مجلة حكمة

هل يمكن للقراءة أن تجعلك أسعد؟ – سيردوين دوفي/ ترجمة: سارة العندس

هل يمكن للقراءة أن تجعلك أسعد؟

قبل عدة سنوات، أُهديت جلسة عن بُعد مع مُعالِجَة بالقراءة في مقر (مدرسة لندن للحياة)  والتي تقدم برامج إبداعية لمساعدة الناس في التعامل مع التحديات العاطفية اليومية للوجود. يجب أن أعترف بأنني في البداية لم تُعجبني فكرة إعطائي ”وصفة“ قرائية. عموماً لقد فضلت أن أقلد فيرجينيا ولف في التزامها الشغوف بالمصادفة في اكتشافاتي القرائية الشخصية ، مبتهجةً ليس فقط بالكتب نفسها ولكن بالطبيعة ذات المعنى للعثور عليهم بالمصادفة (في الباص بعد انتهاء علاقة، في نُزل للعابرين في دمشق، أو حتى بين كومة الكتب في مكتبة الجامعة المظلمة أثناء ماكنت أتصفح بدلاً من أن أذاكر).

لطالما كنت حذرة من التبشير الغريب من نماذج معينة من القُراء:

 يجب عليك قراءة هذا _هم يقولون_ مقحمين كتاباً بين يديك مع نظرات شديدة الإبتهاج بأعينهم، بدون إعطاء أي فرصة لحقيقة أن الكتب تحمل معاني مختلفة للناس- أو ربما تعني أشياء مختلفة للشخص نفسه – في مراحل مختلفة من حياتنا. أحببت قصص جون أوبديك عن أشجار القيقب في العشرينات من عمري، على سبيل المثال، وكرهتهم في الثلاثينات، ولا أعرف حتى لماذا!

ولكن الجلسة كانت هدية، وبشكل غير متوقع وجدت نفسي أستمتع بتعبئة الإستطلاع المبدئي حول عاداتي في القراءة الذي أرسلته لي المُعالِجة بالقِراءة إيلا بيرتهود. لم يسبق لي أن يتم سؤالي أي من هذه الأسئلة من قبل، بالرغم من كون قراءة الخيال جزء متجزء من حياتي. أحب أن ألتهم الكتب في الإستراحات الطويلة – سأحزم كتباً أكثر من الملابس – أخبرت بيرتهمد. وأخفيت عنها سري الصغير، وهو أني لا أحب شِراء أو إمتلاك الكتب، وأني دائماً أُفضل الحصول عليهم من المكتبة (الأمر الذي لا يجلب لي ككاتبة مبيعات كتب جيدةكنوع من الكارما!). إجابةً على السؤال ”مالذي يُشغلك في الوقت الحالي؟“، فوجئت بالذي أردت الإعتراف به: كتبت أنني قلقة بشأن عدم وجود أي مصادر روحانية لدي لدعمي ضد أي فقد مستقبلي حتمي لشخص عزيز علي. أنا لست متدينة، ولا أريد أن أكون متدينة، ولكني أود قراءة المزيد من أفكار الناس حول الوصول إلى نوع من الإيمان المبكر بكائن أعلى، وذلك كمنهج عاطفي للنجاة. ببساطة، مجرد الإجابة على تلك الأسئلة جعلني أشعر بشعور أفضل، وأخف.

لكن حدث بيننا بعض الأخذ والرد المقنع عبر البريد الالكتروني، مع بيرتهود وهي تحفر بشكل أعمق وأعمق، سائلةً عن تاريخ عائلتي وعن خوفي من الفقد، وعندما أرسلت آخر وصفة قراءة كانت مملوئة بالجواهر، مما لم يسبق لي قرائته مسبقاً. من بين المقترحات كان هناك كتاب ”المرشد“ للكاتب ر.ك.نارايان، بيرتهود كتبت عنه ” قصة لطيفة عن رجل يبدأ حياته المهنية كمُرشد سياحي في محطة قطار في مالغودي بالهند، وكنه يقوم بعدة مهن هناك قبل إيجاد قدره الغير متوقع كمرشد روحي“. لقد اختارت هذا الكتاب على أمل أن يتركني أشعر بأنني “مستنيرة بشكل غريب“. كتاب آخر كان ”الإنجيل وفقاً للمسيح“ كتابة: خوسيه ساراماغو: ”ساراماغو لا يكشف موقفه الديني هنا ولكنه يصور نسخة حية وجذابة من القصة التي نعرفها جيداً“. ” هندرسون ملك المطر“ تأليف: شاول بيلو، و“سيدهارتا“ كتابة: هيرمان هيسه، كانوا ضمن كتب الخيال الأخرى الموصوفة، ولقد أضافت بعض الكتب غير الخيالية أيضاً، مثل: ”قضية الرب“ كتابة: كارن أرمسترونغ، و“الخلاصة“ كتابة عالم الأعصاب ديفد إيغلمان ، كتاب قصير ورائع عن الحياة الممكنة بعد الموت “.

