مجلة حكمة
(عدم) قراءة الاستشراق - غراهام هاغان / ترجمة: هاجر العبيد (عدم) قراءة الاستشراق - غراهام هاغان / ترجمة: هاجر العبيد

(عدم) قراءة الاستشراق – غراهام هاغان / ترجمة: هاجر العبيد


 القليل من النصوص يمكن أن تتجاوز الاستشراق (1978)، سواء من حيث إنتاجها أو الاستقبال الذي حظيت به، فهو الكتاب الأشهر لرجل أخذت منا وفاته واحد من أكثر المفكرين الجماهريين فصاحة وقوة في وقتنا هذا (فيسواناثان 11). وعلى الرغم من أن الاستشراق ينظر في كثير من الأحيان على أنه معيب، حتى أنه يُنظر إليه على أنه أحد أضعف مجهودات إدوارد سعيد، إلا أنه إلى حد بعيد أكثر الكتب مثاراً للحديث وتأثيراً من بين الكتب الـعشرين ونيف التي كتبها خلال مسيرة مهنية حافلة بشكل يفوق التصور. الكتاب الذي تُرجم في آخر إحصاء إلى 36 لغة، هو نتاج شخصية متعددة الأوجه أيضاً، حيث عُرف ’بفلسفته الإنسانية الحماسية، وثقافته وسعة اطلاعه، وآرائه المستفزة، والتزامه الذي لم يتزعزع بقضية حق الفلسطينين في تقرير المصير‘ (فيسواناثان xi-xii). ولا توحي المساهمات المتعددة والواسعة النطاق في مجالات البحث الأدبي والسياسة الثقافية والموسيقى على الإطلاق بأنها إنجازات لشخص واحد بل أشخاص متعددين، بينما في العمل نفسه التعددية المربكة لموضوعات وطرق ونُهج ليست دائماً متوافقة لا تقدم لنا سعيد واحد بل كم متنوع من شخصيات سعيد. وبالنظر إلى المدى المذهل والأثر الدائم لأعمال  سعيد، فإنه من غير المستغرب على الإطلاق أن تكون هناك الآن صناعة مزدهرة تنصب على سعيد، حيث انتهز العديد من الباحثين من جميع أنحاء المعمورة الفرصة للانخراط في محادثة – ليست كلها ودية – مع عمله. وإذا طوعنا عبارة استخدمها هنري لويس غيتس على الطبيب النفسي المارتينيكى والناشط المناهض للاستعمار فرانز فانون، فإننا سنقول أننا نشهد منذ فترة شكلاً متطوراً من “السعيدية النقدية” حيث يتم تطبيق قراءات مختلفة جداً، وإعطاء استخدامات أيديولوجية جداً، لأعمال سعيد. ومثل فانون من قبله، كان مُقدراً لسعيد أن يصبح شخصية سياسية وفكرية ساحرة، بينما يتحول الاستشراق، على وجه الخصوص، بمرور الزمن إلى واحد من الأعمال النقدية القليلة الرمزية فعلاً في أواخر القرن العشرين (غيتس 457-58).

            لماذا الاستشراق؟ في مقال مراجعة يعود إلى عام 1995، يعزو جيان براكاش النجاح الهائل لكتاب الاستشراق إلى قدرته على زعزعة ’التصنيفات وأساليب الفهم المقبولة‘ (بدون مكان مرجعي). ووفقاً لبراكاش،

تسببت الحركات المتواصلة والمضطربة للاستشراق بين النوايا التأليفية والأنظمة الخطابية، والدراسات العلمية والمسالك السياسية، والأدب والتاريخ، والفلسفة وكتابات الرحلات، والنصوص الكلاسيكية ومجادلات القرن العشرين في حالة من عدم اليقين العميق […] تم فيها التراجع عن السلطة القائمة لعلماء الاستشراق وخطوط البحث الخاصة بهم. واستدعى التأثير الملتبس للاستشراق تهم بالتفكير غير المنضبط وسوء النية الأيديولوجية، وشجع النقاد على دفع حركته غير المستقرة بين المواقف المختلفة إلى الاختيار القصري ومن ثم جعلوه هدفاً للنقد. وإلى درجة كبيرة، ]كانت] عمليات العبور هذه بين الحدود وتهيئة المجال للمواقف المخالفة هي التي]ثبت] أنها أكثر المناورات إنتاجاً وتأثيراً، حيث حثت على المزيد من الدراسات النقدية حول بناء الغرب الحديث للآخر. مثل هذه الدراسات […] شرحت حجته وتوسعت فيها، و]واصل] سعيد نفسه إنتاج دراسات أخرى عن العلاقة بين القوة الغربية والمعرفة. لكن سلطة الاستشراق كنقد للمعرفة الغربية تظل منقطعة النظير، ولا تزال تستمد القوة من انتهاكها الهدام للحدود. (بدون مكان مرجعي)

هذا وصف ذكي، ويمكنني القول، إنه دقيق إلى حد ما لأثر الاستشراق على كل من القراء المعاصرين في أواخر السبعينيات من القرن العشرين وعلى جيل من النقاد الذين يصفون أنفسهم “بالمعارضين” – ناشطي ما بعد الاستعمار والنسوية والأقليات – منذ ذلك الحين. ولا داعي للقول أنه لم يكن كل هؤلاء القراء متفقين مع المبادئ المركزية في الاستشراق، وكثير من النقد المعارض الذي أثاره الكتاب استمد زخمه من جوانب في حجة سعيد كانت هي نفسها معارضة لها بشدة في كثير من الأحيان. وبشكل عام، هناك ثلاثة أنماط رسخت نفسها في الاستجابة النقدية للاستشراق. أول هذه الأنماط يتضمن ما يمكن تسميته “إنهاء أشرقة” الاستشراق (الطريقة). فكما أوضحت ليزا لوي، الاستشراق أكثر تبايناً تاريخياً وجغرافياً مما ينسبه العديد من القراء لسعيد؛ فقد يشمل الشرق الذي يشير إليه، في لحظات مختلفة وفي اهتمامات مختلفة، جميع أو أجزاء من آسيا الوسطى وشمال أفريقيا وتركيا والشرق الأوسط (لوي 5). لكن بالنظر إلى التباين وعدم الاستقرار الأساسي للخطابات الواردة ضمن إطار مصطلح “الاستشراق” الجامع، لماذا لا نوسع النطاق أكثر؟ لوي، على سبيل المثال، لا يمكنها أن تقاوم ذلك، حيث تضع فصل في كتابها عن الإسقاط اليوتوبي لليابان والصين تحت ما بعد البنيوية الفرنسية (الفصل 5). وفسر نقاد آخرون مدى ونطاق الاستشراق بحرية أكبر، مستخدمينه، على سبيل المثال، كأداة نقدية لتفريغ البناءات الاستعمارية الأوروبية التي تخدم ذاتها لـ “أفريقيا السوداء” والأساطير الثقافية الموازية لها (ميلر). تخاطر دراسات مثل هذه، التي رحب بها سعيد (’إعادة النظر في الاستشراق‘ 140؛ انظر أيضاً فيسواناثان 220)، بإفراغ التصنيف المؤسطر بالفعل للشرق، محولاً الاستشراق إلى كلمة رمزية لأي نوع تقريباً من عمليات الغيرية التي تنطوي على رسم خرائط لممارسات المعرفة/القوة المهيمنة على الشعوب التي يُنظر إليها، حتى لو كان ذلك مؤقتاً أو استراتيجياً، على أنها ’هامشية‘ ثقافياً أو ’غير متطورة اقتصادياً‘ أو ’ضعيفة‘ نفسياً. أنتج التركيز على الآليات الإدارية والتمثيلية عبر المحلية، أو ربما الأفضل القول، المعاد إضفاء الصبغة المحلية عليها للاستشراق بعض الدراسات القوية المناهضة للاستبداد: في اليابان وأمريكا اللاتينية، على سبيل المثال، وفي العديد من مناطق العالم الذي جرى استعماره سابقاً. إلا أنه كما هو متوقع، فإن الاستخدام الخطابي الفضفاض لتصنيف الشرق الذي شجعه مثل هذا النهج أدى في بعض الأحيان إلى إعادة نحت الثنائيات ذاتها (’الغرب‘ في مقابل ’البقية‘ أو، من قبيل المفارقة، ’الغرب‘ في مقابل ’الشرق‘) التي ذهب سعيد نفسه إلى حد بعيد سابقاً لمقاومتها.

