مجلة حكمة
شوشانا زوبوف

رأسمالية المراقبة تحول الحياة إلى مادة أولية لخدمة مصالحها: حوار مع شوشانا زوبوف

أجرى الحوار، وترجمه من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الفرنسيةمارتن لوغرو
ترجمه إلى العربيةمحمد العربي العياري

لا يسعى عمالقة الويب على متابعة حياتنا وكشفها وإلباسها لبوس العملة النقدية والتعامل المالي كأقصى حد، بل هم يبحثون أيضا عن التنبؤ بسلوكياتنا والتأثير فيها.  تلك هي الأطروحة الرئيسية التي تدافع عنها الجامعيّة الأمريكية شوشانا زوبوف Shoshana Zuboff في كتابها المعنون: “عَصْرُ رأسمالية المُرَاقَبة”، حاورناها فكانت الإجابات التالية:

مارتن لوغرو: حسب رأيكم، نحن نعيش في عصر “رأسمالية المراقبة”، فما الذي تعنيه بذلك؟

شوشانا زوبوفوُجدت الرأسمالية وتأسّست، كما بيّن ذلك عالم الاقتصاد كارل بولاني Karl Polayni في كتابه “التحوّل الكبير” [1944] La grande transformation، على نوع من الدينامية التي تدفعها إلى تحويل ما كان إلى حد الآن خارج نطاق السوق، إلى سلع. صار الأمر مع رأسمالية المراقبة مرتبطا بالتقاط التجربة الإنسانية، حتى يتم استعمالها وتوظيفها كمادة أولية من أجل تحويلها إلى تنبؤات سلوكية، يمكن فيما بعد استخدامها واستغلالها على صعيد سوق جديدة، من المفترض أن نكون مستخدِمين لكل من غوغل Google وفايسبوك Facebook، غير أنّ هاتين المنصّتين الرقميتين، تستعملان ما لديهما من معلومات حول سلوكياتنا الخاصة لتحويلها، اعتمادا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلى تنبؤات سلوكية. بجزء من هذه المعلومات يمكن أن يتم استعماله لتطوير خدماتها وتحسينها، لكن القسم الأعظم منها يكتسب قيمته من وظيفته التكهّنية.

مارتن لوغرو: ماهى الأمثلة على ذلك؟

شوشانا زوبوف: يبدأ هذا الأمر مع معدّل الضغطات taux de clics بمعنى، النسبة المئوية لمستخدمي الأنترنيت الذين يضغطون على إعلان الجهة المُعْلِنة عندما يشاهدون شاشات حواسيبهم.  أتاح هذا المعدل الذي تم تطويره من قبل غوغل سنة 2001، للشركات معرفة ما إذا كان إعلانهم يُثير انتباه الحريف، ومتى يحصل ذلك، ليفرض نفسه باعتباره أساسا لسوق الإعلانات على شبكة الأنترنيت la publicité en linge، وصولا إلى اكتساح الخوارزميات التكَهُنِيَّة، كلّ القطاعات وإغْرَاقها. حيث صِرْنا نتكهّن بسلوك المستهلكين في المتاجر الكبرى وبعاداتهم الغذائية والصحية، وبعادات سائقي السيارات. زعم موقع فيسبوك- في رسالة موجزة تعود إلى سنة 2018-  أنّ مركز الذكاء الاصطناعي الخاص به يعالج مليارات المعطيات يوميا، أضافة إلى أنّه يستطيع إنتاج ستة ملايين تكهّن أو تنبؤ بالسلوك الإنساني كل ثانية. صحيح أنّ التكهن بالمستقبل شكّل تطلعا وأملا أساسيا للإنسانية، لكننا أوجدنا الآلات التي تتغذى بالمعطيات بغاية التكهن بالسلوكيات اليومية للأفراد.

مارتن لوغرو: لم يسعى موقع غوغل باعتباره رائد هذا التحويل للتخطيط لهذا الامر، فقد حصل ذلك بطريقة عرضيّة كما يعرف الجميع.

