مجلة حكمة
ابن حزم شعر

ابن حزم الأندلسي شاعرًا – فاطمة طحطح


شعر ابن حزم بين الاتجاه الذاتي والاتجاه الجدلي:

اشتهر ابن حزم فقيها متميزا ومجادلا قويا ومفكرا أصيلا.

كما اشتهر أديبا وشاعرا ومؤلفا غزير الإنتاج، وناقدا، وهو يعد من العلماء القلائل الذين جمعوا بين قوة الفكر ورقة الأدب والفن.

مداخلتنا ستركز على هذا الجانب الأدبي، وعلى الشعر منه بصفة خاصة. وفي هذا الصدد يقول الحميدي: إن أستاذه ابن حزم خلف ديوان شعر رتبه (أي الحميدي) على حروف المعجم(1)، لكن هذا الديوان لم يصل إلينا كاملا، وما وصل منه مبثوث في كتب متفرقة(2).

هذا الشعر يتراوح بين قصائد مطولة كتلك التي نظمها في الزهد والوعظ، وبين قصائد قصيرة ومقطوعات أغلبها نظم تعبيرا عن شجونه العاطفية أو جدالا لخصومه وشكوى من أهل زمانه.

كما خلف عدة رسائل، لعل أهمها في هذا الباب: رسالة التقريب لحد المنطق(3)، ذكر فيها وجهة نظره في قضايا بلاغية ورسالة التلخيص لوجوه التخليص(4) ورد فيها مفهومه في الشعر والغاية منه، ثم رسالته في مراتب العلوم(5).

هذا إضافة إلى مؤلفه طوق الحمامة(6) الذي جمع بين الإبداع النثري والشعري في الألفة والآلاف، بل هو أهم كتبه على الإطلاق في هذا الميدان، ميدان الإبداع النثري. إضافة إلى ما يحتويه من جدة في الموضوع، ومن تحليلات نفسية أخلاقية عميقة. لم يسبق إليها، ومن منهجية مبتكرة في العرض والتحليل.

ويمتاز أسلوبه النثري في هذا المؤلف الفريد بالجمع بين قوة التدفق، ودقة الوصف والتحليل ومتانة السبك والبعد عن التكلف والصنعة، إذ كان يأخذ على الكثير من معاصريه الصنعة التي كانوا يكتبون بها، أو ينظمون بها أشعارهم.

فما هو مفهوم الشعر عنده؟

مفهوم الشعر عند ابن حزم:

لقد كان ابن حزم شاعرا وناقدا يتميز عن بقية الشعراء والنقاد في فهمه لوظيفة الشعر ويختلف عنهم في عدة قضايا منها:

1 – أنه فهم انطلق فيه من مبدأ ديني أخلاقي، فقبل بعض الأغراض الشعرية كأشعار الحكمة والزهد والوعظ والرثاء والاعتبار بالدنيا… الخ.

ورفض أخرى، كأشعار واللهو والخمريات والخلاعة ونهى عن ذكر الفواحش في الغزل، ورفض الهجاء رفضا قاطعا لما فيه من تناول لأعراض الناس… كما رفض شعر الصعلكة والحروب، لأنه يثير الفتن ويهوى الجنايات والشره إلى سفك الدماء(7) مستندا في رأيه هذا إلى المقياس الفقهي في قبول ما قبل، وفي رفض ما رفض، كالاستحسان والإباحة والتحريم والنهي…الخ.

2 – كما أنه يخالف النقاد والشعراء في مفهوم المجاز والاستعارة، فهو ينكر مغالاة الشعراء ومبالغاتهم فلكل شيء حد -حسب تعبيره- في طوق الحماية، فوصف الشعراء لنحول المحبين، مثلا، وتشبيه الدموع بالأمطار التي تروي السفار، وعدم النوم البتة، وانقطاع الغذاء جملة”(8)

يعتبر ذلك، كله -كذبا لا وجه له، لذلك فهو يكره الكذب حتى في الشعر، فالأمور إذا خرجت عن حد المعقول، لا تصدق، ولا تجد لها التأثير المطلوب في النفوس. لذلك فهو يقر مبدأ الصدق والكذب في الشعر، منطلقا فيه من نزعته الأخلاقية، فقد أعلى من مبدأ الصدق حتى جعله على رأس الفضائل الإنسانية كلها في كل مؤلفاته، خاصة في كتابه الأخلاق والسير في موازاة النفوس(9).

وتأسيسا على مبدأ الصدق دعا إلى الاقتصاد في استعمال المجازات والاستعارات والتشبيهات، وكل ضروب الصنعة، فهو يجب التوسط والاعتدال في كل شيء، كما أنه لا يساير القولة المشهورة “أعذب الشعر أكذبه”.

ونتيجة لذلك فإنه سيصدر في كل ما نظمه من أشعار عن تجربة حقيقية معاشة، ويستقي لغته من واقع التجربة وليس من الذاكرة، كما هي عادة معظم شعراء العرب، ومن ثم اتسمت تجربته بالصدق في شعره ولغته بالحيوية والعفوية.

