مجلة حكمة
الإمام الغزالي اعتراضات

شرح اعتراضات الإمام الغزالي على الدليل الثاني بصغتيه للفلاسفة في قدم العالم، وهو من مباحث المسألة الأولى من “تهافت الفلاسفَة”

الكاتبلطفي خيرالله

كَلِمَةُ اُلشَّارِحِ

بِسْمِ الله اُلرَّحْمَنِ اُلرَّحِيمِ

   لَقَدْ جَعَلَ الإمام الغزالي رَدَّهُ عَلَى اُلْفَلاَسِفَةِ فِي كِتَابِ “تَهَافُتُ اُلْفَلاَسِفَةِ” فِيمَا فِيهِ نِزَاعٌ بِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِ اُلدِّينِ، وَكَانَ قَوْلاً فِي غَيْبٍ مِنَ اُلْغَيْبِيَّاتِ. أَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ فِي اُللَّفْظِ فَقَطْ فَقَدْ تَرَكَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي تَصْدِيقِ اُلأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ عَابَ مَنْ طَعَنَ فِيهِ، وَعَدَّهُ مُكَابَرَةً لِأُمُورٍ قَطْعِيَّةٍ شَأْنُهَا أَنْ تُسَهِّلَ عَلَى اُلْمَلاَحِدَةِ طَرِيقَ إِبْطَالِ اُلشَّرْعِ، كَحِسَابِ اُلْكُسُوفِ. وَمُخَالَفَةُ اُلْفَلاَسِفَةِ لِأَصْحَابِ اُلْمِلَّةِ وَاُلدِّينِ ذَاتُ وَجْهَيْنِ : اُلْوَجْهُ اُلأَوَّلُ، اِدِّعَاؤُهُمْ أَنَّ اُلأُمُورَ الإِلاَهِيَّةَ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهَا بِاُلْعَقْلِ وَحْدَهُ، بَلْ إِنَّ اُلْيَقِينَ فِيهَا غَيْرُ حَاصِلٍ إِلاَّ بِاُلطَّرِيقِ اُلْبُرْهَانِيِّ اُلْمُسْتَغْنِي إِطْلاَقًا عَنْ كُلِّ سَنَدٍ نَقْلِيٍّ. وَاُلْوَجْهُ اُلثَّانِي، إِثْبَاتُهُمْ لِأَشْيَاءَ هِيَ مُنَافِيَةٌ لِكَثِيرٍ مِنْ قَطْعِيَّاتِ اُلشَّرْعِ، كَقَوْلِهِمْ بِقِدَمِ اُلْعَالَمِ، وَإِنْكَارِ اُلْحَشْرِ اُلْجِسْمَانِيِّ، إِلَى غَيْرِهِمَا. لِذَلِكَ فَإِنَّ الإمام الغزالي فِي رُدُودِهِ عَلَيْهِمْ مَا كَانَتْ هِمَّتُهُ أَنْ يُثْبِتَ هَذِهِ اُلْقَطِعِيَّاتِ بِأَدِلَّةٍ تَامَّةٍ خَالِيَةٍ مِنْ كُلِّ شَكٍّ، أَوْ أَنْ يَحُلَّ كُلَّ شُكُوكِ اُلْفَلاَسِفَةِ. بَلْ سَعْيُهُ قَدْ كَانَ فِي أَمْرَيْنِ : الأَمْرُ الأَوَّلُ، إِنْ كَانَ حُكْمُ اُلْفَلاَسِفَةِ هُوَ مُخَالِفًا مُخَالَفَةً صَرِيحَةً لِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِ اُلدِّينِ، كَأَزَلِيَّةِ اُلْعَالَمِ، أَوْ نَفْيِ اُلصِّفَاتِ، طَلَبَ إِبْطَالَ اُلدَّلِيلِ، وَإِبْطَالَ اُلْمَذْهَبِ. وَهْوَ بِذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ قَدْ بَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ اِنْفِرَادَ اُلْعَقْلِ عَنِ اُلنَّقْلِ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ آخِذٌ إِلَى اُلضَّلاَلِ لاَ مَحَالَةَ، وَهْوَ حِينَ يُسَمِّي اُلْمَسْأَلَةَ “فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِهِمْ”. وَالأَمْرُ اُلثَّانِي، إِنْ كَانَ حُكْمُ اُلْفَلاَسِفَةِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِأَصْلٍ شَرْعِيٍّ صَرِيحٍ، طَلَبَ حِينَئِذٍ فَقَطْ إِبْطَالَ اُلدَّلِيلِ، أَوْلِنَقُلْ إِظْهَارَ خَلَلِ اُلدَّلِيلِ، لَيْسَ لِإِبْطَالِ اُلْمَذْهَبِ، لِأَنَّ اُلْمَذْهَبَ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ اُلشَّرْعِ، بَلْ لِبَيَانِ أَنَّ تِلْكَ اُلأَشْيَاءَ إِنَّمَا يُوصَلُ إِلَيْهَا بِطَرِيقِ اُلشَّرْعِ فَقَطْ، وَأَنَّ اُلْعَقْلَ اُلْمُجَرَّدَ هُوَ قَاصِرٌ عَنْهَا فِي كُلِّ اُلأَحْوَالِ، وَهْوَ حِينَ يُسَمِّي اُلْمَسْأَلَةَ “فِي تَعْجِيزِهِمْ عَنِ اُلْقَوْلِ”، أَيْ أَنَّ اُلْقَوْلَ صَحِيحٌ، لَكِنْ هُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِهِ، لِأَنَّ اُلأَدَاةَ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ. 

   أَمَّا رُدُودُ الإمام الغزالي بِعَيْنِهَا فِي هَذَا اُلْكِتَابِ، فَقَدِ اِشْتَمَلَتْ عَلَى عِشْرِينَ مَسْأَلَةً، وَاُلْمَسْأَلَةُ اُلأُولَى هِيَ هَذِهِ “إِبْطَالُ مَذْهَبِهِمْ فِي أَزَلِيَّةِ اُلْعَالَمِ.” وَقَدْ جَاءَ لَهُمْ فِيهَا بِأَرْبَعَةِ أَدِلَّةٍ عَلَى قِدَمِهِ وَاِمْتِنَاعِ حُدُوثِهِ. وَنَحْنُ كُنَّا مُنْذَ عَشْرِ سِنِينَ قَدْ شَرَحْنَا اُلدَّلِيلَ اُلأَوَّلَ، وَفِي هَذَا اُلشَّرْحِ إِنَّمَا نَأْتِي عَلَى اُلدَّلِيلِ اُلثَّانِي ذِي اُلصِّيغَتَيْنِ. وَبِهِ اُلْقُوَّةُ.



اُلصِّيغَةُ الأُولَى لِلدَّلِيلِ اُلثَّانِي

-I قَالَ الإمام الغزالي “زَعَمُوا أَنَّ اُلْقَائِلَ بِأَنَّ اُلْعَالَمَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ اللهِ وَاللهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ لَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ بِاُلذَّاتِ لاَ بِاُلزَّمَانِ كَتَقَدُّمِ اُلْوَاحِدِ عَلَى الاثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ بِاُلطَّبْعِ1، مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي اُلْوُجُودِ اُلزَّمَانِيِّ2، وَكَتَقَدُّمِ اُلْعِلَّةِ عَلَى اُلْمَعْلُولِ3، مِثْلَ تَقَدُّمِ حَرَكَةِ اُلشَّخْصِ عَلَى حَرَكَةِ اُلظِلِّ اُلتَّابِعِ لَهُ، وَكَحَرَكَةِ اُلْيَدِ مَعَ حَرَكَةِ اُلْخَاتَمِ، وَحَرَكَةِ اُلْيَدِ فِي اُلْمَاءِ مَعَ حَرَكَةِ اُلْمَاءِ4، فَإِنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي اُلزَّمَانِ، وَبَعْضُهَا عِلَّةٌ وَبَعْضُهَا مَعْلُولٌ إِذْ يُقَالُ تَحَرَّكَ اُلظِلُّ لِحَرَكَةِ اُلشَّخْصِ، وَتَحَرَّكَ اُلْمَاءُ لِحَرَكَةِ اُلْيَدِ فِي اُلْمَاءِ، وَلاَ يُقَالُ تَحَرَّكَ اُلشَّخْصُ لِحَرَكَةِ اُلظِلِّ، وَتَحَرَّكَتِ اُلْيَدُ لِحَرَكَةِ اُلْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً5.

   فَإِنْ أُرِيدَ بِتَقَدُّمِ اُلْبَارِئِ عَلَى اُلْعَالَمِ هَذَا6 لَزِمَ أَنْ يَكُونَا حَادِثَيْنِ أَوْ قَدِيمَيْنِ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدِيمًا وَالآخَرُ حَادِثًا7، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ اُلْبَارِئَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى اُلْعَالَمِ وَاُلزَّمَانِ لاَ بِاُلذَّاتِ بَلْ بِاُلزَّمَانِ8، فَإِذَنْ قَبْلَ وُجُودِ اُلْعَالَمِ وَاُلزَّمَانِ زَمَانٌ9 كَانَ اُلْعَالَمُ فِيهِ مَعْدُومًا إِذْ كَانَ اُلْعَدَمُ سَابِقًا عَلَى اُلْوُجُودِ10، وَكَانَ اللهُ سَابِقًا بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ لَهَا طَرَفٌ مِنْ جِهَةِ الآخِرِ وَلاَ طَرَفَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الأَوَّلِ11. فَإِذَنْ قَبْلَ اُلزَّمَانِ زَمَانٌ لاَ نِهَايَةَ لَهُ، وَهْوَ مُتَنَاقِضٌ12. وَلِأَجْلِهِ يَسْتَحِيلُ اُلْقَوْلُ بِحُدُوثِ اُلزَّمَانِ13 وَإِذَا وَجَبَ قِدَمُ اُلزَّمَانِ، وَهْوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرِ اُلْحَرَكَةِ، وَجَبَ قِدَمُ اُلْحَرَكَةِ وَوَجَبَ قِدَمُ اُلْمُتَحَرِّكِ الَّذِي يَدُومُ اُلزَّمَانُ بِدَوَامِ حَرَكَتِهِ14.”  

شَرْحٌ -I-

1) [زعموا… فَإِنَّهُ بِاُلطَّبْعِ]، لَيْسَ يَخْلُو اُلْقَوْلُ بِتَأَخُّرِ اُلْعَالَمِ عَنِ الله، وَتَقَدُّمِ الله عَلَيْهِ، مِنْ أَحَدِ اُلْوَجْهَيْنِ، إِمَّا اُلتَّقَدُّمُ بِاُلذَّاتِ، أَوِ اُلتَّقَدُّمُ بِاُلزَّمَانِ. وَاُلْغَزَالِيُّ يَذْكُرُ أَوَّلاً مَعْنَى اُلتَّقَدُّمِ بِاُلذَّاتِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ عَلَى لِسَانِ اُلفَلاَسِفَةِ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى نَقِيضِ مَقْصُودِ مُثْبِتِيِّ اُلْحُدُوثِ. إِذِ اُلتَّقُدُّمُ وَاُلتَّأُخُّرُ هُمَا مَعْنَيَانِ مُتَضَايِفَانِ، أَعْنِي أَنَّ مَفْهُومَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنَّمَا يُقَالُ بِاُلْقِيَاسِ إِلَى الآخَرِ، فَاُلْْمُتَقَدِّمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مُتَأَخِّرٍ، وَاُلْمُتَأَخِّرُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ مُتَقَدِّمٍ. لِذَلِكَ فَالأَنْحَاءُ الَّتِي يُقَالُ بِهَا أَحَدُهُمَا هِيَ عَلَى عَدَدِ أَنْحَاءِ الآخَرِ. وَأَرُسْطُو فِي كِتَابِ “اُلْمَقُولاَتُ” كَانَ قَدْ أَحْصَى أَصْنَافًا خَمْسَةً مِنَ اُلْمُتَقَدِّمِ: اُلْمُتَقَدِّمُ بِاُلزَّمَانِ، وَهُوَ مَا زَمَانُهُ أَطْوَلُ مِنْ زَمَانِ اُلْمُتَأَخِّرِ بِاُلْقِيَاسِ إِلَى الآنِ اُلْحَاضِرِ، كَمُوسَى هُوَ قَبْلَ عِيسَى. وَاُلْمُتَقَدِّمُ بِاُلْمَرْتَبَةِ، وَهُوَ اُلشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ مَبْدَأً لِشَيْءٍ آخَرَ، أَوْ يَكُونُ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى اُلْمَبْدَأِ، مِثَالُ ذَلِكَ، اُلْحُدُودُ وَالأُصُولُ اُلْمَوْضُوعَةُ فِي عِلْمِ اُلْهَنْدَسَةِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ اُلْمَبْدَأِ لِسَائِرِ مَطَالِبِ هَذَا اُلْعِلْمِ، إِذَنْ فَهْيَ قَبْلُ، أَمَّا اُلشَّكْلُ اُلْمُلَقَّبُ بِاُلْحِمَارِيِّ، مَثَلاً، فَهُوَ قَبْلَ اُلْمُلَقَّبِ بِاُلْعَرُوسِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى مَرْتَبَةِ اُلْمَبْدَأِ، إِذِ الأَوَّلُ مَنْزِلَتُهُ اُلْعِشْرُونَ، وَالثَّانِي، اُلسَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ. وَنَحْوٌ ثَالِثٌ وَهُوَ اُلتَّقَدُّمُ بِاُلشَّرَفِ وَالاِعْتِبَارِ، كَتَقَدُّمِ قُرَيْشٍ عَلَى سَائِرِ اُلْعَرَبِ. ثُمَّ نَحْوَانِ آخَرَانِ مِمَّا لَهُمَا دُخُولٌ وَاضِحٌ فِي هَذَا اُلنَّظَرِ، وَفِي كَثِيرٍ غَيْرِهِ مِنْ مَبَاحِثِ اُلْفَلْسَفَةِ، أَوَّلُهُمَا اُلتَّقَدُّمُ بِاُلطَّبْعِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ أَرُسْطُو بِقَوْلِهِ “مَا لاَ يَرْجِعُ بِاُلتَّكَافُئِ فِي لُزُومِ اُلْوُجُودِ” وَجَعَلَ عَلَيْهِ مِثَالاً، اُلْوَاحِدَ بِاُلْقِيَاسِ إِلَى الاِثْنَيْنِ، أَيْ أَنَّ اُلْوَاحِدَ هُوَ قَبْلَ الاِثْنَيْنِ بِاُلطَّبْعِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ لَزِمَ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ ثَانٍ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ أَوَّلٌ مَوْجُودًا، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ اُلشَّيْءِ الأَوَّلِ وُجُودُ اُلثَّانِي، كَانَ الأَوَّلُ مُتَقَدِّمًا، وَاُلثَّانِي مُتَأَخِّرًا. وَلاَ تَفْهَمْ مِنْ لُزُومِ وُجُودِ الأَوَّلِ مِنَ اُلثَّانِي أَنَّ اُلثَّانِيَ هُوَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِوُجُودِ الأَوَّلِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ اُلثَّانِي إِذْ هُوَ مَوْجُودٌ، فَلاَ مَحَالَةَ فَإِنَّ الأَوَّلَ هُوَ أَيْضًا مَوْجُودٌ. وَلَيْسَ إِنْ كَانَ الأَوَّلُ مَوْجُودًا، فَلاَ مَحَالَةَ فَإِنَّ اُلثَّانِي مَوْجُودٌ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى “مَا لاَ يَرْجِعُ بِاُلتَّكَافُئِ”. وَيُفْهَمُ ذَاكَ مِنْ اُلْمِثَالِ، فَإِنَّ الاِثْنَيْنِ مَتَى وُجِدَ، فَقَدْ وُجِدَ اُلْوَاحِدُ ضَرُورَةً، لَكِنْ لاَ عَلَى أَنَّ الاِثْنَيْنِ عِلَّةُ اُلْوَاحِدِ، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ ثُبُوتَهُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ اُلْوَاحِدِ. وَاُلْعَكْسُ غَيْرُ وَاجِبٍ، أَيْ لَيْسَ إِثْبَاتُ اُلْوَاحِدِ يُوجِبُ إِثْبَاتَ الاِثْنَيْنِ لاَ مَحَالَةَ، بَلْ قَدْ يُوجَدُ اُلْوَاحِدُ وَلاَ يَكُونُ الاِثْنَانِ أَلْبَتَّةَ. لِذَلِكَ قِيلَ إِنَّ اُلْوَاحِدَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الاِثْنَيْنِ. أَمَّا اُلثَّانِي مِنْ نَحْوَيِ اُلْمُتَقَدِّمِ اُلْمَذْكُورَيْنِ، فَاُلْمُتَقَدِّمُ بِاُلسَّبَبِيَّةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ مُتَقَدِّمٌ بِاُلطَّبْعِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ أَرُسْطُو بِقَوْلِهِ “فَإِنَّ اُلسَّبَبَ مِنَ اُلشَّيْئَيْنِ اُللَّذَيْنِ يَرْجِعَانِ بِاُلتَّكَافُئِ فيِ لُزُومِ اُلْوُجُودِ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَ سَبَبًا لِوُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ، فَبِاُلْوَاجِبِ يُقَالُ إِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ بِاُلطَّبْعِ”، إِذْ قَدْ يَكُونُ شَيْئَانِ يَتَكَافَآنِ فِي لُزُومِ اُلْوُجُودِ، أَعْنِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا لاَزِمًا مِنْ وُجُودِ الآخَرِ، وَالآخَرُ أَيْضًا لاَزِمًا مِنْ وُجُودِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَدْ يَعْرِضُ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ، فَإِمَّا أَلاَّ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَبَبًا لِلآخَرِ، مِثَالُ ذَلِكَ فِي اُلضِّعْفِ وَاُلنِّصْفِ، إِذِ اُلضِّعْفُ لاَزِمٌ مِنَ اُلنِّصْفِ، وَاُلنِّصْفُ لاَزِمٌ مِنَ اُلضِّعْفِ، وَلاَ وَاحِدَ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلآخَرِ، فَإِذَنْ يُقَالُ هُمَا مَعًا بِاُلطَّبْعِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِلآخَرِ، وَهَذَا هُوَ اُلْمُتَقَدِّمُ بِاُلسَّبَبِيَّةِ. وَأَرُسْطُو يَأْخُذُ عَلَى ذَلِكَ مِثَالاً وَهْوَ الإِنْسَانُ اُلْمَوْجُودُ، وَاُلْقَوْلُ اُلصَّادِقُ “الإِنْسَانُ مَوْجُودٌ”. إِذْ أَنَّ وُجُودَ الإِنْسَانِ فِي الأَعْيَانِ لاَزِمٌ عَنْ صِدْقِ اُلْقَوْلِ “الإِنْسَانُ مَوْجُودٌ”، أَيْ أَنَّ صِدْقَ هَذَا اُلْقَوْلِ يَلْزَمُهُ لاَ مَحَالَةَ عَلَى جِهَةِ الدَّلاَلَةِ وُجُودُ الإِنْسَانِ فِي الأَعْيَانِ. لَكِنَّ صِدْقَ اُلْقَوْلِ “الإِنْسَانُ مَوْجُودٌ” إِنَّمَا هُوَ لاَزِمٌ عَنْ وُجُودِهِ فِي الأَعْيَانِ، لاَ عَلَى جِهَةِ اُلدَّلاَلَةِ، بَلْ عَلَى جِهَةِ اُلْوُجُوبِ وَاُلْعِلِّيَةِ، أَيْ أَنَّ عِلَّةَ اُلصِّدْقِ قَدْ كَانَتِ اُلْوُجُودَ. لِذَلِكَ فَإِنَّ اُلسَّبَبَ فِي أَحَدِ اُلْمُتَكَافِئَيْنِ هُوَ اُلْمُتَقَدِّمُ بِاُلسَّبَبِيَّةِ. تِلْكُمُ إِذَنْ هِيَ أَنْوَاعُ اُلتَّقَدُّمِ اُلْخَمْسَةُ اُلْمَذْكُورَةُ فِي كِتَابِ “اُلْمَقُولاَتُ”.

2) [مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ … اُلزَّمَانِيِّ ]، يُرِيدُ أَنَّ اُلْمُتَقَدِّمَ بِاُلطَّبْعِ عَلَى قَرِينِهِ قَدْ يَكُونُ أَيْضًا مَعَهُ بِاُلزَّمَانِ، لِأَنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي بَيْنَهَا تَقَدُّمٌ وَتَأَخُّرٌ بِاُلطَّبْعِ إِنْ كَانَتْ لاَ زَمَنِيَّةً، فَلاَ يُمْكِنُ أَصْلاً أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ اُلنِّسْبَةِ اُلزَّمَانِيَّةِ، كَاُلْمِثَالِ اُلْمَذْكُورِ آنِفًا فِي اُلْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ زَمَانِيَّةً، فَجَازَتْ لَهُمَا إِذَنِ اُلنِّسْبَةُ اُلزَّمَانِيَّةُ، كَاُلْمَعِيَّةِ، مَعَ نِسْبَةِ اُلتَّقَدُّمِ بِاُلطَّبْعِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نَوْعِ اُلتَّقَدُّمِ بِاُلْعِلِّيَةِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ الآنَ. إِذْ يُقَالُ أَيْضًا عَلَى اُلْمُتَقَدِّمِ بِاُلْعِلَّيَةِ مُتَقَدِّمٌ بِاُلطَّبْعِ وَبِاُلذَّاتِ.   

3) [وكتقدّم العلّة على المعلول]، يُرِيدُ أَنَّ اُلْمُتَقَدِّمَ بِاُلْعِلِّيَةِ هُوَ مُتَقَدِّمٌ بِاُلذَّاتِ وَلَيْسَ بِاُلزَّمَانِ. إِذَنْ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الإِحْدَاثِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ اُلْمُحْدِثِ وَاُلْحَادِثِ زَمَانٌ، إِذْ هُمْ قَدْ شَرَطُوا، أَعْنِي اُلْمُتَكَلِّمِينَ فِي حُدُوثِ اُلْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِاُلْعَدَمِ سَبْقًا زَمَانِيًّا، فَوَجَبَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اُلْمُحْدِثُ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ بِاُلزَّمَانِ. فَإِذْ لَمْ يَجِبْ هَذَا اُلشَّرْطُ، لَمْ يَلْزَمْ إِذَنْ مِنَ اُلْقَوْلِ بِقِدَمِ اُلْعَالَمِ، وَهْوَ رَفْعُ التَّأَخُّرِ اُلزَّمَانِيِّ عَنْهُ، بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُولٍ أَصْلاً وَلَيْسَ بِمُحْدَثٍ. 

4) [مِثْلَ تَقَدُّمِ حَرَكَةِ… مَعَ حَرَكَةِ اُلْمَاءِ]، إِنَّهَا أَمْثِلَةٌ مَشْهُورَةٌ لِبَيَانِ أَنَّ نِسْبَةَ اُلْمَعْلُولِيَّةِ مُتَنَزِّهَةٌ عَنْ مَعْنَى اُلزَّمَانِيَّةِ، إِذْ لَوْ كَانَ اُلتَّقَدُّمُ بِاُلزَّمَانِ شَرْطًا فِي أَنْ يَكُونَ اُلشَّيْءُ مُحْدِثًا لِشَيْءٍ، لَكَانَ مُمْتَنِعًا، حَيْثُ غَابَ هَذَا اُلشَّرْطُ، وَتَسَاوَى الشَّيْئَانِ فِي اُلزَّمَانِ، أَيْ كاَنَا فِيهِ مَعًا، أَنْ يُمَيِّزَ اُلذِّهْنُ اُلعِلَّةَ مِنَ اُلْمَعْلُولِ. فَحَرَكَةُ اُلشَّخْصِ وَحَرَكَةُ ظِلِّهِ هُمَا مَعًا، وَحَرَكَةُ اُلْيَدِ وَحَرَكَةُ اُلْخَاتَمِ، وَحَرَكَةُ اُلْيَدِ فِي اُلْمَاءِ وَحَرَكَةُ اُلْمَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَاُلذِّهْنُ حَاكِمٌ بِأَنَّ حَرَكَةَ اُلشَّخْصِ إِنَّمَا هِيَ عِلَّةٌ لِحَرَكَةِ اُلظِلِّ لاَ اُلْعَكْسُ، وَالأَمْرُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الأَمْثِلَةِ. فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ اُلتَّقَدُّمَ بِاُلْعِلِّيَةِ لاَ يَقْتَضِي أَلْبَتَّةَ اُلتَّقُدَّمَ بِاُلزَّمَانِيَّةِ. وَهَذِهِ الأَمْثِلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كِتَابِ “اُلْمَقُولاَتُ” لاِبْنِ سِينَا، فَصْلُ التَّقَدُّمِ وَاُلتَّأَخُّرِ، وَمِنْ “إِلاَهِيَّاتُ اُلشِّفَاءِ”.

5) [وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً]، أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مَعًا فِي اُلزَّمَانِ.

