مجلة حكمة
التعددية الثقافية

التعددية الثقافية

الكاتبسارة سونغ
ترجمةريم التركي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول فلسفة التعددية الثقافية؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

يعكس مفهوم التعددية الثقافية في كلٍّ من الخطاب السياسي المعاصر والفلسفة السياسية، جدلاً يتعلق بطريقة الفهم والاستجابة للتحديات المقترنة بالتنوع الثقافي على أساس الاختلافات العرقية، والدينية، والقومية. وكثيرًا ما يستخدم مصطلح “متعدد الثقافات” كمصطلح لوصف حقيقة التنوع داخل المجتمع، لكننا سنركز، فيما يلي، على التعددية الثقافية باعتبارها مثالاً معياريًّا في سياق المجتمعات الديمقراطية الليبرالية الغربية. فبينما نجد أن المصطلح أصبح يضم مجموعة متنوعة من الأهداف والمطالب المعيارية، لكن إنصافًا للحق، علينا القول، بأن أنصار التعددية الثقافية يجدون أرضيةً مشتركةً في رفض أنموذج “بوتقة الانصهار” والتي يتوقع أن تذوب فيه مجموعات الأقليات في الثقافة السائدة. بدلًا من ذلك نجد أن أنصار التعددية الثقافية يقرون نموذجًا يكون فيه بإمكان أعضاء الأقليات الحفاظ على هوياتهم وممارساتهم الجماعية المميزة. وفي حالة المهاجرين، يؤكد أتباع التعددية الثقافية على أن مبدأها يتوافق ولا يتعارض مع اندماج المهاجرين في المجتمع، حيث إِنَّ سياسات التعددية تتيح شروطًا أكثر إنصافًا لاندماج المهاجرين.

تتشكل الدول الحديثة من لغةِ وثقافةِ المجموعاتِ السائدة التي شكلتها تاريخيًا. لذلك، فإن أعضاء جماعات الأقليات الثقافية يواجهون معوقات في مزاولة ممارساتهم الاجتماعية الخاصة بطرقٍ لا يتبعها أعضاء الجماعات السائدة. ويؤيد بعض المنظرين فكرة التسامح مع جماعات الأقليات من خلال إبعادهم عن تدخلات الدول (Kukathas 1995, 2003)، بينما لا يتفق آخرون مع القول بأن مجرد التسامح مع الفروق الاجتماعية لا يرقى إلى مستوى معاملة أفراد الأقليات على قدر المساواة، فالمطلوب هو الاعتراف والتوافق الإيجابي مع ممارسات مجموعات الأقليات من خلال ما أطلق عليه المنظر الرائد للتعددية الثقافية (ويل كيمليكا) “الحقوق المتمايزة الجماعيّة” (1995). إِنَّ بعض الحقوق المتمايزة الجماعيّة تخص أفراد أعضاء في مجموعة الأقليات، كما هو الحال بالنسبة للأفراد الذين يتم منحهم حصانة ضد القوانين المعمول بها استنادًا إلى معتقداتهم الدينية، أو هؤلاء الأفراد الذين يطالبون بتوافقٍ لُغويٍّ في التعليم وحق الاقتراع وإبداء الرأيّ. ويتم التمسك والإبقاء على الحقوق المتمايزة الجماعية الأخرى من خلال المجموعة ككل بدلًا من أفرادها كُلٌ على حِدَة؛ حيث إِنَّ هذه الحقوق يطلق عليها “حقوق المجموعة” كما هو الحال بالنسبة لمجموعات السكان الأصليين والأقليات، الذين يطالبون بالحق في تقرير المصير. وفي هذا الصدد، بالنسبة لهؤلاء، ترتبط التعددية الثقافية ارتباطًا وثيقًا بالقومية.

إن التعددية الثقافية جزءٌ من حركةٍ سياسيةٍ أوسع، تهدف إلى احتواءٍ أكبرَ للجماعات المهمشة بما في ذلك الأفارقة الأمريكيين (السود)، والنساء، ومجتمع الميم (وهو اصطلاح يشير إلى مثليّ الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيًّا)، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (أو متحَدّيّ الإعاقة) (Glazer 1997, Hollinger 1995, Taylor 1992). انعكست هذه الحركة السياسية الأوسع في مناظرات “التعددية الثقافية” في الثمانينات من القرن المنصرم حول إمكانية وكيفية تنويع المناهج الدراسية للاعتراف بما حققته الجماعات المهمشة من إنجازات على المستوى التاريخي. بيد أن ما تركز عليه النظريات المعاصرة للتعددية الثقافية تحديدًا هو الاعتراف بمجموعات الأقليات وإدراجها في المقام الأول من حيث العرق، والجنسية، والديانة. إِنَّ الشغل الشاغل لأنصار التعددية الثقافية المعاصرة هم المهاجرون الذين يمثلون الأقليات العرقية والدينية (مثل، الأشخاص اللاتينيون في الولايات المتحدة، والمسلمون في أوروبا الغربية)، والأقليات (مثل الباسك، والكتالان، وكيبيكوا، والويلز) والشعوب الأصلية (مثل السكان الأصليين والجماعات الأصلية في كندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا).


 

1. مطالب التعددية الثقافية

ترتبط التعددية الثقافية ارتباطًا وثيقًا بـ “سياسات الهوية”، و”سياسات الاختلاف” و”سياسة الاعتراف”، وجميعها تشترك في الالتزام بإعادة تقييم الهويات المزدرية، وتغيير أنماط التمثيل والتواصل السائدة التي تهمش مجموعات بعينها (Gutmann 2003, Taylor 1992, Young 1990). ولا تشتمل التعددية الثقافية على مطالب الهوية والثقافة فحسب كما يشير بعض نقاد التعددية الثقافية، بل تُعَد أيضًا مسألة تتعلق بالمصالح الاقتصادية والسلطة السياسية، فتشمل مطالب بمعالجة السلبيات والعيوب الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأفراد نتيجةً لهوياتهم الجماعيّة المهمشة.

من المسلمات بالنسبة لأنصار التعددية الثقافية أن “الثقافة” و “المجموعات الثقافية” هي التي يجب الاعتراف بها واستيعابها. ومع ذلك، نجد أن مطالب التعددية الثقافية تنطوي على مدى واسع يشمل الدين، واللغة، والعرق، والجنسية، والأصل الاجتماعي أو السلالة. فالثقافة مفهوم متنازع عليه غير محدَّد، وقابل للتعديل، وقد أدرجت جميع هذه الفئات أو مضاهاتها ومناظرتها بمفهوم الثقافة. ويمكن أن يوضح التقسيم والتمييز بين أنواع المطالب المختلفة ما هو على المحك، أو موضع الخلاف ((Song 2008. وتعد اللغة والدين في قلب العديد من المطالب بالتوافق الثقافي من المهاجرين. فالمطلب الرئيسي الذي تقوم به شعوب الأقليات هو حقوق الحكم الذاتي. ويعدّ دور العرق أو السلالة أكثر محدودية في خطاب التعددية الثقافية. وتعتبر مناهضة العنصرية والتعددية الثقافية من الآراء المُصاغة المتمايزة، بيد أنها مترابطة، فأولها يُسَّلِّطُ الضوء على “الإيذاء والمقاومة” بينما يسلط الأخير الضوء على “الحياة الثقافية والتعبير الثقافي والإنجازات، إلى غير ذلك” ( (Blum 1992, 14. وتُعَدُّ مطالب الاعتراف في سياق التعليم متعدد الثقافات مطالبَ ليست فقط للتعرف على جوانب الثقافة الفعلية للمجموعة (الفن والأدب الأفريقي الأمريكي -مثلاً)؛ بل أيضًا للاعتراف بتاريخ تبعية المجموعة وما يصاحبها من خبرات (Gooding – Williams 1998).

تشمل أمثلة التسهيلات الثقافية أو «الحقوق التمايزية الجماعيّة»: الإعفاءات من القوانين المعمول بها بشكل عام، (مثل: الإعفاءات الدينية)، والمساعدة على القيام بأشياء مكنت أعضاء ثقافة الأغلبية بالفعل من القيام بها (بطاقات الاقتراع متعددة اللغات، وتمويل مدارس اللغات للأقليات والجمعيات العرقية، والعمل الإيجابي -مثلاً)، وتمثيل الأقليات في الأجهزة الحكومية (على سبيل المثال: الكوتا “الحصص” العرقية للقوائم الحزبية أو المقاعد التشريعية، ومناطق الكونغرس للأقلية والأغلبية)، وكذلك اعتراف النظام القانوني المهيمن بتشريعاتهم التقليدية (مثل: منح الاختصاص القضائي في قانون الأسرة للمحاكم الدينية)، أو حقوق الحكم الذاتي المحدودة (مثل: الاعتراف المشروط بالسيادة القبَليَّة، والترتيبات الفيدرالية التي تعترف بالاستقلال السياسي لمدينة كيبيك؛ (من أجل تصنيف مقيد للحقوق الثقافية، ينظر: Levy 1997).

عادة ما يكون الحقُّ المتمايز الجماعيّ بمثابة حق مجموعة أقليّة (أو أعضاء من تلك المجموعة) في التصرف أو عدم التصرف بطريقة معينة بما يتفق مع التزاماتهم الدينية و(أو) الثقافية. فأحيانًا نجده حقًّا يُقيّدُ بشكل مباشر حرية غير الأعضاء؛ لحماية ثقافة مجموعة الأقلية –في حالة القيود المفروضة على استخدام اللغة الإنجليزية في كيبيك، وعندما تكون الجماعة أو المجموعة صاحبة الحق؛ فقد يحمي الحق قواعد المجموعة التي تقيد حرية أعضائها الأفراد –كما في قاعدة عضوية بويبلو التي تستثني أطفال النساء اللاتي تتزوجن من خارج المجموعة. والآن بعد أن تكونت لديك صورة عن أنواع المطالب التي يتم القيام بها باسم التعددية الثقافية: بإمكاننا أن ننتقل -للأخذ في الاعتبار- إلى المبررات المعيارية المختلفة لتلك المطالب.

2. مبررات التعددية الثقافية

1.2 الاعتراف

تنبثق إحدى مبررات التعددية الثقافية من النقد الشيوعي لليبرالية، ويميل الليبراليون إلى أن يكونوا أفرادًا أخلاقيين؛ فيصرون على أن الأفراد يجب أن يكونوا أحرارًا في اختيار مفاهيمهم الخاصة عن الحياة الصالحة واتباعها، فهم يعطون أولوية للحقوق والحريات الفردية على الحياة المجتمعية والصالح العام، وبعض الليبراليين –أيضًا- أنصار للفردية- عندما يتعلق الأمر بالوجودية الاجتماعية (ما يسميه بعضهم بالفردية المنهجية أو المذهب الذريّ)، يعتقد أنصار المنهجية الفرديّة أنه بالإمكان -بل يجب- الأخذ بعين الاعتبار تبرير الأفعال الجماعيّة والصالح العام من حيث خصائص الأفراد المكونين له وصالح هؤلاء الأفراد. ليس هدف النقد الشيوعي لليبرالية الأخلاق الليبرالية بقدر الوجود الاجتماعي الليبرالي. يرفض الشيوعيون فكرة أنَّ الفرد مُقدم على المجتمع، وأن قيمة المصالح الاجتماعية يمكن تقليصها للمساهمة في رفاهية الفرد. إنهم يتبنون بدلًا من ذلك الشمولية الوجودية، التي تعترف بالمصالح الجماعية باعتبارها –على حد تعبير تشارلز تيلور- “اجتماعية بشكل لا يمكن اختزالها، وذات قيمة جوهرية” (1998 Taylor ).

