مجلة حكمة
نيتشه في الأنانية، والعدل، وواجبات الإنسان الأعلى - مثايس رييس / ترجمة: وجدان العمري - حكمة

نيتشه في الأنانية، والعدل، وواجبات الإنسان الأعلى – مثايس رييس / ترجمة: وجدان العمري

images
الأخلاق والمصلحة الشخصية – بول بلومفيلد

الفصل الثاني من كتاب “الأخلاق والمصلحة الشخصية” لبول بلومفيلد


١. هذه الدراسة تستكشف آراء فريدريك نيتشه في الأنانية ودورها في حدود التوخي في “إعادة تقييم القيم” (TI, Preface; EH, Clever, 9).١ قد دافعت الأطروحات التالية: بأن نيتشه يؤيد الأنانية فقط لأجل “الإنسان الأعلى”، هذه الصفات تتخلل تفوق الإنسان والتي بها يتمني أن يستبدل الشعور بالذنب والاستياء. ولكن على الرغم من مدحه صفات الأنانية, نيتشه يعتقد أن انانيتهم مقيدة بمراعاة العدل. أن أكثر شيء مدهش في منهج نيتشه للأخلاق ليس أنه هو بطل في الأنانية، ولكن مع ذلك هو يؤيد قيمة العدل، و إن يكن هو يقدم حقوق وواجبات التي تحمل من مجموعة صغيرة من الرفقاء المزعومين.

على وجه التخصيص، سأبدأ كما يلي، سنبدأ بمناقشة تطور آراء نيتشه عن الأنانية، التي لدرجة معينة تعكس تطور آراءه عن الأخلاقيات خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، بداية بأعماله “إنسان مفرط في إنسانيته” و “الفجر” وننتهي بأعماله في عام ١٨٨٨م. “أفول الأصنام” الذي احتوي علي تصريحات جيدة من آراء نيتشه المدروسة بعناية عن الأنانية. ومع أن هذه التصريحات تمجد الأنانية في الإنسان الأعلى , إلا أنه يصر على أن هذه الصفات تخضع لواجبات.٢ لاحقا سوف اناقش أن هذه الواجبات انشقت من إيمان نيتشه القوي بالعدل. وعلى الرغم من إعلان نيتشه اللا اخلاقي الا ان ثناه على العدالة متكرر في جميع أعماله.و أن وجهة نظر العدل هي في تقييم كل قيمها وتحديدها وأن الإنسان الأعلى لا يستثني من متطلباتها.و في نفس الوقت، وفق ما يشير إليه نيتشه، وجهة نظر العدل لا تنتج ولكن في الواقع ترفض شرط مراعاة المساواة بين الناس.٣ عندما أتأمل آراء نيتشه في العدل سوف الفت الانتباه إلى بعض أوجه التشابه بين الواجبات عند نيتشه ومن جهة أخرى آراء الفيلسوفان جان جاك روسو وإيمانويل كانط. ايضا سأقوم بمناقشة الأخلاقيات الفوقية “metaethical” في هذه الآراء وسأقدم بعض الانتقادات فيما يتعلق بطريقة ليتر (٢٠٠٢) في تحليل أهمية أعمال نيتشه اللاواقعية.

هناك أجزاء مهمة من أعمال نيتشه تقدم نهج تقليدي للمشاكل الفلسفية، وهي منبثقة من علم الأحياء في عصره وخاصة علم وظائف الأعضاء أو الفسيولوجيا وعلم الأحياء التطوري. وخاصة جهوده في تقديم تفسيرات من انبثاق قواعد سلوكية أخلاقية من هذه العلوم. لقد ناقشت في موضوع اخر ان نيتشه يقدم تفسير لنشوء كل من مشاعر الذنب والاستياء (قارن بين رييس [٢٠٠١]و[٢٠٠٣])، هكذا فإن تطور الأخلاق المسيحية وآراءه هي متفرعة من علوم إيمانويل كانط للأخلاق و النظرية النفعية. مهمتنا التالية في هذه الدراسة هي استكشاف ما اذا كان نيتشه أخذ بعين الاعتبار ادعاه بأن الإنسان الأعلى يلتزم بواجباته مع ما يتماشى بنشوء كل من مشاعر الذنب والاستياء. في حين أن هذه الاعتبارات لديها درجة عالية من المنطق الباطني، سوف اناقش كيف أن نيتشه فشل في أن يقدم بنجاح آراءه بأن الإنسان الأعلى ملتزم بواجباته. ولكن هذه ليست كارثة لنيتشه، بسبب عدم وجود أسباب باطنية لأعماله التي يمكن أن تمنعه من أن يؤيد وجهة نظره بأن الإنسان الأعلى لديه واجبات تجاه بعضهم البعض. ومع ذلك، وجود تطرقه إلى هذا الموضوع الذي باعتقادي ان نيتشه حاول أن يشرح مشاعر الذنب والاستياء وقد أوجد مزيد من الوحدة في آراءه.

أن هذا البحث يسلط الضوء على عناصر من تفكير نيتشه المغايرة للمتعارف عليه اليوم، على وجه الخصوص إصراره بدون احراج بأن المجتمعات يجب أن ترتب حول ازدهار الإنسان الأعلى ، وأن العدالة لا تتطلب من هذه الشخصيات أن تهتم بالذين لا يتميزون عن بقية البشر. آراء نيتشه، ذات مرة نظر إليها بأنها صحيحة، وهذه الآراء ستكون مغايرة خاصة للذين يدركون مهمة الفلسفة الأخلاقية في تطوير فكرة المساواة الأخلاقية لجميع البشر، وهو مفهوم يكرهه نيتشه. علي الرغم من ذلك في هذا البحث لن اهتم بالبحث عن المصادر العلمية المضادة آراء نيتشه التي استبعدت المساواة الأخلاقية. يكفي ان نقول ان كتابات نيتشه مدفوعة برغبة نصرة قضية  الإنسان الأعلى والكشف عن الضرر الذي يتعرض له التميز البشري عند الإصرار على المساواة الأخلاقية، وهي تقدم تحديا مستمرا لمؤيدي فكرة المساواة الأخلاقية.

 

 ملاحظات وإضافات الكاتب لجزء “١”:

١- أعمال نيتشه هي من “Kritische Studienausgabe”،الطبعة الثانية. جورجيو كولي”Giorgio Colli” و “Mazzino Montinari” ماتزينو مانتيناري (Berlin: Gruyter, 1988). واوضح ان “الهائم وظله” هو فصل من كتاب “إنسان مفرط في إنسانيته”.  وهنا استخدمت ترجمات والتر كاوفمان و ريجنالد ج. هولينجدا، غير أن قمت بتعديل الترجمات في نقاط شتى، وأحيانا بشكل كبير، ولم أوثق بشكل دقيق أين تم التعديل. أنا ممتن لبول بلومفيلد، براين ليتر، وكرانتي ساران تعليقاتهم المفيدة جدا. وأيضا اشكر توماس هيركا لمناقشته المفيدة آراء نيتشه في الحقوق والواجبات.

٢- مصطلح “الإنسان الأعلى” بشكل واضح في كتاب “ما وراء الخير والشر” في صفحات ٢٢٨،٣٠،٢٦. استخدم نيتشه مصطلحات متعددة للدلالة باعجاب علي هذا النوع من الصفات الذي يتضمن التميز البشري وقدرته علي استبدال مشاعر الذنب والاستياء، مثل استخدامه مصطلح “الروح الحرة” في كتابه “ما وراء الخير والشر” و “الحاكم المطلق” في كتابه “هكذا تكلم زرادشت”. في مكان آخر، لقد قدمت تفسيرات لنيتشه لهذا النوع من الصفات ضمن الإطار المفاهيمي العام لعلم وظائف الأعضاء (راجع مثايس رييس، “أصل الاستياء ومصادر المعيارية”، دراسات نيتشه ٣٢ {٢٠٠٣}، الفصل السادس)، راجع أيضا براين ليتر، نيتشه في الأخلاق (لندن: روتليدج، ٢٠٠٢)، ٢٥-١١٥.

٣- أن ادعائي بشأن تمجيد نيتشه للعدل يمكن أن يأتي بمثابة مفاجأة، خاصة لقراء آراء فيليبا فوت عن توجه نيتشه اللا أخلاقي الذي يتألف من رفضه للعدالة: قارن بين أبحاث فيليبا فوت، “نيتشه واللا أخلاقية” و مقالات عن نيتشه “تطور علم الأخلاق”، ريتشارد شاخت (بيركلي ولوس انجلوس: مطبعة جامعة كاليفورنيا، ١٩٩٤). بما أن تفسيرات نيتشه للعدالة هي مرافقة لرفضه الحماسي للمساواة الأخلاقية، مما يجعلها من الصعب التعرف عليها. يقول جون راولز، يجب الأخذ بعين الإعتبار أن يتم تنقيح مفاهيم العدالة مع ما يتناسب مع العصر.

 

٢. احدى الكتب التي كتبها نيتشه في عام ١٨٨٨م، وهو آخر عام لنيتشه من الصحة العقلية والانتاج باندفاع، الذي كان متميز بسيرته الذاتية الفكرية، هو كتابه “هذا هو الإنسان”. في فصل “لماذا اكتب كتب جيدة”، وهو يتطلع الى اعماله منذ كتابه “مولد التراجيديا”. أعلن نيتشه بقوة في كتابه “إنسان مفرط في إنسانيته” (نشر لأول مرة في عام ١٨٧٨م)، ” أين ترى المثل العليا، انا ارى الانسان فقط، يا، إنسان مفرط في إنسانيته”. بالتأكيد كان كتاب نيتشه بعد “مولد التراجيديا” يهدف إلى شرح مجموعة مختلفة من التفاعلات البشرية فيما يتعلق بالأنانية. في كتابه “إنسان مفرط في إنسانيته” (بعنوان “من أول وآخر الأشياء”)، نيتشه يشرح “لم يعد هناك ‘واجب’ الاخلاق، بقدر ما كان واجبا، وقد تم تدميرها من قبل طريقتنا في النظر إلى الأشياء، بقدر ما الأديان قامت بتدميرها. المعرفة يمكن أن تقف كمحفز المتعة والألم، و المنفعة والضرر” (٣٤). الأخلاق التقليدية وضعها نيتشه في نطاق سعيه لشرح الانشطة الانسانية فيما يتعلق بالمصلحة الذاتية. لتأكيد هذه النقطة، كتب نيتشه فيما بعد أن ” الانسان لم يقم قط بأي عمل من اجل الاخرين بدون ان يكون له دوافع شخصية: كيف له ان يقوم بأي عمل بدون أن يكون هناك عائد له، وبالتالي بدون أي رغبة داخلية (هو أمر له أساس في حاجته الشخصية)؟ كيف يمكن للأنا أن تعمل بدون الأنا؟” (١٣٣). ناقش كلارك وليتر (١٩٩٧) آراء نيتشه عن دور الأنانية في شرحه عن تغيرات أفعال الإنسان بين كتابيه “إنسان مفرط في إنسانيته” و”الفجر”، وهذا التغيير يعطي مساحة لهذا النوع من هجومه على الأخلاق والتي ظهرت بوضوح في كتاباته الأخيرة. سيكون مفيدا جدا في تحقيقنا في آراء نيتشه عن الانانية ان نناقش هذا الادعاء. بينما كتابه “إنسان مفرط في إنسانيته” (١٣٣) يظهر قلقه لشرح أن ما يزعم أنه دافع أخلاقي هو في الحقيقة قناع للأنانية، ويسمح نيتشه في “الفجر” بظهور الدافع الأخلاقي الصادق والغير أناني. لتطوير وجهة نظر كلارك وليتر بشكل حاسم، و اعترافه بهذا الدافع الذي أعاد توجيه اهتمامه في الأخلاق بعيدا عن إعادة تفسير ظهور الدافع الأخلاقي للأفعال وتفسير الآليات التي أوجدت مثل هذه الدوافع ( في محاولة لافتراض أن هناك المزيد يمكن قوله عن الدوافع الأخلاقية ويمكن إعادة تفسيرها بطريقة تجعلها تبدو أنانية بشكل ما). في الاخير، هذا التوجه قاد نيتشه في أن يحقق في علم الأنساب، الذي ينظر إلى تطور الأخلاق المسيحية من حيث ثلاثة آليات شكلته: وهي ظهور وتأثير الاستياء والذنب والزهد، علي هذا النسق. اما فيما يتعلق بكتاب “الفجر”، هذه الآراء عن تطور آراء نيتشه في الأخلاق تضع الكثير من التأكيد علي تغيير آرائه حول إمكانية الدوافع الغير أنانية بين “إنسان مفرط في إنسانيته” و”الفجر”، بعنوان “هناك نوعان من ينكرون وجود الأخلاق” ١٠٣:

” إنكار الأخلاق” يمكن أن يعني شيئا واحدا: أن إنكار الدوافع الأخلاقية (التي ما يدعي الإنسان أنه يمتلكها) التي دفعتهم لأفعالهم، وبالتالي الادعاء أن الأخلاق تحتوي علي كلمات تنتمي لفظاظة والغش بدهاء (وبالاخص غش الإنسان لذاته)، وربما بشكل خاص الأشخاص الذين يشتهرون بالفضيلة. أما بعد، يمكن أن تعني: أن إنكار الأحكام الأخلاقية هو يتوقف علي الحقيقة. هنا انه معترف ان الافعال خلفها دوافع ولكن بهذا الشكل هي أخطاء، وهي أساس  للأحكام الأخلاقية التي تدفع الإنسان لدوافعه الأخلاقية. هذه هي وجهة نظري: ولكن علي الرغم من ذلك، انا لا أتمنى انكار ان في حالات كثيرة يكون هناك عدم ثقة خفية وهذا بالنسبة الى وجهة نظري الأولى، وهذا لروح الكاتب فرانسوا دي لاروش فوكولد، وهذا يكون صحيح ويكون ذا فائدة عظمية.

قال كلارك وليتر (١٩٩٧) في قوة هذا المقطع من كتاب “إنسان مفرط في إنسانيته” ‘إن تسميات مثل “كذب” و “خطأ” هي غير أخلاقية، ولكن الاعتقاد بأن البشر يعملون من دوافعهم الأخلاقية. هذا يوجه مجادلة عنيفة ضد هذا الاعتقاد، وفي نهاية المطاف يكون ضد عالم يدرك أن الإنسان أيضا مفرط في إنسانيته. فقط في كتابه “الفجر” يعترف نيتشه بوجود الدوافع الأخلاقية ويبدأ بعدها حملته المضادة للأخلاق. وبدلا من إنكاره وجود الأفعال ذات الدوافع الأخلاقية، هو الآن يدعي الآن أن الافتراضات من هذه الأفعال هي خاطئة (٢٦). السبب الوحيد للبحث عن تعيين الحدود بين “إنسان مفرط في إنسانيته” و”الفجر” هو إعلان نيتشه في بداية مناقشته في كتابه “هذا هو الإنسان”، “أن هذا الكتاب يبدأ معه حملتي ضد الاخلاق”. غير أن في فصل كتاب “الفجر” بعنوان “الآراء في داخل هذه المساحة” شكل صعوبة في قراءة تطور وجهات نظر نيتشه (١٤٨). هناك ذكر نيتشه:

اذا كانت فقط هذه الأفعال أخلاقية، كما افترض ان هناك من يدافع عنها، فهو يقوم بها من اجل الاخرين وفقط من اجل مصلحته الشخصية، وبالتالي لن يكون هناك أفعال أخلاقية! في حالة أن هذه الأفعال أخلاقية فهو يتم القيام بها من الإرادة الحرة، وبالتالي لن يكون هناك أيضا أفعال أخلاقية! (…) بفضل هذه الأخطاء قمنا بتعيين قيمة أعلى لبعض الأفعال، أكثر مما لديهم: لقد قمنا بفصلهم من أفعال “التمركز حول الذات” و”الغير حر”. وإذا قمنا بإعادة تعيينهم كمثال [الأفعال الأخلاقية إلى أفعال التمركز حول الذات والغير حر، MR]، كما يجب علينا، سنقوم بالتأكيد بتقليل قيمتها (هو شعورهم بقيمتها)، وبدون الإجراء المناسب، وبسبب أن أفعال “التمركز حول الذات” و”الغير حر” قد تم بخس قيمتها حتى الآن، وهو على أساس هذا الادعاء والاختلاف العميق. (…) ومنذ تلك الأفعال [التمركز حول الذات،MR] اصبحت اكثر شيوعا، وستستمر إلى المستقبل، لقد قمنا بحرمان صورة الأفعال والحياة من أن تظهر بمظاهر الشر! وهذه النتيجة ذات أهمية! إذا كان هناك رجل لا يفكر في نفسه علي أنه ذو شر، فإنه لا يكف عن الشر!

في “الفجر” ١٠٣ و ١٤٨،وفي اخذهم مع بعضهم، يقدمون ثلاث دعاوي عن الدوافع: (١) في ١٠٣ نصت علي أن الدوافع الأخلاقية في احيان تكون دافع للأفعال، (٢) وفي بداية ١٤٨ لقد وجدنا ادعاء أن الأفعال لا تتم أبدا و حصرا من اجل الاخرين، (٣) وفي نهاية ١٤٨، قرأنا أن أغلب الأفعال هي في الغالب تتمركز حول الذات وبالتالي هو يقترح أن هناك بعض من الأفعال استثنيت. إذا فهمنا ما المقصود من “التمركز حول الذات” و “الأخلاق” وان هذه الأفعال يجب أن تكون إما هذه أو تلك ولا يمكن أن تكون كلاهما، وإذا أردنا المساواة بين “الأخلاق” و “تتم حصرا من أجل الآخرين”، إذا النقطة (٢) ستخالف كل من النقطتين (١) و (٣).

هناك حل واضح لهذا التناقض الظاهر وهو أن نفهم “الأخلاق” فيما يتعلق بـ “جزء منه تم من أجل الآخرين”، وهذا يعني أن اهتمامات الآخرين تلعب دورا في عملية اتخاذ القرار (مثال: إذا كان العميل يمكنه الاختيار بين مجموعة من الأفعال التي تؤيد بكثرة أو قلة اهتماماته واهتمامات الآخرين، ثم وجود بعض من المراعاة للآخرين سوف يعني أن العميل لا يقوم باختيار أفضل ما يرضي اهتمامه، بالرغم أنه لن يختار أفضل اختيار يعالج اهتمامات الآخرين). إذن (١) التأكيد علي أن في بعض الأحيان الأفعال على الأقل جزئيا تفعل حصرا من أجل الآخرين، (٢) التأكيد علي أن الأفعال لا تفعل حصرا من أجل الآخرين، (٣) التأكيد علي أن معظم الأفعال تفعل حصريا من أجل المصلحة الشخصية. في شرح النقطة (٢) أن الأفعال ربما لا تفعل حصرا من أجل الآخرين وهذا بسبب أن سوف يكون هناك دائما علي الاقل الشعور براحة وهو ما يملكه العميل تجاه “القيام بفعل الشيء الصحيح”، أو يمكن لأن حتى تلك الأفعال والتي ينظر إليها كأخلاق اتضح أنها مبنية على أساس الأنانية ومنذ أساس وجود هذا الدافع الأخلاقي الذي هو في حد ذاته مبني على دوافع الأنانية، مثل الرغبة في الذهاب الى الجنة.

في قراءة كتاب “الفجر” ١٠٣ و١٤٨، ساهمت أفكار نيتشه بتناسق في كتابه الثاني “الفجر” ، وأضعفت تباينه مع “إنسان مفرط في إنسانيته” الذي استنتج منه كلارك وليتر دور الأنانية في الدوافع الإنسانية.٤ لماذا “إنسان مفرط في إنسانيته” ١٣٣ ينفي أن لا يوجد شي يقام به من أجل الآخرين، ولكن لا شي يقام به حصرا من أجل الآخرين. عند قراءة ما تم تقديمه من قبل، وأن الادعاء ما زال قائما في كتاب “الفجر”. مع ذلك، أن كلارك وليتر هم في الغالب علي حق، و ربما ليست المقارنة كاملة ولا متناقضة بين “إنسان مفرط في إنسانيته” و”الفجر” من ناحية احتمال وجود الدافع الغير الأناني، ثم ان اي معدل من الادعاء بأن مشروع نيتشه تغير أو تطور، في ما بين هذين الكتابين. بينما بالفعل في “إنسان مفرط في إنسانيته” التركيز على المناقشة بأن التفاعل الإنساني والذي يبدو أن هناك بعض التفسيرات التي تفسر من حيث الأنانية، والتركيز في”الفجر” في تفسير كيف أن الدوافع الأخلاقية يمكن أن تنشأ وأن هذا المشروع يبدو أنه أسر نيتشه، بغض النظر عن اذا ما كان هناك بعض من المنطق (وفي “إنسان مفرط في إنسانيته” نيتشه كان يمكن أن يحرص علي تحديدها) بحيث أن الدوافع الأخلاقية يمكن اعتبارها بأنها دوافع لأسباب أنانية (كما يمكن في حال اتخاذه السبب وقوله هو الخوف من اللعنة الأبدية). ومرة اخرى، ان هذا التركيز في نهاية المطاف يؤدي إلى وجهات نظر عن كيف أن فرضيات الأخلاق أنشأت لشرح وبشكل خاص “ما وراء الخير والشر” و”علم الأنساب” و”أفول الأصنام” و”عدو المسيح”.

 

ملاحظات وإضافات الكاتب لجزء “٢”:

٤- لتأكيد، قام كلارك وليتر بمراجعة “الفجر” ١٤٨، ولكن ليس بمناقشة الصعوبات التي نشأت من أجل ادعاءاتهم بشأن العلاقة بين “إنسان مفرط في إنسانيته” و “الفجر”.

٣. ولكن نيتشه يخرج مرة واحدة من “إنسان مفرط في إنسانيته” بالاهتمام في تتبع التفاعلات الإنسانية في الدوافع الأنانية، وهذا سؤال آخر أصبح بارزا و اشغل نيتشه بشكل كبير، والسؤال هو عن قيمة الأنانية، والذي بالطبع، هو سؤال واحد يظهر من مجموعة كبيرة من الأسئلة عن قيمة الأخلاق. طالما اهتمامه بمناقشة مركزية المصلحة الذاتية في شرح السلوك الإنساني، نيتشه لم يفشل فقط عن السؤال عن أصل الدوافع الأخلاقية (قد حصل ذلك لأسباب ظاهرة) ولكنه فشل ايضا عن السؤال عن قيمة الأنانية، علي الرغم من أن في فترة بداية كتابه “الفجر” أثارَهذين السؤالين.٥ (“إنسان مفرط في إنسانيته” عادة يصنف انه ينتمي لحقبة نيتشه الإيجابية، وهو لا يسأل فيها عن هذين السؤالين ولكن علي الأقل يشرح جزء من لماذا الأمر هكذا.)