6) [فَإِنْ أُرِيدَ…هذا]، هُنَا يَبْدَأُ إِلْزَامُ اُلْفَلاَسِفَةِ لِلْمُخَالِفِينَ عَلَى اُلْمَعْنَى الأَوَّلِ فِي اُلتَّقَدُّمِ. فَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا اُلْمُتَكَلِّمَةُ تُقِرُّونَ بِأَنَّ اُلْبَارِئَ تَعَالَى مُتَقَدِّمٌ عَلَى اُلْعَالَمِ بِاُلْعِلِّيَةِ فَقَطْ، وَإِذْ أَنَّ اُلشَّيْءَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِلَّةٌ فَمَعَ مَعْلُولِهِ ضَرُورَةً مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْلُولٌ، فَلاَ مَحَالَةَ اُلْبَارِئُ هُوَ مَعَ اُلْعَالَمِ وَاُلْعَالَمُ هُوَ مَعَ اُلْبَارِئِ. وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ اُلشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَاتِهِ تَقَدُّمٌ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بِاُلزَّمَانِ مَثَلاً، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ لَهُ عِلَّةً، صَارَ الاِثْنَانِ مَعًا بِاُلزَّمَانِ. لِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَعِيَّتُهُمَا بِاُلزَّمَانِ مِنْ جِهَةِ اُلْعِلِّيَةِ وَاُلْمَعْلُولِيَّةِ بِمَانِعَةٍ أَصْلاً لِأَنْ يَكُونَ لِلثَّانِي تَأَخُّرٌ آخَرُ عَلَى الأَوَّلِ غَيْرُ التَّأَخُّرِ بِاُلْعِلِّيَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ اُلنَّارَ هِيَ مُتَقَدِّمَةٌ بِاُلزَّمَانِ عَلَى اِشْتِعَالِ اُلْقُطْنِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي آنِ مَا يَصِيرُ اُلْقُطْنُ مُشْتَعِلاً حَقًّا، أَيْ فِي آنِ مَا تَصِيرُ فِيهِ اُلنَّارُ عِلَّةً بِاُلْفِعْلِ لاِشْتِعَالِ اُلْقُطْنِ اُلْمَعْلُولِ، فَالاِثْنَانِ حِينَئِذٍ يَكُونَانِ مَعًا بِاُلزَّمَانِ قَطْعًا. وَالأَمْثِلَةُ اُلْمَأْخُوذَةُ أَوَّلاً إِنَّمَا تُفِيدُ هَذَا اُلْحَصْرَ فِي اُلتَّقَدُّمِ بِاُلْعِلِّيَةِ فَقَطْ، إِذْ أَنَّ حَرَكَةَ اُلْيَدِ مَثَلاً، لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَلْبَتَّةَ وُجُودٌ مُتَقَدِّمٌ بِاُلزَّمَانِ عَلَى حَرَكَةِ اُلْمِفْتَاحِ زَائِدًا عَلَى اُلْعِلِّيَةِ بِعَيْنِهَا، بَلْ نَفْسُ وُجُودِ ذَاتِهَا هو وُجُودُهَا عِلَّةً لِحَرَكَةِ اُلْمِفْتَاحِ.         

7) [لَزِمَ… وَالآخَرُ حَادِثًا]، اُلْحَادِثُ فِي عُرْفِ اُلْمُتَكَلِّمِينَ هُوَ مَا وُجُودُهُ مَسْبُوقٌ بِعَدَمٍ، وَاُلْقِدِيمُ مَا وُجُودُهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِعَدَمٍ. فَيَلْزَمُ أَنَّ اُلْحَادِثَ لَهُ آنٌ فِي وُجُودِهِ، كُلُّ الأَوْقَاتِ اُلْمَفْرُوضَةِ قَبْلَ ذَلِكَ الآنِ مُصَاحِبٌ لَهَا بِاُلْعَدَمِ. أَمَّا اُلْقَدِيمُ فَكُلُّ وَقْتٍ يُفْرَضُ وَكُلُّ وَقْتٍ آخَرَ قَبْلَهُ إِلَى غَيْرِ أَوَّلٍ مَفْرُوضٍ، فَإِنَّ اُلْقَدِيمَ مُصَاحِبٌ لَهَا بِاُلْوُجُودِ. إِذَنْ فَلَوْ كَانَ اُلْبَارِئُ مُتَقَدِّمًا عَلَى اُلْعَالَمِ بِاُلْعِلِّيَةِ فَقَطَ، وَنِسْبَةُ اُلْعِلِّيَةِ تُوجِبُ اُلْمَعِيَّةَ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِمَّا وَقْتُ اُلْحَادِثِ مَعَ وَقْتِ اُلْقَدِيمِ، وَاُلْقَدِيمُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ كَانَ فِيهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ، فَاُسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ اُلْحَادِثُ حَادِثًا، بَلْ قَدِيمٌ. هَذَا خَلْفٌ. وَإِمَّا أَنْ يُصَاحِبَ اُلْقَدِيمُ اُلْحَادِثَ، فَاُسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ اُلْقَدِيمُ قَدِيمًا، بَلْ حَادِثٌ. هَذَا خَلْفٌ.         

8) [وَإِنْ أُرِيدَ… بَلْ بِاُلزَّمَانِ]، هُنَا يَبْدَأُ إِلْزَامُ اُلْفَلاَسِفَةِ لِلْمُخَالِفِينَ عَلَى اُلْمَعْنَى اُلثَّانِي مِنَ اُلتَّقَدُّمِ. فَاُعْلَمْ أَنَّ اُلْمُتَكَلِّمِينَ إِنَّمَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اُلْعَالَمَ حَادِثٌ فِي زَمَانٍ، وَأَنَّ اُلْقَدِيمَ لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ زَمَانِيٌّ، وَأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى اُلْعَالَمِ بِأَوْقَاتٍ لاَمُتَنَاهِيَةٍ. لَكِنَّ اُلزَّمَانَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَا يَرَاهُ اُلْحُكَمَاءُ بَتَاتًا، لاَسِيَّمَا مِنْهُمْ الَّذِينَ يَذْهَبُونُ فِيهِ مَذْهَبَ أَرُسْطُو، كَـ ابْنِ سِينَا. إِذِ اُلْمَشْهُورُ عِنْدَ اُلْمَشَّائِيينَ أَنَّ اُلزَّمَانَ هُوَ مِقْدَارُ حَرَكَةِ اُلْفَلَكِ الأَقْصَى بِحَسَبِ اُلْمُتَقَدِّمِ وَاُلْمُتَأَخِّرِ. قَالَ أَرُسْطُو: “فَعَلَى هَذَا اُلْقِيَاسِ إِذَنْ اُلزَّمَانُ هُوَ عَدَدُ اُلْحَرَكَةِ مِنْ قِبَلِ اُلْمُتَقَدِّمِ وَاُلْمُتَأَخِّرِ”السَّمَّاعُ اُلطَّبِيعِيُّ”، اُلْمَقَالَةُ اُلرَّابِعَةُ، 219 ب. وَلِأَنَّ اُلزَّمَانَ قَدِيمٌ، أَعْنِي لاَ أَوَّلَ لَهُ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ اُلْحَرَكَةُ قَدِيمَةً، أَيْ لَيْسَتْ هُنَاكَ حَرَكَةٌ إِلاَّ وَقَبْلَهَا حَرَكَةٌ، إِذًا فَاُلْفَلَكُ قَدِيمٌ. لِذَلِكَ فَإِنَّ اُلْحُكَمَاءَ لَمَّا أَوْجَبَتْ أَنْ لاَ أَوَّلَ لِلزَّمَانِ، لَزِمَهَا لاَمَحَالَةَ أَنْ تُوجِبَ أَنَ لاَ مَبْدَأَ لِلْعَالَمِ. أَمَّا اُلْمُتَكَلِّمُونَ فَوَصْفُهُمْ لِلْقِدَمِ وَاُلْحُدُوثِ وَصْفٌ زَمَانِيٌّ، فَقَالُو اُلْحَادِثُ مَا لَهُ أَوَّلٌ فِي اُلزَّمَانِ، وَاُلْقَدِيمُ مَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ، فَهَذَا فِي ظَاهِرِهِ قَدْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ اُلْعَالَمُ أَيْضًا قَدِيمًا، لِأَنَّ اُلزَّمَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ قَدِيمًا. لِذَلِكَ فَهُمْ لِيُثْبِتُوا اُلْوَصْفَ وَيَمْنَعُوا اُللُّزُومَ، ذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إِلَى إِنْكَارِ وُجُودِ اُلزَّمَانِ أَصْلاً. اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ “اُلْمَوَاقِفُ” لِعبد الرّحمان بن أحمد الإيجياُلْمُتَوَفَّى سَنَةَ 756 هِجْرِيَّةً، اُلْمَقْصِدَ اُلسَّابِعَ، وَشَرْحَهُ للسيّد الشّريف علي بن محمّد الجرجانيّ اُلْمُتَوَفَّى سَنَةَ 816 هِجْرِيَّةً.

9) [فَإِذَنْ… زَمَانٌ]، هَذَا إِلْزَامٌ بِحَسَبِ اُلْقِسْمَةِ اُلْجَدَلِيَّةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِحَسَبِ قَوْلِ اُلْمُخَالِفِ، لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اُلْمُتَكَلِّمَةَ اُلْمُثْبِتَةَ لِلْحُدُوثِ اُلزَّمَانِيِّ مُنْكِرَةٌ أَيْضًا لِلزَّمَانِ، إِذَنْ فَلاَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا هَذَا الإِلْزَامُ. فَاُلزَّمَانُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِعَارِضٍ لِحَرَكَةٍ مَوْجُودَةٍ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَوْقَاتٍ مُتَوَهَّمَةٍ، وَمَقَادِيرٍ مُقَدَّرَةٍ فِي اُلذِّهْنِ، أَمَّا فِي اُلْخَارِجِ فَاُلْمَوْجُودُ إِمَّا مَعِيَّةٌ، أَوْ تَرَاخِي مُجَرَّدٌ، قَدْ نَتَوَهَّمُ لَهُ بِاُلذِّهْنِ أَوْقَاتًا. وَهَذَا مَا سَيَكُونُ أَيْضًا مَفْهُومًا مِنِ اِعْتِرَاضِ الإمام الغزالي. لِذَلِكَ تَجِدُهُمْ فِي كَلاَمِهِمْ عَنِ اُلْحُدُوثِ وَاُلْقِدَمِ، وَتَقَدُّمِ اُلثَّانِي عَلَى الأَوَّلِ، أَكْثَرَ اِسْتِعْمَالِهِمْ إِنَّمَا لِلَفْظَةِ “وَقْتٌ، وَأَوْقَاتٌ”، وَلاَ يَتَّخِذُونَ إِلاَّ قَلِيلاً لَفْظَةَ “اُلزَّمَانُ” اُلْفَاشِيَةَ فِي عِبَارَةِ اُلْفَلاَسِفَةِ، وَالَّتِي يَلْزَمُهَا عِنْدَهُمْ ضَرُورَةُ اُلْقَوْلِ بِقِدَمِ اُلْعَالَمِ لِقِدَمِ اُلزَّمَانِ.       

10) [كَانَ اُلْعَالَمُ… عَلَى اُلْوُجُودِ]، كُلُّ مَا سِوَى الله فَهُوَ اُلْعَالَمُ، وَاُلزَّمَانُ سِوَى الله، فَهُوَ مِنَ اُلْعَالَمِ. وَاُلْعَالَمُ حَادِثٌ، فَاُلزَّمَانُ حَادِثٌ. وَاُلْحُدُوثُ عَلَى قَوْلِ اُلْمُخَالِفِ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْصُوفِ بِهِ وُجُودٌ أَوَّلٌ، أَيْ هُوَ لَهُ وَقْتُ وُجُودٍ، كُلُّ وَقْتٍ آخَرَ قَبْلَهُ، وَكُلُّ وَقْتٍ آخَرَ قَبْلَ ذَلِكَ اُلْقَبْلِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ كَانَ فِيهِ مَعْدُومًا. إِذَنْ فَاُلْعَدَمُ اُلسَّابِقُ عَلَى وُجُودِ اُلْحَادِثِ إِنَّمَا هُوَ عَدَمٌ أَزَلِيٌّ لاَ أَوَّلَ لَهُ.

11) [وَكَانَ اللهُ سَابِقًا… مِنْ جِهَةِ الأَوَّلِ]، يُرِيدُ أَنَّ اُلْعَدَمَ اُلسَّابِقَ عَلَى اُلْعَالَمِ اُلْحَادِثِ لاَ أَوَّلَ لَهُ فِي اُلزَّمَانِ، أَيْ لَيْسَ هُوَ عَدَمًا مَسْبُوقًا بِوُجُودٍ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ “لاَ طَرَفَ لَهَا مِنْ جِهَةِ اُلأَوَّلِ”، فَمُدَّةُ اُلْعَدَمِ لَيْسَ لَهَا أَوَّلٌ فِي اُلزَّمَانِ. وَ”لَهَا طَرَفٌ مِنْ جِهَةِ الآخِرِ”، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَهَا حَدٌّ مِنْ جِهَةِ اُلنِّهَايَةِ بِحُدُوثِ اُلْعَالَمِ، وَدُخُولِهِ فِي اُلْوُجُودِ، إِذِ اُلْوُجُودُ إِنَّمَا هُوَ إِبْطَالٌ لِلْعَدَمِ.

12) [فَإِذَنْ قَبْلَ… وَهْوَ مُتَنَاقِضٌ]، وَهَذَا هُوَ إِلْزَامُ اُلْفَيْلَسُوفِ لِلْمُخَالِفِ. وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ اُلزَّمَانَ هُوَ مِنَ اُلْعَالَمِ، وَ إِثْبَاتُكُمْ لِلْعَالَمِ أَنَّهُ حَادِثٌ، فَاُلزَّمَانُ حَادِثٌ. لَكِنَّ اُلْحَادِثَ عِنْدَكُمْ هُوَ مَا تَقَدَّمَ اُلْقَدِيمُ عَلَى وُجُودِهِ زَمَانًا لاَنِهَايَةَ لَهُ فِي الأَوَّلِ. فَلَزِمَ ضَرُورَةً أَنَّ اُلزَّمَانَ مَعًا هُوَ قَدِيمٌ وَلَيْسَ بِقَدِيمٍ، وَهُوَ حَادِثٌ وَلَيْسَ بِحَادِثٍ. وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ اُلنَّقِيضَيْنِ كَمَا تَرَى.

13) [وَلِأَجْلِهِ يَسْتَحِيلُ اُلْقَوْلُ بِحُدُوثِ اُلزَّمَانِ]، يُرِيدُ أَنَّهُ لِأَجْلِ أَنَّ اُلْقَوْلَ بِحُدُوثِ اُلزَّمَانِ يَلْزَمُهُ مُحَالُ اُلْجَمْعِ بَيْنَ اُلنَّقِيضَيْنِ، وَهْوَ أَنَّهُ حَادِثٌ وَلَيْسَ بِحَادِثٍ، وَمَا لَزِمَ مِنَ اُلْمُحَالِ مُحَالٌ، كَانَ اُلْقَوْلُ بِحُدُوثِ اُلزَّمَانِ مُحَالاً. وَنَقِيضُ اُلْمُحَالِ وَاجِبٌ. إِذَنْ فَاُلزَّمَانُ قَدِيمٌ. وَاُلزَّمَانُ مِنَ اُلْعَالَمِ. إِذَنْ فَاُلْعَالَمُ قَدِيمٌ. وَاُعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اُلْحُجَّةَ فِي قِدَمِ اُلزَّمَانِ قَدِ اسْتَعْمَلَهَا أَرُسْطُو فِي كِتَابِ السَّمَّاعِ اُلطَّبِيعِيِّ، وَاُسْتَعْمَلَهَا أَيْضًا اِبْنُ سِينَا فِي سَمَّاعِ اُلشِّفَاءِ. وَتَحْرِيرُهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ اُلزَّمَانُ حَادِثًا، وَاُلْحَادِثُ مَا كَانَ لَهُ قَبْلُ قَدْ كَانَ فِيهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَبَعْدُ صَارَ فِيهِ مَوْجُودًا، إِذَنْ فَاُلْقَبْلُ وَاُلْبَعْدُ اللَّذَانِ ُيعْرَفُ بِهِمَا تَجَدُّدُ اُلزَّمَانِ اُلْحَادِثِ مِنْ حَالِ اُلْعَدَمِ اُلسَّابِقِ إِلَى حَالِ اُلْوُجُودِ اُللاَّحِقِ هُمَا مُتَقَدِّمَانَ لاَ مَحَالَةَ عَنِ اُلْمُتَقَدِّمِ وَاُلْمُتَأَخِّرِ اُلذَّاتِيَيْنِ الَّذَيْنِ هُمَا لِنَفْسِ اُلزَّمَانِ اُلْحَادِثِ. فَبَانَ إِذَنْ أَنَّ قَبْلَ كُلِّ زَمَانٍ زَمَانٌ إِلَى غَيْرِ أَوَّلٍ. فَاُلزَّمَانُ قَدِيمٌ قَطْعًا. اُنْظُرْ أَرُسْطُو “اُلسَّمَّاعُ اُلطَّبِيعِيُّ”، اُلْمَقَالَةَ اُلثَّامِنَةَ، 251ب، 10. وَابْنَ سِينَا، “اُلشِّفَاءُ، اُلسَّمَّاعُ اُلطَّبِيعِيُّ”، اُلْمَقَالَةَ اُلثَّالِثَةَ، اُلْفَصْلَ اُلْحَادِي عَشَرَ.

14) [وَإِذَا وَجَبَ… بِدَوَامِ حَرَكَتِهِ]، إِنَّ لُزُومَ قِدَمِ اُلْحَرَكَةِ مِنْ قِدَمِ اُلزَّمَانِ، وَمِنْ قِدَمِ اُلْحَرَكَةِ قِدَمِ اُلْمُتَحَرِّكِ، لِأَنَّ اُلْحَرَكَةَ عَرَضٌ لاَ يَقُومُ بِذَاتِهِ، إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ اُلزَّمَانَ وَجَعَلَهُ مِقْدَارَ اُلْحَرَكَةِ. لَكِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا بِأَنَّ اُلْمُتَكَلِّمِينَ هُمْ عَلَى غَيْرِ هَذَا اُلرَّأْيِ، لِذَلِكَ فَقَدْ لاَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الإِلْزَامُ، وَاِعْتِرَاضُ الإمام الغزالي مَبْنَاهُ عَلَى هَذَا اُلْمَعْنَى.

-II قَالَ الإمام الغزالي “الاِعْتِرَاضُ1 هُوَ أَنْ يُقَالَ اُلزَّمَانُ حَادِثٌ وَمَخْلُوقٌ وَلَيْسَ قَبْلَهُ زَمَانٌ أَصْلاً2، وَمَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّ اللهَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى اُلْعَالَمِ وَاُلزَّمَانِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ وَلاَ عَالَمَ، ثُمَّ كَانَ وَمَعَهُ عَالَمٌ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا كَانَ وَلاَ عَالَمَ وُجُودُ ذَاتِ اُلْبَارِئِ وَعَدَمُ ذَاتِ اُلْعَالَمِ فَقَطْ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا كَانَ وَمَعَهُ عَالَمٌ وُجُودُ اُلذَّاتَيْنِ فَقَطْ، فَنَعْنِي بِاُلتَقَدُّمِ اِنْفِرَادُهُ بِاُلْوُجُودِ فَقَطْ، وَاُلْعَالَمُ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ3، وَلَوْ قُلْنَا كَانَ اُللهُ وَلاَ عِيسَى مَثَلاً، ثُمَّ كَانَ وَعِيسَى مَعَهُ، لَمْ يَتَضَمَّنِ اُللَّفْظُ إِلاَّ وُجُودَ ذَاتٍ وَعَدَمَ ذَاتٍ، ثُمَّ وُجُودَ ذَاتَيْنِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ تَقْدِيرُ شَيْءٍ ثَالِثٍ، وَإِنْ كَانَ اُلْوَهْمُ لاَ يَسْكُتُ عَنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ ثَالِثٍ وَهْوَ اُلزَّمَانُ، فَلاَ اِلْتِفَاتِ إِلَى أَغَالِيطِ اُلأَوْهَامِ4.”

شَرْحٌ -II-

1) [الاِعْتِرَاضُ]، لَقَدْ بَانَ فِيمَا سَلَفَ أَنَّ اُلْفَلاَسِفَةَ قَدْ حَصَرَتْ أَصْحَابَ اُلْحُدُوثِ فِي خَصْلَتَيْنِ، فَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا بِاُلْمَعِيَّةِ بَيْنَ اُلْقَدِيمِ وَاُلْحَادِثِ، فَيَلْزَمُ مُحَالُ اُلْجَمْعِ بَيْنَ اُلنَّقِيضَيْنِ، أَعْنِي كَوْنَ اُلشَّيْءِ قَدِيمًا وَلَيْسَ بِقَدِيمٍ مَعًا، أَوْ حَادِثًا وَلَيْسَ بِحَادِثٍ. وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمُوا بِتَأَخُّرِ اُلْعَالَمِ عَنِ اُلْبَارِئِ تَعَالَى بِاُلزَّمَانِ، فَيَلْزَمُ قِدَمُ اُلزَّمَانِ، وَبِقِدَمِهِ إِنَّمَا يَلْزَمُ قِدَمُ اُلْحَرَكَةِ، وَقِدَمُ اُلْمُتَحَرِّكِ. أَمَّا اُلْخَصْلَةُ الأُولَى فَهْيَ مَلْغِيَّةٌ أَصْلاً وَغَيْرُ مَطْلُوبٍ تَصْحِيحُهَا، لِأَنَّ اُلذَّهَابَ إِلَيْهَا هُوَ مُسَاوٍ لِنَفْسِ اُلتَّصْرِيحِ بِاُلْمُحَالِ، وَلَيْسَ اُلْمُحَالُ فِيهَا هُوَ وَاجِبًا فَقَطْ عَلَى جِهَةِ اُللُّزُومِ. إِذَنْ فَقَدْ بَقِيتِ اُلْخَصْلَةُ اُلثَّانِيَةُ، وَالاِعْتِرَاضُ إِنَّمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حِينَمَا نُصَحِّحُ مِنْهَا مَا قَدْ يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ.

2) [هُوَ أَنْ يُقَالَ اُلزَّمَانُ حَادِثٌ… زَمَانٌ أَصْلاً]، فَالاِعْتِرَاضُ هُوَ أَنَّا نُسَلِّمُ اُلْخَصْلَةَ اُلثَّانِيَةَ وَلاَ نُسَلِّمُ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنْ لاَزِمٍ مُحَالٍ. إِذْ نَحْنُ قَدْ نُوَافِقُكُمْ عَلَى سَبِيلِ اُلْجَدَلِ بِأَنَّ اُلزَّمَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ غَيْرُ وَهْمِيَّةٍ، وَأَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ عَدَدُ حَرَكَةِ اُلْفَلَكِ الأَقْصَى. فَإِذَنْ فَاُلزَّمَانُ بِهَذَا اُلْمَعْنَى إِذْ هُوَ دَاخِلٌ فِي اُلْعَالَمِ، وَاُلْعَالَمُ عِنْدَنَا مَخْلُوقٌ حَادِثٌ، فَوَاضِحٌ جِدًّا أَنَّهُ أَيْضًا هُوَ مَخْلُوقٌ وَحَادِثٌ. لَكِنْ نَحْنُ حِينَمَا قُلْنَا بِتَرَاخِي اُلْعَالَمِ عَنِ اُلْقَدِيمِ، فَأَلْزَمْتُمْ أَنْتُمْ بِأَنَّهُ قَبْلَ زَمَانِ اُلْعَالَمِ زَمَانٌ آخَرُ، إِذَنْ فَاُلزَّمَانُ قَدِيمٌ، وَاُلْحَرَكَةُ قَدِيمَةٌ، فَأَنْتُمْ إِنَّمَا قَدْ أَخَذْتُمُ اُلزَّمَانَ الَّذِي قَبْلَ زَمَانِ اُلْعَالَمِ عَلَى اُلْمَعْنَى بِعَيْنِهِ الَّذِي هُوَ لِزَمَانِ اُلْعَالَمِ، فَلَزِمَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ اُلزَّمَانُ قَدِيمًا وَاُلْعَالَمُ قَدِيمًا أَيْضًا، بَعْدَ أَنْ وَضَعْنَاهُ حَادِثًا مَخْلُوقًا. أَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُسَلِّمُ بِأَنَّ اُلْعَالَمَ اُلْحَادِثَ هُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ اُلْقَدِيمِ بِزَمَانٍ أَصْلاً، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اُلزَّمَانَ الَّذِي بِهِ يَتَأَخَّرُ اُلْحَادِثُ عَنِ اُلْقَدِيمِ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ اُلزَّمَانَ الَّذِي تُثْبِتُونَهُ أَنْتُمْ أَيُّهَا اُلْفَلاَسِفَةُ وَتَجْعَلُونَ لَهُ وُجُودًا حَقِيقِيًّا.

3) [وَمَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّ اللهَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى… كَشَخْصٍ وَاحِدٍ]، يُرِيدُ الإمام الغزالي أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ اُلْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إِنَّ اللهَ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى اُلْعَالَمِ، وَاُلْعَالَمَ هُوَ مُتَأَخِّرٌ، لاَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ قَبْلٍ حَقِيقِيٍّ يَكُونُ بِوَاسِطَتِهِ اُلْمُتَقَدِّمُ مُتَقَدِّمًا، وَبَعْدٍ حَقِيقِيٍّ يَتَأَخَّرُ بِهِ اُلْمُتَأَخِّرُ، أَيْ هُوَ لاَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ زَمَانٍ حَقِيقِيٍّ لاَ أَوَّلَ لَهُ كَمَا أَلْزَمَتِ اُلْفَلاَسِفَةُ. فَإِنْ نَحْنُ أَخَذْنَا اُلْقَضِيَّةَ الَّتِي نُثْبِتُهَا “إِنَّ الله مُتَقَدِّمٌ عَلَى اُلْعَالَمِ وَاُلزَّمَانِ”، وَحَصَرْنَا مَعْنَاهَا الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَنَفَيْنَا مِنْهُ مَا قَدْ يَصْحَبُ مَفْهُومَهَا مِنْ وَهْمٍ، فَلَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إِلاَّ مَعْنَى كَانَ الله وَلاَ عَالَمَ، أَعْنِي وُجُودَ ذَاتِ اُلْبَارِئِ وَعَدَمَ اُلْعَالَمِ فَقَطْ، أَمَّا تِلْكَ اُلْوَاسِطَةُ “قَبْلُ” الَّتِي هِيَ بَيْنَهُمَا، فَلاَ حَقِيقَةَ لَهَا، بَلْ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ. وَأَيْضًا مَعْنَى كَانَ اللهُ وَمَعَهُ اُلْعَالَمُ، أَعْنِي وُجُودَ اُلذَّاتَيْنِ فَقَطْ، وَاُلْوَاسِطَةُ “بَعْدُ” الَّتِي بَيْنَهُمَا فَهْيِ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ فَقَطْ. إِذَنْ فَاُلتَّقَدُّمُ اُلْمَقْصُودُ إِنَّمَا هُوَ اِنْفِرَادُهُ بِاُلْوُجُودِ، وَاُلتَّأَخُّرُ، اِقْتِرَانُ وُجُودِهِ بِوُجُودِ غَيْرِهِ، بِلاَ زَمَانٍ حَقِيقِيٍّ يُصَحِّحُ هَذَا اُلتَّقَدُّمَ وَاُلتَّأَخُّرَ. 