ترتكز وجهة النظر الأنطولوجية (الوجودية) الشاملة للهُويّات الجماعيّة على أساس حجة (تيلور) بشأن “سياسة الاعتراف”؛ استنادًا إلى وجهة نظر كل من (روسو وهيردر وهيجل وآخرون)، يوضح (تيلور) قائلاً: “إننا لا نصير أشخاصًا فاعلين كاملين مُحدَّديّ الهوية بمعزل عن الآخرين؛ بالأحرى إِنَّ هويتنا تتحدد من خلال الحوار، وأحيانًا من خلال الكفاح ضد الأشياء التي يرغب الآخر ذو الشأن أن يراها فينا” (, 331994). ولأن هوياتنا تتشكل من خلال الحوار، فإننا نُعَوّلُ على اعتراف الآخر بنا؛ حيث إِنَّ غياب هذا الاعتراف أو سوؤه قد يتسبب في أضرارٍ بالغةٍ. “قد يعاني أحد الأشخاص أو المجموعات ضررًا حقيقيًا، أو تشويهًا فعليًّا، إذا كان الأفراد أو المجتمع من حولهم يحملون لهم صورة مهينة، أو مزرية” (ص 25). إن السعي وراء الاعتراف لا يمكن أن يحقق غايته إلا من خلال “نظام للاعتراف المتبادل بين أناس متساوين” (ص50). ويميز تايلور سياسات الاعتراف عن سياسات “الاحترام المتكافئ لليبرالية التقليدية” التي تعتبر قاسية للاختلاف بسبب: (أ) إصرارها على التطبيق الموحد لتلك القواعد المحددة لتلك الحقوق، دون استثناء، و(ب) أنها تشكك في الأهداف الجماعية (ص60). وعلى النقيض: تقوم سياسات الاعتراف على “أحكام بشأن ما يجعل الحياة صالحة- أحكام تضع الاندماج الثقافي في مكانة مهمة”(ص 61). كما يطرح أو يعرض لصمود الثقافة الفرنسية في كيبك على سبيل المثال. فاللغة الفرنسية ليست مجرد مصدر جمعيّ قد يرغب الأفراد في استغلاله، ومن ثمَّ الحفاظ عليه –كما توحي سياسة الاحترام المتكافئ. بدلًا من ذلك: فإن اللغة الفرنسية تعد منفعة جماعية غير قابلة للاختزال التي تستحق الحفاظ عليها في حد ذاتها؛ حيث هدفت السياسات اللُغويّة إلى “الحفاظ على اللغة الفرنسية في كيبيك”؛ وذلك بالسعي الفعال إلى تشكيل أفراد المجتمع” من خلال ضمان استمرار الأجيال المستقبلية في تحديد هُويّتهم بوصفهم ناطقين بالفرنسية. يرى (تيلور) أنه بسبب الدور الذي لا غنى عنه للثقافات في تنمية الفاعلية والهوية البشرية، فإن علينا أن نتبنى افتراض القيمة المتكافئة لكافة الثقافات”(ص 66).

2.2 المساواة

يأتي التبرير الثاني للتعددية الثقافية من داخل الليبرالية، لكن تلك الليبرالية التي تمت مراجعتها من خلال المشاركة النقدية للنقد الشيوعي لليبرالية. وقد طَوَّرَ (ويل كيمليكا) النظرية الليبرالية الأكثر تأثيرًا في التعددية الثقافية من خلال التزاوج بين القيم الليبرالية المتمثلة في الاستقلالية والمساواة مع مناقشة قيمة العضوية الثقافية (1989، 1995، 2001). وبدلًا من البدء بأهداف ومصالح جماعية ذات قيمة جوهرية -كما يفعل (تيلور)، ينظر (كيمليكا) إلى الثقافات على أنها ذات قيمة مفيدة للأفراد، وذلك لسببين رئيسيين: أولًا، العضوية الثقافية بوصفها شرطًا مهمًّا للاستقلالية الشخصية، وفي كتابه الأول الموسوم: الليبرالية والمجتمع والثقافة (1989)، يطور (كيمليكا) نظرية التعددية الثقافية ضمن إطار راولز للعدالة، معتبرًا العضوية الثقافية “سلعة أساسية”؛ أي أشياء يُفترض أن كل شخص عاقل يريدها، وتُعد بمثابة ضروريات لتحقيق أهداف المرء (Rawls 1971, 62) وفي كتابه اللاحق بعنوان: المواطنة متعددة الثقافات (1995)، استبعد (كيمليكا) إطار (راولز) للعدالة، وتبنى بدلًا منه نظرية كل من(أفيشاي مارغاليت)، و(جوزيف راز) حول تقرير المصير الوطني (1990). وجود مجموعة مناسبة من الخيارات للاختيار من بينها يُعَدُّ أحد الشروط المهمة للاستقلالية (Rawls 1986). فالثقافة بمثابة “سياقات اختيار”، تقدم خيارات ونصوصًا ذات مغزًى يمكن للناس من خلالها تأطير أهدافهم ومراجعتها ومتابعتها ( (Kymlicka 1995, 89. ثانيًا: تلعب العضوية الثقافية دورًا مهمًا في الهوية الذاتية للشعوب. نقلاً عن مارجاليت وراز وكذلك تايلور، ينظر كيمليكا إلى الهوية الثقافية على أنها توفر للناس “ملاذًا للتعرف على الذات وطمأنينة الانتماء الآمن دون عناء” (ينظر: 1995: ص89، نقلاً عن مارجاليت وراز 1990: ص448 واستشهادًا أيضًا بـتيلور 1992). هذا يعني أن هناك علاقة عميقة وعامة بين احترام الشخص لذاته والاحترام الممنوح للمجموعة الثقافية التي هو جزء منها. لا يجب تأمين العضوية في أي ثقافة فحسب، بل الثقافة الخاصة للفرد؛ حتى تكون العضوية الثقافية بمثابة سياق مفيد للاختيار وأساس لاحترام الذات.

ينتقل كيمليكا من هذه المقدمات حول القيمة الأساسية للعضوية الثقافية إلى المطالبة بالمساواة؛ نظرًا لأن المجموعات الأقلية محرومون من الوصول إلى ثقافاتهم (على عكس أعضاء ثقافة الأغلبية)، فإنهم يستحقون حماية خاصة. من المهم أن نلاحظ أن حجة كيمليكا حول المساواة للتعددية الثقافية تستند إلى نظرية المساواة التي أطلق عليها النقاد “مساواة الحظوظ” ( (Anderson 1999, Scheffler 2003 ووفقًا لنظرية مساواة الحظوظ، يجب تحميل الأفراد مسؤولية عدم المساواة الناتجة عن اختياراتهم الخاصة، لكن ليس لعدم المساواة الناجم عن ظروف خارج الإرادة لا دخل لهم فيها ( (Dworkin 1981; Rakowski 1993. إن معالجة أوجه التباين وعدم المساواة الأخيرة هي مسؤولية توّجَّه وتَنْصَبُّ على المواطنين. على سبيل المثال، فإن الاختلافات الناشئة عن البداية الاجتماعية للفرد في الحياة ليست اختيارية، ولكنها تحدد بشدة آفاقنا وتطلعاتنا في الحياة. ويبرر دعاة المساواة في الحظوظ أن أولئك الذين ولدوا لأسر فقيرة يحق لهم الحصول على دعم جماعي ومساعدة عبر خطة ضريبية لإعادة التوزيع. ويضيف كيمليكا العضوية الثقافية إلى قائمة مظاهر عدم المساواة غير المختارة. إذا ولد المرء في أسرة منتمية للثقافة السائدة في المجتمع، فحظه حسن، أما أولئك الذين ينتمون إلى ثقافات الأقليات فيعانون من الحرمان بسبب تعاسة وضعهم بوصفهم أقلية. وبقدر ما يكون سبب عدم المساواة في الوصول إلى العضوية الثقافية نابعًا من الحظ (على عكس الخيارات الفردية)، ويعاني المرء مساوئ نتيجة ذلك فمن حق أعضاء مجموعات الأقليات أن يطالبوا أعضاء ثقافة الأغلبية بأحقيَّة في تحمل تكاليف التوافق والمواءمة. فحقوق الأقليات لها ما يبررها، كما يقول (كيمليكا)، “ضمن نظرية المساواة الليبرالية … التي تؤكد على أهمية تصحيح التفاوتات خارج الإرادة” (Kymlicka 1995, 109).

قد يتساءل المرء عَمَّا إذا كانت مجموعات الأقليات الثقافية “محرومة” حقًا، ومن ثم فهي تستحق تسهيلات إيجابية. لماذا لا نكتفي بفرض قوانين مناهضة للتمييز، وعدم تقديم أي تسهيلات إيجابية لمجموعات الأقليات؟ يؤكد (كيمليكا) وغيره من المنظرين الليبراليين للتعددية الثقافية أن قوانين مناهضة التمييز لا ترقى إلى مستوى معاملة أفراد الأقليات على قدم المساواة؛ لأن الدول لا يمكن أن تكون محايدة فيما يتعلق بالثقافة. ففي المجتمعات ذات التنوع الثقافي، يمكننا أن نجد بسهولة أنماطًا لدعم الدولة بعض المجموعات الثقافية على حساب أخرى. بينما قد تحظر الدول التمييز العنصري وتتجنب الانتماء الرسمي لأي دين، إِلاّ أنها لا تستطيع تجنب إنشاء لغة واحدة للتعليم العام وخدمات الدولة الأخرى (كون اللغة علامة أنموذجية للثقافة) (Kymlicka 1995, 111; Carens 2000, 77–78; Patten 2001, 693). فالميزة اللغوية تُترجم إلى ميزة اقتصادية وسياسية، إِذ إنَّ أعضاء المجتمع الثقافي المهيمن لهم اليد العليا في المدارس وأماكن العمل والسياسة. تتخذ الميزة اللغوية أيضًا شكلاً رمزيًا. فعندما تتبنى الدولة الدعم الرمزي لبعض المجموعات، دون مجموعات أخرى، من خلال تبني لغة معينة أو عن طريق تنظيم الأسبوع والعطلات الرسمية حسب تقويم ديانات معينة، يكون لها تأثير تطبيعي، مما يشير إلى أن لغة مجموعة ما وعاداتها تحظى بقيمة أكبر من تلك الخاصة بالمجموعات الأخرى.

قد تفرض قوانين الدولة -إضافة إلى دعمها لثقافات معينة على أخرى- قيودًا على بعض المجموعات الثقافية دون غيرها. وأخذًا بعين الاعتبار (وبالتفكير مليًّا) حالة أنظمة الزيّ في المدارس العامة أو مكان العمل. حظر اللباس الديني يضايق الأفراد المتدينين، كما في حالة (سيمشا غولدمان)، الضابط بالقوات الجوية الأمريكية، والذي كان أيضًا يشغل منصب حاخامًا ويرغب في ارتداء قبعة احترامًا لإله كليّ الوجود (ينظر: قضية واينبرجر ضد جولدمان، 1986). تحظر الدولة الفرنسية الزيّ الديني في المدارس العامة، مما يتثقل كاهل الفتيات المسلمات الراغبات في ارتداء الحجاب في المدرسة، وهذا مثال آخر (Bowen 2007, Laborde 2008). قد يأمر الدين المؤمنين بأن يلبسوا بطريقة معينة (ما يسميه بيتر جونز “عبئًا داخليا”)، لكنه لن يمنع المؤمنين من الذهاب إلى المدرسة أو العمل (Jones 1994). ومع ذلك، فإن الأعباء الواقعة على عاتق المؤمنين لا تنبع من فروض الدين وحدها؛ إِذ إنَّها تنشأ من تقاطع مطالب الدين مع مطالب الدولة (“العبء الخارجي”). يجب أن يتحمل الأفراد أنفسهم أعباءً داخلية؛ فتحمل المرء أعباء ما تفرضه وتلزمه به عقيدته، كالصلاة والعبادة والصوم، هو جزء من الوفاء بالواجبات الدينية للفرد. غير أنَّه عندما يتعلق الأمر بالأعباء الخارجية، ويبرر أنصار التعددية الثقافية الليبراليين بأن العدالة تتطلب مساعدة الأقليات الثقافية لتحمل أعباء هذه المساوئ والعيوب خارج إرادتهم.