وهكذا سيكون شعر ابن حزم سجلا ومرآة لكل مراحل حياته، وتعبيرا فنيا حيا وصادقا عن مشاعره وعواطفه اتجاه المرأة والطبيعة من جهة، ومن جهة أخرى تعبيرا عن همومه الفكرية في صراعاته مع الحساد والمناوئين من أهل زمانه. ثم وصفا صادقا لمعاناته الرحلة والاغتراب والحنين إلى الديار التي أصبحت أطلالا…

وأخيرا سيتخذ الشعر تعبيرا عن تأملاته الفكرية في الحياة والموت، واستشرافه للعالم الآخر.

عبر هذه المحاور سنحاول استجلاء رؤية ابن حزم الشعرية، في بعدها الذاتي، وفي الموقف من الآخر.

أولا – الأشعار العاطفية:

لقد عبر ابن حزم عن مشاعره اتجاه المرأة كما لم يفعل فقيه من قبله ولا من بعده، بصدق وصراحة، واعتبر عاطفة المحبة بين الرجل والمرأة نعمة من الله تعالى(10).

فهو لم يكن فقيها جافي العواطف أو مرائيا يتنكر لما بث الله في قلبه من عواطف إنسانية نبيلة.

كما أنه لم يكن كبقية شعراء الغزل التقليديين الذين يستوحون لغتهم الغزلية مما يحفظون من شعر وهم يرددون أوصافا لنساء لا وجود لهن في الواقع، جريا على العادة والتقليد. بل إنه صدر -كما سلف الذكر- عن تجربة حية معيشة، وتحدث عن نساء واقعيات من مجتمعه، وذكر بعضهن بأسمائهن الحقيقية.

وتتسم أشعاره في هذا الباب بالنزعة العذرية، إلى لا مجال فيها للعبث بصورة المرأة أو قيمة العفة. ولذلك تجده يفرق بين الحب الحقيقي، وبين مجرد الاستحسان الجسدي، وبذلك يرد على من يزعم كونه يحب اثنين في آن واحد قائلا:

كذب المدعي هوى اثنين حتمــــا مثل ما في الأصول أكذب مــاني(11)

ليس في القلب موضع لحبيـــــبيـ ى ولا أحدث الأمور بثانـــــــي

فكما العقل واحد ليس يــــــدري خالقا غير واحد رحمـــــــــــان

فكذا القلب ليس يهـــــــــــــوى غير فريد مباعد أو مــــــــــدان

هو في شرعة المودة ذو شـــــــــك بعيد من صحة الإيمــــــــــــان

وكذا الدين واحد مستقيــــــــــم وكنوز من عنده دينـــــــــــــان

فهو يعد التعدد في الهوى كفرا وعدولا عن الوفاء، وهو يستنكر أن يحب الرجل شخصين دفعة واحدة ويعد ذلك من قبيل الشهوات الجسدية ليس إلا، وهي من صفات الرجل الملول الذي يتقلب في أهوائه ولا يستقر على عاطفة واحدة… وليس هذا من الحب الحقيقي الذي هو أولا وقبل كل شيء تشاكل بين النفوس وتوحدها في خصائص معينة…

كما فصل ذلك في طوق الحمامة.

وهكذا يربط ابن حزم عاطفة المحبة التي تربط الرجل بالمرأة بالأخلاق، بل إنه يربط الأخلاق في كل ما يصدر عن الإنسان من مشاعر وأفعال وأفكار… فالصدق والعفة والوفاء قمة القمم في السلوك البشري، وقد لقي عنتا كبيرا من أهل زمانه الذين لا موه على أشعاره العاطفية، وهو الفقيه المتدين، واستنكر بعضهم منه تأليف طوق الحمامة في الحب.

فما كان منه إلا أن يرد عليهم، مجادلا، ومدحضا أقوالهم بالحجة من الكتاب والسنة، ومن سيرة الخلفاء الراشدين… ويبين لهم أن القلوب بيد الله تعالى وما يلزم الإنسان سوى معرفة الصواب من الخطأ في ذلك، فالمحبة فطرة وخلقة، وإنما يملك الإنسان جوارحه المكتسبة(12). خصوصا وأنه وهب من رقة المشاعر وحب الألفة شيئا كثيرا.

إذا فهو يرى بأن قمع هذه العواطف أو إخفاءها يعد نوعا من الكذب والرياء، كما أنه لا يود أن ينسك نسكا أعجميا، أو يسلك مسلكا ازدواجيا وهو الغالب على المجتمع الأندلسي، حيث التدين والتقوى في الجانب الظاهري والانحلال والشذوذ في الجانب السري من حياتهم، وكثيرا ما أورد أخبار وقصص كثير من هؤلاء المتدينين في طوق الحمامة انتهت بالفضائح والمآسي.