            يظهر هنا نمط ثان من الاستجابة للاستشراق، والذي يمكن أن نسميه ’إعادة أشرقة‘ الاستشراق (الكتاب). ضمن هذا النمط، يتم إما إعادة إنتاج الاستراتيجيات الاقصائية والمعطلة للاستشراق عن غير قصد من قبل أولئك الذين يسعون إلى كشف أمثلة بديلة لمجريات عملها (’الاستشراق المناهض للاستشراق‘) أو يتم نشرها عن وعي من قبل أولئك الذين يبنون أنفسهم كضحايا للغرب وينقلبون ضد خصومهم، في إشارات متصلبة للفخر الجماعي والانتقام المستحق المناهض للامبريالية (’الاستغراب‘). تطرح ظاهرة ’الاستشراق المناهض للاستشراق‘، على وجه الخصوص، تساؤلات حول ميول التكرار الذاتي للاستشراق، التي تصفها بدقة إشارة جيمس كليفورد شبه الدفاعية بأن كتاب سعيد، على الرغم من كل قوة نقده، “يظهر أحياناً أنه يقلد الخطاب الماهوي الذي يهاجمه” (262). وسأعود إلى هذه الإشارة بالتفصيل لاحقاً، من خلال قراءة إعجاز أحمد اللاذعة للاستشراق. في الوقت الحالي، يكفي أن نشير إلى فئة ثالثة من الاستجابة لنص سعيد تثير الانتباه، صراحةً أو ضمنياً، إلى الاستشراق غير المقدر للاستشراق نفسه. هذه النظرة المعادية إلى حد كبير إلى الاستشراق (الكتاب) مبنية على سلسلة من المفارقات المحرجة على ما يبدو: وهي أنه يعيد إنتاج الأساليب السردية والتجميعية والأبوية بكل أناة للمستشرقين “الرئيسيين”؛ وأنه يعيد التعميم الثقافي وعبر التاريخي الواسع النطاق في خدمة الخبرة السلطوية؛ وأن إصراره المخالف للبديهة على ما يبدو على الاتساق الداخلي في الاستشراق لا يتماشى مع الأساليب الخطابية المستوحاة من فوكو نفسه عند سعيد (لكنه يظل متماشي بشكل لا يمكن إنكاره مع المناورات التي تمنح لنفسها السلطة للاستشراق الكلاسيكي نفسه)؛ وأنه يجمع شرقاً نصّياً بهدف إرساء سلطة فكرية عليه، حتى لو لم يُسمح لهذا الشرق “التأملي النصي” أبداً، مثل نظيره التاريخي في القرن التاسع عشر، بتسهيل السيطرة على الشرق الجغرافي باعتباره ’فضاء اقتصادي وإداري وحتى عسكري‘ (الاستشراق 210).

وجهة نظري الخاصة أن هذه الانتقادات صحيحة إلى حد كبير، حتى لو كانت تقترب من شكل التنفيس المنطوي على التهنئة الذاتية الذي ربما يكون شبيه أكثر بالاستجابات من النوع الثاني (’الاستشراق المناهض للاستشراق‘ و/أو “الاستغراب”) على عمل سعيد. ما يهمني في هذا الفصل بالذات، ليس إنتاج قائمة بعمليات القراءة (إساءة القراءة) للاستشراق، لكن إظهار العلاقة بين المعرفة والقوة والسلطة المستمدة من الطرق التي تمت قراءته بها. قراءته وعد قراءته، أو على الأقل قراءته بصورة منفصلة أو بشكل انتقائي؛ لأن أحد أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في الملحمة المستمرة من (عدم) قراءة الاستشراق كان الميل لتجاوز النص، إما من أجل إعلان ولاء سياسي أو في محاولة أكثر تستراً لجعل الكتاب دلالة على كامل عمل المؤلف. هذا الميل أكثر إثارة للاهتمام بالنظر إلى الصلات التي أقامها سعيد نفسه بين النصية الاستشراقية والقراءة. المستشرقون، كما يشير سعيد، أنتجوا – من بين عدة أمور أخرى – نوع من الدليل الجماعي للقراء الغربيين غير الملمين، لكنه دليل لا يُعرفهم بقدر ما يؤكد لهم ما يعرفوه بالفعل (الاستشراق 81). وبالتالي التوتر التأسيسي في الاستشراق بين الحاجة إلى مراكمة المعرفة العلمية المفصلة للشرق والرغبة في اللجوء مرة أخرى إلى الصيغات الوصفية التي تحولها إلى نسخة مما كان معروف بالفعل من قبل. كان هناك حاجة إلى مزيد من المعرفة، لكنها لم تكن حاجة ماسة لإن الشرق كان معروف بالفعل (أو على الأقل مُخمن بشكل ذكي)؛ كان هناك حاجة إلى مزيد من القراءة، لكنها لم تكن حاجة ماسة لأنها أكدت ما تم كتابته من قبل. وهكذا تم إضافة صور الشرق إلى مخزون التمثيلات المألوفة، في حين أن هذه الصور الفردية تم إنتاجها لتمثل في شكل كناية الشرق ككل. وظهر الاستشراق كنظام منسق من التمثيلات، منظم إلى حد كبير من خلال التمثيلات المحددة بالفعل، التي تديم نفسها على المستوى المؤسسي، لتصبح في نهاية المطاف “رسمية بالكامل في نسخة مُنتجة بشكل متكرر من نفسها” (الاستشراق 197). كونه توجيهياً بدلاً من أن يكون وصفياً، فإن نظام التمثيل الاستشراقي كان يميل إلى أن يعوق معرفة الشرق كما أنه يميل إلى أن ينتجها. ومن المؤكد أنه كان غير راغب في إنتاج معرفة جديدة: فواقعه المتناقض كان إنه عزز “موقف نصي” أو نزعة مسبقة سمحت بإعادة كتابة الشرق بشكل منتظم، لكنها منعت فعلياً قراءته نقدياً (الاستشراق 80–81). الآن، بينما يمكن إثارة الاعتراضات على وصف سعيد الاستفزازي لقدرات الاستدامة الذاتية للاستشراق، فإن اعتراضي هنا مختلف، وربما يكون بطريقته الخاصة مستفز بشكل متساوي: أن الاستشراق (الكتاب) كثيراً ما يتم تناوله عن طريق الاستشراق (الطريقة)؛ وأن الأثر الجانبي للاستشراق (الطريقة) هو نزعة تنطوي على مفارقة غريبة للكتب ذاتها التي يعتمد عليها في الحيلولة دون قرائته نقدياً. بقية هذا الفصل تنحو إلى حد ما نحو شرح ما قد يكون على المحك في مثل هذه القراءة النقدية، بدءاً بتعليقات سعيد نفسه الاسترجاعية على الاستشراق ووصولاً إلى إلقاء نظرة موجزة على كيفية استجابة ثلاثة نقاد موهوبين مناهضين للاستشراق – إعجاز أحمد ومايدا يغينوغلو وديفيد كاندين – على الكتاب بطريقة استباقية بشكل مذهل، حتى أنه يبدو وكأن خطوطه العامة كانت معروفة لهم قبل قراءته بالفعل.