من المهم أن نلاحظ أن أنصار التعددية الثقافية من الليبراليين يميزون بين أنواع مختلفة من المجموعات. على سبيل المثال، طورت نظرية (كيمليكا) تصنيفًا لمجموعات مختلفة وأنواع مختلفة من الحقوق لكل منها. حيث قدمت أقوى شكل من أشكال الحقوق المتمايزة للجماعة – حقوق الحكم الذاتي – للشعوب الأصلية والأقليات القومية نتيجة الحظّ غير المتكافئ المتمثل في عدم اختيار وضعهم كأقليَّة؛ إذ دمجوا قسرًا في الدولة العظمى. على النقيض من ذلك، ينظر إلى المهاجرين على أنهم مهاجرون طوعيًا، إِذ باختيارهم الهجرة قد تخلَّوا عن ثقافتهم الأصليَّة. وتفهم التعددية الثقافية للمهاجرين، ما يسميه (كيمليكا) “حقوق تعدد الأقليَّات”، على أنها مطالبة بشروط أكثر إنصافًا للاندماج في المجتمع الأوسع من خلال منح الإعفاءات والتسهيلات، وليس رفض الاندماج أو المطالبة بتقرير المصير الجماعي (1995, 113–115).

3.2 التحرر من الهيمنة

ترتكز مجموعة أخرى من الحجج التي تؤيد التعددية الثقافية على قيمة الحرية. وقد طَوَّرَ بعض المنظرين أمثال فيليب بيتيت (1997) وكوينتين سكينر (1998) فكرة التحرر من الهيمنة والاعتماد على التقاليد الجمهورية المدنية. وعلى هذا المنوال، في دفاعه عن حق الاعتراف، يؤكد (فرانك لوفيت) (2009) أن الهيمنة تمثل عقبة خطيرة أمام ازدهار الإنسان. وعلى النقيض من مفهوم الحرية على أنها عدم تدخل سائد في النظرية الليبرالية، فإن الحرية باعتبارها عدم هيمنة، تستمد وتستقى من تقاليد الجمهورية المدنية، وتركز على “قدرة الشخص على التدخل، على أساس تعسفيّ واستبداديّ، في خيارات معينة يكون الآخر فيها في وضع يُمَكِّنُهُ من القيام بذلك “(Pettit 1997, 52). ووفقًا لوجهة النظر هذه عن الحرية، يمكننا أن نكون غير أحرار حتى عندما لا نواجه أي تدخل -كما في حالة العبد والسيد المحب للخير. جميعنا خاضعون للسيطرة إلى الحد الذي نعتمد فيه على شخص أو مجموعة أخرى يمكنها ممارسة السلطة علينا بشكل تعسفي (Pettit 1997, ch. 2).

استعرض (فرانك لوفيت) تداعيات قيمة التحرر من الهيمنة في مسائل التوافق (أو) التلاؤم متعدد الثقافات (2010). فبدأ من فرضية أن التحرر من الهيمنة أمر خيريّ، وهو سلوك إنساني مهم، وأن لدينا التزامًا بديهيًا بتقليل الهيمنة. ويرى أن الدولة لا ينبغي أن تأوي الممارسات الاجتماعية التي تنطوي بشكل مباشر على الهيمنة. ففي الواقع، إذا كان التحرر من الهيمنة يمثل أولوية، فيجب على المرء “أن يهدف إلى إنهاء هذه الممارسات في أسرع وقت ممكن، بغض النظر عن تحقيق أي قيمة ذاتية للمشاركين فيها” (, 2562010). أما الممارسات التي لا تنطوي على إخضاع الأفراد للسيطرة، فالتوافق معها جائز، ولكن ليس بالضرورة مطلوبًا. التوافق مطلوب فقط إذا كان سيعزز هدف الحد من الهيمنة. ثمَّ يناقش (لوفيت) أحد الأمثلة المبنية على حالة مألوفة في العالم الحقيقي: هي مزاولة النساء والفتيات المسلمات ارتداء الحجاب. لنفترض، كما يقترح لوفيت، أنه أجريت دراسة تفصيلية لمجتمع مسلم معين في مجتمع ديموقراطي ليبرالي، وكشفت أن فرص التعليم والتوظيف للمرأة غير مشجعة، مما أدى إلى “هيمنة أبوية شديدة”، لكن الدراسة تظهر أيضًا أن ممارسة ارتداء الحجاب لا يعبر عن هيمنة (2010, 258). ويؤكد (لوفيت) أنه يجب تلبية وتسهيل مزاولة ارتداء الحجاب؛ لأن عدم القيام بذلك قد يعزز التزام المجتمع بالممارسات المشتركة الأخرى التي تعزز الهيمنة الأبوية.

وتتمثل أحد الفرضيات التجريبية الرئيسة هنا في أن مكافحة الممارسات الأبوية داخل مجتمعات الأقليات ستكون أسهل إذا خففت الأعباء على الممارسات الأكثر اعتدالًا، مثل ارتداء الحجاب. ويقدم تحليل (سيسيل لابورد) الذي تناول الحجاب في فرنسا الدعم لهذه الفرضية، إِذ إنَّ تأثير منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب بمثابة تشجيع لآبائهن على سحب بناتهن من التربية المدنية وإرسالهن إلى مدارس دينية؛ فلا يتعرضن لتنوع في وجهات النظر حول العالم في المدارس العامة. قد تؤدي القيود الرسمية المفروضة على التعبير الديني الإسلامي في المجال العام، على حد تعبير (لابورد)، إلى أن “أعضاء الجماعات المهيمنة يوحدون صفوفهم حول الممارسات المشوهة، مما يسرع في التراجع الدفاعي للأشكال والهويات الثقافية المحافظة” (, 1642008).

وثمة موقف آخر يكون فيه التوافق مبررًا -بحسب (لوفيت): عندما يجعل ارتباط الأفراد الشخصي بممارسات معينة منهم عرضة للاستغلال. يناقش (لوفيت) حالة العمال المهاجرين المكسيكيين ذوي المهارات المحدودة في اللغة الإنجليزية ومعرفة محدودة بالقوانين والسياسات الأمريكية. ويؤكد (لوفيت) أن توسيع “التدابير العامة الخاصة”، مثل الاستثناءات من القواعد واللوائح العامة، بجانب المساعدة القانونية العامة، مطلوب بقدر ما تقلل هذه الإجراءات من الهيمنة على هؤلاء العمال (,2602010). وعلى النقيض من حجج المساواة المجتمعية أو الليبرالية المذكورة أعلاه، فإن أساس التسهيلات الخاصة ليس الرغبة في حماية الثقافات ذات القيمة الجوهرية أو اعتبارات الإنصاف أو المساواة، لكن الرغبة في تقليل الهيمنة.

وقد دافعت (ميرا باتشفاروفا) أيضًا عن مزايا التعددية الثقافية غير القائمة على الهيمنة مقارنة بمقاربات أو توجهات المساواة الليبرالية. ولتركيزها على الاستخدام التعسفي للسلطة والتباينات الهيكلية الأوسع التي تتفاعل فيها المجموعات، قد يكون نهج عدم الهيمنة أكثر حساسية لحركيّات أو ديناميكا القوة في كل من العلاقات بين المجموعات وداخل المجموعة. وعلى عكس المقاربات التي طورت أيضًا، من نظريات المساواة في العدالة التوزيعية، التي تركز على توزيع أنواع مختلفة من الحقوق، يركز نهج عدم الهيمنة على “الجودة الأخلاقية للعلاقة بين الفاعلين المركزيين” ويصر على استمرارية المعاملة بين المجموعات وضمنها” (2014, 671).

4.2 معالجة الظلم التاريخي

ثمة مُنَظَّرِين آخرين يتعاطفون مع التعددية الثقافية وينظرون إلى ما وراء الليبرالية والجمهورية، ويؤكدون -بدلًا من ذلك- على أهمية مواجهة الظلم التاريخي والاستماع إلى الأقليات نفسها. هذا ينطبق بشكل خاص على المُنَظِّرين الذين يكتبون من منظور ما بعد الكولونيالية (الاحتلال). على سبيل المثال، في المناقشات المعاصرة حول سيادة السكان الأصليين، فبدلًا من تقديم مطالب تستند إلى فرضيات حول قيمة الثقافات الأصلية وعلاقتها بإحساس الأفراد بالقيمة الذاتية -كما يفعل الليبراليون متعددو الثقافات، يُصَبُّ التركيز على حساب التاريخ. يؤكد هؤلاء المؤيدون لسيادة السكان الأصليين على أهمية فهم مطالب السكان الأصليين تجاه الخلفية التاريخية المتمثلة في إنكار الوضع السيادي المتساوي لمجموعات السكان الأصليين، ونزع ملكية أراضيهم، وتدمير ممارساتهم الثقافية (Ivison 2006, Ivison et al. 2000, Moore 2005, Simpson 2000). تدعو هذه الخلفية إلى التشكيك في شرعية سلطة الدولة على الشعوب الأصلية، وتقدم حجة ظاهرة للحقوق والحماية الخاصة لمجموعات السكان الأصليين، بما في ذلك الحق في الحكم الذاتي. وقد أكَّدَّ (جيف سبينر-هاليف) أنّ تاريخ اضطهاد الدولة لمجموعة ما يجب أن يكون عاملًا رئيسًا في تحديد -ليس فقط ما إذا كان ينبغي توسيع حقوق المجموعة- ما إذا كان يجب على الدولة التدخل في الشؤون الداخلية للمجموعة عندما تميز وتُحابي أعضاء معينين من المجموعة. على سبيل المثال، “عندما تستخدم مجموعة مضطهدة استقلاليتها بطريقة تمييزية ضد المرأة، لا يمكن ببساطة إجبارها على وقف هذا التمييز” (2001). يجب أن تتمتع المجموعات المضطهدة التي تفتقر إلى الحكم الذاتي “بامتياز مؤقت” على المجموعات غير المضطهدة. وهذا يعني أنه “باستثناء حالات الأذى الجسدي الخطير باسم ثقافة المجموعة، من المهم النظر في شكل من أشكال الاستقلال الذاتي للمجموعة” (ينظر: 2001: ص 97؛ وينظر أيضًا Spinner-Halev 2012).

