مجلة حكمة
الذكاء الاصطناعي

المشكلة مع الذكاء: تاريخ قيمته المحملة ومستقبل الذكاء الصناعي

الكاتبستيفن كيف
ترجمةعلي النهابي

الملخص

تجادلُ هذه الورقة بأن الذكاءَ[3]” مفهومٌ مُحمَّلٌ بقيمةٍ عاليةٍ تُؤثر بطرقٍ عديدة على حقل الذكاء الاصطناعي والمناقشات حول مخاطره وفرصه. تنبع حمولة هذه القيمة من الاستخدام التاريخي لمفهوم الذكاء من أجل إضفاء الشرعية على الهرميات المهيمنة. تقدم الورقة أولا وبشكل موجز نظرة عامة حول تاريخ هذا الاستخدام، وتبحث في الدور الذي لعبه الذكاء في النظام الأبوي patriarchy، ومنطق الاستعمار والعرقية العلموية”[4]“. وبعد ذلك، تسلط الورقة الضوء على خمس طرق محتملة لتفاعل هذا الإرث الأيديولوجي مع المناقشات الدائرة حول الذكاء الاصطناعي ومخاطره وفرصه: 1) كيف تُديم بعض جوانب  النقاش الدائر حول الذكاء الاصطناعي من فتشية”[5]” الذكاء؛ 2) كيف تؤثر فتشية الذكاء على التنوع في صناعة التقنية؛ 3) كيف تُسهم آمالٌ معينة بشأن الذكاء الاصطناعي في إدامة مفاهيم التقنية والسيطرة على الطبيعة؛ 4) كيف يُؤدي ارتباط الذكاء بالطبقة المهنية إلى الخطأ في توجيه المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي؛ 5) كيف تعزز معادلة الذكاء والهيمنة المخاوف من الذكاء الخارق. من أجل ذلك، تتخذ هذه الورقة خطوة أولى في الجمع بين الأدبيات المتعلقة باختبار الذكاء وتحسين النسل والاستعمار، من حقول اختصاص متعددة، وبين تلك المتعلقة بالأخلاقيات والتأثير المجتمعي للذكاء الاصطناعي.

 مفاهيم CCS

 • الذكاء الاصطناعي • الأسس الفلسفية/النظرية للذكاء الاصطناعي • العرق والإثنية • الجندر

كلمات مفتاحية

 الذكاء، تاريخ الذكاء، تحسين النسل، اختبار الذكاء، الذكاء الاصطناعي، أخلاقيات الذكاء الاصطناعي


1. مقدمة

مع ما حظي به الذكاء intelligence من عنايةٍ كبيرة من أجل تحديد مفهومه في أدبيات الذكاء الاصطناعي AI (29)، إلا إن البحث في الطريقة التي انتشر بها هذا المفهوم في السياقات المعيارية أو السياسية لم يحظ بعناية كافية. تهدف هذه الورقة إلى الشروع في معالجة هذا الأمر، ليس من خلال التساؤل عن ماهية الذكاء، وإنما عن الغاية التي استُعمل من أجلها هذا المفهوم في التاريخ. ستركز الورقة بشكل خاص على استعمال هذا المفهوم من أجل إنشاء وتشريع الهرميات السلطوية. ثم ستتساءل بعد ذلك عن كيف يمكن لهذا الإرث من الاستعمال أن يصوغ شكل المناقشات حول الذكاء الآلي.

وبالتالي، فإن هذه الورقة هي تقييمٌ للذكاء بوصفه مصطلحا مُـحَمَّلاً بالقيمة value-laden – أو ما يُطلق عليه أحيانا في الفلسفة الأخلاقية ’بالمصطلح الكثيف‘ thick concept، [والذي يدل على]”مفهوم تقييمي ووصفي في ذات الوقت”(27:1). إن [هذه الورقة] محاولةٌ لتفكيك الجانب التقييمي منه وكشفه؛ حتى ندرك تماما ما نقوم به عندما نستعمل هذا المصطلح (4:8.1.2)؛ إنها عملٌ من أعمال ’رفع الوعي‘  كما يقول سايمون بلاكبيرن Simon Blackburn(7)؛ أو ’تفكيك‘  كما يسميه بذلك تقليدٌ آخر: “[أي] تعريةُ مفهومٍ ما بوصفه إيديولوجيا، أو بناءً ثقافيا، وليس انعكاسا طبيعيا أو بسيطا للواقع”(13:15).

سعيا لتحقيق هذه الغاية، تخطو هذه الورقة القصيرة خطوتها الأولى في الجمع بين مجموعتين واسعتين من الأدبيات: تلك التي تتعلق بتاريخ اختبارات الذكاء وتحسين النسل والعلموية العرقية والاستعمار، مع تلك الآخذة في الازدهار حول الأخلاقيات والتأثير الاجتماعي للذكاء الاصطناعي. تبدأ الورقة بعرضٍ موجز للجوانب المتصلة بالاستعمال المحمل بالقيمة لمفهوم الذكاء. ثم تمضي بعد ذلك مستكشفة خمس طرق من الممكن أن يؤثر فيها ذلك على الأفكار حول الذكاء الاصطناعي ابتداءً من تأثيره على التنوع في قطاع التقنية، وانتهاءً بالتوجيه الخاطئ للخطاب المتعلق بمخاطر الذكاء الاصطناعي ليعالج مخاوف القابعين تقليديا في أعلى سلم الهيمنة، بعيدا عن أولئك المهمشين بالفعل.

2. الذكاء بوصفه مفهوما مُحملا بالقيمة: نظرة عامة

يتعلق الجانب الخاص من القيمة المحملة [للذكاء] الذي سأعرضه في هذه الورقة، باستعمال الذكاء (والمفاهيم ذات الصلة) من أجل تسويغ الهرمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية داخل المجتمعات أو فيما بينها. سأناقش بأن مفهوم الذكاء قد لعب دورا حاسما فيما أطلقت عليه باتريشيا هيل كولنز Patricia Hill Collins:”منظومة الهيمنة” والتي حافظت تاريخيا على سلطة النخبة من الذكور البيض. تتشكل هذه المنظومة من تقاطعاتٍ بين: “نطاقات السلطة الهيكلية، والانضباطية، والمهيمنة، والشخصية”(13:18). يتم نشر مفاهيم معينة مثل الذكاء بوصفها جزءا من “الإيديولوجيات المُهيمنة” عن التفوق والدونية بحيث تُضفي الشرعية على الأجزاء الأخرى في المنظومة(13:284). إن ما تعنيه كولنز بكلمة ’مهيمنة‘ هو أنه ” يُنظر إليها على أنها طبيعية، وعادية ولا مناص منها”(13:5)

ومن أجل الإيجاز في استقصاء الاستعمال الإيديولوجي لمفهوم الذكاء، سأشير في بعض الأحيان إلى المفاهيم المتصلة به من قبيل ’القدرة العقلية‘mental ability  أو ’ مَلَكة العقل ‘faculty of reason.  وكي يكون مفهوم ما ذا صلةٍ بهذا المعنى المراد، فإن عليه أن يستوفي معياريين: أولا: عليه أن يُشير إلى قدراتٍ إدراكية عليا. وثانيا: عليه أن يشير (عادةً أو حسب السياق) إلى قدرةٍ [أو ملكةٍ] تحتمل التفاوتَ في الدرجة. إحدى التحولات التاريخية الحاسمة فيما يتعلق بالتفكير حول القدرات الإدراكية تمثلت في الابتعاد عن فكرة الملكة التي يمتلكها الجميع بالتساوي، وبشكلٍ كامل، وعلى الأقل منذ الولادة (مثل: ’عقل‘ mind)؛ إلى فكرة  الملكة التي يحظى بها البعض بدرجةٍ أكثر من الآخرين(21:45). ومع أن ظهور كلمة ’ذكاء‘ intelligence في القرنين التاسع عشر والعشرين يتزامن مع هذا التحول، إلا أن الكتاب الأوائل استعملوا في بعض الأحيان مصطلحاتٍ مشابهةً بطرقٍ توحي أيضا بمثل هذا التدرج.

