مجلة حكمة

واقع عجيب غريب – نعيمة بنعبد العالي

مجلة الجابري – العدد الثاني


بما أننا بصدد الكلام عن العجيب و الغريب فلا بأس، كي أستدرجكم معي إلى عالم الخيال، أن أبدأ بتلخيص شريط سينمائي للمخرج الأمريكي « وودي ألن » عنوانه : « وردة القاهرة الأرجوانية » ,فالشاشة صغيرة أكانت أو كبيرة هي التي تتجول بنا اليوم في عوالم الخيال، و تنقلنا من المريخ إلى قاع البحار، في السماوات العليا و تحت الأرض، بين ثقافات غابرة و مستقبلية تبهرنا بخوارقها. بطلة الشريط تعيش حياة تعسة مع زوج صعب المزاج يستعبدها و يطغى عليها. و ملجؤها الوحيد هو « مقهى بغداد »، اسم القاعة السينمائية الوحيدة في مدينتها الصغيرة. فهي تجلس أمام الشاشة تشاهد نفس الشريط مرة وأخرى ثم أخرى تلتهم الشاشة و تلتقمها بكل جوارحها. وهي دائما في لهفة و انتظار للشريط الآتي التي لم يفتها أن شاهدت منه بعض اللقطات المشوقة. و تقع الأعجوبة ذات يوم :يخرج ممثلها المفضل، البطل العاطفي، من الشاشة و يأخذها معه من يدها و تدخل معه في قلب الشريط إلى عالمه، عالم الخيال. وعوض أن تبقى متفرجة تصبح طرفا في القصة، تصبح بطلة… و تعيش أزهى لحظات عمرها مع الحبيب الحنون الطيب الذي يعشقها و يريحها من شقائها مع زوجها… وتأتي النهاية و معها المأزق و الحيرة. إذ تجد البطلة نفسها بين زوجها و حبيبها. كل منهما يحاول إقناعها بأن تبقى معه هو. كل واحد يقدم تبريرات و يصف عالمه وصفا مغريا، ويحاول أن يجذبها إليه. وتحتار… و لكن لا بد من الاختيار، و تختار… من تختار؟ الجمهور المتفرج الذي يتعاطف معها. بودها أن تعيش مع حبيبها و تترك القسوة والحياة التعسة. لكنها بعد اضطراب و حرج تفضل زوجها، تفضل الواقع على علاته.

قصة هذا الشريط تقحمنا في صميم موضوع هذا المقال. المخرج : « وودي ألن » عندما عنون شريطه : « وردة القاهرة الأرجوانية » الذي هو اسم تلك العلبة السحرية : قاعة السينما، اختاره كرمز الخيال. عنوان كله أحلام. أحلام الوردة، رمز الحب المتأجج. أحلام اللون الأرجواني الذي كان حكرا على القياصرة و النبلاء، لون الغنى وحياة البلاطات. أحلام القاهرة، مدينة السحر، مدينة « الليالي » التي قد تتعدى الألف. الحكايات العجيبة، أي سينما الماضي. والذي يهمنا هنا هو ذلك المزج بين الواقع و الخيال، و تلك العودة إلى الواقع بعد لحظة الانبهار، عودة البطلة إلى زوجها، إلى حياتها العادية، إلى واقعها، و الخروج من عالم الخيال. هذا الرجوع هو الذي يسمح لنا بالنسبة « للحكايات الخيالية » التي يزخر بها الأدب العربي أن نتمعن فيها و نحدد معالم أنواعها إلى حد ما. فهذه العودة إلى الواقع هي التي تضع مسافة بين القارئ و أحداث الحكاية، دون إذعان و التحام و ثقة(1). في أدبياتنا قد تتم هذه العودة و قد لا تتم. وقد تتم بصورة مضطربة و مترددة. هذا هو مصير العجائبي. نتبناه ونعتنقه بلذة وإخلاص، لنتركه و نهجره مع نهاية الحكاية. فلا عجائبي بدون هذا الالتحام التام و المؤقت. و هذه المسافة هي التي تسمح بالتفريق بين المعتقدات الخرافية التي تطبع الذهنية الخرافية، و بين الحكايات الخيالية، أي التي ينظر إليها على أنها خيالية، أي التي لا نؤمن بها و لا نصدقها. فالفرق يكمن في العودة إلى الواقع، و وضع مسافة بين ما هو واقعي يتقبل العقل وجوده، و ما هو خيالي محض. و إن كان هذا الخيال مبنيا على واقع ينطلق منه. و تتأرجح الحكاية بين عالمين لتمسك بالسامع و تتقرب إليه في بعدها عنه، فيتم الإغراء و الافتتان و تكمن براعة الراوي في جلب سامع أو قارئ باستطاعته أن يخرج من الحكاية، أو من الحلقة في كل لحظة. يلعب الحاكي على هذا التأرجح المشوق لكي يأخذ بألباب السامعين، و ينعش حلقته و يحافظ على وظيفته… فعليه ألا يسقط في متاهات الخيال الجامح البعيد عن عالم السامع كل البعد بحيث لا يجد نفسه في شخصية البطل لبعد عالمه، ولا يتخبط كذلك في واقع مألوف غير مشوق. وهذا ما يجعل السامع يختلف عن زبون المشعوذ. فالفرق بين زبون « المشعوذ » و السامع للقاص (وإن كان الاثنان مثلا يتحدثان عن تسخير الجن) يكمن في أن الأول لا يضع هذه المسافة، و لا يعود إلى واقع يمحي منه ما سمعه، بل يدخل ما سمعه من الشعوذة في بناء حياته و علاقاته. و هذا ما يسعى إليه المذكرون الوعاظ و أصحاب الكرامات(2). السامع للحكاية أو قارئها يطمح في التغريب، في الغربة و الغرابة، في الغموض. بخلاف المستمع للقاص الذي يطمع في المغفرة، و يخاف التهويل و يتأوه لرغبته في المتعة الدنيوية التي قد تتعارض مع نجاته في الآخرة… الواعظ عندما يدمج في أحاديثه و أقاصيصه الكائنات الخرافية و الحوادث الخارقة للعادة، فلغاية هي تهويل عذاب الآخرة. وهو يطلب من السامع أن يصدقه. أما الحاكي فإنه يطلب من السامع أن يفتتن به و بسحر خياله، و أن يستمتع معه في التجوال بين الغربة و عالم الجن، بين العجيب و الغريب الذي يقربهما له و يدنيهما منه بواسطة بطل يستأنس له و يغذيه بأحاسيسه.