يتجاوز المنظرون الذين يتبنون منظور ما بعد الكولونيالية التعدديَّةَ الثقافيَّةَ الليبراليَّةَ إلى هدف تطوير نماذج للحوار الدستوري والسياسي التي تعترف بطرق متميزة ثقافيًا الحوار والتمثيل. تتكون المجتمعات متعددة الثقافات من وجهات نظر دينية وأخلاقية متنوعة، وإذا كان على المجتمعات الليبرالية أن تأخذ مثل هذا التنوع على محمل الجد، فيجب أن تدرك أن الليبرالية هي مجرد واحدة من عديدٍ من وجهات النظر الموضوعية القائمة على رؤية محددة للإنسان والمجتمع. فالليبرالية ليست خاليةً من الثقافة، ولكنها تعبر عن ثقافة مميزة خاصة بها. ولا تنطبق هذه الملاحظة فقط على الحدود الإقليمية بين الدول الليبرالية وغير الليبرالية، ولكن أيضًا داخل الدول الليبرالية وعلاقاتها مع الأقليات غير الحكومية. فقد أجرى (جيمس تولي) دراسة استقصائية للغة الدستورية التاريخية والمعاصرة، مع التركيز على علاقات الدولة الغربية مع الشعوب الأصلية، للكشف عن قواعد أكثر شمولاً للحوار بين الثقافات (1995). ويؤكد (بيكو باريخ) أن النظرية الليبرالية لا يمكن أن تقدم إطارًا محايدًا يحكم العلاقات بين المجتمعات الثقافية المختلفة (2000). ويؤكد عوضًا عن ذلك على أنموذج أكثر انفتاحًا للحوار بين الثقافات، حيث تعمل القيم الدستورية والقانونية للمجتمع الليبرالي كنقطة انطلاق أولية للحوار بين الثقافات، وفي الوقت نفسه تُبنى على الخلاف والطعن القضائي أيضًا.

وقد أكدت الأعمال الحديثة على أهمية تطوير المزيد من المناهج السياقية التي تمارس وتباشر الكفاحات السياسية الراهنة من أجل إعطاء صوت أكبر لمجموعات الأقليات والاعتراف بها. ومن خلال الفحص التفصيلي لكيفية حرص المتاحف المتاحف الوطنية في كندا والولايات المتحدة على تمثيل مجموعات السكان الأصليين والاعتراف بها، تحدد (كيتلين توم) ثلاثة مبادئ من أجل الاعتراف: التعريف الذاتي، والاستجابة والتنافس الداخلي. سواء أكان مسؤولو المتاحف الذين يسعون إلى عرض تاريخ وثقافة مجموعات الأقليات أم المسئولون الحكوميون الذين يقررون ما إذا كانت الاعتذارات الرسمية عن المظالم التاريخية صحيحة، فيجب عليهم احترام التعريف الذاتي الفردي والجماعيّ، والاستجابة لمطالب الاعتراف بالشروط التي تتوافق مع شروط أولئك الذين يتم التعرف عليهم، وتهيئة التنافس الداخلي للمفاهيم الجماعيّة. ويبدي (توم) مبرراته أنَّ ممارسات الاعتراف التي تسترشد بهذه المبادئ تقترب أكثر من تعزيز الحرية والمساواة لمجموعات الأقليات من النهج الحالية (2018).

3. نقد التعددية الثقافية

1.3 نظرة عالمية للثقافة

يؤكد بعض النقاد أن نظريات التعددية الثقافية تقوم على وجهة نظر جوهرية للثقافة. فالثقافات ليست جوامعَ متميزةً؛ كلٌ قائم بذاته، بل تفاعلت عبر العصور وأثرت ببعضها البعض نتيجة الحرب، والإمبريالية (الحكم الإمبراطوري المستبد)، والتجارة، والهجرة. يعيش الناس في بقاع كثيرة من العالم في ثقافات عالمية بالفعل، تتميز بالاختلاط أو (بالتهجين) الثقافي. وحسبما يوضح (جيريمي والدرون)، قائلاً: “إننا نعيش في عالم تصيغه التكنولوجيا والتجارة؛ وذلك من خلال الاقتصاد، والدين، والسياسة الإمبريالية وأعقابها، نتيجة الهجرة الجماعية واختلاف التأثيرات الثقافية. وفي هذا السياق، فإن الانغماس في الممارسات التقليدية لثقافة السكان الأصليين، إذا قلنا، قد يكون تجربة أنثروبولوجية رائعة، غير أنّه ينطوي على انسلاخٍ مصطنعٍ مما يجري بالفعل في العالم” (1995). إن هدف الحفاظ على ثقافة أو حمايتها ينطوي على خطر إعطاء الأولوية لنسخة واحدة يزعم أنها نقية من تلك الثقافة، وبالتالي شل قدرتها على التكيف مع التغيرات والظروف المختلفة (ينظر: Waldron 1995, 110؛ وينظر أيضًا Appiah 2005, Benhabib 2002, Scheffler 2007).

ويرفض (والدرون) أيضًا فرضية أن الخيارات المتاحة للفرد ينبغي أن تأتي من ثقافة معينة؛ قد تأتي الخيارات ذات المغزى من مجموعة متنوعة من المصادر الثقافية. ما يحتاجه الناس هو المواد الثقافية، وليس الوصول إلى منظومة أو كيان ثقافي معين. على سبيل المثال، أثَّر الكتاب المقدس والأساطير الرومانية وحكايات جريمس بالثقافة الأميركية، بيد أنه لا يمكن النظر إلى هذه المصادر الثقافية باعتبارها جزءًا من بنية ثقافية واحدة، التي يهدف التعدديون الثقافيون مثل كيمليكا إلى حمايتها.

وردًا على ذلك، يتفق منظرو التعددية الثقافية على أن الثقافات متداخلة وتفاعلية، بل يؤكدون مع ذلك أن الأفراد ينتمون إلى ثقافات مجتمعية منفصلة. ويوضح (كيمليكا) بصفة خاصة أنه في حين أن الخيارات المتاحة للناس في أي مجتمع حديث تنبع من مجموعة متنوعة من المصادر العرقية والتاريخية، بيد أنَّ هذه الخيارات تكون ذات مغزى بالنسبة لنا إذا “أصبحت جزءًا من المفردات المشتركة للحياة الاجتماعية – أي المتجسدة في الممارسات الاجتماعية، القائمة على لغة مشتركة، والتي نتعرض لها… أن نتعلم… من ثقافات أخرى، أو أننا نقترض كلمات من لغات أخرى، لا يعني أننا لا نزال ننتمي إلى ثقافات مجتمعية منفصلة، أو نتحدث لغات مختلفة” (1995, 103). ويؤكد المدافعون الليبراليون عن المساواة في التعددية الثقافية أمثال (كيمليكا) بأنَّ الحماية الخاصة للجماعات الثقافية للأقليات ما زالت قائمة، حتى بعد إقرار نظرة أكثر عالمية للثقافات، إِذ إنَّ الهدف من الحقوق المتمايزة الجماعيّة لا تعني تجميد الثقافات، بل تمكين أفراد مجموعات الأقليات من مواصلة ممارساتهم الثقافية المميزة طالما رغبوا إلى ذلك.

2.3 التسامح يتطلب التغاضي، وليس المواءمة والتوافق

أما الانتقاد الرئيس الثاني فيستهدف النظريات الليبرالية للتعددية الثقافية عن التوافق على وجه الخصوص، والذي ينبع من قيمة حرية التجمع والضمير. فإذا أخذنا هذه الأفكار على محمل الجد وتقبلنا الوجودية الفردية والأخلاقية على حدٍ سواءٍ كما نوقش أنفًا، فعندئذ علينا أن ندافع ليس عن الحماية الخاصة للجماعات فحسب، بل أيضًا عن حق الفرد في تشكيل التجمعات وتركها. وحسبما يقر (شاندان كوكاثاس) (1995، 2003)، أنه لا توجد حقوق جماعية، بل حقوق فردية فقط. ومن خلال منح الجماعات الثقافية حماية وحقوقًا خاصة، فإنَّ الدولة بذلك تتجاوز دورها، ألا وهو الحفاظ على المواطنة، مما يهدد بتقويض الحقوق الفردية في حرية التجمع. ينبغي للدول ألا تسعى إلى “الاندماج الثقافي” أو “الهندسة الثقافية”، ولكن حريٌّ بها أن تتعامل مع “سياسات الاختلاف” تجاه جماعات الأقليات (2003, 15).

وأحد القيود المفروضة على هذا النهج القائم على عدم التدخل هو أن الجماعات التي لا تعترف نفسها بقيمة التسامح وحرية التجمع، بما في ذلك الحق في الانفصال عن جماعة أو الخروج منها، قد تمارس التمييز الداخلي ضد أعضاء جماعتها، ولن يكون للدولة سلطة تذكر للتدخل في هذه التجمعات. ومن شأن سياسة الاختلاف أن تسمح بإساءة معاملة أفراد الفئات الضعيفة (التي نوقشت أدناه في 3-6)، ونتسامح على حد تعبير (كوكاثاس)، مع “المجتمعات المحلية التي تربي وتنشئ أطفالاً أُمييّن مُنعوا من الالتحاق بالمدارس؛ والتي تفرض الزيجات المنظمة؛ وتحرم أفرادها من الرعاية الطبية التقليدية (بما فيهم الأطفال)؛ و توقع عقوبة قاسية و”غير معتادة” (Kukathas 2003, 134). إن تبني مثل هذه الأعمال يعني التخلي عن قيم الاستقلال الذاتي والمساواة، وهي القيم التي ينظر إليها العديد من الليبراليين على أنها أساسية لأي حركة ليبرالية تحررية جديرة باسمها.

3.3 التحول عن “سياسة إعادة التوزيع”

هناك اعتراض ثالث للتعددية الثقافية ينظر إليه باعتباره شكلًا من أشكال “سياسة الاعتراف” التي تصرف الانتباه عن “سياسة إعادة التوزيع”. يمكننا أن نفرق تحليليًا بين هذه الأنماط السياسية: فسياسة الاعتراف تتحدى حالة عدم المساواة والعلاج الذي تسعى إليه بمثابة تغيير ثقافي ورمزيّ، في حين أن سياسة إعادة التوزيع تتحدى عدم المساواة والاستغلال الاقتصاديين، والعلاج الذي تسعى إليه هو إعادة الهيكلة الاقتصادية (Fraser 1997, Fraser and Honneth 2003). إن حشد الطبقة العاملة يصبو في نهاية المطاف إلى إعادة التوزيع، ومطالبات الإعفاء من القوانين المعمول بها على وجه العموم، كما لا تهدف حركات زواج المثليين في نهاية المطاف إلا للاعتراف. وفي الولايات المتحدة يساور النقَّاد الذين يرون أنفسهم جزءًا من “اليسار التقدمي” القلق من صعود “اليسار الثقافي” وتركيزه على التعددية الثقافية والاختلاف، مما يحول التركيز بعيدًا عن الكفاح من أجل العدالة الاقتصادية (Gitlin 1995, Rorty 1999). كما أعرب المنتقدون في المملكة المتحدة وأوروبا عن قلقهم إزاء آثار التعددية الثقافية على الثقة الاجتماعية والدعم الشعبي لإعادة التوزيع الاقتصادي (Barry 2001, Miller 2006, van Parijs 2004). ودعا فيليب فان باريس العلماء إلى النظر في الاقتراح، “هناك أشياء أخرى متساوية، وأكثر ثقافية … كلما كان التجانس بين سكان إقليم معين، زادت آفاقهم للتضامن الاقتصادي” (2004, 8).

ثمة نوعان من المخاوف المميزة هنا. أولهما هو أن وجود التنوع العرقي والإثني يقلل من الثقة والتضامن الاجتماعيين، والذي يقوض بدوره الدعم الشعبي للسياسات التي تنطوي على إعادة التوزيع الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، يوضح (روبرت بوتنام) أن سبب تراجع الثقة الاجتماعية والمشاركة المدنية في الولايات المتحدة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنوع الإثني والعرقي (2007). وقد أشار (رودني هيرو) أنه كلما عَظُمَ التباين والاختلاف العرقي والإثنيّ في الدولة، قُيّدَت برامج الرعاية الاجتماعية على مستوى الدولة (Hero 1998, Hero and Preuhs 2007). وتشير التحليلات على الصعيد الوطني إلى أن الاختلافات في التنوع العرقي تفسر جزءًا مهمًا وراء عدم قيام الولايات المتحدة بتطوير دولة الرفاهية على النمط الأوروبيّ (Alesina and Glaeser 2004). أما الشاغل الثاني فهو أن سياسات التعددية الثقافية نفسها تقوض دولة الرفاهية من خلال إبراز أهمية الاختلافات العرقية والإثنية بين الجماعات وتقويض الشعور بالهوية الوطنية المشتركة الذي ينظر إليه على أنه ضروري دولة الرفاهية الاجتماعية المنيعة (Barry 2001, Gitlin 1995, Rorty 1999).

