مجلة حكمة
التهجئة الإنجليزية

التهجئة الإنجليزية: أخطاء إملائية، حيل، أخطاء مطبعية

لماذا تبدو تهجئة اللغة الإنجليزية وكأنها غريبةً وغير متوقعة؟ لا تلم اختلاط اللغات، ولكن انظر إلى مراوغات الوقت والتكنولوجيا.

الكاتبأريكا أوكرنت
ترجمةآلاء سالم
مراجعةعلي الزايد
الصورةلصفحةعنوانكتاب  Glossographia لتوماسبلونت،طبعةعام1661م، بإذن مكتبةاسكتلنداالوطنية

تبدو التهجئة الإنجليزية للناظر وقد تلبست بصفة السخف من فرط غرابتها، فالكلمتين (sew) و(new) لا تُحدثان سجعًا، ولكن (kernel) و(colonel) تُحدث ذلك الأثر من السجع. وعندما ترى كلمة تحتوي على (ough) فربما ستقرأها بالصوت “aw” مثل في (thought) أو “ow” مثل في كلمة (drought) أو “uff” كما في كلمة (tough) أو “off” كما في كلمة (cough) أو “oo” في (through) أو “oh” في (though). وينطق صوت العلة “ea” كصوت “ee” كما في (weak, please, seal, beam)، وكذلك “eh” في أمثلة من قبيل (bread, head, wealth, feather). يغلب هذان الصوتان على صوت العلة “ea” ولكن في بعض الحالات القليلة، قد ينطق كصوت “ay” مثل في (break, steak, great). ليست هذه كل الحكاية، بل هناك صوت آخر كما هو ذلك الصنيع الصوتي الذي تتوافر عليه المفردة (earth)؛ ومجددًا الأمر لا يقتصر على هذا، فهناك المفردة (heart).

يمتلئ نظام التهجئة الإنجليزية -إن كان باستطاعتنا أن نسيمه نظامًا أصلًا- بمثل هذه الأشياء. وبينما ينشأ العديد من الناس في رحاب الإنجليزية برسم الولادة، فيتعلمون قراءتها وكتابتها، هناك أيضًا ملايين من البشر ممن لم ينشؤوا مع هذه اللغة، ولكن على الرغم من هذا، فإن مستوى إجادتهم تصل إلى مستوى عالٍ من الإتقان.

لا نستطيع إنكار أن إتقان هذه اللغة لغير متحدثيها الأصليين، يشكل لهم قدرًا كبيرًا من التشوش والإحباط. فتشابه تهجئة الإنجليزية -بشكل مخادع- لتهجئة غيرها من اللغات التي تستخدم نفس الحروف الأبجدية، ولكن بشكل أكثر اتساقًا، يشكل جزءًا من المشكلة.  يمكنك قضاء فترة ما بعد الظهيرة في التعرف على قواعد النطق الخاصة بالإيطالية والإسبانية والألمانية والسويدية والمجرية والليتوانية والبولندية وغيرها من اللغات، وسوف تستطيع بثقة أن تقرأ نصًا في إحدى تلك اللغات ولو لم تفهمه. قد يكون نطقك فظيعًا وقد تكون سرعة نطق الكلمات وتشديدها وإيقاعها غير جيدين إطلاقًا، وقد يكون من الواضح أنك غير متحدث أصلي لتلك اللغة، ولكنك ستستطيع قراءتها. حتى الفرنسية تلك التي تشتهر بين المتعلمين بتحديات تهجئتها، متسقة بما يكفي لتلبية المعايير، رغم أن بها الكثير من الحروف الصامتة، ولكنها قابلة للتنبؤ. وهي كذلك محتوية على الكثير من القواعد والاستثناءات، لكن بالإمكان أن نبسطها بكليتها في عدد معقول من الصفحات.