4) [وَلَوْ قُلْنَا كَانَ اُللهُ وَلاَ عِيسَى مَثَلاً… إِلَى أَغَالِيطِ اُلأَوْهَامِ]، يُرِيدُ بَلْ لَوْ عَبَّرْنَا عَنْ كَوْنِ اُلشَّيْءِ وَلاَ شَيْءَ، ثُمَّ كَوْنِ اُلشَّيْءِ وَمَعَهُ اُلشَّيْءُ، إِذَا كَانَ اُلشَّيْءُ الأَوَّلُ لَيْسَ فِي زَمَانٍ أَصْلاً، كَاُلْبَارِئِ تَعَالَى، وَاُلشَّيْءُ اُلثَّانِي حَادِثًا فِي اُلزَّمَانِ اُلْحَقِيقِيِّ كَعِيسَى عَلَيْهِ اُلْسَّلاَمُ، لَمْ يُفْهَمْ أَيْضًا مِنَ اُللَّفْظِ إِلاَّ وُجُودُ ذَاتٍ وَعَدَمُ ذَاتٍ، ثُمَّ وُجُودُ ذَاتَيْنِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ ثَالِثٍ، وَهْوَ اُلزَّمَانُ اُلْحَقِيقِيُّ اُلْمُفِيدُ لِتَقَدُّمِ ذَاتِ اُلْبَارِئِ اُلْمُقْتَرِنِ بِعَدَمِ عِيسَى عَلَى ذَاتِهِ اُلْمُقْتَرِنَةِ بِوُجُودِ عِيسَى. بَلْ ذَلِكَ اُلشَّيْءُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ ثُبُوتٍ خَارِجِيٍّ إِطْلاَقًا. فَإِنْ صَحَّ هَذَا اُلْمَعْنَى فِي مِثَالٍ قِيسَ فِيهِ اُللاَّزَمَنِيُّ إِلَى زَمَنِيٍّ حَقِيقِيٍّ، فَكَمْ بِاُلْحَرِيَّ أَنْ يَصِحَّ فِي الأَمْرِ اُلْمَطْلُوبِ، وَهْوَ قِيَاسُ اُللاَّزَمَنِيِّ إِلَى وُجُودِ اُلْعَالَمِ اُلْحَادِثِ فِي غَيْرِ اُلزَّمَانِ اُلْحَقِيقِيِّ.

-III قَالَ الإمام الغزالي “فَإِنْ قِيلَ1 لِقَوْلِنَا كَانَ اللهُ وَ لاَعَالَمَ مَفْهُومٌ ثَالِثٌ سِوَى وُجُودِ اُلذَّاتِ وَعَدَمِ اُلْعَالَمِ2، بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا عَدَمَ اُلْعَالَمِ فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ وُجُودُ ذَاتٍ وَعَدَمُ ذَاتٍ حَاصِلاً وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ نَقُولَ كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ، بَلِ اُلصَّحِيحُ أَنْ نَقُولَ يَكُونُ اللهُ وَلاَ عَالَمَ، وَنَقُولُ لِلْمَاضِي كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ3، فَبَيْنَ قَوْلِنَا “كَانَ” وَ “يَكُونُ” فَرْقٌ، إِذْ لَيْسَ يَنُوبُ أَحَدُهُمَا مَنَابَ الآخَرِ، فَلِنَبْحَثْ عَمَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِ اُلْفَرْقُ4، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُمَا لاَ يَفْتَرِقَانِ فِي وُجُودِ اُلذَّاتِ وَلاَ فِي عَدَمِ اُلْعَالَمِ، بَلْ فِي مَعْنًى ثَالِثٍ، فَإِنَّا إِذَا قُلْنَا لِعَدَمِ اُلْعَالَمِ فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ اللهُ تَعَالَى وَلاَ عَالَمَ، قِيلَ لَنَا هَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ “كَانَ” إِنَّمَا يُقَالُ عَلَى مَا مَضَى. فَدَلَّ أَنَّ تَحْتَ لَفْظِ “كَانَ” مَفْهُومًا ثَالِثًا، وَهْوَ اُلْمَاضِي5، وَاُلْمَاضِي بِذَاتِهِ هُوَ اُلزَّمَانُ، وَاُلْمَاضِي بِغَيْرِهِ هُوَ اُلْحَرَكَةُ، فَإِنَّهَا تَمْضِي بِمُضِيِّ اُلزَّمَانِ6، فَبِاُلضَّرُورَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اُلْعَالَمِ زَمَانٌ قَدْ اِنْقَضَى حَتَّى اِنْتَهَي إِلَى وُجُودِ اُلْعَالَمِ7.”  

شَرْحٌ -III-

1) [فَإِنْ قِيلَ]، أَيْ وَإِنْ أَجَابَتِ اُلْفَلاَسِفَةُ عَلَى مَا اعْتَرَضْنَا بِهِ، وَهْوَ أَنَّ اُلْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ “كَانَ الله وَلاَ عَالَمَ”، “ثُمَّ كَانَ وَمَعَهُ اُلْعَالَمُ”، إِنَّمَا فَقَطْ اِنْفَرَادُ اُلذَّاتِ، ثُمَّ اِقْتِرَانُ اُلْغَيْرِ بِهَا، وَأَنَّ إِثْبَاتَ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ تَحْتَ كَانَ الأُولَى، وَهْوَ اُلتَّقَدُّمُ اُلذَّاتِيُّ اُلزَّمَانِيُّ، وَمَعْنًى حَقِيقِيٍّ أَيْضًا تَحْتَ كَانَ اُلثَّانِيَةِ وَهْوَ اُلتَّأَخُّرُ اُلذَّاتِيُّ اُلزَّمَانِيُّ، إِنَّمَا هُوَ فَقَطْ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ، وَلَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فِي نَفْسِهِ.     

2) [لِقَوْلِنَا كَانَ اللهُ… وَعَدَمِ اُلْعَالَمِ]، إِذَنْ فَقَدْ يَكُونُ جَوَابُ اُلْفَلاَسِفَةِ عَلَى مَا قِيلَ هَكَذَا : إِنَّا لاَ نُوَافِقُكُمْ عَلَى اِدِّعَائِكُمْ بِأَنَّ اُلْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ “كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ” إِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ اِقْتِرَانِ ذَاتٍ بِعَدَمِ اُلْعَالَمِ، وَأَنَّ اُلْمَعْنَى اُلثَّالِثَ سِوَاهُمَا، وَهْوَ اُلتَّقَدُّمُ اُلذَّاتِيُّ اُلزَّمَانِيُّ لِهَذَا الاِقْتِرَانِ هُوَ زَائِدٌ، وَمِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ. وَالَّذِي أَتَى بِهَذَا اُلْجَوَابِ إِنَّمَا هُوَ اُبْنُ سِينَا فِي إِلاَهِيَّاتِ اُلشِّفَاءِ اُلْجُزْءِ اُلثَّانِي، صَفْحَتَيْ 379، 380.

3) [بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا… كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ]، فَلَوْ كَانَ قَوْلُنَا “كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ” إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ اِقْتِرَانِ ذَاتٍ بِعَدَمٍ، فَإِنَّ هَذَا الاِقْتِرَانَ يُمْكِنُ أَنْ نَفْرِضَهُ أَيْضًا فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ، وَيَكُونُ حَاصِلاً فِيهِ، وَلَمْ يَجُزْ مَعَ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ “كَانَ الله وَلاَ عَالَمَ”، بَلْ “يَكُونُ الله وَلاَ عَالَمَ.” فَفِي اُلْمُسْتَقْبَلِ إِنَّمَا تَكُونُ اُلْعِبَارَةُ عَنْ هَذَا الاِقْتِرَانِ بِمُجَرَّدِهِ صَحِيحَةً إِذَا دُلَّ عَلَيْهِ بِـ”يَكُونُ”، وَفِي اُلْمَاضِي إِذَا دُلَّ عَلَيْهِ بـ”كَانَ”.

4) [فَبَيْنَ قَوْلِنَا “كَانَ”… يَرْجِعُ إِلَيْهِ اُلْفَرْقُ]، يُرِيدُ لَمَّا كَانَ الاِقْتِرَانُ اُلْمَذْكُورُ إِذَا دُلَّ عَلَيْهِ بـ”كَانَ”، لَمْ يَجِبْ أَنْ يُدَلَّ عَلَيْهِ بِـ”يَكُونُ”، وَاُلْعَكْسُ كَذَلِكَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْلُولٌ حَقِيقِيٌّ مُخْالِفٌ لِلآخَرِ، وَأَنَّ اُلْمَوْضِعَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِيهَ “كَانَ” لاَ تُغْنِي فِيهِ “يَكُونُ”، وَلاَ “كَانَ” تُغْنِي عَنْ “يَكُونُ.” إِذَنْ فَهُنَاكَ شَيْءٌ لا مَحَالَةَ غَيْرُ الاِخْتِلاَفِ اُللَّفْظِيِّ بَيْنَ كَانَ وَيَكُونُ هُوَ الَّذِي إِنَّمَا إِلَيْهِ يَرْجِعُ هَذَا اُلْفَرْقُ.      

5) [وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُمَا لاَ يَفْتَرِقَانِ… وَهْوَ اُلْمَاضِي]، وَهَذَا اُلشَّيْءُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وُجُودَ اُلذَّاتِ، وَلاَ عَدَمَ اُلْعَالَمِ، لِأَنَّهُمَا لاَ يَخْتَلِفَانِ، لِأَنَّا تَارَةً نَقُولُ “كَانَ الله وَلاَ عَالَمَ”، وَتَارَةً “يَكُونُ الله وَلاَ عَالَمَ”، فَاُلذَّاتَانِ هُمَا هُمَا. وَلَكِنْ إِذَا قُلْنَا “فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ”، قِيلَ خَطَأٌ. إِذًا فَلاَ بُدَّ مِنْ مَعْنًى ثَالِثٍ إِذَا مَا دُلَّ عَلَيْهِ بِـ”كَانَ” “كَانَ الله وَلاَ عَالَمَ”، كَانَتْ دَلاَلَتُهَا صِدْقًا، وَهْوَ مَعْنَى مَا مَضَى، أَوِ اُلْمَاضِي.    

6) [وَاُلْمَاضِي بِذَاتِهِ… فَإِنَّهَا تَمْضِي بِمُضِيِّ اُلزَّمَانِ]، إِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الأَجْزَاءَ اُلذَّاتِيَّةَ الَّتِي يَتَقَوَّمُ مِنْهَا اُلزَّمَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ زَمَانٌ إِنَّمَا هِيَ ُالْمَاضِي وَاُلْمُسْتَقْبَلُ، وَحَدٌّ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكٌ هُوَ نِهَايَةُ اُلْمَاضِي وَمَبْدَأُ اُلْمُسْتَقْبَلِ يُسَمَّى “الآنَ”. وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ هَذِهِ هِيَ زَمَانٌ بِذَاتِهِ، لِأَنَّهُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ وَصْفٍ زَمَانِيٍّ فَهْوَ لَهُ لِذَاتِهِ، وَمَعْرُوفٌ بِنَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ، بَلْ إِنَّ غَيْرَهُ إِنَّمَا يُعْرَفُ فِي ذَاكَ اُلْمَعْنَى اُلزَّمَانِيِّ بِوَاسِطَتِهُ هُوَ. فُاُلْمَاضِي الَّذِي هُوَ جُزْءُ اُلزَّمَانِ هُوَ مَاضِي بِذَاتِهِ، وَليْسَ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ اُلْمَعْنَى بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ آخَرَ. أَمَّا اُلْحَرَكَةُ فَهْيَ لاَ تُعْلَمُ إِلاَّ عَلَى أَنَّهَا اِنْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ مُتَقَدِّمٍ إِلَى حَالٍ مُتَأَخِّرٍ، وَمَعْنَى اُلْمُتَقَدِّمِ فِي اُلْحَرَكَةِ الَّذِي بِهِ هُوَ قِوَامُ اُلْحَرَكَةِ، إِنَّمَا يُعْلَمُ بِوَاسِطَةِ مَعْنَى اُلْمُتَقَدِّمِ اُلزَّمَانِيِّ بِاُلذَّاتِ، أَعْنِي أَنَّ اُلْمُتَقَدِّمَ فِي اُلْحَرَكَةِ هُوَ مَا وَافَقَ حُدُوثُهُ اُلْمُتَقَدِّمَ اُلزَّمَانِيَّ اُلذَّاتِيَّ.   

6) [فَبِاُلضَّرُورَةِ يَلْزَمُ… إِلَى وُجُودِ اُلْعَالَمِ]، فَلَمَّا كَانَ قَوْلُكُمْ أَيَّتُهَا اُلْمُتَكَلِّمَةُ “كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ، ثُمَّ كَانَ وَمَعَهُ اُلْعَالَمُ” إِنَّمَا يَقْتَضِي مَعْنًى ثَالِثًا ضَرُورَةً، وَهْوَ اُلزَّمَانُ، إِذَنْ فَإِنَّ جَزْمَكُمْ بِأَنَّ اُلْعَالَمَ هُوَ مُتَرَاخِي اُلْوُجُودِ عَنِ اُلْبَارِئِ تَعَالَى إِنَّمَا يُوجِبُ لاَ مَحَالَةَ أَنْ يَكُونَ زَمَانٌ مَوْجُودٌ قَدِ اِنْقَضَى حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى وُجُودِ اُلْعَالَمِ، وَاُلزَّمَانُ مِنَ اُلْعَالَمِ، وَلاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِحُدُوثِهِ، أَعْنِي اُلزَّمَانَ، لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ حِينَئِذٍ بِمِثْلِ مَا قَدْ قُلْنَا آنِفًا. فَيَلْزَمُ أَنَّ اُلْعَالَمَ قَدِيمٌ.

-IV قَالَ الإمام الغزالي “قُلْنَا اُلْمَفْهُومُ الأَصْلِيُّ مِنَ اُللَّفْظَيْنِ وُجُودُ ذَاتٍ وَعَدَمُ ذَاتٍ، وَالأَمْرُ اُلثَّالِثُ الَّذِي بِهِ اِفْتِرَاقُ اللَّفْظَيْنِ نِسْبَةٌ لاَزِمَةٌ بِاُلْقِيَاسِ إِلَيْنَا1، بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا عَدَمَ اُلْعَالَمِ فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ قَدَّرْنَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُودًا ثَانِيًا لَكُنَّا عِنْدَ ذَلِكَ نَقُولُ : كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ، وَيَصِحُّ قَوْلُنَا سَوَاءٌ أَرَدْنَا بِهِ اُلْعَدَمَ الأَوَّلَ أَوِ اُلْعَدَمَ اُلثَّانِي الَّذِي هُوَ بَعْدَ اُلْوُجُودِ، وَآيَةُ أَنَّ هَذِهِ نِسْبَةٌ أَنَّ اُلْمُسْتَقْبَلَ بِعَيْنِهِ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَاضِيًا فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ اُلْمَاضِي2، وَهَذَا كُلُّهُ لَعِجْزِ اُلْوَهْمِ عَنْ فَهْمِ وُجُودٍ مُبْتَدَأٍ إِلاَّ مَعَ تَقْدِيرِ “قَبْلُ” لَهُ، وَذَلِكَ “اُلْقَبْلُ” الَّذِي لاَ يَنْفَكُّ اُلْوَهْمُ عَنْهُ نَظُنُّ أَنَّهُ شَيْءٌ مُحَقَّقٌ مَوْجُودٌ هُوَ اُلزَّمَانُ3، وَهْوَ كَعَجْزِ اُلْوَهْمِ عَنْ أَنْ يُقَدِّرَ تَنَاهِي اُلأَجْسَامِ فِيمَا يَلِي الرَّأْسِ إِلاَّ عَلَى سَطْحٍ لَهُ فَوْقُ4، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ مَكَانًا إِمَّا مَلاَءٌ وَإِمَّا خَلاَءٌ5، وَإِذَا قِيلَ لَيْسَ فَوْقَ سَطْحِ اُلْعَالَمِ فَوْقُ وَلاَ بُعْدٌ أَبْعَدُ مِنْهُ كَاعَ اُلْوَهْمُ عَنِ الإِذْعَانِ لِقَبُولِهِ6، كَمَا إِذَا قِيلَ لَيْسَ قَبْلَ وُجُودِ اُلْعَالَمِ “قَبْلُ” هُوَ مَوْجُودٌ مُحَقَّقٌ، نَفَرَ اُلْوَهْمُ أَيْضًا عَنْ قَبُولِهِ7، وَكَمَا جَازَ أَنْ يُكَذَّبَ اُلْوَهْمُ فِي تَقْدِيرِهِ فَوْقَ اُلْعَالَمِ خَلاَءٌ هُوَ بُعْدٌ لاَ نِهَايَةَ لَهُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ اُلْخَلاَءُ لَيْسَ مَفْهُومًا فِي نَفْسِهِ، أَمَّا اُلْبُعْدُ فَهْوَ تَابِعٌ لِلْجِسْمِ الَّذِي تَتَبَاعَدُ أَقْطَارُهُ، فَإِذَا كَانَ اُلْجِسْمُ مُتَنَاهِيًا كَانَ اُلْبُعْدُ الَّذِي هُوَتَابِعٌ لَهُ مُتَنَاهِيًا، فَاُنْقَطَعَ أَنَّ اُلْخَلاَءَ وَاُلْمَلاَءَ غَيْرُ مَفْهُومٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ لاَ خَلاَءٌ وَلاَ مَلاَءٌ، وَإِنْ كَانَ اُلْوَهْمُ لاَ يُذْعِنُ لِقَبُولِهِ8، وَكَذَلِكَ يُقَالُ كَمَا أَنَّ اُلْبُعْدَ اُلْمَكَانِيَّ تَابِعٌ لِلْجِسْمِ، فَاُلْبُعْدُ اُلزَّمَانِيُّ تَابِعٌ لِلْحَرَكَةِ، فَإِنَّهُ اِمْتِدَادُ اُلْحَرَكَةِ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ اِمْتِدَادُ لِأَقْطَارِ اُلْجِسْمِ، وَكَمَا أَنَّ قِيَامَ اُلدَّلِيلِ عَلَى تَنَاهِي أَقْطَارِ اُلْجِسْمِ مَنَعَ مِنْ إِثْبَاتِ بُعْدٍ مَكَانِيٍّ وَرَاءَهُ، فَقِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى تَنَاهِي اُلْحَرَكَةِ مِنْ طَرَفَيْهِ يَمْنَعُ مِنْ تَقْدِيرِ بُعْدٍ زَمَانِيٍّ وَرَاءَهُ، وَإِنْ كَانَ اُلْوَهْمُ مُتَشَبِّثًا بِخَيَالِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَلاَ يَرْعَوِي عَنْهُ9، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اُلْبُعْدِ اُلزَّمَانِيِّ الَّذِي تَنْقَسِمُ اُلْعِبَارَةُ عَنْهُ عِنْدَ الإِضَافَةِ إِلَى “قَبْلُ” و “بَعْدُ”، وَبَيْنَ اُلْبُعْدِ اُلْمَكَانِيِّ الَّذِي تَنْقَسِمُ اُلْعِبَارَةُ عَنْهُ عِنْدَ الإِضَافَةِ إِلَى “فَوْقَ” و”تَحْتَ”. فَإِنْ جَازَ إِثْبَاتُ “فَوْقُ” لاَ فَوْقَ فَوْقَهُ، جَازَ إِثْبَاتُ “قَبْلُ” لَيْسَ قَبْلَهُ “قَبْلُ” مُحَقَّقٌ إلاَّ خَيَالِيًّا وَهْمِيًّا كَمَا فِي اُلْفَوْقِ، وَهَذَا لاَزِمٌ فَلِيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ لاَ خَلاَءُ وَلاَ مَلاَءٌ10.”     

شَرْحٌ -IV-

1) [قُلْنَا اُلْمَفْهُومُ… نِسْبَةٌ لاَ زِمَةٌ بِاُلْقِيَاسِ إِلَيْنَا]، وَجَوَابُ الإمام الغزالي عَلَى هَذَا اُلْجَوَابِ هُوَ أَنَّ قَوْلَنَا “كَانَ اُلْبَارِئُ تَعَالَى وَلاَ عَالَمَ”، ” ثُمَّ كَانَ اُلْبَارِئُ وَمَعَهُ اُلْعَالَمُ”، إِنَّمَا يَقْتَضِي لِيَكُونَ مُفْهُومًا صَادِقًا فَقَطْ وُجُودَ ذَاتٍ وَ عَدَمَ ذَاتٍ أُخْرَى، وَوَجُودَ ذَاتَيْنِ مَعًا. أَمَّا مَا بِهِ اِخْتَلَفَ اُلْمَعْنَى اُلثَّانِي عَنِ اُلْمَعْنَى الأَوَّلِ، وَهْوَ اُلدَّالُ عَلَى تَأَخُّرِ اُلْوُجُودِ اُلثَّانِي عَنِ اُلْوُجُودِ الأَوَّلِ بِاُلزَّمَانِ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ وُجُودٍ بِذَاتِهِ وَثُبُوتٍ خَارِجَ اُلنَّفْسِ، بَلْ إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ اُلنَّفْسِ، وَنِسْبَةٌ فَقَطْ لِتِلْكَ اُلْمَوْجُودَاتِ بِاُلْقِيَاسِ إِلَيْنَا. أَعْنِي أَنَّ مَعْنَى اُلْمَاضِي وَمَعْنَى اُلْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَتْ بِأَوْصَافٍ وَاجِبَةٍ فِي نَفْسِهَا خَارِجَةً عَنَّا، بَلْ هِيَ اِعْتِبَارَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ، مَوْجُودَةٌ بِاُلذِّهْنِ فَقَطْ.    

2) [بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا… فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ اُلْمَاضِي]، وَاُلدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اُلْمَعَانِيَ اُلزَّمَانِيَّةَ اِعْتِبَارِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِثُبُوتِيَّةٍ أَنَّ اُلشَّيْءَ اُلْوَاحِدَ اُلْمَوْجُودَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَعَاوَرَهُ أَحْكَامٌ مُتَنَاقِضَةٌ مَعًا. فَمَثَلاً لاَ يُمْكِنُ لِسَطْحٍ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ مَعًا أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ، لِأَنَّ اُلسَّطْحَ هُوَ مَوْجُودٌ، وَالأَسْوَدُ إِنَّمَا يَحُلُّ بِاُلسَّطْحِ يَبْقَى ثَابِتًا وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ أَنَّ هُنَاكَ ذِهْنًا بَتَاتًا. أَمَّا طُولُ زَيْدٍ وَقِصَرُهُ، فَلَيْسَتْ بِأَوْصَافٍ ثَابِتَةٍ فِي اُلْخَارِجِ، بَلْ هِيَ اِعْتِبَارَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ مِنْ قِيَاسِ زَيْدٍ إِلَى شَخْصٍ أَقْصَرَ مِنْهُ، فَيَنْشَأُ بِاُلذِّهْنِ حِينَئِذٍ مَعْنَى اُلطُّولِ، ثُمَّ قِيَاسُهُ إِلَى شَخْصٍ أَطْوَلَ مِنْهُ فَيَنْشَأُ بِاُلذِّهْنِ حِينَئِذٍ مَعْنَى اُلْقِصَرِ. لِأَجْلِ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُوصَفَ اُلشَّيْءُ اُلْوَاحِدُ بِأَوْصَافٍ اِعْتِبَارِيَّةٍ مُتَنَاقِضَةٍ مَعًا، فَيُقَالُ مَثَلاً زَيْدٌ هُوَ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ مَعًا. وَبِاُلْعَكْسِ فَإِنَّ الأَوْصَافَ اُلْمُتَنَاقِضَةَ إِنْ جَازَ اِجْتِمَاعُهَا مَعًا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا أَيْضًا اِعْتِبَارَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ، وَلَيْسَ لَهَا مِنْ وُجُودِ فِي اُلْخَارِجِ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَذْهَانِنَا أَصْلاً. كَذَلِكَ الأَحْكَامُ اُلزَّمَانِيَّةُ كَاُلْمَاضِي وَاُلْمُسْتَقْبَلِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي نَفْسِهَا لَمَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ اُلْحُكْمُ اُلْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ تَارَةً بِحُكْمِهِ، وَتَارَةً بِحُكْمِ مُقَابِلِهِ، فَمَا ذَاكَ إِذَنْ إِلاَّ لِمَكَانِ أَنَّ أَصْلَهَا اُلذِّهْنُ وَلَيْسَ اُلْخَارِجَ. وَاُلْغَزَالِيُّ يُوَضِّحُ هَذَا بِمِثَالٍ :   

فَاُلْعَالَمُ الآنَ مَوْجُودٌ، فَلِي أَنَا أَنْ أُقَدِّرَ فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ لاَ عَالَمَ، فَهَذَا اُلْمُسْتَقْبَلُ بِعَيْنِهِ لَوْ أَنَا قَدَّرْتُ بَعْدَهُ وُجُودَ اُلْعَالَمِ، يَصِيرُ بِاُلْقِيَاسِ إِلَى تَقْدِيرِي اُلثَّانِي مَاضِيًا، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ جَائِزًا أَنْ نَقُولَ فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ “كَانَ اللهُ وَلاَ عَالَمَ” كَمَا كَانَ جَائِزًا فِيمَا قَدْ مَضَى. وَيُرِيدُ بِاُلْعَدَمِ الأَوَّلِ عَدَمَ اُلْعَالَمِ بِاُلْقِيَاسِ إِلَى الآنَ، وَاُلْعَدَمِ اُلثَّانِي اُلْعَدَمَ اُلْمُقَدَّرَ فِي اُلْمُسْتَقْبَلِ. وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَوْصَافَ اُلزَّمَانِيَّةَ هِيَ نِسْبَةٌ، أَيْ أَنَّ وُجُودَهَا فِي اُلذِّهْنِ فَقَطْ، هُوَ أَنَّ اُلْمُسْتَقْبَلَ إِجْمَالاً، يَجُوزُ إِذَا قَدَّرْنَا لَهُ مُسْتَقْبَلاً أَنْ يَصِيرَ مَاضِيًا وَأَنْ يُعَبُّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ اُلْمَاضِي.   

