مجلة حكمة
مفهوم الإله مفهوم الاله

مفهوم الإله في النظام العقائدي النصيري

الكاتبماتي موسى
ترجمةإبراهيم قيس جركس

الفصل السادس والعشرون من كتاب:
Extremist Shiites: The Ghulat Sects, Matti Moosa, Syracuse University Press, 1988, NY, PP. 311-323لعلّ أهم ركن من أركان العقيدة النصيرية-العلوية تتمثّل في الوحدانية المطلقة لله، فهو أبدي، أزلي، سرمدي، قائم بذاته، وعلّة ذاته. وعلى غرار جميع الغلاة، يؤمن النصيريون بالله من دون محاولة تحديد صفاته أو وجوده أو جوهره، سواء بطريقة لاهوتية أو فلسفية. وعلى غرار طائفة أهل الحق الباطنية، يؤمن النصيريون أنّ هذا الإله قد “ظهر” على الأرض سبع مرات في صور بشرية. وكل طائفة من هاتين الطائفتين تسمّي سبع صور مختلفة، لكنّهما يتّفقان على تسمية وحيدة وهي اسم “علي”.

يحتوي الكرّاس النصيري بعنوان “كتاب تعليم الديانة النصيرية” مجموعة مسائل تعليمية-تثقيفية حول قضايا ومفاهيم مختلفة من العقيدة النصيرية، والسؤال الخامسة يتضمّن عدد المرّات التي ظهر فيها  المعنى “علي” بالصورة البشرية وأظهر ذاته بصورة البشر.

((س5: كَمْ مرّةً احتَجَبَ مولانا وظهر بالإنسانية؟

ج: احتجب سبعة مرّات، ففي الأولى احتجب في  آدم في كَوره ودَوره، وتسمّى هابيلاً. وفي الثانية في نوح وتسمّى شيثاً. وفي الثالثة في يعقوب وتسمّى يوسُفاً. وفي الرابعة بموسى وتسمّى يوشعاً. وفي الخامسة بسليمان وتسمّى آصفاً. وفي السادسة بعيسى وتسمّى شمعوناً. وفي السابعة أخيراً بمحمدٍ وتسمّى علياً، وهم خالي من الأسماء التي تسمّى بها))[[1]]

وفي الظهور الأخير للإله، كان المعنى علي الحقيقة الواضحة والجلية، فجميع الظهورات السابقة وصلت منتهاها وغايتها بظهور المعنى علي[[2]].

هذا الإله الذي ظهر في سبعة أشكال أو صور بشرية ما هو إلا كيان واحد متفرّد، ولكنه يسمّى أولاً بالمعنى، من الناحية اللاهوتية، إنّه يدلّ على وجود سبب مبدئي، مصدر لكل شيء، ابتدأ منه كل شيء، وهو معنى كل ما في الوجود. هذا “المعنى/المبدأ” اخترع الكيان الثاني، الاسم، الذي خلق بدوره الكيان الثالث، الباب. وهكذا، في كل ظهور من هذه الظهورات السبعة، كان الإله يرافقه كيانان/أقنومان لا ينفصلان عنه، تجلّى من خلالهما للبشرية تماماً. ويشكّل هذان الأقنومان مع “المعنى” ثالوثاً موحّداً غير قابل للتجزئة والانفصال:

المعنى

الاسم

الباب

هابيل

آدم

جبريل

شيث

نوح

يائيل بن فاتن

يوسف

يعقوب

حام بن كوش

يوشع

موسى

دان ابن أسباؤوط

آصف

سليمان

عبد الله بن سمعان

شمعون/بطرس

يسوع/عيسى

رَوزَبَه بن مَرزُبان

علي

محمد

سلمان الفارسي[[3]]

 

الظهور الأسمى والأخير لله كان في صورة علي. و”اسمه” النبي محمد، و”بابه” سلمان الفارسي، أحد صحابة النبي. هؤلاء الثلاثة يشكّلون الثالوث المقدّس لدى النصيريين، ويتمثّل سرُّهُم بالأحرف المبدئية الثلاثة الأولى من أسمائهم: (ع)=علي، و(م)=محمد، و(س)=سلمان، المعروف أيضاً باسم “سَلْسَلْ”. ويرى المستشرق لويس ماسينيون أنّ اسم “سَلسَل” مشتق من الكلمة العربية “سِلسِلَة” أو “الرابط”. وفي هذا السياق، فإنّ سلمان هو الرابطة بين “محمد” و”علي”[[4]].

وعلي غرار فرقة أخرى من الغلاة، تسمّى “أهل الحق”[*]، يقسّم النصيريون الزمن إلى سبع أدوار أو دورات، كل دَور يقابل أحد ظهورات المعنى/الإله. ويعود مفهوم الأدوار السبع إلى الحَرّانيين الوثنيين، الذين أكّدوا أنّ الخالق كان متعدّداً بسبب ظهوراته في سبعة أشكال، حيث تتوافق هذه الظهورات مع الأجرام السماوية السبعة التي تحكم الكون[[5]].

كما ورد هذا المفهوم عن الأدوار الزمنية السبعة في النظام العقائدي الإسماعيلي الذي يرمز إلى سلطة الأئمّة السبعة، بدءاً من “علي” وانتهاءً “بإسماعيل” [توفي سنة 762م] ابن الإمام جعفر الصادق، وقد تسمّوا باسمه. فوفقاً للمصادر الإسلامية، يُعرَف الإسماعيليون باسم “السبعية” لأنّهم يؤمنون بالسلطة الإلهية للأئمّة السبعة[[6]].

وبما أن العقيدة النصيرية للتجسيدات السبعة للإله ربما تستند إلى المفهوم الإسماعيلي للتجسيدات السبعة للطبيعة الإلهية، فلابد من إلقاء نظرة عامة موجزة عن المفهوم الإسماعيلي للظهورات.

تبنّى الإسماعيليون، في محاولتهم لشرح أصل الكون بوسائل غير الخلق الإلهي، وبما يتّفق مع إيمانهم الباطني بضرورة وجود إمام مُلهَم إلهياً في كل جيل، تبنّوا العقيدة الأفلاطونية المُحدَثَة، وبالأخص مذهب الفيض الإلهي، لكنّهم قاموا بتجريده من كافة عناصره الصوفية. إذ يؤكّد الأفلاطونيون المُحدَثون أنّ كل ما هو موجود ينبع من الله في عملية فيض إلهي متتالي. ويؤكّد الإسماعيليون بدورهم __ أنّ الله لم يكن هو الخالق المباشر للكون. بل يفترضون أنّ الشيء الوحيد الذي انبثق/فاض عنه كان الإرادة الإلهية أو [الأمر]، وأنّ هذه الإرادة مصدر كل ما هو موجود، سبب الأسباب، وعلّة العلل[[7]]. وهذه الإرادة، التي تمّ تضمينها في الكلمة المقدّسة “كُنْ” {يس: 82}، هي العقل الأول، العقل الكوني، الفَيض/الانبثاق الأول للطبيعة الإلهية. كما يقول الكاتب والعالم الإسماعيلي الكرماني [توفي سنة 947م] أنّه: ((العقل الأول أو الموجود الأول، الذي لا وجود له في حدّ ذاته، بل بخلقه وتعاليه))[[8]] ويقول صاحب كتاب الرسالة المصرية البغدادي ناقلاً عن الجلّي الذي ينقل عن العالِم منه السلام عندما سُئِلَ عن “العقل وأينيّته”: ((قال: هو في كل شيءٍ وليس شيءٌ خارجاً عنه، فأصله من نورٍ لا يُطفأ [أي من نور المعنى] ومعدنٍ لا يفنى، وعنصرٍ لايُحصى. إن كان فيمَن دنا فهو في العُلا لا يتقسّم ولا يتجزّأ)). [رسالة منهج العلم والبيان ونزهة السمع والعَيان المعروف بالرسالة المصرية، أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسن البغدادي، العقل وأينيّته]

وفقاً لهذا المنطق، الله ليس له صفات أو حدود. فهو تجريد، “العقل الأول” أو “العقل الكوني”. كمبدأ تجريدي بدون صفات، يصبح الله غامضاً ومجرّداً لدرجة يصبح معها من المحال أن يتوصّل الإنسان إلى إدراكه. يبدو أنّ هذا المعتقد الإسماعيلي يتناقض تماماً مع مذهب الأفلاطونية المُحدَثة واليهودية والمسيحية والإسلام، فجميع هذه المذاهب والديانات تؤمن أنّ الله لديه صفات وأسماء إلهية يُعرَف من خلالها، وأنّه المصدر الأساسي للوجود.