2.1 جذور الذكاء بوصفه أيديولوجيا

إن الربط بين القدرات العقلية وبين الأحقية في السلطة هو ربطٌ قديم. فمن المشهور أن أفلاطون قد اقترح في الجمهورية Republic (على لسان سقراط) أن ’الملك الفيلسوف‘ الذي سيصبح الحاكم المثالي في الدولة المثالية هو من “يتمتع بذاكرة جيدة، وسرعةٍ في التعلم – بالإضافة إلى كونه نبيلا، كريما، وصديقا للحقيقة”(36:VI, 487a). كانت هذه الفكرة جديدة في ذلك الوقت، وقد أخذت في منافسه أفكارِ الديمقراطية، والملكية، والارستقراطية الموروثة، والاستبداد، وغيرها. ومع ذلك، وبعد جيلٍ واحد فقط، استعمل تلميذه أرسطو تدرجاتِ الكفاءة العقلية لتسويغ الهرميات الاجتماعية والسياسية التي غطت مجموعاتٍ مختلفة من البشر بالإضافة إلى بقية أنواع العالم الطبيعي. في كتابه السياسة Politics، يجادل أرسطو أن: “وجوب كون البعض حاكما والآخر محكوما مسألة لا تستدعيها الضرورة فحسب، بل هي نافعةٌ أيضا؛ إذ منذ لحظات الولادة الأولى، يُوسم البعض بشارة الخضوع، ويوسم الآخرون بشارة الرئاسة”(3:1, V). تكمن ميزة الرؤساء في امتلاك العقل، أما من يفتقر إليه فهو “عبدٌ بالطبيعة”. يحظى الرجال الذين يُعملون عقولهم بنصيبٍ أكبر [من ذلك العقل] ممن يَعملون بأجسادهم، وبشكلٍ عام، فإن الرجال يحظون به أكثر من النساء، والبشر أكثر من الحيوانات الأخرى. وفي جميع الأحوال، فمن الأفضل للأصناف الدنيا أن تكون منضوية تحت حكم سيد(3:1, V).

 وهكذا نرى منذ فجر الفلسفة الغربية، تماهيا بين الكفاءة العقلية وبين الوضع المميز للإنسان الذكر، كما [نرى أيضا] مجادلةً لحقه، بسبب هذه الكفاءة، في السيطرة على الجماعات الأخرى. ما تجدر ملاحظته هنا، أنه في الوقت الذي كان فيه أفلاطون يقترح سياسةً جديدة جذريا، كان أرسطو [في المقابل] يُدافع بفعاليةٍ عن علاقات القوة الراهنة في عصره. إن ما كان يقدمه أرسطو، حسب تعبير كولنز، هو إيديولوجيا مُهيمنة: أي تلك التي تعمل على تطبيع علاقات القوة، وجعلها اعتيادية، بناءً على ادعاءاتٍ حول الكفاءة العقلية.

وأيا يكن الأمر، فلم تُكتب السيادة لهذا الرأي طيلة الألفي سنة التالية. فقد كان لنفوذ المسيحية العظيم، حتى في شكله الأفلاطوني والأوغسطيني، دورٌ في إيثارِ فضائلَ أخرى، كالتقوى مثلا، على الكفاءة العقلية. وفي ذات الوقت، كانت السيادة [آنذاك] تُسوغ بالحق الإلهي، أو بحق الوراثة أكثر منها بالتفوق الفكري. ولأسبابٍ عديدة، أخذ هذا الأمر في التغير في أوروبا في القرن السابع عشر. بعض تلك الأسباب كان متعلقا بالتطورات الفكرية السريعة في ذلك الوقت، بما في ذلك ظهورُ المشروع العقلاني والتجريبية والعلم الحديث. غير أن التطورات السياسية كانت الأكثر أهمية من بين تلك الأسباب.

كان الشق الأول [من تلك الأسباب المتصلة بالتطورات الفكرية] الدافعَ وراء استبدال الحركة الجمهورية مبادئ الحكم الوراثي “بالأرستقراطية الطبيعية” – على حد تعبير توماس جيفرسون Thomas Jefferson – القائمة على “الفضيلة والمواهب”(10:11). أما الشق الثاني [التطورات السياسية]، فقد كان نابعا من الحاجة إلى توفير ذريعةٍ أخلاقية وفكرية لأوروبا لتبرير عدوانية توسعها الاستعماري مع كل ما ارتبط به من غزوٍ ونهب واستعباد(1:199). وفي هذا السياق، كان من العسير جدا مقاومةُ الحجة التي قدمها أرسطو بأن بعض الناس، وبسبب تفوقهم الفكري، قد ولدوا كي يحكموا، بينما ولد الآخرون، أولئك الأقل منهم موهبة، من أجل الخضوع لهم. وهكذا نلاحظ في هذه المرحلة هيكلةً بنائية للعرق “من أجل خلق، ومن أجل المحافظة على التمايزات بين مختلف أعضاء وأنواع الإنسان العاقل Homo sapiens بحيث تُقدم أرضيةٍ تفسيرية للتفوق… لصالح تلك التسلسلات الهرمية”(46:28). وقد كانت القدرة العقلية واحدة من بين أبرز تلك التمايزات المعيارية(10:76).

إن العواقب المترتبة على الإدراج ضمن هذا التسلسل الهرمي كانت بالغة الأهمية: فنظرا لوصم أولئك القابعين في أسلم السلم بالدونيةِ على المستوى العقلي – “نصف شيطان ونصف طفل” على حد تعبير روديارد كيبلنج Rudyard Kipling – فقد حُكم عليهم بانتفاء الأهلية لحكم أنفسهم وأراضيهم. ولهذا السبب؛ كان تدمير ثقافاتهم والاستيلاء على مناطقهم أمرا مشروعا تماما – بل واجبا [يقع ضمن] “عبء الرجل الأبيض” كما يقول كيبلنج(26). ووفقا للمؤرخ مايكل داس Michael Adas (والاقتباس هنا من المؤلف ورجل الدين الفكتوري المؤثر فريدريك فارار Frederic Farrar)، فإن هذا التخلف المتصور ’ يُفسر ويبرر الهلاك أو (في حالة سكان تسمانيا) الإبادة التامة “للشعوب البدائية” التي لم ” تُضف ذرةً واحدة إلى المعرفة والفنون والعلوم والصناعات وأخلاقيات العالم”‘(1:204).

يتشابك هذا الارتباط بين التسلسلات الهرمية للقدرة العقلية وبين العنصرية والاستعمار بشكل أكبر مع ثنائية مفهوم الحضارة مقابل الطبيعة، ودور التقنية في التوسط بينهما. فبالنسبة لقوى الاستعمار الأوربية، لم يكن التفوق العلمي والتقني وسيلةً للغزو فحسب، بل كان جزءا من مسوغاته، كما بدا ذلك واضحا من خلال استعراض تلك القوى [لأشكال] تفوقها الفكري والثقافي(1:4). لقد كان الغرض الأساسي من العلم والتقنية هو السيطرة على الطبيعة وإخضاعها لاحتياجات الإنسان(30). وقد كان ذلك بدوره معادلا للنجاح الثقافي، حيث: “كانت الحضارة الإنسانية مرادفا تقريبيا لغزو الطبيعة”(44:25). وفي مقابل هذه الدول المتحضرة، كان ثمة أناسٌ موصومون بالدونية على مستوى الذكاء، يعيشون في عالم ما قبل التقنية، ومن أجل ذلك كانوا متوحشين. لقد كانت مهمة الدول الغربية في التحضير mission civilisatrice تكمن في استخدام ذكائها المتفوق وتقنيتها لترويض هذه الطبيعة البرية – الأراضي والبشر على حد سواء – بغية استخدامها بشكلٍ مُنتج. وهكذا، وفي ذات الوقت الذي نشرت فيه منظومةُ الهيمنة مفاهيمَ تراتبية الذكاء لتشريع استغلال كل من الطبيعة ومعها تلك ’الأعراق‘ المعدودة في حالة الطبيعة؛ كانت هذه القدرة التقنية على الاستغلال تُعد بحد ذاتها – وفي المقابل – جزءا من الدليل على ذلك التفوق الفكري.