وردًا على ذلك، دعا مُنَظِّرو التعددية الثقافية، بل وتعاونوا على إجراء المزيد من البحوث التجريبية لهذه المقايضات المزعومة. ففيما يتعلق بالشاغل الأول بشأن المقايضة بين التنوع وإعادة التوزيع، يتساءل كل ٌمن (كيمليكا) و(بانتينغ) عن إمكانية تعميم الأدلة التجريبية المستمدة إلى حدٍ كبيرٍ من البحوث سواء في أفريقيا، حيث إِنَّ ضعف مؤسسات الدولة يحد من أي تقاليد قابلة للاستخدام أو قدرة مؤسسية للتعامل مع التنوع، أم في الولايات المتحدة، حيث نشأت عدم المساواة العرقية نتيجة قرون من العبودية والفصل العنصري. فحينما تكون العديد من مجموعات الأقليات من الوافدين حديثًا، وحيث تكون مؤسسات الدولة قوية، قد يكون تأثير التنوع المتزايد مختلفًا كليًا (Kymlicka and Banting 2006, 287). وقد اعترضت (باربرا أرنيل) على أطروحة (بوتنام) بشأن رأس المال الاجتماعي، بحجة أن المشاركة في المجتمع المدني قد تغيرت، ولم تتراجع، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبيرٍ إلى الحشد بين الأقليات الثقافية والنساء الساعيات إلى المزيد من الإدماج والمساواة (Arneil 2006a). وترى أن التنوع في حد ذاته ليس هو ما يؤدي إلى تغييرات في الثقة والمشاركة المدنية، بل سياسات التنوع، أيّ كيفية استجابة واعتراض مختلف الفئات للمعايير التي تحكم مجتمعها. والمسألة المحورية إذن ليست الحد من التنوع، بل تحديد المبادئ والإجراءات التي يعاد بموجبها التفاوض بشأن الخلافات باسم العدالة (Arneil and MacDonald 2010).

أما بالنسبة للشاغل الثاني بصدد المفاضلة بين الاعتراف وإعادة التوزيع، فإن الأدلة التي اعتمد عليها منتقدو إعادة التوزيع الأوائل أمثال باري وتورتي كانت نظرية وظنيّة. وتشير البحوث الدولية عبر القومية التي أجريت مؤخرًا إلى أنه لا يوجد دليل على وجود اتجاه منهجي لسياسات التعددية الثقافية لإضعاف دولة الرفاهية (Banting et al. 2006). تقدم دراسة (إيرين بلومراد) المقارنة لإدماج المهاجرين في كندا والولايات المتحدة الدعم للرأي القائل بأنه ليس هناك مقايضة أو مفاضلة بين التعددية الثقافية ودولة الرفاهية فحسب، بل إن سياسات التعددية الثقافية يمكن أن تزيد في الواقع من الاهتمام بالموارد المخصصة لسياسات إعادة التوزيع. وترى أن سياسات التعددية الثقافية في كندا، التي توفر للمهاجرين مجموعة متنوعة من الخدمات بلغتهم الأصلية، وتدعمهم في الحفاظ على تقاليدهم (موروثاتهم) الثقافية حتى عندما يصبحون مواطنين كنديين، هي السبب الرئيس في أن معدل التطبيع بين المقيمين الدائمين في كندا ضعف معدله في الولايات المتحدة. ويتفق منظرو التعددية الثقافية على ضرورة إجراء المزيد من البحوث التجريبية، لكنهم مع ذلك يؤكدون أن إعادة التوزيع والاعتراف ليست إلا مجرد مقترحات. وكلاهما يعدان مهمين في السعي إلى تحقيق المساواة لجماعات الأقليّات. ومن الناحية العملية، فإن إعادة التوزيع والاعتراف – استجابة للأضرار المادية وتهميش الهويات والأوضاع – كليهما مطلوبان لتحقيق قدر أكبر من المساواة عبر العرق، والإثنية، والجنسية، والدين، والحياة الجنسية، والطبقة (الطائفة)، لأسباب ليس أقلها أن العديد من الأفراد يقفون عند تقاطع هذه الفئات المختلفة ويعانون من أشكال متعددة من التهميش. إن سياسة الاعتراف مهمة ليس نتيجة لآثارها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمشاركة السياسية فحسب، ولكن أيضًا من أجل الإدماج الكامل لأفراد الفئات المهمشة كمواطنين متساوين.

4.3 المثل الأعلى العالمي للمساواة

هناك اعتراض رابع مسار بحث على الفهم الليبرالي للتعددية الثقافية يتعلق بما تتطلبه المساواة. يدافع (براين باري) عن المثل العالمي للمساواة. وبخلاف ما يدافع عنه (كيمليكا) بشأن المثل الأعلى للمساواة الاجتماعيّة، يفسر (باري) بأنه ينبغي اعتبار الأقليات الدينية والثقافية مسئولة عن تحمل عواقب معتقداتها وممارساتها، تمامًا كما يعتبر أفراد الثقافة المهيمنة مسئولين عن تحمل عواقب معتقداتهم. و يعتقد أن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (متحدّي الإعاقة) جديرون بهذا التوافق، بل يرى أنَّ الانتماءات الدينية والثقافية تختلف عن الإعاقات الجسدية: فالأولى لا تقيد الناس بالطريقة التي تقيد بها الإعاقات الجسدية. وتدعم الإعاقة الجسدية المطالبة الظاهرة بالتعويض لأنها تحد من فرص الفرد في المشاركة في أنشطة يستطيع الآخرون المشاركة فيها. وعلى النقيض من ذلك، قد يشكل الدين والثقافة استعداد المرء لاغتنام الفرصة، ولكنهما لا يؤثران إذا كانت الفرصة سانحة. ويعلل (باري) مفسرًا بأن العدالة المتساوية لا تهتم إلا بضمان مدى معقول من تكافؤ الفرص، وليس بضمان المساواة في الوصول إلى أي خيارات أو نتائج معينة (2001: ص 37). وعندما يتعلق الأمر بالانتماءات الثقافية والدينية، فإنها لا تحد من نطاق الفرص التي يتمتع بها المرء، بل تحد من الخيارات التي يمكن للمرء أن يتخذها ضمن مجموعة الفرص المتاحة للجميع.

وردًا على ذلك، قد يتفق المرء على أن الفرص ليست موضوعية بالمعنى الطبيعي الذي اقترحه (باري). ولكن الفرصة للقيام بشيء ما ليس مثل إمكانية القيام بشيء ما دون مواجهة أعباء مادية; إنها إمكانية القيام بشيء ما دون تكبد تكاليف مفرطة أو التعرض لخطر تلك التكاليف .(Miller 2002, 51) يمكن أن تتعارض قوانين الدولة والالتزامات الثقافية بطرق ما تجعل تكاليف استغلال الفرصة باهظة بالنسبة للأقليات الثقافية. وعلى النقيض من (باري)، يوضح أنصار التعددية الثقافية الليبراليون أن العديد من الحالات التي يؤثر فيها القانون أو السياسة بشكل متباين على ممارسة دينية أو ثقافية تشكل ظلمًا. على سبيل المثال، يشير (كيمليكا) إلى قضية (غولدمان) (التي نوقشت أنفًا) وغيرها من القضايا الدينية، وكذلك إلى المطالبات المتعلقة بحقوق اللغة، كأمثلة على أن الحقوق المتباينة بين المجموعات مطلوبة في ضوء التأثير التفاضلي لعمل الدولة (1995, 108–115). ودعواه هي أنه بما أن الدولة لا تستطيع تحقيق عزل تام للثقافة أو أن تكون محايدة فيما يتعلق بالثقافة، فعليها بطريقة أو بأخرى أن تعوض المواطنين الذين يحملون معتقدات دينية من الأقليات، وكذلك الناطقين بلغات أخرى. ونظرًا لعدم إمكانية عزل الدولة الكامل للثقافة، فإن إحدى الطرق لضمان ظروف خلفية عادلة هي تقديم أشكال مماثلة تقريبًا من المساعدة أو الاعتراف لكل لغة من لغات المواطنين ودياناتهم المختلفة. وعدم القيام بأي شيء يعني السماح بالظلم.

5.3 نقد ما بعد الامبريالية

تنتقد بعض نظريات مرحلة ما بعد الإمبريالية التعددية الثقافية وسياسات الاعتراف المعاصرة بكونها تعزز كيان الهيمنة الإمبريالية بدلًا من تحويلها في إطار العلاقات بين الدول المستوطنة ومجتمعات السكان الأصليين. وفي معرض تركيزه على نظرية تايلور في سياسة الاعتراف، يرى غلين كولتارد أنه “بدلًا من أن تبشر بعصر من التعايش السلمي القائم على الفكرة الهيغلية للمعاملة بالمثل، فإن سياسة الاعتراف في شكلها المعاصر تعد بإعادة إنتاج تشكيلات القوة الإمبريالية ذاتها التي سعت مطالب الشعوب الأصلية بالاعتراف تاريخيًا إلى تجاوزها” (2007، ص 438–439; ينظر أيضا: Coulthard 2014). وهناك العديد من العناصر في طريقة نقد (كولتارد). يبرهن كولتارد، أولًا، بأن سياسة الاعتراف، من خلال تركيزها على مخططات إعادة توزيع الدولة الإصلاحية، مثل منح الحقوق الثقافية والامتيازات لمجتمعات السكان الأصليين، تؤكد بدلًا من أن تتصدى للاقتصاد السياسي للكونيالية (للاحتلال). وفي هذا الصدد، تكشف سياسة الاعتراف عن أنها بديلٌ عن الليبرالية، التي “تفشل في مواجهة الجوانب الهيكلية/الاقتصادية للإمبريالية في جذورها الموغلة” (, 4462007). ثانيًا، تستند سياسة الاعتراف المعاصرة تجاه مجتمعات السكان الأصليين إلى افتراض اجتماعي معيب: وهو أن كلا الطرفين المنخرطين في الكفاح من أجل الاعتراف يعتمد كل منهما على الآخر على اعترافه بحريته وقيمته الذاتية. ومع ذلك، لا توجد مثل هذه التبعية المتبادلة في العلاقات الفعلية بين الدول القومية ومجتمعات السكان الأصليين: “لا يتطلب السيد – أي الدولة الإمبريالية ومجتمع الدولة – الاعتراف من المجتمعات التي كانت تقيد نفسها من قبل- والتي شكلت بنيتها التحتية الإقليمية والاقتصادية والاجتماعية”. ثالثًا، يوضح (كولتارد) بأن التحرر الحقيقي للمحتل لا يمكن أن يحدث دون كفاح وصراع يكون “بمثابة القوة الوسيطة التي يأتي من خلالها المحتلون لفصل هوياتهم الإمبريالية.” ويستعين بـ قول (فرانتز فانون) بأن الطريق إلى تقرير المصير الحقيقي للمضطهدين يكمن في تأكيد الذات: فبدلًا من الاعتماد على مضطهديهم للحصول على حريتهم وقيمتهم الذاتية، “ينبغي على المحتلين أن يبدأوا عملية إنهاء الاحتلال بالاعتراف بأنفسهم مسهمين أحرار في الإنسانية يتمتعون بالكرامة والتميز”(ص454). وهذا يعني أنه يجدر بالشعوب الأصلية أن “تعيد توجيه كفاحها بشكل جماعي بعيدًا عن السياسة التي تسعى إلى تحقيق شكل توفيقي من الاعتراف بالدول الاستيطانية للأمم الأصلية نحو سياسة الاعتراف المتجددة القائمة على تحقيق الذات، والعمل المباشر، وعودة الممارسات الثقافية التي تهتم بالتكوين الذاتي والهيكلي للسلطة الإمبريالية الاستيطانية” (2014).