 

لقد شققت طريقي عبر الكتب في القائمة في السنتين اللاحقتين، على إيقاعي الخاص – مندمجة مع (اكتشافاتي الخاصة) – وبينما كنت محظوظة كفايةً لأن قدرتي لتحمل شعور الفقد السيء لم تُختبر، حتى الآن، فإن بعض الاستنارات التي حصلت عليها من خلال قراءة هذه الكتب ساعدتني على تخطّي شيء مختلف تماماً وذلك عندما تحملت ألما جسيدا شديدا لعدة أشهر، كانت هذه الأفكار المنيرة مازالت ضبابية في ذاتها،  كما هي عادة التعلم المكتسب من خلال قراءة الكتب الخيالية، – ولكن المفارقة أن قوته تكمن هناك -. إنني في زمن دنيوي/علماني، حيث أشك أن قراءة الكتب الخيالية هي إحدى الطرق المتبقية القليلة لاكتشاف الماوراء، أو السمو الروحي، أعني الحالة المراوغة حيث تتقلص المسافة بين النفس والكون. قراءة الخيال تجعلني أفقد كل حواسي بنفسي، ولكنها بنفس الوقت تجعلني أشعر بنفسي بكل تفرد وتميز. كما كتبت وولف، أحدى أكثر الكاتبات شهرةً، كتاباً ”يقسمنا إلى نصفين بينما نقرأ“ ل: ”حالة القراءة تتكون من التخلص التام من الأنا“ بينما تعِدُنا بـ: ”الإتحاد الدائم“ مع عقل آخرالعلاج بالقراءة هو مصطلح واسع من الممارسة القديمة لتشجيع القراءة للتأثير والفائدة العلاجية. أول استعمال لهذا المصطلح يرجع لشهر ١ سنة ١٩١٦ في مقال في الأتلانتك الشهرية، ”عيادة العلاج بالقراءة“حيث زعم الكاتب أنه وجد مؤسسة علاجية بالقراءة يديرها شخص مألوف يدعى باغستر في قبو كنيسته حيث يعطي اقتراحات قرائية لكتب ذات قيمة علاجية. يشرح باغستر: ”العلاج بالقراءة هو علم جديد“. ”الكتاب ممكن أن يكون محفزاً أو مهدئاَ أو مزعجاً أو مخدراً. المهم أنه يجب أن يفعل شيء لك، وعليك أن تعلم أن للكتاب تأثيرا مهدئا مثل الشراب، أو مذاقا لاذعا كالخردل. يعطي بنغستر وصفة قرائية لأحد عملائه في منتصف العمر وذو ”آراء متحجرة جزئياً“: ” يجب عليك قراءة الروايات. وليس القصص السعيدة التي تجعلك تنسى نفسك. بل يجب أن تكون  روايات باحثة، عنيفة، موجعة، ومتصلبة“. ويظهر جورج برنارد شو في أعلى القائمة التي يقترحها.

 واستدعي بانقستر أخيرا للتعامل مع مريض تلقة جرعة زائدة من أدب الحرب“، تاركا  الكاتب يفكر بالكتب التي ”أوجدت حياةً جديدة داخلنا ومن ثم جعلت نبض حياتنا قوياً ولكن بطيء“.