يقول في اللسان : « غرب : الذهاب و التنحي عن الناس. » نستخلص من تعريف ابن المنظور أن الغريب يتضمن فكرة البعد و المسافة، ثم فكرة الغموض و الالتباس و السر و التخفي، قال الأصمعي : « كل ما واراك و سترك فهو مغرب ». وكذلك فكرة المبالغة و جواز الحد، قالوا : استغرب في الضحك أي بالغ فيه »، ثم فكرة الخروج عن المألوف، في اللسان : خبر مغرب :” جاء حادثا طريفا » و كلمة الطرافة هذه تحتوي الندرة و المتعة. العجب كذلك يتضمن فكرة الندرة، ثم فكرة الإنكار أي عدم التصديق. في اللسان : « العجب إنكار ما يرد عليك لقلة اعتياده ». و يحتوي هو كذلك على فكرة المتعة و الافتتان، « عجبه الأمر إذا سره »، و العجب : « فضل من الحمق » و هو مرتبط بالنساء، و الافتتان « بالقعود » و « الحديث » معهن. فلا تعجب من طغيان الشخصيات النسائية في الألفيات -هامش 3- و عند القزويني : « الغريب كل أمر عجيب قليل الوقوع مخالف للعادات المعهودة و المشاهدات المألوفة » و « العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب شيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه »-هامش 4-. و نجد كلا من القزويني و ابن منظور يفسر العجيب بالغريب و العكس.

الشيء الذي يستحق الاستغراب في هذه التعاريف هو خلوها من مصطلحات الانبهار و الدهشة عند ابن منظور و الخيال و الوهم عند الاثنين. و يلتقي الخيال والعجب في معنى التبختر و التكبر. فكأن الرجل الذي يتخايل و يختال و فيه عجب يحاول أن يتميز و يخرج عن المألوف و يعطي صورة مغايرة لواقعه. كما يلتقيان في فكرة الحمق و الجنون.

بالنسبة للقزويني، العالم الحقيقي هو عالم الانبهار و الدهشة، فقد يفهم للوهلة الأولى أن العجيب من صنع الخيال لكن يظهر من تعريف القزويني أن العجيب هو البعيد عن إدراكنا و حواسنا. فالمسألة مسألة مسافة و ألفة و أنس، و ليست مسألة خيال و واقع. ما يصطلح على تسميته بالعجائب و الغرائب ليست هي ألف ليلة و ليلة أو ألف يوم و يوم مثلا، أي حكايات تقحمنا من أول وهلة في عالم الجن و السحر و المسخ و الطلاسم، عالم يوازي عالمنا المألوف و لا يتداخل معه، و لكن ما يصطلح الكتاب العرب على تسميته بهذا الاسم هي حوادث و مخلوقات طبيعية و موجودة في نظرهم. عالم العجائب هو عالمنا نحن و ليس عالما هامشيا أو مقدسا أي عالم الغيبيات. و لا يحتاج بالضرورة أن يكون هناك سرد، أي قصة تتطلب القراءة من البداية إلى النهاية بل قد يأتي على شكل وصف لبنيان خارق أو حيوان مذهل.

نلاحظ أن معنى المصطلحين يتغير من المفرد إلى الجمع. كيف و متى يستعمل الجمع أو المفرد؟ بعض الكتب تحمل في عنوانها لفظتي : « عجائب » و « غرائب ». مثلا : « عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات » (القزويني)، « تحفة العجائب و طرفة الغرائب » (ابن الجزري)، « عجائب الغرائب و غرائب العجائب » (ابن حجلة) و القائمة طويلة -هامش 5- مع تفضيل كلمة العجائب على كلمة الغرائب التي تسقط كثيرا مثلا : « عجائب الهند » (برزك)، « مختصر العجائب » (واصف شاه). و الذين يستعملون هذين المصطلحين في صيغة الجمع هم رحالة و جغرافيون و كوسموغرافيون.