شوشانا زوبوف: كان المؤسِّسَان الأوّلان لموقع غوغل لاري بيج Larry Page وسيرجي برين Serguey Brin يحتقران الإعلان في البداية، حيث كانت هذه المنصة تريد تنظيم المعلومات العالمية وجعلها متاحة ومفيدة، لكنها لم تكن تتوفر على حرفاء ولا على سلع بالمعنى الدقيق للكلمة. مع بداية الألفية الثالثة، أصبحت البالونة الرقمية مهددة بالانفجار. حيث هَدَّد المستثمرون بالانسحاب، إن لم تجد الشركة أنموذجا اقتصاديا يكون أكثر مردودية. لذلك تم إعلان حالة الاستثناء، واستنفار مراكز البحث في ميدان الذكاء الاصطناعي لإيجاد أداة تُضفي القيمة على المعطيات وتثمينها. في سنة 2002، وقع حادث عرضي تمثّل في حدوث خمس ضَغْطات متعاقبة في خمس فترات من اليوم على نفس الطلب -“اسم الابنة الصغيرة لكارول برادي”-  وهو اسم شخصية من سلسلة تلفزيونية. والسؤال الذي تم طرحه أثناء البرنامج الذي أذيع على المحطات الأمريكية الخمسة هو: من يريد ربح الملايين؟ من هنا انبثق إلهام مهندسي شركة غوغل! وهو أنّ طلبات المستخدمين يمكن أن يتم استعمالها كعلامات تُتيح التكهن بالأحداث قبل أن تظهر على شاشات وسائل الاعلام التقليدية. إلى حد الآن وبفضل خوارزمية page Rank، تم توظيف الطلبات بهدف تجويد وتحسين سرعة المحرّك ودقته. أما المعطيات العرضية فقد تمّ التعامل معها كفضلات. فجأة تبين أنّها تنطوي بدورها على قوة تَكَهُّن أو تنبؤ مدهشة، لأنّ التجربة الإنسانية حين تمت ترجمتها إلى معطيات، أمكن تحويلها لتأخذ شكل تكهنات وتوقّعات سلوكية.

مارتن لوغرو: ألا يعود كل ذلك إلى تطوُّر الإشهار أو الاعلان؟

شوشانا زوبوف: إذا كانت المراقبة التي تتخذ لها هدفا -أو المراقبة التهديفية- قد ظهرت مع الإشهار، فإنّه  لا يُعتبر استعمالها الوحيد؛ بحيث يمكن لكل فاعل يبحث عن التأثير في سلوكياتنا أن يستفيد منها، كما رأينا ذلك مع فضيحة فيسبوك – كامبريدج أناليتيكا le scandale Facebook – Cambridge analytica التي كشفت على قدرة الأجهزة  في التأثير على رأي المواطن، وهو ما سبق لفايسبوك أن طالب به منذ 2012 أثناء “تجربة عدوى العواطف”؛ فمن خلال إرسال كلمات باعثة على الحزن أو الفرح، أصبحت الشبكة قادرة على إثارة عواطف ومواقف مطابقة لتلك الكلمات. وقد عمل هذا المنعطف على إدارة وتحويل نسق المعرفة نحو السلطة؛ بمعنى أنّه قد صار في الإمكان ضبط السلوكيات وتجنيدها لأداء أدوار بعينها وتعديلها، حتى تكون للتكهنات درجة أعلى من الموثوقية.

مارتن لوغرو: تلعب المراقبة ميكانزيم أو آلية عاكسة تعيد لنا أفعالنا وحركاتنا في شكل توصيات، كما أنها آلية مُنتجة تحوّلُ الآثار الرقمية لسلوكنا إلى تكهنات يتم بيعها لأطراف ثالثة. ومن أجل معالجة وَجْهي الظَّاهرة معا، نجدك تستعملين عبارة “التسليم”، فما الذي يعنيه ذلك؟

