مجلة حكمة
القياس عند الشافعي والفقه: سماته ومكانته - سعيد البوسكلاوي

هل كان الشافعي المهندس الرئيس للفقه الإسلامي؟

الكاتبوائل بهجت حلاق
ترجمةعبد الكريم محمد عبد الله الوظّاف

1

خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية([4]*)، أصبحت الدراسات الحديثة تعترف، بشكل متزايد، بأن محمد بن إدريس الشافعي (المُتوفى 820) لعب دورًا مهما في التطور المبكر للفقه الإسلامي. وكان جوزيف شاخت Joseph Schacht هو الذي أظهر، أكثر من أي شخص آخر، نجاح الشافعي الملحوظ في إرساء صرح الفقه بأكمله، ليس باعتبار أن القرآن، فحسب،  مصدر الفقه، والذي كان يُنظر إليه في وقته أمرًا مسلمًا به، ولكن، بشكل أساسي والأهم من ذلك، ما يتعلق بالحديث النبوي.([5]) وقد تعززتْ مكانة الشافعي البارزة أكثر من خلال حقيقة أنه كان أول فقيه مسلم، على الإطلاق، يُعبر عن نظريته الفقهية كتابةً؛ فيما أصبح يُعرف، عمومًا، باسم الرسالة.([6])

وقد أدت نتائج شاخت الرائعة، إلى جانب التقدير العالي الذي يحظى به الشافعي في الإسلام الوسيط والحديث، إلى اعتقاد الإسلاميين بأن الشافعي كان “أبو الفقه الإسلامي”، ومؤسس علم النظرية الفقهية، والذي يُدعى، فعليًا، أصول الفقه.([7]) ويُعتقد أن رسالته أصبحت “نموذجًا لكل من الفقهاء واللاهوتيين الذين كتبوا عن هذا الموضوع”.([8]) وعلى الرغم، من أنه من المُسلَّم به، أن النظرية اللاحقة توسعت أكثر في موضوعات أطروحة الشافعي، وأحيانًا، قامت بتعديلها، إلا أن نشأة النظرية الفقهية تظل إنجازه. ولا يزال القول المأثور، في الإسلام الوسيط، بأن “الشافعي هو لأصول الفقه ما كان أرسطو للمنطق”، صحيحًا، كما كان عندما ظهر هذا العلم لأول مرة.([9])

وبما أن هذه هي حالة معرفتنا، يبدو أن هناك سببًا ضئيلًا للتشكيك في الحقيقة المزعومة؛ والتي مفادها أنه منذ بدايتها في عمل الشافعي، أصبح أصول الفقه، كما نعرفه، الآن، في استمرارية ثابتة، هو المنهجية الفقهية المعيارية للإسلام السني. و هناك سبب أقل للتشكيك في القرن التاسع الميلادي([10]*)، حيث كان قريبًا جدًا من الشافعي من الناحية الزمنية، باعتباره حقبة سيطر عليها الشافعيون المؤثرون، الذين كانوا يُحافظون، بحماس، على تعاليم معلمهم. صحيح، أن هناك بعض الاتجاهات في الفكر الفقهي – مثل الظاهرية – التي انحرفت عن الفقه السائد؛ كما تم التعبير عنه في إرث الشافعي، ولكن سرعان ما سقطت هذه الاتجاهات، تمامًا، خارج المشهد، وبالتالي، يُعتقد أنها هامشية، إلى حد ما. وهكذا، يبدو أن الاستمرارية بين نظرية الشافعي وأصول الفقه الكلاسيكي تُمثل تطورًا طبيعيًا، لا سيما من حيث أنها تتوافق مع تصورنا عن الشافعي، ليس باعتباره “المهندس الرئيس” للفقه الإسلامي، فحسب ([11])، ولكن، باعتباره الفقيه المنتصر الذي وضع فقه القرن الثامن الميلادي([12]*) الجامح على ركبتيّ الوحي.

وتبيّن أن افتراض هذه الاستمرارية، والشافعي باعتباره المهندس الرئيس للنظرية الفقهية، بعد فحص دقيق للمصادر، كان معيبًا بشكل خطير. ولا تتعارض الأدلة التأريخية في مصادر العصور المبكرة الوسطى مع هذا الافتراض، فحسب، بل يبدو، أيضًا، أنها تتعارض مع هذا الافتراض في تأثيره الكلي. وسأحاول، في الصفحات التالية، أن أُبين أنه ليس لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأن مثل هذه الاستمرارية كانت موجودة، أصلًا؛ أي أن رسالة الشافعي والنظرية التي تُجسدها كان لها تأثير ضئيل للغاية، إن وُجِدَ، خلال معظم القرن التاسع الميلادي؛ وأن صورة الشافعي كمؤسس لأصول الفقه كانت من صنع لاحق.

2

الحقيقة، الأكثر لفتًا للانتباه فيما يخص القرن التاسع الميلادي، هي أنه لم يَنتج عنه أي عمل في أصول الفقه. ونعني بذلك العمل الذي تتمثل مهمته الأساسية في وضع منهجية فقهية شاملة ومنظومة بشكل عضوي؛ والتي تهدف، بدورها، إلى استنباط أحكام فقهية من المصادر المادية – كما كان الحال بوضوح في القرن العاشر الميلادي([13]*) وما بعده.

إن عدم امتلاكنا أي عمل كامل حول هذا الموضوع، من ذلك القرن، يأتي واضحًا، في البداية، من قراءة مؤلفي الأصول اللاحقين، الذين ذكروا؛ أنه في هذه الفترة لا يوجد عمل يُمكن تحديده على أنه أطروحة في أصول الفقه. كما أن هؤلاء المؤلفين لم يذكروا أي مرجعية، من هذه الفترة، يُمكننا أن نربط بها عرضًا كاملًا للنظرية الفقهية. ومع ذلك، نُلاحظ إشارات عَرَضَية لمفكرين، مثل النظّام (المُتوفى بعد 835)، وداود الظاهري (المُتوفى 884)، وعيسى بن أبان (المُتوفى 835)، ومن شابههم، ولكنهم، كما سنرى، لم يكتبوا أعمالًا عن أصول الفقه، ويُشار إليهم، دائمًا، على أنهم من دعاة المذاهب الخاطئة، وحتى الهرطقة التي ينبغي دحضها.

وعندما يتم الرجوع إلى قواميس السِّير الذاتية، والببليوغرافية، يُصبح غياب وجود هذه الأعمال، من القرن التاسع الميلادي ، أكثر وضوحًا. ولكن عند البحث عن العناوين التي تُشير إلى أطروحات حول النظرية الفقهية، يجب على المرء أن يكون حذرًا، لأن مصطلح “أصول” لديه مجموعة واسعة من التطبيقات. ويُفيد ابن النديم، على سبيل المثال، أن الحنفي أبو يوسف (المُتوفى 798) هو مؤلف أعمال عن الأصول (له من الكتب في الأصول…). واتضح، على الفور، أن هذه الكتب تناولت موضوعات، مثل الصلاة والصيام والبيوع، وما إلى ذلك([14])، ومواضيع تنتمي، بوضوح، إلى الفقه العملي (الفروع). وبالمثل، فإن معاصر أبي يوسف الأصغر، الشيباني (المتوفى 805)، ورد، أيضًا، أنه كتب “كُتبًا في الأصول”؛ تتعلق بمواضيع، مثل الصلاة، وضريبة الصدقات، وما إلى ذلك.([15]) وهكذا، عندما قرأنا أن المُعلى بن منصور الرازي (المُتوفى 826)، وابن سماعة (المُتوفى 847) قد نقلا أصول أبي يوسف والشيباني، على التوالي([16])، فمما لا شك فيه أن ما نقلوه هو أعمال فقهية عملية للأستاذين الحنفييّن.

ويخبرنا ابن النديم، أيضًا، أن الربيع بن سليمان المرادي (المُتوفى 884) “روى عنه كتب الأصول، ويُسمى ما رواه المبسوط!”.([17]) وبشأن هذا الأخير، فإن تاج الدين السُبكي يُخبرنا، صراحةً، بأنه عَمل في الفقه العملي، ويتعامل مع قضايا، مثل الطقوس، والصلاة، وفقه الأسرة، ونتوقع أن يكون موضوع المناقشة هو الفروع.([18]) ومن المهم أن تطبيق مصطلح الأصول على مجموعة واسعة من الكتابات، والتي لم تقتصر، بالضرورة، على الفقه، كانت سائدةً، ليس خلال حياة ابن النديم، فحسب، ولكن حتى في وقت متأخر من زمن السُبكي (المتوفي 1370). وبعد قراءة كتاب ابن العفريس (المتوفى 1010)، جامع الجوامع في نصوص الشافعي – وهو عمل يُعالج، بوضوح، الفقه العملي([19]) – فإن السُبكي يُعبر عن إعجابه بهذا الكتاب، ويقول إنه “من الأصول القديمة… فصار الكتاب بذلك أصلًا من أصول المذهب [[الشافعي]]”.([20])

وعلى الرغم من أنه من الممكن، في كثير من الأحيان، تحديد ما إذا كان المصطلح يُشير إلى أعمال متعلقة بالنظرية الفقهية أو لا، إلا أن هناك حالات قد يكون فيها المصطلح مضلِلًا. ومن الأمثلة على ذلك، مقالة أبو يحيى الساجي (المتوفى 920)، والتي تحمل عنوان، وهو ما يُثير الاهتمام، أصول الفقه. هذا العمل، في الواقع، ليس له علاقة بالنظرية الفقهية. وإنما فرعها الرئيس هي الفقه العملي والخلافيات؛ أي الخلافات حول الرأي الفقهي العملي، لا سيما في هذه الأطروحة، بين أبي حنيفة وتلميذيه، ومالك، والشافعي، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبي ثور وغيرهم.([21]) وبالمثل، لن يكون لدى المرء أي سبب، على الإطلاق، للشك في أن كتاب ابن مريم الأسواني، جمل الأصول الدالة على الفروق في الفقه، الذي يُفترض أنه كُتب في بداية القرن العاشر الميلادي، وهو عمل يُعالج النظرية الفقهية، ولكن الحقيقة هي أنه لا يفعل ذلك. لقد شعر السُبكي، الذي توفرت له نسخة من هذا العمل في وقفية دار الحديث في دمشق، أنه مضطر ليشرح لنا أن “المقصود بعبارة الأصول [[في العنوان]] هي نصوص الشافعي… ويذكر المؤلف أن العمل يُمثل اختصارًا للآراء… وفيه، كان المؤلف يعترض على هذه الآراء، من حين لآخر، كما فعل في الفصل المتعلق بالوصايا”.([22])

