مجلة حكمة
نضال مُمرضة من الطائفة الأرثودوكسية المتشددة لتبديد مخاوف مجتمعها إزاء اللقاحات في خضم تفشي مرض الحصبة - أماندا شيفير / ترجمة: نورة العمران

نضال مُمرضة من الطائفة الأرثودوكسية المتشددة لتبديد مخاوف مجتمعها إزاء اللقاحات في خضم تفشي مرض الحصبة – أماندا شيفير / ترجمة: نورة العمران

 تقطن الممرضة بليما ماركوس التي تعمل في قسم الأورام في حي بورو بارك بمقاطعة بروكلين التابعة لولاية نيويورك الأمريكية، حيث تنتمي لمجتمعٍ أرثوذكسي متشدد، والذي انتشرت فيه حمى الحصبة بمعدلات مرتفعة للغاية منذ الخريف الماضي، وبنفس معدلات انتشارها في المناطق التابعة لولاية نيويورك: ويليمزبيرج، وبروكلين؛ وروكلاند كانتري شمال ولاية نيويورك؛ وفي أوشان كانتري بولاية نيوجيرسي، فيما أكد مسئولو الصحة إصابة أكثر من مائتي شخص بحمى الحصبة ، واعتبرتها الإدارة الصحية لولاية نيويورك الأسوأ على الإطلاق منذ أواخر الثمانينات.

علمت بليما ماركوس في بداية انتشار الحصبة من إحدى قريباتها التي تُقيم في بلدة ليكوود بولاية نيوجيرسي أن عددًا كبيرًا من جيرانها لم يعطوا اللقاح لأطفالهم، والتي كانت قد دعتها للانضمام لمجموعة محادثة عبر الرسائل النصية لمناقشة بعض المواضيع السائدة وغير الصحيحة، والتي منها بعض الادعاءات الزائفة مثل أن اللقاح يُسبب التوحد، حيث ترسّخت هذه الفكرة في أذهان المجتمع الأرثودوكسي المتشدد، وشككت نشرة متداولة على نطاق واسع في اللقاحات، التي أصدرتها منظمة يهودية تُدعى PEACH (وهي اختصار لمسمى تثقيف الآباء والدفاع عن صحة الأطفال)، كما أثار الخط الساخن للمجتمع الأرثودوكسي المتشدد والمُسمى(سيدة الدار) Akeres Habayis  المخاوف إزاء التطعيم، مما دفع بليما ماركوس لقضاء ساعاتٍ عدة من اليوم للبحث في الدراسات العلمية، والإجابة على التساؤلات عبر الرسائل النصية، وقالت بليما ماركوس: “لم يهدأ لي بال وأنا أرى أربعين امرأةً يقرأن تلك المعلومات دون أن أُحرك ساكنًا لدحضها”.

تواصلت النساء مع بليما ماركوس على انفراد لشكرها على وقتها المبذول، حيث قالت بليما أنهن كن مُتجاوبات؛ لأنني لم أتهمن بالغباء، ولم ألمح قط بذلك، ولم أتهم أيٍ منهن بالأنانية، ولم يتبادر ذلك لي بتاتًا، واعتبرتهن ضحايا لكثيرٍ من وسائل التخويف. بدأت بليما ماركوس منتصف شهر نوفمبر في تنظيم مجموعة جلسات مُصغرة لنساء الطائفة الأرثودوكسية المتشددة، وزميلاتٍ لها من جمعية ممرضات الطائفة اليهودية المتشددة، وقد ترأست بليما الجلسات التي عُقدت أولُها في غرفة معيشة منزل قريبتها في ليكوود. تحدثت إلى بليما ماركوس عبر الهاتف الأسبوع الماضي بينما كانت تُجري بعض المهام في بروكلين، وسألتها عن كيفية تعاملها مع هذه المجموعات المُصغرة المكتظة، وعن الخطط التي تؤمن بفاعليتها حيال تغيير آراء الناس، وكان كلامُها مُرتبًا وموجزًا.

تقول بليما: “دخلت منزل قريبتي ووجدت خمسًا وعشرين كرسيًا مُرتبة في صفوف، فقلت: “لا لا لا لا لالالا! يجب أن نجلس بشكلٍ دائري، لكي نشعر بالارتياح وبالقرب من بعضنا البعض، لأنني أتحدث عن صحة وسلامة أطفالهم.تلقت السيدات المُشاركات في الجلسات كـُتيباتٍ وُضعت لهن عند أبواب منازلهن من منظمة PEACH، وأعتقد أن المـُنظمة شعرت بخطرٍ ما يُحدق بها.