قد يتفق (تايلور) و(كيمليكا)، وغيرهما من أنصار سياسة الاعتراف المعاصرة مع (كولتارد) على أن تأكيد الذات من قبل الجماعات المضطهدة أمر بالغ الأهمية لتقرير المصير الحقيقي وحرية مجتمعات السكان الأصليين، ولكن لا ينبغي النظر إلى تأكيد الذات هذا على أنه يستبعد بعض جهود الدولة الرامية إلى توسيع نطاق التوافق المؤسسي. فاعتراف الدولة بحقوق الحكم الذاتي وغيرها من أشكال التكيف (التوافق، هي خطوات مهمة نحو تصحيح المظالم التاريخية وتحويل أوجه عدم المساواة الهيكلية بين الدولة ومجتمعات السكان الأصليين. ويعيد تحليل (كولتارد) توجيه الانتباه إلى أهمية التقييم والتصدي للأبعاد الهيكلية والنفسية العاطفية للهيمنة الإمبريالية، ولكن بحجة أن الشعوب الأصلية يجب أن “تبتعد” (, 4562007) عن دول المستوطنين، وأن مجتمعات المستوطنين قد تلعب دورًا في التحول الليبرالي الجديد نحو خصخصة التبعية والمخاطرة بتعزيز تهميش مجتمعات السكان الأصليين في وقت قد تكون فيه الأشكال الاقتصادية وغيرها من أشكال دعم الدولة حاسمة لبقاء مجتمعات السكان الأصليين.

6.3 النقد النسوية لـ التعددية الثقافية

إن مجموعة الانتقادات التي أشعلت الجدل الأكثر حدة حول التعددية الثقافية ترى بأن توسيع نطاق الحماية ليشمل مجموعات الأقليات قد يأتي على حساب دعم اضطهاد الأفراد الضعفاء في تلك الجماعات – وهو ما أطلق عليه البعض مشكلة “الأقليات الداخلية” أو “الأقليات داخل الأقليات” (Green 1994, Eisenberg and Spinner-Halev 2005). يميل منظري التعددية الثقافية إلى التركيز على أوجه عدم المساواة بين الجماعات في الدفاع عن توفير حماية خاصة لجماعات الأقليات، بيد أن تدابير الحماية القائمة على المجموعات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة داخل مجموعات الأقليات. ويرجع ذلك إلى أن بعض أساليب حماية جماعات الأقليات من الاضطهاد الذي تتعرض له من الأغلبية قد يزيد من احتمال قدرة أفراد هذه الجماعات الأكثر قوة على تقويض الحريات والفرص الأساسية لأعضائها الضعفاء. وتشمل المجموعات الفرعية الضعيفة داخل مجموعات الأقليات كل من المنشقين دينيًا، والأقليات الجنسية، والنساء، والأطفال. وقد يبالغ قادة المجموعات في درجة التوافق والتضامن داخل مجموعتهم لتقديم جبهة موحدة للمجتمع الأوسع وتعزيز قضيتهم من أجل التوافق.

وتدور بعض المعايير والممارسات الجماعية الأكثر قمعًا حول قضايا الجندر(النوع) والجنس، وتُعد ناقدات الحركة النسائية أوَّل من لفتن الانتباه إلى التوترات المحتملة بين التعددية الثقافية والحركة النسوية (Coleman 1996, Okin 1999, Shachar 2000). وتشكل هذه التوترات معضلة حقيقية إذا قبل المرء كلاً من الحقوق المتباينة بين المجموعات للجماعات الثقافية للأقليات ورأى ما يبررها، كما يفعل منظري التعددية الثقافية، وفي نفس الوقت يؤمن بالمساواة بين الجنسين كقيمة مهمة، كما يؤكد دعاة الحركات النسوية. وقد يساعد توسيع نطاق الحماية الخاصة وأماكن الإقامة بالنسبة للأقليات المنخرطة في الممارسات الأبوية على تعزيز عدم المساواة بين الجنسين داخل هذه المجتمعات. ومن الأمثلة التي حللت في الأدبيات العلمية تلك الصراعات حول الزواج المنظم، وحظر الحجاب، واستخدام “الدفاعات الثقافية” في القانون الجنائي، وتوافق القانون الديني أو القانون العرفي ضمن النظم القانونية السائدة، وحقوق الحكم الذاتي لمجتمعات السكان الأصليين التي تعزز عدم المساواة بين النساء.

وهذه الاعتراضات النسوية مقلقة بشكل خاص للمدافعين الليبراليين عن المساواة في التعددية الثقافية، الذين يرغبون ليس فقط في تعزيز المساواة بين المجموعات ولكن أيضا المساواة داخل المجموعة ذاتها، بما في ذلك المساواة بين الجنسين. وردًا على ذلك، أكدّ (كيمليكا) (1999) أوجه التشابه بين التعددية الثقافية والحركة النسائية: فكلاهما يهدف إلى مفهوم أكثر شمولًا للعدالة، كما أن كلاهما يتحدى الافتراض الليبرالي التقليدي بأن المساواة تتطلب معاملة مماثلة. ولمعالجة المخاوف المتعلقة بالتأقلم مع التعددية الثقافية والذي يفاقم من عدم المساواة داخل المجموعة، يميز(كيمليكا) بين نوعين من حقوق المجموعات، وهما: “الحماية الخارجية”، وهي الحقوق التي تطالب بها مجموعة أقلية في مواجهة غير الأعضاء من أجل الحد من ضعفها أمام القوة الاقتصادية والسياسية للمجتمع الأكبر، في حين أن “القيود الداخلية” هي الحقوق التي تطالب بها مجموعة أقلية في مواجهة أعضائها. ويوضح بأن النظرية الليبرالية لحقوق الأقليات تدافع عن الحماية الخارجية، بينما ترفض القيود الداخلية (1995, 35–44;1999, 31).

لكن العديد من الناقدات يؤكدن أن منح الحماية الخارجية لجماعات الأقليات قد ياتي أحيانًا على حساب القيود الداخلية. وربما تكون هذه الجماعات وجهان مختلفان لعملة واحدة: على سبيل المثال، قد يستلزم احترام حقوق الحكم الذاتي لمجتمعات السكان الأصليين السماح بقواعد العضوية التمييزية جنسيًا التي يسنها قادة تلك المجتمعات. وتتوقف إمكانية التوفيق بين التعددية الثقافية والحركة النسائية ضمن النظرية الليبرالية جزئيًا على الفرضية التجريبية القائلة بأن الجماعات التي تسعى إلى الحصول على حقوق متباينة بين المجموعات لا تدعم الأعراف والممارسات الأبوية. وإذا فعلوا ذلك، سيتعين على دعاة التعددية الثقافية الليبرالية من حيث المبدأ أن يختلفوا مع توسيع نطاق حق تلك الجماعة أو توسيعه بمؤهلات معينة، مثل وضع شروط قبول توسيع نطاق حقوق الحكم الذاتي للشعوب الأصلية مقابل القبول بوثيقة الحقوق الدستورية.

ما زالت هناك موجة من الردود النسوية لمشكلة الأقليات الداخلية الضعيفة المتعاطفة مع كل من التعددية الثقافية والحركة النسائية (انظر، مثلًا، Arneil 2006b, Deveaux 2006, Eisenberg 2003, Lépinard 2011, Phillips 2007, Shachar 2001, Song 2007, Volpp 2000). وقد أكد بعض دعاة النسوية على أهمية الابتعاد عن المفاهيم الجوهرية للثقافة والآراء الاختزالية لأفراد جماعات الأقليات باعتبارها غير قادرة على التمثيل الحقيقي (Phillips 2007, Volpp 2000). وسعت ناشطات نسويات أخريات إلى تحويل التركيز من الحقوق الليبرالية إلى نهج أكثر ديمقراطية. يميل المنظرون الليبراليون إلى البدء من مسألة ما إذا كان ينبغي التسامح مع الممارسات الثقافية للأقليات أو استيعابها وفقًا للمبادئ الليبرالية، وكيف ينبغي فعل ذلك؛ في حين أن المنظرين الديمقراطيين يمهدون لدور الحوارات الديمقراطية، ويسألون كيف تفهم الأطراف المتضررة هذه الممارسة المتنازع عليها. وبالاعتماد على أصوات الأطراف المتضررة وإعطاء وزن خاص لصوت المرأة في قلب الصراعات الثقافية الجنسانية، يمكن للحوارات أن توضح المصالح المطروحة وتعزز من شرعية الاستجابات للصراعات الثقافية (Benhabib 2002, Deveaux 2006, Song 2007). وتتيح الحوارات أيضًا فرصًا لأفراد الأقليات لكشف حالات النفاق بين الثقافات والنظر فيما إذا كانت قواعد ومؤسسات المجتمع الأكبر، التي ما زال كفاحها من أجل المساواة بين الجنسين ناقصًا ومستمرًا، قد يعزز الممارسات القائمة على التحيز الجنسي داخل جماعات الأقليات بدلًا من التصدي لها (Song 2005). وثمة خلاف حول ما يشكل نوعًا من التبعية وأفضل السبل للتعامل معها، وأن التدخل في الجماعات الثقافية للأقليات دون مشاركة نساء الأقليات أنفسهن لا يحترم حريتهن، ومن غير المرجح أن يخدم مصالحهن.

4. التراجع السياسي عن التعددية الثقافية؟

إن التحدي الأكبر للتعددية الثقافية في عالم اليوم قد لا يكون فلسفي بقدر ما هو سياسي، إذ إنه تراجع سياسي أو رد فعل عنيف ضد التعددية الثقافية، لا سيما تجاه المهاجرين. وقد شَخَّصَ بعض الباحثين “تراجعًا” عن التعددية الثقافية في أوروبا وأستراليا، والذي يعزو إلى نقص الدعم العام القائم جزئيًا على النجاح المحدود لمثل هذه السياسات لتعزيز اندماج الأقليات (Joppke 2004, McGhee 2008). بيد أن باحثين آخرين يدللون بأن هناك نقصًا في الأدلة على أي تراجع من هذا القبيل. وقد وجد كل من فارون أوبروي وطارق دودمو، استنادًا إلى تحليلهما للسياسات البريطانية، أن الإعفاءات القانونية للممارسات الدينية للأقليات، وتدابير مكافحة التمييز، وسياسات التعليم المتعددة الثقافات ما زالت قائمة، ولا توجد أدلة على نطاق أي بلد توحي بأن الخدمات العامة لم تعد تُقَدَّمُ بلغات مختلفة (, 1342013). وثمة حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث بشأن وجود تراجع عن سياسات التعددية الثقافية وعن أسبابه.

