الخلاصة: يرتبط التوتر المزمن عادةً مع خلل جهاز المناعة, بما في ذلك ضعف الاستجابة المناعية ضد الأمراض المعدية وتأخر شفاء الجروح. وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن التوتر والاكتئاب يمكن أن يعززان من إنتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات وهي مادة تجعل مناعة الجسم قابلة للاستجابة للعدوى والإصابات. وتم تزويد هذا البحث بإطار شامل يربط التوتر والاكتئاب ضمن مجموعة الأمراض التي قد يكون ظهورها و انتشارها متأثرًا بالسيتوكينات المنشطة للالتهابات، و سيتوكين الإنترلوكين-٦ على وجه التحديد، وقد ظل سيتوكين الإنترلوكين-٦ مرتبطًا بطيف الأمراض المزمنة لكبار السن.
يمكن للتوتر المزمن والاكتئاب تحفيز إنتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات مباشرةً والتي تؤثر في تلك الحالات وغيرها، وقد تم طرح السبيل الأساسي الذي يؤثر من خلاله التوتر المزمن والاكتئاب على العوائد الصحية بما في ذلك السيتوكينات المنشطة للالتهابات، وعرض أدلة العلاقة بين العوامل النفسية و السيتوكينات المنشطة للالتهابات وأهم النتائج الصحية لهذه الاكتشافات.
إن الفكرة المعروفة في مجال المناعة العصبية النفسية (دراسة التفاعلات بين الجهاز العصبي وجهاز المناعة) هي أن التوتر المزمن يُحدث خللًا في جهاز المناعة. وفي استعراض جديد للأبحاث خلال الثلاثين سنة الماضية حول التوتر والمناعة نتج عنه أنه تم ربط أكثر الضغوطات المزمنة بأكثر الأدوية المثبطة للمناعة شمولًا. ( Segerstrom Miller ،،٢٠٠٤، ص. ٦١٨). ولقد أظهر هذا البحث أن هناك علامات سريرية للخلل المناعي المرتبط بالتوتر المزمن منها ضعف استجابة جهاز المناعة ضد الأمراض المعدية وتأخر شفاء الجروح.
وقد بدأ الباحثون مؤخرًا بتغيير تفكيرهم بشأن العلاقة بين التوتر المزمن والاكتئاب والمناعة، ففي بحث جديد أظهر أن التوتر المزمن والاكتئاب قد يعززان من حدوث استجابات معينة للجهاز المناعي. و استجابة المناعة التي نحن بصددها هي الالتهاب, وهو مصطلح فضفاض يشير إلى عمليات المناعة الناتجة عن تلف في الخلايا والأنسجة، ويحدث هذا التلف بطرق محتلفة منها العدوى والإصابات، حيث يبدأ جهاز المناعة بالاستجابة إلى الالتهابات الحرجة لعلاج العدوى وإصلاح الأنسجة التالفة.
والتركيز على دور التوتر المزمن والاكتئاب المعززللالتهاب يشير إلى تغير مهم في تصور الباحثين حول التفاعلات المعقدة بين الدماغ والسلوك وجهاز المناعة. وتشير الأدلة المستعرضة هاهنا إلى نمط أكثر تعقيدًا مرتبط سريريًا بالتوتر المزمن والاكتئاب ينتج عنهما خلل في جهاز المناعة بدلًا من دعمها نمط التوتر المزمن والاكتئاب الذي ينجم عنه قمع شامل لجهاز المناعة. وينظم الجسم عادةً الاستجابة المتوازنة عندما يواجه تحديات مناعية، ولكن في هذا النمط الجديد، يخل التوتر المزمن والاكتئاب بهذا التوازن ويضعف بعض الاستجابات المناعية ويعزز غيرها. وقد ينجم عنه أضرارًا بليغة لصحة الفرد الجسدية متضمنةً خللًا في الخلايا والأنسجة الممتدة وزيادة القابلية بالإصابة بالأمراض الحادة والمزمنة حتى قبل سن الشيخوخة.