3) [وَهَذَا كُلُّهُ لَعِجَزِ اُلْوَهْمِ… مَوْجُودٌ هُوَ اُلزَّمَانُ]، فَإِذْ صَحَّ أَنَّ اُلزَّمَانَ هُوَ نِسْبَةٌ ذِهْنِيَّةٌ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ وَاُلتَّغَيُّرِ، فَإِنَّ اُلْوَهْمَ قَدْ يَتَسَلَّطُ عَلَى اُلذِّهْنِ فَيَقْهَرُهُ عَلَى أَنْ يُثْبِتَ وَرَاءَ كُلِّ تَغَيُّرٍ فِي اُلْوُجُودِ تَغَيُّرًا فِي اُلْوُجُودِ، وَاُلزَّمَانُ تَابِعٌ لِلْحَرَكَةِ، فَيَتَوَهَّمُ اُلْوَهْمُ أَيْضًا أَنَّ اُلزَّمَانَ مَوْجُودٌ لاَ نِهَايَةَ لَهُ. لِذَلِكَ فَإِنْ هُوَ قِيلَ لَهُ إِنَّ هُنَاكَ مَوْجُودًا مُبْتَدَأً، اِمْتَنَعَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ أَنْ لاَ يَتَصَوَّرَ حَرَكَةَ اِنْتِقَالٍ مِنْ عَدَمٍ سَابِقٍ إِلَى وُجُودٍ لاَحِقٍ. وَلَكِنَّ عَجْزَ اُلْوَهْمِ عَلَى تَصَوُّرِهِ أَنَّ لِلْحَرَكَةِ اِبْتِدَاءً مُطْلَقًا لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ دَلِيلاً عَلَى اِمْتِنَاعِ ذَلِكَ، مَا دَلَّ اُلْبُرْهَانُ اُلْعَقْلِيُّ عَلَى إِمْكَانِهِ.

4) [وَهْوَ كَعَجْزِ اُلْوَهْمِ… عَلَى سَطْحٍ لَهُ فَوْقُ]، وَمَا يُقَوِّي حُجَّتَنَا أَنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ شَبِيهٌ جِدًّا بِمَا قَدْ صَحَّ عِنْدَكُمْ مِنْ أَنَّهُ لاَ وُجُودَ أَصْلاً لِجِسْمٍ لاَ نِهَايَةَ لَهُ. لَكِنَّ لِتَعْلَمْ أَنَّ لاَنِهَايَةَ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ عِلْمِ اُلطَّبِيعَةِ هُوَ مَا بَيَّنَهُ اِبْنُ سِينَا بِهَذِهِ اُلْعِبَارَةِ “وَغَرَضُنَا أَنْ نَبْحَثَ عَمَّا لاَ نِهَايَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ مِنَ الأَجْسَامِ أَجْسَامٌ هِيَ بِمِقْدَارِهَا أَوْ بِعَدَدِهَا بِحَيْثُ أَيُّ شَيْءٍ أَخَذْتَ مِنْهَا دَائِمًا وَجَدْتَ شَيْئًا خَارِجًا عَنْهُ” “اُلشِّفَاءُ”، صَفْحَةَ 210. وَهْوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَثْبَتَهُ قُدَمَاءُ اُلطَّبِيعِيِّينَ مِمَّنْ جَاؤُوا قَبْلَ أَرُسْطُو، مِثْلَ أَنْكَسَاغُورَاسْ، وَدِيمُقْرِيطِسْ. أَمَّا هُوَ فقَدْ أَنْكَرَهُ، وَاُلْمَشَّائِيُّونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَكَذَلِكَ اِبْنُ سِينَا. إِذَنْ فَقَدْ أَوْرَدَ أَرُسْطُو فِي سَمَّاعِهِ أَسْبَابًا خَمْسَةً أَوْجَبَتِ اُلتَّصْدِيقَ بِهِ، مِنْهَا مَا قَالَهُ هَذَا “وَأَيْضًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ اُلْمُتَنَاهِيَ هُوَ أَبَدًا يَنْتَهِي إِلَى شَيْءٍ، فَيَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَلاَّ تَكُونَ نِهَايَةٌ أَصْلاً إِنْ كَانَ يَجِبُ أَبَدًا أَنْ يَتَنَاهَى اُلشَّيْءُ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ. وَأَكْثَرُ مَا يُشَكِّكُ اُلْجَمِيعَ وَأَحَقُّهَا بِاُلتَّشْكِيكِ مِنْ قِبَلِ اُلتَّوَهُّمِ، فَإِنَّ اُلتَّوَهُّمَ لِلشَّيْءِ لَمَّا كَانَ لاَ اِنْقِطَاعَ لَهُ ظُنَّ بِاُلْعَدَدِ أَنَّهُ لاَ نِهَايَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ اُلْمَقَادِيرُ اُلتَّعَالِيمِيَّةُ وَمَا خَارِجَ اُلسَّمَاءِ. أَرُسْطُو، “اُلسَّمَّاعُ اُلطَّبِيعِيُّ”، اُلْمَقَالَةُ اُلثَّالِثَةُ 203ب، 20-25.

   إِذَنْ فَكَمَا أَنَّ اُلْوَهْمَ لاَ يَتَخَيَّلُ نِهَايَةً لِجِسْمٍ إِلاَّ بِجِسْمٍ آخَرَ يَحُدُّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَدَ اَلأَسْبَابِ اُلْقَوِيَّةِ الَّتِي أَوْجَبَتِ اُلْقَوْلَ بِجِسْمٍ لاَ نِهَايَةَ لَهُ، لَكِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَكُمْ بِأَدِلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ اِمْتِنَاعُ وُجُودِهِ، كَذَّبْتُمْ اُلْوَهْمَ وَاُعْتَصَمْتُمْ بِاُلصِّدْقِ الَّذِي أَثْبَتَهُ اُلدَّلِيلُ اُلْعَقْلِيُّ، كَذَلِكَ اُلأَمْرُ هَاهُنَا فَإِنَّا نَجْعَلُ لِلْحَرَكَةِ اِبْتِدَاءً وَوُجُودًا أَوَّلاً كَمَا جَعَلْتُمْ أَنْتُمْ أَوَّلاً وَنِهَايَةً لِلْعَالَمِ، أَمَّا عَجْزُ اُلْوَهْمِ مِنَّا عَلَى تَصَوُّرِ وُجُودٍ أَوَّلٍ إِلاَّ مَعَ تَصَوُّرِ قَبْلٍ لَهُ، فَإِنَّمَا نَحْمِلُهُ عَلَى اُلْوَهْمِ اُلْكَاذِبِ، كَمَا فَعَلْتُمْ أَنْتُمْ فِي أَمْرِ اُلْجِسْمِ اُللاَّمُتَنَاهِيِّ. وَإِذْ أَنَّ اُلزَّمَانَ عَلَى قَوْلِكُمْ هُوَ عَدَدُ اُلْحَرَكَةِ، وَقَدْ بَانَتْ أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ فِي اُلْمَبْدَأِ، فَاُلزَّمَانُ إِذَنْ هُوَ مُتَنَاهٍ وَلَهُ أَوَّلٌ لاَ مَحَالَةَ.

   أَمَّا فِي عُرْفِ اُلْمُتَكَلِّمِينَ، فَاُلْعَالَمُ هُوَ كُلُّ مَا سِوَى الله تَعَالَى مِنَ اُلْمَوْجُودَاتِ وَالأَشْيَاءِ اُلْمَخْلُوقَةِ.   

   فَإِنَّ أَيَّ إِنْسَانٍ وَقَفَ بِذِهْنِهِ عِنْدَ نِهَايَةِ اُلْعَالَمِ وَطَرَفِ اُلْكُلِّ، وَهْوَ اُلسَّمَاءُ اُلْمُحِيطَةُ، فَإِنَّ وَهْمَهُ ضَرُورَةً سَيَطْلُبُ شَيْئًا آخَرَ وَرَاءَ ذَلِكَ اُلْحَدِّ، فَإِمَّا أَنْ يَتَوَهَّمَهُ بِأَنَّهُ فَضَاءٌ بِلاَ جِسْمٍ أَصْلاً، وَهْوَ اُلْخَلاَءُ، وَإِمَّا بِأَنَّهُ جِسْمٌ، وَعَالَمٌ آخَرُ. وَيُؤْخَذُ عَادَةً عَلَى هَذَا مِثَالٌ طَرِيفٌ، وَهْوَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَدْ بَلَغَ طَرَفَ اُلْعَالَمِ مَدَّ يَدَهُ إِلَى جِهَةِ اُلْفَوْقِ، فَحَالُهُ فِي اُلْوَهْمِ إِذَنْ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَمْرَيْنِ وُجُوبًا، فَإِمَّا أَنْ تَنْبَسِطَ يَدُهُ وَلاَ يَعُوقُهَا شَيْءٌ، فَيَكُونُ هُنَاكَ إِذَنْ خَلاَءٌ قَطْعًا. وَإِمَّا أَنْ لاَ تَنْبَسِطَ لِمَانِعٍ يَمْنَعُهَا، فَيَكُونُ هُنَاكَ إِذَنْ جِسْمٌ فِي مَكَانٍ، وَهْوَ اُلْمَلاَءُ.   

6) [وَإِذَا قِيلَ لَيْسَ فَوْقَ… عَنِ الإِذْعَانِ لِقَبُولِهِ]، إِذَنْ فَلَوْ كَانَ الاِقْتِنَاعُ بِأَمْرِ اُلْعَالَمِ مَوْقُوفًا فَقَطْ عَلَى اُلْوَهْمِ لَأَوْجَبَ بِذَاتِهِ دَائِمًا بُعْدًا بَعْدَ بُعْدٍ، وَفَوْقًا بَعْدَ فَوْقٍ، هَوَ إِمَّا مَلاَءٌ أَوْ خَلاَءٌ. بَلْ إِنَّا وَإِنْ جِئْنَاهُ بِاُلْيَقِينِ اُلثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ اُلْبُرْهَانِ وَاُلْحُجَّةِ وَبَيَنَّا اِمْتِنَاعَ مَا يَظْهَرُ لَهُ دَائِمًا، سَدَّ أُذُنَيْهِ، وَبَقِيَ يصُوِّرُ لَنَا اُلْعَالَمَ دَائِمًا كَمَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَوِّرَهُ إِلاَّ عَلَيْهِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّا نُسَفِّهُ اُلْوَهْمَ، وَلاَ نَرْكُنُ إِلاَّ إِلَى مَا ظَهَرَ بِاُلْبُرْهَانِ.  

7) [كَمَا إِذَا قِيلَ لَيْسَ… نَفَرَ اُلْوَهْمُ أَيْضًا عَنْ قَبُولِهِ]، كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلِمَ لاَ نَقُولُ بِأَنَّ مَا سُقْتُمُوهُ حُجَّةً فِي أَنَّ اُلْعَالَمَ لَوْ كَانَ حَادِثًا لاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَبْلٌ زَمَانِيٌّ، فَاُلزَّمَانُ مَوْجُودٌ قَبْلَ كُلِّ حَادِثٍ لاَ مَحَالَةَ، إِذَنْ فَهْوَ قَدِيمٌ، إِنَّمَا هُوَ اِحْتِجَاجٌ بِاُلْوَهْمِ، وَصُورَتُهُ هِيَ بِعَيْنِهَا صُورَةُ الإِيجَابِ اُلْوَهْمِيِّ فِي اُلْبُعْدِ اُللاَّمُتَنَاهِيِّ، لِذَلِكَ فَلَيْسَ نُفُورُ اُلْوَهْمِ هَاهُنَا مِنْ نَفْيِنَا لِوُجُودِ “قَبْلٌ” قَبْلَ وُجُودِ اُلْعَالَمِ، وُجُودًا مُحَقَّقًا، أَيْ وُجُودًا ثَابِتًا فِي اُلْخَارِجِ غَيْرَ كَوْنِهِ اِعْتِبَارًا ذِهْنِيًّا فَقَطْ، هُوَ حُجَّةٌ لَكُمْ فِي أَنَّ اُلزَّمَانَ قَدِيمٌ، كَمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكُمْ نُفُورُهُ مِنْ نَفْيِ كُلِّ فَوْقٍ فَوْقَ اُلْعَالَمِ هُوَ حُجَّةً فِي أَنَّ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ دَائِمًا شَيْئًا.         

8) [وَكَمَا جَازَ أَنْ يُكَذَّبَ اُلْوَهْمُ فِي تَقْدِيرِهِ… وَإِنْ كَانَ اُلْوَهْمُ لاَ يُذْعِنُ لِقَبُولِهِ]، وَقَدْ كَانَ طَرِيقُكُمُ اُلْبُرْهَانِيُّ فِيمَا مَضَى فِي تَكْذِيبِ اُلْوَهْمِ إِذْ هُوَ لَيْسَ يَنْفَكُّ عَنْ إِثْبَاتِ أَنَّ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ هُنَاكَ خَلاَءً لاَ نِهَايَةَ لَهُ ضَرُورَةً، بِأَنَّ اُلْخَلاَءَ قَدْ يُفْهَمُ بِمَعْنَيَيْنِ : إِمَّا اُللاَّشَيْءُ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ، لِأَنَّ اُلْخَلاَءَ لاَشَيْءَ، وَقَوْلُنَا “إِنَّ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ لاَ شَيْءَ”، وَاُلْخَلاَءُ هُوَ لاَ شَيْءٌ. وَإِمَّا أَنْ يُرَادُ بِهِ بُعْدٌ مَكَانِيٌّ لَيْسَ فِيهِ جِسْمٌ أَصْلاً، وَهَذَا مَا تَأْبَوْنَهُ حَقًّا وَتَدْفَعُونَهُ بِاُلدَّلِيلِ. وَاُلدَّلِيلُ، أَنَّ اُلْبُعْدَ اُلْمَكَانِيَّ هُوَ أَبْعَادٌ ثَلاَثَةٌ فِي اُلطُّولِ وَاُلْعَرْضِ وَاُلْعُمْقِ، وَهَذِهِ اُلأَبْعَادُ إِنْ كَانَتْ بِاُلْفِعْلِ، لَمْ تَقُمْ بِذَاتِهَا أَلْبَتَّةَ، بَلْ هِيَ ضَرُورَةً تَابِعَةٌ لِلْجِسْمِ الَّذِي إِنَّمَا صُورَتُهُ اُلْجَوْهَرِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ جَوَازُ فَرْضِ هَذِهِ اُلأَبْعَادِ اُلثَّلاَثَةِ، عَلَى مَا بَيَّنَهُ اِبْنُ سِينَا فِي سَمَّاعِهِ، وَ فِي إِلاَهِيَّاتِهِ، مِنْ كِتَابِ اُلشِّفَاءِ. فَإِنْ فُرِضَتْ مَوْجُودَةً بِاُلْفِعْلِ صَارَتْ كَمًّا مُتَّصِلاً لَهُ اِمْتِدَادٌ فِي الأَقْطَارِ، إِمَّا إِلَى نِهَايَةٍ مَحْدُودَةٍ، فَيَحْصُلُ اُلْمِقْدَارُ اُلْمُتَنَاهِيُّ، وَإِمَّا إِلَى لاَ نِهَايَةٍ إِنْ جَازَ ذَلِكَ، فَيَحْصُلُ اُلْمِقْدَارُ اُللاَّمُتَنَاهِيُّ. وَلَكِنْ هُوَ قَدْ تَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اِمْتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جِسْمٌ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، فَاُمْتَنَعَ إِذَنْ وُجُودُ بُعْدٍ غَيْرِ مُتَنَاهٍ، فَاُمْتَنَعَ إِذَنْ وُجُودُ بُعْدٍ غَيْرِ مُتَنَاهٍ خَالِيًا مِنْ كُلِّ جِسْمٍ. فَمِنَ اُلْمُحَالِ إِذَنْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَلاَءٌ لاَ مُتَنَاهٍ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ. وَلاَ أَيْضًا مَلاَءٌ.

9) [وَكَذَلِكَ يُقَالُ كَمَا أَنَّ اُلْبُعْدَ اُلْمَكَانِيَّ تَابِعٌ لِلْجِسْمِ… وَلاَ يَرْعَوِي عَنْهُ]، كَذَلِكَ حُجَّتُنَا فِي إِبْطَالِ زَمَانٍ وَرَاءَ اِبْتِدَاءِ اُلْعَالَمِ كَمَا كَانَتْ حُجَّتُكُمْ فِي إِبْطَالِ مَكَانٍ وَرَاءِ جِسْمِ اُلْعَالَمِ. إِذْ هِيَ قَدْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ بِأَنَّ اُلْبُعْدَ اُلْمَكَانِيَّ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لاَ مُتَنَاهِيًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْجِسْمِ وَاُلْجِسْمُ مُتَنَاهٍ. وَأَيْضًا عِنْدَكُمْ فَإِنَّ اُلزَّمَانَ هُوَ تَابِعٌ لِلْحَرَكَةِ لِأَنَّهُ اِمْتِدَادُهَا. إِذَنْ فَإِنْ قَامَ اُلدَّلِيلُ عَلَى تَنَاهِيهَا مِنْ طَرَفَيْهَا، أَعْنِى أَنَّ لَهَا اِبْتِدَاءً وَاِنْقِضَاءً، فَقَدْ وَجَبَ إِذَنْ اِمْتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ زَمَانٌ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ. وَكَمَا لَمْ يُؤْبَهْ لِإِلْحَاحِ اُلْوَهْمِ بِأَنَّ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ بُعْدًا آخَرَ، كَذَلِكَ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْبَهَ لَهُ لِإِلْحَاحِهِ بِأَنَّ وَرَاءَ اِبْتِدَاءِ اُلْعَالَمِ زَمَانًا آخَرَ.  

10) [وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اُلْبُعْدِ… لاَ خَلاَءُ وَلاَ مَلاَءٌ]، اُلزَّمَانُ تَنْقَسِمُ أَجْزَاؤُهُ إِلَى قَبْلٍ وَبَعْدٍ، وَهُمَا مُتَضَايِفَانِ، أَعْنِي “قَبْلُ” هُوَ “قَبْلُ” بِالإِضَافَةِ إِلَى بَعْدٍ، وَ”بَعْدٌ” هُوَ “بَعْدٌ” بِالإِضَافَةِ إِلَى قَبْلٍ. وَهْوَ قَبْلٌ لِأَنَّهُ قَبْلُ بَعْدٍ، أَيْ حِينَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ لَمْ يَكُنْ “بَعْدُ”، وَبَعْدُ هُوَ بَعْدُ قَبْلٍ، لِأَنَّهُ حِينَ صَارَ مَوْجُودًا اِنْتَفَى وُجُودُ “قَبْلُ”. وَهَذَا خِلاَفُ اُلتَّرْتِيبِ اُلْمَكَانِيِّ الَّذِي وَإِنْ كَانَ أَيْضًا أَجْزَاؤُهُ مُتَضَايِفَةً، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ مَعًا. إِذَنْ فَمِنْ هَذِهِ اُلْجِهَةِ، أَيْ مِنْ جِهَةِ اُلتَّضَايُفِ اُلْمَوْجُودِ بَيْنَ أَجْزَاءِ اُلتَّرْتِيبِ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اُلْمَكَانِ وَاُلزَّمَانِ. وَإِذْ لاَ فَرْقَ، فَإِنْ جَازَ إِثْبَاتُ “فَوْقُ” لاَ فَوْقَ فَوْقَهُ، جَازَ إِثْبَاتُ “قَبْلُ” لَيْسَ قَبْلَهُ “قَبْلُ” مُحَقَّقٌ، أَيْ مَوْجُودًا فِي اُلْخَارِجِ، إلاَّ خَيَالِيًّا وَهْمِيًّا كَمَا فِي اُلْفَوْقِ.      

-V قَالَ الإمام الغزالي “فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ اُلْمُوَازَنَةُ مُعْوَجَّةٌ1 لِأَنَّ اُلْعَالَمَ لَيْسَ لَهُ “فَوْقُ” وَلاَ “تَحْتُ”، لِأَنَّهُ كُرِّيٌ، وَلَيْسَ لِلْكُرَةِ فَوْقُ وَلاَ تَحْتُ2، بَلْ إِنْ سُمِّيَتْ جِهَةٌ “فَوْقًا” فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَلِي رَأْسَكَ، وَالأُخْرَى “تَحْتًا” فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَلِي رِجْلَكَ، فَهْوَ اِسْمٌ تَجَدَّدَ لَهُ بِالإِضَافَةِ إِلَيْكَ، وَاُلْجِهَةُ الَّتِي هِيَ “تَحْتُ” بِالإِضَافَةِ إِلَيْكَ هِيَ “فَوْقُ” بِاُلإِضَافَةِ إِلَى غَيْرِكَ إِذَا قَدَّرْتَهُ عَلَى اُلْجَانِبِ الآخَرِ مِنْ كُرَةِ الأَرْضِ وَاقِفًا يُحَاذِي أَخْمَصَ قَدَمِهِ أَخْمَصَ قَدَمِكَ، بَلِ اُلْجِهَةُ الَّتِي تُقَدِّرُهَا فَوْقَكَ مِنْ أَجْزَاءِ اُلسَّمَاءِ نَهَارًا هِيَ بِعَيْنِهَا تَحْتَ الأَرْضِ لَيْلاً، وَمَا هُوَ تَحْتَ الأَرْضِ يَعُودُ إِلَى فَوْقَ الأَرْضِ بِاُلدَّوْرِ3. وَأَمَّا الأَوَّلُ لِوُجُودِ اُلْعَالَمِ فَلاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْقَلِبَ آخِرًا وَهْوَ كَمَا لَوْ قَدَّرْنَا خَشَبَةً أَحَدُ طَرَفَيْهَا غَلِيظٌ وَالآخَرُ دَقِيٌق، وَاُصْطَلَحْنَا عَلَى أَنْ نُسَمِّيَ اُلْجِهَةَ الَّتِي تَلِي اُلدَّقِيقَ فَوْقًا إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي، وَاُلْجَانِبَ الآخَرَ تَحْتًا، لَمْ يَظْهَرْ بِهَذَا اِخْتِلاَفٌ ذَاتِيٌّ فِي أَجْزَاءِ اُلْعَالَمِ، بَلْ هِيَ أَسَامِيٌّ مُخْتَلِفَةٌ قِيَامُهَا بِهَيْئَةِ هَذِهِ اُلْخَشَبَةِ حَتَّى لَوْ عُكِسَ وَضْعُهَا لانْعَكَسَ الاِسْمُ، وَاُلعَالَمُ لَمْ يَتَبَدَّلْ، فَاُلْفَوْقُ وَاُلتَّحْتُ نِسْبَةٌ مَحْضَةٌ إِلَيْكَ لاَ تَخْتَلِفُ أَجْزَاءُ اُلْعَالَمِ وَسُطُوحُهُ فِيهِ4، وَأَمَّا اُلْعَدَمُ اُلْمُتَقَدِّمُ عَلَى اُلْعَالَمِ، وَالنِّهَايَةُ الأُولَى لِوُجُودِهِ فَذَاتِيٌّ لَهُ لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَبَدَّلَ فَيَصِيرُ آخِرًا، وَلاَ اُلْعَدَمُ اُلْمُقَدَّرُ عِنْدَ فَنَاءِ اُلْعَالَمِ الَّذِي هُوَ عَدَمٌ لاَحِقٌ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ سَابِقًا، فَطَرَفَا نِهَايَةِ وُجُودِ اُلْعَالَمِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا أَوَّلٌ وَاُلثَّانِي آخِرٌ طَرَفَانَ ذَاتِيَّانِ ثَابِتَانِ لاَ يُتَصَوَّرُ التَّبَدُّلُ فِيهِمَا بِتَبَدُّلِ الإِضَافَاتِ إِلَيْةِ أَلْبَتَّةَ بِخِلاَفِ “اُلْفَوْقُ” وَ”اُلتَّحْتُ5“. فَإِذَنْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ لِلْعَالَمِ “فَوْقُ” وَلاَ “تَحْتُ”، وَلاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا لَيْسَ لِوُجُودِ اُلْعَالَمِ “قَبْلُ” وَلاَ “بَعْدُ”. وَإِذَا ثَبَتَ “اُلْقَبْلُ” وَ”اُلْبَعْدُ”، فَلاَ مَعْنَى لِلزَّمَانِ سِوَى مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ “بِاُلْقَبْلِ” وَ”اُلْبَعْدِ”6.”