طرحت سؤالًا بعد مجيء السيدات: “من منكن تكره التطعيم؟”، فرفعت سيدتان أو ثلاثُ سيداتُ أيديهن، فأشرت بيدي نحو الباب وقلت اخرجن، فاعتلتهن الدهشة لوهلة، ثم أنفجر الجميع بالضحك، وقلت: “إنني أمزح، إنني أمزح”، وأردت فقط أن أُبين لهن بأننا سنختلف بالرأي، ولا مجال للسخرية أو المُقاطعة أو الصُراخ.

“كان من المُفترض أن تستغرق الجلسة ساعتين، ما بين الساعة الثامنة مساءً، وحتى العاشرة مساءً، لكنها امتدت حتى الساعةِ الثانية صباحًا، حيث استحوذ على تفكير الحاضرات تلك المعلومات التي تبادرت إلى مسامعهن عن التوحد، وكان مصدرها دراسة واحدة أُجريت في اليابان؛ فقد تعرض جزء من لقاح الحصبة والنـُكاف و الحصبة الألمانية أواخر الثمانينات للتلوث، مما دفعهم لاستبدال لقاح الحصبة والنـُكاف و الحصبة الألمانية بلقاح أُحادي، أي كل لِقاحٍ على حدةٍ، وكان ذلك يُلبي رغبة الكثيرين ممن يُشككون في أمر اللقاح، بيد أن نسبة التطعيم باللقاح في اليابان هبطت إلى الصفر، وارتفعت مُعدلات الإصابة بالتوحد مُقارنةً بجميع الدول الأُخرى، ونال الرسم البياني الذي عرضته بليما إعجاب الحاضرات، كما أُعجبن بما شاهدنه حول ارتفاع مُعدل الإصابة بمرض التوحد، مُقابل تدني أداء الإدارة المُختصة بلقاح الحصبة والنـُكاف و الحصبة الألمانية، ولاحظن عدم الترابط بين النسبتين.

اصطحبت إحدى السيدات أبناءها الأربعة للتطعيم خلال ذلك الأسبوع، فأرسلت إليها رسالة نصية مفادُها: “مرحبًا، كيف حال أطفالك؟”، فأجابتني: “إنهم على ما يُرام، ومازالوا طبيعيين ولم تظهر عليهم أعراض مرض التوحد”، فقلت “حسنًا، يبدو ذلك مُشجعًا”.

كان لِقاؤنا الثاني في مدينة كليفتون بولاية نيو جيرسي، بينما كان اللقاء الثالث في حي ويليمزبيرج، في بروكلين، وأعقبه لقاءً أثناء عيد الأنوار اليهودي والمُسمى بالحانوكا مُنتصف شهر ديسمبر، وتقول بليما: عرضتً في اللقاء الذي عُقد في حي ويليمزبيرج، في بروكلين أكثر من خمسِ دراسات، ووضعتها جميعًا أمامي وقلت: “أثبتت هذه الدراسات عدم وجود علاقة بين الإصابة بمرض التوحد وبين اللقاحات، وتُثبت هذه الدراسات أنه لا علاقة للمعادن الثقيلة بمرض التوحد، “ومرّرت عليهن بطاقات مُفهرسة لعناوين البريد الإلكتروني، وأرسلت عند عودتي للمنزل حوالي أربعين دراسة لأولئك الأشخاص.علِمتُ في اللقاء الذي عُقد  في ليكوود رغبة الحاضرات للاطلاع على الأوراق.

صورة لأطفال يلعبون في بلدة ساتمار هاسيديك والتي تُعرف بمدينة النخيل، بولاية نيويورك.

“قدمتُ الحاضراتِ نصائح حول كيفية تقييم البحث، وقلت: “لاحظن عدد الأشخاص المُشمولين في الدراسة، فالدراسة التي تجرى على عشرين طفلاً، تبدو جيدة، لكنني أًقدم لكم تحليلا ثانويا META ANALYSIS   لدراسات أجريت على مليون ونصف مليون طفل، وقلت: “نحتاج لإلقاء نظرةٍ على البيانات، وإن كنتن تجهلن  من يموّل الدراسة، فعليكن البحث لمعرفة ذلك، وإن رغبتن في العثور على دراسات موثوقة بأنفسكن، فأنصحكن بتجربة مُحرك جوجل الدراسي (جوجل سكولار)، لأنه لن يُطلعك على الجمعيات المُناهضة للقاح، ولن يعرض عليك موقع healthnutjob.com.  