السيتوكينات وتنظيم جهاز المناعة:
إن المواد الأساسية لتنيظم الاستجابات ضد الالتهابات والعدوى والإصابات هي السيتوكينات. حيث تطلق بواسطة خلايا مختلفة، فالسيتوكينات هي بروتينات تعمل كإشارات بين الخلايا لتنظيم الاستجابات المناعية. كما تقوم السيتوكيات في الكثير من هرمونات جهاز الغدد الصماء بنقل الرسائل عن طريق التفاعل مع المستقبلات في أسطح الخلايا وإيصالها إلى أنحاء بعيدة في الجسم. ويمكن التفريق بين السيتوكينات بفئتين شاملتين في تأثيرها الأساسي على الاستجابات المناعية وهي: الستوكينات المنشطة للالتهابات (تعزز الالتهاب) والستوكينات المقاومة للالتهابات (تمنع الالتهاب).
وتتضمن السيتوكينات المنشطة للالتهابات سيتوكين الإنترلوكين ١ وإنترلوكين-٦ وعامل نخر الورم ألفا، حيث يتم إنتاجهم عن طريق الخلايا في مكان العدوى أو الإصابة (أنظر إلى الشكل ١). بعد ذلك تقوم السيتوكينات المنشطة للالتهابات بجذب الخلايا المناعية الأخرى إلى المكان المصاب وتقوم بتنشيطها وتحضرها للاستجابة. كما تقوم السيوكينات المقاومة للالتهابات مثل الإنترلوكين-٤ والإنترلوكين-٥ والإنترلوكين-١٠ والإنترلوكين-١٣ بالحد من استجابة جهاز المناعة ومنع وظائف خلاياه كاستنساخ سيتوكينات أخرى أو امتزاجها ببعض أو تنشيطها.
وتبدأ السيتوكينات المنشطة للالتهابات بإصدار إستجابات مختلفة تنظم الالتهاب بالإضافة إلى تحفيز إنتاج الستوكينات الأخرى. وعلى وجه التحديد تعمل سيتوكينات معينة منشطة للالتهابات في الدماغ كما هو موضح في الشكل ١، مؤثرةً بدورها على جهاز الغدد الصماء وعلى السلوك، على سبيل المثال تحفز السيتوكينات المنشطة للالتهابات المحور الوطائي النخامي الكظري (HPA) وهي سلسلة من هرمونات الغدد الوطائية والنخامية التي ينتج عنها إنتاج هرمون القشرة الكظرية (الكورتيزول). وهرمونات القشرة الكظرية هي هرمونات ستيرويدية تقوم بإنتاجها قشرة الغدة الكظرية و يمكن أن يكون لها فاعلية في مقاومة الالتهابات بالحد من امتزاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات، وهكذا فهي تكمل حلقة من الاستجابات تساعد في السيطرة على الالتهاب. كما تؤدي السيتوكينات المنشطة للالتهابات اضطرابًا في السلوك ومجموعة من الأعراض مثل الحمى ونقص الشهية وانخفاض النشاط الحركي الذي يسهل تنظيم الطاقة (Maier ، Watkins، ١٩٩٨). تعتبر الموارد البدنية (الطاقة والحرارة) التي يحتاجها الجسم مهيئات لمساعدة الكائن الحي في مقاومة الأمراض المعدية عند رفعها إلى أقصى حد.
![Screenshot 2017-03-04 20.24.45](https://hekmah.org/wp-content/uploads/2017/03/Screenshot-2017-03-04-20.24.45-300x289.png)
يركز هذا البحث على السيتوكينات المنشطة للالتهابات وإنترلوكين-٦ الذي له آثار متعددة على جهاز المناعة وجهاز الغدد الصماء وأنسجة وأعضاء بعض الأجهزة الأخرى، وبالتالي فهي تكون مؤشر جيد للالتهابات المزمنة. كما أن ارتفاع إنتاج الإنترلوكين-٦ مرتبط بالأمراض المزمنة الأساسية مثل الأمراض القلبية الوعائية وبعض أنواع مرض السرطان و الصحة الجسدية (Papanicolaou،Wilder، Manolagas، Chrousos ،١٩٩٨). علاوةً على ذلك فهو يرتبط أيضًا بعوامل نفسية بما فيها الاكتئاب والتوتر المزمن.