شَرْحٌ -V-

1) [فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ اُلْمُوَازَنَةُ مُعْوَجَّةٌ]، أَجَابَ الإمام الغزالي عَنِ اُلْفَلاَسِفَةِ بِأَنَّ هَذِهِ اُلْمُشَابَهَةَ لِجِهَتَيِ اُلزَّمَانِ بِجِهَتَيِ اُلْمَكَانِ الَّتِي أَخْرَجْتُمُ مِنْهَا أَنَّ اُلذَّهَابَ إِلَى مَا لاَنِهَايَةَ فِي اُلْقَبْلِيَّةِ اُلزَّمَانِيَّةِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ اُلذَّهَابِ إِلَى مَا لاَنِهَايَةَ فِي اُلْفَوْقِيَّةِ اُلْمَكَانِيَّةِ، فَإِنْ نَحْنُ، أَيِ اُلْفَلاَسِفَةَ، قَدْ فَسَّرْنَا اُلذَّهَابَ اُلثَّانِيَ بِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي اُلْوَاقِعِ، فَلِنَقْبَلْ كَذَلِكَ بِأَنَّ اُلزَّمَانَ ذُو أَوَّلٍ، وَأَنَّ اُلذَّهَابَ فِي قَبْلِيَّتِهِ هُوَ فَقَطْ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ. قُلْتُ قَدْ تُجِيبُ اُلْفَلاَسِفَةُ بِأَنَّ هَذِهِ اُلْمُشَابَهَةَ غَيْرُ سَلِيمَةٍ، لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ اُلْقِيَاسِ مَعَ ثُبُوتِ اُلْفَارِقِ.  

2) [لِأَنَّ اُلْعَالَمَ لَيْسَ… فَوْقُ وَلاَ تَحْتُ]، وَاُلْفَارِقُ بَيْنَ اُلأَمْرَيْنِ اُلْمَانِعُ لِلْمُشَابَهَةِ أَنَّ اُلْعَالَمَ هُوَ كُرِيٌّ لاَيَقْبَلُ اُلزِّيَادَةَ، يُحِيطُ بِهِ سَطْحٌ وَاحِدٌ غَيْرُ ذِي أَجْزَاءٍ مُتَبَايِنَةٍ، فَفِي نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ هَيْئَةٌ هِيَ فَوْقُ وَهَيْئَةٌ هِيَ تَحْتُ. بَلْ إِنَّهَا مَعَانٍ تُقَالُ بِالإِضَافَةِ إِلَيْنَا فَقَطْ، كَكَوْنِ فُلاَنٍ عَلَى يَسَارِي، فَهْوَ صِفَةٌ حَدَثَتْ لِوُجُودِهِ بِالإِضَافَةِ إِلَيَّ عَلَى يَسَارِي، لِذَلِكَ فَلَوْ أَنَا اِنْتَقَلْتُ حَتَّى أَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ، لَتَجَدَّدَتْ لَهُ صِفَةٌ أُخْرَى وَهْيَ كَوْنُهُ عَلَى يَمِينِي، وَقَدْ بَقِيَ هُوَ عَلَى حَالِهِ مَا اخْتَلَفَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي نَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ. وَلَمَّا كَانَتِ اُلْجِهَاتُ اُلْمَكَانِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ إِضَافَاتٌ بِاُلْقِيَاسِ إِلَيْنَا، كَانَ أَصْلُ وُجُودِهَا هُوَ اُلْوَهْمَ فَقَطْ، فَجَازَ إِذَنْ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مُضِيًّا تَابِعًا لِحَرَكَةِ اُلْوَهْمِ اُلْمُطْلَقَةِ.     

3) [بَلْ إِنْ سُمِّيَتْ جِهَةٌ… إِلَى فَوْقَ الأَرْضِ بِاُلدَّوْرِ]، إِنَّهَا أَمْثِلَةٌ يَأْخُذُهَا الإمام الغزالي عَنِ اُلْفَلاَسِفَةِ لِيُبَيِّنَ بِهَا أَنَّ اُلْجِهَاتَ اُلْمَكَانِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْصَافٌ إِضَافِيَّةٌ بِاُلْقِيَاسِ إِلَيْنَا.

إِذَنْ فَزَيْدٌ وَاقِفٌ عَلَى اُلْجَانِبِ اُلأَوَّلِ مِنْ دَائِرَةِ اُلأُفُقِ، وَعَمْرٌو وَاقِفٌ عَلَى اُلْجَانِبِ الآخَرِ يُحَاذِي أَخْمَصُ قَدَمِهِ أَخْمَصَ قَدَمِ زَيْدٍ. فَاُلْجُزْءُ مِنَ اُلسَّمَاءِ الَّذِي يَلِي رَأْسَ زَيْدٍ يُسَمَّى “فَوْقُ” بِالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ هَيْئَةٌ قَائِمَةٌ فِي اُلسَّمَاءِ، بَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ قَدْ يُوصَفُ أَيْضًا بِأَنَّهُ “تَحْتُ” بِالإِضَافَةِ إِلَى قَدَمَيِّ عَمْرٍو. وَقَوْلُهُ “بَلِ اُلْجِهَةُ الَّتِي تُقَدِّرُهَا فَوْقَكَ مِنْ أَجْزَاءِ اُلسَّمَاءِ نَهَارًا هِيَ بِعَيْنِهَا تَحْتَ الأَرْضِ لَيْلاً” فَمَعْنَاهُ أَنَّ اُلسَّمَاءَ تَتَحَرَّكُ دَوْرَةً كَامِلَةً فِي اُلْيَوْمِ وَاُللَّيْلَةِ حَوْلَ مِحْوَرِهَا مِنَ اُلشَّرْقِ إِلَى اُلْغَرْبِ. لِذَلِكَ فَمَا يَكُونُ مِنْهَا فَوْقَ زَيْدٍ نَهَارًا، فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ يَصِيرُ تَحْتَهُ فِي اُللَّيْلِ، وَاُلْعَكْسُ بِاُلْعَكْسِ. فَلَزِمَ أَنَّ اُلْجِهَاتَ فِي اُلْمَكَانِ إِنَّمَا هِيَ مَوْجُودٌ وَهْمِيٌّ، وَلَيْسَ لَهَا ثُبُوتٌ فِي اُلْخَارِجِ.

4) [وَأَمَّا الأَوَّلُ لِوُجُودِ اُلْعَالَمِ… أَجْزَاءُ اُلْعَالَمِ وَسُطُوحُهُ فِيهِ]، يَأْخُذُ الإمام الغزالي ىمِثَالاً آخَرَ عَنِ اُلْفَلاَسِفَةِ مُبَيِّنًا بِهِ أَنَّ اُلْجِهَاتَ اُلْمَكَانِيَّةَ إِضَافَاتٌ مَحْضَةٌ، لاَ هَيْئَاتٌ ثَابِتَةٌ. إِذْ لَوْ فَرَضْنَا خَشَبَةً أَحَدُ طَرَفَيْهَا دَقِيقٌ وَالآخَرُ غَلِيظٌ، فَقَدْ نَصْطَلِحُ بِأَنَّ اُلْجِهَةَ الَّتِي تَلِي اُلدَّقِيقَ هِيَ فَوْقُ، وَالَّتِي تَلِي اُلْغَلِيظَ تَحْتُ. فَهَذِهِ اُلْجِهَاتُ لَيْسَتْ بِأَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ اُلْعَالَمِ، بَلْ هِيَ إِضَافَاتٌ إِلَى هَيْئَةِ اُلْخَشَبَةِ حَتَّى لَوْ أَنَّهَا قَدْ عُكِسَتْ لانْعَكَسَ اِسْمُ اُلْجِهَةِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ شَيْءٌ فِي اُلْعَالَمِ. وَقَدْ يَكُونُ اُلْمَقْصُودُ بِسُطُوحِهِ، أَجْزَاءَ اُلسَّطْحِ الأَخِيرِ اُلْمُحِيطِ بِاُلْكُلِّ.

5) [وَأَمَّا اُلْعَدَمُ اُلْمُتَقَدِّمُ عَلَى اُلْعَالَمِ… بِخِلاَفِ “اُلْفَوْقُ” وَ”اُلتَّحْتُ]، أَمَّا قَوْلُنَا أَوَّلٌ زَمَانِيٌّ لِلْعَالَمِ، وَآخِرٌ زَمَانِيٌّ، فَهُمَا ذَاتِيَّانِ لَيْسَا بِتَابِعَيْنِ لِوَهْمِنَا، إِذْ هُوَ أَوَّلٌ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُودِهِ عَدَمٌ، وَهْوَ آخِرٌ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِهِ عَدَمٌ. وَلاَ يُمْكِنَ أَنْ نَعْكِسَ، فَيَصِيرُ مَا يَلِي مَا انْتَهَى فِيهِ اُلْعَالَمُ هُوَ بِعَيْنِهِ مَا يَلِي مَا قَدِ ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَمَا يَلِي مَا ابْتَدَأَ مِنْهُ هُوَ ِبَعَيْنِهِ مَا يَلِي مَا يَنْتَهِي فِيهِ، كَمَا فِي مِثَالِ اُلْخَشَبَةِ حَيْثُ إِنَّ اُلْجِهَةَ اُلْوَاحِدَةَ اُلَّتِي تَلِي أَحَدَ طَرَفَيِّ اُلْخَشَبَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا الَّتِي تَلِي طَرَفَهَا الآخَرَ بَعْدَ اُلْعَكْسِ.

فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَا يَلِي أَوَّلَ اُلْعَالَمِ هُوَ بِعَيْنِهِ مَا يَلِي آخِرَهُ، وَمَا يَلِي آخِرَهُ هُوَ بِعَيْنِهِ مَا يَلِي أَوَّلَهُ، لَزِمَ فِي صِفَتَيِّ اُلْقَبْلِ وَاُلْبَعْدِ، بِأَنَّهُمَا ذَاتِيَّانِ لِلْعَالَمِ، تَتَبَدَّلُ هَيْئَتُهُ إِنْ بُدِّلَتَا، وَلَيْسَا بِتَابِعَيْنِ أَصْلاً لِلإِضَافَةِ إِلَيْنَا، بِخِلاَفِ اُلْفَوْقِ وَاُلتَّحْتِ. 

5) [فَإِذَنْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ… بِاُلْقَبْلِ” وَ”اُلْبَعْدِ”]، وَاُلْخُلاَصَةُ أَنَّهُ قَدْ جَازَ لَنَا نَحْنُ اُلْفَلاَسِفَةَ، أَنْ نَمْنَعَ لِلْعَالَمِ وُجُودَ “فَوْقٍ” وَ”تَحْتٍ”، وَنُفَسِّرَ نُزُوعَ أَذْهَانِنَا لِإِثْبَاتِهِ بِأَنَّهُ مِنَ عَمَلِ اُلْوَهْمِ، لِأَنَّهُ كِلَيْهِمَا مَوْجُدَانِ بِالإِضَافَةِ إِلَيْنَا. أَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ يَجُوزُ لَكُمْ ذَلِكَ فِي أَمْرِ “اُلْقَبْلِ” وَ”اُلْبَعْدِ” لِمَا قَدْ أَثْبَتْنَا مِنْ كَوْنِهِمَا مَعْنَيَيْنِ ذَاتِيَيْنِ لِلْعَالَمِ. إِذَنْ فَإِنْ سَاقَ كُلُّ “قَبْلٍ” إِلَى “قَبْلٍ” قَبْلَهُ، وَكُلُّ “بَعْدٍ” إِلَى “بَعْدٍ” بَعْدَهُ، إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، فَذَلِكَ هُوَ شَيْءٌ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، وَلَيْسَ فَقَطْ إِنَّمَا هُوَ تَمَادٍ مِنَ اُلْوَهْمِ. وَلاَ مَعْنَى لِلزَّمَانِ سِوَى مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ “بِاُلْقَبْلِ” وَ”اُلْبَعْدِ”. فَصَحَّ إِذَنْ أَنَّ اُلزَّمَانَ قَدِيمٌ.     

-VI قَالَ الإمام الغزالي “قُلْنَا لاَ فَرْقَ1، فَإِنَّهُ لاَ غَرَضَ فِي تَعْيِينِ لَفْظِ “اُلْفَوْقِ” وَ”اُلتَّحْتِ”، بَلْ نَعْدِلُ إِلَى لَفْظِ “اُلدَّاخِلِ” وَ”اُلْخَارِجِ”، وَنَقُولُ لِلْعَالَمِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ2، فَهَلْ خَارِجَ اُلْعَالَمِ شَيْءٌ مِنْ مَلاَءٍ أَوْ خَلاَءٍ، فَسَيَقُولُونَ لَيْسَ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ لاَ خَلاَءٌ وَلاَ مَلاَءٌ3. وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِاُلْخَارِجِ سَطْحَهُ الأَعْلَى فَلَهُ خَارِجٌ، وَإِنْ عَنَيْتُمُ غَيْرَهُ فَلاَ خَارِجَ لَهُ4، فَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ لَنَا هَلْ لِوُجُودِ اُلْعَالَمِ “قَبْلُ”، قُلْنَا إِنْ عُنِيَ بِهِ هَلْ لِوُجُودِ اُلْعَالَمِ بِدَايَةٌ، أَيْ طَرَفًا مِنْهُ اِبْتَدَأَ، فَلَهُ “قَبْلُ” عَلَى هَذَا، كَمَا لِلْعَالَمِ خَارِجٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّهُ اُلطَّرَفُ اُلْمَكْشُوفُ وَاُلمُنْقَطَعُ اُلسَّطْحِيُّ. وَإِنْ عَنَيْتُمْ “بِقَبْلُ” شَيْئًا آخَرَ، فَلاَ قَبْلُ لِلْعَالَمِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا عُنِيَ بِخَارِجِ اُلْعَالَمِ شَيْءٌ سِوَى اُلسَّطْحِ، قِيلَ لاَ خَارِجَ لِلْعَالَمِ5. فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ يُعْقَلُ مَبْدَأُ وُجُودٍ لاَ “قَبْلُ” لَهُ، فَيُقَالُ وَلاَ يُعْقَلُ مُتَنَاهِي وُجُودٍ مِنَ اُلْجِسْمِ لاَ خَارِجَ لَهُ. فَإِنْ قُلْتَ “خَارِجُهُ” سَطْحُهُ الَّذِي هُوَ مُنْقَطَعُهُ لاَ غَيْرَ، قُلْنَا قَبْلُهُ بِدَايَةُ وُجُودِهِ الَّذِي هُوَ طَرَفُهُ لاَ غَيْرَ6.”

شَرْحٌ -VI-

1) [لاَ فَرْقَ]، فِي اُلنُّسْخَةِ اُلْمَطْبُوعَةِ “لاَ فَوْقَ”. وَهْيَ نُسْخَةُ دَارِ اُلْمَعَارِفِ.

2) [قُلْنَا لاَ فَرْقَ… دَاخِلٌ وَخَارِجٌ]، أَجَابَ الإمام الغزالي بِأَنَّ هَذَا اُلْجَوَابَ لِلْفَلاَسِفَةِ لاَ يَضُرُّ فِي اُلْغَرَضِ اُلْمَقْصُودِ مِنْ تَشْبِيهِ اُلنِّهَايَةِ فِي اُلزَّمَانِ بِاُلنِّهَايَةِ فِي اُلْمِقْدَارِ، لِأَنَّهُ غَرَضٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ فَقَطْ عَلَى مَعْنَيَيْ “فَوْقُ” وَ”تَحْتُ”، بَلْ لِنَأْخُذْ لَفْظَيْنِ آخَرَيْنِ، لَفْظَ “اُلدَّاخِلُ”، وَ”اُلْخَارِجُ”، وَنَقُولُ لِلْعَالَمِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ.  

3) [فَهَلْ خَارِجُ اُلْعَالَمِ… لاَ خَلاَءٌ وَلاَ مَلاَءٌ]، ثُمَّ إِنْ سَأَلْنَاكُمْ سُؤَالاً مُبْتَدَأً هَلْ خَارِجَ اُلْعَالَمِ شَيْءٌ مِنْ مَلاَءٍ، أَيْ جِسْمًا فِي مَكَانٍ، أَوْ مِنْ خَلاَءٍ، أَيْ مَكَانًا بِلاَ جِسْمٍ أَصْلاً، فَسَتَقُولُونَ لَيْسَ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ لاَ خَلاَءٌ وَلاَ مَلاَءٌ.

4) [وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِاُلْخَارِجِ… فَلاَ خَارِجَ لَهُ]، هَذَا مِنْ كَلاَمِ اُلْفَلاَسِفَةِ مُخَاطِبِينَ لِلسَّائِلِ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِاُلْخَارِجِ سَطْحَ اُلْفَلَكِ الأَقْصَى اُلْمُحِيطَ بِاُلْكُلِّ، أَقْرَرْنَا بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَارِجًا، وَإِنْ عَنَيْتَ غَيْرَ اُلسَّطْحِ، مِنْ مَلاَءٍ أَوْ خَلاَءٍ، فَلاَ خَارِجَ لِلْعَالَمِ.        

5) [فَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ… قِيلَ لاَ خَارِجَ لِلْعَالَمِ]، كَذَلِكَ نَحْنُ، أَعْنِي الإمام الغزالي وَمُثْبِتِيَّ اُلْحُدُوثِ، فَإِنَّا نُنْزِلُ “قَبْلُ” مِنَ اُلزَّمَانِ مَنْزِلَةَ “اُلْخَارِجِ” مِنَ اُلْعَالَمِ عِنْدَكُمْ، فَإِنْ قِيلَ هَلْ لِوُجُودِ اُلْعَالَمِ “قَبْلُ” كَمَا قِيلَ هَلْ لِلْعَالَمِ خَارِجٌ، قُلْنَا إِنْ قُصِدَ بِهِ هَلْ لِلْعَالَمِ طَرَفٌ مِنْهُ اِبْتَدَأَ، قُلْنَا نَعَمْ، كَمَا لِلْعَالَمِ خَارِجٌ عَلَى تَفْسِيرِ أَنَّهُ اُلسَّطْحُ الَّذِي يَنْتَهِي عِنْدَهُ اُلْعَالَمُ. وَمَعْنَى اُلْمُنْقَطَعِ اُلسَّطْحِيِّ، اُلسَّطْحُ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ اُلْعَالَمُ، وَيَنْتَهِي عِنْدَهُ. وَإِنْ قُصِدَ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ، فَلاَ “قَبْلُ” لِلْعَالَمِ عِنْدَنَا، كَمَا لاَ خَارِجَ عِنْدَكُمْ مَتَى قُصِدَ بِهِ سِوَى اُلْمُنْقَطَعِ اُلسَّطْحِيِّ.  

6) [فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ يُعْقَلُ مَبْدَأُ… هُوَ طَرَفُهُ لاَ غَيْرَ]، وَكُلُّ شَيْءٍ قَدْ تَنْتَصِرُونَ بِهِ لِدَفْعِ مَطْلُوبِنَا، فَهْوَ يَنَالُ مِنْ مَطْلُوبِكُمْ فِي تَنَاهِي اُلْعَالَمِ، وَكُلُّ تَأْوِيلٍ تَتَّخِذُونَهُ لِإِثْبَاتِ مَطْلُوبِكُمْ، فَهْوَ يَصِحُّ كَذَلِكَ فِي إِثْبَاتِ مَطْلُوبِنَا.  

-VII قَالَ الإمام الغزالي “بَقِيَ أَنْ نَقُولَ للهِ وُجُودٌ وَلاَ عَالِمَ مَعَهُ، وَهَذَا اُلْقَوْلُ أَيْضًا لاَ يُوجِبُ إِثْبَاتَ شَيْءٍ آخَرَ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا عَمَلُ اُلْوَهْمِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِاُلزَّمَانِ وَاُلْمَكَانِ1، فَإِنَّ اُلْخَصْمَ وَإِنِ اِعْتَقَدَ قِدَمَ اُلْجِسْمِ يُذْعِنُ وَهْمُهُ لِتَقْدِيرِ حُدُوثِهِ، وَنَحْنُ وَإِنْ اِعْتَقَدْنَا حُدُوثَهُ رُبَّمَا أَذْعَنَ وَهْمُنَا لِتَقْدِيرِ قِدَمِهِ، هَذَا فِي اُلْجِسْمِ2. فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى اُلزَّمَانِ لَمْ يَقْدِرِ اُلْخَصْمُ عَلَى تَقْدِيرِ حُدُوثِ زَمَانٍ لاَ “قَبْلُ” لَهُ، وَخِلاَفُ اُلْمُعْتَقَدِ يُمْكِنُ وَضْعُهُ فِي اُلْوَهْمِ تَقْدِيرًا وَفَرْضًا، وَهَذَا مِمَّا لاَ يُمْكِنُ وَضْعُهُ فِي اُلْوَهْمِ، كَمَا فِي اُلْمَكَانِ، فَإِنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ تَنَاهِي اُلْجِسْمَ وَمَنْ لاَ يَعْتَقِدُ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْجِزُ عَنْ تَقْدِيرِ جِسْمٍ لَيْسَ وَرَاءَهُ لاَ خَلاَءٌ وَلاَ مَلاَءٌ، بَلْ لاَ يُذْعِنُ اُلْوَهْمُ لِقَبُولِ ذَلِكَ3، وَلَكِنْ قِيلَ : صَرِيحُ اُلْعَقْلِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ وُجُودَ جِسْمٍ مُتَنَاهٍ بِحُكْمِ اُلدَّلِيلِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى اُلْوَهْمِ، فَكَذَلِكَ صَرِيحُ اُلْعَقْلِ لاَ يَمْنَعُ وُجُودَ مُفْتَتَحٍ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَصَّرَ اُلْوَهْمُ عَنْهُ فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ اُلْوَهْمَ لَمَّا لَمْ يَأْلَفْ جِسْمًا مُتَنَاهِيًا إِلاَّ وَبِجَنْبِهِ جِسْمٌ آخَرُ، أَوْ هَوْاءٌ تَخَيَّلَهُ خَلاَءً، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فِي اُلْغَالِبِ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَأْلَفِ اُلْوَهْمُ حَادِثًا إِلاَّ بَعْدَ شَيْءٍ آخَرَ، فَكَاعَ عَنْ تَقْدِيرِ حَادِثٍ لَيْسَ لَهُ “قَبْلُ”، هُوَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ قَدِ انْقَضَى، فَهَذَا هُوَ سَبَبُ اُلْغَلَطِ4، وَاُلْمُقَاوَمَةُ حَاصِلَةٌ بِهَذِهِ اُلْمُعَارَضَةِ5.”        

شَرْحٌ -VII-

1) [بَقِيَ أَنْ نَقُولَ… بِاُلزَّمَانِ وَاُلْمَكَانِ]، يُرِيدُ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اُلْحُدُوثَ هُوَ مُنْفَكٌّ عَنْ إِثْبَاتِ اُلزَّمَانِ، وَأَنَّ قَوْلَنَا “كَانَ الله وَلاَ عَالَمَ”، “ثُمَّ كَانَ الله وَمَعَهُ اُلْعَالَمُ” لاَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَْيْءٌ ثَالِثٌ وَهْوَ اُلْقَبْلُ اُلْحَقِيقِيُّ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ، هُوَ أَنَّ مَا لاَ يَكُونُ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِاُلْوَهْمِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمُعْتَقَدِ، أَمَّا مَا هُوَ مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ خَالِصًا، فَلاَ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ خِلاَفِهِ. وَلَمَّا كَانَ تَخَيُّلُ قَبْلٍ بِلاَ قَبْلٍ، أَوْمَكَانٍ بِلاَ مَكَانٍ وَرَاءَهُ مُتَعَذِّرًا فِي اُلْوَهْمِ، صَحَّ أَنَّ عَمَلَهُ إِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِمَا.       

2) [فَإِنَّ اُلْخَصْمَ… هَذَا فِي اُلْجِسْمِ]، أَمَّا إِذَا قِيلَ “اُلْجِسْمُ قَدِيمٌ” عَلَى اِعْتِقَادِ اُلْفَيْلَسُوفِ، فَإِنَّ وَهْمَهُ قَدْ لاَ يَنْفُرُ مِنْ تَصَوُّرِهِ حَادِثًا خِلاَفًا لاِعْتِقَادِهِ، وَإِذَا قِيلَ “اُلْجِسْمُ حَادِثٌ” فَإِنَّ وَهْمَنَا قَدْ لاَ يَنْفُرُ مِنْ تَصَوُّرِهِ قَدِيمًا خِلاَفًا لاِعْتِقَادِنَا.

3) [فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى اُلزَّمَانِ… لِقَبُولِ ذَلِكَ]، إِذَنْ فَفِي اُلزَّمَانِ اِعْتِقَادُ اُلْخَصْمِ أَنَّهُ لاَ أَوَّلَ لَهُ، وَهْوَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَيَّل خِلاَفَهُ، بِأَنْ يُقَدِّرَ حُدُوثَ زَمَانٍ لاَ قَبْلَ لَهُ، كَمَا فِي اُلْمَكَانِ فَإِنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ بِلاَ تَنَاهِيهِ فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَهَّمَ لَهُ نِهَايَةً لَيْسَ وَرَاءَهَا شَيْءٌ آخَرُ.

4) [وَلَكِنْ قِيلَ… هُوَ سَبَبُ اُلْغَلَطِ]، فَكَمَا قَدْ دُفِعَ عِنْدَكُمْ غَلَطُ اُلْوَهْمِ فِي اُلْمَكَانِ بِمَا قَدْ صَحَّ فِي صَرِيحِ اُلْعَقْلِ وَاُلْبُرْهَانِ اِمْتِنَاعُ وُجُودِ جِسْمٍ غَيْرِ مُتَنَاهٍ، وَإِنْ كَانَ اُلْوَهْمُ لَيْسَ يَنْفَكُّ عَنْ إِثْبَاتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْلَفْ جِسْمًا مُتَنَاهِيًا إِلاَّ وَبِجَنْبِهِ جِسْمٌ آخَرُ، كَذَلِكَ فَاُقْبَلُوا أَنَّ صَرِيحَ اُلْعَقْلِ قَدْ يَدْفَعُ غَلَطَ اُلْوَهْمِ فِي اُلزَّمَانِ بِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ فَقَبْلَهُ شَيْءٌ لاَ مَحَالَةَ، لِمَا قَدْ أَلِفَ أَنَّ كُلَّ مُفْتَتَحٍ فَقَبْلَهُ شَيْءٌ، وَجَوِّزُوا لِلزَّمَانِ أَوَّلاً بِلاَ قَبْلٍ. 

