مجلة حكمة
القياس الحملي

كيف نبت في القياس الحملي التقليدي وفي خصائص القضايا المحصورة؟ – محمد مرسلي


  • 1 ـ القياس الحملي: تقديم

إن ما في الورقة الحالية لا يراد منه فقط تطوير العلم، بل يقصد من ورائه أولا وباستعجال رفع عيب وتنبيه عدد كبير ممن درس أو درَّس في عدد من الجامعات العربية إلى خطإ فظيع ارتكبه بعض أساتذة المنطق فيما نشروه من كتب(1).

تعود القصة في البداية إلى كيفية تعامل أولئك الأساتذة مع تدريس المنطق، ذلك أن الواحد منهم يريد أن يدرس المنطق الصوري القديم لكنه يطمح في نفس الآن إلى “تحديث مساقه أو تطوير درسه” بإدخال المنطق الحديث إليه. وعندما يلجأ إلى هذا الأخير لا يجتزيء منه إلا حساب القضايا، فيمسك به بيده اليمنى ويضع القديم باليسرى ويضرب هكذا أحدهما بالثاني معتقدا عن جهل أو سهو أنه بذلك قد “حدث أو طور” علمه وعلم طلابه، ثائرا بذلك على أبي العلا عفيفي رحمه الله. وهكذا أصبحت دروس وكتب أولئك “الأساتذة” مليئة بما لا يحصى ويعد من “قوائم صدق” أَضْرُبِ مختلف أشكال القياس. وأحيانا ما تضع لهذه الشنيعة عنوانا مثل: “القياس الحملي في ضوء نظريات حساب القضايا”(2).

 

  • 2 ـ أوليات لا بد منها لعرض الورقة الحالية:

  1. الأولية الأولى: لكل لغة منطقية نحوها ودلالتها، ويقوم على ضبط هذين الجانبين فيها قواعد صارمة يتم التصريح بها.

  2. 2الأولية الثانية: ما يصح في لغة ما (نحوا أو دلالة) قد لا يصح بالضرورة في لغة ثانية ما لم توضع قواعد توضح حدود كل لغة وعلاقتها باللغة الثانية.

  3. الأولية الثالثة: لا مانع يمنع من أن يضع المنطقي لغة واحدة موسعة تضم أكثر من لغة فرعية بشرط انضباطه لقواعد ما تم وضعه منها.

 

  • 3 ـ اللغات المشهورة بين جمهور المناطقة:

بيداغوجيا يأخذ جمهور المناطقة في زماننا على الأقل بلغتين رئيسيتين:

1.3-اللغة القضوية:

وتتكون من ثلاث مجموعات من الرموز، مجموعة المتغيرات القضوية ومجموعة الروابط القضوية، وأخيرا مجموعة وسائل التنقيط التي يختارها المنطقي. فإذا أراد الدارس مثلا التعرض للغة العربية من خلال هذه اللغة، فسيتعامل مع صور الأقوال فيها في حدود هذه المجموعات الثلاثة. فـ “أخطأ عبد القادر” مثلا لها رمز واحد يختاره لها من المجموعة الأولى؛ لكنه لا يتوفر في لغته القضوية على رموز كي يفردها لأجزائها واحدا واحدا. إذا رمى لهذا فعليه أن يضع لغة ثانية تصبح الأولى مجرد جزء منها وهذه الثانية هي:

2.3-اللغة المحمولية:

وتضم، بالإضافة إلى ما سبق، المجموعات التالية:

ـ مجموعة المتغيرات الشخصية والثوابت الشخصية،

ـ مجموعة المتغيرات المحمولية والثوابت المحمولية،

ـ ومجموعة الأسوار.

بوضعه لهذه اللغة الموسعة يصبح في إمكانه مثلا أن يتعامل مع جملتنا الماضية الدائرة حول عبد القادر بواسطة رمزين أحدهما من مجموعة الأشخاص والثاني من مجموعة المحاميل. بل يمكنه أن يتعامل مع جمل ذات أسوار كلية أو جزئية ناظرا لها من جهة ما فيها من أجزاء ذات علاقات معينة؛ مثلا أن يرى في:

“كل حصان له كبوة”

مركبا شرطيا من محمولين حصرت أشخاصهما (موضوعاتهما) حصرا كليا، ويقرأها مثلا هكذا:

“بالنسبة لأي شيء، إذا كان حصانا، كانت له كبوة”

أما الجزئية:

“بعض العرب كريم”

فيرى فيها على ضوء لغته المحمولية مركبا وصليا من محولين حصرت موضوعاتهما حصرا جزئيا على النحو التالي:

“هناك على الأقل شخص واحد بحيث أنه عربي وكريم”

3.3-لغات أخرى ممكنة:

وأخيرا يمكن للمنطقي ولضرورات علمية معينة وضع قواعد تضمن له سلامة المرور من إحدى اللغتين الماضيتين إلى الأخرى -والأصل في هذه الحالة هو المرور من الثانية إلى الأولى- أو وضع لغة ثالثة تسمح بإجراء عمليات مأمونة على الأصول المطلوب معالجتها. نذكر هنا على سبيل المثال: لغة الحدود القائمة على جبر جورج بول التي يوظفها Quine(3).