وأن الذين يلومونه رجال لم يعرفوا معنى المحبة قط ولم تنفذ أشعتها إلى قلوبهم الجافة، يقول:

يلوم رجال فيك لم يعرفوا الهـــوى وسيان عندي فيك لائح وساكــت(13)

يقولون: جانبت التصاون جملـــة وأنت عليهم بالشريعة قانـــــــت

فقلت لهم، هذا الرياء بعينـــــــه صراحا وزيي للمرائين ماقـــــــت

متى جاء تحريم الهوى عن محمـد وهل منعه في محكم الذكر ثابـــت

إذا لم أواقع محرما أتقي بـــــــــه مجيء يوم البعث والوجه باهـــت

فلست أبالي في الهوى قول لائـــــم سواء لعمري جاهز أو مخانــــــت

وهل يلزم الإنسان سوى اختيـــــار وهل بخبايا اللفظ يؤخذ صامــــت

وانطلاقا من هذا الفهم العنيف لعاطفة المحبة، فإنه لم يجد حرجا في التعبير عن عواطفه الصادقة ومشاعره المتفقة اتجاه المرأة التي أحبها. ولعل من أروع شعره في هذا المجال، الأبيات التالية:

وددت بأن القلب شق بمديــــــــة وأدخلت فيه ثم أطبق في صــدري(14)

فأصبحت فيه لا تحلين غـيــــــره إلى ملتقى يوم القيامة والحشــــــر

تعيشين فيه ما حييت فإن أمــــت سكنت شغاف القلب في أحكم التبر

فهذا الفيض من المشاعر الصافية، وهذا التدفق العاطفي، نادرا ما صدر عن الشعراء العرب، في أشعارهم الغزلية. وعلى غرار الأبيات السابقة، ما قاله عندما نعي إليه من كان يجب، فقام فارا بنفسه، نحو المقابر، حيث أنشد هذه الأبيات متحسرا، متلهفا على المحبوبة الفقيدة:

وددت بأن ظهر الأرض بطـــــــن وأن البطن صار منها ظهـــــــرا(15)

وأني مت قبل ورود خطـــــــــب أتى فأثار في الأكباد جمـــــــرا

وأن دمي لمن قد بان غســــــــــل وأن ضلوع صدري كن قبـــــــرا

من هذا القبيل أيضا تلك الأبيات التي نظمها وقد أتاه طيف “نعم” تلك الفتاة التي أحبها في شبابه وحزن على موتها حزنا شديدا، حيث قال:

أتى طيف نعم مضجعي بعد هــدأة ولليل سلطان وظل ممــــــــــــــدد(16)

وعهدي بها تحت التراب مقيمـــة وجاءت كما قد كنت من قبل أعهد

فعدنا كما كنا وعاد زماننـــــــــــا كما قد عهدناه قبل والعود أحمــــد

وانطلاقا من هذا الفهم الراقي عند ابن حزم لعاطفة المحبة، فإن صورة المرأة ترد في أشعاره مشرقة ومشرفة، في كثير من قصائده ومقطوعاته التي يتضمنها كتاب طوق الحمامة.

منها على سبيل المثال هذه الأبيات التي يصف فيها طريقة مشيها، وصفا رقيقا ودقيقا ينم عن دقة ملاحظة وبراعة في التشبيه والتصوير:

كأنها حين تخطو في تأودهــــــــا قضيب نرجسة في الروض ميـاس(17)

كأنما خلدها في قلب عاشقهـــــــا ففيه من وقعها خطر ووســـــواس

كأنما مشيها مشي الحمامــــــة لا كد يعاب ولا بطء به بــــــــــاس

فانظر إلى هذه الدقة في تشبيه مشية هذه المرأة، فتارة هي قضيب نرجسة مياسة، وتارة يشبه وقع خطواتها لخفتها كأنها خاطرة أو وسواس (فكرة) بقلب عاشقها وتارة يشبهها بمشية الحمامة، حيث لا كد أو تعب أو سرعة ولا بطء به باس.

وكثيرا ما جاءت صورتها ممتزجة بصورة الطبيعة الأندلسية كما في الأبيات التي وصف فيها زيارة المحبوبة له وقت السحر وذلك قبيل قرع النصارى للنواقيس، وهلال الجولم يغب بعد، وحيث اكتسى الأفق ألوانا بهية كأذناب الطواويس، كناية عن ألوان قوس قزح منتشرة في الجو:

أتيتني وهلال الجو مطلــــــــــع قبيل قرع النصارى للنواقيـــــس(18)

كحاجب الشيخ عم الشيب أكثره وإخمص الرجل في لطف وتقويس

ولاح في الأفق قوس الله مكتسيــا من كل لون كأذناب الطواويــــس

فبالإضافة إلى البيئة الطبيعية التي تبرز في هذا الوصف الدقيق لزمن الزيارة، هناك البيئة الاجتماعية، المتعددة الأديان والأجناس، حيث تتداخل أصوات قرع النواقيس بأصوات المؤذنين، وهي مظاهر مألوفة في المجتمع الأندلسي.

وصف الطبيعة:

ومن أجمل شعره، في وصف الطبيعة الأندلسية، ما نظمه بعد التنزه في بستان مع بعض إخوانه، واصفا ذلك البستان وما يزخر به من جمال طبيعي، حيث قال:

ولما تروجنا بأكناف روضــــــــــــة مهدلة الأفنان في تربها النـــــدي(19)

وقد ضحكت أنوارها وتضوعــــــت أساورها في ظل فيء ممــــــــــدد

وأبدت لنا الأطيار حسن صريفهـــا فمن بين شاك شجره ومغـــــــرد

وللماء فيما بيننا متصـــــــــــــرف وللعين مرتاد، هناك ولليــــــــد

وفي هذا السياق تندرج أبياته التي نظمها، يصف الليل الذي امتد ظلامه، ووقف النجم حائرا وسط السماء فلا هو يمضي ولا هو يغيب، كأنه ارتكب خطأ فهو خائف وجل أو يترقب موعدا أو عاشقا دنفا:

أقول والليل قد أرخى أجلتــــــــه وقد تأنى بألا ينقضي فوفـــــــــا (20)

والنجم قد حار في أفق السماء فمــا يمضي ولا هو للتغوير منصرفــــــا

تخاله مخطئا أو خائفا وجــــــــلا أو راقبا موعدا أو عاشقا دنفــــــا

فهذه التشبيهات المتلاحقة في بيت واحد وهذا التشخيص للنجم كمظهر من مظاهر الطبيعة، لا يصدر إلا عن خيال مبدع.