أما الإنجليزية فيصح وصمها بأنها تنتمي إلى تلك المدارات التي تحمل في تلافيفها وسم التعقيد. فعندما وضع جريج بروكس التفصيل الأكثر شمولًا لتهجئتها بعام 2015م في “قاموس نظام تهجئة الإنجليزية البريطانية” امتدت الصفحات إلى أكثر من 450 صفحة، معددًا بها جميع الطرق التي تتمثل بها الأصوات سواءً بالأحرف أو بمجموعة منها. وكذلك جميع الطرق التي يمكن أن تُقرأ بها الأحرف، أو مجموعة من الأحرف كأصوات.

اتخذت العديد من اللغات الأوروبية في العصور الوسطى الأبجدية اللاتينية واعتمدتها. فلماذا انتهى الأمرإذًا بالإنجليزية لأن تكون ذات تهجئة غير متسقة بشكل كبير، على عكس غيرها من اللغات؟ يصح لنا القول هنا بأنه إذا أردنا تقديم موجز مقتضب لتشكل الإنجليزية في وضعها الفوضوي الراهن، فلا مندوحة عن تقديم تاريخي؛ ففي بادئ الأمر، قامت القبائل الأنجلوساكسونية بدور تاريخي باجتراح نسخة من الإنجليزية، توصم عادة بالإنجليزية القديمة في القرن الخامس من الميلاد. استمر هذا الحال إلى القرن الثامن من الميلاد، حيث ضُخت الإنجليزية بمزيج لغوي جديد، و الذي يتوسل في أساسه بالإسكندنافية القديمة، وذلك في أعقاب غزو الفايكنج. يليها في القرن الحادي عشر من الميلاد الفتح النورماندي، والسيطرة الفرنسية اللغوية. وانتقال السكان واختلاط بعضهم ببعض. ومن ثم نمو لندن، وظهور طبقة التجار في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من الميلاد، والاتصال بالقارة الأوروبية، وتوازن القوى الثقافية، الجرمانية والرومانسية والكلتية. فلم تنشأ أكاديمية للغة، ولم يكن هناك أي سلطة للتدخل والإشراف على تأطير ذلك الاتجاه، والذي من شأنه أن يقدم صياغة مكتوبة للغة الإنجليزية. مما أفضى إلى القول بأن الإنجليزية قد قامت بسياحة عشوائية؛ وهي في سياحتها هذه، كانت تقوم بخبط عشواء بالاستدانة من اللغات الأخرى. وكما عبر المدون جميس نيكول بعام 1990م واصفًا الإنجليزية بقوله: أنها تتبعت اللغات الأخرى في الأزقة، وقامت بضربهم حتى فقدوا الوعي، ثم فتشت في جيوبهم عن كلمات جديدة.

ولكن هنا يصح صوغ السؤال التالي: كيف تأثرت التهجئة مع كل هذا؟ لم يكن الأمر كما لو أن بقية أروبا لم تتصارع مع خليط من القبائل واللغات. فقد تألفت بقايا الإمبراطورية الرومانية من مجتمعات جرمانية وكلتية وسلافية، منتشرة على مساحات شاسعة. وسيطرت الفتوحات العديدة عن طريق تثبيت لغة الطبقة الحاكمة، على عديد من السكان الذين يتحدثون بلغات مختلفة. فهناك الاحتلال الشمال الأوروبي الذي غزا نورماندي في القرن 10م -حيث يكتبون الفرنسية الآن بنظام منتظم نوعًا ما-. وهناك الحكم العثماني التركي الذي اعتلى بلاد المجر في القرنين 16 و17م  -والتي تحتوي الآن على قواعد تهجئة مجرية ثابتة- وهناك أيضًا الحكم المغاربي في إسبانيا في القرنين 8 حتى 15م  -والذي يحتوي أيضًا على تهجئة ثابتة-. صحيح أن لدى لغات أخرى أكاديميات رسمية ومحاولات حكومية للتوحيد المعياري، وقد نجحت هذه التدخلات في إحداث تغيرات طفيفة جدًا على اللغات، فيما يخص أنظمتها الموجودة آنذاك، وفي بعض المناطق المحددة فحسب. مما يعني أن الإنجليزية لم تكن اللغة الوحيدة التي تلتقط الكلمات المفيدة من جيوب اللغات الأخرى.