امتدح نيتشه الانانية الى نفس الدرجة التي امتدح فيها صفات المصلحة الذاتية التي هي قيد البحث. في كتابه “ما وراء الخير والشر” ٢٦٥، أخبرنا نيتشه عن أن “حب الذات هو جوهرة الروح النبيلة”. وهذا الجزء من الكتاب يأتي بعد بضعة من الفصول التي هي مقدمة حول الاختلاف بين العبد والسيد في الأخلاق (٢٦٠)، ولا يوجد مثل هذه التصريحات الإيجابية التي أقيمت عن مكانة حب الذات في نفس “العبد”. وهذا اكد علي اختلاف المدح في الأنانية، أوضح بيان قدمه نيتشه عن تقييمه للأنانية في كتاباته المدروسة بعناية تظهر في “أفول الأصنام”، في هذه الفقرة التي بوضوحها تتحدث عن نفسها:

القيمة الطبيعية لحب الذات. – المصلحة الذاتية لها نفس القيمة الشخص الذي يتملكها: ويمكن أن تكون لها قيمة عظيمة، ويمكن ايضا ان تكون بلا قيمة و محقرة. كل فرد يمكن فحصه لمعرفة إذا كان يمثل خط الحياة الصاعد أو المنحدر. عند اتخاذ هذا القرار، يصبح الشخص لديه مبدأ يتبعه في قيمة مصلحته الذاتية. واذا كان يمثل خط الحياة الصاعد، فإن قيمته الشخصية بالتالي عظيمة- وأيضا مصلحة الحياة كلها، وهو ما يأخذ بعدا آخر من خلاله، والاهتمام برعاية وأحداث أفضل الظروف التي قد تكون شديدة. أن المفرد، “الفرد”، أنه حتى الآن مفهوم بنفس الفهم من قبل الناس والفلاسفة علي حد سواء، وهذا خطأ: فإنه لا شيء بمفرده، ليس ذرة، وليس “حلقة وصل في السلسلة”، ولا شيء موروث فقط من المرات السابقة: وهو خط مفرد كامل من الإنسانية والأمر عائد إليه. اما إذا مثل تطور خط الحياة المنحدر، من تعفن والانحطاط المزمن والمرض (…)، وبعد هذا يصبح لديه قيمة قليلة، وأن الحد الأدنى من الآداب يتطلب منه أن يأخذ أقل ما يمكن من أولئك الذين أصبحوا أشخاص جيدين. وهو أصبح مجرد طفيلي لهم. (أفول الأصنام، اشتباكات ،٣٣)

 

هذا الاختلاف في معايير الأنانية تلاها مباشرة معايير الإيثار في الأخلاق:

نقد الأخلاق المنحدر. – إن إيثار الأخلاق- وهي الأخلاق التي المصلحة الذاتية تنخفض فيها- وهذا يبقى علامة سيئة تحت كل الظروف. وهذا صحيح للأفراد: وبشكل خاص صحيح للدول. فإن الأفضل ينقصه متى ما تبدأ المصلحة الذاتية بالنقصان. أن بالفطرة الشخص يختار ماهو مضر لنفسه، الشعور يجذب دوافع “اللامبالاة”، وهذا بالفعل هي الوصفة في الانحدار. “عدم السعي وراء المصلحة الشخصية”- وهذا مجرد كأخلاق ورقة التين وهذا مختلف بعض الشيء، بالتحديد، فسيولوجيا، في الحالة الراهنة: “انا لم اعد اعرف كيف اجد مصلحتي الشخصية”. وفي تفكك الغرائز! الرجل ينتهي عندما يريد ان يصبح ذو ايثار. بدلا من القول بسذاجة، “انا لم اعد اعرف قيمة اي شي”، تقول الكذبة الأخلاقية في فوهة الفرد المنحدر، “لا شيء له قيمة، الحياة ليس لها قيمة”، مثل هذه الأحكام دايما تبقى خطرة، وهي معدية: من خلال التربة المريضة للمجتمع التي سرعان ما تتكاثر فيها مفاهيم النباتات الاستوائية- وهي الآن مثل الدين (المسيحية)، والآن فيلسوف مثل (Schopenhauerism). وفي أحيان سم النباتات التي نبتت بشكل متعفن يسمم الحياة نفسها وهي ألفية بدخانها.(أفول الأصنام، اشتباكات،٣٥)

لا داعي للقول، الأنانية والإيثار (طالما هذا متصل لموضوع نيتشه في ازدراء الشفقة) وما تعامل معه نيتشه في أعماله، خاصة منذ أن الإيثار متصل اتصالا وثيقا بنقد نيتشه للمسيحية، ولكن ليس هناك حاجة لنا في تتبع التفاصيل.٦ أن ما قيل يكفي لإظهار أن نيتشه ليس بطل غير مؤهل في الأنانية. ولهذه الصفات التي ليست النوع الصحيح في تجسيد التميز الإنساني والتي تتغلب على الأخلاق التي تشكل الاستياء والذنب وتأكيد الوجود، نيتشه هنا لا يمتدح الأنانية. ولكن على العكس، أيضا لايضع نيتشه قيمة على صفات الأنانية، ولايفكر أنه من الأفضل لهم أن يوقفوا “الانصياع لهذا الاتجاه” (ما وراء الخير والشر،١٨٨). وكما يخبرنا في علم الأنساب، الأخلاق للعبد هي في الحقيقة “التعقل للحد الأدنى من الأوامر” (أصل الأخلاق وفصلها، ١٣)، وكثير من الناس تم نصحهم للالتزام بها منذ أن “فهو للشخص المتوسط تكون له سعادة متوسطة” (عدو المسيح، ٥٧)- وفي هذه الحالة، نيتشه لن يرى أي فائدة من تشجيع الأنانية.٧

 

ملاحظات وإضافات الكاتب لجزء “٣”:

٥- في علم الأنساب نيتشه يؤكد علي أهمية السؤال عن قيمة الأخلاق وبعد ذلك يضيف علي أن “أكثر مشكلة محددة” يجب السؤال عنها في هذا السياق هو ما يشير إليه بأنه “قيمة اللا تمركز حول الذات” (قارن. المقدمة، ٥).

٦- كيلي روجرز، “ما وراء الذات والآخر”، الفلسفة الاجتماعية والسياسية ١٤، رقم ١ (١٩٩٧) يحتوي على تجميع المقاطع ذات الصلة (وكذلك فلاسفة اخرين في موضوع حب الذات).

٧- والاحتجاج بتعجب من كتاب “هذا هو الإنسان”، في المصير، ٧، أيضا يخبر عن نيتشه فيما يتعلق بالأنانية (أين، ومع ذلك، يجب أن نضع في اعتبارنا نقطة “أفول الأصنام” لديها قيمة في الأنانية التي تعتمد على قيمة الشخص الذي يمتلكها):

وهذه علمت الإنسان أن يحتقر الغريزة الاولى لديه في الحياة: أن يختلق الاكاذيب “الروح” التي تفسد الجسد: وهذه علمت الإنسان أن يجرب افتراضات الحياة، وياخد النشاط الجنسي كشيء قذر: وهذه تنظر بمبدأ الشر إلى ماهو مهم جدا للنمو، في الأنانية المتشددة (-وهذه الكلمة بالذات شكلت افتراء!-): والعكس، وهذا يتعلق بالإشارة المعتادة عن انخفاض وتناقض الغرائز، “الأنانية”، هو فقدان مركز الجاذبية، “تبدد الشخصية” و”محبة الجيران” (- إدمان الجيران!) كقيمة اعلي، وما اقول هو القيمة المطلقة!.

وعلى حد سواء أخبار نيتشه أن تجاهل نكران الذات هو في هذه الفقرة من “علوم مثلي الجنس” ٣٤٥: “نكران الذات” ليس له قيمة في الجنة أو في الأرض: وكل المشاكل العظيمة تتطلب محبة عظيمة، وبهذا فقط روح قوية، متحركة، وآمنة ومن يكون لديهم القدرة على إحكام قبضتهم على أنفسهم وهؤلاء هم القادرون”.

٨- هذه التركيبتين تفرق بين الواقعي و الغير واقعي في قراءة هذه الفقرات ذات الصلة. وسوف أناقش هذه القضية بشكل مفصل في الفصل السادس أدناه.

٤. بعد مدح نيتشه أنانية الإنسان الأعلى ، هو أيضا يعتقد أن أنانيتهم مقيدة بواجباتهم، وبأي درجة، وبهذا هم يأخذون على عاتقهم تقيدهم بواجباتهم.٨ ” اللا أخلاقي”, ويقول نيتشه، “هم ليسوا أشخاص ذو واجبات، ولكن لا يتهربون من واجباتهم” (ما وراء الخير والشر، قارن مع ٢١٤ و٢٢٦ و٢٢٧). السادة المذكورين في “ما وراء الخير والشر” أيضا يعترفون بالواجبات، ولكن فقط فيما بينهم في حين احتقار الواجبات العالمية و الاحساس بأحقيتهم في معاملة من لا يرونهم مساو لهم كما يشاؤون (٢٦٥،٢٦٠). في صفحة ٢٦٥ في كتاب ما وراء الخير والشر، نيتشه يشير الي أن حب الذات ينتمي الي جوهر الروح النبيلة ويفسر أن هذه الروح بلا تردد تتقبل هذه الحقيقة، ويستمر نيتشه في لغة شعرية مدح الواجبات التي تعترف الروح النبيلة بوجودها لاقرانها بأنها جزء لا يتجزأ من حب الذات:٩

[الروح النبيلة] تعترف -في ظل الظروف التي في الأساس تجعلها تتردد-  أن هناك من هم على درجة من التساوي [Gleichberechtigte]: حالما [الروح النبيلة] تكون واضحة في سؤالها عن المنزلة، يتحركون الي من هم في منزلة متساوية بنفس اليقين الذي يحمل الخجل واللطف بالرهبة وهو نفس ما يكون في تفاعلاتهم مع نفسهم – يتبع الميكانيكا السماوية وراثية وكل نجومها لديها إدراك جيد. وهذا جزء واحد أكبر من حب الذات، أن حدة الذهن وضبط النفس في التفاعلات مع من هم في منزلة متساوية  – كل نجم مثل الأناني- انها تمسك نفسها في رهبة بهم وفي تلك الحقوق التي تفوض لهم، فهي لا تشك أن تبادل الشرف والحقوق هو جوهر هذه التفاعلات وهي جزء من الحالة الطبيعية للأشياء. (ما وراء الخير والشر،٢٦٥)

الي الحد بمساعدة الأقل حظا، هذه الصفات تفعل ذلك من منطلق القوة وليس من منطلق المسئولية ولا من منطلق الشفقة ( كما ذكر في ما وراء الخير والشر،٢٦٥).١٠ في “ما وراء الخير والشر” نيتشه يذكر أن من علامات النبل أن يحصي الفرد امتيازاته فيما بين واجباته، ولكن بدون الحط من مسئولياته وواجباته تجاه الآخرين. وفي حين أن هذه سمة من واجبات الإنسان الأعلى وأن هذه لا يحملها أي شخص، ولكن فقط من يكونون في منزلة مساوية، ويجب أن يكون واضحا أن مهما كانت هذه الصفات التي يتمنى نيتشه أن تتغلب على أخلاق الذنب والاستياء، فهم ليسوا مجرد مخلوقات يروا أنفسهم أنهم لا يخضعون لقواعد هذه النظم الأخلاقية التي يمكن التعرف عليها، وبالطبع، نحن لا نأخذ مصطلح أخلاق، بمعناه، الالتزام بالمساواة الدائمة بأنواعها ( على عكس المساواة الرسمية التي يعبرون عنها، مثل فكرة أن معاملة الآخرين وفقا لمَنزِلتهم).١١

يصر نيتشه على أن الإنسان الأعلى يدرك واجباته، وحتى أن كان فقط فيما بينهم، وقد يبدو في البداية أمر محير، خصوصا أنه أعلن عن نفسه أنه “ضد الأخلاق” (“هذا هو الإنسان”، المصير، ٢-٤: مقدمة “مولد التراجيديا”،٥). ومع ذلك أنه الآن مفهوم جدا أنه “ضد الأخلاقيات” التي يتحدث عنها نيتشه ولا ترقى الي الوصول الي رفض أي مجموعة من قواعد السلوك،  ولا الي رفض جميع قواعد السلوك والتي لا يمكن تخفيضها بشكل مباشر لتتناسب مع الأنانيين. عوضا عن ذلك، نيتشه يرفض الأخلاق كحزمة من المطالبات المعيارية والتجريبية وان دعمها يخلق مواقف تضر بانجازات التميز الإنساني. ١٢ ليس هناك أي شيء يتعارض مع خلط نيتشه لميله في التصريح عن نفسه أنه ضد الأخلاق و ثناءه الشعري لطبيعة الواجب المُلزَم للإنسان الأعلى. ولا يزال انتقاد نيتشه للأخلاق يرتكز على وجه محدد (وعلى نطاق واسع) قالب أخلاقي معين ولكن كتاباته تكثر في ثناءه للعدالة. انا اقدم أن إصراره على أن الإنسان الأعلى هو إنسان ذو واجبات يمكن أن يساعدنا على فهم أن هذا مشتق من تقدير نيتشه الكبير للعدالة.