 

  • 4 ـ المشكلة التافهة:

في كتب “الأساتذة” المشار إليهم أعلاه تم خرق الأولية الأولى والثانية من هذه الورقة. كيف تم ذلك؟

منذ أرسطوطاليس وعند كل مناطقة الدنيا استقر الرأي على أن العلاقات الأساسية المقومة للصحة والفساد الصوري في كل من خصائص المحصورات الأربع (التقابل) والعكس ولواحقه أو في القياس الحملي علاقات مضبوطة من خلال:

  1. كم وكيف القضايا وما يتبعه من استغراق الحدود فيها.

  2. العلاقات القضوية الرابطة بين المقدمات والنتيجة.

الحاصل من هذا التوضيح أن هذه الكائنات المنطقية تدخل اضطرارا إذ ما أريد “عصرنتها” ضمن مجال اللغة المحمولية؛ فلمعالجتها على الأقل في إطار كلاسيكي للمنطق الحديث يلزم ضرورة عدم الاكتفاء باللغة القضوية وإلا انهار المنطق كله، قديمه وحديثه، وأصبح عبارة عن مجموعة من الشنائع كما حصل في كتب أولئك الأساتذة. لكي لا يحصل هذا مرة أخرى نضع:

 

  • 5 ـ طريقة ميسرة ومأمونة للبت في القياس الحملي:

1.5- تحذير:

تتحدد طريقتنا المقترحة هنا بحدود العبارات المحصورة ذات المحاميل الواحدية التي لا يتجاوز عدد الأسوار فيها العدد ثلاثة، فهي لا تصلح بالشكل الذي ستوضع عليه إلا للنظر في خصائص القضايا الأربع (من تضاد وتناقض ودخول تحت تضاد وتداخل) وفي العكس وما يتبعه وكذا في القياس الحملي التقليدي. وذلك لدخول كل عبارات هذه الكائنات المنطقية ضمن اللغة المحمولية ذات المحاميل الواحدية. أما الأنواع الأخرى من العبارات المحمولية فليس هنا مجال معالجتها(4).

2.5-وصف الطريقة:

لطريقتنا هذه ثلاثة مسالك، مسلك للتمهيد وآخر للتنفيذ وثالث أخير للبت والتأكيد.

1.2.5-مسلك التمهيد: ويشتمل هذا المسلك على خطوتين، خطوة عامة وخطوة مخصوصة.

تكمن الخطوة العامة في عملية الانتقال من اللغة العربية إلى اللغة المحمولية. أي نقل العبارة الطبيعية إلى عبارة رمزية حسب نوع الرموز التي يتم تحديدها سلفا من طرف الدارس. ما يشترط هنا هو فقط ضرورة ترجمة القضايا التقليدية الأربعة إلى الصورة التي استقر عليها رأي غالبية المناطقة المعاصرين. (انظر 2.3 أعلاه).

أما الخطوة المخصوصة فتكمن في إسقاط رموز المتغيرات الشخصية عن اللغة المحمولية التي أدت إليها الخطوة الماضية وسيكون الحاصل لغة جديدة نطلق عليها اسم: الصور الاستدلالية الوجودية البولية التي نجد قواعدها عند Quine(5). بانتهائنا من هذه الخطوة نكون قد مهدنا السبيل للمسلك الثاني.

2.2.5-مسلك التنفيذ وعمدة هذا المسلك قاعدتان اثنتان لا ثالث لهما:

قاعدة التنفيذ الأولى: إذا ضمت الصورة الحاصلة في الخطوة الماضية بين مقدماتها سورا كليا واحدا على الأقل بشرط عدم ظهوره في النتيجة عند ظهور سور جزئي في المقدمات، فقم بإسقاط الأسوار كلها وانتقل لخطوة التأكيد.

قاعدة التنفيذ الثانية: إذا كانت الصورة الحاصلة من الخطوة المخصوصة في مسلك التمهيد خارجة عن قاعدة التنفيذ الأولى، فَقُمْ بإسقاط الأسوار ورَقِّمْ حدود المقدمات والنتيجة بأرقام مختلفة وانْتَقِلْ لخطوة التأكيد.

قد لا يصعب عليك إعادة صياغة هذه القاعدة قائلا: إذا ضمت الصورة الحاصلة من الخطوة المخصوصة بين مقدماتها سورا جزئيا واحدا على الأقل بشرط عدم ظهوره في النتيجة في الحالتين:

1 ـ حالة عدد المقدمات يساوي 1؛

2 ـ حالة عدد المقدمات يساوي 2 وإحداهما تضم سورا كليا.