باتباع هذا المنهج الباطني في التفكير، يعتقد الإسماعيليون أنّ الروح الكلية خَلَقَت مادة أولية، هيولى، وأنّ المكان، والزمان، والإنسان الكامل، يشكّلون ختام هذه الفيوضات ومنتهاها. هذا “الإنسان الكامل” أو المثالي بنطوي على العالم العُلوي، وهو جزء من الخليقة، “دار الإبداء”[[9]].

في كل دَور أو دَورة من هذه الفيوضات يوجد نبي يمثّل انعكاس للإنسان المثالي الكامل. حسب التعابير الإسماعيلية يسمّى هذا النبي “الناطق” (أي المتكلّم، الفاعل). ويصاحبه مرافِق يسمّى بـ”الصامت”، وهو الأساس، وهو انعكاس للروح الكلية في عالم الحواس. هذا الصامت أو الأساس يؤدّي دور “وصيّ” أو “نائب” للناطق، وهو مُكَلّف بواجب إعلان وتأويل الوحي الذي يُنزَل على النبي. يقول الكرماني أنّ هذا التأويل يكشف عن المعرفة الداخلية المستترة للوحي (علم الباطن)، وهو المعنى الحقيقي للرسالة الإلهية. لذلك، يقول الكرماني، يقع على عاتق الإمام وظيفة توصيل هذه المعرفة الباطنية، وتوجيه المجتمع وإرشاده وفقاً لها[[10]].

بدأت أدوار أشخاص الناطق [الأنبياء المُنزَلون] مع آدم، تبعه نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى/يسوع، ومحمد، الذين رافقهم على التوالي شيث، سام، إسماعيل، هارون، شمعون/بطرس، وعلي. ويتمتّع علي بمكانة فريدة ضمن النظام العقائدي الإسماعيلي لأنّه “أساس” النبي محمد، ومن نسله، سلالة الأئمّة من بعده، وهم وحدهم يملكون الحق الحصري لتأويل الرسالة الإلهية واستخراج المعاني الباطنية منها.

لذا، من الضروري جداً، كما يقول الكرماني، أن يوجد إمام في كل جيل وزمان، مهمته الحفاظ على الرسالة الإلهية التي يسلّمها النبي وصونها وحفظها من أي تشويه أو تحريف[[11]]. وهكذا، وضمن إطار قدرته الدينية كإمام، الإسماعيلي آغا خان الثالث، يصبح الإمام خليفةً للرسول[[12]].

يؤمن الإسماعيليون أنّ ستّة ظهورات لأشخاص الناطق والصامت قد ظهرت فعلاً. أمّا الدَور السابع فسيكون إيذاناً بوصول آخر الأنبياء وأعظمهم على الإطلاق: المهدي، أو القائِم، الذي سيظهر قبل نهاية العالم[[13]].

لم يكن مفهوم النبي الناطق ومرافقه الصامت وليد الفكر الإسماعيلي. إنّما صيغ من قبل أحد أوائل الغلاة وأقدمهم: أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب الأسَدي، قٌتِلَ عام 138هـ/755م. فوفقاً لأبي الحسن الأشعري [توفي سنة 935م]، نادى أبو الخطّاب بفكرة أنّ الأئمّة هم أنبياء الله الجُدُد، وحُجَجُه القدسيين، ورُسُلُه إلى بني البشر. وقال بقي اثنان منهم هما الناطق: النبي محمد، والصامت: علي بن أبي طالب. حيث امتلك هذان الشخصان معرفة كل ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، ومن الضروري إطاعتهما وعدم الخروج عنهما[[14]]. لا يستفيض الأشعري في شرحه لمفهوم أبو الخطّاب للناطق والصامت، لكنّنا نتوقع أنّ الإسماعيليين، الذين كانوا أكثر تطوّراً من الناحية الفلسفية من أبو الخطّاب، استفادوا بشكل كبير من هذا المفهوم، الذي دمجوه مع الفلسفة الأفلاطونية المُحدثة.

ربما تستفيد العقيدة النصيرية في التجسيدات السبعة للإله من المفهوم الإسماعيلي للفيوضات السبعة، لكنّها تفتقر للدقة الفلسفية التي يتميّز بها المفهوم الإسماعيلي. يشير رينيه دوسو _وهو محق في ذلك_ إلى أنّ النصيريين كانوا، بخلاف الإسماعيليين، يفتقرون لمَلَكَة التأمّل الفلسفي، وبالتالي وصلوا لمفهوم إله واحد غير مُجَرّد من الألوهية والسلطة، كما هو عند الإسماعيليين، وهو العقل الأول أو العقل الصافي. لقد عجزوا عن فهم المصطلحات والمفاهيم الفلسفية المجرّدة عند الإسماعيليين فيما يتعلّق بانبثاق الطبيعة الإلهية والعلاقة بين الناطق والصامت، على النحو المطبّق على محمد وعلي، لذلك قَبِلَ النصيريون بسهولة علي كتجسيد للإله. ويخلص دوسو إلى نتيجة مفادها أنّ النصيريون يمثّلون مثالاً رائعاً عن الطائفة التي تقفز بشكل مباشر من مرحلة الوثنية إلى مرحلة الإسماعيلية. لكنّ هذا التحوّل لم يكتب له الاكتمال. بل كان بالأحرى مرحلة وسطى بين المذهب الإسماعيلي والممارسات النصيرية، ممّا أدّى لخلق عقيدة جديدة[[15]].

إنّ الفكرة الأساسية في هذه العقيدة تكمن في أسطورة علي. ويبدو أنّ استنتاج دوسو صحيح، لأنّ النصيرية يغالون بمكانة علي، باعتباره إلهاً، وأساس للنبي محمد. فهو المعنى، وهو سابقٌ على محمد، الذي هو الناطق (أي حامل) الرسالة الإلهية المُنزَلَة في القرآن.

وترتبط نشأة الكون والخليقة عند النصيريين ارتباطاً وثيقاً بإيمانهم بالظهورات البشرية السبعة للإله في القباب السبع. إذ يؤمن النصريون أنّهم في البدء، قبل وجود العالم، كانوا أنواراً/أجراماً سماوية نيّرة ونجوماً مضيئة، مدركين للفارق بين الطاعة والمعصية. لم يأكلوا أو يشربوا أو يصيبهم النفاث أو النجاسات. وكان نشاطهم الوحيد يتمثل في تأمّل المعنى علي بن أبي طالب بكامل مجده وألقه ونوره وعبادته. وظلوا على حالهم هذه مدة 7077 سنة و7 ساعات. ثم تفاخروا بأنفسهم وتكبّروا قائلين: ((لم يُخلَق خلقاً أكرم منّا))، وبذلك ارتكبوا معصيتهم الأولى وهي الكبرياء والغرور.