5) [وَاُلْمُقَاوَمَةُ حَاصِلَةٌ بِهَذِهِ اُلْمُعَارَضَةِ]، إِذْ مَعْنَى اُلْمُعَارَضَةِ فِي عِلْمِ اُلْمُنَاظَرَةِ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ اُلْمُنَاظِرُ بِدَلِيلٍ يَلْزَمُ مِنْهُ نَقِيضُ مَا يَلْزَمُ مِنْ دَلِيلِ اُلْخَصْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِدَلِيلِ اُلْخَصْمِ. فَهْيَ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِلاَ نَقْضٍ لِدَلِيلِهِ.

اُلصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ لِلدَّلِيلِ اُلثَّانِي

-I قَالَ الإمام الغزالي “لاَ شَكَّ  فِي أَنَّ الله عِنْدَكُمْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ اُلْعَالَمَ قَبْلَ خَلْقِهِ بِقَدْرِ سَنَةٍ وَمِائَةِ سَنَةٍ وَأَلْفِ سَنَةٍ وَمَا لاَنِهَايَةَ لَهُ2، وَأَنَّ هَذِهِ اُلتَّقْدِيرَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ فِي اُلْمِقْدَارِ وَاُلْكَمِّيَةِ3، فَلاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ شَيْءٍ قَبْلَ وُجُودِ اُلْعَالَمِ مُمْتَدٍّ مُقَدَّرٍ بَعْضُهُ أَمَدُّ وَأَطْوَلُ مِنْ اُلْبَعْض4ِ.

   فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ يُمْكِنُ إِطْلاَقُ لَفْظِ “اُلسِّنِينَ” إِلاَّ بَعْدَ حُدُوثِ اُلْفَلَكِ وَدَوَرَانِهِ5، فَلِنَتْرُكْ لَفْظَ “اُلسِّنِينَ” وَلِنُورِدْ صِيغَةً أُخْرَى فَنَقُولُ إِذَا قَدَّرْنَا أَنَّ اُلْعَالَمَ مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ قَدْ دَارَ فَلَكُهُ إِلَى الآنَ أَلْفَ دَوْرَةٍ مَثَلاً6، فَهَلْ كَانَ الله سُبْحَانَهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ قَبْلَهُ عَالَمًا ثَانِيًا مِثْلَهُ بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَى زَمَانِنَا هَذَا بِأَلْفٍ وَمِائَةِ دَوْرَةٍ7. فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ، فَكَأَنَّهُ اِنْقَلَبَ اُلْقَدِيمُ مِنَ اُلْعَجْزِ إِلَى اُلْقُدْرَةِ، أَوِ اُلْعَالَمُ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ إِلَى الإِمْكَانِ8. وَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ وَلاَ بُدَّ مِنْهُ، فَهَلْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ عَالَمًا ثَالِثًا بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَى زَمَانِنَا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ دَوْرَةٍ، وَلاَ بُدَّ مِنْ نَعَمْ9. فَنَقُولُ هَذَا اُلْعَالَمُ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ بِحَسَبِ تَرْتِيبِنَا فِي اُلتَّقْدِيرِ ثَالِثًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الأَسْبَقَ، فَهَلْ أَمْكَنَ خَلْقُهُ مَعَ اُلْعَالَمِ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ ثَانِيًا وَكَانَ يَنْتَهِي إِلَيْنَا بِأَلْفٍ10 وَمِائَتَيْ دَوْرَةٍ، وَالآخَرُ بِأَلْفٍ وَمِائَةِ دَوْرَةٍ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي مَسَافَةِ اُلْحَرَكَةِ وَسُرْعَتِهَا11. فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ، فَهْوَ مُحَالٌ، إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَتَسَاوَى حَرَكَتَانِ فِي اُلسُّرْعَةِ وَاُلْبُطْءِ، ثُمَّ تَنْتَهِيَانِ إِلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالأَعْدَادُ مُتَفَاوِتَةٌ12. وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ اُلْعَالَمَ اُلثَّالِثَ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْنَا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ دَوْرَةٍ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُخْلَقَ مَعَ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْنَا بِأَلْفٍ وَمِائَةِ دَوْرَةٍ13، بَلْ لاَ بُدَّ أَنْ يَخْلُقَهُ قَبْلَهُ بِمِقْدَارٍ يُسَاوِي اُلْمِقْدَارَ الَّذِي تَقَدَّمَ بِهِ اُلْعَالَمُ اُلثَّانِي عَلَى اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ وَسَمَّيْنَاهُ الأَوَّلَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى وَهْمِنَا إِذَا اِرْتَقَيْنَا مِنْ وَقْتِنَا إِلَيْهِ فِي اُلتَّقْدِيرِ14، فَيَكُونُ قُدِّرَ إِمْكَانٌ هُوَ ضِعْفُ إِمْكَانٍ آخَرَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إِمْكَانٍ آخَرَ هُوَ ضِعْفُ اُلْكُلِّ15. فَهَذَا الإِمْكَانُ اُلْمُقَدَّرُ بِاُلْكَمِّيَةِ الَّذِي بَعْضُهُ أَطْولُ مِنْ بَعْضٍ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ لاَ حَقِيقَةَ لَهُ إِلاَّ اُلزَّمَانُ16، فَلَيْسَتْ هَذِهِ اُلْكَمِّيَاتُ اُلْمُقَدَّرَةُ صِفَةَ ذَاتِ اُلْبَارِئِ تَعَالَى عَنِ اُلتَّقْدِيرِ، وَلاَ صِفَةَ عَدَمِ اُلْعَالَمِ إِذِ اُلْعَدَمُ لَيْسَ شَيْئًا حَتَّى يُقَدَّرَ بِمَقَادِيرَ مُخْتَلِفَةٍ17، وَاُلْكَمِّيَةُ صِفَةٌ فَتَسْتَدْعِي ذَا كَمِّيَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ اُلْحَرَكَةَ، وَاُلْكَمِّيَةُ إِلاَّ اُلزَّمَانَ الَّذِي هُوَ قَدْرُ اُلْحَرَكَةِ18. فَإِذَنْ قَبْلَ اُلْعَالَمِ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ذُو كَمِّيَةٍ مُتَفَاوِتَةٍ وَهْوَ اُلزَّمَانُ، فَقَبْلَ اُلْعَالَمِ عِنْدَكُمْ زَمَانٌ19.  

شَرْحٌ -I-

1) [اُلصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ]، هَذِهِ اُلصِّيغَةُ اُلثَّانِيَةُ مِنَ اُلدَّلِيلِ اُلثَّانِي عَلَى قِدَمِ اُلْعَالَمِ إِنَّمَا تَقُومُ عَلَى إِلْزَامِ أَصْحَابِ اُلْحُدُوثِ بِاُلْقَوْلِ بِقِدَمِهِ، لِأَنَّهُ لاَزِمٌ مِنْ نَفْسِ مَا يَتَقَلَّدُونَهُ هُمْ مِنْ أُصُولٍ. وَأَوَّلُ هَذِهِ الأُصُولِ وَأَثْبَتُهَا عِنْدَهُمْ أَنَّ اللهَ ذُو قُدْرَةٍ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ، وَأَنَّهُ يَقْوَى عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى مَا كَانَ مُمْتَنِعًا فِي ذَاتِهِ. فَمَثَلاً هُوَ لاَ يَجْعَلُ اُلشَّيْءَ مَوْجُودًا وَغَيْرَ مَوْجُودٍ مَعًا، لِأَنَّ ذَاكَ مُحَالٌ فِي نَفْسِهِ، فَلاَ يُعَدُّ هَذَا قَيْدًا لِقُدْرَتِهِ، وَلاَ يُوصَفُ لِأَجْلِهِ بِاُلْعَاجِزِ أَصْلاً.

2) [لاَ شَكَّ  فِي أَنَّ الله … وَمَا لاَنِهَايَةَ لَهُ]، هَذَا خِطَابُ اُلْفَلاَسِفَةِ لِخُصُومِهِمْ بِأَنَّ مِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ لاَ يُقَيِّدُهَا إِلاَّ اُلْمُمْتَنِعُ، أَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وُكُلَّ مَا اللهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ. كَذَلِكَ فَأَنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ بِأَنَّ اُلْبَارِئَ قَدْ خَلَقَ اُلْعَالَمَ فِي وَقْتٍ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ اُلْوَقْتِ إِلَى الآنَ مَحْصُورٌ بَيْنَ نِهَايَتَيْنِ، فَهْوَ مُتَنَاهٍ فِي اُلْمُدَّةِ. وَلَكِنْ مِنَ اُلْبَيِّنِ أَنَّ اُلْعَقْلَ لَوْ تَصَوَّرَ مُدَّةَ اُلْعَالَمِ أَطْوَلَ مِمَّا كَانَتْ بِاُلْفِعْلِ، أَوْ أَقْصَرَ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِاُلْمُمْتَنِعِ فِي نَفْسِهِ. إِذَنْ فاُللهُ كَانَ  قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ اُلْعَالَمَ قَبْلَ خَلْقِهِ بِاُلْفِعْلِ بِمُدَّةٍ مَا، ثُمَّ بِمُدَّةٍ أُخْرَى أَطْوَلَ مِنَ اُلأُولَى اُلْمَفْرُوضَةِ، ثُمَّ بِمُدَّةٍ أُخْرَى أَطْوَلَ مِنَ اُلثَّانِيَةِ إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ فِي اُلطُّولِ. وَقَدْ تَكُونُ اُلْمُدَّةُ الأُولَى اُلْمَفْرُوضَةُ سَنَةً، وَاُلثَّانِيَةُ مِائَةَ سَنَةٍ، وَاُلثَّالِثَةُ أَلْفَ سَنَةٍ، إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مِنْ مَقَادِيرِ اُلسَّنَوَاتِ.    

 

لِذَلِكَ فَاُلْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ الأَوَّلِ وَالآنَ أَطْوَلُ مِنَ اُلْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ اِبْتِدَاءِ اُلْعَالَمِ بِاُلْفِعْلِ وَالآنَ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِسَنَةٍ. وَاُلْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلثَّانِي وَالآنَ تَزِيدُ عَلَيْهَا بِمِائَةِ سَنَةٍ، وَتَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلأوَّلِ بِتِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَاُلْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلثَّالِثِ وَالآنَ تَزِيدُ عَلَيْهَا بِأَلْفِ سَنَةٍ، وَتَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلأَوَّلِ بِتِسْعِ مِائَةٍ وَتِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَتَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلثَّانِي بِتِسْعِ مِائَةٍ. إِلَى غَيْرِهِ. 

3) [وَأَنَّ هَذِهِ اُلتَّقْدِيرَاتُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي اُلْمِقْدَارِ وَاُلْكَمِّيَةِ]، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ إِنَّمَا هِيَ مَقَادِيرُ وَكَمِّيَاتٌ، لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى نِسَبٍ يُفْهَمُ مِنْهَا اُلْمُطَابَقَةُ وَاُلْمُسَاوَاةُ وَاُلتَّفَاوُتُ، أَيِ اُلْمُقَايَسَةَ بِاُلأَعْظَمِ، وَاُلأَصْغَرِ.

4) [فَلاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ… وَأَطْوَلُ مِنْ اُلْبَعْض]، وَكَمَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اُلْكَمَّ عَرَضٌ، وَاُلْعَرَضُ لاَ يَقُومُ بِذَاتِهِ بَلْ بِمَوْضُوعٍ، وَلاَ يُوجَدُ إِلاَّ بِوُجُودِ مَوْضُوعٍ. لِذَلِكَ فَإِنَّ اُلْكَمَّ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ شَيْءٍ ذِي كَمٍّ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى اُلْكَمِّ، بِاُلطَّبْعِ، وَهْوَ اُلنَّوْعُ اُلأَوَّلُ مِنْ أَنْوَاعِ اُلتَّقَدُّمِ. فَإِذْ كُنَّا قَبْلَ اُلْعَالَمِ بِاُلْفِعْلِ قَدْ أَثْبَتْنَا مَقَادِيرَ مُخْتَلِفَةَ اُلنِّسَبِ، كَأَلْفِ سَنَةٍ أَطْوَلُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَنِسْبَتُهَا إِلَيْهَا عَشَرَةُ أَمْثَالٍ، فَهَلُمَّ جَرَّا. فَوَاجِبٌ إِذَنْ أَنْ نُثْبِتَ أَيْضًا شَيْئًا تَعْرِضُ لَهُ هَذِهِ اُلْمَقَادِيرُ، بِوَسَاطَتِهَا إِنَّمَا يُقَالُ إِنَّ بَعْضَهُ أَطْوَلُ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ أَقْصَرُ، أَوْ مُسَاوٍ. وَهَذَا اُلشَّيْءِ إِنَّمَا هُوَ اِمْتِدَادٌ مَا، وَهْوَ اُلزَّمَانُ.  

5) [فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ… وَدَوَرَانِه]، وَقَدْ يَتَمَسَّكُ مُعْتَرِضٌ مَا بِأَنَّهُ وَإِنْ كُنَّا نُقِرُّ بِأَنَّ خَلْقَ اُلْعَالَمِ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ خَلْقِهِ بِمُدَّةٍ، فَإِنَّا لاَ نُجَوِّزُ أَنْ تَكُونَ اُلْمُدَّةُ تُوصَفُ بِاُلسَّنَةِ وَاُلسَّنَوَاتِ. لِأَنَّ اُلسَّنَةَ إِنَّمَا هِيَ دَوْرَةُ فَلَكِ هَذَا اُلْعَالَمِ، بِثَلاَثِمِئَةٍ وَخَمْسٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعِ يَوْمٍ. فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ نُطْلِقَهَا عَلَى مَا قَبْلَ اُلْعَالَمِ.

6) [فَلِنَتْرُكْ لَفْظَ “اُلسِّنِينَ… أَلْفَ دَوْرَةٍ مَثَلاً]، فَأَجَابَ اُلْفَلاَسِفَةُ فَلِنَتْرُكْ هَذِهِ اُللَّفْظَةَ لَفْظَةَ اُلسَّنَةِ، وَلِنَصُغِ اُلْكَلاَمَ صَوْغًا آخَرَ. إِذِ اُلْعَالَمُ عَلَى زَعْمِكُمْ لَهُ بِدَايَةٌ، وَطَرَفٌ يَنْتَهِي عِنْدَهُ الآنَ. وَأَوَّلَ مَا خُلِقَ إِلَى الآنَ فَقَدْ دَارَ فَلَكُهُ دَوْرَاتٍ مُتَّصِلَةٍ، وَهْيَ مُتَنَاهِيَةُ اُلْعَدَدِ لاَمَحَالَةَ، لِأَنَّ وُجُودَهُ مُتَنَاهِي اُلطَّرَفَيْنِ. وَلِنَفْرِضْ أَنَّ عِدَّتَهَا هِيَ أَلْفُ دَوْرَةٍ.

7) [فَهَلْ كَانَ الله سُبْحَانَهُ قَادِرًا… بِأَلْفٍ وَمِائَةِ دَوْرَةٍ]، فَاُلسُّؤَالُ عَلَيْكُمْ، إِنَّ اُلْعَالَمَ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ أَنْ يُخْلَقَ قَبْلَ خَلْقِهِ، عَالَمٌ آخَرُ مِثْلُهُ، وَإِمَّا أَنْ لاَ يُمْكِنَ. فَإِنْ أَمْكَنَ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى خَلْقِهِ أَوْ غَيْرَ قَادِرٍ. فَإِنْ قَدِرَ، فَلِنَفْرِضْ أَنَّهُ لَوْ خَلَقَهُ كَانَ قَدْ دَارَ فَلَكُهُ، مِنْ خَلْقِهِ إِيَّاهُ إِلَى اُلْيَوْمِ أَلْفًا وَمِائَةَ دَوْرَةٍ.      

8) [فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ… الاِسْتِحَالَةِ إِلَى الإِمْكَانِ]، وَمَا كَانَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا بِـلاَ، لِأَنَّ اِمْتِنَاعَ هَذَا اُلْخَلْقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ مُمْكِنًا، فَيَلْزَمُ أَنَّ اُلْبَارِئَ سُبْحَانَهُ كَانَ عَاجِزًا، وَمَا صَارَ قَادِرًا إِلاَّ حِينَ خَلَقَ هَذَا اُلْعَالَمَ اُلْمَوْجُودَ، وَهَذَا مُحَالٌ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ اِمْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ اُلْمُمْتَنِعَ فِي ذَاتِهِ قَدِ اِنْقَلَبَ مُمْكِنًا حَتَّى خُلِقَ حِينَ خُلِقَ، وَهَذَا أَيْضًا مُحَالٌ. وَفِي اُلنُّسْخَةِ اُلْمَطْبُوعَةِ تَرْتِيبُ اُلْجُمْلَةِ هَكَذَا “أَوِاُلْعَالَمُ مِنَ الإِمْكَانِ إِلَى الاِسْتِحَالَةِ.” وَهْوَ خَطَأٌ. 

9) [وَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ… وَلاَ بُدَّ مِنْ نَعَمْ]، فَأَنْتُمْ إِذَنْ مُلْزَمُونَ بِأَنْ تَقُولُوا “نَعَمْ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ قَبْلَهُ عَالَمًا ثَانِيًا مِثْلَهُ بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَى زَمَانِنَا هَذَا بِأَلْفٍ وَمِائَةِ دَوْرَةٍ”.وَلِنَفْسِ هَذَا اُلسَّبَبِ فَأَنْتُمْ مُلْزَمُونَ أَيْضًا بِأَنْ تُسَلِّمُوا بِقُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ عَالَمًا ثَالِثًا بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَى زَمَانِنَا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ دَوْرَةٍ.

10) [بِأَلْفٍ]، فِي اُلنُّسْخَةِ اُلْمَطْبُوعَةِ “بِأَلْفَيْ.”          

11) [فَنَقُولُ هَذَا اُلْعَالَمُ… مَسَافَةِ اُلْحَرَكَةِ وَسُرْعَتِهَا]، ثُمَّ إِنَّا نَأْتِي عَلَيْكُمْ بِهَذَا اُلسُّؤَالِ اُلثَّانِي. لَقَدْ وَافَقْتُمُونَا بِحُكْمِ اُلضَّرُورَةِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ عَالَمٍ هُوَ ثَالِثٍ فِي اُلْفَرْضِ وَاُلتَّقْدِيرِ، وَلَكِنَّهُ سَابِقٌ بِحَسَبِ عَدَدِ اُلدَّوْرَاتِ. وَإِذْ أَنَّ عَدَدَ دَوْرَاتِهِ إِلَى الآنَ هِيَ أَلْفٌ وَمِائَتَا دَوْرَةٍ، وَعَدَدَ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ ثَانِيًا إِلَى الآنَ هِيَ أَلْفٌ وَمِائَةُ دَوْرَةٍ، وَكُلُّ دَوْرَةٍ فِي أَحَدِ اُلْعَالَمَيْنِ هِيَ مُسَاوِيَةٌ لِأُخْتِهَا فِي اُلْعَالَمِ الآخَرِ، مِنْ حَيْثُ اُلْمَسَافَةِ وَمِنْ حَيْثُ اُلسُّرْعَةِ، لِأَنَّ اُلْعَالَمَ اُلْمَفْرُوضَ دَائِمًا هُوَ مَفْرُوضٌ مُمَاثِلاً لِلْعَالَمِ اُلْمَوْجُودِ. إِذَنْ فَاُلْفَلَكُ اُلأَقْصَى فِي كُلِّ عَالَمٍ مَفْرُوضٍ هُوَ مِثْلُ اُلْفَلَكِ الأَقْصَى فِي اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ الآخَرِ. فَإِذْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اِبْتِدَاءُ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ ثَالِثًا مَعَ اِبْتِدَاءِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلثَّانِي. عَلَى مَعْنَى أَنَّ الاِمْتِدَادَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ نَتَصَوَّرَهُ لِدَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي مِنْ أَوَّلِ اِبْتِدَائِهَا حَتَّى الآنَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَسَعَ كُلَّ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ مِنْ أَوَّلِ اِبْتِدَائِهَا إِلَى الآنَ. وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدٌ إِنَّهُ سُؤَالٌ فِي أَمْرٍ بَيِّنٍ بِذَاتِهِ إِذْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَدَدُ دَوْرَاتِ اُلثَّالِثِ أَكْثَرَ مِنْ اُلثَّانِي، وَاُلْعَدَدُ الأَكْثَرُ هُوَ مِثْلُ الأَقَلِّ وَزِيَادَةٌ، وَاُلنِّهَايَةُ لَهُمَا مِنَ اُلطَّرَفِ الَّذِي يَلِينَا وَاحِدَةٌ، فَلاَ مَحَالَةَ فَإِنَّ اِبْتِدَاءَ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ هِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى اِبْتِدَاءِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَوْرَةُ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ اُلْوَاحِدَةُ أَسْرَعَ مِنْ دَوْرَةِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي اُلْوَاحِدَةِ، لَجَازَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ اِبْتِدَاءُ هَذَا اُلْعَالَمِ مُوَافِقًا لِابْتِدَاءِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي، بَلْ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ اِبْتِدَاؤُهُ مُتَأَخِّرًا عَنِ اِبْتِدَائِهِ. لِذَلِكَ كَانَ الامْتِدَادُ اُلْمَذْكُورُ لِدَوْرَاتِ اُلْفَلَكِ هُوَ غَيْرَ اُلْعَدَدِ الَّذِي لَهَا، وَهْوَ إِنَّمَا بِاُلْقِيَاسِ إِلَيْهِ إِنَّمَا يُقَالُ إِنَّ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ قَدْ يَسَعُهَا هَذَا الاِمْتِدَادُ مِنْ طَرَفَيْهِ أَوْ لاَ يَسَعُهَا.  

12) [فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ… وَالأَعْدَادُ مُتَفَاوِتَةٌ]، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تَقُولُوا نَعَمْ إِنَّ اِبْتِدَاءَ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ يَجُوزُ أَنْ يُوَافِقَ اِبْتِدَاءَ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي، إِذْ أَنَّ عَدَدَ دَوْرَاتِهِ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي. وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِسَائِرِ اُلشُّرُوطِ اُلْمُبَيَّنَةِ آنِفًا، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا حِينَ قَالَ “وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي مَسَافَةِ اُلْحَرَكَةِ وَسُرْعَتِهَا”. 

13) [وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ اُلْعَالَمَ… إِلَيْنَا بِأَلْفٍ وَمِائَةِ دَوْرَةٍ]، وَلَنْ تَقُولُوا هَذَا بِحَسَبِ اِخْتِيَارِكُمْ، بَلْ بِحَسَبِ اُلضَّرُورَةِ  اُلْمُلْزِمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مُنْذُ حِينٍ.

14) [بَلْ لاَ بُدَّ أَنْ يَخْلُقَهُ قَبْلَهُ… وَقْتِنَا إِلَيْهِ فِي اُلتَّقْدِيرِ]، لَقَدْ قُلْنَا إِنَّ هَذَا اُلْعَالَمَ لَهُ اِبْتِدَاءٌ، لِذَلِكَ كَانَ عَدَدُ دَوْرَاتِ فَلَكِهِ مَحْدُودًا مِنَ اُلْبِدَايَةِ إِلَى الآنَ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ اُلدَّوْرَاتِ يُمْكِنُ أَنْ نَتَوَهَّمَ لَهَا اِمْتِدَادًا يَسْتَوْعِبُهَا كُلَّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. وَاُلْعَالَمُ اُلْمَفْرُوضُ ثَانِيًا عَدَدُ دَوْرَاتِهِ يَزِيدُ عَلَى عَدَدِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ بِمِائَةِ دَوْرَةٍ، لِذَلِكَ فَإِنَّ اِبْتِدَاءَهُ هُوَ قَبْلَ اِبْتِدَاءِ هَذَا اُلْعَالَمِ. وَكَذَلِكَ لِدَوْرَاتِهِ كُلِّهَا اِمْتِدَادٌ يَسْتَوْعِبُهَا كُلَّهَا. فَوَاجِبٌ إِذَنْ أَنَّ اِمْتِدَادَ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ ثَانِيًا سَيَكُونُ فَائِتًا عَلَى اِمْتِدَادِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ، وَأَنَّ نِسْبَةَ فَضْلِهِ عَلَيْهِ إِلَى الاِمْتِدَادِ الأَوَّلِ، هِيَ عَلَى نِسْبَةِ فَضْلِ عَدَدِ دَوْرَاتِهِ إِلَى دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ. لَكِنَّ اُلْعَالَمَ اُلْمَفْرُوضَ ثَالِثًا الَّذِي عَدَدُ دَوْرَاتِهِ إِلَى الآنَ هُوَ أَلْفٌ وَمِائَتَا دَوْرَةٍ، فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلثَّانِي بِمِائَةِ دَوْرَةٍ، وَهْوَ بِعَيْنِهِ عَدَدُ اُلدَّوْرَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُ بِهَا اُلْعَالَمُ الثَّانِي هَذَا اُلْعَالَمَ الأَوَّلَ، أَعْنِي مِائَةَ دَوْرَةٍ. وَهَذَا اُلْعَالَمُ سَمَّيْنَاهُ أَوَّلاً لاَ مِنْ جِهَةِ تَرْتِيبِهِ فِي اُلْخَلْقِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ تَرْتِيبِهِ فِي اُلْفَرْضِ وَاُلتَّقْدِيرِ. 