يصح القول هنا بأن ظهور التكنولوجيا قد أسهم إسهاما كبيرا في إحداث ذلك الوضع الغرائبي الذي يصح إزجاؤه للإنجليزية، حيث أدى ظهور الطابعة إلى ولادة عصر جديد، تم فيه ربط اللغة المنطوقة باللغة المكتوبة. وهو صنيع لم يكن لولا وجود هذا التطور، حيث كان بالإمكان أن تختطفها-أي الإنجليزية- قوى متعددة، وتؤطرها تلك المواضعات الجبرية التي لا تنتظم وفق رابط يسوسها، ولا تنتهج ذلك النهج الذي يتوافر على أهداف واضحة؛ مما يفضى الى القول بأن الإنجليزية كانت ستظهر بشكل مختلف، لو أن الطابعة قد تساوقت في الظهور مع ظهور الإنجليزية، بل قد يتغير الأمر بكليته لو كتب للطابعة أن تتأخر في المسار التاريخي، حيث أن ظهورها المتأخر -لو قدر لها ذلك- سيكون بعد تسوية الكثير من الاضطرابات التي تعاني منها الإنجليزية.

من الواضح أن اتخاذ تقنيات مختلفة ومرتبطة باللغة قبل سنوات عدة، مثل استخدام الحروف الأبجدية منذ العام 600 ميلادي، لم يكن له تأثير في تضليل اتجاهات اللغة الإنجليزية. فمع انتشار المسيحية انتشرت الأبجدية اللاتينية أنحاء أروبا منذ القرن 4 ميلادي و ما بعده. وقبل ذلك كان لبعض اللغات الأوروبية العامية نوع من نظام الكتابة البدائي، ولكن أغلبها لم يكن لديها أي شكل مكتوب. وكانت تهجئة الإنجليزية تتسم بوسم الاتساق الصوتي خلال مئات السنين الأولى التي كانت تستخدم بها الأبجدية اللاتينية. وفي حوالي عام 600 ميلادي، ترجم المبشرون والرهبان النصوص الدينية اللاتينية إلى اللغات المحلية، ليس بالضرورة لأجل أن يقرأها عامة الناس، ولكن ليستطيع الرهبان والمبشرين قراءتها بصوتٍ مسموع، فمعظم الناس كانوا أميين، ووُضعت تلك الترجمات المحلية ليتم نطقها. ووُضعت التهجئة بنية أن تكون قريبة قدر المستطاع من نطق الكلمات.

تحتوي اللغات التي حاول الرهبان والمبشرون تدوينها في الغالب على أصوات لا توجد باللاتينية، ولا حتى أي رمز يدل على الذي احتاجوا تدوينه. في تلك الحالة، قد يستخدمون حركات للصوت، أو يضعون حرفين مع بعضهما، أو يستعيرون رمزًا آخر. فعلى سبيل المثال، لدى الإنجليزية القديمة صوت غريب وأجنبي هو “th” استعاروه في الأصل من رمز الشوكة “þ” من الأبجدية الرونية الجرمانية، ثم استقروا لاحقًا على جمع الحرفين t-h. وفي أغلب الأحيان استخدموا الأبجدية اللاتينية كما عرفوها، ولكن مع تعديلها باستخدام حروفها في طرق جديدة، عندما يكون هناك حاجة لأصوات أخرى. وفي اللغة الإنجليزية الآن، لازلنا نستخدم صوت “th” بهذه التهجئة.