شوشانا زوبوف: هى عبارة من اللسان الفرنسي القديم؛ فمن المؤكد أنّ فعل “أرجع” يدل في نفس الوقت على “فعل رَد ِّالجميل” وعلى “فعل الإنتاج” (بهذا المعنى نتحدّث على إثمار الشجرة وعلى تقديم الولاء كما هو واضح في تعبير (إعطاء لقيصر ما لقيصر). فتحويل التجربة الإنسانية إلى غنيمة من طرف رأسمالية المراقبة، يحمل كل هذه المعاني مجتمعة. هي بمثابة سيرورة تقنية للرَّد والاسترداد بفضل الأجهزة اللاقطة التي توجد في طرقاتنا وسياراتنا ومنازلنا وهواتفنا المحمولة؛ بهذا الشكل، يتم تجميع اليومي الخاص بنا وتخزينه من قبل الذكاء الاصطناعي واسترداده في صورة معطيات سلوكية لكنّها أيضا سيرورة اجتماعية للولاء؛ لأنّ الأنشطة الاجتماعية تفرض مسبقا القيام بِرَدِّ تجْرِبتنا إلى منصَّة رقمية، وهو ما يتعيَّن علينا القيام به –على سبيل المثال- لكي نلج إلى الواجبات المدرسية لأطفالنا، انطلاقا من المنصة الرقمية التربوية للمدرسة، التي يتم عرضها -بالمناسبة -في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف شركة غوغل، ومن أجل الاطلاع على اختبارات الدم على المنصة الرقمية الخاصة بالصحة، ونفس الأمر نقوم به من أجل تنظيم لقاء أو حتى لنتبادل عبر الوسائط الاجتماعية الصور الفوتوغرافية التي التقطناها أيامَ العطلِ مع أصدقائنا. هكذا ينتابنا في كل مرة الشعور بأننا مُلْزَمون بأن نجعل تجربتنا في المتناول. وعليه يكون لزاما علينا أن نقوم بتسليم حياتنا والتنازل عنها، حتى يتم التقاطها من لدُن قنوات تركيب الفائض السلوكي لرأسمالية المراقبة.

مارتن لوغرو: لماذا نشعر أننا ملزمون بفعل ذلك؟

شوشانا زوبوفلأننا لا نُقدِّر حق التقدير كل ما يستتبع ذلك وما يترتب عليه؛ فهذه التكنولوجيات تتسرب إلى حياتنا بكيفية يتعذر كشفها.  ما يحصل هو أننا جميعا غارقون في لغةٍ ما عاد أحد يمتلك الوقت الكافي لقراءتها. كما أنهم نجحوا في إقناعنا فيما بعد بأنّ تقويض وهدم الحياة الخاصة قد صار أمرا ضروريا. أما إن تجرأتم على قول لا، فإنّ كل شيء سيتعطل. فعلى مستوى مجموعة البرامج الفرعية المنظِّمة، باعتبارها نسقا للتدبير المنظَّم ذاتيا لغوغل، فلو رفضت اقتسام معطياتك المنزلية فسوف تتوقف الشركة عن تحيين البرنامج، والنتيجة هي أنّ قنواتك تصير مهددة بأن تتجمد المياه داخلها، وأجراس الخطر في كل منعطف تكون مهدَّدةً بإطلاق سيْلِ إنذاراتٍ دون توقف، ليكون بذلك اشتغال الخدمة وأداؤها الوظيفي مشروطا بخضوعنا الإرادي لمراقبة أحادية البعد وخفيّة وغير محدودة. لكي ننجو من ضغط الإحساس بالعجز، نسارع إلى القول بأنّ الأمر عادي وطبيعي، وهو ما يدل على أننا عُزَّلُ من الناحية النفسية ومجرّدون من كل سلاح.

مارتن لوغرو: لماذا تعتقدين أنّ الاجراءات التي تم الكشف عنها من أجل حماية ملكية المعطيات أو قابليتها للنقل، كما هو الحال بالنسبة للقانون العام حول حماية المعطيات الذي تم وضعه من طرف الاتحاد الأوروبي، قد مرّت بمحاذاة المشكل ولم تواجهه؟

