الكاتب | فانسون بيدنوار |
ترجمة | ترجمة: الحسن علاج |
شرع إميل سيوران (Emil Cioran) (1911 ـ 1995 ) في وقت مبكر جدا بالاهتمام بقضايا تطرح نفسها على فلسفة الوجود . في الخامسة عشر من عمره ، شُغف بكيركيغارد ، ضد المثالية الهيغلية ، التي أسرته بالرغم من ذلك . منذ 1932 ، شرع في قراءة الكينونة والزمن ، وأولى اهتماما عن كثب بالروسي ليون شيستوف Lev Chestov) ( ، كما أنه نهل من حيوية برغسون وحيويتي شوبنهاور وشبنغلر Spengler) ( ، بشكل خاص . قارئ شرس ، وريث لتأثيرات عديدة تتجاوز ، علاوة على ذلك ، التخصص الفلسفي ، فقد ترك لنا فكرا أصيلا يتردد صداه مثل برهان على تجربة مصابة بخيبة الأمل ، جزعة ومتمردة على الوجود البشري في الوقت نفسه . بين رعب الإخفاق والكراهية الغريزية للوهم ، يعكس صديق بيكيت Beckett) ( ويونيسكو العجز على الفهم أمام العالم . لقد سعينا ، فيما يلي ، إلى فهم استمرار هذا العمل التناقضي إلى حد كبير ، الذي يضع تشخيصا لاستحالة الكينونة والتفكير ، من دون زكية أي حل حقيقي .
” يعتبر الوجود ظاهرة عملاقة ـ لا معنى لها .وهكذا سأعرف الحيرة التي أعيشها يوما بعد يوم “. ( أعضاء ممزقة)
كتب سيوران أول كتاب له ، وهو يبلغ من العمر اثنتين وعشرين سنة ، بمدينة سيبيو ، برومانيا ، تحت عنوان : على قمم اليأس . وقد أشار إلى ذلك في مقدمته ( التي قام بتحريرها بالفرنسية في وقت لاحق ) ، وكان قد أتى في ذلك العهد على إنهاء دراساته الجامعية في الفلسفة ، ” متظاهرا ” 1 بالاشتغال على أطروحة دوكتوراه . وقد أشار ، من ناحية أخرى ، إلى الارتباط الذي كان يشده إلى ال” مصطلح الفلسفي ” ، صيغة تعبير كانت محط فخر لديه ، والتي أفضت به إلى ” احتقار كل من يستعمل اللغة العادية ” . لم يتم تبرير هذا الاعتراف ، في واقع الحال ، إلا بشكل جزئي في عمله الأول . فإذا كان هذا الأخير مشبعا جدا بالفلسفة حتى في كتابته ، فهو أيضا يعتبر اعترافا فلسفيا مضادا في جوانب عديدة جدا . والسبب في ذلك يعود إلى أنه نشأ ، ليس جراء تأمل عقلاني سليم حيث ممارسة التفكير تتطور بشكل متقن و ، إجمالا ، متخذة إزاء موضوعها مسافة ، بل جراء ” انتفاضة داخلية ” ، جراء تعذيب حقيقي يستدعيه هذا ” العدم بلا هدنة ” الذي هو الأرق . سوف يعود مرات عديدة إلى هذه الظاهرة الهامة جدا ، وبشكل خاص في كتاب حوارات Entretiens) ( ؛ ما يهم هو أن ذلك سوف يلعب دورا حاسما في تكوين الحدوس التي توجد في صلب الفكر السيوراني ، مثلما لاحظ ذلك تماما بيتر سلوتردايك (Peter Sloterdijk) 2 . الأرق ، هو الحرمان من نسيان مصلّح ، مخلّص : وتبعا لسيوران ، فإن ذلك يجبر العقل على نوع من نفاذ البصيرة المتواصل ، الذي لا تمتلك الإرادة أدنى سيطرة عليه ، والذي يتمثل فقط في ” اجترار ” ما يستعصي على الحل إلى ما لانهاية ، الـ ” التساؤلات التي تظل بدون جواب ” التي تغذي فقدان الأمل . يمثل نفاذ البصيرة ، بالتأكيد، تمظهر وعي حقيقي تماما ، يعكس استحالة مسوغ سببي للكينونة . عموما فقد اكتشف سيوران من خلال تلك البداهة المرضية ، حقيقة الوجود المستغلقةوالغامضة . يستجيب العمل ، الذي سيظهر سنة 1934 ببوخارست ، إلى ضرورة داخلية ؛ إن ما يحث على تحريره ، فعلا ، هو الكشف عن ” خواء الفلسفة ” ، عجز هذه الأخيرة على إشفاء الجروح الأكثر غورا ، أن تقدم ما يبدو جوابا زائفا عن تمزقات أولئك الذين يعتبرون موضوعا لها ، جوابا يهدئ ، مثل بلسم ، بل وسيشفي الكائن من وجع الوجود ذاته . فبين الرغبة في القيامة والتدمير المُحبط ، غنائية متفجرة ووضوح إجرامي ، يلاحق الكتيب ـ الذي اعتبر ، بالنسبة لمؤلفه ، ” نوعا من التحرر ، تفجيرا شافيا ” ـ الوهم إلى أقصى تحصيناته ؛إنه عرض موجز حقيقي للعدمية ، يرتكز على بعض الحدوس المركزية ، ومن بينها : العبث الجوهري للوجود ، ترابط الموت بالحياة ، عزلة الذات في عالم من المعاناة حيث لا شيء جدير بالشرح ، عدم شرعية كل شكل من أشكال الأمل، ابتذال فكرة التقدم ، وحتى سلبية فكرة الحقيقة ، ولاسيما الخاصية القاتلة للوعي . علاوة على ذلك ، وإذا كان لا يمكن إنكار أن كتاب على مرتفعات اليأس يعتبر عمل متعصب يفترسه الكرب الذي تسبب له في حالة من الهجران العميق ، ومع ذلك ، وخلف صرامة بعض المشاريع ـ وهي عديدة ـ ، فهو يشتغل ، بحماسة لا تكل ، صرامة إنسان لا يتوقف عن اختبار تناهيه ضمن هدف وحيد وهو تحديد المسافةالتي تستعصي على القياس والتي تفصله عن هذا المطلق الذي تتطلع إليه كل كينونته بشكل مفارق . وعلاوة على ذلك ، فقد ادعى سيوران أن هذا ” الكتاب المجنون ” يتضمن ، فعلا ، في الأصل ، مجمل فكره القادم 3 ؛ لم يكفّ ، وفقا لذلك ، تحميل نفسه مسؤولية كتابته لاحقا . والحقيقة هي أن العمل ـ كونه انتفاضة متوحشة ضد عجز المعرفة ـ يقدم نفسه مثل برهان على سقوط عنيف في قلب النقائض المؤلمة التي تشيد الوجود ؛ إنه يقوم بتوصيف ضمن غموض مقلق ومعبر ، الرعب ومعاناة الوعي المُهاجم من قبل تفاهة الكون ، هذا الخواء المراوغ الذي يستمد فراغه من الحركة الجوهرية للديمومة ؛ كما أن الوجود والحياة ، لدى سيوران ، يتم تعريفهما ، منذ البداية ، مثل من يحمل بداخله عامل تدميره الخاص .تتموضع الخاصية المأساوية للوجود تحديدا في اكتشاف ترابط العدم بالذات ، ضمن مشهد تدمير لامناص منه يشتغل داخل الماهية . إن هذا الكشف ـ الخصب للغاية في الاستحواذ والتوتر ـ هو مصدر التمزق الوجودي الذي يحمله سيوران بداخله ، مثل حمل ثقيل ، حتى موته ، والذي سيحاول طرده عبر توضيع الكتابة ، علاوة على ذلك ، مع نجاح يقل أو يزيد . وبالرغم من ذلك ، فإن ما سنطمح إلى إضاءته على طول تلك الصفحات ، هو طبيعة هذا التمزق ، بين الوفرة الوهمية للحياة وعدم الوجود . أي تصور للحياة يحملهفكرسيوران؟كيف يتكون هذا التصور في قلب النصوص ، وما الذي يتوصل إليه على المستوى العملي ؟ ومحاولة منا للإجابة على تلك الأسئلة ، سوف نقوم بفحص ـ انطلاقا من الكتابة الشذرية ـ المعالجة التي احتفظ بها سيوران لمبدأ عدم التناقض وما يفضي إليه في تحديد جوهر الحياة . سوف نتساءل لاحقا حول الطبيعة الاستثنائية تماما للشك السيوراني ، الذي أدرج العدم في الموجود . سيسمح لنا ذلك بتحيين المأزق الأخلاقي الذي لا يكف هذا الفكر عن الاصطدام به . ومن ثم فهي نسبة التعالق التي يقيمها الفكر والعمل الذي يستخدم كخيط ناظم لتفكيرنا .