لَعلَّ الادعاء بشأن “التراجع” عن التعددية الثقافية لا يَمُتّ بِصِلَةٍ بأي تغييرات فعلية في سياسات الدولة، بل يتعلق أكثر بالمخاوف بشأن الافتقار إلى الوحدة الاجتماعية وزيادة التوترات بين الجماعات المختلفة في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية، والشعور بأن التعددية الثقافية من يلق عليها اللوم. ولنتأمل في هذا الصدد خطاب رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون عام 2011، حيث يقول: “في ظل عقيدة التعددية الثقافية للدولة، فقد شجعنا الثقافات المختلفة على أن تعيش حياة منفصلة، بعيدًا عن بعضها البعض وبمعزل عن التيار العام. لقد أخفقنا في تقديم رؤية للمجتمع تشعر [الشباب المسلم] بأنهم يريدون الانتماء إليها” (Cameron 2011). وبناءً على قول (كاميرون)، فإن التعددية الثقافية تعني الانفصال والانقسام، وليس التكامل والوحدة. ولكن من خلال استعراض نظريات مختلفة من التعددية الثقافية أعلاه فإن معظم نظريات المهاجرين للتعددية الثقافية لا تهدف إلى الانفصال، بل بالأحرى إلى استنباط شروط أكثر إنصافًا لإدماج الأقليات الدينية والثقافية في التيار العام للمجتمع (Kymlicka 1995).

وللمضي قدمًا، علينا متابعة النقاش العام حول التعددية الثقافية للمهاجرين في سياق أوسع يضع في الاعتبار سياسات الهجرة، والعرق، والدين، والأمن القومي. فقد تصبح التعددية الثقافية كبشَ فداءٍ خطابيٍ سهلٍ للخوف والقلق العام كلما اعتبر الأمن القومي مهددًا، وكذلك عندما تسوء الأحوال الاقتصادية. ففي أوروبا، أصبحت المخاوف بشأن تطرف الأقليات المسلمة محورية في المناظرات العامة التي تتعلق بالهجرة والتعددية الثقافية. وقد انطبق هذا بشكل خاص في مواجهة أزمة الهجرة الأوروبية حيث فَرَّ أكثر من مليون شخص من الحرب والعنف في سوريا، والعراق، وأماكن أخرى وقاموا برحلات إلى أوربا محفوفة بالمخاطر عن طريق البحر والبر. وقد استغلت هذه الأزمة المخاوف بشأن الإرهاب والأمن، لا سيما بعد هجمات باريس 2015 ويوليو 2016 في نيس؛ كما جددت المخاوف بشأن حدود الجهود السابقة لدمج الوافدين الجدد وذريتهم. تشير الأدلة في كافة أنحاء أوروبا إلى أن المسلمين يكافحون بغية النجاح في التعليم وسوق العمل بالمقارنة مع الأقليات الدينية والثقافية الأخرى (Givens 2007).

وتتفاعل عوامل التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي مع شعور المهاجرين بالانتماء، حيث إنَّه من الصعب تصور شعور الوافدين الجدد بالاندماج قبل اتخاذ خطوات هامة نحو اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي. إن الاندماج طريق ذو اتجاهين: ليس على المهاجرين فقط العمل على الاندماج، ولكن على الدولة نفسها، كما تؤكد العديد من نظريات التعددية الثقافية، أن تتخذ الترتيبات اللازمة لتسهيل الاندماج. وكما لاحظت سيسيل لابورد، إن شباب شمال أفريقيا في فرنسا “يلامون بشكل روتيني على عدم اندماجهم”، ولكن هذا اللوم “يخلط بين المسؤولية المؤسسية للمجتمع الفرنسي عن دمج المهاجرين وفشل المهاجرين الشخصي في الاندماج في المجتمع” (Laborde 2008, 208). وما زالت المواجهة المتمثلة في دمج المهاجرين بسبب زيادة قبول الجمهور للتعبير عن المشاعر المعادية للمسلمين قائمة. إن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وحملاتها الدعائية المعادية للمسلمين، إلى جانب استعداد وسائل الإعلام لتغذية تلك المشاعر، دون انتقاد لمواقفها في كثير من الأحيان، يضر بآفاق دمج المسلمين في أوروبا (Lenard 2010, 311). ويشير القادة السياسيون المسلمون إلى “خطر الثقافات الأجنبية والتهديد الذي يشكله المهاجرون بوجه عام والمسلمون بوجه خاص على التضامن الاجتماعي والتجانس الثقافي (Klausen 2005, 123). وعلى حد تعبير لابورد، فإن المسلمين “يُختزلون في هويتهم أو ثقافتهم أو دينهم المفترض، وبالتالي يوصمون بأنهم مهاجرون أو عرب أو مسلمون” (, 172008). ويعتقد أن التحديات التي يفرضها دمج المسلمين أكثر تعقيدًا من تحديات دمج موجات سابقة من المهاجرين، ولكن كما تقول باتي لينارد، فإن هذا التعقيد المزعوم ينبع ببساطة من الإغفال المُجحف بين الأصولية الإسلامية، والغالبية العظمى من الأقليات المسلمة في أوروبا، التي ترغب في الاندماج بشروط أكثر عدلًا من النوع الذي يدافع عنه التعدديون الثقافيون (Lenard 2010, 318).

في ضوء هذه المخاوف التي تتعلق بالتعددية الثقافية للمهاجرين، يحتاج مُنَظِّرو التعددية الثقافية أن يستمروا في إثبات أن المثل الأعلى للمواطنة متعددة الثقافات يمثل شروطًا أكثر عدلًا للاندماج، وليس الفصل والانقسام، وتقديم إجابات لأسئلة مثل: لماذا تكون المواطنة التعددية مرغوبة أكثر من المُثُل الليبرالية التقليدية للمواطنة الشائعة القائمة على مجموعة موحدة من الحقوق والفرص للجميع؟ هل تشجع سياسات التعددية الثقافية في الواقع على زيادة اندماج المهاجرين وذويهم؟ وكيف يجدر بنا أن نفكر في العلاقة بين التعددية الثقافية والكفاح من أجل معالجة أوجه عدم المساواة القائمة على العرق، والأصل الاجتماعي، والطبقة، والهوية الجنسية، والحياة الجنسية، والإعاقة؟ من المهم أيضًا دراسة تطور التعددية الثقافية بعيدًا عن الغرب، بما في ذلك ما إذا كانت النظريات والممارسات الغربية للتعددية الثقافية قد رحلت وأدمجت. على سبيل المثال، ما الدروس المستفادة من أن دولًا لم تفتح باب الهجرة الكبيرة إلا مؤخرًا، مثل كوريا الجنوبية، أفادت من تجارب الدول الأخرى، وما أنواع سياسات التعددية الثقافية التي تبنتها والداعي لها؟ (Lie 2014).