في مقدمة البدايات (1975)، يميز سعيد بين ‘البدايات’ و’الأصول’. حيث يقول ‘الأخيرة إلهية، أسطورية، ومتميزة” بينما ‘الأولى علمانية ومنتجة بشرياً ولا تتوقف عملية إعادة فحصها’ (xiii). بالنسبة إلى سعيد، ألهمت فكرة إعادة الفحص النزعات التعديلية الأخيرة للذاكرة المضادة والمحفوظات، لتحي اتجاهات فكرية مثل ‘نقد الهيمنة  […] و [إعادة تقييم] التاريخ المقموع (المؤنث، غير الأبيض، غير الأوروبي، إلخ.)’ (xii). البدايات كما يشير سعيد تجديدات بدلاً من أن تكون تكرارات أو إعادة ظهور؛ البدايات بهذا المعني تدور حول صنع الاختلافات أو إنتاجها: هي مساوية للبداية مرة أخرى (xvii). بالنسبة إلى سعيد، يمكن فهم البداية من ناحيتين على أنها نية وعلى أنها تدخل نقدي: وكما يقول فإن الوعي النقدي سهل ‘العملية المستمرة هذه من إعادة تجربة البداية والبداية-ثانية التي لا تتمثل قوتها في إنشاء السلطة ولا في تعزيز الأصولية لكن في تحفيز النشاط الواعي ذاتياً والقائم، وهو نشاط أهدافه غير قسرية ومجتمعية’ (ص). في هذا الجزء من الفصل، أود أن أقيس إلى أي مدى تقف الروح التدخلية للبدايات، و “البدايات-ثانية”، وراء استجابات سعيد نفسه للاستشراق، التي تصوره الكثيرين، ربما بدون تفكير، على أنه عمل نقدي “تأسيسي”. (انظر، على سبيل المثال، أشكروفت وآخرون). أود أيضاً استخدام مفهوم سعيد عن “الوعي النقدي”، الذي تم تفصيله في أعمال لاحقة مثل العالم والنص والناقد (1983) و الثقافة والإمبريالية (1993)، لفحص الحجة التي يقدمها في عمله من أجل نوع معين من القراءة: نوع ينفتح على ما يسميه الأهداف “غير القسرية والمجتمعية” للنشاط الفكري، وهذا ينبه إلى حالات التواطؤ وميول تضخيم الذات في العمل الأكاديمي الحديث.

كانت أول استجابة مفصّلة لسعيد للاستشراق المقالة المؤثّرة التي تعود إلى عام 1985 بعنوان ’إعادة النظر في الاستشراق‘، وهو مقال أدى في حد ذاته إلى العديد من عمليات إعادة النظر النقدية، بعضها أكثر تطرفاً من المرة الأولى، لمكان السياسة الثقافية في عمل سعيد المجمع. من جانبه، سعيد مرتاح إلى حد كبير في مقالته لتكرار الأفكار المركزية وراء الاستشراق: ذلك أنه يرسم بشكل عام تاريخ يمتد لأربعة آلاف عام من العلاقات الثقافية بين أوروبا وآسيا؛ وأنه بشكل أكثر تحديداً، يشير إلى تخصص علمي، ظهر في أوائل القرن التاسع عشر، متخصص في ‘دراسة مختلف الثقافات والتقاليد الشرقية’؛ وأنه، من الناحية الأيديولوجية، يضفي الشرعية على تداول صور وخيالات الشرق الذي صُممت، في جزء كبير منها، لتأكيد السلطة الابستمولوجية للغرب (’إعادة النظر في الاستشراق‘ 128). وكما فعل في الكتاب السابق، يعترف سعيد باستثماره الشخصي في الاستشراق كجزء من ’المناقشات والصراعات والتفسيرات الحالية للعالم العربي الإسلامي‘ (’إعادة النظر في الاستشراق‘ 129). ومع ذلك، يذهب سعيد إلى أبعد مما ذهب في الاستشراق للاعتراف بانخراطه الشخصي في الأمر، لأنه كما يقر، لا توجد نقطة نظر موضوعية شاملة ’خارج‘ الشرق يمكن من خلالها فهم الشرق، والاستراتيجيات المستخدمة لتمثيله، بشكل موضوعي (’إعادة النظر في الاستشراق‘ 30-129). ومع ذلك، فإن اعتراف سعيد يزيد فقط من حدة تصريحه بأن الشرق، عموماً، والعالم العربي، على وجه الخصوص، قد تم بناؤه في كثير من الأحيان على أنه ‘الآخر الصامت لأوروبا’، حيث تم تجميده في مكانه باعتباره عناصر ثابتة لنظرة غربية تفضل ذاتها (130-31). وهكذا، في حين أنه يقر في البداية بالتنوع الواسع من الاستجابات الأكاديمية الغربية المفيدة التي تلقاها على الاستشراق، إلا إنه يشير بعد ذلك إلى أن العديد من الذين ردوا عليه استمروا، ربما بدون قصد، في إسكات أصوات أولئك الذين بدا أنهم يريدون التحدث نيابة عنهم (127-28).

ومع ذلك، فهو يؤكد أن حوار الصم هذا تطور على جانبي الانقسام الشرقي / الغربي، ليس فقط في أنواع معينة متعاطفة من النقد الغربي المناهض للاستشراق، لكن أيضاً في تلك القراءات المناهضة للغرب (التي يسميها سعيد “التأصيلية” أو “الأصولية”) التي اختارت إساءة تفسير الاستشراق، من موقع “الإطلاع الثقافي”(142)، كدفاع عن الإسلام أو إدانة بالجملة لآثام الغرب (132). ومن عجيب المفارقات إذن أن سعيد يرى أن كتابه قد أصبح موضع استقبال استشراقي وقع النقاد غالباً فيه في استشراق بديل، ونقاد النقاد كانوا غير راغبين أو غير قادين على إشراك النقاد في ‘تبادل فكري حقيقي’ (132).

