مجلة حكمة
أجعل كل شيء مجانياً - ميراندا جولاي / ترجمة: أحمد بللو - حكمة

أجعل كل شيء مجانياً – ميراندا جولاي / ترجمة: أحمد بللو

111010_r21351_g2048-1200-1200-09165956


أنا لا أذكر متى فعلتها لأول مرة، ولكن أذكر تماماً متى قبض عليّ. كنت طالبة جديدة في جامعة

كاليفورنيا – سانتا كروز، اسم المكان زانتوس(1)، الهدف نيوسبورين(2) قمت بإخراجه من علبته، انحنيت كأني سأقوم بحك كاحلي ثم حشرت أنبوب المرهم داخل جوربي الأبيض، عندما شدني مسؤول الأمن من ساعدي كنت خائفة لدرجة أني تبولت على الأرض، وأثناء انتظارنا لوصول الشرطة، شاهدت كيف  قام الفَرّاش بتنظيف بولي من على الأرض باستخدام الممسحة. ثم تم نقلي لقسم الشرطة واعتقالي بشكل رسمي، رفعت بصامتي، وصوّر وجهي من جميع الجهات … الخ.

لقد عزموا فعلاً على تلقين فتاة في التاسعة عشر من عمرها ترتدي ثوب شفاف درساً قاسياً. الدرس الذي تعملته كان أني بالفعل أصبحت بالغة راشدة، لذا لن أقلق لأن الشرطة لن تقوم باستدعاء والداي. لقد كنت حرة فعلاً حتى جرائمي أصبحت مسؤولة عنها لوحدي.

مع مرور الوقت، تطورت. اكتشفت أن السرقة تحتاج لتفرغ و طاقة غير عادية كتلك التي يسهل على المرء التعامل مع محيطه بسرعة، مثل ركوب الأمواج أو ترويض الخيول، وعندما علمت أن بمقدوري فعلها شعرت بشعور غريب بأني ملزمة على القيام بها، أذكر أني شعرت بالذنب لأني لم أسرق، كأنما أبدد أموالي سدى. بعد توقفي عن الدراسة في الجامعة وانتقالي إلى بورتلاند، أوريغون، أصبحت جزءاً من كسب رزقي، حدقت بقائمة مشترياتي مثل ربة منزل منهكة، وشاورت عقلي ماذا يجب أن أسرق وماذا يجب أن أحصل عليه بالبطاقات التموينية. حقيبة يدي المفضلة كانت ضخمة ومحكمة الإغلاق كحقيبة سفر، حشوتها بقطع الجبنة وأرغفة الخبز وبالكثير من منتجات الصويا، لأني نباتية.

ولكن لم يقتصر نشاطي على السوبر ماركت بل تعدى ذلك ليصبح العالم بأسره يبدو لي كعملية سرقة ضخمة، وغَنِي عَن القَول بأني استخدمت المغناطيس لإرجاع عداد النسخ في كينكو(3) إلى صفر، واصطحبت معي مقص لنزع أجهزة الإنذار عن الملابس، في كل الأحوال كل شخص أعرفه قام بفعل ذلك وهذا ليس تبرير لأفعالي ولكن لتتصور مدى حيوية وذكاء جرائم سيدة في مقتبل العمر. في كل مرة نعلم بها بأنه أحد ما سيسافر قادماً إلى بورتلاند، نحثهم على الحصول على تأمين للأمتعة لنستطيع سرقة أمتعتهم من على سير الأمتعة، ثم على الصديق الزائر تمثيل دور فاقد الأمتعة المذعور للحصول على حصته من أموال التأمين على الأمتعة. بعض الأصدقاء كانوا جاهزين لها والآخر يظن أنها من العيب طلب ذلك.