فقم بإسقاط كل الأسوار ورقم حدود المقدمات والنتيجة بأرقام مختلفة وانتقل لخطوة التأكيد.

تعليقات:

أولا: باعتبارها قواعد إجرائية فإن مشروعيتها مرهونة بنجاحها في التطبيق على كل ما وضعت له من عبارات. ولن يتم رفعها إلا بمثال مضاد تفشل فيه بناء على نظريات المنطق الحديث ذي الأصول الفريجية.

ثانيا: مسألة: لا يمكن إيجاد مثال مضاد يدحضهما.

برهان:

(أ)حيث أن الصور التي تعالجها ذات عدد محدود يتم حصره رياضيا في كل احتمالاته، فيمكن بالتالي اختبارها على كل واحدة من تلك الصور.

(ب)حيث أن الصور التي تعالجها خالية تماما من مثل هذه العبارات 8 سـ 7 صـ ل (سـ، صـ). فإنه يمنع إخضاعها لمسلمة Gödel، وعليه يمكن توظيفها للبت في كل ما وضعت له ويمتنع المثال المضاد لها(6).

3.2.5-مسلك التأكيد: تسمح لنا قاعدتا التنفيذ بالانتقال من الصور الوجودية إلى صور حدية. ونظرا للتشاكل الحاصل بين الجبر البولي واللغة القضوية فإنه يلزم ضرورةً نفس التشاكل بين الصور الحدية واللغة القضوية وهذا ما يبيح إعمال قواعد الثانية في الأولى إعمالا مأمونا مشروعا.

في هذا المسلك نترك لك حرية اختيار أي طريقة من طرق البت المتعارفة في منطق القضايا كما عرضناها في المنطق الاستدلالي الرمزي(1989)(7).

 

  • ملحق:

نكتفي في هذا الملحق بإيراد مثال واحد نبين فيه صحة القاعدة التقليدية بأنه لا إنتاج من جزئيتين، وهي القاعدة التي خربها “تحقق الأساتذة العرب” عندما ضربوها “بجداول الصدق القضوية”.

ليكن الاستدلال الباطل:

بعض المغاربة علماء

بعض المهاجرين مغاربة

—————

بعض المهاجرين علماء

فبعد تطببيقك لخطوة التمهيد العامة بنقله إلى اللغة المحمولية قم بإسقاط المتغيرات الشخصية منها لتحصل على الصورة الاستدلالية الوجودية:د

7 (ك . ل)

7 (م . ك)

——-

7 (م . ل)

بما أن كل مقدماتها جزئية، فهي إذن واقعة تحت قاعدة التنفيذ الثانية وتكون لك بناء عليه الصورة الاستدلالية الحدية.

3 . ل3)

2 . ك2)

——–

1 . ل1)

فما عليك الآن إلا المرور إلى خطوة التأكيد بتطبيق ما تختاره من طرق البت المعروفة في منطق القضايا لتتبين بطلان هذه الصورة وبالتالي بطلان ما خرجت منه من استدلال أصلي(8) 

مجلة الجابري – العدد الثامن عشر


الهوامش (القياس الحملي):

  • 1 – نذكر منهم، ماهر عبد القادر، محمد محمد قاسم، وآخرون.
  • 2 – وهذا ما فعله محمد محمد قاسم في: نظريات المنطق الرمزي الصادر بالإسكندرية، سنة 1991.
  • 3 – انظر: W.V.O.QuineMéthodes de logique trad.M.Clavelin, A.Colin, 1972, Chs.18-20.
  • 4 – انظر، محمد مرسلي، منطق المحمولات، تحت الطبع، دار توبقال، الدار البيضاء.
  • 5 – انظر (3)، ص.ص، 108-112.
  • 6 – هناك أكثر من برهان على مسألتنا تلك، لكنني اخترت أكثرها حدسية.
  • 7 – الصادر عن، دار توبقال، الدار البيضاء.
  • 8 – وهذا بخلاف ما يعلمه “أساتذة” المنطق في كتبهم الآتية:
  • ـ ماهر عبد القادر محمد علي، المنطق الرياضي، الإسكندرية، 1990، ص.ص، 133 إلى 158.
  • ـ وقد عاد هذا الأستاذ إلى تكرار نفس الخطأ وبنفس ألفاظ الصفحات المذكورة تحت عنوان آخر: المنطق الرياضي، المفاهيم، النظريات، التطور المعاصر، نشره سنة 1997 بالإسكندرية، قارن. ص.ص 77-102 وتجد أن عدد الصفحات في الكتابين معا هو 25 صفحة!
  • ـ أما محمد محمد قاسم، في: نظريات المنطق الرمزي، بحث في الحساب التحليلي والمصطلح، فقد فاقت الصفحات الضالة عنده ثلاثة أضعاف ما كان عند سابقه، انظر، ص.ص222-296 (في أكثر من واحدة منها ينقل بعض الاستدلالات القياسية بصور قضوية لا تحتوي إلا على.
  • القياس الحملي