15) [فَيَكُونُ قُدِّرَ إِمْكَانٌ… هُوَ ضِعْفُ اُلْكُلِّ] ، يُرِيدُ بِالإِمْكَانِ الاِمْتِدَادَ اُلْمُتَصَوَّرَ لِدَوْرَاتِ اُلْفَلَكِ كُلِّهَا لِكُلِّ عَالَمٍ عَالَمٍ. وَلَفْظَةُ “الإِمْكَانِ” هِيَ الَّتِي اِسْتَعْمَلَهَا اِبْنُ سِينَا فِي إِلاَهِيَّاتِ اُلشِّفَاءِ حِينَ مُنَاقَضَتِهِ لِأَصْحَابِ اُلْحُدُوثِ، وَاسْتَعْمَلَهَا أَيْضًا لِإِثْبَاتِ اُلزَّمَانِ وَبَيَانِ مَا حَقِيقَتُهُ، فِي سَمَّاعِ اُلشِّفَاءِ، وَفِي طَبِيعِيَّاتِ “اُلنَّجَاةُ”. إِذَنْ فَلِيَكُنْ أ ب اِمْتِدَادَ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ الَّتِي عَدَدُهَا أَلْفٌ. وَلِيَكُنْ أ ج اِمْتِدَادَ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ ثَانِيًا الَّتِي عَدَدُهَا أَلْفٌ وَمِائَةُ دَوْرَةٍ. وَلِيَكُنْ أ د اِمْتِدَادَ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلثَّالِثِ الَّتِي عَدَدُهَا أَلْفٌ وَمِائَتَا دَوْرَةٍ. وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ نِسْبَةَ فَضْلِ اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي عَلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ، وَهْــوَ ب ج، إِلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ، كَنِسْبَةِ فَضْلِ عَدَدِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي عَلَى دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ، إِلَى دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ، أَعْنِي كَنِسْبَةِ مِائَةٍ إِلَى أَلْفٍ. كَذَلِكَ نِسْبَةُ ب د الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ ب ج وَ ج د، إِلَى أ ب، كَنِسْبَةِ مِائَتَيْنِ إِلَى أَلْفٍ. فَيَلْزَمُ أَنَّ نِسْبَةَ اُلْبَاقِي ج د بَعْدَ نُقْصَـانِ ب ج  من ب د، إِلَى أ ب، كَنِسْبَةِ اُلْبَاقِي مِائَةِ دَوْرَةٍ بَعْدَ نُقْصَانِ مِائَةٍ مِنْ مِائَتَيْ دَوْرَةٍ إِلَى أَلْفِ دَوْرَةٍ. وَهَذِهِ اُلنِّسْبَةُ بِعَيْنِهَا هِيَ مِثْلُ نِسْبَةِ اِمْتِدَادِ ب ج إِلَى اِمْتِدَادِ أ ب. إِذَنْ فَنِسْبَةُ اِمْتِدَادِ ج د إِلَى اِمْتِدَادِ أ ب كَنِسْبَةِ اِمْتِدَادِ ب ج إِلَى اِمْتِدَادِ أ ب بِعَيْنِهِ. إِذَنْ فَامْتِدَادُ ج د هُوَ مُسَاوٍ لِامْتِدَادِ ب ج، بِمَا بَانَ فِي اُلشَّكْلِ اُلتَّاسِعِ مِنَ اُلْمَقَالَةِ اُلْخَامِسَةِ مِنْ “أُصُولُ أُقْلِيدِسْ”. إِذَنْ فَامْتِدَادُ ب د الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ اِمْتِدَادَي ب ج و ج د، أَوْ كَمَا يَقُولُ الإمام الغزالي، فَالإِمْكَانُ اُلْمُتَعَلِّقُ بِمِائَتَيْ دَوْرَةٍ الَّتِي يَفْضُلُ بِهَا اُلْعَالَمُ اُلْمَفْرُوضُ ثَالِثًا عَلَى اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ، هُوَ ضِعْفُ الإِمْكَانِ اُلْمُتَعَلِّقِ بِمِائَةِ دَوْرَةٍ الَّتِي بِهَا يَفْضُلُ اُلْعَالَمُ اُلثَّانِي اُلْمَفْرُوضُ عَلَى الأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ “وَلاَ بُدَّ مِنْ إِمْكَانٍ آخَرَ هُوَ ضِعْفُ اُلْكُلِّ” فَمَعْنَاهُ أَنَّ اُلذَّهَابَ فِي هَذِهِ الإِمْكَانَاتِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مِنْ جِهَةِ اُلصُّعُودِ هُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَثَابِتٌ. لِذَلِكَ فَكَمَا كَانَ هُنَاكَ إِمْكَانُ ب د هُوَ ضِعْفُ إِمْكَانِ ب ج، و ب د هُوْ كُلٌّ مُجْتَمِعٌ من ب ج وَ ج د، كَذَلِكَ فَهُنَاكَ إِمْكَانٌ آخَرٌ هُوَ ضِعْفُ ب د، وَإِمْكَانٌ آخَرٌ هُوَ ضِعْفُ هَذَا اُلضِّعْفِ، إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ.

أ ب، اِمْتِدَادُ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ.     

ب ج، فَضْلُ اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي عَلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ

ج د، فَضْلُ اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ عَلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي

ب د، مَجْمُوعُ فَضْلِ اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي عَلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ وَ فَضْلِ اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ عَلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّانِي. وَأَيْضًا هُوَ فَضْلُ اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ اُلثَّالِثِ عَلَى اِمْتِدَادِ دَوْرَاتِ اُلْعَالَمِ الأَوَّلِ.

16) [فَهَذَا الإِمْكَانُ اُلْمُقَدَّرُ… إِلاَّ اُلزَّمَانُ]، إِذَنْ فَهُنَاكَ شَيْءٌ سَمَّيْنَاهُ اِمْتِدَادًا أَوْ سَمَّيْنَاهُ إِمْكَانًا، إِنَّمَا تَعْرِضُ لَهُ اُلنِّسَبُ اُلْكَمِّيَةُ مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ، وَضِعْفٍ وَنِصْفٍ، فَهَلُمَّ جَرَّا. وَاُلْكَمُّ عَرَضٌ لاَ يَقُومُ إِلاَّ بِمَوْضُوعٍ ثَابِتٍ. إِذَنْ فَهَذَا الإِمْكَانُ هُوَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ، وَما ذَلِكَ إِلاَّ اُلزَّمَانُ.

17) [فَلَيْسَتْ هَذِهِ اُلْكَمِّيَاتُ… بِمَقَادِيرَ مُخْتَلِفَةٍ]، وَإِنَّمَا حَصَرْنَا هَذَا اُلإِمْكَانَ فِي اُلزَّمَانِ فَقَطْ لِأَنَّ كُلَّ اُلأَشْيَاءِ الأُخْرَى الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَاحِدٌ مِنْهَا هُوَ هَذَا الإِمْكَانَ بِعَيْنِهِ وَاضِحٌ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ذَاكَ فِيهِ أَصْلاً. وَقَدْ نُجْمِلُهَا فِي ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ وَهْيَ، إِمَّا اُلْعَالَمُ اُلْمَوْجُودُ، وَإِمَّا اُلْبَارِئُ تَعَالَى، وَإِمَّا نَفْسُ اُلْعَدَمِ اُلْمُتَقَدِّمِ عَلَى اُلْوُجُودِ. وَبَيِّنٌ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ اُلْعَالَمَ اُلْمَوْجُودَ، لِأَنَّ هَذَا الإِمْكَانَ إِنَّمَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى وُجُودِ اُلْعَالَمِ. وَلاَ اُلْبَارِئُ، لِأَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى مُتَنَزِّهَةٌ عَنِ اُلْكَمِّ، وَهَذَا الإِمْكَانُ مِمَّا يَعْرِضُ لَهُ اُلتَّقْدِيرُ. وَلاَ اُلْعَدَمُ اُلسَّابِقُ، لِأَنَّ اُلْعَدَمَ لاَ شَيْءٌ، وَاُلتَّقْدِيرُ هُوَ عَرَضٌ لاَ يَقُومُ إِلاَّ بِشَيْءٍ. فَبَقِيَ أَنَّهُ هُوَ اُلزَّمَانُ.

18) [وَاُلْكَمِّيَةُ صِفَةٌ… هُوَ قَدْرُ اُلْحَرَكَةِ]، وَاُلْكَمِّيَةُ هِيَ عَارِضَةٌ لِشَيْءٍ ضَرُورَةً، وَهْيَ إِنَّمَا مِنْ جِهَةِ مَا هِيَ عَارِضَةٌ لِلشَّيْءِ هِيَ زَمَانٌ، لِذَلِكَ فَإِنَّ مَعْرُوضَهَا الأَوَّلَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلاَّ اُلْحَرَكَةَ، وَاُلزَّمَانُ إِنَّمَا هُوَ قَدْرُ اُلْحَرَكَةِ.  

19) [فَإِذَنْ قَبْلَ اُلْعَالَمِ… عِنْدَكُمْ زَمَانٌ]، إِذَنْ فَقَبْلَ اُلْعَالَمِ الَّذِي جَعَلْتُمُوهُ حَادِثًا، هُنَاكَ زَمَانٌ لاَ مَحَالَةَ، وَهْوَ لَكَذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَنَا فَقَطْ، بَلْ عِنْدَكُمْ أَيْضًا، وَإِذْ قُلْنَا عِنْدَكُمْ، فَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّكَمْ تُصَرِّحُونَ بِهِ قَوْلاً، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الأَصْلَ الَّذِي تَتَقَلَّدُونَهُ وَهْوَ أَنَّ اللهَ قُدْرَتُهُ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ، فَإِنَّ اُلْقِيَاسَ اُلْمُبْتَدِئَ مِنْهُ إِنَّمَا يُفْضِي ضَرُورَةً إِلَى هَذَا اُلْحُكْمِ اُلْمَذْكُورِ.    

-II قَالَ الإمام الغزالي “الاِعْتِرَاضُ، إِنَّ كُلَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ اُلْوَهْمِ1 وَأَقْرَبُ طَرِيقٍ فِي دَفْعِهِ اُلْمُقَابَلَةُ لِلزَّمَانِ بِاُلْمَكَانِ2، فَإِنَّا نَقُولُ هَلْ كَانَ فِي قُدْرَةِ اللهِ أَنْ يَخْلُقَ اُلْفَلَكَ الأَعْلَى فِي سُمْكٍ أَكْبَرَ مِمَّا خَلَقَهُ بِذِرِاعٍ. فَإِنْ قَالُوا لاَ، فَهْوَ تَعْجِيزٌ، وَإِنْ قَالُوا نَعَمْ، فَبِذِرَاعَيْنِ، وَثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ، وَكَذَلِكَ يُرْتَقَى إِلَى غَيْرَ نِهَايَةٍ3. فَنَقُولُ فِي هَذَا إِثْبَاتُ بُعْدٍ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ لَهُ مِقْدَارٌ وَكَمِّيَةٌ، إِذَ الأَكْبَرُ بِذِرَاعَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ مَا يَشْغُلُ مَكَانًا أَكْبَرَ مِنْ مَكَانٍ يَشْغُلُهُ الأَكْبَرُ بِذِرَاعٍ، فَوَرَاءَ اُلْعَالَمِ بِحُكْمِ هَذَا كَمِّيَةٌ، فَتَسْتَدْعِي ذَا كَمٍّ وَهْوَ اُلْجِسْمُ أَوِ اُلْخَلاَءُ، فَوَرَاءَ اُلْعَالَمِ خَلاَءٌ أَوْ مَلاَءٌ. فَمَا اُلْجَوَابُ عَنْهُ4. وَكَذَلِكَ هَلْ كَانَ الله قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ كُرَةَ اُلْعَالَمِ أَصْغَرَ مِمَّا خَلَقَهَا بِذِرَاعٍ ثُمَّ بِذِرَاعَيْنِ. وَهَلْ بَيْنَ اُلتَّقْدِيرَيْنِ تَفَاوُتٌ فِيمَا يَنْتَفِي مِنَ اُلْمَلاَءِ5 وَاُلشُّغْلِ لِلأَحْيَازِ، إِذِ اُلْمَلاَءُ اُلْمُنْتَفِي عِنْدَ نُقْصَانِ ذِرَاعَيْنِ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْتَفِي عِنْدَ نُقْصَانِ ذِرَاعٍ فَيَكُونُ اُلْخَلاَءُ مِقْدَارًا، وَاُلْخَلاَءُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مِقْدَارًا6. وَجَوَابُنَا فِي تَخْيِيلِ اُلْوَهْمِ تَقْدِيرَ الإِمْكَانَاتِ اُلزَّمَانِيَّةِ قَبْلَ وُجُودِ اُلْعَالَمِ كَجَوَابِكُمْ فِي تَخْيِيلِ اُلْوَهْمِ تَقديرَ الإِمْكَانَاتِ اُلْمَكَانِيَّةِ وَرَاءَ وُجُودِ اُلْعَالَمِ وَلاَ فَرْقَ7.          

شَرْحٌ -II-

1) [الاِعْتِرَاضُ… عَمَلِ اُلْوَهْمِ]، وَاعْتِرَاضُ الإمام الغزالي أَنَّ هَذِهِ الإِمْكَانَاتِ اُلْمُقَدَّرَةَ الَّتِي أَثْبَتُّمُوهَا، وَقُلْتُمْ إِنَّهَا هِيَ اُلزَّمَانُ إِنَّمَا هِيَ وَهْمٌ مَحْضٌ. وَهَذَا اُلتَّأْكِيدُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومًا، لِأَنَّ اُلْخَيَالَ أَوِ اُلْوَهْمَ قَدْ يَدْخُلُ فِي بِنَاءِ اُلْمَعَانِي اُلصَّحِيحَةِ، إِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى شَيْءٍ حَقِيقِيٍّ مَوْجُودٍ، كَحَالِهِ مَعَ اُلْعَقْلِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُحَصِّلَ اُلصُّوَرَ اُلْمَعْقُولَةَ لِلْمَحْسُوسَاتِ اُلْمَوْجُودَةِ إِلاَّ بِوَسَاطَةِ اُلْخَيَالِ.   

2) [وَأَقْرَبُ طَرِيقٍ… لِلزَّمَانِ بِاُلْمَكَانِ]، وَهُنَاكَ طَرِِيقٌ لاَ نَحْتَمِلُ فِيهِ عَنَاءَ اُلْبَحْثِ لِدَفْعِ الإِلْزَامِ الَّذِي أَلْزَمْتُمُونَا إِيَّاهُ، وَهْوَ مُشَابَهَةُ اُلزَّمَانِ مِنْ هَذِهِ اُلْجِهَةِ بِاُلْمَكَانِ.

3) [فَإِنَّا نَقُولُ هَلْ… إِلَى غَيْرَ نِهَايَةٍ]، وَنَبْدَؤُهُ مِنْ ذَا : إِنَّ اُلْفَلَكَ اُلأَعْلَى اُلْمُحِيطَ بِاُلْعَالَمِ، وَهْوَ فَلَكُ اُلثَّوَابِتِ قَبْلَ بَطْلَيْمُوسْ، أَوِ اُلْفَلَكُ اُلْغَيْرُ مُكَوْكَبِ عِنْدَهُ، إِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ قَدْرُ سَمْكِهِ. وَإِذْ أَنَّ اُلْفَلَكَ هُوَ جِسْمٌ كُرِّيٌّ يُحِيطُ بِهِ سَطْحَانِ مُتَوَازِيَانِ مَرْكَزُهُمَا مَرْكَزُ اُلْعَالَمِ، فَسَمْكُ اُلْفَلَكِ هُوَ اُلْبُعْدُ الَّذِي بَيْنَ ذَيْنِكَ اُلسَّطْحَيْنِ اُلْمُسَمَّى قَدِيمًا ثِخَنًا. فَسُؤَالُ الإمام الغزالي لِلْفَلاَسِفَةِ هَلْ كَانَ اللهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ هَذَا اُلسَّمْكَ أَكْبَرَ مِمَّا خَلَقَهُ بِذِرَاعٍ، ثُمَّ بِذِرَاعَيْنِ، ثُمَّ بِثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ، وَكَذَلِكَ يُرْتَقَى إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. وَهُمْ لاَ بُدَّ أَنْ يُجِيبُوا بِنَعَمْ، لِأَنَّ “لاَ” إِنَّمَا تُوجِبُ وَصْفَ اُلْبَارِئِ تَعَالَى بِاُلْعَجْزِ، لِأَنَّ عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا، كُلُّ مَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَقْدُورَاتِهِ قَطْعًا.

4) [فَنَقُولُ فِي هَذَا إِثْبَاتُ… فَمَا اُلْجَوَابُ عَنْهُ]، لَكِنْ هَذِهِ اُلزِّيَادَةُ اُلْجِسْمِيَّةُ اُلْمَفْرُوضَةُ عَلَى مِقْدَارِ اُلْعَالَمِ، بِمِقْدَارِ ذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ، إِنَّمَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ بِاُلْفِعْلِ مَكَانًا يَسَعُ هَذِهِ اُلزِّيَادَةَ. وَلَمَّا كَانَ اُلإِمْكَانُ فِي اُلزِّيَادَةِ اُلْجِسْمِيَّةِ غَيْرَ مَحْدُودٍ، إِذَنْ فَاُلإِمْكَانُ اُلْمُحِيطُ بِهَذَا اُلْعَالَمِ هُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وَهْوُ كَمِّيَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ. فَوَرَاءَ اُلْعَالَمِ خَلاَءٌ أَوْ مَلاَءٌ. وَتَصْوِيرُ مَعْنَى اُلْكَلاَمِ قَدْ يَكُونُ بِهَذَا اُلْمِثَالِ، إِذْ لَوْ غَرَسْنَا فَسِيلَةً فِي بَيْتٍ قَصِيرِ الاِرْتِفَاعِ، ذَي سَقْفٍ رَقِيقٍ هَشٍّ، ثُمَّ إِنَّهَا بَعْدَ زَمَانٍ صَارَتْ شَجَرَةً وَزَادَ طُولُهَا، فَإِنَّ تِلْكَ اُلزَّيَادَةَ فِي مِقْدَارِ اُلشَّجَرَةِ سَوْفَ تَقْتَضِي حَتْمًا مَكَانًا تَشْغَلُهُ وَلَيْسَ لَهَا مِنْ غِنًى أَلْبَتَّةَ عَنْهُ. وَاُلدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ مَا نَرَاهُ مِنْ خَرْقِهَا لِلسَّقْفِ، وَاِمْتِدَادِهَا إِلَى وَرَائِهِ.

   وَقَوْلُهُ فَمَا اُلْجَوَابُ عَنْهُ، فَفِي مَعْنَى أَنَّ هَذَا عِنْدَكُمْ إِنَّمَا هُوَ مُحَالٌ. لِأَنَّ هَذَا اُلْبُعْدَ الَّذِي يَزِيدُ بِزِيَادَةِ اُلْجِسْمِ فِي اُلْفَرْضِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَلاَءً، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلاَءً. فَإِنْ كَانَ مَلاَءً، فَهْوَ جِسْمٌ بِاُلْفِعْلِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وَقَدْ مَنَعْتُمْ ذَلِكَ فِي اُلطَّبِيعِيَّاتِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلاَءً، وَاُلْخَلاَءُ لاَ شَيْءٌ، وَاُلتَّقْدِيرُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِضَ لِلْعَدَمِ. لَكِنَّ هَذَا اُلْمَعْنَى اُلْمُتَوَهَّمَ هُوَ مِمَّا يَعْرِضُ لَهُ اُلتَّقْدِيرُ، فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَلاَءً. وَإِذِ اِمْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَلاَءً أَوْ خَلاَءً، فَلاَ جَرَمَ أَنَّكُمْ تَقْضُونَ فِيهِ بِأَنَّهُ فَقَطْ إِنَّمَا هُوَ مِنْ صُنْعِ اُلْوَهْمِ، وَأَنَّ لِلْعَالَمِ نِهَايَةً فِي اُلْمِقْدَارِ لاَ مَحَالَةَ.

5) [فِيمَا يَنْتَفِي مِنَ اُلْمَلاَءِ]، فِي اُلنُّسْخَةِ اُلْمَطْبُوعَةِ مَوْجُودٌ “اُلْخَلاَءِ”، وَهْوَ خَطَأٌ، بَلِ اُلصَّوَابُ “اُلْمَلاَءِ”.

6) [وَكَذَلِكَ هَلْ كَانَ الله قَادِرًا… فَكَيْفَ يَكُونُ مِقْدَارًا]، وَكَمَا بَانَ الأَمْرُ بِفَرْضِ زِيَادَةٍ مُطَّرِدَةٍ عَلَى سَمْكِ اُلْعَالَمِ اُلْمَوْجُودِ، كَذَلِكَ هُوَ يَبِينُ أَيْضًا بِفَرْضِ نُقْصَانٍ مُطَّرِدٍ فِي هَذَا اُلسَّمْكِ. لِأَنَّهُ فِي قُدْرَةِ الإِلاَهِ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ عَالَمًا أَصْغَرَ مِنْ هَذَا بِذِرَاعٍ، ثُمَّ بِذِرَاعَيْنِ، وَهَكَذَا. فَكَانَ سَيَكُونُ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ اُلأَخِيرِ مَكَانٌ كَانَ يَشْغَلُهُ اُلْجُزْءُ مِنْ جِسْمِ اُلْعَالَمِ اُلْمَوْجُودِ اُلَّذِي يَفْضُلُ بِهِ هَذَا اُلْعَالَمُ عَلَى اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ الأَخِيرِ. وَإِذْ أَنَّ هَذَا اُلْجِسْمُ هُوَ مُقَدَّرٌ، كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا اُلْمَكَانَ إِنَّمَا يَلْحَقُهُ اُلتَّقْدِيرُ اُلتَّابِعُ لِتَقْدِيرِ اُلْجُزْءِ اُلْجِسْمِيِّ. فَإِذَنْ كَانَ سَيَكُونُ هُنَاكَ خَلاَءٌ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ اُلْمَفْرُوضِ الأَخِيرِ، ويَكُونُ مِقْدَارًا، وَاُلْخَلاَءُ إِذْ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلاَ يَكُونُ  مِقْدَارًا. والإمام الغزاليلَمْ يَذْكُرِ اُلْمَلاَءَ، لِأَنَّ اُلْمَلاَءَ هُوَ جِسْمٌ، وَمَا يَنْتَفِي مِنَ اُلْعَالَمِ بِمِقْدَارِ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَهَلُمَّ جَرَّا، فَهْوَ جِسْمٌ، فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى جِسْمٌ فِي اُلْحَيْزِ الَّذِي كَانِ فِيهِ بَعْدَ اِنْتِفَائِهِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ جِسْمَانِ قَدْ كَانَا مُتَدَاخِلَيْنِ، وَهْوَ مُحَالٌ. وَقَوْلُهُ “وَهَلْ بَيْنَ اُلتَّقْدِيرَيْنِ تَفَاوُتٌ فِيمَا يَنْتَفِي مِنَ اُلْمَلاَءِ وَاُلشُّغْلِ لِلأَحْيَازِ، إِذِ اُلْمَلاَءُ اُلْمُنْتَفِي عِنْدَ نُقْصَانِ ذِرَاعَيْنِ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْتَفِي عِنْدَ نُقْصَانِ ذِرَاعٍ” يُرِيدُ أَنَّ اُلْمَقَادِيرَ اُلْمُتَوَهَّمَةَ مَنْقُوصَةً مِنَ اُلْعَالَمِ اُلأَوَّلِ هِيَ ذَاتُ نِسَبٍ بَيْنَهَا، وَهَذِهِ اُلْمَقَادِيرُ إِنَّمَا يَتْبَعُ تَوَهُّمَهَا تَوَهَّمُ أَحْيَازٍ تَكُونُ مَوْجُودَةً فِيهَا شَاغِلَةً لَهَا. وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اُلأَحْيَازُ بِنَفْسِهَا إِنَّمَا هِيَ مَلاَءٌ، لِلاِمْتِنَاعِ اُلْمَذْكُورِ. إِذَنْ فَهْيَ خَلاَءٌ. وَلاَ بُدَّ أَنَّهُ بِقَدْرِ مَا يَنْقُصُ مِنْ مَلاَءٍ، فَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ خَلاَءٍ. وَلَكِنْ مَا بَيْنَ اُلْمَقَادِيرِ اُلْمَنْقُوصَةِ اُلْمَفْرُوضَةِ إِنَّمَا هُنَاكَ نِسَبٌ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ، فَهَلُمَّ جَرَّا. فَيَتْبَعُ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ أَنَّ اُلْخَلاَءَ أَيْضًا هُوَ ذُو أَجْزَاءٍ ذَاتِ نِسَبٍ بَيْنَهَا. إِذَنْ فَاُلْخَلاَءُ هُوَ مِقْدَارٌ، وَاُلْمِقْدَارُ إِنَّمَا هُوَ عَرَضٌ يَقُومُ بِمَوْجُودٍ، فَهْوَ مَوْجُودٌ. لَكِنَّ اُلْخَلاَءَ هُوَ عَدَمٌ، هَذَا خَلْفٌ. لِذَلِكَ كَانَ حُكْمُكُمْ بِأَنَّ اُلْعَالَمَ لاَ يُمْكِنُ أَصْلاً أَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ بِاُلْفِعْلِ.   

7) [وَجَوَابُنَا فِي تَخْيِيلِ اُلْوَهْمِ… وَلاَ فَرْقَ]، كَذَلِكَ أَيَّتُهَا اُلْفَلاَسِفَةُ، فَكَمَا صَرَفْتُمْ هَذِهِ اُلْحُجَّةَ اُلظَّاهِرَةَ بِوُجُودِ إِمْكَانَاتٍ مُقَدَّرَةٍ لاَ مُتَنَاهِيَةٍ قَدْ تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ اُلْعَالَمِ مَلاَءٌ أَوْ خَلاَءٌ، إِلَى اُلْوَهْمِ اُلصِّرْفِ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّ طَرِيقَ اُلْعَقْلِ إِنَّمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ اُلْعَالَمُ مُتَنَاهِيًا، فَإِنَّا نَحْنُ أَيْضًا إِنَّمَا نَصْرِفُ دَلِيلَكُمْ هَذَا بِوُجُودِ إِمْكَانَاتٍ مُقَدَّرَةٍ لاَ مُتَنَاهِيَةٍ قَبْلَ وَقْتِ اُلْعَالَمِ إِلَى اُلْوَهْمِ اُلصِّرْفِ، وَنَتَمَسَّكُ كَتَمَسُّكِكُمْ فِي اُلْمَكَانِ، بِأَنَّ اُلزَّمَانَ ذُو نِهَايَةٍ ضَرُورَةً. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اُلْمَكَانِ وَاُلزَّمَانِ مِنْ جِهَةِ صُورَةِ اُلْحُجَّةِ اُلْمُوهِمَةِ فِيهِمَا، لِأَنَّ مَنْزِلَةَ اُلْحَوَادِثِ اُلْمَفْرُوضَةِ إِلَى الإِمْكَانِ اُلْمَفْرُوضِ فِي اُلزَّمَانِ مُشَابِهَةٌ لِمَنْزِلَةِ اُلأَجْسَامِ اُلْمَفْرُوضَةِ إِلَى الإِمْكَانِ اُلْمَفْرُوضِ فِي اُلْمَكَانِ، إِذْ أَنَّ اُلإِمْكَانَ فِي كِلَيْهِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ اُلْوِعَاءِ اُلْمُسْتَوْعِبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.       