كان مكان عملي الأول في بورتلاند في “غود وويل”(4) وهي منظمة خيرية ، وبالطبع لم أواجه أي صعوبة في دس كتب وملابس وبعض الأشياء التافهة في حقيبتي، فما هو المال بطبيعة الحال؟ إنه ليس إلا مفهوم شخص أخرق ما قام باختلاقه. وضعت بطاقات “مباع” الحمراء على أجهزة ضخمة وغرف معيشة كاملة وشعرت بنبل موقفي حين يقوم أصدقائي مبتهجون بتحميلها بشاحناتهم. ذات يوم زميلة أعجبت ببلوزة وردية اللون قد وصلت حديثاً وقد شجعتها على أخذها وعندما رفضت ذلك قمت بوضعها في كيس ثم ركضت صائحة خارج المتجر “يا سيدي! يا سيدي! لقد نسيت كيسك” ثم قمت بحشرها داخل الشجيرات. وعند موعد الإقفال سحبتها من الشجيرة بفتور وقلت “ما هذا؟” وسلمتها لزميلتي المتكلفة، المتكلفة والجاحدة كما اتضح لي. دعيت لمكتب المديرة في الصباح التالي، وكانت البلوزة الوردية على مكتبها، وقالت لي “أنت محظوظة أننا لن نقاضيك على ذلك”. تمشيت وأنا أبكي فوق النهر متجه لعمل حبيبتي(5) والتي تعمل كمصففة للكلاب، لم يطردني أحد من قبل، شعور أشبه بترك الدراسة أو أن يتم اعتقالك، كل هذه المؤسسات بطريقتهم الفظة والخرقاء يبدو أنهم يقولون لنا نحن لا نحتاجك، ولن نفهمك، ومن الأفضل لك أن لا تحتاجنا أيضاً.

حفرت رسالتهم في قلبي، لقد كافحت بشدة لمطاردتهم بذكاء وهم في غفلة، مندفعة نحو الأنظمة والتراتيبية وكأن لا شيء موجود يهمني. لقد حضرت للجامعة وجلت بنظري في أركان الغرفة بحثاً عن أي شيء يسرق، حتى علبة طباشير دسستها في جيبي لتطمأنتي بأني لا زالت أتمتع بحريتي، حرية السرقة، حرية تدمير ذاتي .. تدمير كل شيء.

في لحظة ما قررت التوقف عن السرقة، كنت جالسة في أحضان رجل وقد قررنا أنا وهو بأني “فتاته” عندما تبادلنا القبل، فكرت بأن من المستحسن التوقف عن السرقة الآن، وكأن فكرة الحصول على حبيب وأن أصبح سوية جنسياً، تحتاج إلى الإستقامة بطرق آخرى، من الممكن بأني كنت أدور على حجة، وبعدها أدركت بأنك لن تحتاج أن تكون مجرماً لتكون فناناً. الفن بحد ذاته جريمة، بإمكانه أن يكون مخيفاً وخطيراً بما فيه الكفاية لتحمل تمردي، بعد فترة، توقفت عن خوض المشاحنات البدنية وأصبحت أعمل في عروض التلصص الجنسي(6) صبغت شعري للون أشقر فاتح وأرتديت جوارب سوداء طويلة، أعتقدت لفترة طويلة بأن أكبر سرقاتي بأن أجعل الجميع يظنون بأني مواطنة شريفة، وفتاة لطيفة. وبعد مرور السنين أدركت بأن الجميع يشعرون سراً بأنهم محتالين، هذا هو الشعور الحقيقي لأن تكون شخص بالغ.

 

المصدر

 


الهوامش

(1) زانتوس: “Zanotto’s” متاجر بقالة شهيرة في ولاية كاليفورنيا.

(2) نيوسبورين: دواء يستخدم في علاج العدوى الميكروبية للجلد والعين.

(3) كينكو: “Kinko” متاجر شهيرة جداً لخدمات طبع ونسخ الأوراق.

(4) غود وويل: GoodWill منظمة خيرية أمريكية لها متاجر لبيع منتجات بأسعار مخفضة.

(5) بطلة القصة مثلية الجنس.

(6) عروض التلصص الجنسي: Peep Shows هي عروض تقام بغرض الترفيه الجنسي حيث يقوم المتفرج بالنظر من خلال فتحة زجاجية صغيرة ليعرض أمامه مشاهد أو صور جنسية كما يوجد هناك عروض حية للنساء يتعرين.