لقد كان من العسير العثور على مفكرٍ أوروبي أو أمريكي شمالي من القرنين الثامن عشر أو التاسع عشر لم يؤكد على التفوق الفكري للبيض حينما يفصح عن أراءه المتعلقة بالعرق(10:88,22:32). لقد تمحور النقاش الحقيقي فقط حول ما إذا كان [السبب في ذلك] ثقافيا أم بيولوجيا. وقد كان السبب البيولوجي أكثر جاذبيةً على المستوى السياسي: فقد كان يعني ضمنيا أن البيض متفوقون بالفطرة، وأنه لن يكون في وسع الأعراق الأخرى أن تتحدى هذا التفوق، حتى وإن أتيح لها الوصول إلى موارد ثقافية مماثلة. ومع ذلك، فإن عصر التجريبية كان يتطلب أرقاما لدعم هذه الادعاءات(22:74). ومن ثم فقد رأينا في هذه الفترة تطورا لما يُسمى أحيانا بالعلم العنصري  racial scienceأو العرقية العلموية scientific racism. وأيا يكن الأمر، فمن المهم أن نتذكر أن تطبيقات هذا المنطق لم تكن قاصرة فقط على الأعراق، بل امتدت كذلك لتشمل الجنس والطبقة. وبالتالي ينبغي أن نفكر بالأمر أيضا على أن تمييزا علميا جنسيا scientific sexism، وتمييزا علميا طبقيا classism، قد رافق غالبا [تطبيقات ذلك المنطق].

تمثلت المحاولة الأولى المقبولة [علميا في ذلك الوقت] في شكل علم قياس الجماجم craniometry – أي ذلك العلم المتعلق بعملية قياس أبعاد الجمجمة. اُعتبر ذلك بمنزلة المؤشر على المقدرة العقلية وبالتالي، كان من المفترض أن يقدم أسسا موضوعية للتصنيفات المترسخة عرقيا واجتماعيا. وبحلول القرن التاسع عشر، انهارت هذه الممارسة تحت ضغط الحقائق [العلمية](22:3). وأيا يكن الأمر، فقد دفعت هذه الجهود الضرورات الأيديولوجية والعلمية إلى الاندماج معا في الاتجاه نحو “اعتبار الذكاء كيانا ماديا، فريدا، حقيقيا وقابلا للقياس”(10:78). وهكذا، أصبحت الأرضية مُهيأةً لاستقبال أول محاولة لقياس القدرة العقلية بشكل مباشر على يد العالم الإنجليزي السيد فرانسيس غالتون Sir Francis Galton الذي أصدر عام 1869م أشهر أعماله: العبقرية الوراثية Hereditary Genius، وفيه شرح رأيه القائل بأن القدرة العقلية هي أمر وراثي، وأن الفضل يرجع إليها في تحديد مدى نجاح الناس في حياتهم.

لقد كان غالتون أول من اجترح مصطلح ’ تحسين النسل ‘ eugenics: “علم تحسين السلالة… من أجل منح الأعراق، أو سلالات الدم الأكثر ملائمة، فرصةً أفضل للانتشار السريع على حساب [تلك] الأقل منها”(20). اعتقد [غالتون] أن الفقراء والمهمشين كانوا كذلك لأنهم أقل شأنا على المستوى العقلي. وبالتالي؛ فإن تثبيطهم عن التكاثر هو ما تقتضيه مصلحة ’ العرق ‘.  لقد كان عمله تعبيرا عن مزاج الطبقات المتميزة في بريطانيا وفي كل أنحاء العالم(32:12). وسرعان ما أصبح مصطلح تحسين النسل اسما لحركة عالمية كان اختبارُ الذكاء فيها الأداةَ الأساسية لتحديد من يستحق أن تتكاثر جيناته ومن لا يستحق. وكما تقول المؤرخة فيلبا ليفين Philippa Levine:” لم يكن هناك شيء أكثر أهمية لعلماء تحسين النسل من الذكاء…كان الذكاء هو المتغير الرئيس”(32:25). وحتى ذلك الوقت، [أي] أواخر القرن التاسع عشر، ظلت كلمة ’ ذكاء ‘ “متوارية إلى حد كبير في خطاب اللغة الإنجليزية(10:79). وحينما بدأ استعمالها يشيع على نطاق واسع، كان ذلك جزءا من إيديولوجيات تحسين النسل المتعلقة بتفوق البيض، والاستعمار، والطبقية. والتمييز الجنسي.

2.2-  علم وسياسات الذكاء في القرن العشرين

إن أول اختبار يشابه اختبارات الذكاء الحديثة IQ tests (بوصفها مجموعة متنوعة من الأنشطة القصيرة المصممة للتقييم السريع لجوانب مختلفة من التفكير) قد تطور على يد عالم النفس الفرنسي ألفريد بينيه Alfred Binet في عام 1905م.  لقد ابتدع ذلك الاختبار مفهوم العمر ’ العقلي ‘ من أجل تحديد مدى تأخر الأطفال الذين ينبغي أن يحظوا بتعليمٍ خاص. بيد أنه لم يكن مصمما في الأساس من أجل إيضاح التدرجات والتصنيفات [العقلية] الدقيقة. حدث هذا التغيير عندما عبرَ الاختبارُ ضفافَ المحيط الأطلسي ومن ثم التقطته مجموعةٌ من علماء النفس الأمريكيين المؤثرين، والذين كانوا أيضا أعضاءً فاعلين في حركة تحسين النسل. وبواسطة جهودهم، وفي غضون عقدين من الزمن، أصبحت فكرة هرمية وتفرد الذكاء “مصطلحا ذا أهمية مركزية في علم النفس الأمريكي، وإلى حد ما في الثقافة الأمريكية”(10:159).

إحدى العلامات الفارقة في ذلك التطور تمثلت في نشر عالم النفس في جامعة ستانفورد لويس تيرمان Lewis Terman في عام 1916م نسخةً منقحة وموسعة من اختبار بينيه. لاتزال النسخة المحدثة من ذلك الاختبار والمعروفة باسم ستانفورد – بينيه Stanford – Binet   قيد الاستعمال حتى يومنا هذا. وفيما بعد، أصبح الذكاء مرتبطا بمعدل الذكاء IQ (وهو مصطلح صاغه عالم النفس الألماني ويليام ستيرن William Stern وطوره تيرمان)،  “ويُفهم على أنه قدرةٌ عقلية فطرية، قابلةٌ للقياس الكمي” (10:183). وتماما مثل غيره في تلك المجموعة، كان تيرمان شديد التحيز جنسيا وطبقيا وعرقيا، وكان يظن أن الاختبار سيثبت عدالة وصحة النظام الراهن الذي يُشكل نخبته الرجالُ البيض المتعلمون. وقد خلص في دراساته إلى أنه ” ينبغي أن يتم تناول مسألة الاختلافاتِ العرقية في السمات العقلية بأكملها من جديدٍ ووفقَ طرقٍ تجريبية. وعندما يتم ذلك – كما يتنبأ تيرمان – ستُكتشف اختلافات عرقية بالغة الأهمية في الذكاء العام”(42:92). تيرمان الذي أصبح عضوا رائدا في المنظمة الأمريكية لعلم تحسين النسل، لم يخف قلقه من أن أولئك الذين اعتبرهم بمنزلة أدنى ” يُمثلون مشكلة خطيرة بسبب تكاثرهم الغزير بشكل غير عادي”.