ثمّ خلق لهم المعنى حجاباً (وسيطاً) احتجزهم به وضبطهم من خلاله لمدة سبعة آلاف سنة. ثم ظهر لهم وسألهم: ((الَستُ بربكم؟)) [القرآن، سورة الأعراف: 172]، فأجابوه: ((بلى)). وبعد فترة، كشف لهم عن قدرته الإلهية الكلية، وتصوّروا أنّهم باستطاعتهم النظر إليه بشكلٍ كامل، على افتراض أنّه واحدٌ منهم، وتلك كانت الخطيئة الثانية التي ارتكبوها[[16]].

ثمّ أظهر لهم المعنى علي الحجاب، فطافوا به سبعة آلاف وسبعين سنة وسبع ساعات. وبعد انقضاء هذه الفترة ظهر لهم المعنى علي بصورة شيخ كبير أبيض الرأس واللحية، وبهذه الصورة كان قد امتحن أهل النور العالم العلوي النوراني. لكنّ النصيريين عجزوا عن النظر إلى ماوراء هذه الصورة الماثلة أمامهم، وعندما سألهم: ((مَنْ أنا؟))، قالوا: ((لاندري))[[17]]. ثمّ ظهر لهم بصورة الشاب المفتول السبال، راكباً على أسد غاضب، ثم ظهر بصورة الطفل الصغير. وفي كل ظهور من هذه الظهورات كان ينادي: ((ألستُ بربكم؟)).

كان المعنى علي يظهر في كل ظهور ومعه اسمه (محمد) وبابه (سلمان الفارسي)، وأهل مراتب قدسه، وهم المراتب السبع الأوائل العالم الكبير النوراني. وعندما دعاهم ظنّوا أنفسهم مثله، فأصابتهم الحيرة ولم يدروا بما يجيبون. ولكي يضع حداً لحيرتهم وشكوكهم حول طبيعته، أخبرهم المعنى علي أنّه سيخلق لهم داراً سفلية ويظهر لهم في حجاب من جنسهم. وأخبرهم أنّه سيردّ ويرفع كل من يعرفه وحجابه وبابه حق المعرفةـ أمّا من يجحد به ويعصيه فسيخلق من معصيته ضدّاً يقاومه، ومن ينكره سيحبسه في قمصان المسوخية الحيوانية.

عندها توسّل النصيريون وتضرّعوا للمعنى علي أن يبقيهم في عالمهم يسبّحوه ويحمدوه ويعبدوه، وألا يهبطهم للعالم السفلي. لكنّه أجابهم: ((عصيتموني فلو كنتم قلتم ربنا لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العَلّام الغيوب فكنت أعفو عنكم [سورة المائدة: 109])).

وبسبب معاصيهم خلق المعنى علي منها الأبالسة والشياطين، ومن ذنوب الأبالسه خلق النساء. ولهذا السبب بالضبط لا يعلّم النصيريون نسائهم أسرار العقيدة النصيرية ولايشاركوهنّ في الصلوات أو الطقوس أو الشعائر الدينية. وبسبب إيمانهم هذا ينظر أغلب النصيريون إلى المرأة نظرة دونية[[18]].

وبعد أن أهبَطَهُم المعنى علي للعالم السفلي، وسجنهم في قمصان بشرية دونية، ظهر لهم في القباب السبعة، أو القِبَب السبع، وهي فترات زمنية أو عصور قديمة كانت مسكونة بأقوام مختلفة هي: الحِنّ، والبِنّ، والطِّمّ، والرُّمّ، والجان، والجِنّ، واليونان (الإغريق)[[19]]. وفي كل قبّة من هذه القباب ظهر المعنى سبع مرات، مصحوباً باسمه وبابه وأضداده. وفي كل هذه القباب المذكورة _وفقاً لسليمان الأذني_ كان الضدّ (أي الشيطان) يظهر فيها بثلاثة أقانيم وهم واحد (نوعٌ من الثالوث الشيطاني)، وهم يعنون به الخلفاء الراشدين الثلاثة، أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان[[20]]. هذا، بالتأكيد، يعبّر عن مدى الكراهية العنيدة التي يحملها الشيعة لهؤلاء الرجال، الذين يتهمونهم باغتصاب الخلافة من علي. كما أنهم يتهمون عمر وعثمان بإحراق تلك الأجزاء من القرآن الّتي يؤكّدون أنها تضمّنت تسمية النبي محمد علي وريثه ووليّه وخليفته في قيادة المجتمع المسلم.

من خلال هذه القصة، يتّضح أنّ النصريون يؤمنون بوجود عصور ماقبل-آدمية، خلالها كان العالم مسكوناً بأنواع وأجناس مختلفة من الكائنات التي كانت تعبد المعنى علي. وقد أشار الإمام جعفر الصادق بوجود سبع أمَم “ماقبل_آدمية”. قال إنّ الشيعة يفترضون أنّه قبل أن يخلق الله آدم، كان هناك سبعة آدام/أو أوادم ظهروا خلال الدورات السبع، وأنّ الفترة الزمنية لكل دَور كانت تناهز خمسين ألف سنة. ولاحقاً، عندما خلق الله البشر، “كُنا نحن الأئمة، أول الجُجَج (براهين إلهية) ورُسُلُ الله للبشرية”.

وذكر الصادق أيضاً أنّه كانت هناك كائنات حية على الأرض قبل آدم. بعد موتها، تمّ بَعثها، ومحاكمتها، وإرسالها إلى الجنة أو النار مؤقتاً. وأخيراً، تحوّل أهل الجنة إلى ملائكة، في حين تحوّل أهل النار، القَشاش (أكوام القش)، إلى حيوانات كخنازير ودببة وكلاب وأبناء آوى[[21]].

كما أنّ مفهوم العصور السبعة موجود في الديانة الزرادشتية وربما وصل إلى الشيعة عن طريق بلاد فارس. فوفقاً لأسطورة فارسية، شاهد زرادشت، من خلال النعمة الإلهية، شجرة ذات سبع فروع، واحد من ذهب، وواحد من فضة، وواحد من برونز، وواحد من نحاس، وواحد من قصدير، وواحد من فولاذ، وواحد من حديد. وأوحى له أهورامزدا أنّ هذه الشجرة تمثّل صورة العالم، وأنّ كل فرع من فروعها يمثّل إحدى الفترات أو العصور التي عبر خلالها زرادشت[[22]]. وهذا يشبه الصورة التي شاهدها الملك نبوخذنصّر في الحلم، التي مثّلت فترات ومراحل زمنية مختلفة من ممالك العالم[[23]].

هذه، إذن، هي الفترات ماقبل-الآدمية، أو القباب/القِبَب كما يطلق عليها مؤلّف كتاب “الباكورة السليمانية”، التي كان قاطنوها يعبدون المعنى علي. ووفقاً لإدوارد ساليسبري، فإنّ أهل هذه الفترات يمثّلون تدرّجاً للوجود الإنساني من الأدنى للأعلى، يتناسب عكسياً مع الأشكال السبعة للمسوخية التي يعتقد النصيريون أنّهم مرّوا بها كعقاب على معصيتهم، أو لفشلهم في معرفة حقيقة المعنى علي معرفة صحيحة تامّة[[24]].