إميل سيوران والكتابة الشذرية والجدلية السلبية للحياة
تشكل كتب سيوران تجميعا لكتابات وجيزة ، وأمثال سائرة و ، عموما ، لشذرات . وبالرغم من ذلك ، فإن هذا النوع من التعبير المربك والأصيل لدى كاتبنا ، يتضمن دلالة تتخطى القصد الإستثيقي الصرف . إنه يكشف ، بادئ ذي بدء ، كما هو الحال لدى نيتشه ، عن إرادة لمقاومة روح النسق ، واستبدال هذا الأخير بفكر متحرر ، حيث الكشوفات تكون أحيانا غير متماسكة ، لكنها غنية دائما بالذاتية ، وبإمكانها أن تأخذ مكانها على قدم المساواة . إن زمن الدراسات والفلسفات ، بالنسبة لسيوران ، التي لا تعير اهتماما لإمكانية تناقض عائم ، يعتبر زمنا منتهيا ؛ يعتبر مبدأ عدم التناقض مبدأ عقيما ، لأن كونه دليلا مؤذيا ، فهو يعمل على تطويق الفهم ، يفرض عليه فكرة حل لا لكونه حلا ضروريا فقط ، بل لأنه يظل حلا فريدا من نوعه . أكثر من ذلك : فهو غالبا ما يقود العقل إلى التضليل ، لأنه يرغمه باستمرار على اتخاذ القرار في هذا الاتجاه أو ذاك ، وتكمن أولويته في الحفاظ على الانسجام والرفض القاطع لفكرة خيبة أمله الخاصة . تعتبر الشذرة ، بالفعل ، في حد ذاتها ، عصيانا ضد التقليد الفلسفي وضد الأساس الذي شيد عليه أساسا . لكن ، وبمزيد من التعمق ، فإن اللجوء إلى استخدامها ، لدى سيوران ، يعتبر ناقلا لطريقة معينة في فهم العالم وكشف الوجود . تنطبق الكتابة الشذرية على الإدراك المهشم لعالم لا يكف عن الانفلات ، والذي يبدو من غير المجدي الرغبة في حشر الماهية في نسق . تصدر الهوية المفترضة للكينونة عن متطلبات لغتنا وبنيتنا الثقافية الخاصة بنا ، التي تدرك العالم عبر مقولات فكرية تخصها، فإن لم تكن هذه الأخيرة غريبة عنها ، فهي على الأقل غير ملائمة . يتوقف جوهر العالم ،تبعا لسيوران ، عن حالة ذاتيتنا ؛ إن الحالة الانفعالية التي تقوم هذه الأخيرة بتركيزها ، تحدد ما ندركه والطريقة التي ندركه بها . وبعبارة أخرى ، فالأمر كله يتعلق بالمنظورات ، بمعنى لا يتعلق الأمر ب” وجهة نظر ” حول واقع ، سنسلم بهويته ، لكن بشكل جذري للغاية ، يتعلق الأمر بحالات ذاتية ، تختلف إلى ما لا نهاية لأنها تنخرط مباشرة في الديموة . يرتبط العالم ، جوهريا ، بعدم ثبات حياتنا الذاتية ، وبناء على ذلك ، فإنه يتحرك باستمرار .وبالرغم من ذلك ، فما يتوجب على هذا الفكر هو التوصل إلى تقديم تفسير لهذه الحركة .
تكمن المشكلة في أن الوعي يشتغل بطريقة متقطعة : لست واعيا باستمرار بما يحيط بي ، بما أدركه ، وما أقوم بفعله؛ بالإمكان القول أيضا أن حالة الوعي هذه ، التي تفترض استعدادا فكريا ، تعتبر بصورة عامة نادرة جدا ، إذ إن وجودنا يكون خاضعا ، في جزء هام للغاية ، لتلقائية الحي . بالإضافة إلى ذلك ، فإن وعينا ليس جوهرا ، أو محتوى لأنا ثابتة تفهم الأشياء مع بقائها متطابقة بنيويا مع ذاتها ؛ إنه مجموع تجلياته الراهنة ، مجموع الأعمال التي ينجزها حاليا . ويبقى ، في جميع الأحوال ، أنه إذا كان انقطاع عمل الوعي هذا لا يسمح بفهم حركة الأشياء ،فهو يسمح ، خلافا لذلك ، بأسر لحظات تلك الحركة ، وهو ما يطلق عليه سيوران ” تجارب ” . لا يتعلق الأمر ، بدقيق العبارة ، بفهم ” حقائق ” ، بل باتخاذ خطوة تأخذ بعين الاعتبار الخاصية النوعية تماما للعلاقة التي توجد ، من جهة بين ، أفعال الوعي ، وعدم الاستقرار الطبيعي للموضوع من جهة أخرى . ومع ذلك ، فإن تلك التجارب ، التي تتمتع بحياة خاصة ، يمكنها أن تناقض نفسها ، لو تم النظر إليها من خلال منظور شامل ؛ وبالرغم من ذلك ،فإنه يتم السعي إلى دمجها ، مهما كان الثمن ، في علاقة انسجام متعادل على ما يبدو ، بهدف فقدان أصالتها . كما أن سيوران لا يتراجع أمام التحقق من الأفكار المتناقضة ، لأن هذه الأخيرة تمثل ، في قلب الفكر ، التناقض الأساسي ، الذي تتغذى عليه الحياة . وهو ما يجعله يعتبر أن الكتابة الشذرية ملائمة ، لأنها وحدها تعكس تماما نشاط الوعي ، الذي يتميز بالانقطاع والمسافة . تعتبر الشذرة اعترافا بالفشل و العجز في الوقت نفسه ؛ فقد أدخل إمكانية القطيعة في قلب الفكر و ، ولهذا السبب ، يعيد تعريف عمل الفكر ذاته عاملا إلى حد كبير على اختزال ادعاءاته . إلا أنها [الشذرة] تعتبر ،بالنسبة لسيوران، أداة أساسية ـ بشكل قاطع ـ لهذا التمزق الوجودي الذي استحضرناه آنفا ، والذي يجد نفسه مرتبطا ،في حالته ، بشكل عميق بمأساة وضع ميؤوس منه ، بحيرة يتعذر استئصالها ؛ فكونه علامة على الصدق ، إن لم يكن علامة على نفاذ البصيرة ، فإن القبول بالتناقض يعتبر أيضا عامل انزعاج ، إن لم يكن عامل خطر . التحرر من فكرة أن التناقض لن يكون بالضرورة ، سوى حالة انتقالية للفكر الذي يسير صوب حل يشكل في ذاته عنفا حقيقيا بالتعارض مع العقل ، لدرجة أن قانون التناقض ـ وبشكل يدعو إلى الغرابة ـ في عمل سيوران ـ لا يمكن إدراكه كحصيلة لمنهجية : تطرح ممارسة التناقض نفسها على أي واحد يرغب في الإحساس بالحرية دون أن يكون ساذجا . عموما إنها حتمية مفارقة : لا يتخذ المرء قرار مناقضة نفسه ، لكنه يأخذ ذلك على عاتقه علانية ـ لأن العالم يقدم نفسه لنا بطريقة متناقضة ، ومحاولة حشره في رؤية موحِّدة ، سوف تتزامن مع حجب عدم التطابق الجوهري مع الذات . وفيما يتعلق بهذه الصيغة من ظهور الفكر التي هي الشذرة ، فلابد إذن من العودة إلى صيغة الفكر التي هي حاملته ، والتي تتمثل في نوع من التباعد التناقضي الدائم ، وهي ذاتها كاشفة عن أزمة فلسفية خطيرة حيث يشكل مثال الحقيقة موضوع تشكيك عميق . إن الادعاء ، مثلما يفعل سيوران ، بأن الفكر لم يعد من الآن فصاعدا ممكنا إلا عبر شذرات ، فلا يتعلق الأمر فقط بإعادة النظر في فعل الكتابة ولاسيما إبطال الإيمان ، بشكل أو بآخر ، الذي نختبره إزاء الحقيقة ، لوجودها ووحدتها . إنها طريقة للغوص في سلب الإنكار ، لكنها أيضا نوع من رفض اختزال العالم في التعبير عن الفكر ومبادئه . وعلى الرغم من ذلك ، يبدو لنا تفكير سيوران ، بوصفه تجربة حدود أهوال التناقض ، حصيلة سؤال يمكن صياغته كالتالي : أي قيمة يمكن منحها للوجود الإنساني ـ الذي ينظر إليه على أنه الوحيد الحامل للكشف عن معنى ممكن ما ؟ فضمن مواجهة هذا السؤال المستبد تتلاعب ، بالنسبة لنا، الدراما السيورانية .