كانت الكتابة مهارة مختصة يقوم بها كتاب مكرسون لها، مدربون على أيدي كتاب آخرين، والذين كانوا بدورهم يمررون أعرافهم في التهجئة. ربما كان من الممكن أن يكون للأديرة أشكال وعادات مختلفة لتمثيل الأصوات الإنجليزية، إضافةً إلى وجود لهجات وتنوعات في نطق اللغة، ولكن ظهر أخيرًا معيار للغة المكتوبة وأدب كامل.

كُسر هذا التقليد بعد الغزو النورماندي بعام 1066م، واختفت -في السنوات الثلاث مئة اللاحقة تقريبًا- الإنجليزية المكتوبة بشكل كامل، إلا في قليل من الاستثناءات. كانت الفرنسية لغة الفاتحين وصارت لغة الدولة بنشاطاتها الرسمية أجمع. وظلت اللاتينية لغة الكنيسة والتعليم، أما الإنجليزية فكانت لغة الحديث لمعظم الناس في حياتهم اليومية. ولكن تم استبدال الطبقات الاجتماعية -مُلّاك الأراضي و الزعماء الدينيون و المسؤولون الحكوميين- الذين حافظوا على معيار الكتابة للإنجليزية وطوروها سابقًا.

بدأت الإنجليزية المكتوبة عودتها في القرن 14م، وكانت قد تسللت عبر الأجيال بين النبلاء ورجال الدين، بالرغم من أن الفرنسية واللاتينية كانتا لا تزالان لغتا المساعي التعليمية والرسمية. تغيرت الإنجليزية بذلك الوقت، وأنتجت بضعة قرون من تطور اللغة اختلافات في النطق، وضاعت عادات كتابة الإنجليزية القديمة. وحالما بدأت الإنجليزية إعادة شكلها المكتوب، وجد الناس أنفسهم يحاولون ليس فقط في اكتشاف كيف تُملى الكلمات الإنجليزية، ولكن كيف يجدون طرقًا لقول أمور تعليمية ورسمية بهذه اللغة. كانت الإنجليزية تُستخدم بشكل كامل في المنزل، والمطبخ، والورشة، والسوق، ولكنها أقل ثقة بنفسها إذا تحدثنا عن مدارات مجتمعية/ثقافية أخرى، فكان الحل في الغالب هو التقاط أقرب كلمة فرنسية ملائمة. وفي أمور أخرى مثل إجراءات المحكمة والمراسيم الحكومية ووثائق الملكية والتعليم، اعتمدت الإنجليزية بشكل كبير على الكلمات الفرنسية، لتملأ فراغاتٍ لم تكن بها لغةً عملية. وأصبحت كلمات مثل (govern, judge, office, punish, money, contract, number, action, student) وغيرها العديد، جزء من كلمات اللغة الإنجليزية الرسمية، ومن ثم جزء من حياة كل شخص، حيث كان لمعظم الناس نوع من التفاعل مع الموظفين الرسميين.

كانت السيادة للإنجليزية القديمة -والتي هي ابنة عمٍ جرمانية للهولندية والألمانية- قبل الغزو النورماندي، وهي لغة لا يمكن التعرف عليها كلغة إنجليزية، وتتطلب الترجمة حتى يفهمها متحدثو الإنجليزية اليوم. تطورت الإنجليزية من بعد الغزو إلى لغة إنجليزية وسطى في بضع مئات من السنين. لا تزال جرمانية و لكن بشكل أقل دقة، حيث اختفت النهايات النحوية التي تضاف للكلمة، وتدفقت المفردات الفرنسية إليها. فأصبحت هذه الإنجليزية الوسطى تبدو بشكل كبير مثل الإنجليزية التي نعرفها.