-III قَالَ الإمام الغزالي“فَإِنْ قِيلَ نَحْنُ لاَ نَقُولُ إِنَّ مَا لَيْسَ بِمُمْكِنٍ فَهْوَ مَقْدُورٌ، وَكَوْنُ اُلْعَالَمِ أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ، فَلاَ يَكُونُ مَقْدُورًا1“.

شَرْحٌ -III-

1) [فَإِنْ قِيلَ نَحْنُ… فَلاَ يَكُونُ مَقْدُورًا]، وَاُلْفَلاَسِفَةُ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا عَلَى مَا قِيلَ بِأَنَّ اللهَ لاَ يُقَالُ عَاجِزٌ عَنِ اُلْمُمْتَنِعِ، بَلْ إِنْ كَانَ اُلشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ مُمْكِنًا، فَهْوَ مَقْدُورٌ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ فَلَيْسَ بِمَقْدُورٍ، إِذَنْ فَلاَ يَلْحَقُ اُلْبَارِئُ مِنْهُ صِفَةُ اُلْعَجْزِ أَلْبَتَّةَ. وَاِمْتِنَاعُ اُلشَّيْءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِذَاتِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ، مِثْلَ اُلْجَمْعِ بَيْنَ اُلسَّوَادِ وَاُلْبَيَاضِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتُهُ لاَ تُدْرَكُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، لِذَلِكَ فَقَدْ لاَ يَمْنَعُهُ اُلْعَقْلُ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ. وَكَوْنُ اُلْعَالَمِ أَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ أَصْغَرَ، هُوَ مِنْ هَذَا اُلْبَابِ، أَعْنِي مِنْ بَابِ اُلْمُمْتَنِعِ فِي نَفْسِهِ الَّّذِي لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ، وَقَدْ كُنَّا جِئْنَا بِهِ. إِذَنْ فَأَنْتَ إِنَّمَا بَنَيْتَ حُجَّتَكَ عَلَى أَنَّا قَدْ أَقْرَرْنَا لَكَ بِأَنَّ ذَلِكَ اُلأَمْرَ هُوَ مَقْدُورٌ، تَوَقِّيًا مِنْ نِسْبَةِ اُلْعَجْزِ لِلْبَارِئِ تَعَالَى. لَكِنْ نَحْنُ لاَ نُقِرُّ مَا أَقْرَرْتَنَا إِيَّاهُ، لِأَنَّ مَنْعَنَا لَهُ إِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ لِشَيْءٍ مُسْتَحِيلٍ فِي نَفْسِهِ، فَلاَ يَلْحَقُهُ مِنْهُ إِذَنْ أَيُّ نَقْصٍ أَصْلاً.    

-IV قَالَ الإمام الغزالي “وَهَذَا اُلْعُذْرُ بَاطِلٌ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا، أَنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ، فَإِنَّ اُلْعَقْلَ فِي تَقْدِيرِ اُلْعَالَمِ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ بِذِرَاعٍ لَيْسَ هُوَ كَتَقْدِيرِهِ اُلْجَمْعَ بَيْنَ اُلسَّوَادِ وَاُلْبَيَاضِ، وَاُلْوُجُودِ وَاُلْعَدَمِ، وَاُلْمُمْتَنِعُ هُوَ اُلْجَمْعُ بَيْنَ اُلنَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ، وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ اُلْمُحَالاَتُ كُلُّهَا، فَهْوَ تَحَكُّمٌ بَارِدٌ فَاسِدٌ1“.

شَرْحٌ -IV-

1) [وَهَذَا اُلْعُذْرُ بَاطِلٌ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ… فَهْوَ تَحَكُّمٌ بَارِدٌ فَاسِدٌ]، قَالَ الإمام الغزالي بِأَنَّ هَذَا اُلْعُذْرَ الَّذِي لَكُمْ أَيُّهَا اُلْفَلاَسِفَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَسْبَابٍ ثَلاَثَةٍ. اُلسَّبَبُ الأَوَّلُ هُوَ أَنَّ حُكْمَكُمْ بِالإِحَالَةِ عَلَى إِمْكَانِ اِخْتِلاَفِ عِظَمِ اُلْعَالَمِ، إِنَّمَا هُوَ دَعْوَى بِاُللِّسَانِ وَتَجَنٍّ عَلَى اُلْعَقْلِ. لِأَنَّهُ لَوْ عَرَضَتْ لَهُ هَذِهِ اُلْقَضِيَّةُ لَمْ يَرَ فِيهَا الاِمْتِنَاعَ الَّذِي يَرَاهُ إِذَا أَحَبَّ أَنْ يُقَدِّرَ اُلْجَمْعَ بَيْنَ اُلسَّوَادِ وَاُلْبَيَاضِ، أَوِ اُلْوُجُودِ وَاُلْعَدَمِ. لِأَنَّ حَقِيقَةَ اُلْمُمْتَنِعِ هِيَ اُلْجَمْعُ بَيْنَ اُلنَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ. وَقَوْلُهُ” وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ اُلْمُحَالاَتُ كُلُّهَا” فَمَعْنَاهُ أَنَّ اُلشَّيْءَ اُلْمُحَالَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِنَفْسِهِ، كَاُلْجَمْعِ بَيْنَ اُلسَّوَادِ وَاُلْبَيَاضِ، وَإِمَّا أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ مُحَالٌ مَعْرُوفٌ بِنَفْسِهِ. مِثَالُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اُلْهَنْدَسَةِ أَنَّ قُطْرَ اُلْمُرَبَّعِ لَوْ كَانَ لَهُ مَعَ ضِلْعِهِ مِقْدَارٌ مُشْتَرَكٌ، أَيْ مِقْدَارًا وَاحِدًا يُقَدِّرُهُ هُوَ، وَيُقَدِّرُ ضِلْعَهُ، لَكَانَتْ نِسْبَةُ مُرَبَّعِ اُلْقُطْرِ إِلَى مُرَبَّعِ اُلضِّلْعِ كَنِسْبَةِ عَدَدٍ مُرَبَّعٍ إِلَى عَدَدٍ مُرَبَّعٍ، بِمَا بَانَ فِي اُلشَّكْلِ اُلسَّابِعِ مِنَ اُلْمَقَالَةِ اُلْعَاشِرَةِ مِنْ أُصُولِ أُقْلِيدِسْ. وَلَكِنْ نِسْبَةُ مُرَبَّعِ اُلْقُطْرِ إِلَى مُرَبَّعِ اُلضِّلْعِ هِيَ كَنِسْبَةِ عَدَدِ اِثْنَيْنِ إِلَى اُلوَاحِدِ، بِمَا بَانَ فِي اُلشَّكْلِ اُلسَّابِع وَاُلأَرْبَعِينِ اُلْمُلَقَّبِ بِاُلْعَرُوسِ، مِنَ اُلْمَقَالَةِ اُلأُولَى مِنَ اُلأُصُولِ. وَوَاحِدٌ إِنَّمَا هُوَ مُرَبَّعٌ، لِأَنَّهُ ضَرْبُ وَاحِدٍ فِي وَاحِدٍ. إِذَنْ فَنِسْبَةُ الاِثْنَيْنِ إِلَى اُلْوَاحِدِ اُلْمُرَبَّعِ هِيَ كَنِسْبَةِ عَدَدٍ مُرَبَّعٍ إِلَى عَدَدٍ مُرَبَّعٍ. إِذَنْ فَالاِثْنَانِ هُوَ مُرَبَّعٌ، بِمَا بَانَ فِي اُلشَّكْلِ اُلثَّانِي وَاُلْعِشْرِينَ مِنَ اُلْمَقَالَةِ اُلثَّامِنَةِ مِنَ اُلأُصُولِ حَيْثُ قَدْ بُرْهِنَ بِأَنَّ كُلَّ عَدَدَيْنِ عَلَى نِسْبَةِ مُرَبَّعَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا مُرَبَّعٌ، فَالآخَرَ مُرَبَّعٌ. إِذَنْ فَالاِثْنَانِ مَعًا هُوَ مُرَبَّعٌ وَلَيْسَ بِمُرَبَّعٍ. وَهَذَا مُحَالٌ مَعْرُوفٌ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ اُلنَّفْيِ وَ الإِثْبَاتِ، وَكَانَ قَدْ لَزِمَ مِنْ مُحَالٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ، وَهْوَ اُلْقَوْلُ بِمُشَارَكَةِ اُلْقُطْرِ لِلضِّلْعِ. فَمَقْصُودُ الإمام الغزالي إِذًا أَنَّ اُلْحُكْمَ بِجَوَازِ اِخْتِلاَفِ عِظَمِ اُلْعَالَمِ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ لاَ بِاُلاِمْتِنَاعِ اُلْمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ، وَهْوَ نَفْسُ اُلْجَمْعِ بَيْنَ اُلنَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ، وَلاَ بِاُلاِمْتِنَاعِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى اُلْمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ، فِي كُلِّ اُلأَحْوَالِ. 

-V قَالَ الإمام الغزالي “اُلثَّانِي، أَنَّهُ إِذَا كَانَ اُلْعَالَمُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَلاَ أَصْغَرَ، فَوُجُودُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ لاَ مُمْكِنٌ، وَاُلْوَاجِبُ مُسْتَغْنٍ عَنْ عِلَّةٍ، فَقُولُوا بِمَا قَالَهُ اُلدَّهْرِيُّونَ مِنْ نَفْيِ اُلصَّانِعِ وَنَفْيِ مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبُكُمْ1.”

شَرْحٌ -V-

1) [اُلثَّانِي، أَنَّهُ إِذَا كَانَ اُلْعَالَمُ… وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبُكُمْ]، وَاُلسَّبَبُ اُلثَّانِي فِي عَدَمِ اِسْتِقَامَةِ عُذْرِكُمْ هُوَ أَنَّ حُكْمَكُمْ بِامْتِنَاعِ اِخْتِلاَفِ عِظَمِ اُلْعَالَمِ يُوجِبُ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ. وَإِذِ اُلْوُجُوبُ دَلِيلٌ عَلَى الاِسْتِغْنَاءِ، إِذَنْ فَاُلْعَالَمُ غَنِيٌّ بِذَاتِهِ. فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَاعِلٌ مُبَايِنٌ لَهُ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ قَوْلُ اُلدَّهْرِيَّةِ اُلنَّافِيَةِ لِلصَّانِعِ، وَاُلْمُبْطِلَةِ لِمُسَبِّبِ الأَسْبَابِ. لَكِنَّ مَذْهَبَكُمْ أَنْتُمْ غَيْرُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى قَوْلِ أَرُسْطُو الَّذِي يُثْبِتُ مَبْدَأً أَوَّلاً غَيْرَ جِسْمَانِيٍّ هُوَ صُورَةُ اُلصُّوَرِ وَاُلْمُحَرِّكُ الَّذِي لاَ يَتَحَرَّكُ، أَوْ عَلَى قَوْلِ اِبْنِ سِينَا الَّذِي يَجْعَلُهُ مَبْدَأَ إِبْدَاعٍ وَفَيْضٍ لِلْعَالَمِ.

-VI قَالَ الإمام الغزالي “وَاُلثَّالِثُ، هُوَ أَنَّ هَذَا اُلْفَاسِدُ لاَ يُعْجِزُ اُلْخَصْمَ عَنْ مُقَابَلَتِهِ بِمِثْلِهِ1، فَنَقُولُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ وُجُودُ اُلْعَالَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ مُمْكِنًا، بَلْ وَافَقَ اُلْوُجُودُ اُلإِمْكَانَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ2. فَإِنْ قُلْتُمْ فَقَدِ انْتَقَلَ اُلْقَدِيمُ مِنَ اُلْعَجْزِ إِلَى اُلْقُدْرَةِ، قُلْنَا لاَ، لِأَنَّ اُلْوُجُودَ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا فَلَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا، وَامْتِنَاعُ حُصُولِ مَا لَيْسَ بِمُمْكِنٍ لاَ يَدُلُّ عَلَى اُلْعَجْزِ. وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهُ كَيْفَ كَانَ مُمْتَنِعًا فَصَارَ مُمْكِنًا، قُلْنَا وَلِمَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا فِي حَالٍ مُمْكِنًا فِي حَالٍ، كَمَا أَنَّ اُلشَّيْءَ إِذَا أُخِذَ مَعَ أَحَدِ اُلضِّدَّيْنِ اِمْتَنَعَ اِتِّصَافُهُ بِاُلآخَرِ، وَإِذَا أُخِذَ لاَ مَعَهُ أَمْكَنَ3. فَإِنْ قُلْتُمْ اُلأَحْوَالُ مُتَسَاوِيَةٌ4. قُلْنَا لَكُمْ وَاُلْمَقَادِيرُ مُتَسَاوِيَةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِقْدَارٌ مُمْكِنًا، وَأَكْبَرُ مِنْهُ أَوْ أَصْغَرُ بِمِقْدَارِ ظُفْرٍ مُمْتَنِعًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِلْ هَذَا5. فَهَذَا طَرِيقُ اُلْمُقَاوَمَةِ6.

   وَاُلتَّحْقِيقُ فِي اُلْجَوَابِ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْدِيرِ الإِمْكَانَاتِ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا اُلْمُسَلَّمُ أَنَّ اُلله تَعَالَى قَدِيمٌ قَادِرٌ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اُلْفِعْلُ أَبَدًا إِنْ أَرَادَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا اُلْقَدْرِ مَا يُوجِبُ إِثْبَاتَ زَمَانٍ مُمْتَدٍّ إِلاَّ أَنْ يُضِيفَ اُلْوَهْمُ بِتَلْبِيسِهِ إِلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ7.”   

شَرْحٌ -VI-

1) [وَاُلثَّالِثُ… عَنْ مُقَابَلَتِهِ بِمِثْلِهِ]، وَاُلسَّبَبُ اُلثَّالِثُ فِي بُطْلاَنِ هَذَا اُلْعُذْرِ هُوَ أَنَّ اُلْخَصْمَ، وَهْوَ اُلْمُتَكَلِّمُ الَّذِي يُثْبِتُ لِلزَّمَانِ أَوَّلاً، خِلاَفًا لِلْفَيْلَسُوفِ، سَيُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ نَفْسَ هَذَا اُلْعُذْرِ فِي اُلرَدِّ عَلَى إِلْزَامِ اُلْفَلاَسِفَةِ اُلْمَبْنِيِّ عَلَى وُجُوبِ إِقْرَارِ اُلْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّ اُلْبَارِئَ تَعَالَى هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَدْ خَلَقَ اُلْعَالَمَ فِي أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ قَبْلَ خَلْقِهِ، وَإِلاَّ فَسَيَكُونُ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ اُلْعَجْزَ. 

2) [فَنَقُولُ إِنَّهُ لَمْ… وَلاَ نُقْصَانٍ]، وَصُورَةُ هَذَا اُلاِسْتِعْمَالِ أَنْ نَقُولَ لِلْفَيْلَسُوفِ إِنَّا لَنْ نُقِرَّ لَكُمْ بِأَنَّ اُلْبَارِئَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْلُقَ اُلْعَالَمَ قَبْلَ خَلْقِهِ إِيَّاهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اُلْمَنْعِ إِلْحَاقٌ لِصِفَةِ اُلْعَجْزِ بِهِ أَصْلاً، لِأَنَّ اُلْمُمْتَنِعَ فِي نَفْسِهِ لاَ يَكُونُ مَعْجُوزًا عَنْهُ. بَلْ كَمَا تَقُولُونَ أَنَّ نَفْسَ اُلْمُمْكِنِ فِي ذَاتِهِ مِنْ عِظَمِ اُلْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِقْدَارِهِ، وَأَنَّ مَا زَادَ أَوْ نَقُصَ مُمْتَنِعٌ، كَذَلِكَ نَقُولُ إِنَّ نَفْسَ اُلْمُمْكِنِ فِي وَقْتِ اُلْعَالَمِ مَا كَانَ قَدْ وُجِدَ فِيهِ، وَأَنَّ مَا زَادَ مِنْهُ أَوْ نَقُصَ، فَهْوَ مُمْتَنِعٌ، فَلاَ يُوصَفُ اللهُ لاِمْتِنَاعِ فِعْلِهِ إِيَّاهِ بِاُلْعَاجِزِ أَلْبَتَّةَ. 

3) [فَإِنْ قُلْتُمْ فَقَدِ انْتَقَلَ… لاَ مَعَهُ أَمْكَنَ]، وَقَدْ تَرُدُّ اُلْفَلاَسِفَةُ بَلْ هُنَاكَ فَرْقٌ، إِذْ فِي مِثَالِنَا لَيْسَ هُنَاكَ تَجَدُّدٌ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ إِلَى الإِمْكَانِ، بَلِ الأَمْرُ فِي نَفْسِهِ هُوَ دَائِمًا عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الإِمْكَانِ وَهْوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ اُلْمِقْدَارِ بِعَيْنِهِ. أَمَّا عِنْدَكُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اُلْعَالَمُ قَبْلَ خَلْقِهِ هُوَ مُمْكِنًا أَيْضًا، وَهُنَاكَ فَلَيْسَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَمْنَعُوا كَوْنَهُ مَقْدُورًا إِلاَّ مَعَ إِلْحَاقِ اُلْعَجْزِ بِهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ خَلْقِهِ، وَلَمْ يَصِرْ مُمْكِنًا إِلاَّ حِينَ خُلِقَ، وَهُنَاكَ فَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَ اِنْقِلاَبَ اُلطَّبِيعَةِ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ إِلَى الإِمْكَانِ، وَهْوَ مُحَالٌ. وَاُلْجَوَابُ هُوَ أَنَّا لاَ نُسَلِّمُ بِاُلْوَجْهِ اُلأَوَّلِ، بَلْ نَقُولُ إِنَّ اُلْعَالَمَ إِنَّمَا وَافَقَ إِمْكَانُهُ خَلْقَهُ. لِذَلِكَ فَلاَ يُقَالُ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، إِذْ لاَ عَجْزَ عَنِ اُلْمُمْتَنِعِ. إِذَنْ فَنَحْنُ إِنَّمَا نَأْخُذُ بِاُلْوَجْهِ اُلثَّانِي، وَلَكِنَّا نَمْنَعُ عَنْهُ اُللاَّزِمَ اُلْمُحَالَ الَّذِي أَوْجَبْتُمُوهُ. لِأَنَّ اِنْتِقَالَ اُلشَّيْءِ مِنَ اُلاِمْتِنَاعِ إِلَى اُلإِمْكَانِ لَيْسَ بِاُلضَّرُورَةِ هُوَ قَلْبًا لِطَبِيعَتِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ اُلإِمْكَانُ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ، فَمَا لَمْ يَكُنِ اُلشَّرْطُ كَانَ مُمْتَنِعًا، وَإِنْ صَحَّ اُلشَّرْطُ صَحَّ اُلإِمْكَانُ مِنْ غَيْرِ اِنْقِلاَبٍ فِي اُلطَّبِيعَةِ أَلْبَتَّةَ، مِثْلَ أَنَّ اُلشَّيْءَ يُوجَدُ لَهُ أَحَدُ اُلضِّدْيَنِ بِشَرْطِ اِرْتِفَاعِ اُلضِدِّ الآخَرِ، فَمَا وُجِدَ اُلضِدُّ الآخَرُ كَانَ مُمْتَنِعًا، فَإِنْ هُوَ اِرْتَفَعَ صَارَ مُمْكِنًا. 

4) [فَإِنْ قُلْتُمْ اُلأَحْوَالُ مُتَسَاوِيَةٌ]، أَيْ وَإِنْ رَدَّتِ اُلْفَلاَسِفَةُ إِنَّ وَقْتَ خَلْقِ اُلْعَالَمِ وُكُلَّ اُلأَوْقَاتِ اُلأُخْرَى اُللاَّمُتَنَاهِيَةِ، هِيَ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةٌ، أَيْ مُتَشَابِهَةً، فَلَيْسَ لِوَقْتٍ عَلَى وَقْتٍ مِنْ خُصُوصٍ، إِذَنْ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطٍ مُتَجَدِّدٍ يَجْعَلُ لِوَقْتِ خَلْقِ اُلْعَالَمِ لَهُ صِفَةُ اُلإِمْكَانِ، مِنْ دُونِ سَائِرِ اُلأَوْقَاتِ اُلأُخْرَى جَمِيعِهَا، وَالَّتِي اُلْعَالَمُ هُوَ مَوْصُوفٌ فِيهَا بِاُلاِمْتِنَاعِ.

5) [قُلْنَا لَكُمْ وَاُلْمَقَادِيرُ… لَمْ يَسْتَحِلْ هَذَا]، كَذَلِكَ قُلْنَا لَكُمْ إِنَّ كُلَّ مَقَادِيرِ اُلْعَالَمِ هِيَ مُتَسَاوِيَةٌ، وَلَيْسَ لِمِقْدَارٍ عَلَى مِقْدَارٍ مَزِيَّةٌ فِي اُلإِمْكَانِ حَتَّى تَصِيرَ سَائِرُ اُلْمَقَادِيرِ اُلأُخْرَى كُلِّهَا مُمْتَنِعَةً، وَلَوْ زَادَتْ أَوْ نَقُصَتْ عَنِ مِقْدَارِ اُلْعَالَمِ بِمِقْدَارِ ظُفْرٍ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ أَنْ يَكُونَ اُلْعَالَمُ بِاُلْوُجُوبِ، هُوَ عَلَى مِقْدَارٍ مَا مُتَنَاهٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَشَابِهَ اُلْحَالِ مَعَ اُلْمَقَادِيرِ اُلأُخْرَى كُلِّهَا، كَذَلِكَ فَاُقْبَلُوا مِنَّا بِأَنَّ لِلْعَالَمِ زَمَانًا مَا مُتَنَاهِيًا بِاُلْوُجُوبِ، وَإِنَ كَانَ مُتَشَابِهَ اُلْحَالِ مَعَ كُلِّ الأَوْقَاتِ اُلأُخْرَى.    

6) [فَهَذَا طَرِيقُ اُلْمُقَاوَمَةِ]، قَدْ يَكُونُ اُلْمَقْصُودُ بِاُلْمُقَاوَمَةِ طَرِيقَةً فِي اُلْجَدَلِ تَقُومُ فَقَطْ عَلَى إِفْسَادِ حُجَجِ اُلْخَصْمِ، وَلاَ تَهْتَمُّ بِأَنْ تَأْتِيَ بِأَدِلَّةٍ لِلْوَضْعِ، يَعْجِزُ اُلْخَصْمُ عَنْ نَقْضِهَا.

7) [وَاُلتَّحْقِيقُ فِي اُلْجَوَابِ… بِتَلْبِيسِهِ إِلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ]، وَكَيْفَمَا دَارَ اُلأَمْرُ، فَاُلشَّيْءُ اُلثَّابِتُ هُوَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَفْعَلَ اُلْفِعْلَ، وَأَنَّ مَا أَدَّعَيْتُمُوهُ مِنْ إِمْكَانَاتٍ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَلاَ شَيْءَ مِمَّا قُلْتُمُوهُ إِنَّمَا يُوجِبُ إِثْبَاتَ زَمَانٍ مُمْتَدٍّ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَنَا إِنَّمَا هُوَ فَقَطْ مِنْ تَلْبِيسَاتِ اُلأَوْهَامِ. 

    قَدْ بَقِيَ مِنَ اُلْمَسْأَلَةِ اُلأُولَى دَلِيلاَنِ سَنَأْتِي عَلَى شَرْحِهِمَا بِإِذْنِهِ تَعَالَى.


أَسْمَاءُ كُتُبٍ مَذْكُورَةٍ فِي اُلشَّرْحِ نَافِعٌ جِدًّا قِرَاءَتُهَا

1) ابْنُ سِينَا، اُلشِّفَاءُ، اُلإِلاَهِيَّاتُ، الهيئة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة، 1380 هجريّة- 1960 ميلاديّة.

   ”        ”   ، اُلسَّمَّاعُ اُلطَّبِيعِيُّ، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1983.

   ”       ” ، اُلنَّجَاةُ، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1405 هجريّة- 1985 ميلاديّة.

   ”        ”   ، اُلْمَقُولاَتُ، الهيئة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة، 1378 هجريّة- 1959 ميلاديّة.

2) أَرُسْطُو، اُلسَّمَّاعُ اُلطَّبِيعِيُّ، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1404 هجريّة- 1984 ميلاديّة.

     ”    ، اُلْمَقُولاَتُ، دار الفكر اللّبنانيّ، بيروت، 1999.

3) أُقْلِيدِسْ، اُلأُصُولُ، طبعة طهران 1880.

4) اُلإِيجِي، عَبْدُ اُلرَّحْمَانِ بْنِ أَحْمَدَ، اُلْمَوَاقِفُ، عالم الكتب، بيروت.

5) اُلسَّيِّدُ اُلشَّرِيفُ عَلِي بْنُ مُحَمَّدِ اُلْجُرْجَانِيِّ، شَرْحُ اُلْمَوَاقِفِ، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1419 هجريّة- 1998 ميلاديّة.