كارل بيرجهام Carl Brigham  كان عضوا آخر في تلك المجموعة، وقد ابتكر أول اختبار SAT ( يرمز في الأصل إلى اختبار الكفاءة المدرسية) من أجل قياس مدى جاهزية التلاميذ للالتحاق بالكلية. كان بيرجهام أحد علماء النفس المشاركين في الانقلاب العظيم للمجموعة: إدارة اختبارات الذكاء لمجندي الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى. وطيلة فترة تلك الحرب، خضع 1.75 مليون شخص لذلك الاختبار. استخدم بيرجهام هذه البيانات لتأليف كتابه المؤثر سنة 1923م: دراسة للذكاء الأمريكي  A Study of American intelligence. وقد توصل في ذلك الكتاب إلى أنه “من الممكن أيضا تصور العناصر التي دخلت الآن إلى الذكاء الأمريكي. ففي أحد الأطراف لدينا انتشارٌ لمجموعة عِرق الشمال. وعلى الطرف الآخر لدينا الزنجي الأمريكي. وبين الشمالي والزنجي، وإن كان أقرب إلى الزنجي منه إلى الشمالي، نجد فئات السلالة الألبية Alpine والبحر الأبيض المتوسط”(8:196). وحين طور بيرجهام اختبار SAT، لم يكن ذلك لضمان أن يحظى كل البشر – بغض النظر عن عرقهم أو جنسهم – بفرصةٍ عادلة لدخول الجامعة، بل من أجل ضمان استمرار هيمنة البيض على جامعات رابطة اللباب [النخبوية]Ivy League universities “[6]“وذلك في ضوء تصاعد أعداد الهجرة.

وفي وقت متأخر من حياته، تراجع بيرجهام معترفا أن جميع تحليلاته عن الاختلاف العرقي الموروث كانت دونما أساس(22:232 – 3). ولكن، وبحلول ذلك الوقت، كان عمله قد أسهم في صعود حركة تحسين النسل، وفي إدامة الفصل العنصري، وفي فرض قوانين أكثر صرامة للهجرة – والتي على سبيل المثال قلصت بشكل كبير عدد يهود أوروبا الشرقية والوسطى الذين قبلوا [للهجرة] في الولايات المتحدة في نفس الوقت الذي شرعت فيه النازية بإحكام قبضتها على الأمور. وعندما أخذت ألمانيا النازية العلوم العرقية وعلم تحسين النسل إلى غاياتٍ متطرفة جديدة، سقطت [تلك العلوم] في المقابل من حسابات التيار الرئيس في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة. بيد أن هذه الأيديولوجية لم تتلاشى بعد، بل عاودت الظهور بشكل دوري طوال فترة ما بعد الحرب، ومن الأمثلة على ذلك الجدل الذي دار حول الكتاب الذي صدر سنة 1994م بعنوان: منحنى بيل: الذكاء والهيكل الطبقي في الحياة الأمريكية The Bell Curve: Intelligence and Class Structure in American Life  (24). ومازال الربط مستمرا وبشكل صريح حتى اليوم بين التفوق الفكري، والحق في الحكم، والذكر الأبيض، في داخل الدوائر اليمينية(39).

من أجل ذلك، فإن تاريخ علم الذكاء، كما يقول ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould، هو تاريخ ” تجريد الذكاء إلى كينونةٍ مفردة، وتحديد موقعه داخل الدماغ، وقياسه كماً عبر إسناد رقم واحد إلى كل فرد، واستخدام هذه الأرقام لتصنيف الناس في سلسلة واحدة من الأهلية، لصالح الاستدلال بشكل دائم على أن الفئات المضطهدة والمحرومة – عرقيا، وطبقيا وجنسيا – هي فئاتٌ أدنى بطبيعتها، وتستحق مكانتها الراهنة”(22:25). وبالتأكيد، فإن الاستخدام التاريخي من قبل البعض لمفهوم الذكاء من أجل تعزيز إيديولوجية معينة ليس له أن يطعن بحقل القياس النفسي ككل.  وأنا هنا في هذه الورقة لا أتخد موقفا محددا بطريقة أو بأخرى من علم الذكاء العام والمعقد والمجمع عليه. لكنى آمل أن أكون قد أوضحت، بغض النظر عن صحة ذلك العلم، أن الذكاء هو مصطلح مُثقل بقيمته المحملة، وأنه مازال متورطا في منظومة الهيمنة منذ صعوده السريع وحتى استخدامه واسع النطاق منذ ما يربو عن قرن بقليل.

3- آثار القيمة المحملة للذكاء على أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

في الجزء المتبقي من هذه الورقة، سأقترح بعض الطرق التي يمكن أن يتفاعل فيها هذا الإرث لحمولة قيمة الذكاء مع تطور الذكاء الاصطناعي من جهة، ومع الجدل الدائر حول المخاطر والفرص المرتبطة به من جهة أخرى. سأركز على مناقشة خمس نقاط (بالتأكيد هناك ما هو أكثر من ذلك): 1) كيف تُسهم بعضُ جوانب النقاش حول الذكاء الاصطناعي من إدامة فتشية الذكاء fetishization of intelligence؟ 2) ما مدى تأثير فتشية الذكاء على التنوع داخل قطاع صناعة التقنية؟ 3) كيف تُسهم آمالٌ معينة بشأن الذكاء الاصطناعي في إدامة مفاهيم التقنية والسيطرة على الطبيعة؟ 4) كيف يؤدي ارتباط الذكاء بالطبقة المهنية إلى الخطأ في توجيه المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي؟ 5) كيف تعزز معادلةُ الذكاء والهيمنة المخاوفَ من الذكاء الخارق؟

تعتمد فرضيتي في إنشاء هذه الروابط [بين تلك النقاط] على أن التاريخ الطويل لقيمة الذكاء المحملة، مع ما يرتبط بها من تحيزات، ما زال حتى اليوم يغذي المعتقدات [المتصلة بالمفهوم]. وكما سبقت الإشارة، فمازالت الأفكار العنصرية والجنسانية للتسلسل الهرمي تُتداول بشكل صريح في بعض الدوائر(39). ومن المهم، فيما يتصل بالذكاء الاصطناعي، ملاحظة أن عنصرة الذكاء [أي جعله عنصريا] كانت [ممارسة] صارخة تاريخيا وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية، موطن وادي السيليكون، “بسبب مركزية العرق في الثقافة الأمريكية”(10:4). وحتى عندما لا يُصرح بمثل هذه الادعاءات، فإن التحيزات الضمنية منتشرةٌ على نطاق واسع(17).  تشمل هذه التحيزات تصوراتٍ عن الذكاء الفطري: [مثلا] ارتباطاتٍ بين مجموعات عرقية مختلفة ودرجات ذكاء متفاوتة عُثر عليها لدى مجموعات تبدأ من طلاب الجامعات الأمريكية وصولا إلى أساتذة الثانويات الهولندية(2, 6, 34). ومع أن أفظع الانتهاكات [التي حدثت تحت شعار الذكاء والتفوق الفكري] ربما تقبع وراءنا، إلا إن مفهوم الذكاء ما يزال بعيدا عن نهاية استعماره.

3.1- فتشية الذكاء والادعاءات حول الذكاء الاصطناعي

سأبدأ بملاحظة أن بعض الجدل الدائر حول الذكاء الاصطناعي وآثاره المحتملة تفترض بشكلٍ غير نقدي أهميةً مركزية للذكاء في القصة الإنسانية. فعلى سبيل المثال، يجادل مقالٌ صحفي مؤثر نُشر عام 2014م لستيفن هوكنج Stephen Hawking وماكس تيجمارك Max Tegmark وستيوارت رسل Stuart Russell وفرانك ويلتشيك Frank Wilczek بما يلي:

إن المنافع المحتملة [للذكاء الاصطناعي]”[7]” عظيمةٌ جدا، ونظرا لأن كل شيء قدمته الحضارة كان من إنتاج الذكاء البشري؛ فإننا لا نستطيع التنبؤ بما يمكننا إنجازه عندما يُضاعف هذا الذكاء بواسطة الأدوات التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي، بيد أن القضاء التام على المرض والفقر ليس مما يعسر تخيله.