هنا، كما في كثير من الأحيان في عمله، يترك سعيد نفاد صبره يستحوذ عليه، ليشن هجوماً شاملاً على “الجهل البرمجي” للقراء، مثل دانيال بايبس، الذين هم مجرد أذناب للإمبريالية الأمريكية الجديدة أو، مثل برنارد لويس، الذين هم مدافعون ضمنيون عن الصهيونية، على الرغم من إصرارهم النفاقي على أن دراساتهم للشرق والعرب والإسلام ليست ’سياسية‘ على الإطلاق (133-35). من الأفضل ألا نقرأ على الإطلاق، كما يقول سعيد ضمنياً، على أن نقرأ بهذا الأسلوب المتسرع الذي لا يستحق إلا الاستنكار، حيث تظهر في هذه العملية ’معادة شاملة ومتهورة للفكر لا يقيده أو يعيقه أدنى أثر للوعي الذاتي النقدي‘ (133). وتجدر الإشارة هنا إلى أن سعيد لا يميل إلى نسب ’الوعي الذاتي الناقد‘ إلى أولئك الذين يختلفون معه – إلى أولئك الذين “قرأوه” لكن دون أن يقرأوه، إذا جاز التعبير، أو لأولئك الذين قرأوه لكن إما كانت لديهم الجرأة لرفضه أو فلترة عمله بطريقة تسمح لهم فقط برؤية ما كانوا يريدون صراحة رؤيته. تتأرجح قراءة سعيد الخاصة لعمله، على نحو مشابه، بين نفس شكل التحزب السياسي الذي يسارع إلى السخرية منه في الآخرين وتهذيبه لوعي نقدي ’غير مركزي‘ قائم، على النقيض من الاستشراق، على “نماذج استقصائية مفتوحة للتحليل، وملتزمة ’بتفكيك أنظمة الهيمنة‘، مثل الاستشراق، الذي يتم ’الإبقاء عليه بصورة جماعية‘ (141-43). نوع القراءة الذي يفضله سعيد، على الرغم من أنه لا يمارسه بنفسه بالضرورة، لا يشير فقط نحو إمكانية البدايات الجديدة، لكن أيضاً نحو ’لا شيء أقل من خلق عناصر جديدة لنوع جديد من المعرفة‘ (129).

يجب هنا ذكر محاولتين إضافيتين من جانب سعيد لبدء الاستشراق ثانية – لأخذ “نظام المعرفة المهيمن” وتمزيقه لتهيئة الظروف ’لنوع جديد من المعرفة‘. كانت هاتين المحاولتين الكلمة الختامية لطبعة 1995 من الاستشراق والمقدمة لطبعة عام 2003، وهي واحدة من آخر النصوص التي أكملها سعيد قبل وفاته. في الكلمة الختامية لطبعة 1995، يكمل سعيد من حيث أنتهى في ’إعادة النظر في الاستشراق‘. بعد أن يقر أن الاستشراق، ’قد أصبح بطريقة بورغية إلى حد كبير كتب مختلفة‘، ينطلق سعيد في وصف ما يقرب من العقد من الاستقبال، ’ليقرأ مرة أخرى في الكتاب‘ ما قاله العديد من مقدريه ومنتقديه (الاستشراق 330). وكما هو الحال في ’إعادة النظر في الاستشراق‘، يقلل سعيد من شأن أولئك الذين رأوا الكتاب باعتباره ’معادي للغرب‘ أو باعتباره احتفاء صرف بالقضية العربية الجماعية. يتذمر سعيد قائلاً: ’لا يكاد يعرف المرء ما يجب فعله بعمليات التبديل الكاريكاتورية هذه لكتاب بالنسبة إلى كاتبه وفي حججه معادي صراحة للأصولية، ومتشكك بشكل راديكالي في جميع التصنيفات مثل الشرق والغرب، وحريص كل الحرص على عدم ’الدفاع‘ أو حتى مناقشة الشرق والإسلام” (331؛ التأكيد موجود في النص الأصلي). جانب كبير من الحجج في ’إعادة النظر في الاستشراق‘ (وفي الواقع في الاستشراق نفسه) مكررة: ’الشرق‘ و’الغرب‘ ’مزيج من التجريبي والخيالي‘، ولا يجب بأي حال من الأحوال النظر إليهما على أنهما مقابلين لعالم أنطولوجي ثابت (331)؛ الاستشراق ’ليس مجرد الدراسة العتيقة للغات والمجتمعات والشعوب الشرقية‘، بل ’نظام فكري متطور يتناول واقع إنساني متباين وديناميكي ومعقد من وجهة نظر ماهوية غير نقدية‘ (333)؛ يفترض الاستشراق قاريء غير شرقي بقدر ما يتعلق الأمر ’بخطاب الاستشراق واتساقه الداخلي ]هكذا وردت[ واجراءاته الصارمة، جميعها مصممة لقراء ومستهلكين في الغرب المتروبولي‘ (336). ويتبع هذا السرد المألوف بعد ذلك عملية نسف مألوفة لبيرنارد لويس، عدو سعيد الفكري، الذي ’بالكاد يخفي إسهابه كل من الأسس الإيدلوجية لموقفه وقدرته غير العادية على فهم كل شيء تقريباً بشكل خاطيء‘ (343). ويتحدث سعيد بحدة عن أن لويس وأتباعه متخصصون في ’الصياغة المتقنة لأنصاف الحقائق الإيدلوجية [بقصد] تضليل القراء غير المتخصصين‘ (346)، وبذلك يعيدون تأكيد الأحكام المسبقة نفسها التي صُمم كتابه صراحة لمعارضتها. هذه هي الحجج التي يجدها المرء، مراراً وتكراراً، في الاستشراق: أن عمليات إساءة القراءة والتفسير الروتينية يمكن أن تكون لها عواقب مدمرة على أولئك الذين يساء قراءتهم أو فهمهم؛ وأن سعة المعرفة في خدمة الجهل هي شكل آخر من أشكال الجهل؛ وأن القراءة نفسها قد تنتج معرفة – كما هو الحال في معرفة الشرق – تؤكد  سلطة العارف دون خلق إمكانيات جديدة للفهم أو توسيع حدود المعروف.

كما هو الحال في ’إعادة النظر في الاستشراق‘، يُسلم سعيد ببعض النقاط، ألا وهي “الإنجازات العلمية والإنسانية” (الاستشراق 342) للبعض على الأقل من ممارسي الاستشراق، أو ميل الاستشراق إلى الاعتراف بانجذابه الخاص إلى أعمال الكتاب والعلماء والإداريين الذين ’أحتقروا بوضوح أو كرهوا [بقوة] المشرقين الذين إما [درسوهم] أو [حكموهم]‘ (336). ومع ذلك تنطوي الكلمة الختامية لطبعة عام 1995 على نص تصديقي. وهذا ما تؤكده وجهة نظر سعيد بأن بعض أعماله اللاحقة – الثقافة والإمبريالية، على سبيل المثال – كانت في المقام الأول تعظيماً للأطروحات ’الثقافية‘ الحاكمة في الاستشراق، بدلاً من أن تكون خروجاً عنها؛ وحول العلاقة التكافلية بين الثقافة والإمبراطورية؛ وحول الطابع التهجيني المؤسس للثقافات؛ وحول استمرار وجود الاستشراق كشكل من أشكال النشاط البشري المقصود – كعمل ثقافي (349). لكن إذا كان سعيد نفسه يميل دائماً إلى العودة إلى الاستشراق بدلاً من إعادة مراجعته، فإنه يقدر أيضاً جهود الآخرين لدفع قراءاتهم للنص إلى مبادرات تحررية خاصة بهم. كما يقول سعيد بفخر في الكلمة الختامية:

كنت أنوي من كتابي أن يكون جزءاً من تيار فكري قائم كانن هدفه تحرير المفكرين من أغلال أنظمة مثل الاستشراق: كنت أريد من القراء أن يستفيدوا من عملي حتى يتمكنوا بعد ذلك من إنتاج دراسات جديدة خاصة بهم تضيء التجربة التاريخية للعرب والآخرين بأسلوب سخي ومُمكّن. حدث هذا بالتأكيد في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وشبه القارة الهندية ومنطقة البحر الكاريبي وأيرلندا وأمريكا اللاتينية وأجزاء من أفريقيا. إلى الدراسة المتجددة للخطابات الأفريقية والهندية، وتحليلات تاريخ التابع، وإعادة تشكيل أنثروبولوجيا ما بعد الاستعمار، والعلوم السياسية، وتاريخ الفن، والنقد الأدبي، وعلم الموسيقى، بالإضافة إلى التطورات الجديدة الواسعة في الخطابات النسوية وخطابات الأقليات – إلى كل هؤلاء، يسرني ويشعرني بالامتنان أن الاستشراق قد أحدث فرقاً. (340)