يأخذ علاج القراءة اليوم عدة أشكال، من دورات أدبية تقام للمساجين إلى حلقات قراءة لكبار السن الذين يعانون من الخرف. أحياناً قد تكون بكل بساطة شخصين أو مجموعة جلسات لقارئين في فترات متقطعة والذين يريدون الرجوع لاستمتاعهم بالكتب. بيرتهود وسوزان إلديركن صديقتها المقربة والمعالجة بالقراءة أيضاً، يمارسان العلاج بالقراءة (المؤثرة)  بشكل رئيسي، داعيتين إلى القوة الإصلاحية لقراءة الكتب الخيالية. إلتقيت الاثنتان في كامبريدج أثناء دراستهما، قبل أكثر من عشرين عاماً، وارتبطتا مباشرةً عبر تشابه المحتويات على رفّي كتبهما، تحديداً رواية إتالو كالفينو ”لو كان هناك مسافر في ليلة شتاء“، والتي تتحدث عن طبيعة القراءة.

أثناء تطور صداقتهما، بدأتا بوصف روايات للتشافي بينهما، مثل قلب مجروح أو مستقبل وظيفي مجهول. ” عندما كانت سوزان تواجة وقتاً عصيباً في حياتها المهنية – أرادت أن تصبح كاتبة، ولكنها كانت تتساءل عما إذا كانت ستتحمل الرفض الحتمي – أخبرتني بيرتهود بأنها أعطتها قصائد لدون ماركيز و ”أركي وميهيتابل“. ”إذا كان الصرصور أركي قادراً على الإخلاص لفنِّه بالقفز على أزرار الآلة الكاتبة لكي يكتب قصائده كل ليلة في مكاتب جريدة Evening Sun في نيويورك ، فمن المؤكد أنها يجب أن تستعد للمعاناة من أجل فنها أيضاً“. بعد سنوات إلدكرين أعطى بيرتهود، والتي كانت تريد الموازنة بين كونها رسامةً وأماً، رواية ”ملاحظاتٍ من معرض“ والذي يدور حول فنانة ناجحة ولكن مُضطربة.

 

استمرت كل منهما بتزكية روايات لبعضهما البعض، ولأصدقاء آخرين وللعائلة، لعدة سنوات، وفي عام ٢٠٠٧، عندما كان الفيلسوف آلان دي بوتون _زميل لهما في كامبردج_ يفكر بإنشاء مدرسة للحياة، قاموا بمشاركته بفكرة إنشاء عيادة معالجة بالقراءة. تقول بيرتهود: ”حسب ماعلمنا لا أحد كان يقوم بها بتلك الطريقة آنذاك“. ”المعالجة بالقراءة، لو وجدت أساساً، لكان المقصود بها معالجة مبنية في سياق طبي، مع التركيز على كتب المساعدة الذاتية“. ولكننا كنا مهتمين بالخيال كالعلاج الأساسي لأنة يعطي القارئ تجربة تحولية“.

بيرتهود وإلدركين تتبعتا طريقة المعالجة بالكتب إلى الإغريق القدامى، حيث ”هم الذين نقشوا فوق مدخل المكتبة في طيبه أنها كانت ’مساحة علاجية للروح‘“. الممارسة أتت بنفسها في نهاية القرن التاسع عشر، عندما أستعمل سيغموند فرويد الأدب خلال جلسات التحليل النفسي. بعد الحرب العالمية الأولى، الجنود الذين تعرضوا للصدمة والعائدون لديارهم من الجبهة كانت توصف لهم كتب للقراءة. وتقص إلدكرين أن ”أمناء المكتبات في أمريكا أُعطوا تدريباً في كيفية إعطاء الكتب لجنود الحرب العالمية الأولى، كما أن هناك قصة لطيفة بخصوص روايات جون أوستن وآنها كانت تستعمل لأغراض العلاج بالكتب في نفس الوقت في المملكة المتحدة“، في نهاية ذلك القرن، العلاج بالقراءة كان يستعمل بعدة طرق في المستشفيات والمكتبات ومؤخراً من قِبل الأخصائيين النفسيين، والأخصائيين الإجتماعيين والعاملين في رعاية كبار السن، والأطباء كطريقة فعالة في العلاج.. “I had a client in New York, a man who was having his first child, and was worried about being responsible for another tiny being,” Berthoud says. “I recommended ‘Room Temperature,’ by Nicholson Baker, which is about a man feeding his baby a bottle and having these meditative thoughts about being a father. And of course ‘To Kill a Mockingbird,’ because Atticus Finch is the ideal father in literature.”