وكل من « عجيب » و « غريب » في المفرد يأتي مقارنا للحكاية الخيالية المحضة مثلا : « مجموعة الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة » (الذي حققه هانزيير). و قد ترد الكلمتان بين قوسين في بعض الكتب الأدبية و كتب التفاسير. كما ترد أسماء شخصيات في حكايات الليالي أو في بعض قصص الكدية.

الذي يهم الكاتب هو الواقع الموجود المؤرخ له في الزمان و المكان، هو الخبر الذي يرجع سنده إلى الشاهد المعاين الأصلي… فهو لا يهتم بالخيال و الحكايات « المصنوعة ». هذه لا تدخل في مجال الأدب الذي يستحق أن يدون و يتناسخ، هذه خرافات، أوهام و أكاذيب. يظهرهذا في العناوين، مثلا : القزويني : « آثار البلاد و أخبار العباد » أو « عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات ». الذي يهمه هي الأشياء التي خلقها الله و توجد فعلا و ليس غرضه أن يتجول بقارئه في عالم الخوارق و الغيبيات و الأرواح و الخفايا والحكايات « الواهية »، ليس الهدف إبداع عالم روائي بل أن إخبار القارئ أن العالم الموجود فيه غرائب و عجائب تستحق أن تعرف. ويصبح الذكي العاقل هو القادر على تصديق هذا-هامش 6- وإن كانت هذه الأخبار يستحيل تصديقها. فالرحالة و الجغرافي هو الشخص المفروض أنه شاهد هذه العجائب أو التقى بمن عاينها لأنه زار أماكنها. ليس الهدف إبداع عالم عجيب، و لكن التعجب من العالم الموجود. العجائب و الغرائب ليست في المخيلة و لكن في الواقع. و شتان بين العالمين في تصور الكاتب. يذكرنا هذا بالتفريق الذي يضعه الكتاب بين الأحلام الحقيقية و أضغات الأحلام، أحلام الرحمان و أحلام الشيطان (ابن تيمية). الأولى لها صلة وثيقة بالواقع تشرحه أو تنبئ به و الثانية وهمية لا صحة لها ولا تربطها بالواقع أية رابطة.

هذا هو غرض الكتاب المعلن. هذه هي نيتهم، و لكن أقلامهم تذهب بعيدا أبعد من هدفها الأول. و نجدنا في عالم فانتاستيكي يشبه عالم الحكايات الألفية فيه نساء البحر اللواتي قد يتزوجن منهن بعض البحارة، فيه أمازونيات تعشن في جزيرة النساء، فيه نسناس وحيوانات ناطقة، فيه أسواق الجن التي تسمع و لا ترى – هامش 7- و المجهول يصير له أربع أرجل و قد يكون بلا رأس أو نصف إنسان-هامش 8- فالكاتب ينزلق بسهولة من العجائب للعجيب-هامش 9-. فالحديث عن المدن و الأقوام الخيالية يجاور دون تمهيد الحديث عن مدن موجودة معروفة تاريخيا و جغرافيا-هامش 10-. وعند القزويني و الدميري هناك استرسال بين العنقاء والحيوانات الطبيعية المعهودة-هامش 11-و كذلك الشأن بالنسبة للسعلاة و الغول و كائنات أسطورية أخرى. يدمجها الكاتب في الحياة العادية بإرسال حكايات يضفي عليها صبغة الواقعية بإثبات الزمان و الأشخاص و الأماكن و ذلك بأسلوب بسيط موجز دون تنميق- هامش 12-. وهذا الخلط يتم في تسلسل، و كأننا في العالم نفسه، في السياق نفسه. و كأننا لم ننتقل من عالم الموجودات الطبيعية إلى عالم الصورالخيالية.

ويقدم أصحاب كتب العجائب هذه الخوارق على أنها شيء موجود فعلا. لأنها إذا أصبحت ضمن مجال الأوهام لن تأخذ باهتمام القارئ. حتى العجائب و الغرائب لا تكون ممتعة و مشوقة إلا إذا حظيت بقسط من التصديق. فالكاتب يلعب على تعطيل الشك و توقيف الحذر و الريبة، و يضع فواصل جغرافية و تاريخية بين مجال المألوف و مجال الخوارق. فهي تقع في البحار و الجزر، في طريق الهند و الصين، أو في الجاهلية أو عند الأوابد. فالغريب و العجيب يقطن في حدود العادي. فهو الحد البعيد للطبيعي و يتم التدحرج بسهولة و دون سابق إعلان. فالغريب بعيد و العجيب بعيد، و المسافة تمحو الحدود.