تعيد مقدمة عام 2003 المحدثة إصدار الإطراء، مع توضيح مهم. يتألف التوضيح من دفاع ملتهب عن الفلسفة الإنسانية وقدرة النقد الإنساني على ’فتح […] مجالات النضال، لإدخال سلسلة أطول من الفكر والتحليل [الذي قد] يحل محل الدفقات القصيرة من الغضب الجدلي الذي يوقف التفكير، ويحبسنا في إطار مسميات ونقاشات عدائية هدفها تشكيل هوية جماعية عدوانية بدلاً من الفهم والتبادل الفكري‘ (الاستشراق xvii). الفلسفة الإنسانية لدى سعيد، والتي هي نفسها موضع نقد دائم، يُعاد التأكيد عليها هنا بنبرة متفاخرة: ليس كذريعة للتقليدية المشوبة بالحنين إلى الماضي، لكن بدلاً من ذلك كأداة ’للتحليل التفسيري العقلاتي‘ في وقت نحتاج فيه إلى ’البحث الصبور والمتشكك‘ للتصدي إلى الحاجة المفترضة إلى ’الفعل ورد الفعل الفوري‘، ونحتاج فيه بنفس القدر إلى استعادة الإحساس المفقود ’بكثافة وترابط الحياة البشرية‘ في عالم ’غالباً ما يتجرد من إنسانيته إلى أبعد حد‘ (xx، xxii). تكشف سياقات المقدمة – استمرار العنف في إسرائيل / فلسطين، والعقيدة الأصولية والتعصب، وعمليات الغزو الحربي بعد 11 سبتمبر لأفغانستان والعراق – عن سعيد أكثر اهتماماً من أي وقت مضى بالتسميات المميزة بشكل فج التي يخلعها الناس على بعضهم البعض، وبعدم وجود خطاب منطقي قد يساعدهم على التصالح مع تاريخ متكرر من الصراع، وكذلك على التغلب على التعقيدات المشحونة في عالم العولمة المعاصر. ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هذه السياقات تكشف أيضاً عن إصرار سعيد على قيمة الأبحاث الإنسانية واعتمادها التكافلي على ’ثقافة الكتاب […] والمبدأ العام للعقل الذي حافظ على الفلسفة الإنسانية كتخصص تاريخي’ (xx). هذه الثقافة، التي تحل محلها على نحو متزايد ’المعرفة ]المعارف[ المجزأة‘ من وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت، يراها سعيد الآن بشعور يملؤه أكثر من مجرد الأسى أنها ’أختفت تقريباً‘ (xx). وتعود القراءة هنا للظهور على أنها كلمة السر لنوع التحليل التفسيري الصبور الذي نحتاج إليه لتعويض المفاهيم النمطية عن أنفسنا والآخرين، مما يسمح لنا في نهاية المطاف ’بالعيش معاً بطرق أكثر إثارة بكثير من تلك التي يمكن أن يسمح بها أسلوب الفهم المختصر وغير الأصيل‘ (xxii). وهي القراءة الأفضل لتعزيز تطوير ’الوعي النقدي غير المركزي‘ – لكن ليس أي قراءة، بل القراءة بالطريقة التي يسميها سعيد، على نحو يثير الإشكال وإن كان معتاد، ’المعنى الدقيق للكلمة‘ (xxii). بعبارة أخرى، القراءة من النوع الذي يحفز التأويل والنقاش والمحاجاة العقلانية، والذي يستنير بالمبادئ الأخلاقية القوية التي تعزز فكرة أن التاريخ يصنعه ويعيد صنعه البشر في عالم علماني حديث (xxii) . ولا يحرص سعيد، على نحو مفهوم، على الإطالة في نقطة ما إذا كانت هذه القراءة مختلفة جداً عن قراءة العديد من المستشرقين الأوروبيين. على الرغم من ذلك، كان منتقدي سعيد كما هو متوقع يقظين للتناقضات الواضحة في فلسفته الإنسانية؛ وتظهر هذه التناقضات بوضوح، صراحة أو ضمنياً، في القراءات الثلاثة التالية.

لعل أكثر الهجمات ضراوة على الاستشراق كانت للناقد الماركسي الجنوب آسيوي إعجاز أحمد، الذي ترك نقده البارز لسعيد وجيمسون وعدد من المفكرين اليساريين البارزين في كتابه واسع النطاق في النظرية: الطبقات، القوميات، الآداب (1992) جانب كبير من العالم الأكاديمي متساءلاً أين يمكن لأحمد نفسه العثور على أصدقائه إذا كان يمكنه تحويل هؤلاء الحلفاء المحتملين بمثل هذه القوة إلى أعداء. وفي فصله عن سعيد، لا يضيع أحمد وقتاً طويلاً في الانتقال إلى الهجوم. ففي حين يعبر أحمد عن تضامنه مع مناهضة سعيد للصهيونية و ’موقعه تحت الحصار في وسط أمريكا الإمبريالية‘ (160)، إلا إنه يعارض بشدة أساليبه التاريخية والنظرية، التي يرى أنها تمزقها ’التناقضات‘ و ’أساليب الإلغاء الذاتي‘، وبخاصة في الاستشراق لكن أيضاً في كثير من أعماله اللاحقة (219). بعض من انتقادات أحمد – وهناك الكثير منها – هي كما يلي: أن محاولة سعيد لكتابة تاريخ مضاد للتقاليد الأدبية الأوروبية التي يمكن طرحها في مواجهة، “المحاكاة” لإريك أورباخ (1946) على سبيل المثال، تقع في إطار نفس الفلسفة الإنسانية النخبوية التي تأخذ منها إلهامها (163-64)؛ وأن هذه الفلسفة الإنسانية المثالية تتناقض مع وعي سعيد بتواطؤ الفلسفة الإنسانية الأوروبية في تاريخ الاستعمار الأوروبي، وبالتالي تخاطر بتحويل الاستشراق ليس إلى عمل تاريخي مضاد استراتيجياً، بل إلى عمل تاريخي مضاد تأسيسياً (167)؛ وأن الاستشراق مضطرب من الناحية المنهجية، ’يدين بتقريع فوكوي ما يحبه [أيضاً] بشغف أورباخي (نسبة إلى إريك أورباخ)‘، و’بشكل متبادل يقوض ويمتدح إلى عنان السماء ومرة أخرى يقوض نفس الكتب [الأوروبية المعتمدة]، كما لو كان قد تعرض [بطريقة ما] للخيانة من مواضع شغفه‘ (168)؛ وأنه يكرر تكتيكات الاستشراق (الطريقة) برفضه الالتفات إلى الطرق العديدة التي رد بها المستشرقون غير الغربيين على التصورات السائدة للشرق في الغرب أو قاوموها أو دحضوها (172)؛ وأن الاستشراق (الكتاب) يظل مرتبكاً فيما يتعلق بما إذا كان الاستشراق (الطريقة) نتاج ثانوي تاريخي للاستعمار أو ما إذا كان عنصراً مؤسساً ’للخيال الأوروبي‘، بداية من الأغريق حتى يومنا هذا (181)؛ وأنه مرتبك بنفس القدر حول ما إذا كان الاستشراق مجموعة متشابكة من التمثيلات الخطابية أو سجل متراكم من التمثيلات الخاطئة بالمعنى الواقعي الضيق (185-86)؛ وأنه يذهب إلى حد بعيد ليجعل من هذه التناقضات الظاهرة وغيرها جذابة للجماهير المختلفة في نفس الوقت، من خلال رفع التناقض إلى مستوى أن يكون طريقة، ومن خلال تقديم  المبرر ’لقول أشياء متناقضة تماماً في نفس النص‘، لكن يترتب على ذلك أن كل عبارة رئيسية تلغي الأخرى” (175).