أشعاره في الحنين:

ومما يدخل في هذا المنحى الشجي الذاتي، أشعاره في الحنين إلى الماضي، إلى الأهل والأحباب الذين تفرقوا، إلى الألفة والعشرة الطيبة التي افتقدها، داعيا بالسقي لتلك الأيام التي تشبه زهرة النيلوفر في عبق نشرها:

سقى الله أياما مضت ولياليـــــــا تحاكي لنا النيلوفر الغض في النشر(21)

فأوراقه الأيام حسنا وبهجـــــــة وأوسطه الليل المقصر للعمـــــــــــر

لهونا بها في غمرة وتآلــــــــــف تمر فلا تدري وتأتي فلا تــــــدري

فتشبيه الأيام والليالي بالنيلوفر، تشبيه أندلسي صرف، يكشف عن تغلغل موضوع الطبيعة في نفوس الشعراء الأندلسي وتجلى هذا، بصفة خاصة إحساس ابن حزم العميق بها، زهرة النيلوفر لخضرتها ويناعتها، وتشبيه الليل المقصر للعمر بقلب هذه الزهرة (وسطها) لدكانة لونها التي تناسب الليل… فالماضي مشرق يانع، أما الحاضر فهو داكن كئيب.

ومن أجمل قصائده في الحنين، رغم الطابع البدوي الذي يكتسي لغتها، قصيدته السينية (التي نسج ابن الأبار سينية أخرى تنظر إليها) وفيها حنين إلى معاهد الذكريات، حيث غفارة العيش، واجتماع شمل الأحباب، والتي أصبحت أطلالا دارسة تبكي فراق الشاعر الذي غادرها، منها هذه الأبيات:

أجل هو ربع قد عفته الروامـــــس فهل أنت ويب غيرك حابــــس(22)

لقل له أن تحبس العيس ساعـــــة عليه فتبكيك الرسوم الطوامـــس

إن الشاعر يستوقف الركب، هنا، على عادة شعراء الأطلال ويوقف العيس، ليسائلها عما فعل الدهر بها، ويأخذ العبرة من تقلبات الزمان وتحول الأيام، هكذا يعوج بناقته على تلك الأطلال، يبكيها ويذرف الدموع على ماضيه هناك، لقد كان عيشه بها موفقا -لو دام- لكن هيهات، فالدهر قد أتى على الجميع، يقول مخاطبا الربع:

فعجب عليه ناقتي وهو سبســـب سقته وجادته الغمام الرواجـــــس

فقلت ودمعي ساكب متحــــــــدر وإنسان عيني في هواميه غامـــــس

لقد كان عيشي فيك-لو دام-موفقا ولكن أبت ذاك الحظوظ الأباخــس

ليالي من أهواه يمسي كأنــــــــــه من العفر ظبي بالصريمة كانــــــس

وإذ شملنا باق جميع محســــــــد ولم تقتطع ذاك الدهور الدهــــارس

وبعد هذا القسم من استحضار الماضي والتحسر عليه، انتقل الشاعر إلى الشيب الذي بدأ يغزو رأسه وفعل الدهر به… الخ.

والقصيدة تسير على منوال القدماء في مراعاة جزالة اللفظ، والميل إلى القاموس المرتبط، باللغة البدوية، لذكر الأطلال والظباء والعيس، الدهاريس، السباسب…الخ. ومع ذلك فإن الشاعر لم يكن متكلفا لهذه اللغة البدوية، بل إنها جاءت مناسبة للمقام.

فقد أخرج ابن حزم من دياره بقرطبة إبان الفتنة بها (23) وجاب المدن الأندلسية، متنقلا بين مدينة وأخرى، وعند عودته إليها. ألقاها أطلالا دارسة، لما نالها من خراب، وما تعرضت له من نهب(24). فلغة البكاء على الأطلال والحنين إلى العيش الغابر هي اللغة المناسبة في هذا المقام.

ومن أجمل قصائده (وتروى لغيره) قصيدة نظمها يتشوق فيها إلى أهله وولده، نظمها أثناء حبسه، وقد عارض بها “فراقية” ابن زريق البغدادي التي كان معجبا بها.

وهي قصيدة رائعة تسكنها اللوعة والحزن، والحنين إلى الحرية واللهفة إلى لقاء أهله وأولاده، وربما فاقت فراقية ابن زريق في صوق لهجتها ومشاعر الحزن التي تستشف من لغتها.