أين ينتهي الواقع و أين يبدأ الخيال؟ الخيال واقعي و الواقع خيالي. إنه خيال يستعمل الواقع ذريعة، ونقطة انطلاق. و تتداخل الغربة و الغرابة و يصبح الغريب غير عادي أي عجيب، و تكون الضحية (أو المستمتع) الأولى لهذا التمازج هي الكاتب نفسه. لأنه أول من يغرق في هذا الخلط و الخليط. و لا أظن أن هناك سوء نية أو تعمد تضليل القارئ بهذا المزج لأنه من مقومات عقلية الكاتب نفسه و من يقرأ له (بخلاف الحكاية، فالكل ينطلق من كونها أكاذيب في أكاذيب و الكل يستمتع بهذه الأكاذيب و الخيال الجامح). و لكن في مجال العجائب و الغرائب لا يمكن أن نستعمل مصطلحات من هذا النوع. فالكذب يقابله الصدق، و الخيال يقابله الواقع و أين مني الواقع من الخيال و الكذب من الصدق عندما يصبح الغريب عجيبا، أين هو التباين و من ينشده، الكاتب و القارئ من الضحايا الطيعة للاستهواء و الافتتان، الافتتان بالاستغراب، بالخروج من العادي الملازم الفاني إلى فوق العادي و التحليق فيه حب الخروج من النفس و الانخطاف-هامش 13- يقول الشاعر « ومن يغترب يتجدد »، الغربة ولادة جديدة، « طقس انتقالي ». وهي تكون في المكان و في الزمان، و كذلك في البعد الرابع و في « الربع الخالي من الدنيا » فهو في الخيال يسبح و يطير و يحطم ما يجذبه إلى الأرض.

ميدان العجيب والغريب لا يقتصر على هذا النوع من الكتب التي تبدو أنها اختصت به و لكن نجد كثيرا من القصص الغريبة في طيات كتب الآداب كالأغاني و الأمالي و زهرة الآداب وكتب الأمثال وغيرها. يحكي فيها الكاتب حكاية تتوخى الواقعية و يدمج فيها عناصر وحوادث غريبة. لازالت هذه الحكايات مبعثرة لم تجمع في منتقيات خاصة -هامش 14-، وتأتي هنا و هناك كنماذج لتجسد العجيب أو لتبين مدى غرابة كائن ما و تزكيه و تضفي عليه صبغة الواقعية لتخرجه من عالم مستحيل إلى العالم العادي. فهو موجود لأنه وقعت له حادثة مع إنسان ما. الأقصوصة تأتي كحجة، كتبرير لما قيل من أشياء غير معقولة. فكأن الراوي إذا أتقن حكاية وقعت لشخص ما أكد صحة ما رواه. فيخلق عالم مليء بالحكايات. لكل جبل و بئر و شجرة و حيوان حكاية. و لكل رملة حكاية-هامش 15-،حكاية لتثبت اسما أو معتقدا، فالحكاية صفة واردة. و هي حكايات قصيرة في أسلوب إخباري موجز دون حبكة و تطور الشخصيات التي تبقى مبهمة و إن طال اسمها واسم أجدادها-هامش 16-و كأنها مكتوبة على الذاكرة بعيدة عن الراوي المحنك الملم بعناصر التشويق و دقائق الأوصاف و التشعبات المغنية و التشبيهات اللائقة. فتأتي في قفزات، هيكل عظمي و قالب جاف. أسلوب مختلف عن أسلوب الحكايات الألفية في طولها و عمقها و سراديبها و متاهاتها. قد يكون هذا الاقتضاب من ضعف ذاكرة الرواة المتعددين أو الوهميين قد يكون السبب من نوع آخر. قد يعبر هذا التلخيص عن محاولة الكاتب التخلص منها بسرعة ليصل إلى أخرى ثم أخرى… فيكون السبب هو الصفة التراكمية للكتب العربية القديمة. وكأن الكاتب مضطر لتقليص الحكايات، و كأنها عارضة و كأن اهتمامه ينصب على موضوع آخر… و قد تنبئ هذه العجالة في سرد هذه الحكايات عن الموقف الحائر المضطرب للكاتب أمام الطابع الخرافي للحكاية. أيصدقها أم لا، و ماذا يصدق فيها؟ مثلا عندما يتحدث الاصفهاني عن تأبط شرا الذي تصارع مع الغول و قتلها « و حملها تحت إبطه و جاء بها إلى أصحابه فقالوا له « تأبط شرا » « – هامش 17-، و يصد هذا الشك الكاتب عن الدخول في التفاصيل، نلاحظ أن وصف ملامح الغول يأتي عن طريق شعر على لسان تأبط شرا -هامش 18-.