لم يكن هناك معيار عام للتهجئة خلال الوقت الذي عادت به الإنجليزية المكتوبة بعام 1300م تقريبًا. فالكلمة (people) أُخذت من الفرنسية (peuple) وقد تُكتب (peple, pepill, poeple, poepul). وكلمة (beauty) أُخذت من الفرنسية (beauté) وقد تكون (ewtee, bbuutebealte, ). ولم يكن من المهم آنذاك أن الفرنسية كان لها تهجئة غير ثابتة هي الأخرى، فقد كانت جميع لغات أروبا العامية تقف على أقدام غير ثابتة، فيما يتعلق بتطوير معيار ثابت، أثناء اتجاههم إلى تقاليد الكتابة الخاصة بهم، بعيدًا عن اللاتينية التي كانت خيارهم الوحيد. ثم قدمت المطبعة.

اخترع يوهانس جوتنبرغ عام 1450م الطباعة المتحركة في أروبا. حيث تُصنع الأحرف من سبائك معدنية، موضوعة في لوح للطباعة، ثم يُوضع الحبر عليها، ويضغط الورق أعلاها لصنع ورقة مطبوعة، مما يوفر ساعات من العمل مقارنة بالنسخ اليدوي الشاق. كانت اللاتينية هي أولى الأعمال التي استُخدمت فيها هذه التقنية الجديدة، وسرعان ما لاحظ أصحاب الطابعات السوق المحتملة لطباعة الكتب باللغات العامية، فبدأوا بصنعها بأعداد كبيرة. كانت بداية الإنجليزية مبكرة. فقد أنشأ تاجر مغامر يدعى وليام كاكستون أول مطبعة إنجليزية بعام 1476م. كان ذلك عقب نجاح ترجمة إنجليزية كان قد طبعها أثناء عمله في مدينة بروغ، ولم يكن يوجد آنذاك أي دليل للشكل، ولا محررين، ولا قواميس لتُستشار.

كانت الطابعة المتحركة اختراعًا مذهلًا. فحالما تقوم بإعداد الطابعة، تستطيع طباعة أي عدد تشاؤه من النسخ. ولكن وضع الحروف أو قِطَع الطباعة في خطوط، ومن ثم وضع الأوراق، عمل مجهد ولذوي الاختصاص. فعليك قضاء سنوات لتعلم هذه التجارة. أحضر كاكستون معه في صحافته الجديدة عمالًا لإعداد الطابعة من القارة، حتى أن بعضهم لم يكن يتحدث الإنجليزية بشكل جيد، فكانوا يعدون الطابعة لمخطوطات تحتوي بالفعل على بعض الاختلافات، وكانت الأولوية الرئيسية هي إعدادها بسرعة.

وعندما طُبعت كتب عديدة وارتفعت معدلات تعلم القراءة والكتابة، انتشرت وتبلورت بعض المعايير بمرور الوقت. فقد لعبت مهنة الطباعة دورًا رئيسيًا في بروز هذه المعايير. طورت دور النشر عادات لتهجئة الكلمات المتكررة، معتمدة في الغالب على ما يجعل إعداد الطابعة أكثر فعالية. ففي المخطوطات كلمة مثل (hadde) قد تستبدل إلى (had) و(thankefull) إلى (thankful). فالهدف الرئيسي فيما يتعلق بالتهجئة لم يكن تقديم تهجئة الكاتب كما وضعها، ولا دعم فكرة المعيار لما قد يسمى اللغة الإنجليزية الصحيحة، ولكن لتقديم نصوص يستطيع الناس قراءتها، وأهم من ذلك أن يشتروها. فأصبحت العادات هذه والحيل هي المعايير. وقد تعلم عمال الطباعة تجارتهم بينما كانوا يقومون بتدريب كتّاب آخرين عليها، وكانوا غالبًا ما ينتقلون ليصبحوا عمال مهرة، مما يقتضي نشر عاداتهم مما قاموا به في دور النشر التي كانوا يعملون بها.