كما يذكر ساليسبري أنّ القبّة اليونانية (فترة الإغريق)، السابعة والأخيرة، تمثّل أعلى وأسمى نقطة في الوجود البشري قبل الظهورات الخاصة للمعنى علي في السبع قباب الذاتية (سبع فترات ذات الطبيعة الإلهية)، والتي بدأت بعد فشل النصيريين في معرفة المعنى علي ولاهوت قُدسِه[[25]]. ظهر المعنى في هذا العالم سبع مرات، بصورة هابيل وشيث ويوسف ويوشع وآصف وشمعون [بطرس] وأخيراً في صورته المرئية [علي بن أبي طالب]. وبظهوره الأخير هذا أوحى للنصيريين بأنّهم كانوا الأسمى بين بني البشر، وأنّه الإله الوحيد الذي ينبغي عليهم أن يعبدوه[[26]]. بعبارةٍ أخرى، كان المعنى علي هو نفس الإله في جميع تجلياته، كما أنّ اسمه، وبابه، وأضداده كانوا قد رافقوه في مختلف ظهوراته المتعاقبة[[27]].

إنّ مفهوم الظهورات السبعة للإله موجود أيضاً في النظام العقائدي الدرزي. واستناداً لمعتقدات الدروز، ظهر حمزة بن علي، مؤسس العقيدة الدرزية، سبع مرات في هذا العالم بصورة بشرية. ويتضمّن كرّاس التعاليم الدرزية السؤال التالي: كم مرةً ظهر حمزة، وما هي أسماؤه؟. الجواب: ظهر سبع مرات، من آدم إلى النبي محمد. ثمّ يتمّ سرد الأسماء التي ظهر بها حمزة في كل فترة من الفترات السبعة[[28]]. أمّا سلفستر دي ساس فيشكّك في أصالة هذه التعاليم الدرزية، لأنّه لم يعثر على عدد المرّات التي ظهر فيها حمزة في أيّة مصادر درزية أخرى[[29]].

نفس الكرّاس الدرزي يتضمّن سؤالاً آخر بخصوص الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله [توفي سنة 1021م]، الذي يعتبر الإله الأعلى عند الدروز، بالإضافة إلى أسمائه والمقامات (العصور، أو الفترات) التي ظهر فيها[[30]]. ويُظهِر الوصف الوارد لظهورات الخليفة الحاكم أنّ الدروز، على غرار النصيريون، يؤمنون بإلهٍ واحد بقي ثابتاً ومستقراً بالرغم من أنّه أظهر نفسه بأشكال وصور مختلفة. كما يشير إلى أنّ الإله وحجابه متّحدان مندمجان إلى أبعد حد في الأقوال والأفعال التي تشكّل شخصاً واحداً. بغضّ النظر عن عدد ظهوراته، يبقى الإله كياناً واحداً. فهو سابقٌ للخليقة ونموذج للإنسان الأولي والكامل. أمّا سبب ظهور الحاكم في صورة البشر  كان تمكين الإنسان من إدراك وجوده بشكل كامل. ويعتبر الحاكم بأمر الله من قبل الدروز ذروة كل الظهورات التي أشارت إليه ودلّت عليه وانتهت واكتملت به[[31]].

إنّ النظام العقائدي الدرزي والنظام العقائدي النصيري متماثلين ومتشابهين إلى حدٍ كبيرٍ يدعو للدهشة، مع استثناء جوهري وحيد: الحاكم بأمر الله هو الإله بالنسبة للدروز، بينما المعنى علي هو الإله بالنسبة للنصيريين. وليس من المفاجئ إذن أن تدعو تعاليم الدروز الدينية إلى لعن النصيريين وإدانتهم لأنهم فصلوا أنفسهم عن الدروز[[32]]. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنّ كِلا الطائفتين لهما نفس الجذور في بلاد فارس. فالمؤسّسَين الأوائل: محمد بن نصير عند النصيريين وحمزة بن علي عند الدروز، كانا من أصل فارسي. وكذلك مؤسّس الطائفة الإسماعيلية بفرعها “الحشّاشين”[[33]]. وسندرس فيما بعد بالتفصيل التاثيرات الفارسية على النظام العقائدي النصيري .

رأينا في بداية هذا الفصل أنّ الركن الأول من أركان العقيدة النصيرية هو وحدانية الله المطلقة، الأزلي، السرمدي، الأبدي، ذاتي الوجود. لكنّنا لاحظنا أيضاً أنّ هذا الإله يتألّف من ثلاثة أقانيم: (المعنى)=علي، و(الاسم/الحجاب)=محمد، و(الباب)=سلمان الفارسي، وهؤلاء الثلاثة يشكّلون ثالوثاً قدسياً لا ينفصم. من الناحية الجوهرية، هؤلاء الثلاثة يمثّلون علي بن أبي طالب. كما جاء في كتيّب تعليم أسس العقيدة النصيرية، فإنّ “المعنى” و”الاسم” و”الباب” جميعهم متّحدون كاتّحاد أسماء البسملة (الله، الرحمن، الرحيم)، وهي الصيغة التي تسبق كل سورة من سور القرآن ما عدا سورة واحدة [هي سورة التوبة]. ما يقصده مؤلّف هذا الكتيّب التعليمي بشأن هذه الصيغة هو أنّ “الله” يشير إلى “المعنى” (علي)، و”الرحمن” يشير إلى “الاسم” (محمد)، و”الرحيم” يشير إلى “الباب” (سلمان الفارسي)[[34]]. ((س10: ما هو الاسم والمعنى والباب؟. ج: هو ثالوث غير منفصل، تدلّ وحدانيته على إلهية مولانا، ولهذا نقول “بسم الله الرحمن الرحيم”، فلفظة “الله” تدل على المعنى، ولفظة “الرحمن الرحيم” تدل على الاسم والباب.)).

السؤال رقم 12 من نفس الكتيّب التعليمي يسأل: ((هل أنّ الباب والمعنى ينفصلوا من الاسم؟. ج: كلا… بل إنّهم متّصلين إليه ولا عنه منفصلين))[[35]]. وهذا الثالوث المقدّس، الذي يُرمَز له بالأحرف المبدئية من كل اسم (ع. م. س [عمس])، يشكّل جوهر إلهي واحد. فنحن نقرأ في مناظرة الشيخ النشابي: ((الشخص الذي عايناه بالصورة المرئية البشرية [علي] هو الميم [محمد]، ومحمد وعلي وسلمان هم جوهر واحد ونور واحد))[[36]].

كل واحد من هؤلاء الشخوص الثلاثة يُظهِرُ نفسه بالآخَرَين، مع أنّهم بوصفهم “العَليّ الأعلى” لا يتغيّرون ولا يتبدّلون. فليس هناك فرق بين “المعنى” و”الاسم”. فهذين الكيانين لا يمكن الفصل بينهما، فهما “كشعاع الشمس من القرص”[[37]]. يقول العالِم النصيري من القرن العاشر ميلادي الشيخ علي بن عيسى الجسري في كتابه “رسالة التوحيد” أنّ الله هو الاسم والمعنى. ((إنّ الله اسم المعنى، وهو الاسم الذي يظهر للعالم ليعرفوا به المعنى، وينادوه به، ويوحّدوه. المعنى لا ينفصل عن اسمه، واسمه لا ينفصل عن معناه، والاسم هو خالق كل شيء))[[38]].

يؤمن النصيريون أنّ هؤلاء الأشخاص الثلاثة هم واحد في الحقيقة. ومن قبيل الجهل المَحض، بل والكفر أيضاً، الفصل والتفريق بينهم. و النصيري الذي لايعترف بالعلاقة الحقيقية بين هؤلاء الأقانيم الثلاثة لايُعَدُّ مؤمناً حقيقياً. وهذا ما تشهد عليه المصادر النصيرية، التي تنسب إلى الإمام جعفر حديث يقول فيه: ((مَنْ عَبَدَ الاسم من دون المعنى فقد كَفُر، ومَنْ عَبَدَ الاسم والمعنى فقد أشرَك، ومَنْ عَبَدَ المعنى بحقيقة الاسم فقد وَحَّد…))[[39]].