ويمضي المقال في التركيز على المخاطر المحتملة [للذكاء الاصطناعي] مجادلا أن: “النجاح في اختراع الذكاء الاصطناعي ربما يكون أعظم حدثٍ في التاريخ البشري…[لكن] من المحتمل أيضا أن يكون الأخير، مالم نتعلم كيف نتجنب مخاطره”(23). وقد تكرر هذا الادعاء بأن الذكاء هو جذر “كل شيء قدمته الحضارة” في ’رسالة مفتوحة ‘ أعدها معهد مستقبل الحياة future of Life Institute، الذي يديره ماكس تيغمارك، وقد وقع قرابة ٨٠٠ شخص على هذه الرسالة المفتوحة منهم عددٌ كبير من مشاهير الباحثين والتقنيين في الذكاء الاصطناعي أمثال ديميس هاسابيس Demis Hassabis وإيلون ماسك Elon Musk(41).

وأيا يكن الأمر، فإن هذا الادعاء حول أولوية الذكاء ومركزيته هو ادعاءٌ مثير للجدل بشكل كبير. وفي الواقع، كان من المرجح أن يعد ذلك خاطئا بشكل واضح في معظم فترات الألفي سنة الماضية. فعلى سبيل المثال، كان يُنظر إلى “الاجتهاد وعدم التبذير” في القرن الثامن عشر بوصفهما أعلى الخصال [الإنسانية](21:51)، وبينما كانت مجموعةُ المواهب التي عُدت مركزيةً للحضارة في القرن التاسع عشر “متعددةً ومتنوعة”(10:3)، كان ثمة تشديدٌ واضح [مع ذلك] على الفضائل الأخلاقية باعتبارها فضائل فكرية. حتى فرانسيس غالتون [الذي مر بنا سابقا] اعتقد أن مفتاح الإنجاز البشري يكمن في ثالوث القدرة العقلية مع الحماسة والعمل الجاد. أما اليوم، فلا يجادل غالبية علماء القياس النفسي في أن الذكاء يشمل جميع الأمور التي تهم المجتمع البشري. في مقدمته حول الموضوع، يكتب إيان ديري Ian Deary، أن اختبارات الذكاء ” لا تقيس الإبداع أو الحكمة… أو الشخصية، أو البراعة الاجتماعية، أو القيادية، أو الكاريزما، أو هدوء الأعصاب، أو الإيثار، أو الكثير من الأشياء التي نقدرها”(15:16). ومالم نقدم تعريفا واسعا للذكاء يشمل جميع المواهب البشرية؛ فإنه يبدو من الخطأ الادعاء بأن ” كل شيء قدمته الحضارة كان من إنتاج الذكاء البشري”.

وأكثر أهمية من ذلك، وفي ضوء الحمولة الإيديولوجية التي ينوء بها المصطلح، يمكن لفتشية الذكاء هذه أن تكون مضرة؛ إذ إنها وبشكل أساسي تعزز سمة الارتباط التاريخي مع (ويتم نشرها باستمرار كي تستفيد منها) ديموغرافية واحدة مميزة. وغني عن القول بأن جل الأصوات المهيمنة في المناقشات حول المخاطر والفرص للذكاء الاصطناعي، أمثال كتاب المقال السابق، ينتمون في الغالب إلى تلك الديمغرافية على وجه التحديد. ولذا فليس مستغربا، والأمر هكذا، أن يتم الترويج بشكلٍ غير نقدي لمصطلح الذكاء، وأن تحتجب في المقابل مناقشة مدى اعتباره جزءا من منظومة الهيمنة.

3.2- فتشية الذكاء والتنوع في قطاع التكنولوجيا

يقودنا هذا إلى النقطة الثانية. تؤثر فتشية الذكاء (والمفاهيم ذات الصلة مثل: توقد ذهني أو عبقرية) على بعض القطاعات أكثر من الأخرى. تكشف دراسة حديثة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن الممارسين في بعض الحقول العلمية، وهذا يشمل علوم الحاسب، يشددون على أهمية ’التوقد الذهني‘ brilliance [أو الذكاء] أكثر من بعض الممارسين في المجالات الأخرى كعلم النفس على سبيل المثال(31). تضم تلك المجالات، التي تشدد وتمنح الذكاء المحض أهمية أكثر من الصفات الأخرى، عددا قليلا من النساء وكذلك من الأمريكيين ذوي الأصل الأفريقي. يجادل القائمون على تلك الدراسة بأن مرجع ذلك “جمعياتٌ ثقافية منتشرةٌ تربط بين الرجال، وليس النساء، وبين موهبة الذكاء الخام” – جمعياتٌ من ذلك النوع الذي سبق لنا استعراض تاريخها في القسم السابق. ثمة العديد من الآليات التي يمكن أن تكون انعكاسا لتأثير تلك الجمعيات: قد يُظهر الناس في هذه القطاعات تحاملا ضد النساء، قد تشعر النساء بأنهن عرضة لتهديد الصورة النمطية، أو ربما تقرر النساء ببساطة أن تلك المجالات ليست [مصممة] لهن. ينطبق هذا أيضا على الأمريكيين من أصل أفريقي كما يجادل القائمون على تلك الدراسة.

وبينما تبحث هذه الدراسة [فقط] في نطاق حقل علوم الحاسب بوصفه حقلا أكاديميا، فإن لدينا سببا للاعتقاد بأن الضرر الناجم عن فتشية الذكاء يمتد ليشمل أيضا القطاع التجاري للتقنية الفائقة. إن نسبة النساء اللواتي يعملن بوظائف متصلة بالتقنية في شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة منخفضةٌ بشكل فاضح: إنها تتراوح في نتفليكس Netflix بين أدنى من واحدٍ بقليل من كل ثلاثة يعملون في وظائف متصلة بالتقنية، إلى واحدٍ من كل خمسة في مايكروسوفت Microsoft وجوجل Google، وحتى إلى أقل من ذلك في تويتر Twitter و أوبر  Uber(37). وفي نفس الوقت، ثمة أسطورةٌ راسخة عن الجدارة في وادي السيلكون بأنه مجتمعٌ يُقدِّرُ فقط جودة الترميز coding، وليس الخلفية أو الامتياز أو العلاقات(45:6). ومع ذلك، وكما تظهر الدراسة التي قامت بها ليزلي Leslie وآخرون وجرى ذكرها أعلاه، فحين يؤمن مجتمعٌ ما في قرارة نفسه بأنه لا يُقدر سوى الذكاء؛ فإنه يصبح عرضة للتحيز في تصوراته عن ماهية الشخص الذي يمتلك تلك الصفة. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2010م بعنوان” مفارقة الجدارة في المنظمات” أن المسؤولين داخل الثقافات التي تعتنق مبدأ الجدارة، “يظهرون تحيزا أكبر لصالح الرجال على حساب النساء اللواتي يماثلنهم في الأداء”. ويقترح القائمون على هذه الدراسة أنه من المحتمل حتى ” وفي مفارقة ساخرة، أن يدفع العملُ في بيئة تُعظم من شأن الجدارة الأفرادَ إلى الاعتقاد بكونهم عادلين وموضوعيين، الأمر الذي يدفعهم بشكل أكبر لإظهار تحيزاتهم”(11).