يعتبر عمل سيوران تعبيرا عن تمزق وجودي يتخذ شكل تناقض بين باعثين للتفكير التناقضي وفي صراع دائم للقوى ،في قلب الأنا ذاتها : باعث حيوي وباعث شكوكي . يتم القبول به في حد ذاته ، بمعنى دون إيجاد حل له ودون تجاوزه ، لكن يتم التحقق منه بوضوح ضمن رسوخه الخاص ، يعتبر هذا التناقض علة مثلى لوجود كتب سيوران . تعايش غير مهادن في الوعي ، إنه علاوة على ذلك ، مثبت في مواضع عديدة من المتن ؛ ومثالا على ذلك ، الدفاتر الشهيرة ( المعثور عليها والتي أعيد نسخها بعد وفاة مؤلفها بواسطة سيمون بويي Simone Boué) ( ، رفيقة حياته ) التي تعج بالتركيبات اللغوية غاية في الدلالة ؛ وقد عرف سيوران نفسه فيها ، في جملة أمور أخرى ، مثل ” شكاك ومطوق سويا “، مثل ” شكوكي محموم ” ، أو مثل ” عقل متلهف بيد أنه يستعصي على الحل “4 ـ الشيء الذي لن يتوقف بالتأكيد عن إثارة الفضول . إن هذا التضاد بين قوة حيوية وملكة فكرية يعتبر بالنسبة لنا القاسم المشترك الحقيقي لعمل سيوران ، ـ والأفضل : أنه يشكل منه ديناميكا خاصة ، محركا . نعثر عليه ، فعلا ، كذلك في العمل الروماني والفرنسي على حد سواء . ومع ذلك ، فلا يتعلق الأمر بتحديد مبدأ الانسجام ، ولا منح وضعية الأطروحة الفلسفية لهذا القاسم المشترك ؛ فعلا ، وبصورة معقولة ، ثمة رغبة في تشييد ـ على التناقض حتى ـ وحدة العمل الذي يرفض علانية الأطروحة ؟ يعتبر التضاد، المشار إليه ، تعذيبا حقيقيا ،يستمد قواه من عدم قابليته للحل الخاصة والذي ، لهذا السبب ، لا يمكن مماثلته بمبدأ عقلاني للفكر . يتعلق الأمر بما يستدعي التفكير ، وبما يحدد فعل الكتابة ، الذي يستجيب باستمرار ، لدى سيوران ،إلى ضرورة حيوية : ” أكتب لنفسي ، كي أتحرر من وساوسي ، وتوتراتي لاأكثر ولا أقل ” 5 ، صرح على سبيل المثال عام 1977 ، في حوار مع فرناندو سفاتير (Fernando savater) . وبالتالي فإن فعل التفكير ليس غير مكترث بأي حال من الأحوال . إنه يشكل في المقام الأول حصيلة صراع متواصل ضد المعاناة ، الشك والموت . مبدئيا ، إن الفكر هو تعبير عن عجز ، عن نقص حيوي . إنه يصدر عن إخفاق في الاستمرار ، بشكل ساذج ، في الوجود . يجهل الحي المثالي أنه يحيا ويموت ، وأنه تمظهر خالص للرغبة في الحياة . إن ذلك الجهل هو شرط كماله ، وتطابقه مع الحياة : فهو لا يوجد في عنصره فقط ، بل هو عنصره . وبالتالي فإن الحياة المثالية هي حياة بدون وعي ، أعني دون تمييز عن الموضوع . وبالمقابل فبقدرما يحل الوعي في وجود الفرد ، قدرما يكتشف هذا الأخير خواء العالم وخواءه الخاص . ومن المفارقة التي من خلالها يُكشف لنا الموضوع ، هي تلك التي ينفلت لنا من خلالها ويضيع . تعمل المعرفة إذن على تحديد ظاهرة تلف ، حيث تعتبر النتيجة تدميرا للكينونة ومجابهة الروح للخواء الكوني . إن سيرورة دمار العالم عبر الوعي هي مايسميه مؤلفنا شكوكية . إنها تشير إلى ظاهرة تباعد الأنا والاغتراب الدائم للكينونة الذي يحدث في الممارسة الأكثر تحققا للتفكير . بحيث إن المعرفة والعيش لدى سيوران لا يتفقان : تفصل المعرفة الحقيقية الفرد عن الحياة ، في حين أن الحي المثالي لا يمتلك وعيا عن وجوده الخاص . يُكوّن هذا التضاد الذي لا يمكن اختزاله التعاقب المؤلم الذي يلقننا سيوران إياه ، والذي يطرح بشكل جذري وتراجيدي مشكلة قيمة الوجود ، ـ عبر غياب معناه . وفي نهاية الأمر ، فإن جوهر كتابات سيوران حول هذا الموضوع يسعى إلى إثارة انتباه القارئ حول مسألتين : بادئ ذي بدء حول الفكرة التي يمثلها الوعي ، في قلب السيرورة الحيوية ، فكرة تشويه ، بالمعنى الذي ـ إلى أقصى حد ـ يحطم تلقائية الحياة ثم يدخل مسافة تعمل على إبطاء ، وحتى تعطيل ، زخمها الإبداعي . عموما ، فإن ذلك هو الشكل الذي تكتسيه حيوية vitalisme) ( سيوران : الحنين إلى حالة محايثة مطلقة ، حيث الوحدة البدائية كانت لا تزال سليمة . من ثم ، فإن المفكر يشدد على فكرة أنه لا ينبغي الخلط بين البعد السلبي للعيش ، الذي يكون جوهره ، والبعد المدمر للشك ، الذي يستنزف الكائن ، لأنه لا يستطيع الإفلات من الدوامة المتواصلة للتشكيك . تلك ، في هذه الحالة ،هي الطبيعة الحقيقية لشكوكية سيوران : سخط الظاهرة الواعية ، النفاذ إلى غياب الأشياء ، إلى العدم . على أنه كيف تتشكل هذه المقاربة ، بدقة أكثر ، والتي تعتبر مفارقة ، على أقل تقدير ، للوجود ، في قلب الفكر السيوراني ؟
لطالما ألح سيوران على أهمية الاستعدادات الفيزيولوجية في تطور التفكير الفلسفي . ” يوحي لنا جسدنا بتعاليمنا “6 ، كما لاحظ على سبيل المثال . وبالفعل فإن الجسد هو مكان كشوفات ، لأنه يعتبر في الوقت نفسه أول اتصال لنا مع ما هو موجود ، ووسيلة الاتصال الأول للحفاظ على الحياة بداخلنا . وعلى الرغم من ذلك ، إنه ما به نكتشف ، في هذا الصدد ، محايثة الموت للحياة ، حضور عامل التدمير في قلب الماهية . فعبر تجربة التلف التدريجي للوظائف الحيوية أو عبر تجربة المرض التي ينجزها هذا الاكتشاف ، الذي يفتتح قدوم الفكر الحقيقي . تعتبر العافية حالة جهل إذ لا يتطلب تجانس الأعضاء إطلاقا تطور الظاهرة الواعية ضمن نسب مهمة للغاية ؛ إنها حالة انطباق خالصة مع الأنا ، غطس مطلق في الديمومة وفي التغيير المستمر الذي تسند إليه : صيغة تامة ، لأنها ساذجة في جوهرها ، للموجود . وبالمقابل ، فإن المرض ، هو استبطان للموت ، والأفضل : استبطان التوقف عن الكينونة . إن الآلام التي يتسبب فيها تحدث قطيعة ، تباعدا عن الأنا يعكس نقصا ناتجا عن خلل عضوي يحدد المرض . هذه الثغرة التي يتم حفرها بداخل الذات تساعد على بروز وتطور الوعي الذي لا يمنح إلا منظورا واحدا للإنسان :منظورا لموته الحتمي ، والذي هو ، علاوة على ذلك ، يكون على الدوام وشيك الحدوث . ولتوخي الدقة أكثر ، لابد من إضافة أن الوعي يدرك حينئذ ظاهرة الموت على ضوء الأحداث الجارية ، بمعنى مثل شيء ” يطرأ في الوقت الراهن ” بشكل مفارق ، ليس مثل حدث خارجي ، من دون علاقة مباشرة به. إن اكتشاف الموت في الجسد يقود إلى شبه تطابق الحي والميت ، إلى درجة أن الحي والميت يتضافران ، في نفس ” نسيج ” زمني ما . إنها بصمة لتناهينا الجوهري ، التي تكون أكثر حضورا على الدوام في الوعي ، تختزل أفق الممكن كما تضفي على الوجود مظهرا من الاحتضار . إن القصور الفيزيولوجي والآلام التي ترتبط به تشكل مصدرا للتبصر بالنسبة لسيوران ، والملاحظ أنه يستلهم على نطاق واسع بعض حدوس فلسفة الحياة من أجل الشروع في تقديم جواب عن القضايا التي تطرحها فلسفة الوجود .
لكن ثمة ما هو أكثر من ذلك : إن ذلك القصور الذي يعطل الجسد بشكل صارم ، يسمح أيضا بولوج جدلية مستعصية ، تفتقد إلى الإيجابية التي تشيد الوجود ، والتي تقدم نفسها مثل تعاقب متواصل للابتكارات ودمار ما هو موجود ، من دون دلالة ولاغاية متعاليتين . وبالفعل ، فإن كل ما هو موجود ، يتوق إلى الحفاظ على نفسه في كينونته ، بإثبات ذاته ، وبناء على ذلك ، ينزع إلى الرفض والتدمير . لا شيء ينفلت ، تبعا لمفكرنا ـ الذي يستلهم هنا على نطاق واسع فلسفة شوبنهاور ـ من هذه القوة الأصلية التي تستنفذ محتوى الكينونة ، والتي تتطور ، ليس بطريقة فوضوية تحديدا ، بل بطريقة عمياء ومباشرة ؛ لدرجة أنه داخل هذا العمل المتواصل للإثبات والنفي ، الذي ينبغي ممارسته من أجل إدراك الاستمرارية العميقة للوجود ، التوازن العابر لكن الكافي الذي يستند إليه . ليس ثمة عقلانية لا تنظم الواقع ؛ إن النظام الذي نعتقد الكشف عنه في الكون ، والذي نرفضه في نهاية المطاف ، يعتبر نظاما خادعا : إنه ليس سوى حصيلة لوعي مع مراعاة تجسيد هذه القوة الشهيرة في وقت لاحق ، وحيث يكمن جوهرها في الرغبة في الوجود إلى أجل غير مسمى . تعتبر الكينونة لا عقلانية ، ومع ذلك ، فإن