوقت الذي يراها فيه غيرنا. نظرًا لعدم امكانية وجود شخصين في نفس المكان والوقت تمامًا؛ فالضوء المنبعث من تفاحة مثلاً، سيأخذ مسافات زمنية مختلفة للوصول إلى كل شخص. وكما قال ليبنز فإنه يستحيل وجود جسمان متطابقان، حيث أنهما يختلفان – حتى وإن بدا التشابه في جميع خصائصهما، كالشكل واللون، وما إلى ذلك – لأنهما في موقعين مختلفين. إن حقيقة عدم وجود شخصين يمكنهما رؤية نفس التفاحة (حيث أنهما يريانها في أزمنة مختلفة) يعني استحالة وجود ادعاء بشأن حقيقة وماهية التفاحة. وبتعبير أكثر دقة: طالما كل شخص يرى التفاحة بشكل خاص به ويختلف عمن سواه، فبناءًا عليه، لا يوجد حقيقة موضوعية واحدة للتفاحة؛ أي أن الكل يراها من وجهة نظر زمنية خاصة به.
“لا يوجد ما يسمى بالحاضر أصلًا، لأنه ينتقل فوراً إلى الماضي، إلى ذاكرتنا.”