العوامل النفسية والسيتوكينات المنشطة للالتهابات:
ترتبط عدة عوامل اجتماعية ديموغرافية وسلوكيات صحية برفع السيتوكينات المنشطة للالتهابات. على عكس المكونات الأخرى لجهاز المناعة التي تندرج تحت العمر مثل مستويات إنترلوكين-٦ التي تزيد مع زيادة العمر(Papanicolaou et al، ١٩٩٨). وبشكل عام يظهر الرجال مستويات أعلى للإنرلوكين-٦ مقارنةً بالنساء، وربما يكون ذلك بسبب تأثير هرموني الأستروجين والأندروجين (Ershler،Keller، ٢٠٠٠). وبحسب إحصائيات العوامل الاجتماعية الديموغرافية والسلوكيات الصحية ترتبط المستويات المرتفعة لإنترلوكين-٦ بالعادات الصحية السيئة مثل التدخين وقلة النشاط و السمنة، كما أن ارتفاع مستوى الإنترلوكين-٦ يرتبط مع ارتفاع الحالات المرضية والوفيات (Ferrucci et al، ١٩٩٩).
وكما ذكرنا سابقًا ركزت البحوث خلال الثلاثين سنة الماضية حول التوتر المزمن والاكتئاب على خلل جهاز المناعة، وبالتالي فمن المتوقع أن التوتر المزمن والاكتئاب يرتبطان بخلل إنتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات. ولكن دليلًا تجريبيًا أشار إلى أن الاكتئاب الشديد وأعراضه والتوتر المزمن يمكن أن يقوموا بتعزيز إنتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات.
ويرتبط الاكتئاب الشديد بالمستويات المعززة للسيتوكينات المنشطة للالتهابات بما فيها إنترلوكين-٦ الذي يمكن أن يمنع نجاح العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب (Kenis،Maes، ٢٠٠٢). كما أن ارتفاع أعراض الاكتئاب ترتبط أيضًا بارتفاع مستوى السيتوكينات المنشطة للالتهابات (e.g., Miller, Stetler, Carney, Freedland Banks, ٢٠٠٢). ومؤخرًا تم ايجاد أن ارتفاع مستوى أعراض الاكتئاب يرتبط بارتفاع مستوى الإنترلوكين-٦ عند كبار السن (Glaser, Robles, Sheridan, Malarkey, Kiecolt-Glaser، ٢٠٠٣). والأهم من ذلك هو أن الأشخاص الذين لديهم أعراضًا أكثر للاكتئاب يظهرون ارتفاعًا في مستوى الإنترلوكين-٦ بعد إسبوعين من تعرض جهاز المناعة للقاح فيروس الإنفلونزا، بينما كان هناك تغيرًا بسيطًا في الإنترلوكين-٦ عند الأشخاص الذين لا يعانون من أعراض الاكتئاب أو لديهم أعراض بسيطة كما هو موضح في الشكل٢. وبشكل عام فإن أعراض الاكتئاب في هذا النموذج منخفضة جدًا عند البالغين مما يدل على أنه حتى الأعراض البسيطة للاكتئاب قد تكون كافية في فرط حساسية جهاز المناعة ضد التحديات المناعية بسبب الإنتاج الكبير للإنترلوكين-٦. قد يكون هناك نتائج صحية مهمة ناتجة عن التحسيس للإستجابات ضد الالتهابات مثل الاستجابات الكبيرة والممتدة التي تتبع العدوى والتحديات المناعية الأخرى يمكن أن تسرع من تقدم نطاق الأمراض الأمراض الناتجة عن تقدم العمر. وتشير هذه المعلومات عمومًا إلى الآلية الأساسية للسيتوكينات المنشطة للالتهابات التي يمكن أن يعمل من خلالها الاكتئاب الشديد وأعراض الاكتئاب كمدخل إلى منظومة شاملة للمشاكل الصحية.