يسجل أحمد عدداً من الأهداف الواضحة هنا. ومع ذلك، على غرار سعيد، لديه ميل لترك فصاحته تستحوذ عليه، وفي هذا الفصل يثبت براعة فريدة في مقارعة تعميمات خصمه الشاملة بالعديد من التعميمات من عنده. ولذلك نجد عبارات، منسوبة إلى سعيد بشكل مدهش، من قبيل أن ’جميع المعارف الأوروبية عن أي شيء غير أوروبا معارف سيئة لأنها ملوثة بالفعل بتشكيل الهوية العدواني ]للاستشراق[‘؛ أو في نفس الصفحة، أن ’الأوروبيين غير قادرين علمياً على إنتاج أي معرفة حقيقية عن أي شيء غير أوروبا‘ (178). لا يكاد المرء يعرف أي كتاب يشير إليه أحمد هنا؛ وبالتأكيد هذا ليس الاستشراق. لماذا هذا الاستنكار العاطفي لكتاب يخضعه أحمد لأكثر القراءات عن كثب، ومع ذلك يبدو إنه في أحيان أخرى، لم يقرأه على الإطلاق؟ يتضح أن معاداة سعيد للماركسية – كما هو متوقع – هي السبب الجذري لمشكلة أحمد، حيث لا يخشى الأخير إعلان ألوانه الحقيقية. وهي حمراء جداً. حيث يشير أحمد على نحو لاذع إلى أن نجاح الاستشراق كان غير مفاجيء، بالنظر إلى المناخ السياسي السائد للمحافظين الجدد الذين كانت فيه ’الفلسفات الرجعية المناهضة للإنسانية بشكل واضح‘ (192) لدى فوكو ودريدا وغيرهم فكرياً في صعود، وكذلك سياسة الهوية الماهوية الفجة التي قسّمت العالم بدون مبالاة إلى آداب ’أوروبية‘ و ’غير أوروبية‘، مجتمعات ومجموعات ثقافية ’مهيمنة‘ عالمياً و ’مهمشة‘ تاريخياً. هذه الصورة الكاريكاتورية للسياسات الأكاديمية الغربية في أواخر السبعينيات ووصولاً إلى الثمانينيات ربما تكون قد اكتسبت من بعض الرؤية التاريخية التي يتهم أحمد سعيد بأنه لا يمتلكها؛  وبالمثل، يمكن القول إن إحدى التهم الرئيسية التي كان يوجهها إلى سعيد – الافتراض الماهوي بوجود تقسيم أنطولوجي بين “الغرب” و “الشرق”، بين المجتمعات والثقافات “المستعمِرة” و “المستعمَرة” –  مكررة في بلاغته المشحونة نفسها واستحواذه على دور المتحدث باسم “غير الغرب” الضحية.

الشيء المثير للاهتمام في هجوم أحمد ليس مستوى ضراوته ولا قراءته المهملة للاستشراق وأعمال أخرى مختارة لسعيد. لكنني أود القول أن المثير للاهتمام فعلاً هو الخصائص التي يشترك فيها مع الاستشراق: الضعف أمام المجادلة، والذي عادة ما يتم نقله إلى هيكل سلطوي آخر؛ الاستخدام العضلي للبلاغة وسعة المعرفة لتتطويق الخصم الذي تكون وجهات نظره خاطئة أو مضللة بشكل واضح جداً على نحو يدعو للهجوم؛ وأخيراً وليس آخراً، معركة الكتب التي يشجعها هذا الاستخدام للبلاغة وسعة المعرفة، حيث يبارز المفكر مع المفكر على أساس الفهم التاريخي والنظري المستمد مما قراؤه أو لم يقرأوه “بشكل صحيح.”

هذا الميل إلى ’التغلب في الاستشراق‘ على الاستشراق واضح أيضاً في النقد النسوي لدراسة سعيد، الذي يعزز بعضاً منه على الأقل نوع التفكير الثنائي الذي يسارعون في إتهام سعيد بممارسته، لكنهم يرون أعمالهم (من خلال تجاوز النشاط التفكيكي الكبير في نص سعيد نفسه) تسعى لتفكيكه وزعزعته. المثال الذي اخترته هنا هو دراسة عالمة الاجتماع التركية مايدا يغينوغلو في كتابها الخيالات الاستعمارية (1998)، الذي يعلن عن نفسه في عنوانه الفرعي على أنه يعمل “نحو قراءة نسوية للاستشراق” (الطريقة، على الرغم من أنه كما يتضح سريعاً، هذه الطريقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بآليات نص سعيد الذي أعطى اسمه للمجال). لابد من القول أن الخيالات الاستعمارية خطوة جيدة إلى الأمام منطلقة من العديد من النُهج النسوية السابقة إلى الاستشراق التي افترضت بشكل خاطئ العمى الجنساني لطرق سعيد أو حكمت عليه مبكراً بأنه ينضم إلى الصفوف المحتشدة من المستشرقين، ليعزز بذلك من الخصوصية الجنسانية الذكورية للاستشراق ويعطي الانطباع بأن جميع المستشرقين، كما يقول وردزورث، رجال يتحدثون إلى رجال آخرين (انظر على سبيل المثال إمبرلي ولويس). ومثل معظم هؤلاء النقاد السابقين، تعتقد يغينوغلو  أن هناك علاقة بين إنتاج الاختلافات الثقافية والجنسانية في الاستشراق، وأن التمثيلات الأخرى للآخر الشرقي تتطلب فهم الطبيعة اللاواعية للخيالات والرغبات الذكورية الغربية. وهي تشير إلى أن الشرق ’خيال قائم على الاختلاف الجنسي‘ (11): ومع ذلك فهو اختلاف ظل في كثير من الاحيان غير محسوب حسابه ومطموس استراتيجياً. ومع ذلك، فهي تقصر عن اتهام سعيد نفسه بالتآمر في هذا الطمس؛ ففي النهاية، يعترف بسهولة في الاستشراق بأن ’الاستشراق [غالباً ما كان] مقاطعة ذكورية حصراً؛ ومثل العديد من النقابات المهنية خلال الفترة الحديثة، نظر إلى نفسه وموضوعه بغمامات جنسية‘ (الاستشراق 207). ما تعترض عليه هو إشارة سعيد بأن الشرق كموقع جنسي ليس ’مجال لتحليله ]الخاص[‘ (الاستشراق 188)؛ كما لو كان ما يسميه، تبعاً لفرويد، البناءات (الجنسية) ’الكامنة‘ و(الثقافية) ’البادية‘ للآخر الشرقي يمكن بطريقة ما فصلها عن بعضها (الاستشراق 206). وهذا اعتراض معقول؛ لإنه كما تقول يغينوغلو بطريقة مقنعة، فإن الخيال الجنسي وإنتاج الاختلاف الجنسية يشكلان أساساً للاستشراق، كما هو الحال في الرابط بين المعرفة (المتخيلة) عن الشرق وبين الرغبة الجنسية (اللاواعية). ما هو أقل إقناعاً هو إصرارها على أن ’رغبة الذات الغربية في الآخر الشرقي تتوسطها دائماً الرغبة في الوصول إلى فضاء نسائه وإلى جسد نساءه وإلى حقيقة نساءه” (يغينوغلو 62-73). وفي حين أنها على حق في أن ’عملية أشرقة الشرق هي عملية تتداخل مع تأنيثه‘ (73)، إلا أن إصرارها على أن الشرق يتوسطه دائماً المؤنث يبالغ بوضوح في هذه المسألة بينما يعيد ترميز عملية الأشرقة في ما يبدو أنها مصطلحات مغايرة جنسية حصراً. ومما يثير التساؤل بنفس القدر تأكيدها على الطابع المزدوج لنهج سعيد تجاه الاستشراق: الاستشراق ’الكامن‘ مقابل الاستشراق ,البادي‘؛ الاستشراق ’بالقياس الحالي‘ مقابل الاستشراق ’بالقياس ’التاريخي‘؛ الاستشراق ’العلمي‘ مقابل الاستشراق ’الحسي‘؛ وما إلى ذلك. هذه هي التصنيفات الثنائية التي يعترف سعيد بنشرها، لكنه أيضاً يناقشها ويتحداها مراراً وتكراراً، في الاستشراق؛ ومثل العديد من التحليلات الأخرى الموجهة نحو ما بعد البنيوية للاستشراق، يبدو أن يغينوغلو  مترددة في الاعتراف بالنشاط التفكيكي القائم بالفعل في العمل داخل النص. إلا أنه من المؤكد أن كتاب يغينوغلو  يكشف عن أنها، بشكل رئيسي، قارئة ومدققة متأنية للاستشراق، لكنها تخاطر بحرمان سعيد نفسه من مكانة مشابهة كقارئ ومدقق لنصه الخاص.