كان إعداد المعايير -جزئيًا- في أيدي أولئك الذين يعدون الطابعة، وأكثره يعود إلى عدد جمهور القرّاء المتزايد، فكلما زاد عدد النصوص، ازدادت القراءة وازدادت أيضًا الحساسية حول الشكل الصحيح. وما إن يتطور هذا الأمر، من الممكن أن يكون معززًا قويًا للمعايير. فترسخت تلك العادات في كتابة وقراءة متحدثي الإنجليزية اليوم، إلى درجة أن أي تعديلات بسيطة قد تكون صادمة جدًا. فإذا حاولت عرض النطق الحقيقي في الكتابة، تستطيع قراءته ولكن ذلك يعد أمرًا صعبًا ومزعجًا في آن. ( if ai trai tu repreezent mai akshuel pronownseeayshun in raiteeng, yu kan reed it, but its difikelt and disterbeeng tu du soh) يبدو ذلك خاطئًا، وشعور الخطأ هذا قد يقطع تدفق القراءة، فطلاقة القراءة تعتمد على سرعة تعرفك على الكلمات بصريًا. وتزيد سرعة التعرف هذه بتعرضك للكلمات. فكلما رأينا كلمة، ازداد تعرفنا عليها سريعًا، حتى و إن كان إملاؤها لا يطابق صوتها.

ترسخت التهجئة بهذا الشكل في وقت مبكر جدًا، عن طريق طابعتها مرارًا وتكرارًا في نصوص تتوزع على نطاق واسع. أخذت الكلمة (ghost) التي كُتبت ونطقت في الإنجليزية القديمة مثل (gast) إملاء الـ “gh” بتأثير من الكتاب الفلامنكيين المدربين، فكانت كلمة شائعة في النص الإنجليزي خصوصًا في عبارة (holy ghost) وبعض تراجم الروحانيات اللاتينية، إلى درجة أنها بدأت تظهر ككلمة صحيحة.

نشأت تهجئة أخرى وترسخت عن طريق القوة التي صنعتها الأشكال البصرية للكلمات المتشابهة. فعلى سبيل المثال، وجود كلمتين من قبيل (should) و(would) جلب لنا إملاء كلمة (could)، وكانت تلك الكلمتين تنطقان بصوت “I” لأنهما كانتا صيغ الماضي من (will) و(shall). ومع ذلك فلم تنطق (could) بصوت “I” أبدًا وكانت صيغة الماضي من “can”، فكانت مرة (coude) ومرة (cuthe) ثم جذبتها إلى صفها القوة البصرية لكلمتي ((should و(would). وعند صعود الطباعة، كان صوت “I” قد غاب عن نطق ((should وwould))، وهكذا كان صوت “I” يشير لنوع الكلمة نحويًّا أكثر من إشارته لكيفية نطقها. (could) هو فعل مساعد تمامًا مثل ((should وwould)) ولم يكن هناك أي نية واضحة لجعل هذه الكلمات متشابهة في شكلها، ولكن تكرار شكلهم هذا دفعهم للظهور هكذا بنهاية الأمر.

وقد عززت الأنماط البصرية أهميتها في تهجئة لغات أخرى أيضًا. ففي الفرنسية ظهرت الكلمات التي تتشابه صوتيًا و لكن معانيها مختلفة، وظهرت الحروف الساكنة. وكلا الحالتين ظهرتا من الأحرف التي تمثل أصواتًا استخدمت لتُنطق. توقف الناس عن نطقها ولكنها ظلت تُكتب. وقد عززت تهجئة اللاتينية تهجئة الفرنسية الذي فقدت مميزاتها الصوتية. لأن الفرنسية لغة رومانسية تعود جذورها إلى اللاتينية، ومعرفة القراءة والكتابة بها غالبًا ما يسير جنبًا إلى جنب مع معرفة اللاتينية. فعلى سبيل المثال، كلمتا (cent) و(sang) -عند التحدث- قد تنطقان بالطريقة نفسها، ولكن هناك أيضا معرفة ضمنية بأن (cent) جاءت من الكلمة اللاتينية (centum) وكلمة (sang) جاءت من كلمة (sanguinum). كان هذا الترابط اللاتيني مثل نقطة مرجعية ساعدت على استقرار التهجئة الفرنسية حتى وإن كانت منفصلة عن النطق.