والآن، إذا أخذنا في الاعتبار أوجه الغموض الذي ينطوي عليه استخدام مصطلح الأصول، فإن القرن التاسع الميلادي لم يُنتج أي عمل، على الإطلاق، له الخصائص الكاملة لأصول الفقه.([23]) وفي مئات العناوين والإشارات الببليوغرافية التي تعود إلى القرن التاسع الميلادي، لا توجد إشارة إلى مثل هذه الأعمال. وفي دحضه لمبادئ أصول الفكر الفقهي السني، كَتَبَ القاضي النعمان، حوالي منتصف القرن العاشر الميلادي، ما يُؤكد البيانات التي قدمتها المصادر الببليوغرافية.([24]) وكل ما يُمكن العثور عليه، في المصادر، هو أطروحات فردية؛ جدلية، بشكل أساسي، تحمل عناوين، مثل: في إثبات القياس، ونقد إثبات القياس، واجتهاد الرأي، وخبر الواحد، والجامع، والخصوص والعموم. وعلى سبيل المثال، كتب عيسى بن أبان عن القياس واجتهاد الرأي.([25]) كما كتب قاسم بن سيار (المُتوفى 889) رسالتين؛ واحدة في التقاليد الانفرادية، والأخرى في الرد على المُقلدين.([26]) ومن المعروف أن المؤلفين المرتبطين بمثل هذه المسارات المتخصصة قد شاركوا في الجدل الذي ساد كثيرًا في القرن التاسع الميلادي. والغرض من هذه الرسائل، كما هو موثق في عناوينها، كان الدفاع عن موقف فقهي – وربما مرتبط باللاهوت – أو آخر، ولكن ليس القيام بوضع، بوعي وبشكل متعمَد، منهجًا فقهيًا منظمًا عضويًا؛ يكون سبب وجوده الواضح، كما أُعلن لاحقًا، هو اكتشاف شريعة الله. وعلى أي حال، فمن المهم أنه لم يُذكر أن أي فقيه قد كتب – سواءً في أطروحة أو عدة أطروحات – حول كل هذه القضايا، ناهيك عن كل القضايا الفرعية المُدرجة تحت الأصول. وقد طرح داود بن خلف الظاهري استثناءً، إلى حد ما، عددًا من الأعمال في دحض مجموعة متنوعة من الآراء التي يتبناها فقهاء آخرون. ولكن هذه الأعمال، كما أشار غولدتسيهر Goldziher، بحق، هي “كتيبات ضد الأعمال الحنفية… يتم تداولها من أجل استبعاد المظاهر اللاهوتية لردود الفعل التي تميل نحو الأحاديث”.([27]) ومن المثير للاهتمام، أن من بين الأعمال المنسوبة إلى داود مسالك بعنوان الأصول. ومع ذلك، يسرد ابن النديم العمل في خضم عناوين الفقه العملي.([28]) إن العمل لم يُعالج أصول الفقه، ويتم استخلاص ذلك، أيضًا، من حقيقة مفادها أن تلميذ داود، أبو سعيد الرقي، كتب عملًا بعنوان الأصول، “على مثال كتب داود”، والذي يتكون من مائة كتاب. وبعد أن عدّد، بالفعل، هذه الكتب – وهي تتعلق، بوضوح، بالفقه العملي – في السرد الببليوغرافي للرقي، يُشير ابن النديم إلى أنه “لا حاجة بنا إلى ذكرها”.([29])

إن الافتراض القائل بأن القرن التاسع الميلادي كان خاليًا من الأعمال في أصول الفقه يجد مزيدًا من الشهادة في الطريقة التي يُغطي بها كُتاب السيرة الذاتية، هنا، بالمقارنة مع معاملتهم للقرون اللاحقة. ولم يستخدم كتّاب السيرة الذاتية، أبدًا، تسميات تدل على المعرفة المتخصصة للنظرية الفقهية لتوصيف مؤلفيّ القرن التاسع الميلادي. وهذه الأوصاف مثل “أصولي”، “كتب في الأصول،”، “لقد برع في الأصول”، “كان أكثر دراية بـ الأصول”، كانت، مع استثناء جزئي واحد([30])، غائبة في خطاب القرن التاسع الميلادي. ومن اللافت للنظر، أنه بمجرد انتقال كُتاب السِّير إلى مؤلفيّ القرن العاشر الميلادي، فإن مثل هذه الأوصاف لا تُصبح متكررة، فحسب، بل أصبحت، بالفعل، القاعدة. وعلاوةً على ذلك، وعلى المستوى التربوي، في حين أن مثل هذه العبارات، مثل “درس الأصول تحت فلان” لا تُعد ولا تُحصى في السِّير الذاتية للقرن العاشر الميلادي وما بعده، إلا أنها غائبة، بشكل ملحوظ، في أولئك الذين ينتمون إلى القرن التاسع الميلادي.

وللإضافة إلى كل هذا، فنادرًا ما يتم ذكر رسالة الشافعي في سياق القرن التاسع الميلادي، وعندما يتم التلميح إليها، فإنها عادةً ما تكون عابرة. وفي الأدبيات الهائلة المتعلقة بالحركة الفقهية في القرن التاسع الميلادي، هناك ثلاث إشارات، بارزة، إلى الأطروحة في المصادر؛ يتم اقتباس إحداها بشكل متكرر. تظهر الأولى في تصريح ابن حنبل، الذي يزعم أنه أوصى في رسالته إلى ابن راهويه (المُتوفى 853) بالرسالة([31])، ولكن هذه التوصية تتناقض، بشكل متكرر، مع تصريحات ابن حنبل الأخرى؛ حيث ورد إنه يتجنب العمل. فبعد أن كان سأله تلميذه المروذي عما إذا كانت الرسالة تستحق الدراسة، قيل إن الرد كان بالنفي، مُضيفًا إنها شيء محدث.([32]) وتتعلق الإشارة الثانية بأبي علي الزعفراني (المُتوفى 874)، وهو أحد أكثر طلبة الشافعي تميزًا، والذين ورد أنه “قرأ الرسالة” تحت إشراف معلمه. ومع ذلك، فمن المحتمل، جدًا، أنه قرأ النسخة القديمة من الأطروحة، حيث إنه مرتبط، بشكل عام، بنقل مذهب الشافعي القديم، وهي آراء سبق أن وضعها الأخير في الحجاز والعراق، قبل أن يستقر، أخيرًا، في مصر، حيث يُعتقد أنه كتب الرسالة الجديدة.([33]) والإشارة الثالثة، والتي كثيرًا ما يتم اقتباسها، هو تصريح المُزني، بقوله: “أنا أنظر في كتاب ‌الرسالة منذ ‌خمسين سنة، ما أعلم أنى نظرتُ فيه مرة إلا وأنا أستفيد شيئًا لم أكن عرفته”.([34]) ومع ذلك، يجب أن نسارع إلى التأكيد على أن مثل هذه الإشارات إلى الأطروحة قليلة، نسبيًا، ولا يمكن استبعادها من المصادر بسهولة.

ومن الغريب، على أقل تقدير، أن ما يُفترض أنه مكافئ أصول أورغانون أرسطو([35]*) يجب تجاهله، تمامًا، في قرن يُعتبر أحد أكثر المراحل ديناميكيةً في تأريخ الإسلام الفكري. أحد أهم الأدلة التي تُشير إلى الأهمية الهامشية للرسالة هو الغياب التام لأي تعليق معاصر على الأطروحة أو اختصار لها. ويجب أن نؤكد أن هذا هو الوقت الذي أصبحتْ فيه التعليقات والمختصرات أمرًا شائعًا، بالفعل. ومن ناحية أخرى، وبمجرد أن يَلوح القرن العاشر الميلادي في الأفق، نواجه، فجأة، ما لا يقل عن خمسة تعليقات على الرسالة. وسيأتي المزيد عن هذا لاحقًا.

ما يُسمى بتعليق أصول الشافي؛ المعروف لنا بأنه العمل القصير للمُزني (المُتوفى 878)، كتاب الأمر والنهي على معنى الشافعي.([36]) فمن المثير للاهتمام، أنه لم يتم تسليط الضوء على أي قسم من الرسالة، بل على كتاب الشافعي، صفات نهي رسول الله، والذي يُشكل أقل من صفحتين من عمله الفقهي، متعدد الأجزاء، الأم.([37]) وتبين أن الجزء الأكبر من عمل المُزني (والذي يتألف من عشر صفحات) هو عرض لآرائه الخاصة حول هذا الموضوع.([38]) ولحسن الحظ، فقد نجت أطروحة المُزني من ويلات الزمن، ونحن قادرون على تأكيد طبيعتها الأولية. إن قيام المُزني، أبرز تلاميذ الشافعي، بالتعليق على جزء ضئيل، إلى حد ما، من عمل يتعلق بالفقه العملي، ويتجاهل الرسالة، تمامًا، هي حقيقة تتحدث عن نفسها.

كما لا يوجد رد للرسالة – مجددًا في قرن كان من أهم معالمه الشدة التي كان يرد العلماء بعضهم على بعض. وكان هناك العديد من الأفراد والجماعات الذين لا بد أنهم اختلفوا مع ما قاله الشافعي في أطروحته، بل واستاءوا منه. وكان هناك العقلانيون والتقليديون المتطرفون([39])، على سبيل المثال، الذين تتعارض معتقداتهم، بشكل واضح، مع الأفكار الواردة فيها. ومع ذلك، لا يوجد أي أثر لأي هجوم موجه، صراحةً، ضد الأطروحة. ومجددًا، نلاحظ أنه في القرن العاشر الميلادي صادفنا مثل هذه الردود، كما سنرى لاحقًا.

إن حقيقة أن الرسالة لم تُثر أي رد في القرن الأول من حياتها قد أضاف أهميةً إضافيةً في ضوء الانتقادات والردود الموجهة ضد نظام الشافعي للفقه العملي. وعلى سبيل المثال، فلقد كتب الحنفي بكار بن قتيبة (المُتوفى 884) ردًا على نقد الشافعي لأبي حنيفة.([40]) ومحمد بن عبد الحكم المصري (المُتوفى 881)، الذي تخلى عن الشافعي لصالح المذهب المالكي، وانتقد معلمه السابق في أطروحة بعنوان([41]*) الرد على الشافعي فيما خالف فيه الكتاب والسنة.([42]) وانطلاقًا من العنوان، يمكن أن يعالج العمل مجرد بعض الأحكام الفقهية العلمية للشافعي والتي، على ما يبدو يعتقد المصري، أنها لم تجد أي تبرير في القرآن والسُنَّة. وبما أن كلًا من المصري والشافعي يتفقان، بشكل واضح، على الدور الأساسي للمصدرين الرئيسين للفقه، وبما أن الجدل حول السلطة النصية (الحجية) للمبادئ المنهجية هو أصل متأخر، بالتأكيد، فيجب أن نعتبر أن الأطروحة تناولت قضايا الفروع.([43]) وبالتالي، لا نحتاج إلى التأكيد على الأهمية الإضافية لحقيقة أن الرسالة لم تجذب أي تعليق أو نقد عندما كان فقه الشافعي العملي خاضعًا لكليهما.

3

وهكذا، إذا افترضنا أن الرسالة هي أول أطروحة في النظرية الفقهية، وأن الشافعي هو أبو علم أصول الفقه([44])، فإن افتراضنا سيتم الطعن فيه من خلال أدلة من المصادر. وسيكون من المنطقي، عندئذٍ، التشكيك في هذه الافتراضات، لا سيما تصورنا الحالي لطبيعة الرسالة. ولن يكون من الخطأ، على الإطلاق، التساؤل عما إذا كانت الرسالة مؤهلة، حقًا، لأن تكون عملًا لأصول الفقه.

ولقد ألمحنا، سابقًا، إلى أن الرسالة، التي نعرفها الآن، تُمثل الإصدار الجديد أو الأخير من العمل، والتي كتبها الشافعي بعد أن استقر في مصر. وعلى الرغم من عدم معرفتنا بأي شيء، تقريبًا، عن الرسالة القديمة، إلا أنه يُعتقد أنها “كُتبت، في الأصل، كاعتذار عن سيادة التقليدية”.([45]) وهذا يتوافق، تمامًا، مع ما نعرفه عن الإنجازات العلمية للشافعي، وهو أن هدفه النهائي كان تأسيس الحديث النبوي، جنبًا إلى جنب، مع القرآن، كمصدرين ماديين خالصين للفقه. إن توصيف الرسالة القديمة، التي تم الاستشهاد بها سابقًا، ملائم إذا أردنا الحكم على النسخة القديمة من خلال النسخة الجديدة. وهذه الأخيرة هي، في الغالب، عمل متعلق بالحديث النبوي؛ بمعنى أن التركيز على دور الحديث النبوي في الفقه يُمثل موضوعها الغالب والمتكرر. وفي إصدار الكيلاني، الأحدث من العمل([46])، تم تخصيص حوالي 130 صفحة من إجمالي 257 بالكامل لمختلف قضايا الحديث. والأهم من ذلك، أن عشرات الصفحات، والتي تشكل قسمًا مستقلًا، تُعالج التصريحات القرآنية التي يعتقد الشافعي أنها تفرض على المسلمين اتباع النبي والالتزام بسنته. وحتى عند مناقشة قضايا أخرى، كما في حالة الاستحسان والقياس، يظل الموضوع المتغلغل كما هو: يجب أن يستند كلُ الفقه والاستدلال الفقهي على السُنَّة والقرآن. وعندما تتم مناقشة قضايا اللغة – على سبيل المثال، العام والخاص – يكون ذلك أساسًا لغرض إثبات أن السُنَّة يمكنها وينبغي عليها تخصيص القرآن وتفسيره. وتتم مناقشة القضايا الأخرى، التي تتلقى المعالجة مِن قِبل الشافعي، ليس لمصلحتها الخاصة بقدر ما يتم مناقشتها من أجل تحديد علاقتها مع السُنَّة. إن عرض نظرية النسخ، على سبيل المثال، يهدف إلى تحديد العلاقة بين القرآن والسُنَّة عندما يكون هناك تعارض بين الاثنين.