مثالنا الأخير، كتاب المؤرخ البريطاني ديفيد كانادين الزخرفة (Ornamentalism) (2001)، يحتل مكانة مختلفة، لأنه كتاب يعترف على مضض بعمل سعيد قبل الشروع على نحو مثابر في تجاهله، على الرغم من وجود الاستشراق كنوع من الدلالة الشبحية أو الإشارة الخفية التي تحوم خلف عنوان النص. الزخرفة يبتعد عن الاستشراق أكثر منه رداً عليه، تاركاً ’النهج ما بعد الاستعماري‘ إلى الإمبراطورية المستوحى من سعيد، من بين آخرون، متخلفاً في إثره (كانادين xv-xvi). ومثل العديد من المؤرخين المعاصرين الآخرين للإمبراطورية، لا يملك كانادين الكثير من الوقت للنقّاد ’ما بعد الاستعماريين‘ و / أو ’المناهضين للاستشراق‘، لدرجة أنه عادة ما يخلط بينهم ليرفضهم بعد ذلك: ليس بالدرجة الأولى لأنهم، كما يعتقد بعض هؤلاء المؤرخين (انظر، على سبيل المثال، ديوي وماكينزي)، غالباً ما ينتجون تاريخ سيئ، لكن بالأحرى لأنهم يركزون بشكل غير صحي على فكرة تفوق ’العرق‘ الأوروبي الأبيض. يعترف كانادين – وكيف يمكن له ألا يفعل ذلك؟ –- بأن العرق لعب دوراً في كيفية رؤية البريطانيين لإمبراطوريتهم، لكن العامل الكبير الذي جرت الاستهان به كان مفهوم الرتبة والمكانة الاجتماعية: حيث يقول كانادين ’المبدأ الهرمي الكامن وراء إدراك البريطانيين لإمبراطوريتهم لم يكن حصراً على أساس الترتيب الجماعي المرمز لونياً للمجموعات الاجتماعية، لكنه اعتمد إلى حد كبير على الترتيب الأكثر احتراماً المتعامي لونياً للمكانة الاجتماعية الفردية. وهذا يعني أنه كان هناك على الأقل رؤيتان للإمبراطورية كانتا في جوهرهما (وبشكل أكثر تفصيلاً) هرميتان: إحداهما تركز على اللون، والأخرى على الطبقة‘ (9). ما يعنيه هذا، كما يقول بشكل أكثر استفزازية ’أننا […] نحتاج إلى أن ندرك أن هناك طرقاً أخرى لرؤية الإمبراطورية أكثر من التصنيفات شديدة التبسيط للأبيض والأسود التي نشغل بالنا بها. حان الوقت لكي نعيد نحن توجيه الاستشراق‘ (125). من غير المؤكد من يجب إدراجه في ’ نحن ‘ التي يذكرها كانادين، ومن هو بالضبط الذي يشغل باله جداً ’بالتصنيفات شديدة التبسيط للأبيض والأسود‘، لكن سعيد ومن تابعه بالتأكيد بين أولئك الذين يفكر فيهم كانادين، حيث يشير أيضاً في الرد المبكر التالي إلى أن: ’الإمبراطورية البريطانية لم تكن حصراً (أو حتى في أغلبها) مهتمة بخلق “الآخر” على افتراض أن أطراف الإمبراطورية مختلفة عن  حاضرة الإمبراطورية: فقد كانت على الأقل بنفس القدر (أو ربما أكثر؟) مهتمة رسمياً بـ “بناء الصلات” [حيث كانت تعمل] على أساس الافتراض بأن المجتمع على الأطرف كان هو نفسه، أو حتى في بعض الأحيان يتفوق على، المجتمع في الحاضرة” (xix).

اقتراح كانادين بإعادة توجيه الاستشراق هو ’الزخرفة‘، التي من خلالها يفهم العرض الكبير الذي جعلت الإمبراطورية البريطانية من خلاله القيم الهرمية التي تمثلها جماعياً ’مرئية وجوهرية وفعلية‘ (122). ويشعر كانادين أن هذا ربما يكون تعميم كبير بنفس درجة التعميم الذي يتهم سعيد وأمثاله بارتكابه، حيث يقترح على نحو مثير للجدل، مع ذلك، أن ’النظرية والتطبيق للهرمية الاجتماعية [في المستعمرات] كانت تعمل على القضاء على الاختلافات، وعلى مجانسة التباين، في الإمبراطورية‘، إلى الحد الذي كان فيه أحد الجوانب التي لا يجري فهمه بالشكل الكافي للرسالة الحضارية البريطانية هو محاولة إنشاء نسخ أخرى من الهيكل الطبقي المعقد للمجتمع البريطاني ’في الوطن‘ (8-10).

