مجلة حكمة

لماذا أقرأ ؟ المتعة الحقيقية للكتب – ويندي ليسر / ترجمة: بندر الحربي

 

why-i-read-wendy-lesser
غلاف الكتاب

“يمكن أنْ تقودك القراءةُ إلى الملل أو السموِّ، الغضب أو الحماس، الاكتئاب أو المرح، التعاطف أو الازدراء، وهذا يتوقف على طبيعتك، وكيف يشكل الكتاب حياتك في اللحظة التي تقرأ فيها”.

هكذا كتبت في مقدمة كتابها الناقدةُ والكاتبةُ الأمريكية ويندي ليسر، الحاصلةُ على درجة الدكتوراة في اللغة الإنجليزية من جامعة بيركلي عام 1982، التي تعتبر من أشهر النقاد المعاصرين؛ فلها عشرةُ مؤلفاتٍ، تشمل دراساتٍ أدبية أو ثقافية، ورواية واحدة، وسيرتان، وكتابًا عن الموسيقيّ دميتري شوستاكوفيتش.

صدر هذا الكتاب: “لماذا أقرأ: المتعة الحقيقية للكتب” في يناير 2014م، وهو يطوف بالقارئ عبر عالَم الأدبِ الرحبِ واسعِ الآفاق.

ففي هذا الكتاب تناولت المؤلفةُ دراسات عن الروايات، والقصص، والمسرحيات، والقصائد، والمقالات، بالإضافة إلى روايات الخيال العلميِّ والمذكرات الشخصية، وأطلقت شرارةَ الرغبة العارمة لوضع القراءة على قائمة المهام اليومية المعتادة، فتقول: “قراءةُ الأدبُ وسيلةٌ للوصول إلى شيء أكبر وأقدم وأكثر اختلافًا، فهي يمكن أنْ تعطيك شعورًا بانتمائك للماضي، فضلا عن الحاضر.

وقد تساعدك على إدراك أنَّ حاضرك اليوم سيكون في يوم من الأيام ماضيًا لشخص آخر؛ قد يكون هذا مثبطًا للهمم، لكن يمكن أيضًا أنْ يكون نوعًا من المواساة في بعض الأحيان”.

وقد تناول الكتابَ مقالٌا نُشر في نيويورك تايمز بعنوان “تحت الأغلفة”، جاء فيه:

“بالنسبة للكُتاب، فإنَّ الأدب يُعتبر فنَّ إظهار المواهب: يفوز به الكاتب الأكثرُ موهبة. لقد وسَم هارولد بلوم الأدبَ في كتابه بيرسي شيللي “بالمتعة الصعبة”؛ صعبة عند معرفة أفضلها، ومتعة لأنَّ الكتب العظيمة يجب أنْ توفر النشوة الجمالية قبل أنْ تتمكن من تقديم أيِّ شيء آخر.  بالنسبة لبلوم وويندي، فإنَّ المتعة هي جمالية دائمًا وليست أيديولوجية، والنقد هو إما ممارسة عاطفية وشخصية، أو ممارسة عاجزة ومملة. أمّا القراء فهم الأكثر حظًّا؛ فإنهم يفوزون جميعًا. إنَّ نوعية القراءة هي حوارٌ حاسمٌ مع نفسك، الحوار الذي يقودك إلى ذاتك، فتعرف أين تضع هويتك ووعيك في خريطة الوجود”.

 

الكلمة البارزة – بطبيعة الحال – هي قراءة “نوعية”، قال فلاديمير نابوكوف ببراعته المعهودة في تقريع المتحذلقين في كتابه الثمين:  “محاضرات في الأدب الروسيّ” : “هم من يتحدثون عن الكتب بدلًا من الحديث في الكتب”، وهذا قد لا يبدو مختلفًا في كتاب ويندي ليسر” لماذا أقرأ: المتعة الحقيقية للكتب” عن توضيح الفرق بين حرفيْ الجر لدى نابوكوف.