كم يناسب هذا العالم، عالم الوضع و النحل و المغالطات و التشكيك في الواقع نفسه، كم يناسب عالم بورخيس حيث يتمازج الواقع بالخيال بصورة يصبح فيها الواقع مضطربا، و تصبح فيه الحكاية لا إشكالية خيال بل إشكالية واقع، و إعادة بنائه، و إبداعه و تكييفه عن طريق الخيال الذي يدخل معه في وحدة جدلية و في « اقتباس » مشترك. في الأدب العربي الإشكالية الأساسية ليست بين العجائبي و العقلاني، بل بين العجائبي و الواقع، فالعجائبي لا يتحدى العقل- هامش 19- بل هو طريق آخر لتجليه : طريق الانبهار أو كما يقول أبو الحامد الغرناطي و القزويني في مقدمتيهما : العاقل هو الذي يدرك الخيال و اتساعه. العقل يقبل الخيال ولا ينكره(20)، الإنسان العاقل يستطيع القفز من واقعه و العيش لحظة ما في عالم « مصنوع ». عندما يوحي الغرناطي أو الأصفهاني أو ابن الوردي أو غيرهم أنهم يتحدثون عن الواقع نجدنا معهم في متاهات واهية. و كأن الواقع هو ذلك النص الذي يستحيل إنتاجه. فنظرتهم إلى الواقع نظرة عجائبية. إنه واقع قد يكون و قد لا يكون. كالعجائب طبعا. و لماذا الفصل و لماذا التصنيف و لماذا الحواجز؟ -هامش 21-. طريقة الدمج هذه نجدها كذلك في التعامل مع الأحلام، يكون الواقع امتدادا للحلم -هامش 22- و الحلم حقيقة حيث يرى النائم الأشياء الغائبة عنه التي تنبهه لمجرى حياته اليومية و لعلاقاته مع الآخرين و مع ربه. يجد هنا النصيحة و الفكرة الطيبة لأن حياته تتجلى في المنام تجليا أكثر. فهو « يرى في المنام » أحسن مما يرى في اليقظة، و تتفتح عينه الداخلية على الدنيا و الآخرة فلا يحتاج إلى قفزة نوعية للعبور. الحلم أغنى و أوضح لأنه زيادة على الأحياء و الجن التي قد يصادفها في اليقظة، هناك أموات و ملائكة تنطق و تفيده بعلمها و قدراتها الخارقة و لا يحتاج إلى جواز مرور أو إلى تأشيرة.

إلى أي مدى يثق الهمداني بخرافية بعض الشخصيات و نسجها الخيالي هذا النسيج الذي هو نتيجة خيوط متعددة الأصل. فقد تكون أحداث تاريخية دخلت في حبكة أسطورية و تأتي الأشعار لتوطدها و تلصقها بالذاكرة. أو قد يكون العكس. وهذا التحليل ينطبق على كثير من الأقاصيص التي ابتدعت حول الأمثال لتفسيرها أو الأسماء لتبريرها أو الأبيات الشعرية لشرحها حتى و كأن الحكاية قوام كل شيء : الخرافي و التاريخي-هامش 23- و ما قيل عن تأبط شرا قد يقال عن النصوص التي أحاطت بشخصية حاتم الطائي الذي تشاهد الجن وهي تبكي على قبره و الذي يطعم الناس و هو ميت كما كان يفعل في حياته…وما مصير شعر الصعاليك -هامش 24- و شعر عنترة و حاتم. وقد يتساءل المرء عن بعض شخصيات كتب التراجم، هل وجدت حقا، مثلا شخصية أبي السرى سهل بن أبي غالب الخزرجي الذي يقول عنه ابن خلكان أنه « ادعى رضاع الجن و أنه صار إليهم و وضع كتابا فيهم » -هامش 25-، و الذي يذكر عنه الجاحظ بعض الأبيات في كتاب الحيوان -هامش 26- ثم ينسبها هو نفسه لشاعر آخر في موضع آخر -هامش 27-

فالجن التي تتميز بكونها تتلبس و تتغول و تتستر لا تنفرد بهذه الصفة. فهذا الالتباس لا يقع فقط للتائهين في الفيافي القاحلة، و لكن أيضا داخل النصوص الأدبية. فهي تتشكل و تتقمص و تأخذ صورة شخصيات يشتبه الأمر على الكاتب و القارئ معا في صحة وجودها. فالأدب العربي مسكون، مصروع تتداخل فيه الغيبيات بالواقع تداخلا مكثفا حتى يصعب على القارئ التمييز، لا في زمننا المعاصر، بل حتى في الزمن الماضي. ولكن هذا الأدب لا يمحو الحواجز كل المحو، وإنما يجعل الحدود متحركة غير ثابتة نجدنا في حيرة تعاقب الكشف و الحجب، الاستغواء و الإظهار مما يترك في ذهن القارئ ارتباكا حول وضع العجيب، فالنص بأسانيده قد لا يقول للقارئ : « صدقني » و لكن يقول : « هذا قانون اللعب ».

إذا قدم الأصفهاني أو غيره بعض أجزاء كتابه على أنها عجائبية، فإنه في نفس الوقت يؤكد واقعية الأجزاء الأخرى. و لكن كاتبنا لا يفعل هذا. ليس هناك من تشكيك، فيصبح الشك عاما أو التصديق عاما. و يحس القارئ و كأنه في واقع عجائبي. فكأن القدامى لم يبالوا كثيرا بالنحل الذي ألفوهو كأنه شيء عادي، جزء من الإبداع، وإبداع مشترك. فمن خلق نص شعري و نسبته إلى شخصية واقعية أو وهمية، إلى خلق شخصيات خرافية و دمجها في كتب التراجم، إلى نسج حكايات عجيبة عن الجن و الغول ثم دمجها في كتب الآداب (28).