 

ملاحظات وإضافات الكاتب الجزء “٤”:

٩- انا افترض في هذا النقاش أن الإنسان الأعلى هو المقصود عند تحدثه عن “الروح النبيلة”.

١٠- ملحوظة، ومع ذلك، أن التصريح التالي في “عدو المسيح” ٥٧: ” إذا كان الإنسان الاستثنائي يتعامل مع الرجل المتوسط بأصابع حساسة أكثر مما يتعامل به مع نفسه أو مع أقرانه، وهذا ليس من لطف قلبه – أنه ببساطة من واجباته”. هذا التصريح ينافي ماهو موجود في الفصل ٩ من كتاب “ما وراء الخير والشر”، وهو توجه أغلب محتويات النص. الغريب أن كل مافي النصوص في “عدو المسيح” تقدم معاملة قاسية لبعض من مواضيع نيتشه المفضلة، والتي يعبر فيها عن واجبات الإنسان الأعلى تجاه الإنسان المتوسط. فلربما يجب أن ننظر إليه كأنه خلل، بعد كل هذا، في “ما وراء الخير والشر” يناقش نيتشه واجبات الإنسان الأعلى بتفصيل وبتركيز أكبر. الاحتمال الآخر، أن في “عدو المسيح” كان نيتشه يعني القول أن الإنسان الأعلى يشعر بتيار قوي من القوة وينظر الي هذا الشعور بأنه هو واجبه تجاه مساعدة الإنسان المتوسط ( يقول نيتشه أن زرادشت يتعامل مع خصومه القسيسين بأسلوب لطيف [كتاب”هذا هو الإنسان” في الحديث عن زرادشت]، بينما واجباتهم تجاه أقرانهم هي في الحقيقة واجباتهم منذ أنه يمكن مطالبتهم من وجهة نظر العدالة (هناك أكثر أدناه)، بينما إدراك الواجبات تجاه الإنسان المتوسط لا يمكن المطالبة بها. وحتى الآن كل هذه التفسيرات ليست مرضية تماما.

١١-  المقاطع الأخرى التي تشير على أن نيتشه لم يتخلى عن كل قواعد السلوك التي يتعرف بها على أنها أخلاقية، قارن “هذا هو الإنسان” مناوشات ٣٨: ومقدمة “الفجر”: و مقدمة “إنسان مفرط في إنسانيته” عام ١٨٨٦م. خذ بعين الإعتبار أن في هذا السياق نيتشه يصر على أنه أول شخص لائق يقاوم الزيف والنفاق الممتد لقرون ( “هذا هو الإنسان” ، المصير، ١، انظر أيضا الي “أفول الأصنام” ، مناوشات ٣٧). هذه الاعتبارات يمكن أيضا أن تفسر الملاحظات الفضولية في “أفول الأصنام” ، الثوابت ٣٦: ” إذا كنا نحن المضادين للأخلاق نُضر بالفضيلة؟ فنحن أقل ضررا من الذين يخلقون فوضى سياسية للأمراء. فقط في الأخير ينتهي به بضربة ليبدأ غيره ويعودون الجلوس بشكل آمن مرة أخرى وعلى عرشهم. الأخلاق يجب أن تنتهي”. وهنا يبدو على أن نيتشه يفهم انتقاده الخاص على أنه طريقة لتعزيز Christian sittliche Weltordnung. ومع ذلك، هذا بالكاد يكون منطقيا في السياق الأوسع لـ “أفول الأصنام”. خذ بعين الاعتبار أنه يمكن أن يعني أن الصورة اللائقة لقواعد الأخلاق يمكن التعرف عليها من خلال الانتقاد، وهذه هي القواعد الأخلاقية التي ليست فقط متناسقة ولكن تستعيد الآداب، مثل ما أن الهجوم على الأمراء يجعل إمكانية استعادة سلطتهم الحقيقية التي بدوا بمشاركة هذه السلطة بطريقة دستورية.

١٢- قارن في “ما وراء الخير والشر” بين ٢١و ٦٢: “أصل الأخلاق وفصلها” الثالث، ١٤: و “عدو المسيح” ٥و٢٤ للتركيز على التأثيرات الضارة للأخلاق في التميز الإنساني. في ليتر (نيتشه في الأخلاق) ينادي النظام الأخلاقي بأن نيتشه يرفض “الأخلاق بمعنى ازدرائي”.

٥. عند النظر لبعض من نقاشات نيتشه ومراجعته للعدل يؤكد أنه هو بالفعل يحمل العدالة أعلى تقدير من خلال كتاباته: وأيضا سيمكننا من إعطاء قيمة تقريبية عن آراء نيتشه في العدالة. في “مولد التراجيديا” نيتشه يثني إسخيلوس على “دافعه العميق للعدالة” و “جرأته المذهلة التي [في قصيدته بروميثيوس] وضعت العالم الاولمبي في موازينه للعدالة” (٩). وفي كتابه “تأمل في غير أوانه” الثاني، نقرأ أن:

لا أحد لديه استحقاق أعلى من اعجابنا بالإنسان الذي يمتلك الدافع والقوة للعدالة. (…) أن يد الإنسان المنصف مخول لها أن تجلس وتصدر الحكم بدون أن ترتجف عندما تمسك ميزان العدالة. بشكل غير مفاجئ يضع وزن بعد وزن ضد نفسه. وان عيناه لا تضعف عندما يرى ميزان العدالة يرتفع وينخفض، وصوته لا يقرع بصرامة ولا بضعف عندما يلقي حكمه. (…) فهو يريد الحقيقة وليس المعرفة الواهنة بلا عواقب، ولكن كما يأمر ويعاقب القاضي، الحقيقة ليست مُلْكًا لإنانية الفرد ولكن هي حق مقدس ومستحق لتحويل كل أحجار حدود ما هو مُلْكًا لحب الذات، في كلمات، أن الحقيقة كما يوم القيامة وليست على الإطلاق مثل كأس الفوز الذي يتمناه الصياد المفرد. (٦)

في كتاب “الهائم وظله”، يخبرنا نيتشه أن الفضيلة هي مثل الاعتدال، العدالة، و راحة البال سيتم استعادتها بواسطة كل عقل حر وواعي ومستقل عن الأخلاق (٢١٢). في مكان آخر في الكتاب، يشير نيتشه أن أحد عيوب المسيحية أنها دمرت كل العدالة الدنيوية (٨١). عند توضيح المعنى المقصود بالعدالة سيشمل ذلك الحديث عن “النسبة” و”القياس” التي يتحدث عنها نيتشه في “إنسان مفرط في إنسانيته” ١١٤، وهي بالتحديد ما تفتقر إليها المسيحية. وفي “أفول الأصنام”، نجد أن نيتشه يسخر من روسو والثورة الفرنسية لاعتقاده الخاطئ أن المساواة هي مطلب للعدالة: “لايوجد هناك سم أكثر خطرا في أي مكان: لذلك يبدو أن الوعظ هو للعدالة ذاتها، بينما في الحقيقة هي إنهاء للعدالة. ‘وأن المساواة للمساواة، عدم المساواة لعدم المساواة’ – يمكن أن يصبح هذا هو الشعار الصحيح للعدالة: وأيضا نتيجته المثبتة: ‘ابدا لا تجعل المساواة لعدم المساواة'” (مناوشات، ٤٨). ظاهريا، مثل هذه التصريحات يمكن أن تشبه أفكار العدالة والإنصاف التي تلح على معاملة ” كل القضايا بتساوي” (والقضايا المختلفة باختلاف)، ولكن ما يشير إليه نيتشه هو إنكار المساواة الأخلاقية الكامنة في الأشخاص.١٣

تظهر مناقشة أخرى مهمة عن العدالة في البحث الثاني من علم الأنساب. كما أن نيتشه يشير في “أصل الأخلاق وفصلها” الثاني،٤، أن هناك فكرة قديمة نشأت عن العلاقة بين المدين والدائن، وهي أن كل ضرر هناك ما يعادله، ويمكن أن يسدد بطريقة أو بأخرى. إذا كان المدين غير قادر على سداد دينه يجب عليه حينها أن يعطي الدائن شيء آخر يملكه. وهذا يمكن أن يؤدي الي السماح للدائن أن يقوم بتعذيب المدين، لأن الناس يستمتعون بمشاهدة التعذيب و أن يكونوا سبب الألم (٦). أن علاقة الفرد مع مجتمعه هي مثل علاقة المدين والدائن. أن المجتمع يحميه ويطلب منه في المقابل أن يدفع دينه باتباع واحترام قوانينه. لهذه العلاقات بين المدين والدائن هناك افتراضات خلفية تقول بأن الفرد المشارك هو مشارك بنفس القوة (٨). هذه الأفكار (التي تأتي في إطار عام “كعادة المقارنة بين القوة والقوة، بالقياس، والحساب”، ٨) أثيرت الفكرة البسيطة للعدالة: “كل شيء يمكن أن يسدد، وكل شيء يجب أن يسدد” (٨). العدالة كما يجادل نيتشه في “أصل الأخلاق وفصلها”، ١١، في أطول فصل في “علم الأنساب” في أطروحته الثانية، أن العدالة لا تعتمد على أخلاق التي يحركها الاستياء. أن الاستياء والعدالة هما ظواهر نفسية مختلفة تماما عن بعضها. كما يشرح نيتشه، أن العدالة تتحقق “على المدى البعيد المضاد لما يريده الانتقام، والذي ينظر فقط الي وجهة نظر المصاب، ويسمح له فقط بالعد من الآن فصاعدا، أن العين مدربة لإجراء تقييم لا شخصي للأعمال، حتى عين المصاب نفسه” (١١).١٤ اسمحوا لي أن أقتبس مقطع عن العدالة، من كتاب نيتشه في عام ١٨٨٦م مقدمة “إنسان مفرط في إنسانيته”:

يجب عليك أن تسيطر على المسببات والمعارضات والتعلم كيفية عرض الاولى وفيما بعدها الأخرى وفقا أهدافك العليا. يجب عليك أن تتعلم أن تفهم المعنى من منظور الحكم في كل قيمة- التحول، التحريف، و الغائية الواضحة في الأفق وكل ما يتعلق بهذا المنظور: وأيضا مقدار الغباء الذي يتضمن القيم المعاكسة، وكل الفقدان الفكري الذي هو كل المسببات والمعارضات التي لابد من دفعها. يجب عليك أن تتعلم أن تفهم معني الظلم في المسببات والمعارضات، أن الظلم جزء لا يتجزأ من الحياة، أن الحياة بحد ذاتها مرهونة من احساس المنظور والظلم. يجب فوق كل شيء أن تنظر بعينيك للظلم عندما يكون في أوجه: في حين أن الحياة تطورت في صغرها، ضيقها، أشد حاجتها، وبدايتها ولا يمكن تجنب اتخاذ ذاتها كهدف وقياس للأشياء ومن أجل الحفاظ بسرها و حقارتها و تداعيها بلا توقف و تساؤلات عن الأعلى والأعظم و الاثرى- يجب أن تري بعينيك معضلة وترتيب الرتبة، وكيف أن السلطة والحق والرحابة ينمو منظورها للأعلى معا.

العدالة لها وجهة نظر ذات تقييم موضوعي. ولكن هذا المقطع من “إنسان مفرط في إنسانيته” يوضح أن نيتشه يعتقد أن وجهة النظر هي مجرد احتمالات مفاهيمية. العدالة لا يمكن اكتسابها كلها، ومنذ نهاية المطاف بعض المواقف يجب اتخاذها، وهذه المواقف لامحالة تهمل بعض وجهات النظر ويحصل بهذا فشل النزاهة الصادقة (راجع “أصل الأخلاق وفصلها” الثالث، ١٢، مقطع  “perspectivism” الشهير).