أنا أقل اهتماماً هنا بصحة حجة كانادين (على الرغم من أن نبرتي تفضح على الفور كوني متشكك) من اهتمامي بالطرق التي يُقرأ بها الاستشراق، أو بالأحرى لا يُقرأ، في نسيج نصه. والشيء الأكثر وضوحاً هنا هو أن الاستشراق والنقد ما بعد الاستعماري الذي يرتبط به يُعاملان إلى حد كبير كتصنيفات واهية. يبدو أن كانادين مؤرخ في عجلة من أمره – وهو في الواقع في عجلة شديدة لدرجة أنه لا يشعر بالحاجة إلى تعريف أو شرح تصنيفات كاملة  للتحليل (الاستشراق، ما بعد الاستعمارية) التي يرفضها بصورة مقتضبة. وهذا أمر مؤسف، لأن نظرة عن قرب إلى الزخرفة تكشف عن صلات غير مرغوبة بلا شك مع “الاستشراق المناهض للاستشراق” المكرر الذي تعرض سعيد وآخرون للهجوم منه بشكل منتظم. حيث تم تشكيل التعميمات المترفعة بالقليل من الأدلة التاريخية أو الاجتماعية؛ واستبدال المجادلة مكان التحليل؛ وتجميع الحجة المناهضة للنخبوية، لكن باستخدام نهج نخبوي. إحدى العبارات التي يستخدمها إعجاز أحمد، ضد سعيد، يمكن توجيهها بنفس القدر ضد كانادين: ’يبدو أحياناً أن المرء تسحره قوة الصوت نفسه الذي يريد أن ينقضه‘ (أحمد 173). وبالتأكيد، يبدو أن كانادين في بعض الأحيان يشعر بالحنان تقريباً إلى الإمبراطورية التي ينقضها تحليله الطبقي، كما هو الحال في الفقرات التالية:

لم يعد رأس الكومنولث والمنصب السيادي القابل للتقسيم يتمتع بالهالة الملكية-الإمبراطورية الأيقونية للعهد القديم، رمزاً للوحدة والنظام والتبعية؛ وعلى الرغم من أن بزوغ عصر السفر جواً جعل من الزيارات [الملكية] أكثر سهولة وأكثر تواتراً، إلا إن التعود ساعد أيضاً على تقويض غموضها وسحرها. الرحلات التي كانت تستغرق ستة أشهر في البوارج البريطانية، والرحلات عبر القارات في القطارات الفاخرة، والجماهير المحتشدة من المتلهفين والمنتظرين، السلوك المتزلف للأمراء ورؤساء الوزراء الاستعماريين، والنبرات الخفيضة والموقّرة للصحفيين والمؤلفين: كل هذا رحل منذ زمن، ورحلت معه الفكرة القائلة بأن الملك كان التجسيد الأسمى للوحدة الإمبراطورية والتسلسل الهرمي. (169-70)

الحكم لم يصدر بعد حول ما إذا كان الاستشراق أحد الأعمال البارزة في العصر الحديث أو ما إذا كانت عيوبه تحكم عليه بالانتقال إلى مرتبة ثانوية؛ وما إذا كان سيتم تذكره باعتزاز لتحفيزه النقاشات النقدية عبر عدد كبير من التخصصات الأكاديمية المختلفة، أو على مضض، كونه عمل متناقض للغاية لا يكاد يستحق الاهتمام الذي ما زال يتلقاه رغم ذلك. أياً كان الحال، يبدو من المرجح أن الاستشراق سيبقى في قلب النقاشات الحيوية حول البحوث الغربية التي تمنح لذاتها السلطة، وسياسة التمثيل عبر الثقافات، والعلاقة بين الإنتاج الثقافي والقوة الإمبريالية، والامتيازات التي يجنيها ’العرق‘. ولا شك في أنه سيظل يُنظر إليه في بعض الأوساط على أنه استمراراً، وليس نقداً، لموروثات الاستشراق المفاهيمية، بينما كما أشرت هنا، ستستمر القراءات التي تكرر نفس هذه الاستراتيجيات ’الاستشراقية‘، في كثير من الأحيان باسم البحث الليبرالي والنقد المناهض للسلطوية. باختصار، ستستمر قراءة الاستشراق : بدقة، وبشكل انتقائي، وأحياناً بلا مبالاة. وفي بعض الأحيان، أشك في أنه قد يشير إليه أولئك الذين لم يقرأوه على الإطلاق. ولعل هذا هو مصير الكتب التي اكتسبت ما كان قد وصفه سعيد بأنه ’جغرافيتها التخيلية‘ الخاصة بها، وأنه كونها تجاوزت بكثير الحدود التي تم تعيينها أصلاً لها، فإنها تملك قدرة خارقة على توليد أي عدد من النسخ المشابهة لنفسها. تقبله أو ارفضه، اقرأه أو لا تقرأه، الاستشراق كتاب من هذه الكتب. وكما قال أوسكار وايلد ذات مرة مقولته المشهورة أن هناك شيء واحد أسوأ من الحديث عنك، وهو ألا يتم الحديث عنك. ويبدو من المستبعد تماماً أن يعاني سعيد من المصير الأخير، حتى لو بدا في بعض الأحيان وكأن عمله كلما تم الحديث عنه بشكل أكثر حماساً كلما قلت قراءته بشكل أكثر شمولاً.

 

المصدر

 

 


الأعمال المذكورة

أحمد، إعجاز. في النظرية: الطبقات، القوميات، الآداب. لندن: فيرسو، 1992.

أشكروفت، بيل وجاريث جريفيث وهيلين تيفين. الإمبراطورية تكتب ردها: النظرية والتطبيق في الآداب ما بعد الاستعمارية. لندن: روتليدج، 1989.

كاندين، ديفيد. الزخرفة: كيف رأى البريطانيون إمبراطوريتهم. لندن: بينغوين، 2002.

كليفورد، جيمس. ’عن الاستشراق‘. في مأزق الثقافة: إثنوغرافيا وأدب وفن القرن العشرين. كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة جامعة هارفارد، 1988. 255-76.

ديوي، كلايف. ’كيف لعبت الراج لعبة كيم‘. الملحق الأدبي للتايمز 7 أبريل 1998: 9-10.

إمبرلي، جوليا. عتبات الاختلاف: النقد النسائي، كتابة نساء السكان الأصليين، نظرية ما بعد الاستعمار. تورنتو: مطبعة جامعة تورونتو ، 1993.

غيتس، هنري لويس. ’الفانونية النقدية‘. البحث النقدي 17 (1991): 457-70.

لويس، رينا. جنسنة الاستشراق: العرق والأنوثة والتمثيل. لندن: روتلدج، عام 1996.

لوي ، ليزا. تضاريس نقدية: الاستشراق الفرنسي والبريطاني. إيثاكا، نيويورك: مطبعة جامعة كورنيل، 1991.

ماكينزي، جي. إم. الاستشراق: التاريخ والنظرية والفنون. مانشستر: مطبعة جامعة مانشستر، 1995.

ميلر، كريستوفر. ظلام فارغ: الخطاب الأفريقي بالفرنسية. شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1985.

براكاش، جيان. ’الاستشراق الآن‘. التاريخ والنظرية (1995): بدون مكان مرجعي. (على الإنترنت خارج الطباعة).

سعيد، إدوارد، وديع. البدايات: النية والطريقة. نيويورك: مطبعة جامعة كولومبيا، 1985.

——–. الثقافة والإمبريالية. نيويورك: نوبف، 1993.

——–, الاستشراق. لندن: بينغوين، 2003.

——–. ’إعادة التظر في الاستشراق‘. في نقد ما بعد الاستعمار. تحرير بي. مور-جيلبرت و جي. ستانتون و مالى. لندن: لونغمان، 1997. 126-44.

——–. العالم والنص والناقد. كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة جامعة هارفارد، 1983.

فيسواناثان، جاوري، محرر. القوة والسياسة والثقافة: مقابلات مع إدوارد سعيد. لندن: بلومزبري، 2004.

يغينوغلو، مايدا. استيهامات استعمارية: نحو قراءة نسوية للاستشراق. كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج، 1998.