التناقض الذي يشكل جوهرها ليس ، بدقيق العبارة ، تراجيديا ؛ وفي المقابل ، فإن ما يميزها ، هو الإمكانية التي توجد لدينا لفهم ، عبر الوعي ، هذا الصراع الدائم للموجود ضد نفسه ، صراع مجرد من غاية والذي يعكس ما يسميه سيوران غالبا ب” إمبريالية الحياة ” . علاوة على ذلك ، فمن هذه المعرفة انبثق القلق واستعصاء الكينونة ، صيغ جوهرية لارتباط وعينا بالعبثية الأساسية للوجود . على أن الأهم هو أن هذا التوتر المزدوج ، بين الحفاظ الذاتي والتدمير الذاتي ، يماثل مطلبا مزدوجا مرتبطا بطبيعة الكينونة ذاتها ، التي تنزع ، في الوقت نفسه ، إلى إثبات ذاتها وإنكارها ، دون أن تنهار بطريقة نهائية . إن عمل السلبي ، في واقع الأمر ، يعتبر في حد ذاته غايته الخاصة ؛ وبناءعلى ذلك ،فهو يستوجب ، حضور موضوع يستطيع عبره ممارسة عمله : ليس الخلق شيئا آخر سوى ، بالنسبة لسيوران ، ظهور مثل هذا الموضوع ، منذور ـ بحكم الواقع ـ إلى الخراب . لذلك فإن البعد الخلاق الذي يحمله الوجود يعتبر خاضعا ، في التحليل النهائي ، إلى الحاجة إلى إنكار ليس شاملا ، والذي ينزع باستمرار إلى تجديد ذاته واستبدال حقيقة بأخرى ؛ وفي الواقع ،فإن النفي هو مساهمة في الكينونة ، محرك للحياة وبقائها . وبالرغم من دعمه لهوية الحياة والوجود ، فإن المفكر سيذهب حد إنكار فكرة أن الحياة يفترض فيها ، بدقيق العبارة ، أن تكون حياة خلاقة : ” ليست صيرورة الحياة ، لاحظ في سنة 1932 ، خلاقة ، لأن النماذج التي تتلاحق لا تُجمع في بنية شاملة ، ولا تضاف في كل تركيبي . إن ما ندعوه إنتاجية مستمرة للحياة ليس سوى ملكية للإبداع والتدمير “7 . ولهذا السبب ينبغي فهم البعد الخلاق للحياة ضمن معنى محدود تماما ،معنى تجدد محايث ، مجرد من غايات خارجية : ” تقدم الإنتاجية الملازمة للحياة مجرد اتجاهات ، مجرد توسيعات لأشكال ملموسة مختلفة ، بدون أي قصدية تسمو عليها “8 . إن غياب معنى موحِّد ، يحتضن كافة تجليات الحياة ، يكشف للوعي على الطبيعة الإمبريالية بشكل غبي للحي ، بمعنى تطلعه المتواصل من أجل تجسيد أشكال جديدة ، إنتاج الأخبار ، حتى وإن كان الدافع الذي يصدر عنه يختزل حتما ما هو راهن إلى ما هو عابر كما يضفي على الكينونة عدم استقرار بنيوي جذري . يشير سيوران إلى ذلك على الشكل التالي :” تفرز هذه الإمبريالية ظاهرة مثيرة للانتباه حقا : لا يمكن للحياة أن تتجسد في تعبيرات راهنة ، لا تشكل كل واحدة منها إلا انتقالا نحو تعبير آخر . هناك حيث تنخفض الإمبريالية وحيث الأشكال تترسخ ، تتوقف الحياة 9 ” . وعلى الرغم من ذلك ، فإن عدم ترسيخ المحتوى الحيوي ، الذي تضمنه دينامية النفي أو ، لتحري الدقة أكثر ، من خلال ما يسميه سيوران ” تداخل الإثبات والنفي 10 “. نلاحظ ، بشكل عابر ، أن تطور التاريخ ليس سوى وضوح ذلك التناقض ، وبناء عليه ، فإنه لن يتضمن أدنى معنى ولاسيما كونه عامل تقدم . بيد أنه ،إذا كان النفي مرتبطا بالضرورة بالحضور الفعلي للكينونة ، إذا ما ساهم ، عبر ديناميته ، في صون الوجود ، فهو يعتبر تجربة تهشم توازن الجوهر ثم تحشر فيه العدم : إن تلك التجربة ، باعتبارها حالة حدية لوعي متفاقم ، هي تجربة الشك . ماذا يعني هذا ؟
تجربة الشك والعدم
” أنا على يقين تام أن الوعي يتجلى بسبب قصور حيوي للإنسان ، عجز للحياة . (…) يكون الوعي نتيجة لكون أن الإنسان يعتبر عاجزا عن العيش بطريقة لاعقلانية ، عن كون أن الحياة فقدت جزءا من قدراتها وإنتاجيتها . إن الحياة ، لدى الإنسان ، تعلن ” إفلاسـها11” . عديدة هي صفحات العمل حيث يصف سيوران هذا ” الإفلاس ” ، وأيضا عواقبه الكارثية . إن إقحام الوعي في السياق الحيوي يدشن ظاهرة مستعصية ، ألا وهي ظاهرة انهيارالكينونة . كل شيء يحدث كما لو أن الوعي كان منفصلا تدريجيا عن الحياة بغاية تأمل الفراغ فيها ، كما لو أننا نقوم باختبار هاوية مميتة يستحيل ملؤها بالوعي . تستهلك خارجانية الذات ، بالنسبة للعالم ، فقدان هذا الأخير ، الذي ليس أكثر من موضوع ، تمثل ؛ تتحول الذات إذن إلى مشاهد ؛ موت في الحياة الطبيعية ، إنه ضحية وعي الزمن ، الذي لطالما يذكره بمشروعه الواقعي الوحيد ، الذي هو مشروع الموت . تجبر انعكاسية الوعي على العزلة ثم تقوض كل شكل من أشكال التواطؤ مع الحياة : لم تعد ثمة محايثة . ” ينجم بعد النظر ، يكتب سيوران ، في كتاب غسق الأفكار ، عن تقليص للحيوية ، مثل غياب الوهم . لا يسير الوعي في اتجاه الحياة ، ناهيك على أن يكون على اتصال بشيء ما أقل بكثير . يوجد المرء طالما أنه لا يعرف أنه موجود . أن تكون موجودا يعني أن تكون مخدوعا 12 “. وبالرغم من ذلك ، فإن وضع المتفرج هذا ، كونه وضعا خارجيا ، بشكل جذري ، يعتبر إشكاليا . يؤشر ظهور الفرد ، الذي يعاصر ظهور الوعي ، على مجيء الظاهرة ال” ميتافيزيقية ” بامتياز : ظاهرة تحلل الحياة الطبيعية . الوحدة الجوهرية المهشمة للكينونة ، يدرك الفرد الواعي كونه وحيدا من الآن فصاعدا ، بمعنى وحيدا تماما ، سجين حدوده وليس في وسعه إلا التحقق من حالته ، كل نظرة من النظرات التي يلقيها على ذاته ، أضف إلى ذلك الإحساس بكونه منفيا ، وهو إحساس يشله ، ويسنده في فكرة تفاهته الخاصة . لطالما قام سيوران بتوصيف هذا التفرّد ، لاسيما في كتاب الخدع ؛ نقرأ فيه ، على سبيل المثال : ” سحقا للحظة التي شرعت الحياة فيها في التشكل والتذوت ؛ لأنه حينها ظهرت عزلة الكائن ومعاناة أن تكون مجرد ذات مهجورة 13 ” ؛ ” توجد الحياة وراء ظهرنا ، لأننا نشكل جزءا منها ؛ فالحياة هي ذكرى فائقة ” . علاوة على ذلك ، فإن التجربة اليومية لاتمنحنا أمثلة لا حصر لها عن الخاصية المؤذية بشكل جوهري للوعي ؟ وأفلوطين نفسه لاحظ ذلك : ” بالإمكان العثور حتى في اليقظة ، على أنشطة ، تأملات وأفعال جيدة جدا لا يرافقها الوعي في الوقت الذي نقوم فيه بالتأمل أو بالفعل : كذلك فإن من يقرأ لا يكون واعيا بالضرورة بكونه يقرأ وخصوصا إذا كان يقرأ بانتباه ؛ إن من يتصرف بشجاعة لا يعي أنه يتصرف ببسالة ، مادام يقوم بتنفيذ عمله ؛ وثمة أعمال أخرى تعد بالآلاف من نفس النوع . إلى الحد الذي يبدو فيه الوعي ينهك الأفعال التي يرافقها ؛ وحدها تتمتع تلك الأفعال بصفاء أكثر ، بقوة وحياة ؛ طبعا ، ضمن وضع مماثل ، إن البشر الذين يبلغون الحكمة يتمتعون بحياة غاية في القوة ، لا تتبدد في الأحاسيس ثم إنها تتجمع في ذاتها وفي نقطة واحدة 14 ” . لذلك ، فإن الوعي ، بالنسبة لسيوران ، وكما هو الحال لدى أفلوطين ، يعمل على تبديد الحياة وإنهاك ” قوتـ” ـها و” صفائـ”ـها ؛ إن ازدواجية الأنا التي يحدثها تقلص قوة الفعل ، ثم إنه يحدث ليس فقط فجوة بداخل الذات ، بل أيضا ـ نتيجة لذلك ـ يخلق فراغا جذريا بيننا وبين الشيء . فلطالما يوجد موضوع ، يوجد انعكاس ، بمعنى ابتعاد الوحدة الخاصة للعيش . فضلا عن ذلك ،بالإمكان التأكد على أنه لدى أفلوطين وسيوران ، أن ظاهرة الافتتان تسمو على مستوى الوعي إلى حدود إلغاء هذا الأخير تماما ـ على الأقل في وظيفته كعامل تفكك . يزيل الوعي إذن الأمل في امتلاء ما . تجد الكينونة نفسها منشطرة ، كما أن العدم يقتحم الإنسان والعالم ،عاملا على إلغاء إمكانية تزامن للكينونة . هذه الظاهرة التي تطابق الدرجة الأكثر سموا لنشاط الوعي ، يدعوها سيوران بلا مبالاة تقريبا وضوحا أو نزعة شكية على وجه التقريب . على أنه كيف يتم لديه هذا التماهي التقريبي ؟