يشكّل هذا الثالوث المقدّس أساس العقيدة الدينية النصيرية. ففي السورة التاسعة من كتاب المجموع [كتاب الباكورة السليمانية] تسمّى هذه السورة “بالعين العلوية”، في هذه السورة يرتبط محمد بن نصير، المؤسّس الأصلي للطائفة النصيرية، بشكل وثيق مع الشخص الثالث من الثالوث: سلمان الفارسي. وهذا الثالوث هو النقطة المركزية في شهادة الإيمان النصيرية: ((شهادة أن لا إله إلا علي بن أبي طالب الأصلع الأنزع المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي المقصود))[[40]]. وهذا الثالوث مقدّسٌ جداً لدرجة أنّه في “كتاب المشيخة” يتمّ التضرّع للمعنى علي بصيغة ((بحق المعنى، والاسم، والباب)). وفي نفس الكتاب، تتمّ الإشارة إلى ((المعنى القديم، والاسم العظيم، والباب الكريم))[[41]]. وفي المصادر النصيرية، يتمّ الحديث عن زوجة النبي، أُم سَلمة، أنّها مُخَوّلة بالأنعام الدالّة بولايتها على ظهورات المعنى والاسم والباب[[42]].

وهكذا، فإنّ الثالوث الذي ترمز له الحروف المبدئية [ع. م. س عمس] هو صلب العقيدة النصيرية. ولن يُقسِم أي شخص نصيري متعلّم بهذا الثالوث كَذِباً. في الحقيقة، يخبرنا “كتاب الباكورة السليمانية” أنّ أكثر الأفعال إلزاماً بين النصيريين تتمثّل في وضع يد الشخص فوق يد الآخر والقول: ((أمّا اليمين الثابتة عند النصيرية كافةً فهي أن تضع يدك في يده وتقول “أحلّفك بأمانتك عقد علي أمير المؤمنين وبعقد ع م س”، فلا يمكنه بعد هذا اليمين أن يكذب))[[43]]، وبهذا تلزمه أن يقول الحقيقة.

شكل آخر من أشكال القَسَم وهو أن يضع إصبعه في فمه ويبلّلها بلعابه ويضعها في رقبة الشخص الآخر. ((وأيضاً بلّ إصبعك بريقك واجعلها في عنقه وتقول “تبرّيتُ من خطاياي وأوضعها في عنقك وأحلّفك أيضاً بأساس دينك بسر عقد ع م س أن تخبرني عن صحة أمر كذا” فلا يمكنه الكذب بعد هذا)). هذا الشكل من القَسَم يحول دون القول الباطل. وهكذا، فإنّ كامل حياة النصيريين _سلوكهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض_ تحرّكها نعمة هذا الثالوث وإيمانهم والتزامهم به[[44]].

بالنسبة للنصيريين، تحتوي كلمة “عمس” سِرّ أو لغز ثالوثهم، مع الأخذ في الاعتبار سر الثالوث المقدّس في المسيحية، على الرغم من أنّ المسيحيين لايستخدمون خطابات غامضة ومبهمة للدلالة على الثالوث. أمّا عادة استخدام الحروف المرمّزة فكانت عادة متّبَعَة عند الشعوب والحضارات القديمة لإبراز القوى الغامضة الخفية والكامنة في الكون أو الآلهة[[45]]. تبدأ بعض سور القرآن بكلمات مبهمة ومرمّزة لا يستطيع أحد تفسيرها أو شرحها، إلا الله والراسخون في العلم الذين يتمتّعون بمعرفة كاملة في العلوم الدينية {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [سورة آل عمران: 7][[46]]. ربّما كانت مشيئة الله أن يترك بعضاً من خططه الإلهية السرية غامضة وغير مفهومة تماماً من قبل البشر، كما هو مذكورٌ في القرآن: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]

يحتوي كتاب “الجَفر”،الذي أوحي للإمام جعفر الصادق كما يؤمن الشيعة، يحتوي _من جملة أمور أخرى_ تفسيراً باطنياً/تأويلاً لمعاني الحروف المبهمة في القرآن[[47]]. في الحقيقة، قَرَنَ بعض النصيريين، وبالأخص الشيخ النصيري من القرن التاسع عشر محمد بن كلازو، الحروف المبدئية “ع م س” بالمعنى الروحي للدلالة على مراحل وأطوار القمر: هلال، وبدر، وقمر[[48]] .

بإيجاز شديد، يشكّل كلاً من المعنى والاسم والباب ثالوثاً موحّداً لا ينفصم، على غرار صيغة البسملة في القرآن ((بسم الله الرحمن الرحيم)). نضيف أنّ المعنى والاسم والباب يتميّزون بألقاب ثلاثية الأوجه: مَثَلية، وذاتية، وصفاتية. الأسماء أو الألقاب المَثَلية خاصة بالمعنى، أمّا الذاتية هي التي يستخدمها الاسم، لكنّها تشير حصراً إلى المعنى، كما هو الحال عندما نقول ((بسم الله الرحمن الرحيم)). وبهذا يبدأ صاحب كتاب تعليم الديانة النصيرية تعاليمه ((بسم المعنى القديم، والاسم العظيم، والباب المقيم، وهو الله الرحمن الرحيم))[[49]].

إنّ الصيغة الإسلامية الرسمية للبسملة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) يتم تفسيرها عند النصيريين وفقاً للمعاني الظاهرية والباطنية للأسرار الإلهية. لذلك نرى في السؤال 98 من الكتّيب ما يلي:

((س98: ما هو الباطن وما هو الظاهر؟

الجواب: إعلم أنّ لفظة الباطن تدلّ على لاهوت مولانا، والظاهر يدلّ على إنسانيته. ففي الظاهر نقول مولانا علي بن أبي طالب، ومعناه في الباطن المعنى والاسم والباب، وهو الله الرحمن الرحيم))[[50]]. أو كما أشار جوزيف كاتافاغو في وصفه لكتاب “مجموع الأعياد” أنّ كاتبه، أبو سعيد ميمون بن القاسم الطبراني [توفي سنة 1934م]، يميّز بين ثلاثة أوجه في علي: اللاهوت أوجوهر الوجود، والنور أو الحجاب، والباب وهو الروح القُدُس الأمين[[51]].

لقد ارتبط ثالوث النصيريين عند معظم الباحثين بأمثاله من الديانات الأخرى. فالمحترم صموئيل لايد على سبيل المثال يقول أنّ النصيريين أخذوا أفكار ومفاهيم كثيرة من الديانة المسيحية، بما فيها عقيدة الثالوث[[52]]. أمّا القسّ هنري لامنس، الذي يعتقد أنّ النصيريين هم في الأصل مسيحيون غيّروا ديانتهم، ويشير إلى أنّهم تمسّكوا بالعديد من المبادئ المسيحية، بما فيها عقيدة الثالوث[[53]]. ومن ناحية أخرى، يرى رينيه دوسو، في الثالوث النصري كافة خصائص تَكَيُّف الطوائف المحلية واندماج معتقداتها ومفاهيمها، ويؤكد أنّ مفهوم الثالوث كان شائعاً في جميع الطوائف السريانية-الفينيقية القديمة[[54]]. بالرغم من أننا سنعود لمناقشة هذا الموضوع بالتفصيل في وقتٍ لاحق، ولكن تجدر الإشارة إلى عدم وجود أي تطابق أساسي بين الثالوث النصيري والثالوث المسيحي، بالرغم من التشابه في المصطلحات. حسب الديانة المسيحية، يتألّف الثالوث المقدّس من الآن والابن والروح القُدُس، ثلاثة أشخاص هم في الأصل كيان واحد موحّد في الجوهر والقدرة والألوهية. إنّهم إلهٌ واحدٌ، متكافئين، متساوين من حيث الوجود والقِدَم. في هذا الثالوث الإلهي، نرى أنّ الابن، يسوع المسيح، مولود، وليس مُختَرَع [مثل الاسم في الثالوث النصيري]، والروح القُدُس ينبثق من الأب، لكنّ الثلاثة ما هم سوى إله واحد، وهم ثالوث في اتحاد واتحاد في ثالوث.

