مجلة حكمة
شكسبير والدين: آراء شكسبير المعقدة عن العالم الإسلامي / ترجمة: شهد المخلفي

شكسبير والدين: آراء شكسبير المعقدة عن العالم الإسلامي / ترجمة: شهد المخلفي


 

كان لعام 1616 أهمية بالغة باعتباره العام الذي توفي فيه ويليام شكسبير وميغيل دي سرفانتس، شهد ذلك العام أيضا أول علاقة ثابتة ومتوطده بين كلٍ من العالم الإسلامي وبريطانيا. وعليه، جاءت حياة أشهر كاتب بريطاني متزامنة مع العلاقات الدبلوماسية المهمة بين إنجلترا البروتستانتية والسلالات الإسلامية في المغرب[1]، إلى جانب العثمانيين، والصفويين في إيران. وفي ظل افتتاح طرق التجارة وخلق الملكة إليزابيث الأولى لتحالفات جديدة، تسربت للمجتمع أفكار مثيرة حول المسلمين، حيث فُتن البريطانيون وقلقوا في آن واحد؛ وكان قد ظهر بين عامي 1576 و1603 أكثر من ستّين مسرحية مُثّل فيها المسلمون على مسارح لندن بمظهر الأتراك، المغاربة أو الفرس.

قدّم شكسبير عبر شريعته رؤية متعددة الأوجه عن الإسلام، وكانت معرفته بتعقيدات هذا الدين معرفة مبعثرة، حيث وضع مصدرا صريحا واحدًا فقط عن النبي محمد في مسرحية “هنري السادس”. وقد عُدّ هذا الأمر مستغربا، إذا ما علمنا بأن أول ترجمة انجليزية للقرآن[2] ظهرت سنة 1649. ويعود تفرّد شكسبير بالإسلام لأسباب بروتستانتية, ودعوى نبوءة محمد الكاذبة المستوحاة من القديسة جان دارك:

      أما كان محمد تلهمه يمامة؟

      ليلهمك فن النسر إذا…

      ولكن كيف لي أن أعبدك بوقار كاف؟

بدا أن إلهام جان دارك إقرارا لتفوق المسيحية، إلا أن شكسبير ساوى أيضا ما بين الكاثوليكية الفرنسية، والنبوءة الكاذبة ووثنية الإسلام. (فقد كانت الخرافة الموجودة آنذاك هي بأن محمد جزء من الثالوث بجانب أبولو). ويعد هذا مثالاً واضحًا على تلاعب شكسبير بالانقسامات الطائفية لأجل الجمهور البروتستانتي.

ظهرت أول شخصية مسلمة بلورها شكسبير في “تيتوس أندرونيكوس- Titus Adronicus”, وتعدّ من أكثر مسرحياته عنفًا. يقوم هارون[3] “الأسود” في هذه المسرحية بدور الدنيء، رافضا التواطؤ مع القوانين الاجتماعية بارتكابه لجرائم “قتل واغتصاب ومجازر – أعمال الليلة السوداء”. فها هو دخيل لا يبدو عليه الندم، وكان من المفترض أن يكون لديه “قلب أسود كوجهه”، فهويته الدينية جزء لا يتجزأ من أصله.

ومع ذلك لا يعتبر هارون تجسيدًا بسيطًا لعصر الاضطهاد، بل كان “كبير المعماريين ومدبر المكائد”. بالإضافة إلى كونه فصيح اللسان ومثير للشفقة عندما يرفض الاتهامات الموجهة إليه بشأن معتقداته. يشير شكسبير إلى عنصرية المجتمع التي تدفع بالأشخاص نحو الشر، حينما تصف المربية طفله بـكلمات مهينة “ولد أسود، بائس وحزين” مما حدا بهارون أن يرد بغضب: “صوني لسانك! ألا يعد السواد لونا أيضا؟”.  وسرعان ما اتفق الجمهور الإليزابيثي مع وجهة نظر المربية، وبدأوا بالتساؤل حول معتقداتهم.

قدم شكسبير أبضا شخصية مسلم أقل شرًا في مسرحية “تاجر البندقية -The Merchant of Venice “. في هذه المسرحية يصطف أمير المغرب مع الأوروبيين كواحد من بين أزواج بورشيا المحتملين، وكانت تشمئز من لون بشرته قائلة: (“إن كان يملك هيئة قديس وبشرة شيطان، فأفضّل الاعتراف له بالذنب بدلا من الزواج منه”). فيتوسل إليها بأن “لا تمقته بسبب بشرته | الخادم المظلل عن أشعة الشمس الحارقة” وتنظر له كرجل انتصر على أمير فارسي وفاز بثلاث أراضٍ تعود للسلطان سليمان. واختيار شكسبير لكلمة “خادم” مرتبطة بمن هم تحت ظل العبودية حيث يشير هنا لإهانة حتمية عانت منها الشخصيات المسلمة.