المهم هي الأحداث الواقعية التي تصبح « أخبارا »، « أحاديثا » لا « أحاديث خرافة » التي هي مستصغرة. كل ما هو من خلق الخيال محتقر إلا إذا لفف بالأسانيد و دعم بالعنعنة(29) أي إذا صبغ بصبغة الواقعية و أصبح « خبرا ». و هكذا تدخل الأساطير و الحكايات العجيبة في الأدب و يتجول فيه تأبط شرا بغوله، و زرقاء اليمامة بنظرها الثاقب، و نمر الشنفرى، و كنز عبد الله بن جدعان أو غيرهم. بأعاجيبهم و سندهم، وقد يكون الكاتب/الراوي هو أول من يشك، و لكن هذا لا يهم. هذه هي اللعبة، و اللعبة هي التمتع و التهذيب الذي لا يمكن أن يحقق غرضه من الأوهام و لكن من التجارب الحقيقية. و ما علينا فالواقع قد يكون حلما.

تبدو النصوص الأدبية أكثر حذرا من نصوص « العجائب و الغرائب ». و إن كان هناك تداخل كبير بين الصنفين. فالكاتب لا يتبحر في أجواء الخيال مع أنها تحتضنه من كل جانب و كأنه يتساءل دائما إلى أي حد يمكنه أن يتجاوز المعقول، و يطرق المستحيل. في بعض النصوص يبدأ الكاتب بعبارة ك : « قيل » أو « يزعمون » (30). آليات التشكيك هذه التي تبدو و كأنها تعلن عن ريبة الكاتب، تبين في الواقع مدى ثقته و إيمانه. إذ كيف يسمح لنفسه مثلا بالشك في حقيقة طائر يخطف الفيل و يطير به، يقطن في جزيرة لا وجود لها، لم يره أحد، وقد يربي طفلا بعد خطفه و يرجعه لأبيه بعد تسليمه إياه ريشة من جناحه ليستحضره إذا أصابه مكروه (31).

يبدو الشك كانطلاقة لتثبيت الخيال و الدخول في تفاصيله. مثلا قصة هاروت و ماروت بالطريقة التي يحكيها القزويني : الكاتب لم يفكر قط في قتل هاروت و ماروت. والرحلة التي قامت بها « الشخصية » المحبة للاستطلاع ما هي إلا ذريعة لتأكيد وجودهما و ليس العكس، و لو جاء بالحجة القاطعة على انعدامهما لربما يكون محلا للسخرية أو اللامبالاة إذ كيف يمكن نفيهما من الخيال الذي يتعلق بهما. فالحقيقة لا تكمن في وجودهما الفعلي بل في الاعتقاد بهذا الوجود. فالحقيقة خيالية لهذا فهو يبحث عنها في الأوهام و يجدها هناك. و هذا هو موقف هذا النوع من الرحلات الاستكشافية التي يقوم بها المغامرون كما ذكر ابن خرداذبة في « المسالك و الممالك ». البعد العقلاني لهذا التحقيق ينطلق من بداية الإيمان بالأشياء الخارقة للعادة.

الأدب الفانتاستيكي في القرنين 19-20 ، مبني هو الآخر على الالتباس الذي يكمن في تشجيعه إيانا على رفض ما يحكيه من أعاجيب، رغم أن السرد يعضدها على طول الحكاية. حبك القصة يدور حول الجدلية : جدلية الرفض و الإقناع، الإقناع الذي هو نفسه إقناع بالرفض، رفض المستحيل الذي يعمل الكاتب كل وسعه لتقديمه على أنه حقيقة، فهو لعبة بين الكاتب و القارئ. و لعبة الشخصية التي تحاول ألا تفقد واقعها. ماذا يفعل الرواة عندما يخلقون أشعارا و حكايات ينسبونها لشخصيات واقعية، أو يخلقون أناسا ينسبون إليهم ما ابتدعوه، و يستحيل تصديق ما كتبوه أو تفنيده. ألا يلعبون هم أيضا لعبة « الفانتاستيك »؟ قليلون هم الباحثون الذين غاصوا في بحور التحقيق الواسعة. من يجرؤ على الإثبات بضوابط مقنعة، و ما الفائدة؟ فالواقع الأدبي لا يليق به مصطلح الشك و التشكيك. فمن ينتقد الأنطاكي أو القالي أو الزجاجي أو الحصري و يعيب عليهم مزجهم هذا؟ ومن حاول أن يفرق بين الصحيح و الواهي كما فعل مثلا أصحاب الحديث النبوي؟ فالأدب لا يدخل في هذا المنطق. و نجد بعض الشعراء كالبحتري يفتخر بكونه يستطيع أن يتمم أبياته بالكذب إذا أعجزته الحقيقة(32). « أجمل ما قالته العرب كذب » استعملوا مصطلح الكذب في مجال الشعر و ليس في مجال النثر. فلربما إذا دقق الباحث فلن يجد إلا تحريفا أو مغالاة أو تزييفا، أي سوف يدخل في سراديب الأدب التي لا مخرج منها. و إذا لم يكن الأدب تحريفا فما عساه قد يكون؟ صدق أم لا تصدق فهذا لا يضر الأدب في شيء. فمن يصدق « أنف » غوغول أو « معطفه » أو مسخ كافكا أو « تمثال » مريمي أو « اورلا » موباسان.