” أطرح السؤال كتب في عام 1933 ، على كل أولئك الذين يتمتعون بأفق ضيق :هل ثمة شيء يوجد في العالم لا يمكن التشكيك فيه ؟إذا كان الأمر كذلك ، فإني أرغب جيدا في أن يتم توضيح ذلك لي ، لأنني بحثت في كل مكان ، ولم أعثر على أي موطئ قدم صلب 15 “. بطبيعة الحال ، فإن الشك السيوراني لا يمت بأي صلة إلى ” شك المعدود ” ، ال” منهجي ” و ” ال”عقلاني “، ويؤكد أن هذا الأخير ، بشكل ساخر ، ” لا يحول دون توفر فلاسفتنا على هضم سهل ونوم خفيف ” . يصدر الشك العقلاني ـ بحكم تعريفه ـ عن الذهن ، فمجال تطبيقه يعتبر بالضرورة محددا ، والتشكيك فيه محصورا . ليس الشك الحقيقي مسيطرا عليه بل يعتبر خاضعا ، لأنه يتجذر في كلية للحياة الداخلية للذات ،كما يعبر عن آلامها ونقصها ؛إنه يلزم بعمق وجود من يفكر . تضخم الظاهرة الواعية ، إنه يحطم حركة الحياة ثم يدخل معها في علاقة ازدواجية غير قابلة للاختزال وتراجيدية . يستبدل المشاركة الساذجة مع الحي ، ب” اهتياج موجع ، ارتياب لا مفر منه 16 ” حيث يتداخل ، بنفس القدر ، الإحباط والشعور بعدم القدرة أبدا على الانخداع بأي شيء مهما كان . ” يعمل الشك ، يعلن سيوران ، على فصلكم عن الأشياء ، إنه نقيض الموقف السحري ، الذي لا يكون ممكنا إلا في إطار خصوصية عضوية ، مساهمة حية في النوعية والقيمة ، التي تعمل ، بشكل مفرط ، على تطوير سيرورة انتعاش العالم والتي تغير مظاهر الوجود ، كما هو الحال في الرؤى الفردوسية الجذابة ” . ففي كتاب على قمم اليأس يلجأ سيوران إلى استعمال معجم السحر للإشارة إلى ظاهرة الاندماج مع الدفق الحيوي الذي يميز الكلية التقريبية ، كما أنه قام بالتنديد ، على النقيض من ذلك ، ب” أولئك الذين يوجدون من أجل ما يستعصي على الحل وما لا يمكن إصلاحه 17 ” . وبالفعل ، فإن الشك ينزع إلى تجميد الآنية التي تحقق بداخلها الحياة تفوقها . إلا أن تلك الفورية ليست ” سحرية ” إلا بالنسبة لمن يرى السخافة الجوهرية للوجود . بعبارة أخرى ، لا يتعرف سحر الحياة فعلا إلا من يجد نفسه مقصيا منه : المتشكك . لأنه احترف بطلان الكذب الكوني ، إنه يكافح من أجل العودة إلى مكانه بين الأحياء ، والأسوأ : فهو يجهل أنه ينبغي أن يكون من الآن فصاعدا شرطه. يعتبر الشك في المقام الأول ، عامل عزلة ، منفى ؛ يجعل منه في واقع الأمر تجربة تعادل الإقصاء من كل شكل من أشكال القرب ، ومواجهة الغياب الكلي للأشياء . وبالرغم من ذلك ، فإن سيوران الشاب قام في وقت سابق ، في أول كتاب له بتحديد أزمات النزعة الشكية في لحظات نفاذ البصيرة ، حيث يلعب الاستعداد للشك دورا مهما للمعيار : ” لا أحب الأنبياء ، ولا المتعصبين كذلك الذين لم يسبق لهم أن وضعوا رسالتهم أو إيمانهم موضع شك . إني أقيس قيمة الأنبياء بقدراتهم على الشك ، في تواتر لحظات نفاذ بصيرتهم ” . سوف تظل تلك الهوية التي توجد بين الشك ونفاذ البصيرة ـ والتي سوف تتم موضعتها على نطاق واسع في العمل باللغة الفرنسية ـ بمعنى من المعاني ،إشكالية . وفي الواقع ، فإن هذين المفهومين لا يشيران إلى تصرف ذاتي سعيا وراء الحقيقة ، طالما أن عجزا داخليا للوعي ـ يعتبر ضحية لأدنى وهم . لا يسعى الذهن المتقد وراء الحقيقة ؛ فهو يقوم بفصل اليقينيات التي يستقبلها ، منذ نشأته ، عبر دوغمائية الحيوي ، دون أن يترك نفسه يغزوها سم اليقين الإيجابي : إنه موت الإيمان بوجود الحقيقة . يجسد اليقين والشك فخ التطور الذي يقومان بمساءلة جذوره ؛ وهذا هو السبب في كونهما يتعاظمان كلما نقصت الحيوية ، والعكس بالعكس . عموما ، نحن هنا أبعد ما نكون عن التقليد الشكوكي ؛ بعيدون كل البعد ، علاوة على ذلك ، عن كل فكر يشكك منهجيا ، عاملا من تعليق الحكم لحظة أولى للبحث عن الأسس النهائية للمعرفة : ” لا تنفصل نزعتي الشكية ـ يكتب سيوران ـ عن الدوار ، لاأفهم أبدا في أي وقت من الأوقات القدرة على الشك منهجيا 18 ” . تتم مداهمة العدم في الوجود عبر تجربة الشك ، شك يُستبدل بديناميكية النفي والذي يخلخل في العمق التوازن الذي يستند عليه ما هو موجود .
في مقال من كتاب السقوط في الزمن ، تحت عنوان ” الشكاك والهمجي ” ،يكلف سيوران نفسه عناء تمييز الشك عن النفي ، ثم وصف طبيعة هذه الدوامة التي لا تُقهر ، التي هي الشكوكية :” بينما يتم رفض شيء ما على الدوام باسم شيء ما ، شيء خارجي عن النفي ،دون أن يستفيد الشك من أي شيء يتجاوزه ، ينتفع من صراعاته الخاصة ، في تلك الحرب التي يبدي العقل رأيه فيها عندما ـ متفوقا على نفسه ـ يرغب في أسسه ثم يعمل على الإطاحة بها ، من أجل ـ متحررا في آخر المطاف ـ الانفلات من حماقة جاهزيته إلى تأكيد أونفي شيء مهما كان 19 ” . إذا كان النفي يساهم في الحياة ونشاط النفس ،إذا كان يبرهن على فكرة حضور في العالم ـ فإن الشك ، بدوره ، لا يؤكد ولا ينفي شيئا أيضا ، ينجم عن الارتباكات التي لطالما يغذيها العقل لفائدته ، تخريب ، عبر التأثير المشترك للألم ورفض الدجل ، البرهان المرتبط بحضور النفس في العالم . يبدو في واقع الحال ، يقول لنا سيوران ، عندما يتخذ العقل من نفسه موضوعا لبحثه ، يحكم على صلاحيته وقدرته الخاصة في جعلنا نتعرف الأشياء ، فقد كتب : ” عمليا ، كل شيء يحدث (…) كما لو أن ، بواسطة حيلة أو معجزة ، نتوصل إلى التحرر من مقولاته وقيوده . هل يعتبر الإنجاز أمرا عاديا ؟ يتعلق الأمر بظاهرة بسيطة للغاية : كل واحد يترك نفسه تنجر وراء تعليلاته ينسى أنه يستعمل العقل ” ؛ بيد أنه ، وضمن الوعي بهذا النسيان ، الذي هو “شرط لفكر مثمر ، وأحيانا شرط لفكر ضيق ” ، فضمن الكشف عما يعنيه الفكر المفكِّر ، ينبثق الشك الحقيقي :” ينهار فوق رؤوسنا ، يكتب سيوران ، كصاعقة ، لنسقط في أحضانه بعيدا عن كوننا اخترناه . فقد حاولنا عبثا اقتلاع أنفسنا أو الانفلات منه ، لم يفقدنا الرؤية ، وحتى أنه ليس صحيحا أنه ينهار على رؤوسنا ، فهو يوجد فينا ومقدر لنا سلفا “؛ ثم يختم سيوران بهذه العبارات : ” لا أحد يختار فقدان القرار و لا أحد يبذل جهدا من أجل غياب حرية الاختيار ، بما أن لا شيء يؤثر فينا في العمق ليس مرغوبا فيه . (…) لن يصبح الشك الحقيقي طوعيا ؛ وحتى في شكله المتحقق ، ماذا يكون إن لم يكن التمويه التأملي الذي يكتسيه تعصبنا في الكينونة ؟ أيضا ، عندما يمسك بنا ثم إننا نخضع إلى أهواله ، ألا يوجد شيء لا نستطيع تصورعدم وجوده 20 ” . الشك ليس هو الإنكار ، وحتى إنه بالإمكان إثبات أن الشك يفتتح نهاية سيادة العقل العارف ، بمعنى الإحالة على العالم عن طريق النفي والإثبات ،الذي هو تعبير عن الشبهة الجذرية فيما يتعلق بالحكم على هذا النحو ، وتعبير عن ضجر لانهائي للمعرفة . علاوة على ذلك ، فإن سيوران يشير إلى أنه ” ينبغي تصور مبدأ ذاتي التدمير للجوهر المفهومي ، لو شاء المرء فهم السياق الذي يعمل العقل عبره على تقويض أسسه وتحطيم نفسه 21 ” ؛ تلكم هي الحياة متضمنة في ذاتها عامل خرابها ، يعثر العقل ـ كونه بريئا وواثقا من نفسه بادئ ذي بدء ـ في ذاته على العنصر الذي سيجعله يتأرجح من جانب التردد المطلق . إن ملازمة هذا العنصر للعقل يعبر عن ـ كما هو الحال في حالة الحياة حيث يشتغل الموت ـ الخاصية التراجيدية للوجود البشري : في حقيقة الأمر ، كيف يمكن ، الارتياب بأن العقل ، بوصفه صيغة للكينونة ، في انطباع أولي أكثرانحرافا عن الحياة ـ بإمكانه أن يكون خاضعا إلى نفس التوتر ، الذي تخضع له هذه الأخيرة ، إذ إن احتمال سقوط وشيك يمكن أن يجد نفسه منخرطا فيها ؟ لا يوجد المفهوم في مأمن من هذه اللعنة التي تصيب الكينونة برمتها ؛ وهو ذاته يمكن أن يغوص في المرض ، ألا يكون ملائما أبدا مع الذات . عاملا ، من الآن فصاعدا ، على طرح كل شكل من أشكال البرهنة ، يسعى العقل إلى أن يدمر بداخله كل متغيرات إرادة عمى البصيرة التي تكونه حتى هذه اللحظة ، متملصا بشكل متدرج من رفض أن يكون مخدوعا إلى العجز التام عن منح موافقته على أدنى جزء للفرضية ؛ تتوقف هذه الموافقة إذن على معجزة ، ” تبدو له لا تفسير لها ، لا تصدق ، فوطبيعية ، سوف يعتني بما هو عرضة للشك وتمديد مجاله عبر نقيضه حيث يتسرب ارتياب الخلل والحيوية بطريقة غريبة ” .