وفي التحليل النهائي، يبدو أن الرسالة تُقدِم عددًا من الافتراضات:

  1. يجب أن يُشتق الفقه من الكتاب المقدس الموحى.
  2. السُنَّة النبوية وحي مُلزِم في المسائل الشرعية.
  3. لا يوجد تناقض بين السُنَّة والقرآن، ولا بين الآيات والأحاديث في كل من المصدرين؛
  4. المصدران يُكمل كل منهما الآخر تأويلًا.
  5. الحكم الفقهي المُستمَد من نصوص، لا لبس فيها ومنتشرة على نطاق واسع، أمر مؤكد، ولا يخضع لأي اختلاف، في حين أن الحكم الذي يتم استنتاجه عن طريق الاجتهاد والقياس قد يكون عرضةً للاختلاف؛
  6. وأخيرًا، تنص نصوص الوحي على إجراءات القياس والاجتهاد، وعلى تحديد أداة المصادقة على الإجماع.

وفي أحسن الأحوال، يظل عرض الشافعي، لهذه المقترحات، بدائيًا وغير منتظم. ومن الناحية الموضوعية، ليس لدى الرسالة الكثير لتقدمه كطريقة منهجية. وحتى القسم الخاص بالاستدلال الفقهي (القياس والاجتهاد)، والذي قد يُجادل المرء بأنه أفضل ما يمكن للرسالة أن تُقدمه، بصرف النظر عن معالجة السُنَّة، سطحي، ولا يكاد يُقدم تفسيرًا كافيًا لكيفية توصل الشافعي إلى أحكامه الفقهية أو، بدلًا من ذلك، كيف يمكن لفقيه آخر أن يتعلم من الشافعي التفكير الفقهي.([47]) وبالرغم من كل شيء، فإن الغرض من أصول الفقه ، برمته، معترف به عالميًا على أنه وصف لمنهجية يمكن من خلالها اشتقاق الأحكام الفقهية من المصادر.

وإجمالًا، لا تفتقر الرسالة إلى العمق والتهرب من المعالجة المُرضية، ناهيك عن المعالجة الكاملة للقضايا التي تُثيرها، ولكنها، أيضًا، تتجاهل مجموعةً من المسائل الأساسية التي تُعتبر جزءًا من أصول الفقه، ولا غنى عنها، بالفعل. إن مسائل اللغة الفقهية، التي تشغل، في المتوسط، ​​من خُمس إلى ربع الأطروحات اللاحقة، غائبة، فعليًا، عن هذه اللغة. وهناك مجموعةً كبيرةً من المسائل، المتعلقة بالإجماع والنسخ والاستدلال الفقهي والسببية، وما إلى ذلك، لا تحظى إلا بالقليل من الاهتمام، إن وُجِدَ. وباختصار، عند تناول العمل دون تصورات أو افتراضات مسبقة، لن يكون بعيدًا عن الصواب إذا وصفناه بأنه عمل يهتم، بشكل أساسي، بالسُنَّة النبوية واستخدام الحديث النبوي في صياغة الفقه. وفي الواقع، ليس من دون سبب وجيه أن الترجمة الأرُدية([48]*) لعنوان الأطروحة هي: كتاب الرسالة يعني أصول فقه فحديث.([49])

وبمجرد تقليص حجم الرسالة، يصبح من السهل، نسبيًا، تفسير عدم الاهتمام بها خلال القرن الذي أعقب وفاة مؤلفها. وببساطة، لم يكن هناك سوى القليل جدًا – إلى جانب التأكيد على أن السُنَّة والقرآن يجب أن يُشكلان الأساسين الحصريين للفقه – مما قدمه الشافعي في طريقة تأسيس مبادئ أصول الفقه. إن إنجازه، كما نراه الآن، وبالفعل، كما يبدو أن مسلمين الإسلام الوسيط قد نظروا إليه، يكمن، بالأحرى، في تأكيده الصامد على أن الله، وبشكل أكثر تحديدًا رسوله، هما المصدران النهائيان للفقه. وإذا ما تم تقديم أطروحة مماثلة، بأي قوة ملحوظة، قبل عصر الشافعي، فلن نظن أن أطروحة الشافعي تمثل إنجازًا. ولكننا أدركنا، على وجه التحديد، مع الاستفادة من الإدراك المتأخر، أنها كان توليفة غير مسبوقة بين أهل الرأي، الذين كانوا مترددين في قبول الأحاديث النبوية، وأهل الحديث، الذين رفضوا كل التفكير البشري في الأمور الدينية. ولكن، إذا كان الأمر عبارة عن توليفة؛ للتوفيق المنطقي بين المعسكرين، فلماذا إذن قوبلت بمثل هذا النسيان؟

ومن بين الاقتراحات، المذكورة أعلاه، التي قدمها الشافعي، وجمعها في الرسالة، كانت المقترحات 1-4 التي كانت موجهةً إلى أهل الرأي، والاقتراح 6 الموجهة إلى أهل الحديث. ولم يُؤيد تجميع كامل لهذه المقترحات أيًا من الجانبين، باستثناء الشافعي نفسه، وربما قلة من الأطراف الأخرى (مثل الكرابيسي!)([50]). وبعبارة أخرى، لم تُناشد نظرية الشافعي التقليديين ولا العقلانيين، ولا يبدو أن الشافعي، نفسه، قد تحالف، بشكل لا لبس فيه، مع أي من المعسكرين. ويكشف الفحص الدقيق للمصادر أنه كان من الصعب، بالفعل، تصنيفه. وفي الأدبيات اللاحقة، أصبح نصيرًا لكل من الأرثوذكسية والسُنَّة النبوية (ناصر السُنَّة)، والذي يعني (نادرًا ما يتم ذكره ذلك صراحةً) أنه كان مناهضًا للعقلانية. ولكن هناك الكثير من الإشارات إلى النقيض من ذلك، في كل من المصادر المبكرة واللاحقة، بحيث سيكون من الحكمة تجاهلها. حتى لو وضعنا جانبًا الادعاء بأنه كان شيعيًا([51])، فلم يكن الشافعي بريئًا، تمامًا، من التيار المعتزلي. ولم يعترف هو نفسه بمعرفته الحميمية بالكلام العقلاني، فحسب، بل درس على يد معلمين معتزليين، لا سيما إبراهيم بن أبي يحيى المدني، ومسلم بن خالد الزنجي.([52]) ويُفيد الفخر الرازي، وهو نفسه شافعي ومناهض للمعتزلة، بأن العلماء أجمعوا على حقيقة أن هذا الأخير كان مرشدًا للشافعي.([53]) علاوةً على ذلك، يُؤكد الشافعي الأبري (المُتوفى 974)، في عمل مكرس، بالكامل، لمناقب الشافعي، أن المعتزلي بشر المريسي كان من أصحاب الشافعي.([54]) وهناك روابط أخرى تربط الشافعي بالمعتزلي المدعو أبو عبد الرحمن البغدادي.([55])

ومع ذلك، فإن كل هذه الروابط تُلقي المزيد من ظلال الشك على الشافعي، باعتباره حديثيًا، بدلًا من جعله معتزليًا، وهو ما لم يكن كذلك وفقًا للمعايير التقليدية الأكثر تعصبًا. وإذا كان الشافعي، بلا ريب، غير معتزلي، وبالمعنى الدقيق للكلمة غير عقلاني، فهو، بالتأكيد، لم يكن حديثيًا. وتُشير جميع الإشارات الواردة في المصادر إلى اتجاه واحد، لا ثاني له: لقد دافع الشافعي عن الأحاديث النبوية، ولكنه لم يكن حديثيًا مخلصًا، ولا حديثيًا بارزًا. وباعتباره حديثيًا، فقد خان رفاقه عندما أصر على الدور الأساسي للقياس في الفقه. وكحديثيّ، كانت معرفته معيبة. وتشمل قائمة نقاد القرن التاسع الميلادي، الذين رفضوا مؤهلات الشافعي كحديثي، يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، والقاسم بن سلام، وبحسب ما ورد، حتى ابن حنبل.([56]) وفي مدوناتهم القياسية، فالبخاري البارز (المُتوفى 870)، ومسلم (المُتوفى 875) لم يُسجلا حديثًا واحدًا عن الشافعي([57])، ويُقال، على نطاق واسع، إنهم اعتبروه حديثيًا ضعيفًا (كان([58]) ضعيفًا في الرواية). ويُقال إن ابن حنبل أخبر أحد تلاميذه إن كتب الشافعي لا تُفيد صاحب الحديث.([59])

وهكذا، بينما يظهر الشافعي على أنه غير معتزلي، فمن المؤكد أنه لم يمض وقتًا طويلًا إلى معسكر أهل الحديث([60]) (من الواضح، هنا، أنه في حين أن التقليديين ليسوا قابلين للتبديل مع التقليديين، فإن أولئك الذين ينتقدون الشافعي صادف أنهم ينتمون إلى كلتا المجموعتين). إن الشهادة، الأكثر بلاغةً، على مكانة الشافعي، غير المؤكدة، في الحركة الدينية في القرن التاسع الميلادي هي الغياب الواضح لاسمه من قائمتين سيئتا السمعة لابن قتيبة (المُتوفى 889) لأهل الحديث وأهل الرأي([61])، وهو غياب يُمكن تفسيره، فحسب، عندما يكون الشافعي في موقع ملائم في التكوين الأيديولوجي السائد خلال القرن الذي أعقب وفاته.

ولذلك، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن الشافعي لا ينتمي إلى معسكر أهل الرأي ولا إلى معسكر أهل الحديث. والمُزني، الذي يُعتبر، عالميًا، أنه كان من أتباع الشافعي الرئيسين حتى العقد الثامن من القرن التاسع الميلادي، لم يكن ينتمي، أيضًا، إلى أيٍ من المعسكرين.  لقد كان المُزني، بالتأكيد، فقيهًا بارزًا (رأسًا في الفقه) وجدليًا، ولكن بصفته مُحدثًا، كان يُعتبر، بالتأكيد، بعيدًا عن مؤهلات أن يكون محدثًا([62])، بالإضافة إلى ذلك، كان لدى المُزني ميول قوية تجاه الاعتزال. ويروي الفخر الرازي أنه درس الكلام على يد المعتزلي البارز عمرو بن عبيد، وأن جميع العلماء متفقون على أن لديه ميولًا تجاه المعتزلة.([63]) وفي الواقع، من الصعب أن نتخيل أن أبرز تلاميذ الشافعي كان يمكن أن يكون ميالًا إلى العقلانية؛ كما أفاد الشافعيون المتحمسون اللاحقون عنه، عندما كان من المفترض أن يكون معلمه نموذجًا للتقليدية. وإذا كان بإمكان المُزني أن يقف في منتصف الطريق بين التقليدية والعقلانية، فذلك لأن معلمه اللامع وقف هناك أمامه.