ولا تزال شخصية عطيل من أكثر محاولات شكسبير المختلفة التي لا يمكن تجنبها عن الشخصية المسلمة. فقد كان بليغ اللسان، جنرالا في الجيش البندقي شُهد له بشجاعته ونبله بين نظرائه. كان ياجو -الشخصية الشريرة في المسرحية-يدعوه “مور[4]” وبلغة مهينة كان يشير لعلاقته غير الشرعية مع ديدمونة كما لو كان “كبش أسود يباشر نعجة بيضاء”. حيث تعود كلمة “يباشر” هنا إلى تزاوج الحيوانات. ويستمر بهذا الأسلوب الهمجي ضد والد ديدمونه باربانيتو، بقوله: سوف يكون لك أحفادًا يصهلون، نتيجة مباشرة ابنتك لحصان بربري”. وألمح بعض النقاد مثل جان هاورد إلى أن شكسبير اضطر لقتل ديدمونة بسبب تجاوزها للحاجز الاجتماعي المقدس ألا وهو الزواج من خارج محيطها الاجتماعي والعرقي وليس بسبب النهايات المأساوية. ففي المسرح الإليزابيثي، كان الموت هو عقاب تزاوج الأنساب المختلطة.

ناضل عطيل من أجل التوفيق بين عرقه، ودينه ومكانته في المجتمع الفينيسي. ففي أواخر أيامه قبل الانتحار، قارن نفسه قائلاً:

تساقط دمع الهندي الضعيف

الذي ألقى بلؤلؤته بعيدا..

كما تتساقط الأشجار العربية

فيرغمك طيبها على السقوط.

ليقال أيضا قد كان في حلب..

معمما تركيا خبيثا

يضرب فينيسيا ويشوّه البلاد!

فأخذت ذلك الكلب المختون

من عنقه وضربته!

 

هنا وصف عطيل نفسه بالهندي الضعيف الذي لم يعرف قيمة لؤلؤته ديدمونة. ومرة أخرى بلغة عنصرية، استمر في ذلك من خلال إقصاء نفسه عن تراثه المغربي عن طريق تأكيد ولائه لفينيسيا في تعذيب “المُعمّم التركي الماكر”. وبانتحاره كان قد أنزل شخصه لذلك الكلب أو التركي. ويرى بروفيسور جامعة الملكة ماري، جيري بروتون، بأن عطيل تجسيدًا للتعايش رغم العلاقات المتناقضة مع العالم الإسلامي.

أثبت التاريخ أن شكسبير كان سابقًا لعصره في حساسيته تجاه العالم الإسلامي وأمته، إلى جانب مجالات أخرى. ومن المؤكد أن مسرحياته قد كشفت عن تحيزاته، وسحره وتناقضاته.  ولكن خرافة المسلم السفاح حُجبت من خلال تصويرٍ أكثر حساسية لشخصية عطيل طوال مسيرته. ولربما أحدثت زيارة مبعوث المغرب إلى لندن تغييرا في عام 1600. وفي وقتنا الحالي، حيث المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في أوروبا أصبحت أمرا مألوفا، فلدى شكسبير  الكثير لنتعلم منه حول من وماذا نتجانس معه.[5]

 

 

 مراجعة وتحرير: سارة اللحيدان


هوامش المحرر:

[1] تعرف المخيال الغربي على الإسلام من خلال الأعمال المسرحية والفنية من خلال ما يقدمه  Easterns   وهم المهتمون بالثقافة الاسلامية ، ولعل مصطلح مستشرق أي المتخصص بعلوم الشرق لم يظهر حتى عام 1779

[2]  اول ترجمة للقرآن إلى اللاتينية ظهرت 1143 . ترجمة   ( روبرتوس)

وترجم القرآن مابين 1547 الى 1698 إلي الإنجليزية والالمانية والإيطالية (مرتين) وفي ايطاليا طبع المصحف لأول مرة بالإيطالية وكذلك العربية!! إذا كانت المطبعة محرمة وقتها في السلطنة العثمانية.

[3] لايستغرب ففي بدايات القرن السادس عشر كان الصورة النمطية في المخيال الغربي أن النبي -ص – يسمى أمير الظلام –  وأتباعه قساة وحشيون تحكمهم نزواتهم الجنسية.

[4] لفظ يطلق على سكان شمال أفريقيا، المغاربة. كان يشار له قديما كلفظة مهينة تدل على بربرية المسلمين.

[5]  نلحظ في السرد التاريخي لمسرحيات شكسبير تطورا في فهمه للإسلام.