يقول واصفا معاناته وغربته:

مسهد القلب في خديه أدمعـــــــه قد طالما شرقت بالوجد أضلعـــــه(25)

داني الهموم، بعيد الدار نازحهــا رجع الأنين سكيب الدمع مفزعـه

يأوي إلى زفرات لو يباشرهــــــــا قاسي الحديد فواقا ذاب أجمعــه

وفي القصيدة شكوى موجعة مما آلت إليه حاله من ضعف ونحول، ثم في حنين عارم إلى أهله وولده، ينادي ذاك الراحل بعيدا، نحو دياره، حيث يوجد رمقه وقلبه:

يا راحلا عند حي عنده رمقـــــي اقرأ السلام على من لم أودعـــه

وأطول شوقاه ما جد البعاد بهــــم إليهم مذ سعوا للبين أفظعــــــه

لئن تباعد جثماني فلم أرهــــــــم فعندهم وأبيك القلب أجمعــــــه

إنه نداء محمل باللهفة والأشواق، إلى الأحباب الغائبين: وقد وظف الشاعر في هذه القصيدة كل الأساليب الإنشائية التي تظهر انفعالاته ولهفته إلى الحرية والقفول نحو أهله وعشيرته، كأسلوب الندبة: و ا…. يا…. وأسلوب النداء والاستفهام وغيرهما، وقد خرجت عن معناها الظاهر إلى سياق التفجع والندبة، إضافة إلى المقابلات والمفارقات في تصوير لوعته، وما صار إليه حاله وهو يرسف في القيود… الخ.

 

موقفه من أهل زمانه:

وإذا كان ابن حزم قد شكا في القصائد السابقة من تحلو الدهر والزمان فإنه في قصائد أخرى شكا من تحول أخلاق الناس ومن مضايقة أهل زمانه وكيدهم، وله في ذلك عدة قصائد، منها هذه القصيدة التي ظاهرها الافتخار وباطنها أسى مرير وحسرة مؤلمة لما قوبل به علمه من إنكار وجحود:

أنا الشمس في جو العلوم منـيــــرة ولكن عيبي أن مطلعي الغــــــــرب(26)

ولو أنني من جانب الشرق طالـــع لجد على ما ضاع من ذكري النهــب

ولي نحو أكناف العراق صبابــــــة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصـب

فإن ينزل الرحمن رحلي بينهــــم فحينئذ يبدو التأسف والكـــــــــرب

فكم قائل أغفلته وهو حاضــــــــر وأطلب ما عنه تجيء به الكتــــــب

هنالك يدري أن للبعد قصـــــــــة وأن كساد العلم آفته القــــــــــــرب

إن حسرة ابن حزم تبدو واضحة في هذه القصيدة، حسرته، على ضياع علمه وسط أناس لا يقدرونه حق قدره، وفي القصيدة شوق الرحيل إلى العراق كبديل آخر.

إن أزمته مع أهل عصره، كونه يعيش بينهم، فلو كان بروزه من جهة الشرق، لقد روا علمه وأدبه. إنها آفة الأندلسيين والمغاربة على السواء، شكا منها غير ابن حزم قديما وحديثا من العلماء والأدباء على السواء.

لقد امتحن ابن حزم بالناس، وتسقطوا أخباره في فضول عجيب، قصد الإيقاع به لدى الحكام.

ومما قاله في هذا الصدد قصيدة، نقتصر فيها على هذه الأبيات التي تتسم لهجتها ولغتها بالغضب والاستنكار

إني لأعجب من شأني وشأنهـــم واحسرتا إنني بالناس ممتحــــن(27)

ما إن قصدت لأمر قط أطلبـــــــه إلا وطارت به الأضعان والسفــن

أما لهم شغل عني فيشغلهـــــــم أو كلهم بي مشغول ومرتهــــــن

دعوا الفضول وهبوا للبيان لكـــي يدري مقيم على الحسنى ومفتتن

وحسبي الله في بدء وفي عقــــــب بذكره تدفع الغماء والإحـــــــــن

فالحسد والنميمة والفضول في تسقط الأخبار رذائل تثير حفيظة ابن حزم، وتثير مشاعر الغضب في نفسه، وقد عملت أساليب النداء والأمر والتعجب وغيرها من الأساليب الإنشائية على إبراز هذا الجانب الانفعالي في نفسه اتجاه تلك الفئة من الناس، وقد أشار إلى هذه الظاهرة في كثير من مؤلفاته وأورد الأمثال والحكم في ذلك، منها: “أزهد الناس في عالم أهله” ويأتي بقول عيسى عليه السلام: “لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده…”(28) إلى آخر هذا في كتبه المتفرقة وإذا كان ابن حزم، قد شكا من بعض الحساد والمناوئين من أهل عصره، وتحسر على افتقاد كثير من القيم كقيمة المحبة والوفاء والمودة بين الناس والعلم…. فإنه بالمقابل، له أشعار في تمجيد الصداقة والمودة التي مازالت تربطه ببعض رجالات وأدباء عصره، منهم عبيد الله بن عبد الرحمن بن المغيرة (ابن أمير المؤمنين الناصر) وكان صديقا لابن حزم، ومما قاله، موجها الخطاب لهذا الصديق، مؤكدا فيه على المودة التي تجمع بينهما، هذه الأبيات:

أودك ودا ليس فيه غضاضـــــــــــة وبعض مودات الرجال ســـــراب(29)

