مجلة حكمة
الكاتب

الكاتب

الكاتب برتولت بريخت
الترجمةمحمد وليد قرين
لما سُئِل لماذا يتحدث دائما في أعماله عن البؤس ولماذا يستقصي ويصوّر دائما التأثير الُمدمِّر للبؤس على البشر ولماذا لا يصف أبدا صورا مليئة بالأمل والبهجة، حكى كاتبٌ الحكاية التالية:

اسْتُدْعِي طبيب إلى جانب رجل كان يشعر بالألم منذ فترة طويلة جدا وصار الآن طريح الفراش وعلى محياه كل علامات مرض عُضال، ونجح الطبيب في وقت قصير جدّا أن يطمئن المريض وأقاربه المهمومين وبثَّ فيهم الأمل في شفاء قريب. لقد شخّص لهم المرض ووصف حالة المريض كحالة عابرة وبسيطة نسبيًّا. لقد قدّم إرشادات دقيقة ووصف أدوية مختلفة ولم يزعجه أن يذهب عدة مرات في اليوم لعيادة المريض، وهكذا أصبح أكثر ضيف مُرحَّبٍ به في دار المريض.

لكن تطوّر مرض الرجل ولم يعد قادرا على رفع أصبع يده، لأنّ الحمى أضعفته. لكن الطبيب كان
يتحدث عن الصيف، عن الأسفار، عن الوقت الذي سيعيش فيه المريض حياة طيبة بعد أن يتعافى.

في تلك الأيام، جاء صديق قديم للعائلة إلى المدينة التي كان يعيش فيها الرجل، وكان ذلك الصديق طبيبا مشهورا. لمّا رأى المريض أصيب بالفزع لأنه أدرك أنّ الرجل، الذي كان صديقه، لن يستطيع أن يبقى على قيد الحياة. ففحص المريض فحصا دقيقا ومطوّلا ولم يخفِ مخاوفه عن الأقارب، بالرغم من أنه، كما قال، لم يكن باستطاعته بعد أن يحدّد الأسباب الدقيقة للمرض.

لمّا مات الرجل فعلا بعد مرور يومين، سألت الأم المغمومة الصديق إذا ما كان بإمكان إنقاذ ابنها، بما أنها كانت قد سمعت أنّ ذلك المرض الذي شخّصه لها الطبيب، نادرا ما كان ينتهي بالموت. فكّر الصديق للحظة ثم قال: “لا، كان من المستحيل إنقاذه “. لكن الطبيب قال خارج الدار لأخ المريض الأصغر: لو تم تسليم أخاك فورًا لعناية طبيب جرّاح، لكان اليوم لا يزال حيّا. هذا رأيي وأقوله لك أنت. أمك مسنّة ولم تعد تحتاج إلى الحقيقة، وإنما هي تحتاج إلى السلوان. أمّا أنت رجل شاب وتحتاج إلى الحقيقة.”
فسأله الشاب وقال: “ولماذا الطبيب الذي استدعيناه لم يسلّمه فورا لعناية جرّاح؟ لماذا كان دائما يتحدث عن تحسن حالة أخي وعن صحته الجيدة؟ وما الهدف من الأدوية الغالية والإرشادات الدقيقة إذا لم تصلح لشيء؟”

“الأدوية الغالية والإرشادات الدقيقة ليست دائما مفيدة بالضرورة، يا صديقي الشاب، ولكن ما يجب أن يُطلب من طبيب هو أن يُحدِّد الأسباب الصحيحة للمرض. ومن أجل جعل شخص ما يتعافى من المرض، ينبغي أن يكون التشخيص صحيحا. وحتّى يكون التشخيص الصحيح ممكنا، لا يحتاج المرء فقط إلى علم طبي متبحّر، وإنما ينبغي أن يكون له اهتمام حقيقي بشفاء المرض. لا يكفي أن يكون شخص ما طبيبا، يجب أن يكون قادرا على مدّ يد المساعدة. ذاك الطبيب كان يتحدث عن تحسن حالة المريض، بينما لم يكن قد حدّد بعد الأسباب الحقيقية لمرضه. أمّا أنا فأبقى أتحدث عن المرض وفقط عن المرض، إلى غاية أن أتعرف على الأسباب الدقيقة للمرض وأعرف الوسائل الدقيقة التي من شأنها أن تكافح المرض وإلى غاية أن تظهر ملامح التحسن الأولى. حينها فقط قد أتحدث أنا أيضا عن الشفاء.”

قال الكاتب: ” هكذا جرت الأمور على كل حال “. وأوقف الكاتب حكايته.
سُئِل الكاتب بعد صمت دام لحظة قصيرة، من باب الأدب: “ولكنك لست طبيبا.”
فأجابهم وقال: “كلّا. ولكني كاتب.”

العنوان في الأصل: Der Schriftsteller
مصدر النص: كتاب برتولت بريخت، Über Kunst und Politik (عن الفن والسياسة)، ص.
145-146، Reclam Verlag منشورات ريكلام، 1977، لايبزيغLeipzig ، ألمانيا الشرقية