المراجع

  • Alesina, A. and E. Glaeser, 2004, Fighting Poverty in the U.S. and Europe: A World of Difference, Oxford: Oxford University Press.
  • Anderson, E., 1999, “What is the Point of Equality?,” Ethics, 109(2): 287–337.
  • Appiah, A., 2005, The Ethics of Identity, Princeton: Princeton University Press.
  • Arneil, B., 2006a, Diverse Communities: The Problem with Social Capital, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2006b, “Cultural Protections vs. Cultural Justice: Post-colonialism, Agonistic Justice and the Limitations of Liberal Theory,” in Sexual Justice, Cultural Justice: Critical Perspectives in Theory and Practice, B. Arneil, R. Dhamoon, A. Eisenberg, and M. Deveaux (eds.), London: Routledge, pp. 60–78.
  • Arneil, B. and F. MacDonald, 2016, “Multiculturalism and the Social Sphere,” in The Ashgate Research Companion to Multiculturalism, D. Ivison (ed.), London: Routledge, pp. 95–117.
  • Bachvarova, M., 2014, “Multicultural Accommodation and the Ideal of Non-Domination,” Critical Review of International Social and Political Philosophy, 17(6): 652–673.
  • Banting, K. and R. Johnston, W. Kymlicka, and S. Soroka, 2006, “Do Multiculturalism Policies Erode the Welfare State? An Empirical Analysis,” in Multiculturalism and the Welfare State, K. Banting and W. Kymlicka (eds.), Oxford: Oxford University Press, pp. 49–91.
  • Banting, K. and W. Kymlicka (eds.), 2006, Multiculturalism and the Welfare State: Recognition and Redistribution in Contemporary Democracies, Oxford: Oxford University Press.
  • Barry, B., 2001, Culture and Equality: An Egalitarian Critique of Multiculturalism, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Benhabib, S., 2002, The Claims of Culture: Equality and Diversity in the Global Era, Princeton: Princeton University Press.
  • Bloemraad, I., 2006, Becoming a Citizen: Incorporating Immigrants and Refugees in the United States and Canada, Berkeley: University of California Press.
  • Blum, L.A., 1992, “Antiracism, Multiculturalism, and Interracial Community: Three Educational Values for a Multicultural Society”, Office of Graduate Studies and Research, University of Massachusetts, Boston.
  • Bowen, J.R., 2007, Why the French Dont Like Headscarves: Islam, the State, and Public Space, Princeton: Princeton University Press.
  • Cameron, D., 2011, “PM’s Speech at Munich Security Conference,” available online.
  • Carens, J., 2000, Culture, Citizenship, and Community: A Contextual Exploration of Justice as Evenhandedness, Oxford: Oxford University Press.
  • Chambers, C., 2002, “All Must Have Prizes: The Liberal Case for Interference in Cultural Practices,” in Multiculturalism Reconsidered, Paul Kelly (ed.), Cambridge: Polity Press, pp. 151–73.
  • Coleman, D.L., 1996, “Individualizing Justice through Multiculturalism: The Liberals’ Dilemma,” Columbia Law Review, 96(5): 1093–1167.
  • Coulthard, G., 2007, “Subjects of Empire: Indigenous Peoples and the ‘Politics of Recognition’ in Canada,” Contemporary Political Theory, 6(4): 437–60.
  • –––, 2014, Red Skins, White Masks: Rejecting the Colonial Politics of Recognition, Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • Crowder, G., 2013, Theories of Multiculturalism: An Introduction, Cambridge: Polity Press.
  • Deveaux, M., 2005, “A Deliberative Approach to Conflicts of Culture,” in A. Eisenberg and J. Spinner-Halev 2005 (eds.), pp. 340–62.
  • –––, 2006, Gender and Justice in Multicultural Liberal States, Oxford: Oxford University Press.
  • Eisenberg, A., 2003, “Diversity and Equality: Three Approaches to Cultural and Sexual Difference,” Journal of Political Philosophy, 11(1): 41–64.
  • Eisenberg, A. and J. Spinner-Halev (eds.), 2005, Minorities within Minorities: Equality, Rights, and Diversity, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Fraser, N., 1997, Justice Interruptus: Critical Reflections on the Postsocialist Condition, London: Routledge.
  • ––– and A. Honneth, 2003, Redistribution or Recognition? A Political-philosophical Exchange, London: Verso.
  • Friedman, M., 2003, Autonomy, Gender, Politics, Oxford: Oxford University Press.
  • Gitlin, T., 1995, The Twilight of Common Dreams: Why America Is Wracked by Culture Wars, New York: Metropolitan Books.
  • Givens, T., 2007, “Immigrant Integration in Europe: Empirical Research,” Annual Review of Political Science, 10(1): 67–83
  • Glazer, N., 1997, We Are All Multiculturalists Now, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Gooding-Williams, R., 1998, “Race, Multiculturalism and Democracy,” Constellations, 5(1): 18–41.
  • Green, L., 1994, “Internal Minorities and Their Rights,” in Group Rights, J. Baker (ed.), Toronto: University of Toronto Press, pp. 101–117.
  • Guérard de Latour, S., 2015, “Cultural Insecurity and Political Solidarity: French Republicanism Reconsidered,” in France since the 1970s: History, Politics and Memory in a Age of Uncertainty, Emile Cabal (ed.), London: Bloomsbury Academic, pp. 245–262.
  • Gutmann, A., 2003, Identity in Democracy, Princeton: Princeton University Press.
  • Hero, R., 1998, Faces of Inequality: Social Diversity in American Politics, Oxford: Oxford University Press.
  • Hero, R. and R. Preuhs, 2006, “Multiculturalism and Welfare Policies in the USA: A State-Level Comparative Analysis,” in Multiculturalism and the Welfare State: Recognition and Redistribution in Contemporary Democracies, K. Banting and W. Kymlicka (eds.), Oxford: Oxford University Press, pp. 121–151.
  • Ho, C., and A. Jakubowicz (eds.), 2014, For Those Whove Come Across the Seas: Australian Multicultural Theory, Policy, and Practice, London: Anthem Press.
  • Hollinger, D., 1995, Postethnic America: Beyond Multiculturalism, New York: Basic Books.
  • Huntington, S.P., 2005, Who Are We? The Challenges to Americas National Identity, New York: Simon and Schuster.
  • Ivison, D., 2006, “Historical Injustice,” in The Oxford Handbook of Political Theory, J. Dryzek, B. Honig, and A. Phillips (eds.), Oxford: Oxford University Press, pp. 507–25.
  • ––– (ed.), 2010, The Ashgate Research Companion to Multiculturalism, Surrey: Ashgate.
  • Ivison, D., P. Patton, and W. Sanders, 2000, Political Theory and the Rights of Indigenous Peoples, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Johnson, J., 2000, “Why Respect Culture?,” American Journal of Political Science, 44(3): 405–418.
  • Jones, P., 1994, “Bearing the Consequences of Belief,” Journal of Political Philosophy, 2(1): 24–43.
  • Joppke, C., 2004, “The Retreat of Multiculturalism in the Liberal State: Theory and Policy,” British Journal of Sociology, 55(2): 237–57.
  • Kelly, P., 2002 , Multiculturalism Reconsidered: Culture and Equality and Its Critics, Oxford: Polity Press.
  • Klausen, J. 2005, The Islamic Challenge: Politics and Religion in Western Europe, Oxford: Oxford University Press.
  • Kukathas, C., 1995, “Are There Any Cultural Rights?” Political Theory, 20: 105–139.
  • –––, 2003, The Liberal Archipelago: A Theory of Diversity and Freedom, Oxford: Oxford University Press.
  • Kymlicka, W. 1989, Liberalism, Community, and Culture, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1995, Multicultural Citizenship: A Liberal Theory of Minority Rights, Oxford: Oxford University Press.
  • –––(ed.), 1995, The Rights of Minority Cultures, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1999, “Liberal Complacencies”, in Is Multiculturalism Bad for Women?, J. Cohen and M. Howard, and M.C. Nussbaum (eds.), Princeton: Princeton University Press, pp. 31–34.
  • –––, 2001, Politics in the Vernacular: Nationalism, Multiculturalism, and Citizenship, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2007, Multicultural Odysseys: Navigating the New International Politics of Diversity, Oxford: Oxford University Press.
  • Kymlicka, W. and K. Banting, 2006, “Immigration, Multiculturalism, and the Welfare State,” Ethics & International Affairs, 20(3): 281–304.
  • Kymlicka, W. and A. Patten (eds.), 2003, Language Rights and Political Theory, Oxford: Oxford University Press.
  • Laborde, C., 2008, Critical Republicanism: The Hijab Controversy and Political Philosophy, Oxford: Oxford University Press.
  • Laden, A.S., and D. Owen (eds.), 2007, Multiculturalism and Political Theory, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Lenard, P., 2010, “What Can Multicultural Theory Tell Us about Integrating Muslims in Europe?,” Political Studies Review, 8: 308–321.
  • Lépinard, E., 2011, “Autonomy and the Crisis of the Feminist Subject: Revisiting Okin’s Dilemma,” Constellations: An International Journal in Critical and Democratic Theory, 18: 205–221.
  • Levey, G.B. (ed.), 2008, Political Theory and Australian Multiculturalism, New York: Berghahn Books.
  • –––and T. Modood (eds.), 2009, Secularism, Religion, and Multicultural Citizenship, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Levy, J.T., 1997, “Classifying Cultural Rights,” in Nomos XXXIX: Ethnicity and Group Rights, W. Kymlicka and I. Shapiro (eds.), New York: New York University Press, pp. 22–66.
  • –––, 2000, Multiculturalism of Fear, Oxford: Oxford University Press.
  • Lie, J. (ed.), 2014, Multiethnic Korea? Multiculturalism, Migration, and Peoplehood Diversity in Contemporary South Korea, Berkeley: Institute of East Asian Studies, University of California, Berkeley.
  • Lovett, F., 2009, “Domination and Distributive Justice,” Journal of Politics, 71: 817–830.
  • –––, 2010, “Cultural Accommodation and Domination,” Political Theory, 38(2): 243–267.
  • Margalit, A. and J. Raz, 1990, “National Self-Determination,” Journal of Philosophy, 87(9): 439–461.
  • Markell, P., 2003, Bound by Recognition, Princeton: Princeton University Press.
  • May, S. and C. Sleeter, 2010, Critical Multiculturalism: Theory and Praxis, New York: Routledge.
  • Means, A., 2002, “Narrative Argumentation: Arguing with Natives,” Constellations, 9(2): 221–245.
  • Miller, D., 2002, “Liberalism, Equal Opportunities and Cultural Commitments,” in Multicultural Reconsidered: Culture and Equality and Its Critics, P. Kelly (ed.), Oxford: Polity Press, pp.45–61.
  • –––, 2006, “Multiculturalism and the Welfare State: Theoretical Reflections,” in Multiculturalism and the Welfare State K. Banting and W. Kymlicka (eds.), Oxford: Oxford University Press, pp. 322–338.
  • Modood, T., 1998, “Anti-Essentialism, Multiculturalism, and the ‘Recognition’ of Religious Groups,” Journal of Political Philosophy, 6(4): 378–399.
  • –––, 2010, Still Not Easy Being British: Struggles for a Multicultural Citizenship, Stoke on Trent: Trentham Books.
  • –––, 2013, Multiculturalism: A Civic Idea, 2nd edition, Cambridge: Polity Press.
  • Moore, M., 2005, “Internal Minorities and Indigenous Self-Determination,” in A. Eisenberg and J. Spinner-Halev 2005 (eds.), pp. 271–293.
  • Okin, S., 1998, “Feminism and Multiculturalism: Some Tensions,” Ethics, 108(4): 661–684.
  • –––, 1999, “Is Multiculturalism Bad for Women?” in Is Multiculturalism Bad for Women?, J. Cohen, M. Howard, and M.C. Nussbaum (eds.), Princeton: Princeton University Press, pp. 7–24.
  • –––, 2005, “Multiculturalism and Feminism: No Simple Questions, No Simple Answers,” in A. Eisenberg and J. Spinner-Halev (eds.) 2005, pp. 67–89.
  • Parekh, B., 2000, Rethinking Multiculturalism: Cultural Diversity and Political Theory, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Patten, A., 2001, “The Rights of Internal Linguistic Minorities,” in A. Eisenberg and J. Spinner-Halev (eds.) 2005, pp. 135–154.
  • –––, 2014, Equal Recognition: The Moral Foundations of Minority Rights, Princeton: Princeton University Press.
  • Pettit, P., 1997, Republicanism: A Theory of Freedom and Government, Oxford: Clarendon.
  • Phillips, A., 2007, Multiculturalism without Culture, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Rattansi, A., 2011, Multiculturalism: A Very Short Introduction, Oxford: Oxford University Press.
  • Rawls, J., 1971, A Theory of Justice, Cambridge, MA: Belknap Press.
  • Raz, J., 1986, The Morality of Freedom, Oxford: Oxford University Press.
  • Rorty, R., 1999, Achieving Our Country: Leftist Thought in Twentieth-Century America, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 2000, “Is ‘Cultural Recognition’ a Useful Concept for Leftist Politics?,” Critical Horizons, 1: 7–20.
  • Scheffler, S., 2001, “Conceptions of Cosmopolitanism,” in Boundaries and Allegiances: Problems of Justice and Responsibility in Liberal Thought, Oxford: Oxford University Press, pp. 111–130.
  • –––, 2003, “What is Egalitarianism?,” Philosophy and Public Affairs, 31(1): 5–39.
  • –––, 2007, “Immigration and the Significance of Culture,” Philosophy and Public Affairs, 35(2): 93–125.
  • Shachar, A., 2000, “On Citizenship and Multicultural Vulnerability,” Political Theory, 28: 64–89.
  • –––, 2001, Multicultural Jurisdictions: Cultural Differences and Womens Rights, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Simpson, A., 2000, “Paths toward a Mohawk Nation: Narratives of Citizenship and Nationhood in Kahnawake,” in Political Theory and the Rights of Indigenous Peoples, D. Ivison, P. Patton, and W. Sanders (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 113–136.
  • Skinner, Q., 1998, Liberty before Liberalism, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Song, S., 2005, “Majority Norms, Multiculturalism, and Gender Equality,” American Political Science Review, 99(4): 473–1489.
  • –––, 2007, Justice, Gender, and the Politics of Multiculturalism, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2008, “The Subject of Multiculturalism: Culture, Religion, Language, Ethnicity, Nationality, and Race?” in New Waves in Political Philosophy, B. de Bruin and C. Zurn (eds.), New York: Palgrave MacMillan, pp. 177–197.
  • Spinner-Halev, J., 2001, “Feminism, Multiculturalism, Oppression, and the State,” Ethics, 112: 84–113.
  • –––, 2012, Enduring Injustice, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Taylor, C., [1992] 1994, “The Politics of Recognition,” in Multiculturalism: Examining the Politics of Recognition, A. Gutmann (ed.), Princeton: Princeton University Press, pp. 25–73.
  • –––, 1995, “Irreducibly Social Goods,”, in Philosophical Arguments, Cambridge, MA: Harvard University Press, pp. 127–145.
  • Tom, C., 2018, Rethinking Recognition: Freedom, Self-Definition, and Principles for Practice, Ph.D. Dissertation, Political Science Department, University of California/Berkeley, available online.
  • Tully, J., 1995, Strange Multiplicity: Constitutionalism in an Age of Diversity, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Uberoi, V. and T. Modood, 2013, “Has Multiculturalism in Britain Retreated?,” Soundings, 53: 129–142.
  • van Parijs, P. (ed.), 2004, Cultural Diversity versus Economic Solidarity, Louvain-la-Neuve: De Boeck.
  • Volpp, L., 2000, “Blaming Culture for Bad Behavior,” Yale Journal of Law and Humanities, 12: 89–116.
  • Waldron, J., 1992, “Superseding Historic Injustice,” Ethics, 103(1): 4–28.
  • –––, 1995, “Minority Cultures and the Cosmopolitan Alternative,” in The Rights of Minority Cultures, Oxford: Oxford University Press, pp. 93–119
  • Williams, M., 1998, Voice, Trust, and Memory: Marginalized Groups and the Failings of Liberal Representation, Princeton: Princeton University Press.
  • Young, I.M., 1990, Justice and the Politics of Difference, Princeton, NJ: Princeton University Press.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]

مداخل ذات صلة

citizenship | colonialism | communitarianism | culture | egalitarianism | identity politics | immigration | nationalism | pluralism | religious diversity | rights: group


[1] Song, Sarah, “Multiculturalism”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2020/entries/multiculturalism/>.