شوشانا زوبوفلأن المعطيات ليست فردية، وبالتالي لا يمكن حمايتها بكيفية فردية. ما يحصل هو أننا نتصرف كما لو أنّ كل واحد منا يقول وينشر ويُرسل ويخَزِّن. فيكون من الطبيعي أن نتساءل كيف نسترجع ما أعطيناه أو نُجازَى عليه. غير أن الحاصل في الواقع هو أنّ المعطيات ليست شخصية، بل هي منتوج مشتَّق، فلو نشرتُ صورة لوجهي على موقع للتواصل الاجتماعي، فهي من وجهة نظري لا تعدو أن تكون مجرّد صورة لي، لكن المُشَغّلات يمكنها أن تقارنها مع العشرات من الصور الأخرى الخاصة بي أو بصور أخرى توجد على شبكة الإنترنيت، والتي يتم التقاطها في اليوم الموالي بفضل تقنية التعرف على الوجه. فبالنسبة إليهم صورة وجهي، هي أيضا الآلاف من العضلات التي تُتيح تحليل عواطفي والتكهن بسلوكي. الفائض السلوكي ليس مشتقا مما نعطيه ونقدمه فحسب، بل هو مشتق كذلك انطلاقا مما لم تكن لنا أدنى نيّة أو قصده لمنحه وتقديمه. فالبرامج الخاصة بتحديد المواقع الجغرافية والتطبيقات التي تمتلئ بها هواتفنا، والتي تتيح استعمال أصواتنا وصورنا ومن نَتَّصِلُ بهم، كل ذلك يسمح بتجميع معلومات لم تكن لنا نية إفشائها، أو يتم انطلاقا منها استنباط سلوكيات لم تكن لنا نية كشفها. وبالتالي، فحتى لو تم تأمين المعطيات الشخصية بنسبة 100 %، وهو ما يبقى من باب المستحيل نظرا لأنه لا يوجد من يتوفر على ما يكفي من وقت وطاقة للقيام بذلك، حتى لو تحقق ذلك فإنّه لن يغطي إلا جزءا متناهي الدقة مما تم التقاطه واستشعاره.

مارتن لوغرو: يمكن لشركة غوغل الاعتراض على ذلك بأنّها لا تقوم ببيع المعلومات الفردية، بل المعطيات الجماعية المنتجة من قبل مُعَالِجَاتِها. والمستهلك يمكنه الاعتقاد بأنّه يجني من خلال ذلك معلومات دقيقة، كما هو الحال على سبيل المثال بالنسبة إلى المعلومات حول مخاطر إصابته بمرض ما، ألا يمكن لكل طرف أن يستفيد بشكل مشترك من عملية معالجة المعطيات؟

شوشانا زوبوف: كان ذلك هو الحلم الأصلي للثورة الرقمية؛ بمعنى أن يستطيع المجتمع، بفضل كل هذه المعطيات، اكتساب كتلة من المعلومات تُتيح له معرفة نفسه وإدارتها بشكل أفضل. تلك هي الحجة التي تم الدفع بها من قبل رؤساء شركة غوغل. فكم من مرة سمعت إريك شميت Eric Schmidt، رئيسها ومديرها العام السابق يؤكد: “اطمئنوا نحن لا نبيع المعلومات الشخصية”. وإذا كانت معلوماتنا ليست إلاّ مادة أولية وخاما لمنتوج يتم اشتقاقه منها، فإنّ ذلك لا يحُول دون جمع كتلة مهمة جدا من المعلومات من أجل ابتكار هذا المنتوج. وقد ابتدأ جمع المعطيات مع اقتصادات الحجم والنطاق حيث تم جمع معطيات أكثر عددا وتنوعا، غير أنّ شدة المنافسة فتحت جبهة جديدة تتمثل في اقتصادات الفعل، وقد كانت فكرتها الرئيسية تتمثل في التدخل في سلوكنا لقيادته وتوجيهه بالشكل الذي يجعل فعلنا أكثر تطابقا مع التكهنات ومتّسقا مع حاجات السوق. ما حصل، هو أنّ تقويض الحياة الخاصة أصاب قُدرتنا على الفعل والتصرف وأثّر سلبا عليها. لكل ذلك نقول بأنّ المعلومة ـ بعيدا عن أن يتم استخدامها في علاج السرطان، أو تجنب كارثة بيئية أو التخفيف من المجاعة في العالم، تبقى مفيدة في إرضاء الأهداف التجارية لزبائن خواصّ، وليس في خدمة أهدافنا نحن. الشيء الوحيد الذي يمكنه الحد من توسع رأسمالية المراقبة هو القانون، لكن في الولايات المتحدة على الأقل لا يوجد أي قانون تمّ تصوُّره لمواجهة هذا التأثير. لقد صرنا أبعد ما نكون عن حلم غوتنبرغ باقتسام المعارف، وعُدْنَا إلى عصر ما قبل غوتنبرغ المطبوع بفعل تركيز المعرفة والسلطة بين أيدي القلّة.