إن هذه الدراسات تكشف أنه وعلى الرغم من أن الاستعمالات الأكثر وضوحا لمفهوم الذكاء لإنشاءِ هرمياتٍ مُهيمنة كانت حصرا على القرن الماضي، إلا أن الأيديولوجية المحايثة لها لا تزال صامدة. يُنظر إلى مجموعاتٍ مختلفة على أنها تحظى بدرجات متفاوتة من الذكاء، ومن ثم تحدد هذه النظرةُ والتصوراتُ عنهم إمكانيةَ وصولهم إلى مواقع التأثير، بما في ذلك حقل الذكاء الاصطناعي. وتجاوبا مع مذكرةٍ أثارت ضجة واسعة في عام 2017م، وفيها جادل أحد موظفيGoogle  بأن النساء أقل ملائمة لوظيفة الترميز من الرجال لأنهن أقل منهجية في التفكير وأكثر عُصابية؛ وصفتْ المحاضرة في علوم الحاسب في جامعة ستانفورد سينثيا لي Cynthia Lee ” الخلفية التي لا تنتهي من الشكوك التي تواجه كل امرأة في قطاع التقنية” (28). يمكننا الافتراض بأن الضجة الحالية حول الذكاء الاصطناعي، والادعاءات التي حظيت بتغطية إعلامية جيدة عن الأهمية القصوى للذكاء من قبل كبار الأعضاء في هذا المجال، ستديم هذه الدورة من الإقصاء [للفئات المهمشة داخل قطاع التقنية].

3.3- الذكاء الاصطناعي والسيطرة على الطبيعة

تتصل جميع النقاط الثلاث المتبقية بمسألة كيفية تشكيل – أو تشويه – مصطلح الذكاء المحمل بالقيمة للتصورات حول تأثير الذكاء الاصطناعي.

فأولا، وعلى [نطاق] الفرص، يمكننا أن نتساءل عن كيف يؤثر ذلك الربط الذي يعود إلى قرونٍ مضت بين الذكاء والتقنية والسيطرة على الطبيعة على التصورات حول الذكاء الاصطناعي في هذه اللحظة التي تشهد أزمات بيئية. تدعم الرسالة المفتوحة المقتبسة أعلاه هذا الربط عندما تدعي “أننا لا نستطيع التنبؤ بما يمكننا إنجازه عندما يُضاعف هذا الذكاء بواسطة الأدوات التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي، بيد أن القضاء التام على المرض والفقر ليس مما يعسر تخيله”. بالتأكيد فإن القضاء التام على المرض والفقر هما من الدوافع الرئيسية وراء السيطرة على الطبيعة، وكلاهما يستدعي تلاعبا كبيرا بأجسادنا وبالعالم الطبيعي. وبشكل مشابه، يُصور الذكاء الاصطناعي أحيانا على أنه الحل للاحتباس الحراري: فعلى سبيل المثال، تحدث ديميس هاسابيس، مؤسس DeepMind، عن هدفه المتمثل في “حل [لغز] الذكاء، وبعد ذلك الاستفادة منه لحلَّ كل شيء آخر”، بما في ذلك “التغير المناخي” و”الطاقة”(9).

إن تقديم الذكاء الاصطناعي بوصفه الحل لمشكلاتنا يتجاهل مجموعةً ضخمة من الأدبيات التي تعود على الأقل إلى كتاب جدل التنوير Dialectic of Enlightenment لأدورنو Adorno وهوكهيمر Hokheimer والذي يلوم الإرادة في السيطرة التقنية على أزماتنا البيئية الراهنة(25). يجادل النقاد في هذا التقليد بأن الاعتقاد بكوننا نستطيع ببساطة بناء أدواتٍ أفضل من أجل السيطرة على طبيعةٍ آخذة في التمرد بشكلٍ متزايد هو عَرَضٌ من أعراضِ ذات التفكير الذي تسبب في المشكلة في المقام الأول. وفي حقيقة الأمر، فإن الذكاء الاصطناعي يُسهم حاليا في تصاعد أزمة المناخ – أظهرت دراسة حديثة أن تدريب نموذج شبكةٍ عصبيةٍ اصطناعية واحد ينتج 300000 كيلوغراما من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون(16:40). بالإمكان النظر إلى الفكرة التي تدَّعي أن الذكاء الاصطناعي سيعزز من سيطرتنا على الطبيعة، وبالتالي سيمنحنا الوسيلة لهندسة حلٍ لمشكلة التغير المناخي على أنها من قبيلِ مُسكناتِ الألم التي تؤدي إلى تقويض الدافع للقيام بما يتوجب عمله حقا، أي تغيير المواقف والسلوكيات التي تدعم الاستهلاك الجامح (تحدي يُعرف أحيانا باسم ’الخطر الأخلاقي‘)، انظر(43:4.3). وبينما يجادل البعض بأن السيطرة على الطبيعة هدفٌ جوهري للمشروع التقني بشكل عام(1)، فمن الممكن الافتراض بأن ارتباط مفهوم الذكاء الوثيق بهذا المشروع يعني أن التقنية التي تُقدم على أنها ذكية (’الذكاء الاصطناعي‘) سوف [تستمر] في تغذية هذا النهج الخاص نحو عالم الطبيعة.

3.4 – الذكاء الاصطناعي وتهديد وظائف الطبقة الوسطى

والآن نصل إلى المخاوف. ومن المجاز الشائع في الخطاب حول تأثير الذكاء الاصطناعي أنه سيولد موجة جديدة من الأتمتة، والتي خلافا للموجات السابقة، ستهدد وظائف الطبقة الوسطى. وعلى سبيل المثال، وفي كتاب مارتن فورد Martin Ford الصادر سنة 2015م بعنوان: صعود الروبوتات: التقنية وتهديد البطالة الجماعية Rise of the Robots: Technology and Threat of Mass Unemployment، ثمة فصل بعنوان: “تهديد وظائف أصحاب الياقات البيضاء” يناقش آثار الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتصلة به على “العديد من المهنين المهرة – بما في ذلك المحاميين، والصحفيين، والعلماء، والصيادلة”(19:xv).

من الممكن لتاريخ الذكاء المحمل بالقيمة، عندما يُؤخذ بالاعتبار، أن يساعدنا على فهم هذه المخاوف. فحينما تُصوَّرُ التطوراتُ في تقنيات الحاسب بأنها ذكية، وعندما يُنظر طويلا للذكاء على أنه العلامة الأساسية للنخبة المهنية، فمن الطبيعي أن نستنتج بعد ذلك أن التقنيات الذكية ستأخذ مكان النخبة وتشغر وظائفهم. ونتيجة لذلك، سوف يتوجه القلق نحو مصير شاغلي تلك الوظائف (على سبيل المثال: ’هل سيقصي الذكاء الاصطناعي المحامين عن سوق العمل؟‘(38)). ولست هنا لأنكر مشروعية بعض هذه المخاوف؛ فكما جاء في عبارة فورد “تهدد الخوارزميات الذكية بشكل متزايد المهن التي تتطلب مهارات عالية”(19:59). ومع ذلك، فبإمكاننا التساؤل عما إذا كان القلق حيال النخبة المهنية الحالية [فقط] هو أمرٌ متناسب. فكما تكشف كثير من الدارسات، فإنه من المرجح أن يكون أولئك المهمشون حاليا [في وظائف ذلك المجال] هم الأكثر تعرضا لآثار الذكاء الاصطناعي والتقنيات القائمة على البيانات (5,18,33,35). وبالتالي، ينبغي أن نكون حذرين في توجيه انتباهنا المتعلق بتأثيرات الذكاء الاصطناعي على المحاميين العاطلين بدلا من، وعلى حد عبارة فيرجينيا يوبانكس Virginia Eubanks: “الأشخاص الملونين، والمهاجرين، والمجموعات الدينية غير الشعبية، والأقليات ذات التوجه الجنسي المختلف، والفقراء، وغيرهم من الجماعات السكانية المضطهدة والمستغلة” (18:16)، [أي] تلك التي لا تحظى بتصنيف عالٍ من قبل إيديولوجية الذكاء، بيد أنها ستكون الأكثر عرضة لتهديد الآلات الذكية.