 

يوجد شبكة جديدة للمعالجين بالكتب مُختارة ومدربة من قِبَل بيرتهود وإلدركين، وتابعةٌ لمدرسة الحياة، تعمل حول العالم، من نيويورك إلي ملبورن. أكثر الشكاوي التي يأتي بها الناس هي المرتبطة بتحولات مراحل الحياة، تخبرنا بيرتهود بأنها مشاكل مثل العلوق بمرحلة روتينية في مجالك الوظيفي، والشعور بالإكتئاب في علاقاتك، أو حتى المعاناة من الحرمان. يقابل المعالجون بالقراءة الكثير من المتقاعدين أيضاً، والذين يعلمون بأن أمامهم عشرون عاماً من القراءة ولكنهم من الممكن لم يقرأوا إلا روايات الجرائم، ويريدون إيجاد شيء جديد لإشباعهم. الكثير يطلبون المساعدة أيضا في التأقلم مع الأبوة والوالدية. تخبرنا بيرتهود بأنها قد قابلت زبوناً في نيويورك، رجل كان بإنتظار طفله الأول وكان قلقاً حول أن يكون مسؤولا عن مخلوق آخر صغير. لقد نصحته بكتاب ’درجة حرارة الغرفة‘ كتابة نيكولسن بيكر، والذي يتحدث عن رجل يُطعم رضيعه زجاجة ويفكر بأفكار تأملية حول كونه أباً أثناء ذلك. وبالطبع كتاب ’أن تقتل طائرا محاكيا‘ لأن أتيكس فينش هو الأب المثالي في الأدب

 

بيرتهود وإلدركين هما أيضاً مؤلفتا كتاب ’ العلاج بالرواية: من الألف للياء في العلاجات الأدبية‘، والذي كتب بطريقة قاموس طبي ويُطابق العلل ”الفشل: الشعور مثل…..“ مع اقتراحات علاجية قرائية (“تاريخ السيد بولي“ كتابة أتش جي ويلز). نشر الكتاب في البداية بالمملكة المتحدة في عام ٢٠١٣، وتم نشره في ١٨ دولة، وفي لفتة مثيرة وغير متوقعة يسمح عقد النشر للناشرين المحللين لمتخصصين بالقراءة بتعديل مايقارب ٢٥ بالمئة من العلل والأمراض لتلائم كل دولة وقراءها وأن تتضمن المزيد من الكُتاب المحليين. العلل الجديدة والمحدثة كانت كاشِفة ثقافياً. في النسخة الهولندية، واحد من العلل المعدلة كان ”أن يكون لديك رأي عالي جداً متعلق بطفلك“، وفي النسخة الهندية ”التبول أمام العامة“ و“الهوس بالكريكت“ كانت متضمنةً أيضاً؛ وفي الإيطالية تم إضافة ”العجز الجنسي“ و“الخوف من الطرق السريعة“ و“الرغبة في التحنيط“؛ وقام الألمانيون بإضافة ”كُره العالم“ و“كُره الحفلات“. يعمل بيرتهود وإلدركين الآن على نسخة من كتب الأدب للأطفال، ”حفنة من القصص“، والتي ستنشر في عام ٢٠١٦.

 

لكل القراء المتابعين والذين يقومون بمعالجة أنفسهم بكتب رائعة طوال حياتهم، أن تكون الكتب مفيدةً لصحتك النفسية وعلاقاتك مع الآخرين أمر غير مفاجئ، ولكن الكيفية والسببية ستكون أوضح بالنسبة لهم الآن، فبفضل الأبحاث الجديدة المتعلقة بتأثير القراءة على الدماغ. منذ اكتشافها، في منتصف التسعينات، ل“الخلايا العصبية العاكسة“ -أن الخلايا العصبية تطلق في أدمغتنا بكلا الطريقين عندما نؤدي نشاطاً بأنفسنا وعندما نرى نشاطاً مؤدىً من قِبَل شخص آخر- علم أعصاب التواجد العاطفي أصبح أوضح. أظهرت دراسة تم نشرها في ٢٠١١ في مجلة المراجعة السنوية لعلم النفس، بناء على التحليل من الصور المقطعية العملية لصور الدماغ للمشاركين، أن عندما يقرأ الناس عن تجربة فأنه يظهر نشاطٌ في الدماغ في نفس المناطق التي تتنشط عندما يقومون بالتجربة بأنفسهم. أي إننا نقوم بإستعمال نفس شبكات الدماغ عندما نقرأ قصصاً وعندمانحاول تخمين مشاعر شخص آخر.