وأمحضك النصح الصريح وفي الحشا لودك نقش ظاهر وكتـــــــــــاب

***

ومالي غير الود منــــــــــــك إرادة ولا في سواه لي إليك خطــــــــاب

ومن شعره في الصداقة والأخوة، ما جاوب به صديقه أبا عامر بن شهيد، فقد كتب إليه في أبيات مؤثرة جدا، لما مرض مرضه الأخير، يطلب من ابن حزم أن يقوم بتأبينه يوم وفاته، ويشيع ذكره، ويدعو له بالمغفرة والرحمة، وفي هذه القصيدة يذكره بصداقته والمودة التي تجمع بينهما قائلا:

فمن مبلغ عني ابن حزم وكان لـي يدا في ملماتي وعند مضايــــــقــــــي(30)

عليك سلام الله إني مفــــــــــارق “وحسبك زادا من حبيب مفــارق”

فلا تنس تأبيني إذا ما فقدتنـــــي وتذكار أيامي وفضل خلائقـــــي

فلي في ادكاري بعد موتي راحــــة فلا تمنعونيها علالة زاهـــــــــق

فأجابه ابن حزم:

أبا عامر ناديت خلا مصافيـــــــا يفديك من دهم الخطوب الطـوارق(31)

وآلمت قلبا مخلصا لك ممحضـــــا بودك موصول العرى والعلائـــــق

وقد سبق الحديث عما تمثله قيم كالصدق والصداقة والوفاء من منزلة عند ابن حزم، وهو كثيرا ما يؤكد على هذه القيم في مواطن عديدة من مؤلفاته، وفي طوق الحمامة أن خلة الوفاء لازمته دائما اتجاه أصدقائه ومعارفه وهو لا ينسى أبدا أقل ذمة تربطه بإنسان مهما كان.

أشعار تأملية زهدية:

هي خلاصة تجاربه، وتعبير عن نظراته في الدهر والزمان وتأملات في أخلاق الناس، وفي الحياة والموت وما بعد الموت.

وهي قصائد طويلة نسبيا قياسا مع أشعاره الأخرى في الموضوعات التي سلف عرضها.

منها هذه الأبيات من قصيدة يؤكد فيها على قيمة الدين وقيمة العرض… معتبرا ما دونهما من أمور الحياة هي يسير، لأنها لا تدوم قائلا:

جعلت اليأس لي حصنا ودرعــــا فلم ألبس ثياب المستضــــــام (32)

وأكثر من جميع الناس عنـــــدي يسير صانني دون الأنـــــــام

إذا ما صح لي ديني وعرضــــــي فلست لما تولى ذا اهتمــــــــام

تولى الأمس والغد لســــت أدري أأدركه ففيما ذا اغتمـــــــــام

ومن أجمل قصائده في هذا الباب هذه القصيدة التي أوردها الحميدي(33)، فيما يتعلق بالدهر وصراع الإنسان معه، والذي لا يذيقه سوى الندم والهم والحسرة بعد أن تذهب اللذات وتزول المتع:

هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنــــا فجائعه تبقى ولذاته تفنـــــــــــى(34)

إذا أمكنت منه مسرة ساعــــــــة تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا

إلى تبعات في المعاد وموقـــــــــف نود لديه أننا لم نكن كنـــــــــــــا

حصلنا على هم وإثم وحســـــــرة وفات الذي كنا نلذ به عنـــــــــــا

حنين لما ولى وشغل بما أتــــــــى وغم لما يرجى فعيشك لا يهنـــــــا

كأن الذي كنا نسر بكونــــــــــه إذا حققته النفس لفظ بلا معنـــــى

وهذا البيت الأخير من أجل أبيات الحكمة -في رأينا- لما فيه من صدق وإيجاز وتكثيف للمعنى.

أما قصائده الوعظية والزهدية فهي طويلة، قياسا مع باقي شعره. وفيها تكرار للمعنى بصور مختلفة بغية تثبيته في الوجدان والأذهان معا.

من هذه المطولات هائيته التي يبدأها بالحديث عن نفسه بضمير الغائب:

أقصر عن لهوه وعن طربـــــــــه وعف في حبه وفي غربــــــــه (35)

فليس شرب المدام همتـــــــــــه ولا اقتناص الظباء من أربــــه

ففي هذه القصيدة نداء للنفس بالعدول عن الأهواء والمسارعة إلى النجاة والاجتهاد في الخير حتى تفور بالخلاص.

كما أن فيها دعوة زهدية حارة إلى نبذ الملذات وكل ما مصيره الفناء في هذه الدنيا التي تذوي غضارتها سريعا:

دع عنك دارا تفنى غضارتهــــا ومكسبا لا عبا بمكتسبــــــه

فكم من طالب لمكاسب الدنيا، أتى عليه الموت فحال دون ما يريد، وكم من إنسان ارتقى أعلى القمم في مراتب الدنيا فإذا به ينزل إلى الحضيض… الخ

وليس التقي كالفاسق، كما أن صدق الكلام ليس من كذبه هكذا يمضي ابن حزم يحذر من الدنيا الغرارة، التي يحاول الإنسان الإمساك بمصالحها الآنية دون جدوى.

فكم من نفوس تقطعت في سبيل مكاسب واهية، وكم تجد في أثرها، وهي (أي الدنيا) تجد في الهرب باستمرار كالسراب. ويتعجب الشاعر -رغم كل هذا- من تهافت الناس عليها وعدم تمسكهم بالجوهر والأبقى.