أمّا الثالوث النصيري ، فليس ثالوثاً من أشخاص توحّدوا في إله واحد، لأنّ “المعنى” [علي] خَلَق[**] “الاسم” [محمد]، الذي خَلَقَ بدوره الباب [سَلمان الفارسي]. ويصبح الأمر أكثر وضوحاً من خلال أحد الأسئلة في كتاب تعلم الديانة النصيرية:

((س11: كيف المعنى اخترع الاسم وكيف الاسم اخترع [خَلَقَ] الباب؟

الجواب: إعلَم أنّ عنصر العناصر وجوهر الجواهر قد اخترع الاسم من نور وحدانيته…))[[55]].

ووفقاً لما جاء في كتاب المشيخة: (([المعنى علي] اخترع من نور أحَدِيّته وأنزعيته وصمدانيته نوراً منبجساً من جوهر معنويته فسمّاه الله حين ناجاه وحرّكه من سكونه واصطفاه وسمّاه باسمه واجتباه، ولم يكن له ربٌ سواه وجعله نوره البارق وواحده الخالق ولسانه الناطق، وأقامه بالأمر العظيم والسبب القديم، وجعله دائرة الوجود ومحراب السجود بأمر العلي المعبود، وقال له: كُنْ مبوّب الأبواب ومسبّب الأسباب، فعندها الحجاب خلق الباب بأمر مولاه وغايته ومعناه وكاشف ضرّه وبلواه وأمره أن يخلق العوالم العلوية والسفلية…))[[56]].

نعلم من هذا المقطع أنّ المعنى علي خَلَقَ/اخترع الاسم محمد، وأنّ محمداً لا إله عليه سوى المعنى علي. وبصفته مخلوق لعلي [المعنى]، لايمكن أن يكون محمد [الاسم] متجانساً مع المعنى علي في ألوهيته. عليه أن يشغل مكانة أدنى في الثالوث النصيري ، كما هو واضح من كتيّب التعليم النصيري ، الذي يكلّف محمد [الاسم] بواجب دعوة المؤمنين إلى معرفة ربهم العلي الأعلى. يقول الكتيّب أيضاً أنّ علي هو من علمّ محمد القرآن عن طريق جبريل[[57]]. وهناك المزيد من الدلائل والبراهين على المكانة المتدّنية للاسم [محمد] بالنسبة للمعنى [علي] تظهر من خلال أقواله: ((لأنّ علياً خلقني من نور أحديته وصمديته وأنزعيته))، وأيضاً ((أليسَ علي بربي وربكم؟))[[58]]. ولهذا السبب بالذات نجد في المصادر النصيرية دلائل تشير إلى اقتران الاسم بالمعنى. وقد استشهدنا سابقاً بالحديث المنسوب للإمام جعفر الصادق: ((مَنْ عَبَدَ الاسم من دون المعنى فقد كَفُر، ومَنْ عَبَدَ الاسم والمعنى فقد أشرَك، ومَنْ عَبَدَ المعنى بحقيقة الاسم فقد وَحَّد))[[59]]. ونفس الإمام جعفر الصادق يقول مفسّراً في كتاب الهفت الشريف أنّ الله، المعنى، يقرّع المؤمنين لعبادتهم الاسم من دون المعنى، سائلاً إياهم: ((هل ستعبدون الاسم من دون المعنى؟)). ما يشير بوضوح إلى أنّ عبادتهم يجب أن تكون مركّزة للمعنى وحده[[60]].

وهكذا يتّضح أنّ الثالوث النصيري مختلف تماماً عن الثالوث المسيحي، فهو ليس مؤلّفاً من أقانيم أو شخوص متساوين في المقام والمكانة، كما في الثالوث المسيحي، فالثالوث في المسيحية هو ثلاثة أشخاص من جوهر واحد وقدرة واحدة ووجود واحد. أمّا الثالوث النصيري فهو بالأحرى ثالوث شراكة، فيه المعنى علي والاسم محمد والباب سلمان يشكّلون ثلاثة جوانب مختلفة للطبيعة الإلهية.

مع أنّ الثالوث النصيري يختلف جوهرياً عن الثالوث المسيحي، نلاحظ أنّ سليمان الأذني في تفسيره لسورة الفتح يقول أنّ هذا الثلاثي، علي ومحمد وسلمان الفارسي هم شخوص “الثالوث المقدس” عند النصيريين. ويقول مفسّراً أنّ علياً [المعنى] في هذا الثالوث يقابل الآب، ومحمد [الاسم] يقابل الابن، وسلمان الفارسي [الباب] يقابل الروح القُدُس، أي شخوص الثالوث المقدس المسيحي[[61]]. قد يكون قول الأذني هنا مبرّراً عندما اقترح هذا التقابل بين شخوص الثالوث النصيري والمسيحي، إذ أنّنا نعثر في النصوص النصيرية القديمة على اعتراف صريح ببُنُوّة المسيح ووحدة جوهره مع الأب، مع أنّ هذه المصادر لا توحي بوجود تشابه بين الثالوثين النصيري والمسيحي.

يصف الإمام جعفر الصادق في “كتاب الأسوس” [أو الأُسُسْ] الدورات السبعة للظهورات الإلهية. فهو يقول أنّه في كل دَورة من هذه الدوارت، كان الله يلعب دوراً مختلفاً. ففي الفترة الموسوية على سبيل المثال، أمر الله موسى ببناء قبّة ليسكُنَ فيها. كما أعطى الرب لموسى التوراة وأمره بتعليم الإسرائيليين مبادئ الطهارة، والامتناع عن تناول لحوم أنواع معينة من الحيوانات المحرّمة لديهم. ويستأنف الصادق: ((فَلَمّا جاء المسيح الابن، وإنّما هو الآب في صورة الإبنية، فَحَلّ في المريمية، وغيّر  سُنّة موسى ورحمهم… ورفع عنهم الغسل من الجنابة والوضوء)).

يتابع الصادق قائلاً: ((أفلا ترى أيها السائل أنّه قد أعتقهم [الإسرائيليين] مِنْ كثير مِمّا فَرَضَ عليهم موسى من الأغلال والآصار؟))[[62]]. في هذا الحديث، نجد أنّ مفهوم الأب، والابن المُتّحد مع الأب والذي تجسّد في العذراء، هو صلب وأساس الديانة المسيحية. السياق هنا نصيري بحت دون أدنى شك.

إذن، ما هي العلاقة بين المعنى علي والاسم محمد في النظام اللاهوتي النصيري ؟…

لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال إلا من خلال تسليط الضوء على كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة من الثالوث النصيري على حِدَة. وهذا ما سنقوم به خلال الفصول التالية.


[1]) “كتاب تعليم الديانة النصيرية”، المكتبة الوطنية بباريس Arab MS. 6182, fol. 4، والنسخة الإنكليزية موجودة ضمن كتاب المحترم صموئيل لايد، اللغز الآسيوي، صـ271. انظر أيضاً ترجمة الدكتور وولف الألمانية في كتابه (Wolff “Auziige aus dem Katechismus der Nossairien,” 303 -309). وانظر أيضاً: أبو موسى الحريري، “النصيريون العلويون“، صـ49.