بعد أن قام بمهاجمة توازن فكره بشكل بائس وذلك بفحص الشك ” بعض المعتقدات الخرافية ” التي من الأهمية بمكان عدم مساءلتها ، وملاحقة ، ال” التعصب المضاد ” 22 ، بتعصب ، ” خراب مقدس ” ، يجد رجلنا نفسه ، أخيرا ، محاصرا بضرورة تعليق حكمه . فعلا ، وبينما يعتبر النفي ” شكا عدوانيا ، دنسا ، دوغمائية معكوسة ” لا ينكر نفسه أبدا ، لا يتخلص أبدا من ” نوباتـ” ـه ولا ” يتبرأ منها ” ، فإن الشك ، بالنسبة إليه ، يشكك في نفسه لا محالة مفضلا ” إلغاء نفسه بدلا من رؤية حيرته تتحول إلى عمل إيمان ” . وعلى الرغم من ذلك ،فعبر وضع الذات موضع تساؤل مصيري ، يتولد تعليق الحكم ، حصيلة غير نهائية للشك المجسد في استحواذ ، بمعنى ، على وجه التحديد ،في الشك المنفلت من مراقبة الشكاك . ” تخل عن كل بحث ” ، ” انضباط الامتناع ” ، يصدر تعليق الحكم ، يفسر سيوران ، عن عجز المتشكك على ترتيب الآراء حسب أولويتها ،والتي قام باختبارها كلها في مجانيتها : أي أفضلية لم تعد ممكنة بالنسبة إليه ، الحيرة هي نصيبه ، من الآن فصاعدا تنتزعه ، من نوم العمل الخالص ، تجمد حركاته وتترصد حتى أدنى حماساته . يعرف المتشكك ، آنئذ ، التعليق النهائي ، تعليق المشاعر : ” نشاط النفس المعلق ، لماذا لا يتم تعليق نشاط الحواس ، نشاط الدم؟ لا وجود لأي موضوع ، لأي عائق ولا لأي اختيار لتفاديه أو مواجهته ؛ كذلك تخلّص الأنا من عبودية الإدراك والفعل ، منتصرة على وظائفها ، تختزل إلى نقطة وعي ، مقذوفا بها في المجهول ، خارج الزمن ” . هكذا ، وفي آخر المطاف ، انطلاقا من تجربة حدة البصيرة ـ وهي تجربة تافهة أولا ـ يتم الوصول إلى تجربة العدم ، عبر مسار طويل شُيد من الرفض والإنهاك .
تعتبر المحصلة الضرورية لهذا التطهير المعرفي الهائل ، يقول لنا سيوران ، ” خمودا مطلقا ” 23 . إلا أن هذا الأخير يصطدم ب” ردود أفعالنا ، بشهواتنا وبغرائزنا ” ؛ وبالفعل ،فمن الأفعال اللاإرادية إلى اللاشعور ، يتفاجأ الشكاك ، باستمرار ، بالتصرف كما لو أن لا شيء قد حدث ، كمالو أن الشك لم يشكك بداخله إلى حدود الكينونة . حيث إنه يعاني من عدم القدرة على ال” هذيان ” ، بمعنى الانخراط في الحياة عبر براءة الفعل ، قدر مكابدته عدم القدرة على عدم تبوء عطالة شاملة ، بما أنه أصبح جليا عدم القدرة على التملص من بعض الواجبات التي، إذا كانت قد فقدت مصداقيتها فكريا ، فهي لا تقل قمعا على مستوى الوجود العملي. ” صادق بشكل لا يمكن تقويمه ” 24 ، إنه غير قادر على ” القبول بالدجل ” ؛ فإذا لم تقم الحياة ـ هذه القوة الخيرة لتوحيد اليقينيات ـ باستثماره عن غير قصد ، فإنه ، من جانبه لن يميل إليها أبدا ، كونه كارها للكذب ، متعودا على لا تسامح الشك ، ـ بالرغم من أن ذلك يعتبر في أعماق نفسه أشبه بندم عن الوهم المفقود ، ومثل رغبة في استرداده . ـ يُلاحظ أن شك سيوران هامشي للغاية ؛ وهو لا يندرج ، أساسا ، تحت مقاربة فلسفية بحصر المعنى . ” فكرت هذا المساء ـ يشير في كتاب دفاتر أنه إذا كان لدي أي فضل ، فهو أنني منحت تعبيرا إلى شكل غير مألوف للشكوكية : الشكوكية العنيفة 25 ” . تركز هذه الصيغة لوحدها كافة التمزق السيوراني ، بين الرغبة في إعادة جدل الحياة واستحالة المساهمة في الخداع الكوني . علاوة على ذلك ، فإن شكوكية سيوران ، باعتبارها شكوكية نجسة ، سقيمة ،وغير منظمة وخاضعة ، تساهم في تهييج الروح أكثر من معالجتها ، شكوكية ذات مسحة تشاؤمية ” عدمية ” تبدو هذه الشكوكية ، بطبيعة الحال ، أكثر تباينا من خلفها البعيد ، البيرونيةpyrrhonisme) ( ، ـ التي لا تلاحظ ، من جهتها ، أي علاقة تضاد بين حياة وشك ، على العكس تماما . وفضلا عن ذلك ، فإن إحدى ” خيبات ” سيوران وهو عدم قدرته على العيش في شك مطلق . لم يكن سيوران هو بيرهونPyrrhon) ( ؛ فإذا ما كان يظن نفسه أكثر صفاء منه ، وإذا ما كان يعتبره واحدا من معلميه26 ، فهو لم يكن ، تبعا له بطبيعة الحال ، قادرا على اتباعه حتى آخر تخندقات راحة الضمير ataraxie) ( ـ نتيجة راقية لحكمة مخلِّصة مثلما يصعب إدراكها . بناء على ذلك بإمكان المرء أن يتساءل ما إذا توصل سيوران أو لم يتوصل إلى تحاشي هذا التعايش المدمر المتواصل لأوضاع متناقضة بداخله ، فإذا ما كان قد توصل إلى العثور على الوسيلة للقيام بالاقتحامات المتكررة لحيوية يكبحها ويكبتها بشكل متقطع ، وضوح خانق ومثبط للهمم : يعتبر المتشكك تجسيدا لتناقض ـ تناقض معرفة فارغة والحاجة إلى الفعل ـ ، هل ثمة سلوك مثالي ، موقف متناسق مع فقدان اليقين ، فقدان ترفض قوة حيوية عظمى وملحة منحه موافقتها ؟
التخلي المستحيل
وكما هو الحال في كتابه حوارات ، بشكل خاص ، فقد زعم سيوران عدم قدرته على بلوغ الإيمان ،أن يكون ” صوفيا بدون مطلق ” ، وفقا لتعبيرب. بولون P. Bollon) ( 27 ، كما أنه يشتكي ، على امتداد عمله ، كونه لم يتوصل أبدا إلى العيش مثل حكيم حقيقي . يعيش سيوران النقيضةantinomie) ( مثل جرح ؛ لكن عندما كان يكتشف ، عبر التجربة أو التفكير ، حلا ، بلسما محتملا ، ـ فإن غريزته كانت تملي عليه برفض ذلك فورا . إن تعذر بلوغ الإيمان ، بمعنى امتلاك يقين إيجابي ، ونفس الشيء بالنسبة للحكمة ، التي فهمت مثل حالة مكتملة وليس مثل موضوع توتر فقط : ووفقا للحقيقة ، إنها ” قضية ” سيوران التي طفت على السطح هنا ، الفرد الممزق بالتناقضات وواع تماما بتمزقه . يحضر الدافع السلبي حتى في شكوكيته ، لا يتركه في سلام أبدا ؛ يعبر عن نفسه عبر أزمة ، إنه عنصر كينونته ، الأكثر مناهضة لوجود حكيم ، أعني خال من الاضطرابات . “يوجد بداخلي، يلاحظ سيوران ، قعر من السم لا أحد يستطيع مقاومته أو إبطال مفعوله 28 ” . لقد طالب بضرورة التخلي الملحة ، وخاصة إزاء حالته الخاصة ، لكن من دون أن يذهب أبعد من تلك المعاينة وتلك المطالبة . إن المزيد من الإرادة والكثير من الشغف يقتل التخلي ذاته ويلطخ صفاء الباعث الأولي الذي يحدثه . ” يختزل ” تفكير”ي في حوار مع الإرادة ، مع قصور إرادتي 29 ” ، يكتب سيوران ؛ حوار المرء مع إرادته : هل يمكن التعبير بطريقة ملائمة جدا عن استحالة الكينونة في العالم ؟ ماذا يكون هذا ” الحوار ” ،إن لم يكن تعفنا للإرادة ؟ ولكن ، أي خير يمكن أن نأمله من إرادة غير سليمة ؟ هل يمكن اعتبار تصدي المرء لإرادته الخاصة بما أن هذه الأخيرة تتحول إلى عبء ثقيل، هل يمكن القبول بذلك ؟ علاوة على ذلك ، ألا يمكن اعتبار التصدي على وجه التحديد البرهنة على الإرادة ؟ لابد من التفكير بأن الإرادة ، عندما تنقلب على نفسها ، تسعى إلى التطهر ،إلى استئصال الشر منها ، عامل الضمور . وليس هذا الشر سوى الرغبة .إن العنصر العاطفي للإرادة هو ماينبغي تدميره بواسطة الإرادة ذاتها . على أن افتراض ذلك ممكنا يعني ضمنا التسليم بفكرة أن الإرادة قادرة على الاعتقاد بكونها موضوعا دون أن تغير طبيعتها ، وفكرة أنها ليست موجودة في ذاتها،أعني بشكل أساسي ،تالفة ، غير قادرة على أن تنجد ، وأن تنقذ نفسها . وبناء على ذلك ، فإن سيوران لا يقبل بأي من تلك الشروط . علاوة على ذلك ، هل بالإمكان فعلا التفكير في إرادة بدون انفعالات ، غير مكونة من رغبات ؟ ألا يعتبر ما هو متحرك ، على غرار ما هو حيوي ، متوقفا على خلفية عاطفية للكينونة ؟ إن العقل والقياس المنطقي غير كافيين للانطلاق . وبناء عليه ، فإن المأزق يعتبر جليا هنا : سوف لن يتجسد تعليم بوذا ، العزيز جدا على سيوران ، من خلاله . إن الخواء الذي يعرفه ، لن يتمكن من إلزام نفسه به ؛ تعتبر العاطفة بداخله متمردة ؛ يعمل سيوران على إبرازها انتهاء بمحاولاته في الانعتاق . فكلما سعى إلى التخلص منها ، كلما استعبدته أكثر ، تربطه بأوهام العالم . وهكذا ، فإن السبيل الأوحد الذي يحتمل أن يكون مرضيا بالنسبة لسيوران كان مغلقا في وجهه ، لأنه كان يعرف أن التخلي ملوث من مصدره ، فكرة تفكك جذري بين الإرادة والرغبة هي شيء مرفوض . وفي غياب إمكانية إرادة خالصة ، فلا وجود لانفصال أو تخل يمكن تحقيقهما : ومع ذلك ، فإن الإرادة البشرية ليست عليلة فحسب ، إنها عِلّة ، تمظهر لوهن تكويني . وفي واقع الحال ، فإن السؤال المركزي الذي لم يتوقف سيوران عن طرحه ، هو سؤال الخلاص . ” باستثناء ، بيرهون ، أبيقور وآخرون قلة ، فإن الفلسفة اليونانية كانت مخيبة للآمال : فهي لا تبحث إلا … على الحقيقة ؛ على خلاف الفلسفة الهندية فقد كانت تلاحق الخلاص : وهو أمر ذو شأن بوجه آخر 30 ” .لا يتعلق الأمر بتحديد كيف يمكن العيش ، بل كيف ينبغي التصرف من أجل تحمل الحياة ، أعني التحرر منها . من خلال إشكالية أخلاقية تحديدا ( ذات ارتباط دائم بالبحث عن الحقيقة ) ، فإننا ننزلق نحو تساؤل يفترض التماثل بين الوجود والمعاناة ، ويتضمن الشعور المأساوي بالوجود ؛ لم تعد المسألة إذن أبدا في تعرف الكينونة ، بل في التوصل إلى التخلص منها ، الوقاية منها ، كما أن المسألة لا تكمن في التوصل إلى تعرف النفس أبدا ، بل إلى تحملها 31 .