لو لم يقاطع الغزو النورماندي التقليد الأدبي للإنجليزية القديمة، لكنا توصلنا إلى حالة مشابهة للفرنسية في نهاية الأمر، نظام إملائي بحروف صامتة، وطبقات صوتية متغيرة، ولكن بارتكازٍ على تهجئة أشكال أولية. ولكانت الإنجليزية القديمة تستمر بكونها قاعدة لتقاليد الكتابة، والذي كان من الممكن أن توضع لاحقًا للطباعة. ولكن بدلًا من ذلك، لدينا الآن العديد من الأجزاء التي تتحرك وتتغير بشكل مستقل عن بعضها البعض من دون أن يُرسيها أي شيء غالبًا.

والأكثر من ذلك، بينما كانت الطباعة تُنشئ و تدعم عادات التهجئة ببطء، كانت الإنجليزية تمر بما يسمى الآن “تغير صوت العلة الكبير“Great Vowel Shift – بمعنى أوسع، تتغير الأصوات وتتحرك حروف العلة على مدار عدة قرون. فعلى سبيل المثال، كان لكلمات مثل (name) و(make) صوت العلة “ah” مثل الكلمات الألمانية ( (nameوmachen))، أو مثل الكلمة الإنجليزية (father). وفي خلال مدة “تغير صوت العلة الكبير” تغير “ah” إلى صوت العلة “eh” مثل في (bed). وأخيرًا إلى “ay”مثل ما هو عليه الآن. ورغم تغير نطقها، حافظت هذه الكلمات على إملائها، فظلت تُكتب بحرف(a)  مثل في (father).

عادة ما كانت تنطق الكلمات التي بها إملاء (oo) بصوت “o” مطوّل، فكلمتي ( (moonوbook)) كلتاهما كان لهما صوت مثل ((moan وboak))، لذا وبشكل منطقي كان الحرفين (oo) يمثلان صوت “o” مطولة. ثم تحولا إلى صوت “u” مثل في كلمة (june). ومع ذلك، أحيانًا يصبح حرف العلة الطويل (في صوته) حرف علة قصير. مثل صوت العلة “u” المتراخي كما في (push). وهكذا انتهى الأمر بكلمات مثل (, moon, goose, foodschool) كما في حرف العلة “u ” في كلمة (june). بينما (book, foot, good, stood) أصبحت مثل صوت العلة “u” المتراخي لكلمة (push). حدثت تلك التغيرات بأزمان وأماكن مختلفة. فكلمات مثل “roof” لم يحدث لها التغيير بشكل كامل، ولا زالت تتأرجح -على الأقل في لهجة غرب الوسط الأمريكي- بين النطقين. وفي بعض المناطق مثل في اسكتلندا وشمال إنجلترا، لا تزال كلمات مثل (moon, book, goose, foot ) تتشارك صوت العلة.