 

ما يبرز من هذه المقاطع المتعددة في حساب العدالة التي تدعم المطالبات التالية:

١) أن العدالة مهتمة بطرح أسئلة تأملية من منظور موضوعي محايد.

٢) أن منظور هذه الموضوعية الصادقة لا يمكن في الواقع الحصول عليها منذ أن أي وجهة نظر مأخوذة في نهاية الأمر سوف تهمل جوانب معينة: على الرغم من ذلك، أن استحالة الوصول لهذا المنظور متوافق مع بعض الاحكام الاكثر حيادا من غيرها، وأن نيتشه أعلى إعجاب للأفراد القادرين بتطبيق هذا الشأن.

٣) الأحكام التي يجب أن تشكل بموضوعية والتي تتضمن أحكام تتضمن ما يعادل تبادل الأشياء أو الخدمات، أو في استعادة شيء أو العقاب جزاء ضرر، حيث هنا حاجة شديدة للموضوعية والحيادية للتأكد من أن الإجراءات ليست مرتبطة بشدة نحو مصلحة جهة معينة. ماهو المطلوب هو تقييم متناسب لجوانب مختلفة من السؤال.

٤) أن المطالبة بالمساواة دون الإشارة للرتبة يتعارض مع العدالة. الأفراد المختلفين في القيمة، والموضوعية هنا لن تعطيهم نفس الوزن والأهمية. بدلا من ذلك، نيتشه يفضل استخدام لغة “الرتبة” عوضا من استخدام لغة المساواة. هذه من الفضيلة لديه أن يرفض المساواة التي في منظور نيتشه عن العدالة أن لديها دعم عالي وهي وجها لوجه من أكثر أفكار ما بعد التنوير لهذا الموضوع. ١٥

٥) الموضوعية الحيادية تتطلب من الأفراد من نفس الدرجة أن يعاملوا بعضهم البعض بطريقة محددة. وهؤلاء الأفراد لديهم واجبات تجاه بعضهم البعض، وهذا يتضمن واجبات الإنسان الأعلى وما فيما بينهم، كما ذكر في ما سبق.

 

 ملاحظات وإضافات الكاتب الجزء “٥”:

١٣- وجهة نظر أن العدالة تصر على عدم المساواة بين الناس تظهر أيضا في “زرادشت” الجزء الثاني، في فصل الرتيلاء. للفصل بين المساواة، راجع “ما وراء الخير والشر” ٢١٩، “علوم مثلي الجنس” ٣٧٧، “أفول الأصنام” مناوشات ٤٨، “عدو المسيح” ٤٣ و ٥٧، “هذا هو الإنسان” الكتاب ٥.

١٤- يقدم  “إنسان مفرط في إنسانيته” ٩٢ مناقشة مختصرة في العدالة وهي مقاربة جدا لما سبق وهناك مناقشة أطول في “أصل الأخلاق وفصلها”.

١٥- في لغة “المرتبة” انظر أيضا الي “ما وراء الخير والشر” ٢٦٣،٢٥٧، و “عدو المسيح” ٥٧.  “ما وراء الخير والشر” ٢١٩ صراحة يصل بين العدالة و المحافظة على ترتيب الرتبة. في المقطع التالي من “ما وراء الخير والشر” ٢٦٥، نيتشه يوضح العلاقة بين المقارنة في الرتبة وحب الذات والعدالة:

في خطر ازعاج الأذان البريئة، اقترح الاتي: حب الذات ينتمي الي طبيعة الروح النبيلة- أعني أن الإيمان الذي لا يتزعزع بأننا موجودون كـ “نحن” وآخرون موجودون كتابعين بطبيعتهم ويجب عليهم أن يضحوا بأنفسهم. أن الروح النبيلة تأخذ هذه الحقيقة من حب الذات بدون أن تتساءل وبدون الشعور بأن هناك قسوة في الإكراه أو وجود السلطة التعسفية فيه، هناك الكثير من الأشياء التي يمكن تأسيسها في القانون الأساسي للأشياء. واذا اردنا تسميته، فسيكون “أنها العدالة بذاتها”.

  ٦. دعني اضيف بعض الملاحظات لحساب العدالة. اولا، نيتشه لم يزعج نفسه في شرح منهجية ما يحسب كـ “ما يعادله” سواء للأشياء أو لرتبة الأشخاص. ومع ذلك، لا توجد إجابة شاملة لهذا السؤال، لأن نيتشه أيضا يؤكد على أهمية أن “عبر مختلف الأشخاص، أن التقدير الأخلاقي يختلف” (علوم مثلي الجنس، ٣٤٥). أن نوع المقارنة التي تقع وراء فكرة أن كل شيء يمكن دفعه ويجب دفعه سوف تختلف عبر الأشخاص، وهذا أيضا يجب أن يحمل نفس الحقيقة عند المقارنة في الرتبة. ومع ذلك فإن أمر تبني القيم لا يعود الي المجتمعات كما ترغب، ولكنهم يتبنون أفضل ما يناسب مصالحهم (راجع أفول الأصنام، عدو الطبيعة، ٦، وأصل الأخلاق وفصلها، المقدمة، ٢). ١٦ إضافة الي ذلك، أن نيتشه يؤمن أن بعض من أوجه التشابه في الهياكل بين “المجتمعات الصحيحة”، خصوصا أنها تتكون من بعض الخصال الفسيولوجية المميزة التي تعنى بالمهام المختلفة (عدو المسيح، ٥٧)، وبالتالي فإن هذه المجتمعات تتكون من أفراد بمختلف المراتب.

ثانيا، لاحظ بأن نيتشه يصر على أن حقيقة أن الإنسان الأعلى الذي لديه واجبات يشارك سمات مهمة مع الفيلسوفان روسو وكانط اللذان يهاجمهم نيتشه بشراسة. مثل نيتشه في “ما وراء الخير والشر” ٢٦٥، كل من روسو وكانط يجادلون بأن إذا فهم الأفراد أنفسهم بصورة صحيحة سوف يعترفون بقيود أنانيتهم ويلتزمون بها. أن الرغبة العامة لروسو هي الرغبة المشتركة للمجتمع، والسبب الواحد الذي به يمكننا أن نقول هذا، لأنه يمكن التعرف بها بمعرفة الذات الحقيقية لأي فرد. فإذا اكتشف الأفراد ذاتهم الحقيقية وجعلوها توجه أعمالهم فإنها بطبيعة الحال ستوجه مع ما يتناسب مع الرغبة العامة. وبالمثل في اتباع كانط، أن الأفراد سوف يعملون بما يتناسب مع الضرورة الحتمية إذا لم يتبعوا نزوات شهواتهم، ولكن احترموا متطلبات رغباتهم العامة (وهذا بالنسبة لكانط هو عضو في العقلانية)، الذي تطلب منهم العمل لأسباب موضوعية محايدة عبر كل الأفراد. كل من روسو وكانط ونيتشه ياخذون الواجبات كتعبير عن الذات، لتفهم على نحو صحيح بدلا من وضع قيود عليها. هذه الأفعال التي على الفرد واجب عدم القيام بها هي نفسها تلك الأفعال التي لا تتناسب مع طبيعته، أنها مفهومة على النحو الصحيح. في حين أن نيتشه يصر في مناقشاته في “ما وراء الخير والشر” في “هذا هو الإنسان” أن الكتاب السابق هو نقد للحداثة، ويستكمل ميزة واحدة مهمة عن ماهية صفة النهج الأخلاقي في العصر الحديث، أي أن فكرة أن الواجبات كتعبير عن الذات، مفهومة على النحو الصحيح. ١٧

بالتأكيد هناك اختلافات كبيرة: قبل كل شي، كل من كانط وروسو يقدمون اعتبار القوة المعيارية وتنظمها باختصاص. أن الضرورة الحتمية تعتبر أنها تلزم لأنه بخلاف ذلك أن العقل يزعم أنه سيقع في نوع ما من التناقض مع ذاته. أن المفترض من الرغبة العامة أن تلزم الأفراد بالفضيلة وأن تكون رغبتهم هي نفسهم الحقيقية. أن اعتبارات نيتشه هي بخلاف هذه، فهي سطحية ومجازية لتقدم أي اعتبارات للواجبات وإذا كانت ملزمة، أو على الأقل أن ينظر إليها إذا كانت ملزمة للعملاء أنفسهم. هذه النقطة ستناقش بالتفصيل في الجزء السابع. إضافة الي ذلك، أن كانط مهتم بالقيود على الأفعال التي تخص كل المخلوقات العقلانية، روسو لديه قيود في الادني تخص كل المواطنين في المدن المستقلة سياسيا (مثل جنيف، التي هي تصور للعقد الاجتماعي)، في حين أن نيتشه يدعي أن الإنسان الأعلى سوف يميز نوعه، ويكرم ماهم عليه، ومرة أخرى، يصر أن العدالة مصاحب لها الازدراء لقيمة المساواة الأخلاقية، أن القيمة محورية وهي أيضا من سمات المنهج الأخلاقي في العصر الحديث.

ومع ذلك، أن نهج إيجاد مصدر الواجبات داخل الفرد هو مايميز نيتشه عن كانط وروسو في طريقتهم في معرفة أساس الواجبات. أولا، أن نهجهم يختلف من المنهج التوحيدي وان مصدر الواجبات هي في الشخصية الإلهية. ثانيا، أنه يختلف عن نموذج التعاون بين العقلانيين في حب الذات التي فيها صفة الاهتمام بالمصلحة الذاتية وتهتم بتقييد أفعالها على المدى القصير من أجل الاستفادة على المدى البعيد (وهي في اعتبارات كثيرة من شأنه أن يسفر عن شعور غير أخلاقي و محدود تجاه الواجبات، ولكن سوف يشرح سبب قبول هذه المعايير وبطرق مختلفة عن ما قدمه نيتشه من معرفة أساسيات واجبات الإنسان الأعلى).١٨

إن السؤال الثالث يطرح نفسه الآن هو عن مكانة الفوقية الأخلاقية في المقارنات التي يدعمها نيتشه.١٩ في حين أن نيتشه يطلق على فكرة “كل شيء يمكن دفعه” (أصل الأخلاق وفصلها الثاني، ٨) “ساذجة” وبالتالي يفترض أن تخضع للتفصيل، وان تعليقاته بشأن العدالة والرتبة في ظاهرها تبدو أنها مطالبات واقعية. بعد كل ذلك، أن نيتشه لا يصرح فقط بأفكاره تجاه العدالة ولكن هو أيضا يلاحظ أن الأشخاص بطبيعتهم يقومون بعملية التبادل بطرق تعكس المساواة في القيمة. وهذا يدل على أن أفعال الأشخاص من الطبيعي أن تقع في أنماط تتوافق مع الأحكام حول العدالة. أو تذكره في “تأمل في غير أوانه” الثاني، ٦، في حين أن نيتشه يميز رجل العدالة كمن لديه “رغبة الحقيقة”، وفي الحقيقة أن الرغبة تفترض تالف من الحكم في العدالة. مثل هذه الادعاءات تقدم آثار الواقعية الأخلاقية لجسد نيتشه، هذا المنظور الذي يجد الحقائق التقييمية في بنية العالم. بالرغم من ذلك، مثل هذه القراءة تتعارض مع الحضور القوي للغة المضادة للواقعية في كتاباته. أحد أوضح الأمثلة لهذه اللغة هي تصريحاته في “علوم مثلي الجنس” ٣٠١ والتي “أيا كانت القيمة في عالمنا فهي ليس لها قيمة في حد ذاتها، ووفقا إلى طبيعتها- فإن الطبيعة دائما لا قيمة لها، ولكن أعطيت لها قيمة في بعض الوقت كهدية- ونحن الذين أعطينا ومنحنا”.٢٠ ليتر (٢٠٠٢) يجادل بأن وجود مثل هذا المقطع في نصوص نيتشه يجب علينا أن نتوازن في القراءة له باعتباره مضاد للواقعية فيما يخص الواقعية: نيتشه الذي ينفي “وجود أي تبرير موضوعي لموقفه التقييمي” (١٤٦). في قراءة دقيقة للآراء المضادة للواقعية، نيتشه لن يقوم بادعاء أن الإنسان الأعلى في الواقع لديه واجبات، ولكنها مجرد الإحساس بالميل بأن يتصرفوا بطريقة معينة:علاوة على ذلك، فإن نيتشه لا يجادل بأن مفهوم العدالة ينعكس علي الحقائق الأخلاقية في العالم، ولكن، بدلا من ذلك، هو تعبير عن مواقفه الخاصة. ليتر لا يعتقد، بالرغم من ذلك، أن آراء نيتشه المضادة للواقعية لا تمتد لما يسمى بـ التعقل، “هو جيد لـ”، الاحكام، مثل هذه الأحكام التي “قطيع الأخلاق هي جيدة للقطيع”: “بدلا من ذلك، ينطبق موقفه المضاد للواقعية في “إعادة تقييم” الحكم الذي يلي هذه الأحكام من الرعاية الاجتماعية: هذا هو، الحكم الذي بسبب قطيع الأخلاق هو جيد للقطيع ولكن سيئ للإنسان الأعلى، قطيع الأخلاق (أو حكم العالمي لقطيع الأخلاق) هو سيء أو بلا قيمة” (١٤٧).