[2] ) لايد، “اللغز الآسيوي“، صـ110. وابن العبري، “تاريخ مختصر الدول”، صـ49.

[3] ) راجع المسألة رقم 9 من “كتاب تعليم الديانة النصيرية”، المكتية الوطنية بباريس Arab MS. 6182, fols 4-15. وانظر أيضاً Carsten Niebuhr, Travels، أعيدت طباعته مع ترجمة إنكليزية في كتاب لايد، “اللغز الآسيوي”، صـ295-297. استند نيبور في معلوماته على كتاب نصيري قديم وقع بحوزته. تمّ العثور على هذا الكتاب، حسب نيبور، من قبل موظفين حكوميين أتراك في غرفة شخص نصيري كانوا قد داهموه خلال الليل واقتادوه إلى السجن. الظهورات السبعة للإله في الصورة البشرية موجودة أيضاً في الديانة الدرزية، ولكن في حالة الدروز فالإله هو حمزة بن علي، مؤسس ديانتهم ويعتبر أيضاً إلههم، الذي ظهر سبع مرات في العالم. انظر الكتيّب أو الكرّاس التعليمي “كتاب تعليم الدين الدرزي” مخطوطة المكتبة الوطنية بباريس Arab MS. 5188 المسائل 24 و25 صورة الصفحة 58. وانظر أيضاً and de Sacy, Expose, 1:66

[4] ) انظر السورتان 5 (الفَتح) و8 (الإشارة) من كتاب المجموع. وضمن كتاب “الباكورة السليمانية”، صـ3، 19-20 و23-24. ولتفسير أوضح لكلمة “سَلسَل”، انظر:

Massignon, Salman Pak et les Premices Spirituelles de l ’Islam iranien, 37, including no. 3.

[*] طائفة أهل الحق: هم جماعة شيعية متطرفة من إيران، من أكثر الفرق والطوائف شعبية هناك، ويُعرَفون أيضاً بأهل الحقيقة، أو العَلِي-إلهية. وتتكوّن هذه الفرقة من عدّة فروع أو طوائف فرعية سُمّيّت تيمّناً بأسماء قدّيسيها أوزعمائها، أو بأسماء كائنات وأشياء غريبة بتلك الفِرَق. كما أنهم يعتبرون نصير أحد قديسيهم وأوليائهم الرئيسيين (ويشيرون إلى أنفسهم في بعض الأحيان بالنصيريين)، لذا لا يجب الخلط بينهم وبين الطائفة العلوية-النصيرية التي أسسها محمد ابن نصير النميري، أحد صحابة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري. ويزعم أتباع شيعة أخهل الحق أنّ نصير كان أحد أفراد القوات القتالية للإمام علي بن أبي طالب التي أرسلت من قبل النبي محمد لمحاربة اليهود في حصن خيبر. وقتل نصير في هذه الحملة، فتوسّلت أمه لعلي بن أبي طالب ليبعثه من الموت ويعيده إلى الحياة، وهذا ما فعله علي. وعند استيقاظه فتح نصير عينيه ورأى علي ماثلاً أمامه فقال: “أشهد أنك إله)). غضب علي من تأليه الشاب له، وقتله في ثورة غضب بضربة من سيفه ذولفقار. وقيل أنّ علي قتل الشاب سبع مرات وأعاده إلى الحياة في محاولة لاستتابته لكن بدون جدوى. وأخيراً سمع علي صوتاً قادماً من السماء، كان صوت الله، يخبره أنّه الله الأحد الذي لا شريك له، رب السموات والأرض، بيده الحياة والموت. لكنّ الله أخبر علي: “لا تقلق هذه المرة، سأكون أنا إله العالمين، وستكون أنت ربّ نصير”. وطاعةً لله، أرسل علي نصيراً والدته حياً وعلى خير ما يرام. [المجلسي، حياة القلوب، صـ44]

[5] ) أنظر:

De Sacy, Expose , 1:471; Dussaud, Histoire et Religion des Nosairies, 45 and von Hammer-Purgstall, The History of the As-

sassins, 35

[6] ) جمال الدين أبو الفرج الجوزي، تلبيس إبليس، صـ103. الشهرستاني، كتاب الملل النحل، 2/38. عارف تامر، خمس رسائل إسماعيلية، (بيروت، دار الإنصاف، 1956)، صـ147-150. الشيبي، “الصلة بين التصوف والتشيّع”، صـ200-203.

[7] ) أبو يعقوب، السجستاني، تحف المستجيبين، في كتاب تامر، خمس رسائل إسماعيلية، ص،140-150. وفرهاد دفتري، الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم، (بيروت، المركز العربي للدراسات والنشر، 1972)، صـ17.

[8] ) الكرماني، راحة العقل، صـ158. ولشرح مستفيض أكثر عن مفهوم الزمان الدائري في العقيدة الإسماعيلية، انظر:

Corbin, Cyclical Time and Ismaili Gnosis, 30 -58 and 184.

[9] ) Petrushevsky, Islam in Iran, 245

[10] ) الكرماني، راحة العقل، صـ252-254. مكارم: “الأهمية الفلسفية للإمام عند الإسماعيلية”.

Makarem, “The Philisophical Significance of the Imam in Isma’ilism ,” Studia Islamica 28 (1967): 4 7 -4 8 ; Idem, The Doctrine of the Isma’ilis, 29 -3 0 ; von Hammer-Purgstall, The History of the Assasins, 35; and Corbin, Cyclical Time and Ismaili Gnosis, 42, 45, 47, 98, 157, and 184,

[11] ) الكرماني، المصابيح في إثبات الإمامية، تحرير مصطفى غالب (بيروت، منشورات حماد، 1969)، صـ80-95.

Makarem, The Doctrine of the Isma’ilis, 37-39 . Cf. Corbin, En Islam iranien, 3:231, 257, and 4:281-86

[12] ) مذكرات الآغا خان The Memoirs of Ag a Khan (London; Cassel and Company, 1954), 3:178-79

[13] ) Petrushevsky, Islam in Iran, 235

[14] ) الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري، كتاب المقالات، صـ10-11. وعبد القاهر البغدادي، الفَرق بين الفِرَق، صـ247-248.

[15] ) Dussaud, Histoire et religion des Nosairis, 45 and 51

[16] ) السابق، صـ70-71. انظر أيضاً: المفضّل بن عمر الجعفي، كتاب الصراط، مخطوط المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS, 1449, fol. 86a]، والأذني، كتاب الباكورة السليمانية، صـ59-69، وأبو موسى الحريري، العلويون النصيريون، صـ67.

[17] ) كتاب الأسوس، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1449, fol. 9a]. الأذني، كتاب الباكورة السليمانية، صـ60. الحريري، العلويون النصيريون، صـ67

Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 71

[18] ) الأذني، الباكورة السليمانية، صـ60-61. الحريري، العلويون النصيريون، صـ68

Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, IT

[19] ) كتاب تعليم الديانة النصيرية، مخطوط المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, question 52]، السؤال 52. كتاب المشيخة، ضمن كتاب اللغز الآسيوي، صـ61.

Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 74—75

[20] ) الأذني، الباكورة السليمانية، صـ17 و62.

[21] ) كتاب الهَفت الشريف، صـ186-188. والحريري، العلويون النصيريون، صـ69. انظر أيضاً: علي بن إبراهيم، التفسير، صـ19 و21. بشأن الإمام الصادق، الذي يؤكّد على وجود الكائنات ما قبل الآدمية.

[22] ) انظر مثلاً:

  1. Blochet, “Etudes Sur l’Histoire Religieuse de l’Iran,” Revue de l’Histoire des Religion (1899), 2:15; and Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 75. Cf “Cyclical Time in Mazdaizm ,” in Corbin, Cyclical Time and Ismaili Gnosis, 1-30.