3.5- الذكاء الفائق وهرمية الهيمنة

خامسا: ومنذ مسرحية: R.U.R عام 1921ملكارل تشابيك Karel Čapek ، والتي أطلقت مصطلح ’روبوت‘ robot، مرورا بفيلم عام 2001م: A Space Odyssey، وانتهاء بالامتياز الذي لا ينضب لفيلم Terminator، مازالت مخيلتنا في الغرب مسكونة ومنذ وقت طويل بفكرة الآلات الذكية التي تنهض لتثور ضدنا. وعندما نتأمل في كيفية استعمال فكرة الذكاء من أجل إضفاء الشرعية على الهرميات المهيمنة منذ اليونان القديمة، وكذلك وبشكل خاص في القرون الأخيرة، فسيتسنى لنا فهم هذا الخوف. وكما رأينا من قبل، كانت حجة أرسطو التي كُيفتْ بحماسٍ لصالح منطق الاستعمار والنظام الأبوي والامتياز الطبقي، هي أن المتفوقين فكريا سادةٌ بالطبيعة، وأن الأدنى فكريا عبيدٌ بالطبيعة. ومع تشكيل هذه الأيدولوجية جزءا من الخلفية الثقافية الغربية، فإن خشية استعبادنا من قبل الآلات الذكية تغدو أمرا مفهوما. (في الواقع، قام اتش، جي. ويلز H.G Wells بنفس هذا الربط مع الكائنات الفضائية بدلا من الذكاء الاصطناعي في [رواية]: War of the Worlds (47)).

بالإضافة إلى ذلك، يساعدنا هذا المنظور على فهم ظاهرةٍ أشارت إليها كيت كرافورد  Kate Crawfordتمثلت في” أن أصخب الأصوات الحالية التي تجادل بشأن أخطار الذكاء الفائق إنما تصدر عن رجالٍ بيضٍ أثرياء”(14).  إنها وعلى وجه الدقة نفس المجموعة التي كانت مكانتها المميزةُ مبررةً لعدة قرون بسبب ادعاءها التفوق الفكري(12). لهذا السبب، فإن لدى هؤلاء الكثير ليخسروه حينما تظهر كياناتٍ جديدة هي أكثر ذكاء منهم. وفي الحقيقة، ربما يخلق لهم الذكاء الاصطناعي الخارق معضلة كما يقول البعض: إما أن يتنازلوا عن مركزهم المتميز للآلات فائقة الذكاء، وإما أن يسعوا إلى إبطال أيديولوجية الذكاء التي يستند عليها امتيازهم. وفي المقابل، من المحتمل أن يكون الآخرون من خارج هذه النخبة أقل قلقا بأمثال هذه الاختراعات؛ إذ مازالوا مضطهدين بالفعل من قبل أولئك الذين يزعمون أنهم كائنات متفوقة.

4- خاتمة

لقد جادلت في البداية أن المفكرين في مجال الذكاء الاصطناعي لم يمنحوا اهتماما كافية لمسألة كون المفهوم التأسيسي للذكاء في هذا الحقل ’سميكا‘ أو محملا بالقيمة. وعلى الرغم من الإيجاز، إلا إنني آمل أن أكون قد أعدت إلى مقدمة الاهتمام الدور المركزي الذي لعبه الذكاء تاريخيا في منطق الاستعمار والعنصرية والنظام الأبوي. صحيح أن ثمة خطابات أخرى قد جُندت في مثل هذه البرامج (على سبيل المثال ذلك الخطاب المتعلق بالتوحش والتحضر). إلا إن الذكاء جدير بالملاحظة لأمرين: فقد لعب دورا مركزيا في منظومات الهيمنة تلك، ولأن صعوده كذلك إلى الاستعمال على نطاق واسع كان متشابكا مع تلك المنظومات. لن أقترح بطريقةٍ كيخوتية [نسبة إلى بطل رواية دون كيخوته] أنه يجب علينا التخلي عن استخدام ذلك المصطلح. بدلا من ذلك، آمل أن أكون قد شرعت في إيضاح أن التقييم النقدي لحمولة قيمة للذكاء يمكن، بل وينبغي الاسترشاد به في المناقشات حول أخلاقيات وتأثير الذكاء الاصطناعي.

شكر وتقدير

أود أن أشكر كانتا ديهال Kanta Dihal، وكلوديا بايسيني Claudia Baisini، ورون نيروب Rune Nyrup، وهنري شيفلين Henry Shevlin على تعليقاتهم، وكذلك صندوق ليفرهولم Leverhulme Trust على الدعم المالي بواسطة مركز ليفرهولم من أجل مستقبل الذكاء Leberhulme Center for the Future of Intelligence.

المصدر: مركز ليفرهولم من أجل مستقبل الذكاء، جامعة كامبريج، المملكة المتحدة، تاريخ نشر الورقة: 8/2/2020

المراجع

[1] Michael Adas. 1989. Machines as the Measure of Men: Science, Technology, and Ideologies of Western Dominance. Cornell University Press, Ithaca. DOI: https://doi.org/10.7591/9780801455261

[2] David W. Amodio and Patricia G. Devine. 2006. Stereotyping and Evaluation in Implicit Race Bias: Evidence for Independent Constructs and Unique Effects on Behavior. Journal of Personality and Social Psychology 91,4 (November 2006), 652–61.

[3] Aristotle. 1905. Aristotle’s politics. Clarendon Press, Oxford.

[4] Claudia Baisini. 2015. Facts are Facts. Intelligence Objectively Measured. University of Cambridge.

[5] Ruha Benjamin. 2019. Race after technology: abolitionist tools for the new Jim code. Polity, Medford, MA.

[6] Linda van den Bergh, Eddie Denessen, Lisette Hornstra, Marinus Voeten, and Rob W. Holland. 2010. The Implicit Prejudiced Attitudes of Teachers: Relations to Teacher Expectations and the Ethnic Achievement Gap. American Educational Research Journal 47, 2 (June 2010), 497–527. DOI:https://doi.org/10.3102/0002831209353594

[7] Simon Blackburn. 2013. Disentangling Disentangling. Oxford University Press, Oxford.

[8] Carl Campbell Brigham. 1923. A study of American intelligence. Princeton University Press, Princeton.

[9] Clemency Burton-Hill. 2016. The superhero of artificial intelligence: can this genius keep it in check? The Guardian. Retrieved August 8, 2018 from http://www.theguardian.com/technology/2016/feb/16/demis-hassabis-artificial-intelligence-deepmind-alphago

[10] John Carson. 2006. The Measure of Merit: Talents, Intelligence, and Inequality in the French and American Republics, 1750-1940. Princeton University Press, Princeton.

[11] Emilio J. Castilla and Stephen Benard. 2010. The Paradox of Meritocracy in

Organizations. Administrative Science Quarterly 55, 4 (December 2010), 543–676. DOI: https://doi.org/10.2189/asqu.2010.55.4.543

[12] Stephen Cave. 2017. On the dark history of intelligence as domination. Aeon. Retrieved February 22, 2019 from https://aeon.co/essays/on-the-dark-history-of-intelligence-as-domination

[13] Patricia Hill Collins. 2000. Black Feminist Thought : Knowledge,

Consciousness, and the Politics of Empowerment (2nd ed.). Routledge. DOI: https://doi.org/10.4324/9780203900055

[14] Kate Crawford. 2016. Artificial Intelligence’s White Guy Problem. The New York Times. Retrieved November 1, 2019 from https://www.nytimes.com/2016/06/26/opinion/sunday/artificial-

intelligences-white-guy-problem.html

[15] Ian J Deary. 2001. Intelligence: A Very Short Introduction. Oxford University Press, Oxford.

[16] Roel Dobbe and Meredith Whittaker. 2019. AI and Climate Change: How they’re connected, and what we can do about it. Medium. Retrieved October 20, 2019 from https://medium.com/@AINowInstitute/ai-and-climate-change-how-theyre-connected-and-what-we-can-do-about-it-6aa8d0f5b32c

[17] Keith Payne Doris Laura Niemi,John M. 2018. How to Think about “Implicit Bias.” Scientific American (March 2018). Retrieved November 4, 2019 from https://www.scientificamerican.com/article/how-to-think-about-implicit-bias/

[18] Virginia Eubanks. 2017. Automating inequality: how high-tech tools profile, police, and punish the poor. St. Martin’s Press, New York.