أن موضوع التزام نيتشه بالفوقية الأخلاقية كبير جدا لمناقشته هنا مع الاهتمام المطلوب، ولكن يجب علينا أن نتطرق إليه في سياق مناقشتنا للعدالة. ليتر قدم في مناقشته الأخيرة سياق جيدة للقيام بذلك. سوف أبدأ بتقديم ملاحظتين عن نقاشات ليتر والتي تؤثر على تقييمنا آراء نيتشه في العدالة. الملاحظة الأولى تهتم بواحدة من الأدلة النصية التي اقتبسها ليتر لدعم أطروحته المضادة للواقعية وهذا يستحق النظر إليه، لأنه يراها بأنها معنية مباشرة مع وضع الفوقية الأخلاقية للعدالة. (اسمحوا لي أضيف بعجلة، أن هذه بالطبع ليس الدليل النصي الوحيد الذي يعرضه ليتر). ليتر (٢٠٠٢، ١٤٧) يقتبس من “علوم مثلي الجنس” ١٨٤ بقول ” العدالة…هي بكل السبل مسألة ذوق، لا أكثر ولا أقل “، الذي يبدو وكأنه تطبيق مباشر للبيان الصادر من “علوم مثلي الجنس” ٣٠١ (الذي أنا فقط نقلته) عن العدالة. لو كان هذا في الواقع ما قيل في”علوم مثلي الجنس” ١٨٤، سوف تقدم دعما قويا لقراءات ليتر المضادة للواقعية. ومع ذلك، لا يوجد ربط بين مصطلح العدالة في اسنادها الي “هي بكل السبل مسألة ذوق، لا أكثر ولا أقل”، كما اقترح ليتر عند استدعائه للمقطع. المصطلح المستخدم باللغة الألمانية هو “Justiz”، الذي يدل حرفيا علي السلطة القضائية، ولكن عالم لغوي مثل نيتشه قد يكون ربما استخدم للدلالة على “العدالة”. ومع ذلك، أن مصطلح “Justiz” استخدم كعنوان في  “علوم مثلي الجنس” ١٨٤، وهو يتكلم عن تفضيل نيتشه لتقبل السرقات على وجود فزاعات منشورة حوله وأن قوله المأثور يقول إنها “مسألة ذوق، لا شيء أكثر”. هذا بالإجمال مبهم وغير حاسم ليقوم بدور(حتى ولو مجرد داعم) أن يكون نيتشه دليل المضاد للواقعية عن العدالة.

الملاحظة الثانية، تشكل ركيزة للرأي القائل بأن نيتشه ينبغي أن يقرأ على أنه مضاد للواقعية حول القيمة دون التعقل ولكن هذا ليس على وجه التحديد عن العدالة، هناك اهتمام بادعاء آخر من ليتر، وهي أن “لغة الحقيقة والزيف، والحقيقية وغير الحقيقة” تغيب بشكل واضح عن كتابة نيتشه في القيمة (١٥٤). على الرغم من ذلك، مثل هذه اللغة لم تغب من نقاشات نيتشه في القيمة. في “هذا هو الإنسان”، يشتكي نيتشه من أن “المرء حرم الواقع من قيمته، معناها، الصدق فيه، وبالضبط إلى أي مدى يمكن للمرء أن يخترع عالم مثالي خيالي. (…) وكذبة أن المثالية هي حتى الآن كانت لعنة على الواقع “(المقدمة ٢)، والتركيبات المماثلة التي يصل فيها نيتشه القيمة الحقيقية وهو ما يبدو لأن الحقيقة يمكن العثور عليها في “أفول الأصنام”، مناوشات، ٣٢ (“ما هو أكثر عظمة من  قيمة الرجل الحقيقي، مقارنة مع أي رغبة مجردة، يحلم عاليا، ملفقة بقسوة الرجل الشديدة ؟ مع أي رجل مثالي؟ وأنه فقط الرجل المثالي الذي يسيء لذوق الفلاسفة”.): “عدو المسيح” ١٥ (حيث نيتشه يشكو من أن المسيحية “تقلل من قيم” العالم الحقيقي)؛ كما في “عدو المسيح” ٩ و”هذا هو الإنسان”، المصير، ٧. وتشير جميع هذه المقاطع أن نيتشه، على الرغم من إصراره على أن “نحن” نحقق القيمة في العالم، وعلى الأقل يأخذ تقييمات له (وخصوصا عندما تتكون من وجهة نظر العدالة) ليكون على علم بالحقائق، والمزيد في هذا السياق، وأنه يشعر بأحقيته في صرف التقييمات الأخرى إذا كانت بعيدة جدا عن ما يراه حقيقية. وبعبارة أخرى، يبدو أن نيتشه يعتقد بأن المواقف التقويمية يمكن الحكم عليها على نحو أفضل أو أسوأ من ذلك تبعا لمدى استجابتها إلى الحقائق.

إن وجود مثل هذه المقاطع يبدو فعلا أنه من الصعب أن ننكر أن نيتشه يعتقد أن هناك أهمية للحقائق في عمليات التقييم. على وجه الخصوص، بقدر ما يتعلق الأمر بالعدالة، هذا النوع من الحياد مطلوب للعدالة ويجب على الأقل أن تأخذ الحقائق على ما هي عليه، وربط المطالب التي تبذل من أجل وجهة نظر العدالة والتي تعتمد على ما إذا كانت تأخذ الحقائق بعين الاعتبار. للتاكيد، ما دامنا أخذنا الواقعية الأخلاقية ليتم تعريفها على أنها منظور يجد الحقائق التقييمية في نسيج العالم، ومثلها نقلت فقط ويمكن استيعابها. لذلك يمكن القول أن المؤكد، أن نيتشه نفسه قدر الواقع أكثر من تقديره للعوالم الوهمية، ولكن هذا لا يعني أن حكمه على القيمة في حد ذاته يعني أنها واقعية. ومع ذلك، فإن وجود مثل هذه المقاطع لا يتوافق بسهولة مع إسنادها الي نوع من الواقعية المضادة حول القيم غير الاحترازية التي بالنسبة لنيتشه لا يفشل فقط لإنكار وجود الوقائع الأخلاقية، ولكن ينكر أيضا بعض التقديرات التي (يفترض أنها خاصة به) تقف في بعض العلاقات التفضيلية فى الحقائق (بمعنى أنه يعتقد أنها أكثر قبولا لدمج الحقائق، أو أفضل في دعم الحقائق، معاكسة لوجهات النظر الأخرى التي تفشل باختصار هذا الشأن) والتي تدعي على الآخرين فضيلة الوقوف في مثل هذه العلاقة. أن توجه ليتر المضاد للواقعية وتبدو أنه من هذا النوع الأخير. وأيضا، ليتر يعتقد أن نيتشه “يجب أن ينكر في نهاية المطاف أن هناك أي تبرير موضوعي لموقفه التقييمي” (١٤٦). هذا الرأي يقلل من الإصرار على حقيقة الاستجابة التي يبدو أنها تميز موقف نيتشه في الفوقية الأخلاقية .٢١

ومن المؤكد أن هذه المقاطع لا تقدم استنتاج مفاده أن نيتشه كان واقعيا حول القيمة، ولكنها تشير إلى أن نيتشه يعترف بفكرة الموضوعية في القيم التي يمكن تطويرها إما في إطار الواقعية أو إطار المضاد للواقعية (والذي من شأنه أن يكون مفهوم للموضوعية الأخلاقية دون الالتزام بالوجودية في علم الوجود). عند ليتر، ترتبط هذه من حيث تعريف اللاواقعية وعدم توافر فكرة الموضوعية، وهذا النوع من الرأي (المرء  لا يمنح حتى باعتراف ما يعترف به نيتشه من فكرة الموضوعية) ومن الصعب أن يتفق الشخص مع ما يقول نيتشه.٢٢

ليتر (٢٠٠٢) لديه إجابة ملفتة لمثل هذه المخاوف التي تخص نيتشه باعتباره مضاد للواقعية في فهمه. ليتر (راجع ٦١-١٥٩) يشير إلى أن هناك مجموعة أخرى من المقاطع التي تحتاج إلى دمجها في مناقشات نيتشه في الفوقية الأخلاقية، وخصوصا، إنكاره أهمية الحقيقة. (على سبيل المثال: “إن زيف الحكم هو بالنسبة لنا ليس بالضرورة هو الاعتراض على الحكم”، ما وراء الخير والشر ٤). معظم الناس، كما يدرك تماما نيتشه، لن يشاركوا رأيه بعدم أهمية الحقيقة (وان نيتشه نفسه يعتقد أن ما يهم هو ليس ما إذا كان الادعاء صحيحا، ولكن ما إذا كان الاعتقاد أنها تدعم شكل معين من الحياة). وفقا لـ ليتر، عندما يكتب نيتشه كما لو انه يستخدم البيانات الواقعية لتحمل أحكام القيمة، وهو يتحدث إلى مثل هؤلاء القراء، يحاكي، من أجل الحجة، و أن افترض فوقية أخلاقية الموقف دون إلزام نفسه إلى هذا الموقف. وهذا هو، أن نيتشه يكتب على الأقل في بعض الأحيان للجمهور الذي يعتقد أن البيانات الواقعية تحمل أحكام القيمة، ويحاول دحض هذه الأحكام قيمتها بالرجوع إلى الحقائق، وبالتالي من حيث الاستدلال بمفاهيم أن يتقبلها هؤلاء القراء (ولكن ليس نيتشه نفسه).

على الرغم من ذلك، هذه الخطوة لديها إشكالية لسببين. أولا، أنه يقدم وصفة لإنكار أهمية المقاطع التي تتعارض مع قراءات ليتر المفضلة لنيتشه: ومتى ما كانت المقاطع لا توافق القراءة، فإنها يمكن تصنيفها على أساس أنها موجهة للقراء الذين لا يتفقون مع بعض وجهات نظر نيتشه ولكن يرغب في إقناعهم بشيء بغض النظر عن هذا الخلاف. وهذا في حد ذاته ليس حاسم، لأنه على الرغم من وجود هذه السمة للتأكيد فقط، وهذا بالطبع قد يكون بالضبط ما يريد أن يقوم به نيتشه. ومع ذلك، أن الإشكالية الثانية، هي أن المقاطع في المسألة هنا ستوجه الي القراء الذين لا يبدو أن نيتشه حريصا على التواصل معهم في المقام الأول. على سبيل المثال، يشير البيان الأول من “عدو المسيح” إلى أن هذا الكتاب ينتمي “إلى أكثر الرجال ندرة”. وهذا، أحد الكتب التي فيها بعض تلك المقاطع الناقدة التي ذكرت فيما سبق أن محتواها وجهت بالتحديد ليس إلى أولئك الذين، وفقا لـ ليتر، كتبت لهم. في “ما وراء الخير والشر” ٣٠، نقرأ أن “أعلى رؤيتنا لابد من وينبغي أن تكون مثل الحماقات وأحيانا مثل جرائم الذين يسمعوا دون الإذن من قبل أولئك الذين لا استعداد لديهم ولا مقدرة”، مما يجعل مرة أخرى من الصعب تصديق أن نيتشه سيكتب لجمهور آخر غير الأقلية الذين يمكن أن يفهموه. وفي “علوم مثلي الجنس” ٣٨١، يشير نيتشه إلى أن “المرء لا يرغب فقط أن يكون مفهوما عندما يكتب: المرء يتمنى بالتأكيد أن لا يفهم”، ويعتمد، فمن المعقول أن نضيف، للقارئ. أن صعوبات فهم كتاب، لذلك يذهب نيتشه إلى القول، لا تتكلمون ضد كتاب، لأن المؤلف قد لا يكون يحاول أن يجعل نفسه مفهوما من قبل “أي شخص”، ومرة أخرى نشير إلى أن نيتشه لا يكتب لـ “أي شخص”.