ويجدر النظر في هذا المنعطف في حالة الكرابيسي، الذي رأيناه، سابقًا([64]) على أنه الباحث الأول الوحيد المرتبط، صراحةً، بأصول الفقه، على الرغم من عدم وجود أي عنوان له في هذا الموضوع. وتمت الإشارة إلى الكرابيسي، من خلال المصادر، باعتباره عالِم لديه تجربة مماثلة لتجربة الشافعي: لقد تفقه، أولًا، على مذهب أهل الرأي، ولكن سرعان ما اكتشف الحق الفقهي؛ ليس في القرآن، فحسب، ولكن، أيضًا، في السُنَّة النبوية.([65]) وعلاوةً على ذلك، يُعرف على نطاق واسع بأنه أستاذًا في علم الكلام [علم اللاهوت]([66])، ومثل الشافعي والمُزني، اعتُبرت مؤهلاته، كتقليدي، مشبوهةً مِن قِبل بعض علماء الحديث البارزين.([67]) وربما يكون قد درس أو كتب عن أصول الفقه، وبالمعنى نفسه، الذي فعله الشافعي والمُزني، وهو أمر ممكن، تمامًا. ومن غير المحتمل أن تكون كتاباته، إن وُجِدت، تمثل تقدمًا على الشافعي، وعلى أي حال، فقد فشلت كتاباته في شق طريقها إلى الاجتهادات الفقهية اللاحقة.

4

لقد لوحظ بالفعل؛ أنه في حين أن القرن التاسع الميلادي لم يُنتج أعمالًا عن الأصول، ولا تعليقات على أو دحض الرسالة، فقد أنتج القرن العاشر الميلادي انتشارًا للأدب حول هذا الموضوع. وبمجرد بدء القرن العاشر الميلادي، كان يحدث تحول مذهل في الخطاب الببليوغرافي. وفيما يبدو أنه تحول سريع، إلى حد ما، حيث تم وصف العلماء بمصطلحات جديدة خاصة جدًا بـ أصول الفقه؛ وهم يَظهرون، الآن، بشكل واضح وفني بوصفهم مؤلفيّ أصول الفقه، كالأصوليين،  وبألقاب تدل على علم مستقل وحتى بارز.([68]) وفيما يلي، قائمةً ببعض الفقهاء الأوائل الذي يبدو، من المصادر، أنهم قد كتبوا أو برعوا في هذا المجال.

1. أبو نعيم بن عدي الاستراباذي (المُتوفى 935). لم يُذكر أي عنوان.([69])

2. أبو بكر بن الاخشيد (المُتوفى 938)، المعونة في الأصول.([70])

3. أبو بكر محمد بن إبراهيم الصيرفي (المُتوفى 942)، البيان في دلائل الإعلام على أصول الأحكام.([71])

4. عمر محمد أبو فرج المالكي (943 ت)، اللمع في أصول الفقه.([72])

5. أبو منصور الماتريدي (المُتوفى 945)، مأخذ الشرائع في أصول الفقه، وكتاب الجدل في أصول الفقه.([73])

6. أحمد بن أبي محمد الطبري، المعروف بابن القاص (المُتوفى 947). لم يُذكر أي عنوان.([74])

7. أبو بكر محمد بن إسماعيل القفّال الشّاشّي (المُتوفى 948). لم يُذكر أي عنوان.([75])

8. أبو موسى الضرير (المتوفى في أربعينيات القرن العاشر الميلادي)، لديه أطروحة في أصول الفقه “تتكون من ثمانية مجلدات”.([76])

9. أبو إسحاق المروزي (المُتوفى 951). لم يُذكر أي عنوان.([77])

10. محمد بن سعيد بن أبي القاضي (المُتوفى 951)، الهداية.([78])

11. أبو بكر محمد بن عبد الله البردعي (المُتوفى 951)، الجامع في أصول الفقه.([79])

12. أبو بكر الدّبئي (المُتوفى 953). “كان عالمًا بارزًا في الأصول”.([80])

13. أبو علي الشّاشّي (المُتوفى 955)، الأصول.([81])

14. أبو علي الطبري (المُتوفى 961). أصول الفقه.([82])

15. أبو بكر الفارسي (حوالي 960)، أطروحة مستفيضة حول هذا الموضوع.([83])

16. أبو الحسين الطوائفي البغدادي (حوالي 960). لم يُذكر العنوان.([84])

ومع انتشار أدب الأصول، وجدنا اهتمامًا مفاجئًا برسالة الشافعي بعد إهمال طويل. وتنجح الأطروحة، الآن، في استخلاص خمسة تعليقات، على الأقل؛ أربعةً منهم من القرن العاشر الميلادي. والمعلقون هم أبو بكر الصيرفي([85])، والقفّال الشّاشّي([86])، وأبو الوليد النيسابوري (المُتوفى 960)([87])، والجوزقي (المُتوفى 989) ([88])، وأبو محمد الجويني (المُتوفى 1046)([89])، وربما عبد الوهاب البغدادي (المُتوفى 973).([90]) وتمكنت الرسالة، أيضًا، من جذب ردين، على الأقل، أحدهما مِن قِبل الشيعي أبو سهل النوبختي (المُتوفى في أربعينات القرن العاشر الميلادي)،([91]) والآخر مِن قِبل شخص يُدعى عُبيد الله بن طالب الكاتب، والذي يبدو أنه كان كاتبًا معاصرًا للصيرفي.([92]) وعلاوةً على ذلك، يبدو أن الرسالة قد أصبحت جزءًا أساسيًا من تعليم الأصول. ويُذكر، على سبيل المثال، أنه في منتصف القرن العاشر الميلادي، تقريبًا، دَّرَسَ أبو الفضل الندراوي العمل، في أصفهان، تحت حكم أبي الوليد بن مهران.([93])

يبدو أن الاهتمام، غير المسبوق والمكثف، بالرسالة، وبأصول الفقه خلال النصف الأول من القرن العاشر الميلادي مرتبط بشخصيات معينة؛ تُمثل ميولها الفكرية تشكيلًا جديدًا في التأريخ الديني للإسلام. ومن بين هؤلاء، أبو العباس ابن سُريج (المُتوفى 918)، ودون مبالغة، فهو أهم فقيه في المذهب الشافعي بعد الشافعي نفسه. ولسوء الحظ، لم ينج أي من أعمال ابن سُريج، على الرغم من أننا إذا ذهبنا إلى بيانات السِّير الذاتية والمذهبية التي قدمتها المصادر المبكرة واللاحقة، فإنه، بلا شك، يَظهر باعتباره الشخصية الأكثر شهرةً في تأريخ الشافعية المبكر.

وعلى عكس أي شافعي آخر بعد الشافعي، فيُعتبر ابن سُريج، عالميًا، زعيمًا منقطع النظير للمذهب، متفوقًا جدًا على كل الشافعيين المعاصرين والسابقين؛ بما في ذلك المُزني. وبشكل ملحوظ، وعلى النقيض من المُزني، يتميز بأنه تلميذ الشافعي المخلص والحقيقي، الذي دافع، بمفرده، عن المذهب وجعله منتصرًا. وفي زمانه، كان الأستاذ الأكثر نفوذًا في الفقه الشافعي، وكان طلبته كثيرين لدرجة أنه يُنسب إليه “نشر المذهب” إلى أبعاد غير مسبوقة. ويُقال، أيضًا، إنه كان أول من عَلَّمَ الديالكتيك الفقهي، وجمع بين المعرفة الفائقة بالحديث والفقه. ومِثل الشافعي، جمع كل هذا مع معرفة الكلام [اللاهوت]. ولا عجب، إذن، أنه عُرف باسم الشافعي الصغير، وأن الكثيرين اعتقدوا أنه مجدد (أي مُصلح) القرن الرابع الهجري، بعد أن ظهر الشافعي في القرن الثالث الهجري.([94])

وعلى الرغم من عدم وجود دليل يُشير إلى أن ابن سُريج كتب عملًا كاملًا في أصول الفقه، إلا أنه يبدو أنه استوعب كل التعاليم حول هذا الموضوع من داخل المذهب الشافعي وخارجه. لقد ناقش، بشدة، مع الظاهرية، كلًا من داود وابنه محمد، حول مسائل المنهجية الفقهية. ويُتوقع أنه كتب، وهو مريض مرض الموت، أطروحةً من خمس عشرة ورقة؛ موجهةَ إلى فقهاء شاش([95]*) وفرغانة([96]*)، شرح فيها، فيما كان يجب أن يكون مخططًا، مبادئ أصول المجتهدين البارزين في ذلك الوقت، أي الشافعي، ومالك، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، وتلاميذه، وداود.([97]) ولكن، من المؤكد أنه حتى ابن سُريج، مع التفاصيل الدقيقة لإشعارات السِّيرة الذاتية التي تناولته، لم يُذكر أنه كتب عملًا في الأصول.

ومع ذلك، فإن أول وأهم المؤلفين الشافعيين، الذين كتبوا أعمالًا كاملة في الأصول، كانوا طلبة ابن سُريج. ومن بين هؤلاء الطلبة، على سبيل المثال لا الحصر، الذين ورد أنهم شكّلوا معظم الشافعيين البارزين خلال النصف الأول من القرن العاشر الميلادي([98])، ابن حيكويه (المُتوفى 930)، وإبراهيم المروزي (المُتوفى 951)، وأبي بكر الفارسي، وابن القاص، وأبي بكر الصيرفي، والقفّال الشّاشّي.([99]) وعلى الرغم من أنهم، جميعًا، مرتبطون بالجيل الأول من العلماء الذين قاموا بتأليف أعمال في الأصول، فإن هذين الأخيرين يستحقان اهتمامًا خاصًا، لأنه في أعمال السِّيرة الذاتية والأعمال اللاحقة ظهرا كأهم المؤلفين في هذا المجال. فالصيرفي، المعلق الأول على الرسالة، ليس مؤلفًا، فحسب، “لأطروحة غير مسبوقة عن الأصول”، بل، أيضًا، “أكثر علماء الفقه درايةً بأصول الفقه بعد الشافعي”.([100]) وكما رأينا، كان القفّال مؤلفًا لكلٍّ من تعليق على الرسالة، وأطروحة حول النظرية الفقهية، وكذلك كان أول من كتب عن الجدل الفقهي.([101]) وكان كلاهما من الأصوليين المتميزين، والمحدثين، وعلماء اللاهوت، والديالكتيك، ويدينون لابن سُريج، الذي أتقن كل هذه العلوم وجعلها في خدمة الفقه.

لقد تم تمرير إرث ابن سُريج مِن قِبل القفّال إلى أبي محمد الجويني؛ آخر المعلقين على الرسالة الذين نعرفهم. وقد درس أبو محمد الحديث والفقه على يد القفّال، ويُقال إنه لم يتخرج إلا بعد أن أتقن طريقة الأطروحة، وهي طريقة ومعالجة القانون الخاص بالفقه.([102]) ولذلك، وبعيدًا عن أن يكون مجرد فرصة تأريخية، تزامن صعود أصول الفقه، وبالتالي، الاهتمام غير المسبوق بالرسالة؛ بالتزامن مع ظهور مجتمع من العلماء، ينتمون إلى جيلين متتاليين، وكان تحت تصرفهم مزيج من العلوم التقليدية والعقلانية – مزيج لم يكن له سوابق، وثبت أنه بالغ الأهمية.([103])

5

إن العودة إلى القرون السابقة سيُلقي مزيدًا من الضوء على سؤال عن سبب فشل نظرية الشافعي، على الرغم من كونها مبتكَرة، في إثارة اهتمام أتباعه لما يقرب من قرن؟ ولماذا جاء ازدهار أصول الفقه، فحسب، بعد قرن من زوال مؤسسها المفترَض؟

ونبدأ مع القرن الثامن الميلادي، الذي شهد المراحل الأولى من تطور الشريعة الإسلامية والفقه. وأظهرت دراسات شاخت وغولدتسيهر وآخرين أن القرن الثامن الميلادي بدأ بحركة ساحقة نحو التفكير البشري، والمعروف باسم الرأي. ولكن بحلول منتصف ذلك القرن، كانت هناك، بالفعل، حركة منافسة أخرى؛ تُؤكد على دور التقاليد؛ آخذة في التصاعد. وبحلول الوقت الذي ظهر فيه الشافعي كعالِم مستقل على الساحة، بدأت حركة أهل الرأي في التدهور، وكان هذا بسبب الانتشار السريع في حجم الأحاديث النبوية؛ التي تسللت إلى المذاهب الفقهية. ويُظهر فقه الشيباني العملي، ربما أفضل من أي مرحلة أخرى، هذه المرحلة من التطور، حيث تُشكل الأحاديث عنصرًا مهمًا في الفقه، ولكن ليس حصريًا بأي حال من الأحوال. وعند الشافعي، كما رأينا، تُصبح المصادر النهائية للفقه هي القرآن والسُنَّة. وكان يجب محو الرأي، بالكامل، باعتباره تعبيرًا عن الأوتار العقلانية والنفعية، ومن هنا جاءت معارضته الشديدة للاستحسان. وهذا هو، بالتحديد، المكان الذي كان فيه الشافعي فقهيًا. في حين أنه رفض، بدون قيد أو شرط، الرأي،  وأصر على السلطة الغالبة للقرآن والسُنَّة النبوية؛ فقد صاغ بعض عناصر الرأي، وصاغها في حجج لا يُمكن استخدامها في الفقه إلا بقدر ما تستمد مقدماتها من الوحي.