مارتن لوغرو: ترون أنّ المنصّات الرقمية تبحث عن إقامة “مناطق تجريب”، حيث يمكنها أن تعطي مسارا حرّا لطموحها بتعديل سلوكياتنا، فما هي “منطقة التجريب” المقبلة يا ترى؟

شوشانا زوبوفالمدينة هي التي تمنح فضاء مثاليا من أجل اختبار الكيفية التي يمكننا بها تعويض الحكم الديمقراطي بالحوكمة الخوارزمية؛ فالشركة التابعة لغوغل GOOGLE Alphabet، Sidewalk Labs التي تضع منذ سنوات منصات شبكة الوايفاي Wifi المجانية في المدن الكبرى، تضغط لكي تتوصل إلى اتفاق مع مدينة تورونتو Toronto، حتى تتولى تدبير وتسيير واجهتها البحرية. ويشترط الإعلان على هذا الاتفاق، أن يتم النظر إلى كل ما يحدث ويجري في هذه المنطقة، واعتباره مسبقا على أنّه معطى حضري فسواء أكان ذلك داخل شقتك أوفي سيارتك أو بالشارع أوفي المقهى، وسواء أكان ذلك يخص الكائنات الإنسانية أو يتعلق بالحيوانات أو بالآلات، فإنّ كل ما يحدث في هذا المكان هو “معطى حضري” يمكن للجميع استعماله، لكن وحدها شركة غوغل أو شركة أمازون على الأرجح، من يمتلكان القدرة على معالجته بكيفية فعّالة وتكهّنية.

مارتن لوغرو: تؤكدين بأنّ التدبير والتسيير الخوارزمي يُتيح التهرب من القانون، كيف يتم ذلك؟

شوشانا زوبوفيتجمّع المواطنون داخل المدينة ويلجؤون إلى السياسة من أجل اتخاذ القرار بشأن الكيفية التي يريدون العيش وفقا لها بصيغة مشتركة. لكن في المدينة –غوغل، يمكننا أن نتجاوز هذا الفن في تنظيم الصراعات. فبدلا من المناقشة التي تنعقد في المكان حول نوع الجوار الذي تريدونه، تكون الخوارزميات هي من يتولّى تحديد المعالم والإحداثيات الأجود لهذا الجوار، كما هو الشأن بالنسبة إلى مستوى الضوضاء المقبول. وعلى هذا النحو تحُلُّ الحوْسبة المعلوماتية محلَّ التداول الديموقراطي. ولأن الرساميل الخاصة هي من بلور الخوارزميات، فلا شك أنها ستسير في اتجاه تفضيل وخدمة مالكي هذه الرساميل الخاصة.

مارتن لوغرو: تبقى المعطيات بدورها في حاجة إلى أن تكون متاحة للجميع حتى يتم تجويدها. وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما البديل؟

شوشانا زوبوفمن الواجب علينا التأكيد على مبدأ يقضي بحق كل شخص في أن يقرّر إمكانية استعمال معطياته وكيفية ذلك؛ ففي الوقت الحالي ليس هناك من ضبط ديمقراطي للمراقبة، وهو ما يشكّل هجوما ضد السيادة الفردية، يُسهم في تركيز لا سابق له لسلطة تشكيل السلوك الإنساني وصياغته، أسميها بـ “السلطة الأداتية”؛ بمعنى تلك السلطة التي تقوم بتحويل شكل الحياة إلى مادة مطواعة وقابلة للتوظيف والاستغلال.

مارتن لوغرو: هل أن نموذج المراقبة في أساسه نموذج اقتصادي أم نموذج سياسي؟

شوشانا زوبوفإنه نموذج مجتمع لا يعتمد أكثر على الديمقراطية والمساواة، وإنما على معرفة غير متماثلة وعلى سلطة أداتية قادرة على فرض انسجامها على المجتمع. يبقى الاتجاه في الغرب سائرا صوب استخدام السلطة الأداتية بغرض خدمة الأهداف الخاصة للسوق أكثر من خدمة الأهداف السياسية. لكن رأسمالية المراقبة تتجه نحو توسيع مناطق التجريب، حيث يكون في إمكانها صياغة السلوكيات وفقا لأسلوبها ونمطها، وهو ما سبق أن أدى إلى انتقال الاقتصاد إلى دائرة الحياة الخاصة. والسؤال الذي يفرض نفسه هو التالي: إلى أي حد سيصل اتساع وامتداد السلطة الأداتية، حتى تقيّم تحكّمها وترسي مراقبتها؟

المصدر: Shoshana Zuboff: “Le capitalisme de surveillance transforme la vie en une matière malléable”; Philosophie magazine, n°133, octobre, 2019; pp.50-53