[23] ) انظر ما جاء في كتاب دانيال: ((«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ.

37«أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. 38وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. 41وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ.42وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. 43وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ.44وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ»)) 2: 31-45. وانظر أيضاً:

Frederic Macler, Les Apocalypse Apocryphes de Daniel, (Paris: C. Noblet, 1895); and Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 75

[24] ) انظر ملاحظات الترجمة الإنكليزية لكتاب الباكورة السليمانية، لإدوارد سالِسبوري.

“Notes on the Book of Salaiman’s First Ripe Fruit,” note on 287

[25] ) السابق، وكتاب الأذني، الباكورة السليمانية، صـ85-86.

[26] ) الأذني، الباكورة السليمانية، صـ11، 47، و59-63. والحريري، العلويون النصيريون، صـ70.

[27] ) انظر كتاب التعليم النصيري مخطوط المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182 fols. 3 -4]. وكتاب المشيخة، لايد: اللغز الآسيوي، صـ118.

[28] ) انظر كتاب تعليم الحكمة الدرزي، مخطوط المكتبة الوطنية بباريس، [Arab MS. 5188, fob 58]، واللغز الآسيوي، صـ87.

[29] ) De Sacy, Expose, 1:65—67

[30] ) المكتبة الوطنية بباريس، [Arab MS. 5188, fols. 59]

[31] ) لتفاصيل أكثر أنظر: De Sacy, Expose, 1:66

[32] ) انظر كتاب تعليم الحكمة الدرزي، مخطوط المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 5188, fols. 5152, question 44]، السؤال 44.

[33] ) De Sacy, Expose, 1:66

[34] ) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, fols. 4].

[35] ) المصدر السابق.

[36] ) انظر كتاب المناظرة، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1450, fol, 139]

[37] ) المصدر السابق، [fols. 96 -97]

[38] ) رسالة التوحيد، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS, 1450, fol. 47]

[39] ) المصدر السابق، [fols. 6 -7]. “المسائل” لأبي عبد الله ابن هارون الصائغ نقلها عن سيّده أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1450, fol. 50]، أبو عبد الله بن شُعبة الحَرّاني، كتاب الأصَيفِر، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1450, fols. 7b and 8a] حيث يستشهد المؤلّف بحديث عن الإمام الصادق: انظر:   De Sacy, Expose, 2:581

[40] ) انظر السورة الرابعة من كتاب المجموع واسمها “النسبة”، الأذني، الباكورة السليمانية، صـ14. وانظر أيضاً:

Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 166

[41] ) من أجل هذه الفقرات، انظر كتاب المشيخة ضمن كتاب لايد اللغز الآسيوي، صـ121. السورة السادسة من كتاب المجموع واسمها “السجود” في كتاب الأذني، الباكورة السليمانية، صـ21. والمقدمة في كتاب تعليم الديانة النصيرية، [Arab MS. 6182]

[42] ) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, question 22, fol. 6]، السؤال 22. وكتاب المشيخة، ضمن كتاب لايد اللغز الآسيوي، صـ121 و136

[43] ) الأذني، الباكورة السليمانية، صـ83.

[44] ) المصدر السابق، والحريري، العلويون النصيريون، صـ43.

[45] ) Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 65

[46] )  انظر كتاب تيودور نولدكه

Theodor Noldeke, Sketches from Eastern History, trans. John Sutherland Black (Beirut: Khayat, 1963), 47-48

[47] ) عبد الرحمن ابن خلدون، المقدّمة، (القاهرة: مطبعة مصطفى محمد)، صـ334 و338. انظر أيضاً:

Dussaud, Histoire at Religion des Nosairis, 67

[48] ) الأذني، الباكورة السليمانبة، صـ64, Dussaud, Histoire et Religion des Norairis, 67

[49] ) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, fols. 1 and 4]

[50] ) السابق، [Ibid., MS, 6182, fol. 19]

[51] ) أبو سعيد ميمون بن القاسم الطبراني النصيري، “كتاب سبيل راحة الأرواح ودليل السرور والأفراح إلى فالق الصباح المعروف بكتاب مجموع الأعياد”. والعنوان الثاني هو العنوان المعتمد لهذا الكتاب. وتمّ العثور على هذه المخطوطة من قبل جوزيف كاتافاغو، مستشار القنصل الروسي ببيروت، والذي نشر باالغة الفرنسية عناوين الأعياد والمناسبات النصيرية وبعض صلواتهم، وخصوصاً المتعلقة بعيد النوروز وليلة الميلاد. انظر:

Catafago, “Notices Sur Les Anseriens, ” 149-68.

وتوجد ترجمة إنكليزية ضمن كتاب اللغز الآسيوي، صـ289-90. إلا أنّ النص الكامل لم يتمّ نشره إلا لاحقاً على يد الباحث رودولف شتروتمان ضمن ثلاث آجزاء. انظر كتاب الطبراني، مجموع الأعياد”، تحرير وتحقلق رودولف شتروتمان، ضمن مجلة Der Islam, 27 (1943—44): 1-60 and (1946): 161-273

[52] ) Lyde, The Asian Mystery, 118. Cf. Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 64

[53] ) Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 64

[54] ) انظر

Henri Lammens, “Les Nosairis Furent-Ils Chretiens?” Revue de l ’Orient Chretien 6 (1901): 33—50; and idem, “Les Nosairis, Notes sur leur Histoire et leur Religion ,” Etudes  Religieuses (1899): 4 8 2-83; and idem, “Au Pay des Nosairis ,” Revue de l’Orient Chretien (1899): 572, Seq and (1900): 99, Seq; and Edward J. Jurji, “The Alids of North Syria,” The Moslem World 29, no. 4 (October 1939): 337, no. 30.

[**] الأصح هو أن نقول [اخترع] وليس “خَلَقَ” لأنّ الأساس أنّ المعنى اخترع الاسم من نور ذاته: ((أشهدُ بأنّ مولاي أمير النحل علي [المعنى] اخترع السيد محمد من نور ذاته، وسَمّاه اسمه…)) [كتاب المحجموع، أو الدستور، السورة الخامسة: سورة الفتح]

وأيضاً ((أشهد أنّ مولاي علي أمير المؤمنين الذي فتح الفتح المبين اخترع السيد محمد من نور ذاته وجَعَلَه حجابه الأعظم، وجَعَلَه موقع أسمائه وصفاته، وأنّ السيد محمد خلق السيد سلمان…)) أنظر سلسلة التراث العلوي، ج9، كتب العلويين المقدسة، تحقيق وتقديم أبو موسى والشيخ موسى، دار لأجل المعرفة، ديار عقل، لبنان، 2008، صـ20.

[55] ) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, fob 4,]

[56] ) كتاب المشيخة، ضمن كتاب لايد، اللغز الآسيوي، صـ125. والأذني، كتاب الباكورة السليمانية، صـ19-20.

[57] ) كتاب تعليم الديانة النصيرية، المكتبة الوطنية بباريس [ Arab MS. 6182, questions 3 and 73, fols. 2 and 15]، سؤال 3 و73

[58] ) كتاب المشيخة ضمن كتاب لايد “اللغز الآسيوي”، صـ124.

[59] ) انظر الكلمات الواردة في الملاحظة 39 في الأعلى. انظر أيضاً De Sacy, Expose, 2: 158

Dussaud, Histoire et Religion des Nosairis, 67 n, 7

[60] ) كتاب الهَفت الشريف، صـ209.

[61] ) الأذني، الباكورة السليمانية، صـ19-20.

[62] ) كتاب الأسوس، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1449, fols. 56b-57a]. والحريري، العلويون النصيريون، صـ50-51.