ولقد تم التأكيد، قليلًا، منذ وفاة غولدتسيهر على أن القرن التاسع الميلادي كان ديناميكيًا وأساسيًا مثل القرن الثامن الميلادي في تأريخ الفقه الإسلامي. ونحن نميل إلى التقليل، ربما بسبب انشغالنا بنتائج شاخت، من الدور المترتب على الحركات الفقهية في القرن التاسع الميلادي، وتأثيرها على نظرية الشريعة الإسلامية والفقه العملي في القرون التي تلت ذلك. ومن المؤكد أن الشافعي لم يُمثل، بأي حال، ذروة الشريعة والفقه الإسلامي. وإذا كان هناك أي شيء، فقد وقف في مكان ما في منتصف الفترة التكوينية، في منتصف الطريق بين البدايات الخام، خلال العقود الأولى من القرن الثامن الميلادي، والتكوين النهائي للمذاهب الفقهية في بداية القرن العاشر الميلادي. وبالنسبة الشافعي، لم ينجح في إخراج الرأي من مجال التفكير الفقهي، وبالتالي، في جعل السُنَّة النبوية مقبولةً دون قيد أو شرط. وخلال العقود التي أعقبت وفاته، استمر معظم الحنفية، ولا شك المعتزلة، في التمسك، تحت مظاهر مختلفة، بدور العقل البشري في الفقه.

ومن التطورات، الأكثر أهمية، بعد الشافعي، والأكثر تأثيرًا، هو ظهور حركة مناهضة للرأي؛ يُمثلها ابن حنبل، وداود بن خلف الظاهري، من بين آخرين. وبينما وافق كلاهما على الشافعي، إلا أنهما ذهبا إلى أبعد من ذلك بكثير في تأكيدهم على مركزية الكتاب المقدس، وعلى الطبيعة البغيضة للتفكير. ولكن مواقفهما من المنطق، ربما أفضل مؤشر فقهي لقياس ميولهم، لم تكن متطابقةً، بأي حال من الأحوال. فلم يُحبذ ابن حنبل، كما يمكن أن نستخلص من فقهه العملي، ممارسة القياس، إلا إذا كان ذلك ضروريًا، تمامًا.([104]) ومن ناحية أخرى، رفض داود ذلك التصنيف.([105])

ويظهر، هنا، نمط واضح: يلجأ أسلاف الشافعي إلى الرأي مع القليل، أو أقل، من الاهتمام بالسُنَّة. وينظم الشافعي الرأي في شكل القياس، ويُعطي له دورًا ثانويًا في المصادر الموحاة، رغم أنه يظل جزءًا أساسيًا من منهجه. وقلّما يلجأ بن حنبل إلى القياس، ويُفضل الاستغناء عنه. وأما داود فيرفضه رفضًا قاطعًا لصالح القراءة الحرفية للقرآن والسُنَّة. إذن، ففي كل من الوقت والعقيدة، يقع الشافعي الأول في المنتصف بين تحريرية الرأي المبكرة والمحافظَة الظاهرية اللاحقة.

وعلى النقيض من النمط الذي تطورت بموجبه التقليدية في القرن التاسع الميلادي، بدأت الحركة العقلانية في تجربة عملية انحطاط، خاصةً، كما هو معروف جيدًا، بعد المحنة. ومن هذه النقطة، فصاعدًا، كان العقلانيون يقتربون من التقليديين، ولكن بمعنى واحد، فحسب: لم يعد بإمكانهم تحمل تجاهل الكتاب المقدس باعتباره الأساس الحصري للفقه، واضطروا إلى الخضوع للمرسوم الإلهي، باعتبارهم القاضي الأول والأخير في الشؤون الشرعية الإنسانية.

وعلى الجانب الآخر، اضطر المعسكر التقليدي، أيضًا، إلى تقديم بعض التنازلات. وسرعان ما تجاهل الحنابلة، من بين آخرين، كراهيتهم للقياس، وأصبحت منهجيتهم الفقهية قابلة للتبادل، تقريبًا، مع منهجية مناصريّ المذاهب الأخرى. ومن الجدير بالملاحظة، أن أولئك الذين لم يُقدموا هذه التنازلات، مثل الحشوية المتطرفة والظاهرية، كان محكوم عليهم، في نهاية المطاف، بالانقراض.([106])

ومع وفاة الشافعي، وبعد وقت طويل، حظيت أطروحته، في منتصف الطريق، بالتأييد بنسبة بسيطة. وإذا ذهبنا إلى السُبكي، مؤلف أكثر أعمال السِّيرة الذاتية شمولًا في كتابات الشافعية([107])، فسنجد أن قائمة أصحاب الشافعي لم تتجاوز 41، بما في ذلك الفقهاء: ابن حنبل، وأبي ثور (المُتوفى 854)، وعبد الحكم المصري، وابن راهويه، الذين لم يتبعوا تعاليمه، وكانت لديهم أجنداتهم الخاصة.([108]) وكان هناك الكثير ممن ارتبطوا به، فحسب، ولكن ليس لدينا دليل على أنهم درسوا على يديه أكثر من بعض الفقه والحديث. وقد بلغ عدد أتباعه، الذين ماتوا بحلول عام 912 ولم يعرفوه شخصيًا، 31، فحسب.([109]) وهذا يتناقض مع عدد أتباعه، الذين ماتوا في القرن الرابع الهجري (912 – 1009)، والذي وصلوا إلى رقم مذهل، وهو 171.([110])

لقد تزامن النمو السريع للمذهب الشافعي مع ظهور التسوية، المذكورة أعلاه، بين أهل الحديث وأهل الرأي، مما أدى إلى تحديد الفقه، بشكل نهائي، ويجب أن يكون ذلك قد حدث في وقت ما بين وفاة داود الظاهري وجيل أبي بكر الصيرفي. وذلك نظرًا لكون التوليفة النهائي للوحي والتفكير البشري المنهجي، أصول الفقه، لم تكن من الممكن أن تُصبح معياريًة قبل بداية القرن العاشر الميلادي. ولم تكن أطروحة الشافعي البدائية مدعومةً جيدًا، ولا يبدو أن أيًا من طلبته قد دافع عنها.  إن المُزني، الذي كان على الأرجح قد واصل مهمة الشافعي، كان، كما رأينا، يميل إلى العقلانية أكثر من التقليدية، وعلى أي حال، أُعتبر أنه انحرف عن طريق الشافعي الأول في كل من الفقه العملي والمنظور الفقهي.([111]) وتبيَّن أن أهم تلامذة الشافعي المباشرين، بعد كل شيء، لم يكن مخلصًا جدًا لتعاليم معلمه.([112])

ولم تتجل التسوية التقليدية-العقلانية إلا بعد ابن سُريج وجيل معاصريه الأصغر سنًا. وكان هو ورفاقه مُحدثين، وفقهاء، وعلماء لاهوت، دون أن يترتب على ذلك تناقض في المصطلحات. وعلى هذا النحو، كان عليهم تصور النظرية الفقهية باعتبارها التوليفة بين العقلانية والتقاليد النصية. ويجب أن نُشدد على أن نظرية ابن سُريج الفقهية يمكن أن تكون مجرد طفل لبيئتها الخاصة. وبصرف النظر عن الاقتراح الذي جسد هذه التوليفة، فهناك القليل في نظرية الشافعي التي نجت في الأعمال اللاحقة. ولكن هذا التوليفة كانت بالغ الأهمية، وقد اعتمده ابن سُريج وأتباعه الشافعيين. ولهذا السبب كان ابن سُريج يعتبر أول ممثل حقيقي وبطل منقطع النظير للمذهب الشافعي. وهذا هو السبب في أنه كان يُشار إليه، بشكل ملحوظ، على أنه وَسَّطَ الطريق (سَلَك سبيل الإنصاف).([113]) لقد صاغ ابن سُريج، والذي كان مُحدثًا ممتازًا ومتكلمًا معتدلًا – والذي حارب الظاهرية حتى نهاية أيامه – التوليفة، ومهد الطريق لطلبته، من أمثال الصيرفي والقفَّال، لصياغتها وشرحها بمزيد من التفصيل.

وعندما وجد هؤلاء الطلبة أن نظريتهم الفقهية تتطابق مع أطروحة الشافعي المجردة، فقد بدأوا في تمجيد الشافعي باعتباره اصولي، ومؤسس للقواعد. وأصبح هذا التمجيد ضروريًا، بشكل متزايد، حيث أن المذاهب الأخرى، وخاصةً الحنفية، كما هو معروف، تُعلن عن معلموها الأوائل على أنهم مؤسسو أصول الفقه.([114]) ولكن صورة الشافعي كمؤسس لهذا التخصص بدأت في النمو، بوضوح، من بداية القرن العاشر الميلادي، فحسب، في تطور نوع المناقب المخصص له.

ويعود أول عمل في المناقب، والمتاح لنا، إلى أبي حاتم الرازي (المُتوفى 938). وفي هذا العمل، خصص الرازي عددًا من الفصول لإثبات معرفة الشافعي الممتازة بالموضوعات التي يعتمد عليها بناءُ الفقه. وفي أحد الفصول، والذي يتألف من حوالي 51 سطرًا، يناقش المؤلف معرفة الشافعي الماهرة بما يُسميه، بشكل ملحوظ، أصول العِلم، والذي يقصد به، بوضوح، أصول الفقه.([115]) وفي هذه السطور، يذكر عقيدة الشافعي في الإجماع (في سطر واحد)، وتحدث، بإيجاز، – في 15 سطرًا – عن نظريته في القياس. وتتناول بقية الأسطر مجموعةً متنوعةً من الموضوعات؛ بما في ذلك الحديث. ولا يظهر الشافعي في أي مكان في الأطروحة، بأكملها، على أنه مؤسس أصول الفقه. وتجدر الإشارة، إلى أن عمل الرازي يتكون، في شكله المنشور، من حوالي 300 صفحة؛ يحتوي كل منها، في المتوسط، ​​على 8 أسطر. ومن المهم، أنه من بين 2400 سطر، تقريبًا، كان على الرازي تخصيص 51 سطرًا، فحسب، لأصول الشافعي. وعلاوةً على ذلك، لا يوجد في هذا الفصل أي إشارة، على الإطلاق، إلى الرسالة. وفي الواقع، تم ذكر الرسالة مرتين، فحسب، في العمل بأكمله، ثم بشكل عابر. وفي كلتا الحالتين يُشار إليها، بشكل ملحوظ، في سياق؛ ليس في سياق الفقه، بل في سياق طلب الحديث.([116])