فالأدب لا يفترض واقعا طبيعيا عاديا بعيدا كل البعد عن الخيال ثم يأتي الخيال ليغيره و ينسج حوله الحكايات فالخوارق تدخل في نطاق اللعبة الأدبية كما تدخل في الحياة اليومية بفضل اللغة. لغة تتداخل حقيقتها مع مستحيلها و تتعايش بها المتناقضات فالكلمات مثلها مثل جن سيدنا سليمان، تخلق ما تريد بجرة قلم.

إن الأدب العربي ككل أدب ليس مجال يقين، هو دونخيشوتي يبدع واقعه و يحول حقيقته. الراوي أو القاص هو ذلك الشخص الذي يستعمل طلاسم اللغة ليقلب العالم على عقبيه و يمسخ الواقع. الراوي مناور بالدرجة الأولى.

وقد يكون هذا هو معنى الكتابة، أن تجعل الحواجز فضفاضة بين الواقع و الخيال، بين الأسطورة والتاريخ، بين الدال و المدلول. ويكون الأدب خيالا يعكس خياله، وقد يدور حول نفسه و يخترع حقيقته كما يخترع خياله، و يصبح العجيب هو ذلك الممكن المستحيل، قريب من اليد و لكن يتعذر إمساكه، الداني البعيد، فخ العقل و لعبة المعقول.

 

 

 