إنّ ويندي – وهي مؤلفة تسعة كتب سابقة بما في ذلك المذكرات الأدبية، وفي النقد الثقافيّ، ودراسة متوقدة عن شوستاكوفيتش- نجحت في أنْ تتحدث بأسلوب رصين وجاذب في الكتب مع النقاد القلائل القادرين على فعل ذلك الآن.

بفهمها العلاقة بين خصوبة الخيال وحتمية الخبرة، مارست النقدَ على خطى صمويل جونسون، وويليام هازلت، ونظمت في الكتاب ذي الفصول السبعة عناوين شيقة مثل: “السُلطة”، “العظمة والألفة”، و”بين الفراغ “، وأصبح كتاب “لماذا اقرأ” دعوةً للتوغل – وبشكل عنيف – في الأدب.

مما لا شكَّ فيه أنَّ ويندي مدركةٌ لأهمية وعلاقة جملة “المتعة الحقيقة” في العنوان الفرعيِّ. ففي أيِّ عمل فنيٍّ، يسأل والتر باتر: “هل يمدني بالمتعة؟! وإذا كان الأمر كذلك، فما مستوى المتعة؟ وكيف تتأقلم طبيعتي بوجودها؟” لقد وسَم هارولد بلوم الأدبَ في كتابه بيرسي شيللي “بالمتعة الصعبة”؛ صعبة عند معرفة أفضلها، ومتعة لأنَّ الكتب العظيمة يجب أنْ توفر النشوة الجمالية قبل أنْ تتمكن من تقديم أيِّ شيء آخر.

بالنسبة لبلوم وويندي، فإنَّ المتعة هي جمالية دائمًا وليست أيديولوجية، والنقد هو إما ممارسة عاطفية وشخصية، أو ممارسة عاجزة ومملة. إنَّ انتقالنا إلى كتب مثل كتاب ويندي لا يساعدنا فقط على كشف (الحمض النوويّ) للأدب (ما يسميه هازلت: البهجة في روح الأدب) لكن للتواصل أكثر مع العقل؛ لزيادة تقدير ذواتنا وفهمها بشكل أعمق.

ففي صفحة من صفحات في كتاب “لماذا أنا أقرأ” تكمُن شرائط من الحكمة الأدبية. ويجيب عن تساؤل: لماذا فضلت ويندي جوناثان سويفت على دان دليلو وتوماس بينشون؟ “ليستمر الهجاءُ، يجب أنْ يكون ثقيلًا حتى لأولئك الذين يتفقون معه”. وفي الحاجة إلى كُتاب يعيدون صياغة الحياة العادية بدلًا من مجرد تكرارها تقول: “ليكون لديك السلطة، يجب أنْ يكون العملُ الأدبيُّ قادرًا على تحويل الحياة اليومية المعتادة إلى شيء غريب”. وقالتْ:

”إنَّ الحقائق في الأدب عرضية وتراكمية، وليست شاملة ودائمة”، وفي تعريفها للأجناس الأدبية المعاصرة ترى أنَّ “المؤلف الذي يعلن بثقة أنه ليس هناك حدودٌ حقيقيةٌ بين العمل الواقعيِّ والخياليِّ ليس هو الشخص الذي يجب أن تثق فيه فيما يتعلق بهما”.

نحن نعرف عن طريق الحدس ودراسة مناهج الكتب العظيمة أنَّ حالة الإنسان ترتفع وتنخفض – كما تقول ويندي “العظمة والألفة ” – وواجبنا هو أنْ نضع أنفسنا في مكان ما في التواصل بين تلك الحالات المتبدلة، لاستقبال تلك الحالة الحبلى بالإثارة، أو نكون على استعداد للخضوع لبعض أشكال التعفف الشخصيِّ، كأنْ تكون ذواتنا مهددة أو متضخمة. بالنبسة لويندي وكذلك لجونسون، فإنَّ الأدبَ هو أسلوبٌ وطريقةٌ أشمل للحياة. إنَّ ويندي ليسر هي قارئةٌ حقيقيةٌ، وقارئة نوعية، وهذا الكتاب هو متعةٌ مؤكدة.