وبعد أكثر من قرن، كتب البيهقي (المتوفى 1066) عملًا آخر عن مناقب الشافعي. إن المقارنة بين عمله وعمل الرازي هو الأكثر دلالة. ففي البيهقي، لم يكن الشافعي عبقريًا في أصول الفقه، فحسب، ولكن مؤسس القواعد([117])، والرسالة، في نسختها القديمة والجديدة، تتلقى معاملةً شاملةً، بما في ذلك أسباب تكوينها.([118]) وتم ذكر الرسالة الجديدة 18 مرة، على الأقل، والقديمة ثلاث مرات. بالإضافة إلى فصل مخصص لأصول فقه الشافعي، والذي يصفه البيهقي، بشكل فريد، بأنه “رحمة الله”([119])، وهناك فصول أخرى تصف إتقان المعلم في معرفة الحديث، والقرآن، واللغة، والفقه العملي، وغيرها من القضايا التي هي أجزاء تأسيسية أو ذات صلة بأصول الفقه. وعلى النقيض من سطور الرازي؛ البالغ عددها 51، خصص البيهقي 160 صفحة مذهلة (من إجمالي 918) للشافعي باعتباره أصولي. وبالمثل، فصورة الشافعي كمؤسس للقواعد، يرسمها الفخر الرازي (المتوفى 1209)، والذي خصص حوالي 114 صفحة من أطروحته، المكونة من 525 صفحة، للقضايا نفسها التي أثارها البيهقي، بالفعل.([120])

وسيكون من الآمن الافتراض أنه في وقت ما قَبل البيهقي – ولكن بالتأكيد بعد أن أصبحت صورة أبي حاتم الرازي للشافعي كمؤسس لأصول الفقه راسخةً. وهذه الفترة الفاصلة بين مؤلفيّ المناقب، تتزامن – ينبغي ملاحظة ذلك – مع مسيرة أبي محمد الجويني، المعلق الأخير على الرسالة.([121]) إن فشل أطروحة الشافعي في جذب المزيد من التعليقات، في العقود والقرون التي تلت ذلك، تُفسر الدور الذي كان مطلوبًا من الشافعي، بصفته مؤسس للقواعد، أن يلعبه في مدرسته. وبمجرد إنشاء هذه الصورة، كمؤسس، بشكل لا رجعة فيه، توقفت التعليقات على أطروحته إلى الأبد. وفي مجال كانت فيه التعليقات هي القاعدة، فإن انقطاع الاهتمام بالتعليق على الرسالة يُفسر، أيضًا، عدم ملاءمة موضوعات العمل لمنهجية الفقه الأكثر تعقيدًا واختلافًا في أصول الفقه. ويشهد على عدم الملاءمة، هذا، ببلاغة في الاستشهاد النادر، نسبيًا، بآراء الشافعي مِن قِبل المنظرين [علماء الأصول] اللاحقين.

6

وفي الختام، يرتبط تأريخ رسالة الشافعي ارتباطًا وثيقًا بظهور علم أصول الفقه؛ باعتباره عِلمًا منظمًا ومستقلًا. وكمنهجية كاملة، تُمثل أصول الفقه تركيبًا للعقل والوحي، فالأول هي الوسيلة التي يتم من خلالها تفسير هذا الأخير حتى يُمكن معرفة الفقه المنصوص عليه إلهيًا بشكل دقيق. والعناصر المكونة لأصول الفقه – نظرية المعرفة الفقهية، واللغة الفقهية، ونظرية النسخ، ونقل النصوص، والإجماع، والقياس، والاجتهاد، والتقليد، وما إلى ذلك – مترابطةً ومرتبطة عضويًا، ومن شأن غياب أي عنصر، من هذا القبيل، أن يخلق اختلالًا لا يمكن إصلاحه في المنهجية الفقهية. ولذلك، فإن أصول الفقه، كمنهج فقهي، أكبر من مجموع أجزائه المكونة. وتُشير مصادرنا، بقوة، إلى أن هذه المنهجية، بكل أجزائها المكونة، لم تكن موجودةً في القرن التاسع الميلادي. ومما يُعزز هذا الاستنتاج أدلةً إضافيةً؛ تُفيد بأن الرسالة كانت هامشيةً في هذا القرن، ولم تجذب التعليقات ولا الانتقادات.

ومع حلول القرن العاشر الميلادي، بدأت أعمال أصول الفقه في الانتشار، وفي الوقت نفسه، نجحت الرسالة في جذب عدد من التعليقات وأطروحتين نقديتين، على الأقل. ولا ينبغي، بأي حال من الأحوال، وصف هذا التزامن باعتباره مصادفة، لأن مثل هذا التفسير من شأنه أن يتجاهل، بشكل صارخ، التسلسل التأريخي للأحداث التي أدت إلى ظهور أصول الفقه في بداية القرن العاشر الميلادي كقواعد منظِمة عضوية.

لقد اكتسبت رسالة الشافعي، باعتبارها تجسيدًا لمنهجيته الفقهية من وجهة نظرنا، امتياز كونها المحاولة الأولى لتجميع الممارسة المنضبطة للتفكير البشري والاستيعاب الكامل للوحي كأساس للفقه. ولأن الشريعة الإسلامية والفقه فقد قَبلا، أخيرًا، هذه التوليفة، فقد دفعنا هذا إلى الاعتقاد بأن أصول الفقه، كما نعرفها، بدأت مع الشافعي. ولكن توليفة الشافعي، هذه، ظهر في وقت كان فيه القليل، فحسب، على استعداد لاحتضانها. وسيكون من التبسيط، إلى حد ما، الاعتقاد أنه بمجرد أن وضع الشافعي تركيبته، التي حاولت التوفيق بين أطروحات أهل الحديث وأهل الرأي، قد تم تبنيها على الفور مِن قِبل المعسكرين. ولكي تسود نظرية الشافعي، كان سيتطلب تخلي المعسكرين عن مذهبهما، بشكل نهائي، والانضمام إلى صفوف الشافعي. ولكن هذا لم يحدث، والأدلة، في الواقع، تُشير إلى النقيض من ذلك: كانت توليفة الشافعي، وظلت لفترة طويلة، وجهة نظر أقلية. فقد رفض التقليديون قياسه، وكان العقلانيون مترددين في قبول أطروحته القائلة بأن الوحي هو الحكم الأول والأخير للشؤون الإنسانية. وفي نهاية القرن التاسع الميلادي، فحسب، اقترب المعسكران من بعضهما بعضًا، وتم تحقيق توليفة من التقليدية والعقلانية. ومع ظهور هذه التوليفة، الذي لم تُدرس أسبابها وخصائصها بَعدُ، تم تمهيد الطريق إلى أصول الفقه، أخيرًا. وبمجرد أن ازدهر هذا العلم، على أيدي الصيرفي والقفّال وأمثالهما، أصبحت التوليفة البدائية، التي ابتكرها الشافعي قبل قرن من الزمان، ذات صلة، وبالتالي، تجددت في شكل تعليقات على الرسالة، وعزو التشعبات الكاملة للتوليفة إلى الشافعي نفسه. وهكذا أصبح الشافعي مؤسسًا لأصول الفقه.

يُقدم لنا استنتاجنا نتيجتين مهمتين. الأولى: يجب أن لا يتم المبالغة في إنجاز الشافعي. فلقد تقدم أو، بعبارة أدق، اقترح توليفةً غير مسبوقةً بين العقلانية والتقليدية، ولكن اقتراحه، هذا، لم يكن له صلة بالموضوع إلا بعد قرن، وليس بفضله، ولكن بفضل فقهاء مثل ابن سُريج والصيرفي والقفّال، الذين حققوا إنجازًا؛ كان نتاج مجموعة من الظروف التي نشأت في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلاديين ([122]*). وبعبارة أخرى، لم يُمثل فقه الشافعي واجتهاده النقطة المحورية في الشريعة الإسلامية، بل يُمثل، بالأحرى، مرحلة وسطى بين البدايات الفظة في بداية القرن الثامن الميلادي، والذروة الحقيقية التي حدثت بعد ما يقرب من قرن من وفاته. والنتيجة الثاني، والتي لا يمكن المبالغة فيها، هي: الأهمية المركزية للقرن التاسع الميلادي في تأريخ النظرية الفقهية الإسلامية. لقد حدد هذا القرن، والذي لا يقل عن القرن الثامن الميلادي، الاتجاه الذي كان على الفقه أن يسلكه في مساره المستقبلي.


قائمة بالمصادر والمراجع:

أولًا: المصادر والمراجع باللغة العربية:

  1. ابن النديم، الفهرست (بيروت: 1978).
  2. أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء، تحقيق: إحسان عباس [[بيروت: 1970]].
  3. أبو العباس أحمد بن محمد ابن خِلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، 8 مجلدات. (بيروت: 1977).
  4. أبو بكر هداية الله الحسيني، طبقات الشافعية، تحقيق: عادل نويهض (بيروت: 1979).
  5. أحمد بن الحسين بن أبي بكر البيهقي، مناقب الشافعي، تحقيق: أحمد سقر، مجلدان. (القاهرة: 1971).
  6. اختلاف أصول المذاهب، تحقيق: مصطفى غالب (بيروت: 1973).
  7. تاج الدين السُبكي، طبقات الشافعية، 6 مجلدات، الطبعة الثانية. (دار النشر غير مدوّن: بيروت، تأريخ النشر غير مدّون).
  8. جمال الدين عبد الرحمن الأسنوي، طبقات الشافعية، تحقيق: عبد الله الجبوري، مجلدان. (بغداد: 1970-1971).
  9. زين الدين قاسم بن قطلوبغا، تاج التراجم في طبقات الحنفية (بغداد: 1962).
  10. شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وأكرم البوشي، 23 مجلد. (بيروت: 1986).
  11. عبد الحي ابن العماد، شذرات الذهب، في أخبار من ذهب، 8 مجلدات. (القاهرة: 1931-1932).
  12. عبد الله مصطفى المراغي، الفتح المبين في طبقات الأصوليين، 3 مجلدات. (القاهرة: تأريخ الطباعة غير مدوّن).
  13. فخر الدين محمد بن عمر الرازي، إرشاد الطالبين إلى المنهج القويم في بيان مناقب الإمام الشافعي، تحقيق: أحمد السقا. (القاهرة: 1986).
  14. محمد بن أبي حاتم الرازي، آداب الشافعي ومناقبه، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق (القاهرة: 1953).
  15. محمد بن أبي يعلى بن الفراء، طبقات الحنابلة، تحقيق: محمد حامد الفقي، مجلدان. (القاهرة: 1952).

ثانيًا: المصادر والمراجع باللغات الأجنبية:

  1. A. S. Halkin, “The Hashwiyya,” Journal of the American Oriental Society 54 (1934):12.
  2. Abu ‘Asim al- Abbadi in Tabaqat al-fuqaha’ al-shafiiyya (ed. Gosta Vitestam [[Leiden, 1964]]).
  3. Ahmad ibn Yahya Ibn al-Murtada, Tabaqat al-mu’tazila, ed. S. Diwald-Wilzer (Wiesbaden, 1961).
  4. Fuat Sezgin, Geschichte des arabischen Schrifttums, 9 vols. (Leiden, 1967).
  5. George Makdisi , ” Th e Juridical Theology of Shafii: Origins and Significance of Usul al-Fiqh,” Studia Islamica 59 (1984): 6, 9.
  6. Goldziher, The Zahiris: Their Doctrine and Their History, trans. W. Behn (Leiden, 1971).
  7. Joseph Schacht, An Introduction to Islamic law (Oxford, 1979).
  8. Joseph Schacht, The Origins of Muhammadan Jurisprudence (Oxford, 1975).
  9. Majid Khadduri, trans., Al-lmam Muhammad ibn Idris al-Shafii’s al­ Risiila fi Usul al-Fiqh, 2nd ed. (Cambridge, 1987).
  10. N. J. Coulson, A History of Islamic law (Edinburgh , 1964), 56.
  11. Robert Brunschvig in “Le livre de l’ordre et de la defense d’al-Muzani,” Bulletin d’etudes orientales 11 (1945-46):145-94; Arabic text, 153-63.
  12. Susan Spectorsky, “Ahmad Ibn Hanbal’s Fiqh,” Journal of the American Oriental Society 102 (1982): 461-465.
  13. W. B. Hallaq, “Was the Gate of Ijtihad Closed?” International Journal of Middle  East Studies 16 (1984): 7-10.