 

تُظهِر دراسات أخرى نشرت في عام ٢٠٠٦ و٢٠٠٩ شيء مشابه، وهو عندما يقرأ الناس الكثير من الخيال فأنهم يصبحون أفضل في التعاطف مع الآخرين (حتى عندما قام الباحثون بأخذ الإعتبار في حال وجود تحيزات من كون الناس الأقرب لكونهم عاطفيين يفضلون قراءة الروايات). وفي عام ٢٠١٣، قامت دراسة مؤثرة منشورة بمجلة ”العلوم“ بإيجاد أن قراءة الخيال الأدبي (بدلاً من الخيال المشهور أو الأدب الغير خيالي) قد حسّن نتائج المشاركين في الاختبارات التي قامت بقياس الإدراك الإجتماعي، التواجد العاطفي، والذين هما عاملان يشكلان دوراً هاماً في ”نظرية العقل“: وهي القدرة على التخمين بدقة مالذي يشعر أو يفكر به الشخص الآخر، وهي مهارة تبدأ بالتكوّن لدى البشر بعد عمر الرابعة.

 

الروائي كيث أوتلي هو بروفسور فخري لعلم النفس المعرفي في جامعة تورونتو، ولقد قام لسنوات عديدة بإدارة مجموعة بحثية مهتمة بعلم نفس الخيال. كتب في كتابة بعام ٢٠١١ ” لقد بدأنا بإظهار كيف يحدث التعرف مع الشخصيات الخيالية، كيف يمكن للفن الأدبي تحسين القدرات الإجتماعية، كيف يمكن أن يحركنا مشاعرياً، وأن يحفز التغير في الشخصص، كتاب ”أشياء مثل الأحلام: علم نفس الخيال“. الخيال هو نوع من التحفيز للعقل، مختلف عن النوع الموجود بأجهزة الحاسب: تحفيز للشخص في تواصلاته مع الآخرين في العالم الإجتماعي.. بنادً على التجارب، ويتضمن القدرة على التفكير في الإحتمالات الممكنة في المستقبل“. هذه الفكرة توصل معتقد طويل المدى كان موجود لدى كلا من الكتاب والقراء وهو أن الكتب هي أفضل نوع من الصداقات؛ يعطونا فرصة للتدرب على التواصلات مع الأشخاص الآخرين في العالم بدون إحداث أدنى ضرر. في مقطوعة أدبية كتبت عام ١٩٠٥ ”عن القراءة“ يضعها الكاتب ميرسل بروست بطريقة لطيفة: ”مع الكتب لا يوجد إكراه اجتماعي. إذا مرت الأمسية بدون هؤلاء الأصدقاء -الكتب- فهو لأننا فعلاً نريد ذلك. عندما نتركهم، نقوم بذلك بأسى، وبعد ماتركناه لا يوجد أي من تلك الأفكار التي تفسد الصداقة: ’ماذا فكرت بنا؟‘ -’هل قمنا بعمل خطأ وقلنا شيئا غير مستساغ؟‘ -’هل أعجبوا بنا؟‘ – ولا حتى القلق حول أن ينسوك لمجرد استبدالك بشخص آخر“.