(1) تزخر الكتب العربية بالحكايات الخيالية نجدها عند المؤرخين و الجغرافيين و الرحالة « وعند الطبري و المسعودي و الاصفهاني و حتى الزمخشري و ابن الجوزي و الرازي و غيرهم… في كتاب التيجان و الإكليل…
(2) انظر وصف ابن الجوزي لأصحاب القصص و خرقهم لثيابهم و بكائهم في « أكاذيب القصاص و المذكرين » ص 295-296. طبعة المكتب الإسلامي.
(3) الألفيات : « ألف ليلة و ليلة »، « ألف يوم و يوم »، الحكايات العجيبة و الأخبار الغريبة ». تحقيق هانزفير.
(4) « عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات » الطبعة التونسية، ص5.
(5) انظر حاجي خليفة. مادة « عجائب ».
(6) يقول أبو حامد : « يكون الإنكار لأكثر الحقائق من أكثر الناس، لنقصان العقول ». « تحفة الألباب و نخبة الأعجاب »، منشورات دار الآفاق الجديدة. المغرب. 1993. ص33. يقول القزويني في « عجائب المخلوقات » : « وذكر أسبابا تأباها طباع الغبي الغافل، ولا تنكرها نفس الذكي العاقل ». ص5.
(7) مختصر العجائب -التحفة- عجائب الهند.
(8) التحفة ص 43.
(9) في بعض كتب العجائب ترك حبل الخيال على عاتقه، وهذا يذكرنا بما يفعله « القصاص » وبعض المفسرين الذين ينطلقون من إشارات قرآنية و يطلقون أجنحة إبداعهم في تفاصيل و جزئيات تتعلق بأحداث وأخبار الخلق و المخلوقات. ويسبقهم في الخيال صاحب « مختصر العجائب » حيث تكثر الأقوام و الأجناس، كل منها مزيج معين من لعناصر الأربعة، والحيوانات و الأعضاء. ص46 مثلا.
(10) في التحفة : يأتي الحديث عن روما بعد الحديث عن إرم ذات العماد و مدينة النحاس.
(11) عند القزويني : يأتي الحديث عن العنقاء بين القعق و الغراب.
(12) خلط بين ظواهر طبيعية نادرة الوقوع كالزلازل و الخسوف… و أشياء خارقة للعادة كالسقف الذي « انشق حتى رأى الكواكب من جانبه ثم عاد إلى حاله و لم يظهر عليه أثر الشق »، القزويني. ص11 دار المعارف للطباعة و النشر. سوسة، تونس0
(13) يكثر الخطف في العجيب من طرف طائر عظيم كالعنقاءو الرخ أو من طرف جني أو عفريت.
(14) نجدىبعض الحكايات مجموعة في كتاب جاد المولى : « قصص العرب ». الجزء الرابع. وفيmille et un contes de R.basset. tome 1
(15) نصوص كأخبار مكة، معجم البلدان، كتاب الأصنام، كتاب الإكليل، كتاب التيجان مليءة بهذا النوع من القصص.
(16) يذكر الاصفهاني ثلاثة أسماء لتأبط شرا، أسماء مختلفة الأجداد. ج21. ص138-142.دار الكتب العلمية بيروت1976.
(17) الأغاني ج21. ص139-141.
(18) قصة تأبط شرا . قصة الأم التي تكره ابنها و تطلب من زوجها الثاني أن يقتله و يتحايل هذا الأخير عليه ولكن الطفل ينبئ على كفاءات خارقة تنجيه من الموت. « كان أسمع العرب و أبصرهم و أكيدهم، و كان أعدى رجل ». الأغاني ج21 ص 138 طبعة دار الكتب العلمية. يذكرنا بأفعاله و شكله « كان ذميما ضئيلا » (نفس المرجع)، يذكرنا « بالمقديس » و حديدان الحرامي. فهو كذلك ذو حيلة و حذر و خفة و قدرة على السهر… وهو كذلك يتحايل على الغول و يقتلها كما يفعل « المقيدس » و حديدان الحرامي. هذه القصة نجدها في الكتب العربية معروضة كسيرة ذاتية لشخصية تاريخية، لشاعر مشهور، هذه لقصة تطابق حكايات عالمية مصنفة من طرف المصنفين المشهورين Aarne et thompson في نمط يحمل رقمي 300 و303. هذه القصة تعطي مثالا نموذجيا لطريقة مزج التاريخي بالخرافي.
(19) »dans l’imaginaire coranique… la raison ne trouve pas scandale à employer des images, des methaphores, des paraboles, des symboles fondateurs… » M. ARKOUN in « l’etrange et le merveilleux dans l’islam medieval ». ed. j.a. 1978
(20) ازدهرت الأدبيات الفانتاستيكية في أوربا في القرنين 18و19، قرني الأنوار و الوضعية serge moscovici : »plus il y a de raison plus il y a de deraison ». l’age des foules. paris 1981.
(21) أن تكون الحكاية عجائبية أو لا تكون في تلك العصور. في اوربا، سبق السرد العجائبي الرواية الطبيعية التي عرفها القرن 19 و مثلها كتاب كزولا و موباسان و بالزاك و غيرهم. التجديد هي الرواية الواقعية التي تتحدث عن الحياة العادية. الابتكار يكون من جهة الطبيعي و ليس من جهة ما فوق الطبيعي. ويكون الفانتاستيك صلة وصل بينهما. ففيه تنطلق الخوارق من الحياة اليومية. شيكسبير وسرفانتيس قريبان من العجائبي. في القديم كان البطل بطلا بكل معنى الكلمة، حقله الإفراط والمبالغة، بطل الخروقات. البطل سيرفانتيس هو بالفعل وسيط بين البطل القديم و الشخصيات العصرية.
(22) انظر « كتاب التوابين »لابن قدامة حيث يتجلى هذا المزج بين الأحلام واليقظة.
(23) نجد كتابا معاصرين مرموقين ينتقدون مستشرقين مثل كاستيل و فالهاوزن وينعتون نظرتهم الاستعمارية أو التحقيرية لكونهم شككوا في تاريخية هذه الحكايات مع أن كتابا قدامى اتخدوا هذا الموقف و أقروا بالمزج. انظر الجاحظ. كتاب الحيوان : القول في الزرافة. ج1. ص144. ثم ج1 ص482.
(24)كثير من شعر الصعاليك « يدور حول نسبتها إليهم شك كثير وقد تنسب نفس النصوص مرة إلى هذا الشاعر و مرة إلى ذاك ». يوسف خليف : « الشعراء الصعاليك في العصرالجاهلي ». ص166 مكتبة غريب، القاهرة.
(25) ابن خلكان : وفيات الأعيان. دار المكتبة العلمية. ج5 ص221.
(26) كتاب الحيوان، دار الجيل بيروت. ج7 ص51 و ج6 ص 327.
(27) ج 3 ص423
(28) خلق كل من beckford و lovecraft و borges شخصيات عربية على طريقة الأدب العربي القديم. تقول في هذا الصدد J sublet : « la personnification de l’arabe dement et de son livre est si reelle que le necronomicon figura maintes fois non seulement dans les listes d’ouvrages recherches par les bibliophiles, mais dans les catalogues de livres en vente chez les libraires » in « l’etrange et le merveilleux » page 112 تخلق شخصيات خيالية مؤلفة و مبدعة و يكون إنتاجها غير موجود، و قد يكون هذا أمرا عاديا. و لكن أن توضع أمام أعيننا مؤلفاتهم و نصبح ننشد أشعارهم و نتمثل بها… يقول خلكان عن أبي السرى الذي هو من أتباع الجن “أنه وضع كتابا ذكر فيه أمر الجن و حكمتهم و أنسابهم و أشعارهم…”. نجد هنا مشكلة الإبداع التي تعض ّنبها و تتغذى من جسدها. خيال الخيال. خيال على المستوى الثاني.
(29) “كتاب التوابين” مثال على هوس السند. يقدم ابن قدامة مجموعة من القصص تحتوي على شياطين متقمصة و على خلط بين المنام و اليقظة و على محو للزمن و المسافة، يتكلم الحي مع الميت… و تطول العنعنة عدة سطور.
(30) ياقوت: “معجم البلدان” ج2 ص20 :” وهذه الحكاية كما ترى خارقة للعادات، بعيدة عن المعهودات و لو لم أجدها في كتب العلماء لما ذكرتها.”
(31) قصة العنفاء هذه نجدها في عدة كتب بصيغة مختلفة مع حذف و زيادات هنا و هناك.
(32) “أعذب الشعر أكذبه” لماذا كانوا يقبلون الكذب في الشعر و يأبونه على النثر مع علمهم بحقيقته الكاذبة؟ أهي مغالطتهم لأنفسهم، أم مقتهم للمخيل؟