“من الصعب تغيير أفكار الناس، خاصةً تلك التي تجذّرت لديهم مُنذ زمنٍ طويل، والتي تداولوها مصحوبةً بقصصٍ مخيفة على مر الزمان، ولم تكن لديهم وسيلة للتحقق من مصداقيتها، كما يتعين مُجابهة مُعتقداتهم الأُخرى، فهناك الكثير ممن يرغبون التعرف عليها، وهناك من يروجون لها لجني المال. لقد صُـدمت الحاضرات عندما علمن بعودة أطباء الأطفال المحليين إلى بيوتهم بحوالي مائة ألفٍ أو مائةً وخمسون ألف دولار، إذ كُنّ يعتقدنّ أن الأطباء من أصحاب الملايين. نظرت سيدة إلىّ وقالت: “هل تعنين أن طبيب طفلي مُهتمٌ به؟ أو بكونه مريضًا أو لا؟، فأجبتها: “بالطبع! لماذا غيره من الأطباء على استعداد لأن يسمع شخصٍ صُراخ الأطفال طيلة نهاره مُقابل مائة ألف دولار لو لم يكن مهتماً؟، كان لدى الأمهات هذا الشعور المُتعب للغاية من صنعة الخوف والتوجّس، حيث يبدو أثر الاعتبارات الثقافية، والكثير من الصدمات بين الأجيال، مثل تلك التي عايشوها في المحرقة حيث لم يتلقوا أية رعايةٍ طبيةٍ أو أن الرعاية الطبية كانت سيئة عندما كانوا يعيشون في دول أوروبا الشرقية، في قرية شتيتل، كما كانت هناك الكثير من الشكوك حول الحكومات، وعن ما إذا كانت مُهتمة بأطفالنا أم لا، مما دفع المروجين لمناهضة اللقاح لانتهاز الفرصة لصالحهم.

إن نصف ما نقوم به هو التحقق، فمعدل إنجاب المرأة الواحدة حوالي الثمانيةِ أطفال في المُجتمع الأرثودوكسي المُتشدد، فيما تتراوح نسبة إنجاب الأطفال في جميع الولايات المتحدة حوالي 1.8 للأسرة الواحدة، وإذا كانت لديك أربعة أضعاف معدل إنجاب أطفالٍ في مجتمعٍ ما، فسترى الكثير من كل شيء. توجد في المجتمع اليهودي العديد من حالات الإصابة بمرض التوحد والذي تتوفر له خدمات كثيرة، وحالات أُخرى لمشاكل النمو العصبي. إن المُجتمع اليهودي حاذق في الحصول على هذه الخدمات واستخدامها بفعالية، وإذا تحدثت لأي شخصٍ منهم، فستجد أن طفله يتلقى علاج نُطقٍ، وعلاجًا مِهنيًا، وتعليمًا خاصًا، فلا نقول لك أنك لا ترى ما تراه، لكن سبب ذلك التشخيص، فمعيار تشخيص اضطرابات النمو العصبي ومرض التوحد في توسعٍ دائم.

نرغب بإقناعهم بأن اللقاحات لا ينجم عنها أي ضرر، وعليهم تصديق المعلومات التي تؤكد سلامة اللقاحات.تركز نِقاشي الأخير معهم حول المُجتمع.إن الطائفية أو المجتمع هو إطار اليهودية الأرثودوكسية،  وذلك في حال رغبت العيش وفقًا للقانون، فأقل عددٍ لإقامة الصلوات هو وجود عشرة أشخاص.نسكن جميعًا بالقرب من بعضنا البعض، كعائلة واحدة ممتدة، مما يفرض علينا الانتباه لأنفسنا، ومنع الضرر الذي يلحق إخواننا من أفراد المجتمع. لقد اطلعت على بعض الإحصائيات التي أُجريت حول الأطفال الذين لديهم نقص في المناعة، وعلى عدد الأطفال المتوفين جراء الأمراض المُعدية، ولديهم اعتلالات مثل مرض السرطان أو اضطرابات المناعة الذاتية، والتي جعلتهم عُرضة للإصابة بتلك الأمراض وعدم القُدرة على مُقاومتها،  وهذه هي حبة الدواء الصلبة التي يصعُب على الناس ابتلاعها، بمن فيهم أولئك الأشخاص المناهضون للقاحات، لأنهم لا يريدون التفكير في طفلٍ ذي سبع سنواتٍ مُصاب بسرطان الدم، يموت بسبب الإصابة بجدري الماء”.

المصدر