 

جورج إليوت، والتي يشاع أنها تخطت حزن فقدها لشريك حياتها عبر برنامج قراءة محددة مع رجل شاب والذي أصبح فيما بعد زوجها، تؤمن بأن ”الفن هو أقرب شيء للحياة؛ هو نسق للإسهاب في التجارب ومد تواصلنا مع زملائنا الرجال إلى أبعد من حدود حظوظنا

 الشخصية“

 ولكن لا يتفق الكل مع هذا التوقعات المبالغ فيها لقراءة الكتب الخيالية مثل أنها تجعلنا نتصرف بشكل أفضل بالحياة الواقعية.سوزان كين في كتابها المنشور بعام ٢٠٠٧، ”التواجد العاطفي والرواية“، تأخذ موقفاً من نظرية ”التواجد العاطفي والإيثار“، وهي مترددة حول كون الروابط العاطفية التي تخلق أثناء قراءة الخيال يمكن ترجمتها حقاً إلى الإيثار، الموقف المناصر للاجتماعية في العالم. تقوم أيضاً بالإشاره إلى صعوبة إثبات نظرية مماثلة. لا يمكن للكتب إحداث التغيير لوحدها -ولا أحد متأكد من أنها تفعل ذلك. تكتب سوزان أيضاً، كما يعرف أي دودة كتب، القراء يمكن أن يظهروا بشكل معادٍ للمجتمع وكسول. قراءة الروايات ليس عمل فريق رياضي، ولكنها تحرضنا على الاستمتاع بما يقدمه الخيال لنا، والذي يطلق سراحنا من أي إرتباطات أخلاقية للشعور لشخصية مختلقة – كما ستشعر لبشر حقيقي يعاني من الألم والمعاناة – والذي بشكل متناقض يعني أن القراء أحياناً ”يتجاوبون بتواجد عاطفي أعلى لحدث خيالي ولشخصية خيالية بسسب الخيالية المحمية“. وتدعم بشكل كامل الفوائد الصحية الشخصية من تجربة متعمقة مثل القراءة، والتي تسمح لهروب منعش من رتابة الروتين والضغوط اليومية.

 

إحدى عملاء بيرتهود وصفت لي كيف قامت الجلسات الإنفرادية والجماعية التي أخذتها مع بيرتهود بمساعدتها على التعامل مع سلسلة من المصائب التي حدثت لها، من ضمنها خسارة زوجها، والانفصال بعد خمس سنوات من الخطوبة، ونوبة قلبية. تقول: ”شعرت بأن حياتي بلا معنى، شعرتُ بالفشل كإمرأة“. من ضمن الكتب التي وصفتها بيرتهود مبدئياً كانت رواية جون إيرفينغ ”فندق نيو هامبشاير“ تقول بأنه كان الكاتب المفضل لزوجها والذي شعرت بعدم القدرة على قراءته لأسباب عاطفية. ”لقد كنت مذهولة ومتأثرة جداً لرؤيته في القائمة“، وبالرغم من تجنبها لقراءة أيٍ من كتب زوجها حتى ذلك الوقت، وجدت أنه قراءته كانت تجربة مُكافِئةً عاطفياً، في كلٍ من الأدب نفسه وفي التخلص من الشياطين المتعلقة بي“. لقد قدرتْ أيضاً توجيه بيرتهود لها لرواية ”عطر جيتربرغ“ للكاتب توم روبينز، والتي تقول بأنها كانت منحنى تعليمياً حقيقياً حول التجربة والتحيّز.

 

أحد العلل أو الأمراض المدرجة في كتاب ”العلاج بالرواية“ وهو ” الإثقال بعدد الكتب بالعالم“ وهو مرض أعاني منه بشكل متكرر. يقول إلديركين أنه هذا الشيء من أكثر الأشياء المنتشرة بين القراء المعاصرين، ويظل محفزاً عظيماً لعملها وبيرتهود كمعالجين بالقراءة. تقول: ”نشعر بأنه وبالرغم من وجود كتب تنشر أكثر مما قد سبق تم، فالناس يختارون من مجموعة أصغر وأصغر. أنظر لقوائم القراءة لمعظم مجموعات القراءة وسترى نفس الكتب، وهي التي تم التحدث عنها بالإعلام. إذا قمت فعلاً بحساب عدد الكتب التي تقرأها بالعام الواحد – وكم من الممكن أن تقرأ قبل أن تموت – ستستوعب أنه يجب عليك أن تختار بدقة عالية من أجل أن تستفيد من وقت قرائتك“. وأفضل طريقة لعمل ذلك؟ اذهب إلى معالج بالقراءة في أقرب وقت ممكن، واقبل دعوتهم لك، لأستعير بضعة سطور من شيكسبير: ”أقدم، وخذ إختيارك من كل مكتبتي ثم التهِ بحزنك الخاص“. 

 

المصدر