([1]) يُمثل هذا المقال نسخة موسعة من محاضرتين؛ أُلقيتا في الاجتماع السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط، في نيو أورلينز (19-22 نوفمبر/تشرين الثاني 1985)، وفي جامعة شيكاغو (نوفمبر/تشرين الثاني 1987). وتم نشر هذا المقال في المجلة الدولية للشرق الأوسط International Journal of Middle East، في المجلد 25، العدد الرابع، والمنشور في نوفمبر 1993، من الصفحة 587-605، والذي نشرتها دار بريل.

(*) كُتبت هذه المقالة في الربع الأخير من القرن الماضي، تقريبًا، ونُشرت عام 1993. المترجم.

([5]) جوزيف شاخت، أصول الفقه المحمدي.Joseph Schacht, The Origins of Muhammadan Jurisprudence (Oxford, 1975).

([6]) تحقيق: أحمد محمد شاكر. (القاهرة: 1892). وللحصول على العنوان الأصلي للعمل، والأسباب المفترضة لتأليفه، انظر: ترجمة: مجيد خدوري، الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة في أصول الفقه، الطبعة الثانية. (كامبريدج، 1987)، ص19، وما يليها؛Majid Khadduri, trans., Al-lmam Muhammad ibn Idris al-Shafii’s al­ Risiila fi Usul al-Fiqh, 2nd ed. (Cambridge, 1987), 19 ff.;

وفخر الدين محمد بن عمر الرازي، إرشاد الطالبين إلى المنهج القويم في بيان مناقب الإمام الشافعي، تحقيق: أحمد السقا. (القاهرة: 1986)، ص153؛ وجورج مقدسي، لاهوت الشافعي الفقهي: أصول وأهمية أصول الفقه.

George Makdisi , ” Th e Juridical Theology of Shafii: Origins and Significance of Usul al-Fiqh,” Studia Islamica 59 (1984): 6, 9.

([7]) انظر، على سبيل المثال، إغناز غولدتسيهر، الظاهرية: عقديتهم وتأريخهم؛Ignaz Goldziher, The Zahiris: Their Doctrine and Their History, trans. W. Behn (Leiden, 1971), 20-21;

ونويل جاي كولسن، تأريخ الفقه الإسلامي؛N. J. Coulson, A History of Islamic law (Edinburgh , 1964), 56;

وجوزيف شاخت، مدخل إلى الفقه الإسلامي.Joseph Schacht, An Introduction to Islamic law (Oxford, 1979), 48.

([8]) انظر: مقدمة خدوري لترجمته كتاب الرسالة. Khadduri ‘s introduction to his translation of the Risala, 42.

([9]) انظر، على سبيل المثال، الرازي، إرشاد، ص156؛ وكولسون، التأريخ، ص61.Coulson, History, 61.

(*) من منتصف القرن الثاني الهجري – بداية القرن الثالث الهجري، تقريبًا، أي خلال الدور الرابع من أدوار الفقه. المترجم.

([11]) كولسون، التأريخ، ص53. Coulson, History, 53.

(*) من منتصف القرن الأول الهجري – بداية القرن الثاني الهجري، تقريبًا، أي الدور الثالث، وبداية الدور الرابع من أدوار الفقه. المترجم.

(*) من منتصف القرن الثالث الهجري – بداية القرن الرابع الهجري، تقريبًا، أي خلال الدور الرابع من أدوار الفقه. المترجم.

([14]) ابن النديم، الفهرست (بيروت: 1978)، ص286.

([15]) المصدر السابق، ص287.

([16]) المصدر السابق، ص286، 289.

([17]) المصدر السابق، ص297.

([18]) تاج الدين السُبكي، طبقات الشافعية، 6 مجلدات، الطبعة الثانية. (دار النشر غير مدوّنة: بيروت، تأريخ النشر غير مدّون)، 1: 277.

([19]) انظر: السطر 13 وكذلك أبو بكر هداية الله الحسيني، طبقات الشافعية، تحقيق: عادل نويهض (بيروت: 1979)، ص90، حيث يُشار إلى الفصل المتعلق بالوضوء، وهو باب لا مكان له في مؤلفات أصول الفقه.

([20]) السُبكي، الطبقات، 2: 227. ومن الواضح أن العمل يتعلق بالفقه العملي، لأن السُبكي يُشير إلى أنه بحوزته نسخةً غير مكتملة من العمل “إلى أثناء باب التفليس”.

([21]) السُبكي (المصدر نفسه، 2: 226)، ويميز العمل بأنه عمل معني بـ “الفقه والخلافيات”. انظر، أيضًا، عبد الله مصطفى المراغي، الفتح المبين في طبقات الأصوليين، 3 مجلدات. (القاهرة: تأريخ الطباعة غير مدوّن) 1: 177.

([22]) السُبكي، الطبقات، 2: 108. ويجب أن نذكر أن مصطلح “أصول” يُستخدم، أحيانًا، للإشارة إلى الأعمال “القياسية” أو “الكلاسيكية”؛ انظر: شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وأكرم البوشي، 23 مجلد. (بيروت: 1986)، 15: 438، والذي يتحدث عن أبي العباس المصري على أنه اغتصب 500 مجلد في الأصول من مكتبة أحد زملائه.

([23]) تجدر الإشارة، هنا، إلى أن الشافعي لا يَعلم بمصطلح أصول الفقه، واستخدامِه لمصطلح أصول لا يحمل الدلالة المرفقة به في وقت لاحق. ويبدو أنه أعطى أطروحته عنوان الكِتاب. ولاحقًا، فحسب، أصبحت تُعرف باسم الرسالة، وربما مرت بفترة انتقالية عُرفت فيها باسم كتاب الرسالة. وللاطلاع على دليل على العنوان الأصلي للعمل، انظر:  خدوري.Khadduri, trans., Risiila, pars, 96, 332, 573, passim.

([24]) اختلاف أصول المذاهب، تحقيق: مصطفى غالب (بيروت: 1973).

([25]) ابن النديم، الفهرست، ص289.

([26]) السُبكي، الطبقات، 2: 78.

([27]) غولدتسيهر، الظاهرية، ص34-35.

([28]) ابن النديم، الفهرست، ص303.

([29]) المصدر السابق، ص306؛ وانظر، أيضًا، السُبكي، الطبقات، 2: 46.

([30]) الاستثناء هو حالة حسين بن علي الكرابيسي (المُتوفى 859 أو 862)، والذي وصفه أبو عاصم العبادي في طبقات الفقهاء الشافعية، تحقيق: غوستا فيتستام.Abu ‘Asim al- Abbadi in Tabaqat al-fuqaha’ al-shafiiyya (ed. Gosta Vitestam [[Leiden, 1964]], 24-25).، “كأحد الفقهاء الأوائل الذي كانوا على دراية بالأصول”، وأبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء، تحقيق: إحسان عباس [[بيروت: 1970]]، ص102. على أن “له تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه”؛ وانظر، أيضًا، الذهبي، السّير، 12: 79-81. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المصادر اللاحقة لم تذكر أي عمل كتبه الكرابيسي حول هذا الموضوع. وفي الواقع، فإن أكثر روايات السِّيرة تفصيلًا عن الكرابيسي، والتي قدمها السُبكي (الطبقات، 1: 251-256)، لا تربطه بأصول الفقه، سواءً كمؤلف أو كعالِم.

([31]) محمد بن أبي حاتم الرازي، آداب الشافعي ومناقبه، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق (القاهرة: 1953)، ص61-62.

([32]) محمد بن أبي يعلى بن الفراء، طبقات الحنابلة، تحقيق: محمد حامد الفقي، مجلدان. (القاهرة: 1952)، 1: 57.

([33]) السُبكي، الطبقات، 1: 250-251.

([34]) انظر، على سبيل المثال، أحمد بن الحسين بن أبي بكر البيهقي، مناقب الشافعي، تحقيق: أحمد سقر، مجلدان. (القاهرة: 1971)، 1: 236؛ والسُبكي، الطبقات، 1: 242.

(*) الأورغانون، هي: مجموعة كتب أرسطو في المنطق. و “أورغانون” كلمة إغريقية، وتعني “الآلة”. وسُميت بهذا الاسم، لأن المنطق، عند أرسطو، هو “آلة العلم”، أو وسيلته للوصول إلى الصواب. المترجم.

([36]) قام روبرت برنشفج Robert Brunschvig بتحقيق وترجمة تعليق المُزني في “كتاب الأمر ودفاع المُزني”.Robert Brunschvig in “Le livre de l’ordre et de la defense d’al-Muzani,” Bulletin d’etudes orientales 11 (1945-46):145-94; Arabic text, 153-63.

([37]) بتحقيق: محمد زهري النجار، 3 مجلدات. ( (القاهرة: 1961)، 7: 291-292.

([38]) الصفحات 153-156 (السطر 4)، فحسب، من كتاب الأمر والنهي تُعالج المعنى المزعوم (على معنى) لمذهب الشافعي، على الرغم من أنه من المحتمل، جدًا، أنه حتى الصفحات 153 (السطر 20) – 56 تُمثل آراء المُزني الخاصة، وليست آراء الشافعي.

([39]) حول التقليديين (أهل الحديث) والعقلانيون (أهل الرأي)، انظر: غولدتسيهر، الظاهرية؛Goldziher, Zahiris, 6-19;

وشاخت، الأصول.Schacht, Origins, 36-81, 253-357, passim.

([40]) زين الدين قاسم بن قطلوبغا، تاج التراجم في طبقات الحنفية (بغداد: 1962)، ص 19-20.

(*) هذه الأطروحة هي لمحمد بن محمد اللباد القيرواني، وليست لمحمد بن عبد الحكم المصري، وبالتالي، إذا صح ذلك، فيُراجع ما ذهب إليه المؤلف من نتائج، والله أعلم. المترجم.

([42]) الذهبي، السِّير، 12: 500؛ والسُبكي، الطبقات، 1: 224. تُنسب معظم أعمال السّيرة الذاتية موقف المصري النقدي تجاه الشافعي إلى صراع شخصي بين الاثنين.

([43]) فهل يجب أن نأخذ كتاب حجة في الرد على الشافعي، لمؤلفه لأبي زكريا الكناني (المُتوفى 902)؟ انظر: فؤاد سزكين، تأريخ التراث العربي.Fuat Sezgin, Geschichte des arabischen Schrifttums, 9 vols. (Leiden, 1967-), 1:475, 485.

([44]) من المثير للاهتمام ملاحظة التغيير في عنوان ترجمة خدوري للرسالة. فعندما نُشرت لأول مرة عام 1961، كان العنوان يُقرأ: الفقه الإسلامي: رسالة الشافعي. وفي طبعة عام 1987، كان عنوان الكتاب: رسالة الشافعي في أصول الفقه:  أطروحة في أسس الفقه الإسلامي.

([45]) خدوري، الرسالة.Khadduri, al-Risala, 41.

([46]) القاهرة، 1969.

([47]) اعتذرَ الفخر الرازي، في كتابه الإرشاد، ص157، عن النواقص في رواية الشافعي؛ قائلاً: إن الإنسان الذي يكون واضعًا لعلم من العلوم ابتداءً؛ لو وقعت له فيه هفوة أو زلة، كانت معذورة له.

(*) اللغة الأردية أو الأوردية أو الأوردوية، وهي لغة هندية آرية، من فرع اللغات الهندية الإيرانية، وتنتمي إلى عائلة اللغات الهندية الأوروبية. وهي اللغة الرسمية في باكستان. المترجم.

([49]) بترجمة:  محمد أمجد علي. (كراتشي: 1968).

([50]) انظر: السطر 23.

([51]) ابن النديم، الفهرست، ص295: “وكان الشافعي شديدًا في التشيع.”.