من هذه القصائد الزهدية والوعظية أيضا، هائية أخرى طويلة جدا، وفيها كالقصيدة السابقة تحذير للنفس من الإنسياق وراء ملذات الدنيا الفانية وعدم الاغترار بما قد يبدو من غضارة العيش فيها، فهي غضارة ستذوي سريعا ويمحي لونها الأخضر. بعد هذا القسم الخبري ينتقل إلى التعجب، تعجبه من ذلك الإنسان المغتر بالدنيا وبمتع الحياة مع أن الموت يلاحقه، فتبا لنفس لا ترعوي قادها لهو ساعة إلى العذاب:

أعارتك دنيا، مسترد معارهـــــــا غضارة عيش سوف يذوي اخضرارها(36)

وهل يتمنى المحكم الرأي عيشــة وقد حان من دهم المنايا مزارهـــــــا

وكيف تلذ العين هجعة ساعـــــة وقد طال فيما عاينته اعتبارهــــــــا

القصيدة فيها نفس وعظي حزين، كأنه وتر جنائزي، وقد ساعد على ذلك إيقاع القصيدة الذي يمتد بطيئا، وحركة المد التي أشبع بها الروي “الهاء” مما جعل إيقاعها مردودا وممتدا.

وفي هذه القصيدة تكرار التوبيخ للنفس الإنسانية، وهي عند ابن حزم نفس أمارة بالسوء، ميالة دوما إلى الأهواء والرغبات المادية، كما أنها عمياء في ميولها إلا من كبح جماعها بالعقل، وألجمها بالتبصر في عواقب الأمور.

هكذا يمضي في القصيدة يقرع تلك النفس التي تنساق دوما وراء الملذات والمكاسب الفانية، ضاربا الأمثلة بالأمم البائدة.

ثم ينتقل إلى تحليل الاضطرابات النفسية لذلك الشخص الذي لا يستطيع التحكم في نوازعه وميوله، إما ضعفا أو خوفا من سلطة دنيوية وكأن ابن حزم يستبطن دواخله، ولا عجب، فقد ألف رسالته مداواة النفوس وفيها استشفاف باطني لكل أحوال النفس البشرية وأهوائها وتقلباتها بين الحسد والطمع والرياء والنفاق والإنسياق مع الشهوات…. وكل الأمراض النفسية، من أبيات هذه القصيدة:

أراك إذا حاولت دنياك ساعيــــا على أنها باد إليك ازورارهــــــــا

وفي طاعة الرحمن يقعدك الونـــى وتبدي أناة لا يصح اعتذارهـــــــا

تحاذر إخوانا سنفنى وتنقضـــــي وتنسى التي فرض عليك حذارهـا

كأني أرى منك التبرم ظاهـــــــرا مبينا! إذا الأقدار حل اضطرارهـا

هناك يقول المرء من لي بأعصـــــر مضت كان ملكا في يدي خيارهــا

وهكذا يمضي ابن حزم في تحليل مشاعر الندم والحسرة التي قد تنتاب هذا الإنسان ساعة الاحتضار، وقد بقي وحيدا يواجه ربه، بعد أن تبرأ منه كل الخلطاء يواجه ظلمة القبر، ويستحضر يوم البعث، مترقبا يوم الجزاء.

وكأننا عندما نقرأ هذه القصيدة نتتبع مع الشاعر السناريو المحزن والمفجع للمصير الإنساني، منذ شبابه وإقباله على الدنيا، وانغماسه فيها إلى آخر رمقه، بل كأننا نشاهد شريطا لأطوار النفس البشرية يعرضه ابن حزم أمام شاشة مكبرة.

وقد ساعده على ذلك توظيفه لكثير من الأساليب الإنشائية كالنداء والتعجب والاستفهام الإنكاري والأمر والنهي والتقريع…الخ.

كما تراوح أسلوب القصيدة بين الإخبار والطلب، مما منحها حيوية وإقناعا وتأثيرا.

كما أن هذه الأساليب كلها تكشف عن توتر الشاعر وعن مشاعر التدين في نفسه.

خاتمة:

الخصائص الفنية لشعر ابن حزم:

انطلاقا من هذا البحث يمكن إجمال الخصائص الفنية لشعر ابن حزم في النقط التالية:

1 – كان ابن حزم يقول الشعر استيحاء من المواقف النفسية التي كانت تعرض له ومن التجارب الحية التي يمر بها.

لم يكن الشعر تهويما خياليا فحسب، أو مجرد صنعة فنية أو تقليدا لتجارب الآخرين، بل هو سرد أدبي للواقع وتسجيل فني له، الشعر عنده يكاد يطابق الحياة كما نجد لدى دلتاي في كتابه التجربة والشعر . وهو أحد أقطاب(37) النقد في المدرسة الألمانية الحديثة، حيث نفى في كتابه هذا انفصال الشعر عن الحياة. لذلك كثر الارتجال في شعره وقد تعجب الحميدي من سرعة(38) بديهته في قول الشعر، حيث قال: “وكان له في الآداب والشعر نفس واسع، وباع طويل. وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، وشعره كثير، وقد جمعناه على حروف المعجم”.

كما أنه بسبب هذا الارتجال، خلا شعره من الصنعة اللفظية إلا ما جاء عفوا، وقد تسبب هذا، في رأي إحسان عباس في ضعف بعض مقطوعاته وأشعاره المرتجلة(39).