[19] Martin Ford. 2015. The Rise of the Robots – Technology and the Threat of Mass Unemployment. Oneworld Publications, London.

[20] Francis Galton. 1883. Inquiries into human faculty and its development. Macmillan, London.

[21] Gilbert Gonzalez. 1979. The Historical Development of the Concept of Intelligence. Review of Radical Political Economics 11, 2 (July 1979), 44–54. DOI: https://doi.org/10.1177/048661347901100204

[22] Stephen Jay Gould. 1981. The Mismeasure of Man (Rev. and expanded ed.). Norton, New York.

[23] Stephen Hawking, Max Tegmark, Stuart Russell, and Frank Wilczek. 2014. Transcending Complacency On Superintelligent Machines. Huffington Post. Retrieved June 21, 2019 from https://www.huffingtonpost.com/stephen-hawking/artificial-intelligence_b_5174265.html

[24] Richard J. Herrnstein and Charles A. Murray. 1994. The bell curve: intelligence and class structure in American life. Free Press, New York.

[25] Max Horkheimer and Theodor W Adorno. 1972. Dialectic of enlightenment. Herder and Herder, New York.

[26] Rudyard Kipling. 1899. The White Man’s Burden. The Times. Retrieved October 19, 2019 from http://www.kiplingsociety.co.uk/rg_burden1.htm

[27] Simon Kirchin. 2013. Introduction: Thick and Thin Concepts. Oxford University Press, Oxford.

[28] Cynthia Lee. 2017. James Damore has sued Google. His infamous memo on women in tech is still nonsense. Vox. Retrieved October 31, 2019 from https://www.vox.com/the-big-idea/2017/8/11/16130452/google-memo-women-tech-biology-sexism

[29] Shane Legg and Marcus Hutter. 2007. A Collection of Definitions of Intelligence. Frontiers in Artificial Intelligence and Applications 157, (2007),17–24.

[30] William Leiss. 1972. The domination of nature. George Braziller, New York.

[31] Sarah-Jane Leslie, Andrei Cimpian, Meredith Meyer, and Edward Freeland. 2015. Expectations of brilliance underlie gender distributions across academic disciplines. Science 347, 6219 (January 2015), 262–265. DOI:https://doi.org/10.1126/science.1261375

[32] Philippa Levine. 2017. Eugenics: A Very Short introduction. Oxford University Press, Oxford.

[33] Safiya Umoja Noble. 2018. Algorithms of oppression: how search engines reinforce racism. New York University Press, New York.

[34] Ndidi A. Okeke, Lionel C. Howard, Beth Kurtz-Costes, and Stephanie J. Rowley. 2009. Academic Race Stereotypes, Academic Self-Concept, and Racial Centrality in African American Youth. Journal of Black Psychology 35, 3 (August 2009), 366–387. DOI: https://doi.org/10.1177/0095798409333615

[35] Cathy O’Neil. 2016. Weapons of Math Destruction: How Big Data Increases Inequality and Threatens Democracy. Crown, New York.

[36] Plato and Benjamin Jowett. 2008. Republic (1871st ed.). Project Gutenberg.

[37] Felix Richter. 2019. Female Workers in the Tech Industry: The Tech World Is Still a Man’s World. Statista Infographics. Retrieved October 31, 2019 from https://www.statista.com/chart/4467/female-employees-at-tech-companies/

[38] Neil Sahota. 2019. Will A.I. Put Lawyers Out Of Business? Forbes. Retrieved November 1, 2019 from

https://www.forbes.com/sites/cognitiveworld/2019/02/09/will-a-i-put-lawyers-out-of-business/

[39] Angela Saini. 2019. Superior: the return of race science. Beacon Press, Boston.

[40] Emma Strubell, Ananya Ganesh, and Andrew McCallum. 2019. Energy and Policy Considerations for Deep Learning in NLP. arXiv 1906.02243, (2019).

[41] Max Tegmark. 2015. AI Open Letter. Future of Life Institute. Retrieved February 26, 2019 from https://futureoflife.org/ai-open-letter/

[42] Lewis M. Terman. 1916. The Measurement of Intelligence. The Riverside Press, Cambridge, MA.

[43] The Royal Society. 2009. Geoengineering the climate: science, governance and uncertainty. The Royal Society, London.

[44] Keith Thomas. 1984. Man and the natural world: changing attitudes in England, 1500 – 1800. Penguin Books, London.

[45] Clive Thompson. 2019. Coders: the making of a new tribe and the remaking of the world. Penguin Press, New York.

[46] Alexander G. Weheliye. 2014. Habeas viscus: racializing assemblages, biopolitics, and black feminist theories of the human. Duke University Press,Durham, NC.

[47] H.G. Wells. 1898. The War of the Worlds. William Heinemann, London.


“[1]” جميع الحواشي السفلية هي من عمل المترجم، أما إحالات المؤلف فترد جميعا مرقومة في آخر الورقة. كذلك، فإن كل ما وضع بين معقوفتين [] هو من إضافة المترجم لتوضيح المعنى باستثناء موضع واحد فقط سيذكر في حينه.

“[2]” ستيفن كيف (Stephen Cave) هو فيلسوف ودبلوماسي وكاتب بريطاني معاصر، نال شهادة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة كامبريج ويعمل الآن مديرا لمعهد التقنية والإنسانية وكذلك مركز ليفرهول من أجل مستقبل الذكاء في جامعة كامبريج. في عام 2012م أصدر كتابه: الخلود (Immortality) الذي تحدث فيه عن مفارقة الموت: إرادة الحياة عند الإنسان مع يقينه بمصيره المحتوم، وفيه جادل المؤلف بأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع تصور المستقبل وبالتالي يعرف مسبقا الهزيمة التي تتنظر إرادته للحياة ومن ثم فإنه يبحث عن أنظمة ومعتقدات تمنحه القدرة على تحمل ذلك. غير إن ما يدفعه إلى ذلك ليس الخوف من الموت، بل عدم القدرة على تخيل عدم وجوده في المستقبل؛ إذ إن الإنسان في أعماقه على الحقيقة لا يؤمن بأنه سيموت!

“[3]” آثرت ترجمة كلمة (intelligence) بالذكاء مجاراة لمقصد المؤلف الذي نص فيه على أن الكلمة تشمل جميع مرادفاتها مثل: عبقرية وتوقد ذهني وكل ما يشير إلى قدرة إدراكية عليا وتفاوت في درجة حيازتها. وبالإضافة إلى ذلك فقد اصطلح على ترجمة: (Artificial Intelligence) بالذكاء الاصطناعي.

“[4]” آثرت ترجمة (scientific racism) بالعرقية العلموية نظرا لأن ادعاءاتها كانت تعتمد آنذاك على “افتراضات علمية” ثبت بعد ذلك بطلانها.

“[5]” الفتشية (Fetishism) – وتترجم أحيانا (بالصنمية) – هي في الأصل الاعتقاد بأن موضوعا ما (غالبا من صنع الإنسان) لديه قدرة خارقة. ومن الممكن فهمها في سياق الذكاء على أنها تعني: تعظيم صفة الذكاء والهوس بها وإضفاء قيمة خارقة عليها على المستوى الاجتماعي.

“[6]” رابطة اللباب الجامعية (Ivy League universities): هو مصطلح يطلق على رابطة مجموعة من الجامعات الأمريكية العريقة في شرق الولايات المتحدة الأمريكية تحظى بتقدير عال على المستوى الأكاديمي والاجتماعي وتضم جامعات: هارفارد، ييل، برينستون، وكولومبيا، بنسلفانيا، بروان، كورنيل، وكلية دارتموث.

“[7]” المعقوفتان هنا فقط من وضع المؤلف.