ليتر (راجع ١٤٨/١٤٧) هو على علم أن هذه المقاطع تشير الي دعم رأيه عن أن نيتشه هو مضاد للواقعية حول القيم غير الاحترازية. ومع ذلك، فإن وجود هذه المقاطع عن جمهور نيتشه المقصود يجعل من الصعب تفسير وجود تلك المقاطع التي تربط البيانات الواقعية وبيانات القيمة من حيث اهتمام نيتشه للوصول إلى الجمهور الذي لا ينتمي إلى النخبة القليلة الذين يفهمون أفكاره. هذه الخطوة، لا تساعد على حل المخاوف بشأن ليتر وإصداره المعين عن قراءة نيتشه باعتباره مضاد للواقعية حول القيمة.

 

 ملاحظات وإضافات الكاتب الجزء “٦”:

١٦- لجعل هذا المنظور متوافق مع ثناء نيتشه منظور الموضوعية المحايدة للعدالة فإن المرء لابد أن يفترض أن هذه الموضوعية تستوعب خصوصيات المجتمعات في تقييمها للرتبة.

١٧- ما اقوله عن كانط في هذا المقطع يجب أن يكون لا جدال فيه. وفيما يخص رغبة روسو العامة، اني اتبع

(Gopal Sreenivasan “What Is the General Will?” Philosophical Review 109 (2000

١٨-  هنا جون ريتشاردسون (2004,Nietzsche’s New Darwinism [Oxford: Oxford University Press) يعبر عن فكرة ذات صلة. يقول بأن آراء نيتشه تنتمي لنظريات الاخيرة للفوقية الأخلاقية التي اسمتها “نظريات المنطق العملي”، التي بموجبها الموضوعية في الأخلاق أمر ممكن تنفيذه، ولكن لا يعتمد عن مطابقته للنظرية المستقلة للسلع الحقيقية، ولكن في الممارسة السليمة للأسباب العملية (راجع ١٢٤). ممارسة الأسباب بشكل سليم يمكن أن يفهم من طريقة كانط أو هوبز، وهذا يعتمد إذا كانت الأسباب موجه بأسباب صريحة أو بالمصلحة الذاتية. ريتشاردسون يقترح أن نيتشه احدث “علم جديد في المنطق العملي”، الذي يوجه الأفراد في بحثهم لـ “التجميل الشخصي” الخاص بهم (١٢٥) بأسلوب مطلع على حقائق عن تطور الجنس البشري والثقافة الذي قدمه العلم.

١٩- أناقش هنا وضع الفوقية الأخلاقية في آراء نيتشه عن العدالة، وهذا بسبب أن هذا الموضوع يظهر بشكل طبيعي في هذه المرحلة وأيضا بسبب وجود الكثير من الاهتمام عن التزام نيتشه بالفوقية الأخلاقية، وعلى وجه الخصوص مدعومة من أبحاث ليتر عن (نيتشه في الأخلاق)، وهو بدوره يقدم نوع معين من الدعم النصي لآرائه التي تهتم بالعدالة (بين أجزاء أخرى من الأدلة). ومع ذلك، في حين أن طبيعة النقاش في هذا المجال هي نوعا ما معقدة، سوف اقوم بالسعي في توضيح بعض التفاصيل في المقطع التالي.القارئ الذي بلا اهتمام بمسائل الفوقية الأخلاقية يمكنه الانتقال الي الجزء السابع.

٢٠- قارن بين “الفجر” ٣ و “أفول الأصنام” محسنات ١.

٢١- ريتشاردسون (الداروينية الجديدة لنيتشه) تقدم نفس النقطة (راجع ١١٤).

٢٢- Maudemarie Clark and David Dudrick (“Nietzsche and Moral Objectivity,” in

Nietzsche and Morality, ed. Brian Leiter and Neal Sinhababu [Oxford: Oxford University

Press, forthcoming]) طوروا آراء عن أن نيتشه هو عدو الواقعية وهو على الرغم من ذلك يؤكد على مفهوم الموضوعية. وهذا الرأي ليست وجهة نظر شائعة في الفوقية الأخلاقية المعاصرة: لكلا من

Allan Gibbard (Wise Choices, Apt Feelings: A Theory of Normative Judgment [Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1990]) and Simon Blackburn (Ruling Passions: A Theory of Practical Reasoning [Oxford: Clarendon, 1998]).

يقدمون آراء ليست واقعية ولكن مع ذلك يذهبوا لتأسيس مفهوم الموضوعية في الأخلاق بدون طرح علم الوجود الذي سيكون بمثابة نقطة مرجعية لهذه الفكرة: في محاولة استيعاب “الذرائع الموضوعية” للخطاب الأخلاقي، انظر الي Mark Timmons

  .([Morality without Foundations (New York: Oxford University Press, 1999)

٧. في أعلاه أشرت إلى أن اعتبارات نيتشه للواجبات في “ما وراء الخير والشر” ٢٦٥ لا يقدم أي اعتبار موازيا لاعتبارات روسو أو كانط التي من شأنها أن تفسر لماذا الواجبات التي من افتراضاتها ملزمة، أو على الأقل قد ينظر إليها على أنها ملزمة من قبل العملاء. والآن سنضغط على هذه النقطة أكثر. والآن سوف أشرح ما يمكن أن نأمل إيجاده في أعمال نيتشه. أن نيتشه منبهر من ظهور علوم البيولوجيا الناشئة في أيامه، ولا سيما البيولوجيا التطورية وعلم وظائف الأعضاء. أن أحد أهدافه في كتاباته في ثمانينات القرن التاسع عشر هو اقتراح آليات من النوع الذي يمكن أن يفسر مثل هذه التخصصات وفيما يتعلق بظهور تفسير لنوع علم النفس الأخلاقي الذي يرفضه، وخاصة علم النفس الأخلاقي الكامن وراء المسيحية.

واقترحت في مكان آخر قراءات لاعتبارات نيتشه عن الشعور بالذنب والاستياء في هذا السياق (انظر ريس [٢٠٠١] و [٢٠٠٣]). أن نيتشه لا يعلن ببساطة لقرائه أنه يحمل معيارا لتقييم وفقا للصفات التي شكلت الذنب والاستياء والتي يتم رفضها في حين أنواع أخرى من الصفات يثني عليها: كما أنه يقدم تفسيرا بتفكير علمي لكيفية حدوث أن “الرعاء” يمكن أن تجعلهم يعتقدون أنه كان “النوع الوحيد من الرجال المسموح لهم” (ما وراء الخير والشر ١٩٩). والسؤال الطبيعي الذي يجب طرحه في هذه المرحلة هو ما إذا كان نيتشه يقدم تفسيرا من هذا النوع لكيفية أن يكون الإنسان الأعلى يمكنه التصرف وفقا الواجبات والحقوق – وهو أمر من شأنه أن يضع خلاصة التفكير العلمي لهذا الحديث المجازي حول “الميكانيكا السماوية الطبيعية” في “ما وراء الخير والشر” ٢٦٥. لذلك ما نطرحه هو ما إذا كان نيتشه لديه قصة تطبق برنامجه الطبيعي في “تنقل الرجال إلى الطبيعة” (ما وراء الخير والشر ٢٣٠) لمسألة تطوير الحقوق والواجبات، وبالتالي إلى العدالة، بنفس الطريقة التي يطبق فيها أيضا هذا البرنامج على الأسئلة المذكورة للتو. وبعبارة أخرى، هل لدى نيتشه قصة تخبرنا عن سبب اتخاذ الإنسان الأعلى إخضاع أنفسهم للواجبات؟ (يجب أن يكون واضحا أن هذا السؤال ينشأ بغض النظر عما إذا كنا نأخذ نيتشه علي أنه ذو فوقية أخلاقية و واقعي أو مضاد للواقعية.)

أن نيتشه يقدم ما يمكننا أن نأخذ مثل هذه الاعتبارات في “الفجر”، حيث يقدم لنا “التاريخ الطبيعي للحقوق والواجبات”:

واجباتنا- هي حقوق الآخرين علينا. كيف اكتسبوا هذه الحقوق؟ من خلال اتخاذنا لنكون قادرين على التعاقد والمجازاة، من خلال وضعنا على نحو مماثل و مساوي لهم، وهذه نتيجة ائتمانا بشيء ما، من تعليم، توبيخ، ودعم لنا. ونحن نفي بواجبنا – أي أن نقول: أننا نبرر فكرة سلطتنا التي منحت لنا لكل هذه الأمور، ونعيدها بقياس ما منحنا. وهذا هو فخرنا [Selbstherrlichkeit] الذي يقدم لنا عندما نفعل واجبنا – عندما نفعل شيئا للآخرين في مقابل شيء لقد قاموا به لأجلنا، ما نقوم به هو استعادة احترام ذاتنا- في فعل شيء لنا، فإن هؤلاء الآخرين قد عرقلوا محيط سلطتنا،، وكان من الممكن أن يكون لهم يد في ذلك إذا لم نؤدي “واجبنا” ونجازي، وهذا يعني، عرقلة سلطتهم. -حقوقي – التي هي جزء من سلطتي التي الآخرين لم يعترفوا بها فقط، ولكن يرغبون مني الحفاظ عليها. كيف يتوصل هؤلاء الآخرون إلى ذلك؟ أولا: من خلال الحكمة والخوف والحذر: و إذا ما كانوا يتوقعون شيئا مماثلا منا في المقابل(…)، أو في اعتبارهم أن الصراع معنا سيكون محفوفا بالمخاطر أو بلا غرض. أو أنهم يروا في أي نقصان لقوانا هو ذو ضرر لأنفسهم، لأننا بعد ذلك سوف نكون غير مناسبين لتشكيل قوة تحالف معهم في مواجهة عدو ثالث معادي. ثم: عن طريق التبرع والتنازل. في هذه الحالة، والبعض الآخر لديه ما يكفي وأكثر من القوة ليكون قادر على نشر بعض منها، وتكون ضمان له بإعطاء جزء الذي أخذوه: وبفعل ذلك يفترضون إعطاء إحساس ضعيف بالقوة في نفسه، مما يتيح له التبرع به. وهذه هي الطريقة التي تنشأ بها الحقوق: درجات السلطة المعترف بها والمضمونة.(الفجر ١١٢)

إن الاهتمام هنا ليس محددا مع الإنسان الأعلى ، ولكن من المفترض أن ينطبق عليهم أيضا (وجود الحقوق والواجبات، بالطبع، أيضا بين مجموعات مختلفة من النظراء، كما هو واضح من “أصل الأخلاق وفصلها” الثاني، ٨). يأتي هذا المقطع بعد وقت قصير من “الفجر” ١٠٣، حيث يشرح نيتشه أن هدفه هو استكشاف الآليات التي تمثل ظهور الدوافع الأخلاقية. وهذا مثال واحد على هذا المشروع.