كما أن الضغوطات المزمنة مرتبطة بارتفاع انتاج الإنرلوكين-٦. ووجدت دراسة أن النساء اللاتي يعتنين بشخص قريب لديه مرض الزهايمر يكون لديهن مستوى أعلى للإنترلوكين-٦ وحتى النساء اللاتي يحاولن تذكر مواقع منازلهن أو عايشن نساء أخريات لديهن هذا المرض (Lutgendorf et al، ١٩٩٩). وقد كانت هذه الدراسة جديرة بالملاحظة وذلك لأن متوسط أعمار اللاتي قمن بالرعاية أصغر بست إلى تسع سنوات مقارنة بالنساء في المجموعتين الأخرى. مما يعطينا استنتاجًا أن مستويات الإنرلوكين-٦ بشكل عام تزيد مع زيادة العمر. إذًا ماهو أثر التوتر المزمن في زيادة الإنترلوكين-٦ الناتج عن زيادة العمر؟
![Screenshot 2017-03-04 20.26.54](https://hekmah.org/wp-content/uploads/2017/03/Screenshot-2017-03-04-20.26.54-2-300x218.png)
وقد وجهنا هذا السؤال لكبار السن تحت سن الشيخوخة الذين عانوا من التوتر المزمن لست سنوات وبتقديرالتغيرات المتعلقة بالعمر في مستويات الإنترلوكين-6 خلال هذه الفترة (Kiecolt-Glaser et al. ، ٢٠٠٣). أما البالغون الذين عانوا من التوتر المزمن بسبب اعتنائهم بزوج مصاب بمرض الزهايمر أظهروا معدل زيادة سنوي للإنترلوكين-٦ بأربعة أضعاف الذين لم يقدموا رعاية. لم يكن هناك فروقات بين المجموعات من حيث المشاكل الصحية المزمنة و الأدوية و التصرفات الصحية الصحيحة في إمكانية زيادة الإنترلوكين-٦ بشكل سريع لدى مقدمي الرعاية. بالإضافة إلى ذلك أن متوسط التغيرات السنوية للإنترلوكين بين مقدمي الرعاية السابقين لم يختلف عن مقدمي الرعاية الحاليين حتى بعد عدة سنوات من موت الزوج المريض. وعلى هذا الأساس تمت الإشارة إلى أن التوتر المزمن يمكن أن يكون قادر بقوة على زيادة انتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات بسبب زيادة العمر، و لكن قد يحدث التوتر المزمن لجهاز المناعة قبل سن الشيخوخة.
العوامل النفسية وآلية السبل:
بعيدًا عن تأثير السلوكيات الصحية وكيف يمكن لهذه العوامل أن تساهم في رفع انتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات و يصف الشكل ٣ أربعة سبل محتملة. تتضمن العديد من السبل (مثل أ ,ج ،د) قمع للإشارات بسبب جهاز الغدد الصماء و المحور الوطائي النخامي الكظري على وجة التحديد. ويتسبب التوتر الناتج عن نشاط المحور الوطائي النخامي الكظري (HPA) في رفع مستوى هرمونات القشرة الكظرية بما فيها الكورتيزول. وكما ذكرنا سابقًا تقوم هرمونات القشرة الكظرية بمنع امتزاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات وهي بذلك تساعد جهاز المناعة في منع فرط الاستجابة المناعية أو رفع مستوى انفعاله والذي يمكن أن يسبب خلل في الخلايا والأنسجة مثل خلل في المناعة الذاتية للأمراض مثل مرض التصلب المتعدد أو مرض التهاب المفاصل الروماتيزمي.
إذا كانت إشارات هرمونات القشرة الكظرية معطلة فإن النتيجة قد تكون في منع كبح جهاز المناعة وفرط إنتاج السيتوكينات المنشطة للالتهابات. في الشكل ٣ يصف المسار أ تعطيل التوتر المزمن والاكتئاب لإرسال إشارات هرمونات القشرة الكظرية في الدماغ عن طريق تغيير وظيفة مستقبلات هرمونات القشرة الكظرية (Raison Miller، ٢٠٠٣)، ويصف المسار ب في الشكل ٣ تقليل التوتر المزمن والاكتئاب لاستجابة الأنسجة المرادة للكورتيزول. مثال ذلك يرتبط التوتر المزمن بنقص حساسية الخلايا المناعية لمقاومة الالتهابات التي تؤثر في هرمونات القشرة الكظرية (e.g., Miller, Cohen, Ritchey،٢٠٠٣
![Screenshot 2017-03-04 20.29.06](https://hekmah.org/wp-content/uploads/2017/03/Screenshot-2017-03-04-20.29.06-205x300.png)