منذ ذلك الحين ، يفهم المرء سبب وجود كراهية شديدة ومكثفة ، لدى سيوران ـ السيوران ” الفرنسي ” على وجه الخصوص ـ حيال العمل والالتزام ، الذي يُفهم في صيغته السياسية ، المقاتلة أو الثورية . . وبصفة عامة ، ينبغي على كل ما يتطلع إلى التغيير ، الجِدة ، أن يختنق بواسطة رؤية الأسوأ . لقد قام سيوران بإشراك جوزيف دو مايستر (Joseph de Maistre) في هذه المثابرة من أجل رفض التطلع إلى الجدة ، بشكل لا يمكن إنكاره ، حيث كانت تكمن إحدى قناعاته في وضع ” المطلق 32 ” ، ليس ” ضمن الممكن ” ، ” في نهاية الأزمنة ” ،بل ” في المكتمل ” ، أعني في الماضي : ” إن الصفة الشيطانية التي عزاها إلى الثورة الفرنسية ، يلاحظ سيوران ، في كتابه ” بحث حول الفكر الرجعي ” ، فقد تمكن أيضا من تعميمها جدا على مجموع الأحداث : يعادل كرهه لكل ابتكار كراهيته للحركة على هذا الأساس ” . شأنه في ذلك شأن مايستر ، يرفض سيوران القبول بفكرة ” أن الزمن يشتمل افتراضيا على الجواب على كل التساؤلات والشفاء من كل الشرور ، التي يتضمن سيرانه توضيحا للغز واختزال حيرتنا ، الذي هو عامل تحول شامل 33 ” .إن عبادة الزمن ، الأمل في أن يشكل مكانا لخلاصنا ، الإيمان بأن ” العقل الثوري ” لا يكف عن إيلائه ما يستحق من العناية ، كل هذا يعتبر ،بالنسبة لسيوران ، لا شرعيا ، لا يمكن الدفاع عنه . ” لا شيء يتمتع بالعمق اللازم يمكنه أن يصدر عن التمرد 34 ” ،يتعارض المطلق مع الصيرورة ويتموضع ليس أمامنا ، بل خلفنا . وفضلا عن ذلك ، فإن الفعل يعتبر شريرا في ذاته ، تبعا لسيوران . إن تجذره في حقيقة العمل الأول ، عمل الخطيئة الأصلية ، يعتبر السلوك البشري موضوع لعنة . هذه الفكرة التي لا تمت بأي صلة لأطروحة فلسفية ” والتي تستمد تطلعها من ثيمة عرفانية للسقوط في الزمن ، وهي في حقيقة الأمر إعلان حرب ضد كل فكر يفترض فكرة تقدم ممكن داخل سيرورة تاريخية ،ضد كل فكر يجاهر بالالتزام . يتميز إلى حد كبير بتجربته الخاصة للإيديولوجيا القومية في الثلاثينات 1930 ـ وهي حقبة كارثية والتي على امتدادها ، ظل يشيد بالانغماس اللاعقلاني والشامل في العمل وحيث أصبح مفكرا ل” تحول رومانيا ” المؤسسة على مبادئ الهتلرية والبلشفية ـ ، يرى سيوران ،انطلاقا من نهاية الأربعينات 1940 ،في ” الرغبة في التحول إلى مصدر للأحداث ” 35 وفي ” تلك الحاجة إلى الاعتقاد الذي اجتاح العقل للأبد ” ، شهادة ولادة التعصب والسبب الشخصي لاستدامة التاريخ . علاوة على ذلك، فإن هذا يفسر العداء الذي يكنه سيوران لسارتر والوجودية التي يمثلها . وخير مثال على ذلك البورتريه الخبيث ( وغير المنصف ) الذي رسمه له في كتابه رسالة في التحلل … ” نابوليون صغير للفكر ” الذي ” كان يؤمن بقيادة العالم بمفاهيمه ” 36 ، ” مقاول أفكار ” 37 حاضر على كل الجبهات ، في كل النقاشات ، يحركه في ذلك عطش داخلي للقوة، مناقض تماما لما كان يعلنه عن إيثيقاه éthique) ( ، يشكل سارتر ، بالنسبة لسيوران المثال الأصلي للفيلسوف الملتزم ، بمعنى ” غاز ” ، مزيف وحصيف . والتزامه لم يكلفه شيئا ، وبما أن “إرادته ، تعتبر فعالة بشكل خارق للعادة ” ، يحل محل التلقائية العاطفية ، التي تجبر العقل الحصيف تحديدا على عدم الالتزام . ومن ثم فإن سيوران سوف يلومه باستمرار ، ليس من أجل اختلاق النفع لصالح مستقبل البشر ، بل الاعتقاد بسذاجة أن هذا النفع لا يغوص بجذوره في ما هو أحط في الإنسان ، التطلع إلى المجد ، في أن يكون المرء معروفا ، ورؤية ” فكره” ” على كل الألسنة ” . من جهة أخرى ، فإن التزام سارتر ، بالنسبة لمفكرنا، مفتعل ومؤقت للغاية : ” ابن لحقبة ، يعبر عن تناقضاتها ، وفرة عديمة الجدوى 38 ” . إنه ممثل للتاريخ ، يقوم بإدامة إرادة الحياة ، من خلال التزامه ،التي لا معنى لها للإنسان : الرغبة في التألق ،التواجد في كل مكان ، إرادة أن يؤلم ذاته بكل ما يقترب منها ، ـ مشكلة ، مسألة ، أو … إنسان ـ ، التعطش إلى الاكتشاف ، الغزو ، توسيع نطاق تأثيره ،باختصار ، إيماءة متمحورة حول الذات ، معاناة مثالية وليست واقعية ، لعبة برانية ، سيطرة وأسبقية مطلقتين لمن يفكر حول ما يفكر فيه … وفي واقع الحال ، فإن سيوران لم يكلف نفسه حتى عناء النقاش مع سارتر ، ـ على الأقل بطريقة صريحة ، في حين أن جوهر فكره ـ يوحي بمعرفة حقيقية عن ذلك . فهو يزعم أن فلسفته ليست سوى ” مصنع قلق ” 39 ثم إنه ، ” إذا كان يتحدث عن العدم ، فهو لا يمتلك رعشة ذلك ” ؛ وبناءعلى ذلك ، فأي ثقة في هذا المخدوع ، الممزق بين الافتتان ورعب الوجود ، هل يمكنه أن يقدم للالتزام السارتري ، التزاما مبتورا من مصدره ، تأثير موضة ومنتوج لاواع للتطابق بين الدماغ والغرائز ؟ وفي الواقع ، فإن وجودية سارتر تعتبر فلسفة ، بالنسبة لسيوران ، من حيث انضمامها إلى الوهم الكوني ، ثم انخراطها تماما في الزمن ، الذي يجد فيه الشكاك العضوي نفسه مقصيا . إن مفاهيم الحرية ، الاختيار ، المشروع ، المسؤولية ـ لا تمتلك من الواقعية والدلالة إلا باعتبارها تحافظ على الجدل الغبي للوجود ، الذي يتطور في قلب التاريخ . إنها تصدر عن فشل في الانفلات من الزمن، مرفوق بمحاولة تسوغ هذا العجز ، الذي يخذله بكثير من العمق ، رعب الفلسفة الذي ، برفضه مواجهة انقراض الممكن الانغماس النهائي في الجمود ـ يفضل التضحية بصفائه الذهني ، ـ أن يظهر هذا الأخير مثل غثيان ، شك ، قلق ، أو سأم .