دعونا نرى ما جعل هذه الاعتبارات من الحقوق والواجبات – على وجه التحديد، في روح النظرة الطبيعية لنيتشه، ماذا نفعل لهذه الاعتبارات من السلوك وفقا لما نفهم أنها عادة ما تكون حقوق وواجبات. (على أي حال، بالنسبة إلى نيتشه، الأخلاقيات هي “تأثير لغات الإشارة” ما وراء الخير والشر ١٨٧).  و سأقتصر على مناقشة مفهوم الواجب. وتنطبق الاعتبارات الموازية على الحقوق. وفقا لـ “الفجر” ١١٢، التفاعل الفردي ينطوي على التداخل في “محيط سلطة” بعضنا البعض: كلما فعل شخص ما شيئا لنا، أو أعطي شيئا لنا، أو ساعدنا، فإنها وسعت نطاق أنشطتها بطريقة تؤثر علينا بشكل وثيق و تقيدنا. والطريقة الوحيدة للتخلي عن هذا التدخل، ومن ثم جعلنا متكاملين مرة أخرى، هي بتوسيع نطاق أنشطتنا بطريقة تؤثر تأثيرا وثيقا عليها وتقيدها، وبالتالي تلغي الاختلال الذي تحقق. وعلينا أن نعيد ما تلقيناه، أو شيئا ذا قيمة مماثلة. و إعطاء كل المبالغ المستحقة لاستعادة محيط السلطة الشخصي. إن دوافع الفرد لإتمام الواجب هو فخرها المتأثر مع تداخل مع محيط سلطتها. وهذه هي الآلية التي قد تتمثل في “الميكانيكا السماوية”.

ولكي نفهم هذا الحديث عن الواجبات، دعنا نوضح أولا حديث نيتشه عن “محيطات السلطة”. ولتحقيق هذه الغاية، من المفيد أن نناشد ما أسماه ليتر (٢٠٠٢) بمذهب نيتشه “مذهب الأنواع” (انظر ٨-١٠)، الذي ينص على أن لكل فرد دستور نفساني ثابت يحدده نوعه من الأشخاص. والحقائق عن نوع واحد تشرح معتقدات وقيم المرء. وعلى وجه الخصوص، أن “أفكارنا، وقيمنا، كل” نعم “،” لا “،” إذا “و” لكن” تنمو منا بنفس الضرورة التي تحمل بها الشجرة ثمارها – كلها متصلة، وكل منهما ينجذب للآخر، وتشهد على إرادة المرء وصحته وأرضه وشمسه (أصل الأخلاق وفصلها، مقدمة، ٢). مع وجود هذه العقيدة في مكانها، يمكننا أن نقترب من مفهوم السلطة. أن قوة الفرد هي قدرته على خلق الظروف المثلى لدستوره النفسي (أو نموه في الأنشطة، كما ريتشاردسون (١٩٩٦، ٢١) وبذلك يضعها، حيث الأنشطة ذات الصلة بها يعرف ما هي سمة نوع الفرد). وكما يقول لنا نيتشه في “أصل الأخلاق وفصلها” الثالث، ٧، “كل حيوان (…) يسعى غريزيا لتحقيق أفضل الظروف الملائمة التي تطلق سراح سلطته تماما لتحقيق أقصى قدر من شعور السلطة: كل حيوان يمقت على نحو غريزي وعلى حد سواء، بشعور حاد بشم “أعلى من كل الأسباب،” أي نوع من الاضطراب والعوائق التي تمنع أو يمكن أن تمنع طريقه إلى المستوى الأمثل “. وهذا بدوره، يقدم تفسيرين لـ “محيطات السلطة” وبالتالي واجباتها. أما محيط السلطة فهو إما نطاق النشاط الذي يقوم به الشخص في ظل الظروف المثلى من النوع المذكور في هذا الاقتباس، أو بدلا من ذلك، مجموعة من الأنشطة التي يقوم بها الشخص تحت قيود (“الظروف العادية”). لا شيء يعتمد على أي من التفسير نختار. فإن كبرياء الفرد يهان، أو على الأقل يتحدى، عندما تتأثر مجال سلطته، إلا إذا كان من شخص ما يريد أن يفعل لها خدمة. ومرة أخرى، ما يصفه بواجباته هو شرح للسلوك الذي نربطه بتنفيذ الواجبات، ونفعل ذلك من حيث الرغبة، وهذا بناء على المصطلحات الفسيولوجية.

٨. ولكن ما مدى نجاح اعتبارات السلوك المطيع؟ لاحظ أولا أن هذا الاعتبار يعمل فقط في حالة أولئك الذين تقريبا متساوون . وإلا فإن الفخر وانتهاك محيطات السلطة قد لا يتطابقان. وعلى سبيل المثال، إذا كنت عالم رياضيات وتلقيت الكثير من المساعدة من كارل فريدريش غاوس أو ديفيد هيلبرت، فإن التعدي على محيط سلطتي جدير بالاعتبار لأن مساعدتهم يفترض أنها استثنائية. ومع ذلك، وبما أن هؤلاء علماء رياضيات متميزين، فإن كبريائى لايحتاج أن يتأثر كثيرا، كما هو الحال بالتأكيد إذا قامت طالبة السنة الثانية في الجامعة وحاولت حل مشكلتي في الرياضيات. وفي الوقت نفسه، في حالة طالبة السنة الثانية، قد لا يتأثر محيط سلطتي كثيرا إذا تبين أن مساعدتها لا قيمة لها. هذه النقطة لا تثير مشكلة بالنسبة لنيتشه، لأنه فقط يتصور أن هذه الاعتبارات ناجحة لحالة المساواة. ومع ذلك، فمن الجدير على الأقل ذكر أن هذا القيد هو أيضا يعمل داخليا لاعتبارات ذاته.

ومع ذلك، هناك على الأقل اثنين من المخاوف الجدية بشأن اعتبارات نيتشه. أولا وقبل كل شيء، فمن المحير لماذا قيامي بمصلحة لك تساعدني في استعادة محيط سلطتي، الذي انتهكت في الأصل عندما فعلت مصلحة لي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يشبه السؤال الذي يحدث حول الاعتبارات العقابية للعقوبة، أي لماذا فعل X إلى مرتكب ارتكب بنفسه X به سيتم”استعادة” حالة موجودة من قبل، أو ما إذا كانت الحالة الناتجة تكون ارتكبت فيها X مرتين. وبالمثل، فعلي خدمة لصالحك بعد أن فعلت لي واحدة من الممكن أن لا تستعيد أي شيء ولكن قد تنتج حالة تم فيها انتهاك محيطين من القوى. لاحظ أيضا أن الكلمة الألمانية في “الفجر” ١١٢ التي ترجمتها على أنها “فخر” هي Selbstherrlichkeit – الذي يدل حرفيا على ممتلكات وجود سيطرة على الذات. وبقدر ما يبدو من المشكوك فيه أن الانتهاك الثاني من شأنه أن يعيد الحالة التي لا تنتهك فيها أي محيط للسلطة، يبدو أيضا مشكوكا فيه فيما إذا كان العملاء أنفسهم سيعتبرون هذا التعدي الجديد بمثابة استعادة السيطرة على الذات.

والقلق الثاني حول اعتبارات نيتشه هو أنه يمكنه فقط أن يستوعب نوع معين من الواجب، الذي فيه يجب على الأفراد أن يفعلوا شيئا للآخرين لأن هؤلاء فعلوا شيئا لهم أولا. أي أن الاعتبارات يمكن أن تستوعب فقط ما يسمى الواجبات الإيجابية، وليس حتى كلها، ولكن فقط الواجبات الإيجابية التي تستجيب للإجراءات المفيدة للآخرين. والواجبات السلبية (أي واجبات الامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة) لا يمكن أن تستوعبها هذه الاعتبارات. وبالنسبة للعديد من الفلاسفة، فإن القصور في الحقوق والواجبات التي لا يمكن أن تستوعب الحقوق والواجبات السلبية أمر غير كاف لأنه يغفل الحالات التي نهتم بها أكثر من غيرها. ومع ذلك، ربما لا يحتاج نيتشه إلى مثل هذه الواجبات ويقصد عمدا اقتراح اعتبارات لتنقيح الحقوق والواجبات التي لا تشمل الحقوق والواجبات السلبية. وعلى وجه الخصوص، فإن الإنسان الأعلى يدينون لبعضهم البعض بتجاوزات في محيط السلطة، ولا توجد حقوق أو واجبات أخرى. ولكن إذا كانت هذه وجهة نظر نيتشه في وقت كتابته لـ “الفجر”، فقد غير نظرته عندما كتب “ما وراء الخير والشر” ، وحتى هذه الاعتبارات لا يمكن احتسابها بين آراء نيتشه الناضجة. في”ما وراء الخير والشر” ٢٥٩، نقرأ:

الامتناع المتبادل عن جرح بعضهم البعض، من العنف، ومن الاستغلال، ووضع إرادة المرء في نفس المستوى من الآخر: وهذا يمكن في شعور بسيط أن يصبح العرف جيد بين الأفراد، إذا تم إعطاء الظروف لهؤلاء (وهي، التشابه الحقيقي في كمية قوتهم وتقديراتهم للقيمة، فضلا عن انتمائهم معا داخل هيئة واحدة). ومع ذلك، بمجرد أن يحاول أحد أن يمدد هذا المبدأ، وربما حتى المبدأ الأساسي للمجتمع، فإنه سيكشف فورا ما هو عليه، كإرادة حرمانه من الحياة، كمبدأ لـ التفكك والتدهور. هنا يجب أن نفكر من خلال الأساسيات ودرء جميع الضعف العاطفي: الحياة نفسها هي في جوهرها مخصصة لغرض استيلاء وسحق الغرباء والضعفاء، والاضطهاد، والصلابة، وفرض تشكيله الخاص، وإضافة على أقل تقدير، باعتدال، استغلالها. (…) حتى تلك الهيئة، كما كان مفترضا سابقا، حيث يعامل الأفراد بعضهم البعض على قدم المساواة – وهذا يحدث في كل الأرستقراطية الصحيحة – يجب أن يكون الفرد ذاته، فإذا كان جسم حي ولا يموت، وبسبب كل هذه الأشياء للأجسام الأخرى التي يمتنع فيها الأفراد من معاملة بعضهم البعض بالأفعال: يجب أن تكون الإرادة مجسدة للسلطة (…).

في هذا المقطع المخيف، يوضح نيتشه أنه يعتقد أن الإنسان الأعلى يؤيدون الواجبات السلبية والحقوق المقابلة: وهم يمتنعون عن إيذاء بعضهم البعض. ولكن هذا لا يمكن استيعابه من خلال اعتبارات الحقوق والواجبات في “الفجر” ١١٢. ولذلك، فإن الاعتبارات السلوكية للحقوق والواجبات التي نجدها في “الفجر” ١١٢ لا يمكن توضيح نيتشه “الميكانيكا السماوية” من “ما وراء الخير والشر” ٢٦٥. أنا لست على علم بأي مقاطع أخرى في أعمال نيتشه التي من شأنها سد هذه الفجوة. هذا لا يعني أن مثل هذا الاعتبارات لا يمكن تقديمها، ولكن نيتشه لا يفعل ذلك بنفسه، وبالتالي يترك الأمر غامضا فقط لماذا يجب على الإنسان الأعلى الالتزام بالواجبات. ما هو المتاح، بطبيعة الحال، هو اعتبار للتعاون بين عملاء المصلحة الذاتية، حيث يلتزم العملاء بالقواعد التي تتطلب التضحيات على المدى القصير من أجل المنافع المتبادلة على المدى الطويل. ولعل هذا هو أفضل سبيل لمتابعة شخص مهتم في تقديم اعتبارات علمية من السلوك وفقا للحقوق والواجبات، ولكن يبدو أن نيتشه كان مهتما بنوع مختلف من الاعتبارات. وعدم وجود هذا نوع من الاعتبارات التي يبدو أن نيتشه مهتما بها ولا يقوض التزام بالرأي القائل بأن الإنسان الأعلى يخضع لحقوق وواجبات. ومع ذلك، فإن مثل هذه الاعتبارات قد يضيف المزيد من الوحدة إلى وجهات نظر نيتشه، وبدون ذلك، فإنه يترك مطالبة مهمة لا أساس لها من الصحة.

 

 


المصدر