([52]) الرازي، الإرشاد، ص44، 104؛ وفي ص66، يتحدث الرازي عن معرفة الشافعي البارزة بالجدل والتأمل والصفات الخلافية، التي كانت غائبة، تمامًا، في معسكر أهل الحديث. انظر، أيضًا، أحمد بن يحيى ابن المرتضى: طبقات المعتزلة.Ahmad ibn Yahya Ibn al-Murtada, Tabaqat al-mu’tazila, ed. S. Diwald-Wilzer (Wiesbaden, 1961), 43.

([53]) الرازي، الارشاد، ص44.

([54]) مقتبس في السُبكي، الطبقات 2: 149.

([55]) المصدر السابق، 1: 222.

([56]) الرازي، الارشاد، ص228- 229.

([57]) السُبكي، الطبقات، 2: 4؛ والرازي، الإرشاد، ص230.

([58]) الرازي الإرشاد، ص230.

([59]) ابن الفراء، الطبقات، 1: 38.

([60]) فيما يتعلق بمعارضة الشافعي لأهل الحديث، انظر: شاخت، الأصول.Schacht, Origins, 128-129.

([61]) عبد الله بن قتيبة، المعارف (كراتشي: 1976)، 216-230.

([62]) انظر: السطر 53.

([63]) الرازي، الارشاد، ص138. كما يُلمح السُبكي إلى نزعة المُزني نحو الاعتزال (الطبقات، 1: 241). وحول مهارته كمناظر وقلة مؤهلاته كمُحدث، انظر: الذهبي، السير، 12: 492-493؛ و 14: 371. ويتضح أنه لم يكن، بالمعنى الدقيق للكلمة، من المعتزلة من خلال حقيقة أنه غير مدرج في أعمال السِّيرة الذاتية للمعتزلة. انظر، على سبيل المثال، ابن المرتضى، طبقات المعتزلة.

([64]) انظر: السطر 23.

([65]) السُبكي، الطبقات، 1: 251-255.

([66]) الشيرازي، الطبقات، ص102.

([67]) رواه السُبكي عن الخطيب البغدادي (الطبقات، 1: 252).

([68]) من المهم، أنه في هذا الوقت بدأت تظهر، أيضًا، الألقاب التي تحمل مصطلح الفروع، وأصبح الفروع والأصول، الآن، مصطلحين ثنائيين؛ انظر، على سبيل المثال، كتاب الفروع، لابن الحداد المصري، المتوفى عام 956؛ والذهبي، السِّير، 15: 446.

وتُشير الأدلة، الواردة في مصادرنا، إلى أن ظهور تسمية أصول الفقه، وكذلك الأعمال الكاملة حول هذا الموضوع يعود إلى بداية القرن العاشر الميلادي، وليس إلى نهايته، كما اقترح المقدسي؛ انظر له: لاهوت الشافعي الفقهي.Makdisi, “Juridical Theology of Shafii,” 5, 13-14.

([69]) العبّادي، الطبقات، ص55؛ والسُبكي، الطبقات 2: 242-243.

([70]) الذهبي، السِّير، 15: 217-218؛ ويذكر ابن النديم (الفهرست، 245-246) أن المؤلف لم يُكمل العمل.

([71]) ابن النديم، الفهرست، ص300. عبد الحي ابن العماد، شذرات الذهب، في أخبار من ذهب، 8 مجلدات. (القاهرة: 1931-1932)، 2: 325؛ والعبَّادي، الطبقات، ص69؛ وأبو العباس أحمد بن محمد ابن خِلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، 8 مجلدات. (بيروت: 1977)، 4: 199؛ والشيرازي، الطبقات، ص111.

([72]) ابن النديم، الفهرست، ص283.

([73]) ابن قطلوبغا، تاج التراجم، ص59.

([74]) السُبكي، الطبقات، 2: 103؛ والشيرازي، الطبقات، ص111.

([75]) الشيرازي، الطبقات، ص112؛ والسُبكي، الطبقات، 2: 176 وما يليها؛ وابن خِلكان، الوفيات، 4: 200-201.

([76]) ابن قطلوبغا، تاج التراجم، ص86.

([77]) الشيرازي، الطبقات، ص112.

([78]) السُبكي، الطبقات، 2: 159.

([79]) ابن النديم، الفهرست، ص330.

([80]) جمال الدين عبد الرحمن الأسنوي، طبقات الشافعية، تحقيق: عبد الله الجبوري، مجلدان. (بغداد: 1970-1971)، 2: 123؛ والسُبكي، الطبقات، 2: 81-82.

([81]) بيروت، 1982.

([82]) الشيرازي، الطبقات، ص115؛ والسُبكي، الطبقات، 2: 217.

([83]) ابن المرتضى، الطبقات، ص102.

([84]) المصدر السابق، ص109.

([85]) العبَّادي، الطبقات، ص69.

([86]) الشيرازي، الطبقات، ص112.

([87]) الأسنوي، الطبقات، 2: 472؛ والحسيني، الطبقات، 245-246.

([88]) خدوري، الرسالة، ص42.

([89]) السُبكي، الطبقات، 3: 186، 208.

([90]) ابن خِلكان، الوفيات، 3: 219، وما يليها.

([91]) الذهبي، السِّير، 15: 328.

([92]) لم يُعلق الصيرفي على الرسالة، فحسب، بل كتب، أيضًا، ردًا ضد دحض الكاتب للعمل؛ انظر ابن النديم، الفهرست، ص300. ولم يكن ممكنًا إثبات هوية الكاتب. ويجب أن نلاحظ أن المصادر أبلغت عن ثلاثة انتقادات أخرى، على الأقل، للشافعي مِن قِبل عالِميّن مالكيين، وحنبلي. فالمالكيان هما: بكر بن محمد القُشيري (المُتوفى 955)، وأبو بكر الدينوري (المُتوفى بعد 940). انظر: الذهبي، السِّير، 4: 427، 537. وانظر: ابن الفراء، الطبقات، 2: 119-120. ومع ذلك، لا يمكن إثبات ما إذا كان موضوع هذه الانتقادات هو فقه الشافعي العملي أو النظرية الفقهية.

([93]) السُبكي، الطبقات، 2: 241.

([94]) وفيما يتعلق بابن سُريج، انظر: المصدر السابق 2: 87-96؛ والذهبي، السِّير، 14: 201-204؛ وابن خِلكان، الوفيات، 1: 66 – 67؛ والعبَّادي، الطبقات، 62-63؛ وابن العماد، الشذرات، 2: 247-248.

(*) شاش، وهو إقليم تاريخي قديم في بلاد ما وراء النهر. المترجم.

(*) فرغانة، وهي مدينة أوزبكية. المترجم.

([97]) رواه السُبكي (الطبقات، 2: 307) على لسان المؤرخ علي بن حسين المسعودي. وكان في حوزت السُبكي نسخةً من الأطروحة.

([98]) الشيرازي، الطبقات، 109.

([99]) وعن ابن حيكويه، انظر: الذهبي، السِّير، 15: 379. وعن المروزي، وابن القاص، والصيرفي، والشاشي، انظر: الشيرازي، الطبقات، ص111-112؛ وابن العماد، الشذرات، 2: 339؛ وابن خِلكان، الوفيات، 4: 199. وعن أبي بكر الفارسي، انظر: ابن المرتضى، الطبقات، ص102.

([100]) ابن خِلكان، الوافيات، 4: 199؛ والسُبكي، الطبقات، 2: 170.

([101]) ابن خِلكان، الوفيات، 4: 200-201.

([102]) السُبكي، الطبقات، 3: 208؛ وابن العماد، الشذرات، 3: 261-262.

([103]) إن جمع فقيه القرن العاشر الميلادي بين المعرفة المتقنة للنظم العقلانية والتقليدية كان لا يزال يُعتبر أمرًا رائعًا حتى في القرن الرابع عشر الميلادي. السُبكي، على سبيل المثال، وهو يُشير، بوضوح، إلى مثل هذا الجمع؛ انظر: طبقاته، 2: 79، 80.

([104]) سوزان سبيكتورسكي، فقه أحمد بن حنبل.Susan Spectorsky, “Ahmad Ibn Hanbal’s Fiqh,” Journal of the American Oriental Society 102 (1982): 461-465.

([105]) للحصول على وصف موجز لتعاليم داود، انظر: غولدتسيهر، الظاهرية.Goldziher, Zahiris, 27-39.

([106]) انظر وائل ب. حلّاق، هل أُغلق باب الاجتهاد؟W. B. Hallaq, “Was the Gate of Ijtihad Closed?” International Journal of Middle  East Studies 16 (1984): 7-10.

وفيما يتعلق بالحشوية، انظر: أبراهام سولومون هالكين، الحشوية.A. S. Halkin, “The Hashwiyya,” Journal of the American Oriental Society 54 (1934):12.

([107]) يعترف السُبكي (الطبقات، 1: 285، 2: 18-20) بأنه ضمَّن السِّير الذاتية لأولئك الذين يستحقون الذكر، لأنه لا معنى لذكر الآخرين، لأنه سيكون مضيعة للحبر.

([108]) المصدر السابق، 1: 186 – 285. وفيما يتعلق بعبد الحكم، وأبي ثور وابن رهويه، انظر: المصدر السابق، 1: 223-224، 227، وما يليها، و  232 وما يليها. وللمزيد عن أبي ثور، انظر: ابن النديم، الفهرست، ص297.

([109]) السُبكي، الطبقات، 1: 285-301؛ 2: 2-79.

([110]) المصدر السابق، 2، 79-322. ويجب أن تُعزى الزيادة السريعة في عدد الشافعيين، خلال القرن العاشر الميلادي، في جزء كبير منه إلى ابن سُريج، والذي درس على يده، كما رأينا (القسم الرابع)، الشخصيات الرئيسة في المذهب الشافعي. وأصبح العديد من طلبة ابن سُريج، بدورهم، مؤثرين، واجتذبوا، في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي، عددًا كبيرًا من التلاميذ. انظر: المصادر المذكورة في الهوامش 98-101.

([111]) المصدر السابق، 1: 244، 247؛ والأسنوي، الطبقات 1: 34-35.

([112]) إن موقف المُزني من عقيدة الشافعي موضَحة جيدًا في حكاية؛ تُصور، أيضًا، موقف ابن سُريج تجاه المُزني، باعتباره التلميذ الرئيس عند الشافعي. فقد ورد عن ابن سُريج أنه قال: “يُؤتى يوم القيامة بالشافعي [[أمام الله]] وقد تعلق بالمُزنى؛ يقول: رب، هذا [[المُزني]] قد أفسد علومي، فأقول أنا [[ابن سُريج]]: مهلًا بأبي إبراهيم [[المُزني]]، فإني لم أزل في إصلاح ما أفسده. فإذا كانت هذه الحكاية توضح، حقًا، وجهة نظر ابن سُريج عن المُزني، فيجب اعتبارها إشارة إلى ميل المُزني العقلاني في بعض المسائل المتعلقة بالأصول، وليس بالفروع، لأنَّا نعلم أن ابن سُريج أُعجب بأعماله في الفقه العملي، وفي الواقع، كتب شعرًا في تمجيدها. انظر: السُبكي، الطبقات، 2: 87، 92-93.

([113]) العبَّادي، الطبقات، ص62.

([114]) انظر: المقدسي، لاهوت الشافعي الفقهي.Makdisi, “Juridicial Theology of Shafii,” 6-7.

([115]) الرازي، آدب الشافعي، 231-237.

([116]) المصدر السابق، 62، 63.

([117]) البيهقي، المناقب، 1: 368-384.

([118]) المصدر السابق، 1: 230 – 236.

([119]) المصدر السابق، 1، 368.

([120]) الرازي، الارشاد، 153-188، 189-268.

([121]) انظر السطر 79.

(*) أي بعد وفاة الإمام الشافعي، من بداية القرن الثالث الهجري – منتصف القرن الرابع الهجري، تقريبًا، أي خلال الدور الرابع من أدوار الفقه، والذي يُطلق عليه العصر الذهبي للفقه. المترجم.