فإذا كنا قد تمكنا من انتقاد نزعة سارتر التشاؤمية ، فيما يتعلق بالإنسان وتصوره عن وجود لامعقول ، يبدو أن سيوران ألقى اللوم ، في الوقت نفسه ، على افتقار جذريته وتناقضه . وفي نهاية المطاف ، فإن أنثروبولوجية سيوران لا تترك أي اختيار آخر إلا التباعد ـ بالنسبة للآخرين ، الذات ، والمحتوى الوقائعي للتاريخ . ومع ذلك ، فإن هذا الميل إلى امتداح الاختلاف ، والأفضل : الجمود ـ ، وربما بشكل مفارق : لايتعلق الأمر بالقبول فقط بل بالرغبة في الفشل أيضا ، ـ هذا النزوع إلى تسويغ العطالة والفشل في الإنجاز ، لا يتوقف في المجال السياسي ؛ إن عدم ” تحقيق ” الذات في الفن ، يعتبر ، على سبيل المثال ،سمة من سمات عقل متبصر 40 . وحدها حالة كمون خالص يمكن تحملها : ذلك ربما هو تعليم سيوران الأكثر عمقا لعمله برمته . إن اقتناع المرء بكينونته ، اختزال كينونته إلى حقيقة خالصة مع تحيين قوته بأدنى حد ممكن ، له غرض وحيد يكمن في عدم الخضوع لخيبة الأمل الثقيلة التي نجد أن كل عمل لا يفوت الفرصة في ترويضها عاجلا أم آجلا ، خنقها ، إجمالا ، الدافع الذي يتفوق عبره الكائن على الحقيقة الخالصة للكينونة ، كي يتمرغ في ملذات ما هو افتراضي ، حيث الفرد والتعدد لا وجود لهما ، ـ ذلك ، بالنسبة لنا ، هو ما يصبو إليه سيوران باستمرار . التمرس على ألا يكون شيئا ، وهو على قيد الحياة : هذه الصيغة المفارقة ، التي تشبه مطلبا إيثيقيا ، تلخص بشكل جيد زهدا بعيد الاحتمال ل” منفينا الميتافيزيقي ” ،المقيد بمفازات رؤيته الثاقبة ومع ذلك فهي رؤية نوستالجية منغمسة في الوجود ، متطابقة نوعا ما مع الزمن . وهو السبب الذي سيدفعه بقوة ، منذ كتاب القياسات المنطقية للمرارة (1952) ، في الطريق المخيف ل” عشق تثبيط الهمم 41 ” ؛ فهذا الأخير الذي لايفضي ـ بشكل مثالي ـ إلى أي شيء ، يبدو أنه جدير بتوضيحه في الدعابة ، السخرية والصفاقة ، الانفصال ،وهو ، في الحقيقة ، أقل نبلا مما كان يصبو إليه في واقع الأمر ، إلا أنه أكثر انسجاما مع طبيعته العنيدة والمتناقضة … وبالرغم من حصيلة الخسائر الحقيقية التي لم تكف عن ” تتويج ” محاولاته في التحرر الروحي ، ويبقى أنه بفضل الإنهاك والاشمئزاز ، فإن سيوران قد توصل إلى تحقيق ـ إلى حد ما ـ مرحلة أساسية للمثال الشكوكي : مرحلة الصمت ، ـ في غياب امتلاك القدرة على بلوغ الطمأنينة ذاتها ، راحة الضمير . وبالفعل ، فإن عمله الأخير اعترافات ولعنات ، صدر عام 1987 : فبعد هذا التاريخ ، سوف ينأى بنفسه بشكل ملحوظ عن الكتابة ـ هذا العلاج اللامكتمل ، فعال فقط على المدى القصير ـ ثم سوف لن يوافق إلا على إجراء مقابلات قليلة نسبيا ، إجمالا . نفور من فعل الكتابة ، حيث كان يناقض نفسه بنفسه ، انطفاء تدريجي ومميت لحيويته ، لفائدة نوع من الاكتمال الشكوكي ، أو أثر بسيط للشيخوخة ، الذي كان يزعم أن الصراخ وأزمة مرض الصرع وحدهما كانا ،فعلا ،مؤهلين لتقديم تفسير لجوهر العالم ، لم يعد يشعر ، في السنوات الثمانية من حياته ،بالرغبة في الكتابة ، الحاجة إلى التعبير ، عبر القذف ، عن جوهر عقله المعذب . هل يعتبر هذا الصمت ، دلالة على انتصار على الذات أو ، على العكس من ذلك ،دلالة على هزيمة نكراء ؟ من المستحيل قياس ذلك بالدقة المطلوبة ؛ بيد أن ما هو مؤكد ، أن من لم يكف عن إثبات تفاهة الوجود على هذا النحو ، والقدرة المطلقة للشك في وقت واحد ، قد انتهى به المطاف ، طوعا أو كرها إلى أن يلوذ بالصمت …
الهوامش
مصدر النص: مجلة : آفاق فلسفية Horizons Philosophiques مجلد 16 ، عدد 2 ربيع 2006 الصفحات : 119 ـ 141 .
1 ـ إميل سيوران ، على مرتفعات اليأس (1934) ، ضمن أعمال ، ” كواترو ” ، باريس ، غاليمار ، 1995 ( الطبعة التي اتخذناها مرجعا لناهنا ) ، ص : 17 . نفس المرجع . بالنسبة للتعابير التالية ، بين هلالين .
2 ـ انظر : بيتر سلوتردايك ، وقت حدوث الجريمة وزمن العمل الفني، باريس ، كالمان ليفي ، 2000 ، ” ملاحظة حول سيوران ” .
3 ـ إميل سيوران حوارات ، ” أركاد ” ، باريس ، غاليمار ، 1995 ، ص: 11 و ص : 315 ـ 316 .
4 ـ إميل سيوران ، دفاتر 1957 ـ 1972 ،باريس ، غاليمار ، 1997 . وعلى التوالي : ص : 31 ، 36 و39 .
5 ـ إميل سيوران ، مقابلات ، ص : 21 .
6 ـ إميل سيوران ، دفاتر ص : 566 .
7 ـ إميل سيوران ، ” اللامعقول في الحياة ” Gandirea ,avril 1932 ,in Solitude et Destin ” أركاد ” ، باريس ، غاليمار ، 2004 ،ص : 95 .
8 ـ نفس المرجع،ص : 96 .
9ـ نفس المرجع،ص : 95.
10 ـ إميل سيوران ، “صيغة غريبة للشكوكية ” Calendarul,4mars 1933 ,in Solitude et Destin ,p.202 .
11 ـ إميل سيوران ، “الوعي والحياة ” Calendarul,15 novembre 1932 ,in Solitude et Destin ,p.146-147 .
12 ـ إميل سيوران ، غسق الأفكار (1940) ، ص : 424 .
13 ـ إميل سيوران ، كتاب الخدع (1936) ، ص : 116 . نفس المرجع ، ص : 204 ،بالنسبة للاقتباس التالي .
14 ـ أفلوطين ، التاسوعة الأولى ، باريس « Les Belles Lettres » , 1997 ,in « Du bonheur » (1,4,10),p :97
15 ـ إميل سيوران ، “صيغة غريبة للشكوكية ” ، كلندارول ، 4 مارس 1933 ،ضمن عزلة ومصير ، ص : 200 .نفس المرجع بالنسبة للاقتباسات التالية .
16 ـ نفس المرجع ،ص:201 . نفس المرجع بالنسبة للاقتباس التالي .
17 ـ إميل سيوران ، على مرتفعات اليأس ، ص : 67 . نفس المرجع ،ص: 83 ،بالنسبة للاقتباس التالي .
18 ـ دفاتر ، ص : 13 .
19 ـ إميل سيوران ، السقوط في الزمن (1964)،ص:1098 ، نفس المرجع بالنسبة للاقتباسات الموالية .
20 ـ نفس المرجع ، ص : 1099 .
21 ـ نفس المرجع ، ص : 1099 . نفس المرجع بخصوص الاقتباسات التالية .
22 ـ نفس المرجع، ص : 1100 ، نفس المرجع بخصوص الاستشهادات التالية .
23 ـ نفس المرجع ، ص : 1101 نفس المرجع بخصوص الاقتباسات الواردة .
24 ـ نفس المرجع ، ص : 1102 بخصوص الاقتباسات الواردة .
25 ـ دفاتر ، ص : 384 .
26 ـ ” يوجه إلي السؤال التالي : هل تأثرتم ب.س وص ؟ ـ لا . ليس لدي سوى معلمين : البوذا وبيرهون ” ، نفس المرجع ، ص: 529 .
27 ـ باتريس بولون ، سيوران الهرطوقي ، باريس ، غاليمار ، 1997 ،ص: 189 والتي تليها .
28 ـ دفاتر ، ص : 29 .
29 ـ نفس المرجع، ص: 96 .
30 ـ نفس المرجع ،ص : 529 .
31 ـ ” يعتبر سؤال ” ما الحقيقة ؟ ” سؤالا أساسيا . ولكن ماذا يعني السؤال إلى جانب سؤال : ” كيف يمكن تحمل الحياة ؟ ” ثم إن هذا الأخير يشحب على مقربة من هذا السؤال الأخير :” كيف يتحمل بعضنا بعضا ؟ ” ـ هذا هو السؤال الجوهري الذي لا أحد يملك القدرة على تقديم جواب عنه ” ، تقطيع الأوصال (1979)، ص :1483 .
32 ـ إميل سيوران ، تمارين في الإعجاب ( نشر سنة 1986 ) ، ص : 1535 . نفس المرجع ،بخصوص الاقتباسات الموالية .
33ـ نفس المرجع، ص : 1534 ، بالنسبة للاقتباس التالي .
34 ـ دفاتر ، ص : 123 .
35 ـ إميل سيوران ، رسالة في التحلل(1949)، ص :583 . نفس المرجع ، ص : 582 ، بخصوص الاقتباس الموالي .
36 ـ باتريس بولون ، مرجع سابق الذكر ، ص : 22 ـ 23 .
37 ـ إميل سيوران ، رسالة في التحلل ، ص : 731 ، نفس المرجع ،ص : 731 ، نفس المرجع فيما يخص الاقتباسات التالية .
38 ـ نفس المرجع ،ص : 732 .
39 ـ نفس المرجع ، ص : 731 ، نفس المرجع، فيما يخص الاقتباس اللاحق .
40 ـ يعتبر هذا في الأساس موضوع ” رسالة حول بعض المعضلات” الشهيرة ” ، غواية الوجود (1956) ، ص : 880 ـ 893 .
41 ـ دفاتر ، ص : 593 .