2 – أسس ابن حزم -في رأينا- لغة غزلية أخرى، مخالفة لما كان معهودا لدى معظم الشعراء، وهي لغة قائمة على الصدق والواقعية وعلى تجارب عاطفية حقيقية مر بها.

كما أن المرأة التي يصفها، أو يصف حبه لها، امرأة واقعية متعينة، وقد سمى بعض النساء بأسمائهن الحقيقية في شعره.

3 – الواقعية، وكما سبقت الإشارة فابن حزم كان يكره الكذب حتى في الشعر وينفر من المبالغات البعيدة لذا جاء شعره قريبا جدا من الواقع، يحكي عن أشخاص واقعيين، وينقل الحوار الدائر بينه وبين المخاطب: قال: وقلت أو الجدال بينه وبين مناوئيه…الخ.

هذه السمة يمكن التقاطها من كل أشعار ابن حزم، فالشعر كما سلف الذكر، تعبير عن الحياة ونقل للأفكار والمعاني.

4 – النزوع نحو التقاط الجزئيات الصغيرة والتفاصيل الدقيقة، وقد لا حظنا ذلك، سواء في تصويره لعواطفه وحبه أو تصوير البيئة الأندلسية وطبيعتها أو في تصوير دقائق الأخلاق البشرية.

وتقديم صورة دقيقة عن النزعات الإنسانية ومظاهرها الخارجية من حركة ولون ونظرة وكلام وصمت… الخ.

هذا النزوع نحو التقاط الجزئيات يمكن أن نطلق عليها (السمة الأندلسية) ونجدها لدى بعض الشعراء الكبار، ذوي الإحساس المرهف، أمثال ابن خفاجة بل تمتد إلى العصر الحديث، خاصة عند الشاعر الغرناطي غرثيا لوركا، مثلا.

5 – التحليل والتفريع في شعره، نتيجة ثقافته المتبحرة الواسعة كالأصول والجدل على الخصوص، والفقه والتفسير والتاريخ… الخ خصوصا تلك الأشعار التي واجه بها خصومه مجادلا.

وهناك إضافة إلى هذا عدة جوانب وصور يمكن التقاطها من شعره، جوانب أخلاقية وسلوكات بعض أفراد المجتمع الأندلسي، وطريقة تفكير أهل عصره…. الخ.

مجلة الجابري – العدد التاسع


الهوامش:

1 – أشار إحسان عباس بعد أن أورد عدة قصائد من شعر ابن حزم إلى أنه عثر عليها ضمن مخطوط كتب عليه ديوان ابن حزم وبقية المخطوط في لزوميات المعري كما وردت أشعاره في مشاكل الأبصار. انظر تاريخ الأدب الأندلسي، ج 1، ص 370 وما بعدها.

2 – انظر الجذوة للحميدي، ترجمة ابن حزم.

3،4،5 – نشرت هذه الرسائل ضمن رسائل ابن حزم، من تحقيق إحسان عباس. ط1، سنة 1981 المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

6 – نشر بتحقيقات متعددة، أولها تحقيق حسن كامل الصيرفي سنة 1980.

7 – انظر رأيه هذا في رسالة مراتب العلوم، ضمن رسائل ابن حزم.

8 – طوق الحمامة، ص 321

9 – نشر من طرف دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1978.

10 – ويعتبر بن عربي المتصوف أن حب الرجل للمرأة واجب دينيا، انظر الفتوحات المكية.

11 – طوق الحمامة، ص 95

12 – طوق الحمامة، ص 116

13 – طوق الحمامة، ص 116

14 – طوق الحمامة، ص 164

15 – طوق الحمامة، ص 211

16 – طوق الحمامة، ص 292

17 – طوق الحمامة، ص 163

18 – طوق الحمامة، ص 287

19 – طوق الحمامة، ص 232-233

20 – طوق الحمامة، ص 223

21 – طوق الحمامة، ص 191

22 – انظرها في :الجزء الأول من تاريخ الأدب الأندلسي/ لإحسان عباس، ص 383-385.

23 – عن هذه الفتنة انظر ذخيرة ابن بسام، نقلا عن أبي حيان.

24 – انظر طوق الحمامة، ص:194

25 – انظرها في: طوق الحمامة، ص 200-201.

وإحسان عباس في تاريخ الأدب الأندلسي، ج 1/ص 385.

26 – انظرها في:الجذوة، ص 292.

27 – انظرها في: تاريخ الأدب الأندلسي، ج 2/ ص 382.

28 – رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها، ص 355 / 356.

29 – طوق الحمامة، ص 52-53.

30 – جذوة المقتبس للحميدي، ص 125.

31 – جذوة المقتبس للحميدي، ص 125.

32 – طوق الحمامة، ص 324

33 – الجذوة، ص 309

34 – الجذوة للحميدي، ص 309

35 – طوق الحمامة، ص 309

36 – انظرها في: طوق الحمامة، ص 311 وما بعدها

37 – انظر مفاهيم نقدية لرنيه ويلك /ص 398/ ترجمة محمد عصفور.

38 – انظر الجذوة للحميدي في ترجمة ابن حزم.

39 – تاريخ الأدب الأندلسي، ج 1، ص 319.