حدثت التغيرات التي جُمعت تحت مسمى “تغير صوت العلة الكبير” تدريجيةً وغير ملحوظة. ففي نهاية العصور الوسطى، عندما يجلس متحدثو الإنجليزية لكتابة شيء ما، كانت طريقة كتابتهم تعتمد على مكان معيشتهم واللهجة التي ينطقون بها حروف العلة آنذاك. وربما تعتمد أيضًا على ما قد قرأوه وأضافوا منه إلى عادات تهجئتهم. ولما كانت الطابعة تُعد للكتابة، كانت تعتمد على تفضيلاتهم الخاصة في النطق والتهجئة. وبعد أن يُوضع النص في الطابعة وينتشر في المدن الأخرى، كان يصل إلى أناس من مختلف مستويات التعلم، وقد يؤثر ذلك في كيفية إضافتها إلى عاداتهم. بعبارة أخرى، كان هناك تنوعات هائلة في كل من هذه المحطات، إلى أن يُقرأ النص. وعندما كان النص يُوضع في الطابعة و يُنشر، كان ذلك مثل الترويج لعادة التهجئة التي يمثلها، وحجم الترويج لها يعتمد على مدى اتساع انتشارها ومكانها. ولكن أي الجوانب المحددة لهذه العادات يبقى وأيها يتلاشى؟ قد تكون الإجابة البعض منها أو لا شيء. والنتيجة في نهاية المطاف هي عادة غير منتظمة للغاية.

لو أن الإنجليزية دخلت متأخرة في تقنية الطباعة، ومتأخرة أكثر بعد انفجار حركة التعلم، ربما كان باستطاعتها أن تُمنهج تطور نظام تهجئتها، بقوائم أكثر ترتيبًا، وأفكار أكثر استقرارًا في كيف يجب أن تتمثل. ولكن عندما تظهر أداة ما، فلن تنتظر لأن تكتشف الطريقة المثلى لاستخدمها ولن تقلق بتأثيراتها اللاحقة. ولكن ستبدأ باستخدامها!

وهكذا عندما تنتشر أداة ما، يرافق ذلك انتشار عادة استخدامها. وقبل أن نطبع، كنا نكتب. هل يمكن العودة لأبعد من ذلك؟ أليست لغة الإنسان نفسها تكنولوجيا؟ هذا سؤال فلسفي وقابل للجدل. ولكني سأقول لا. ففي أي حالة، اللغة أقرب بكثير لطبيعتنا الإنسانية، أكثر من أي أداة عملية اختُرِعت أو اكتُشِفَت ومُررت لحل المشكلات. وعندما تضع مجموعة من البشر بلا لغة -مثل ما حدث في بعض الحالات مع مجتمعات الصم- فسيختلقون لغة، فاللغة ستظهر استتباعًا لما يفعلونه.

وليس بالضرورة أن يتوصلوا إلى الكتابة، فالكتابة وبلا شك تكنولوجيا ترتبط باللغة مثلما أن الشوكة تكنولوجيا ترتبط بعادات أكل الطعام. وأكل الطعام هو جزء ضروري بلا شك من طبيعتنا، بينما الشوكة اختراع حديث وغير ضروري -بغض النظر عن أهميتها-. لا يذهب التشبيه أبعد من ذلك، هناك أشياء قليلة توضح علاقة اللغة (السلوك) والكتابة (التقنية التي تمثل السلوك) فمن الصعب إيجاد تشبيه جيد. ولكن النقطة هنا أن أكل الطعام يحدث سواء كان لدينا شوكة أو لم يكن، واللغة تحدث سواء كتبناها أم لا.

وفي البداية عندما أصبح لدنيا تكنولوجيا الكتابة، كان يستخدمها -ولمئات السنين- نسبة ضئيلة من السكان الناطقين. وكان الناس أميين طوال تاريخ الكتابة؛ وهنا برز دور الطباعة في إحداث ذلك التأثير الذي مكننا من استخدام الكتابة على نطاق أوسع. حيث أضحت الكلمة المكتوبة أرخص وأكثر وفرة، وأصبح لدى الناس إمكانية الوصول لها والتعرض عليها، وهو أمر لا مندوحة عنه بغية التعلم والتدريب، مما استتبع القول بأن الناس أضحوا قادرين على القراءة والكتابة. فحدث ذلك الوصول والتعرض للكلمة المكتوبة وذلك عبر كوة متطلبات التاريخ الذي يلفه التضارب والتنافس. ذلك التاريخ الذي طُبع بالمعدن والحبر، بكتله، ونتوءاته، وحروفه الصامتة.