الكاتب | كيرت سميث |
المترجم | ناصر الحلواني |
تعد الأفكار من بين أهم عناصر فلسفة ديكارت. حيث أنها توحِّد بين نظريتيه الأنطولوجية والمعرفية. ففي رسالة إلى جيوم جيبيوف (1583 – 1650)، بتاريخ 19 يناير 1642، يقول: “أنا على يقين من أنني لا أستطيع معرفة ما هو خارج عني إلا عن طريق الأفكار التي داخلي”.[1] لم ينشر ديكارت قط أي عمل خاص بنظرية للأفكار. ومع ذلك، فقد قال ما يكفي عنها في أعماله المنشورة وغير المنشورة، وكذلك في مراسلاته، مما يسمح بإعادة بناء أساسي لنظرية في الأفكار عنده. سيركز هذا المدخل بشكل رئيسي على نظرية الأفكار وكيف ترتبط بأنطولوجيا ديكارت، على الرغم من أنه في القسم 6 من هذا المدخل، والذي يتضمن مناقشة الطبائع البسيطة ومفهومي الوضوح والتميز عند ديكارت، تُطرح بإيجاز بعض مكونات نظريته المعرفية. لمزيد من المعلومات حول نظرية المعرفة، راجع مدخل: نظرية المعرفة عند رينيه ديكارت.
جدول المحتويات
________________________________________
1. الأفكار كأحوال للتفكير
وفقا لأنطولوجيا ديكارت هناك: جواهر، وصفات، وأحوال. وهي تُفهم بالنسبة لبعضها البعض، من حيث التبعية الأنطولوجية. تعتمد الأحوال على الصفات، وتعتمد الصفات على الجواهر. وعلاقة التبعية علاقة متعدية، بالتالي، تعتمد الأحوال، في نهاية الأمر، على الجواهر. فحيث لا جوهر، لا أحوال. في كتابه مبادئ الفلسفة، فقرة 53، يقول ديكارت إن الحال “صفة” (AT VIIIA 25; CSM I 210)، ويقول في الفقرة 52 إن الصفة “تستلزم” جوهرا موجودا. ويُفهم حال الشيء، بحسب ديكارت، باعتباره طريقة وجود هذا الشيء. لذا، حيثما تكون X جوهرا، فإن M تكون هي طريقة X في الوجود. مع ذلك، ففي الفقرة 52 يقول أيضا أنه لا يمكن للجوهر المجرد من صفاته أن يُعرف بواسطة العقل الإنساني. والصفات، في الواقع، هي ما تجعل الجواهر الموجودة مفهومة للعقل الإنساني. ويعاود تأكيد ذلك في الفقرة 62، حيث يقول أنه لا يوجد تمييز بين الصفة والجوهر الموجود إلا في العقل. (AT VIIIA 30; CSM I 214) ويشير هذا بقوة إلى أنه برغم ما قد يُجريه المرء من تمييز تصوري بين صفة وجوهر موجود، إلا أن الاثنين ليسا متميزين في الواقع. إنهما في الحقيقة الشيء نفسه. (Nolan 1997, Hoffman 2002) وبالتالي، إذا كان الحال M هو طريقة وجود X، حيث X هي الجوهر، فإن قابلية فهم X تتطلب أن نتصور صفة ما A. ولهذا، بالمعنى الدقيق للكلمة، يُفهم الحال M على أنه حال الصفة A، حيث A هي الصفة التي يتم من خلالها تصور الجوهر الموجود X (حيث المفترض أن يكون A وX متطابقين في الواقع).
يقول ديكارت: إن طبيعة العقل هي التفكير. إذا لم يكن الشيء يفكر، فهو ليس عقلاً. من حيث أنطولوجيا ديكارت، فإن العقل جوهر موجود (متناهي)، والفكر أو التفكير هو صفته. طالما أن طبيعة العقل هي التفكير، حيث الفكر هو السمة المحددة للعقل، فإن ديكارت يسميه الصفة الرئيسية للعقل (AT VIIIA 25; CSM I 210–11). الفكرة هي حالة تفكير. بكونها حالة تفكير، تُفهم الفكرة على أنها طريقة كونها (حالة) تفكير، أو أن الفكرة هي الطريقة التي تُظهر حال التفكير. وهذا مشابه لما يقوله ديكارت عن الجسم، عن صفته الرئيسية، وأحواله. إن طبيعة الجسم أن يكون ممتدًا (في الطول، والعرض، والعمق). الجسم هو جوهر (متناهي)، والامتداد هو صفته. ولأن الامتداد هو السمة المحددة للجسم، فإن ديكارت يشير إليه باعتباره الصفة الرئيسية للجسم. إن الشكل هو حال للامتداد. وهذا يعني أن الشكل هو طريقة كونه ممتدًا، أو طريقة تظهر بها حالة من حالات الامتداد. وعلى هذا فإن الشكل بالنسبة للامتداد هو كالفكرة بالنسبة للفكر. ويذلك، فإن الشكل يفترض الامتداد، والفكرة تفترض التفكير، حيث تفترض كل صفة أساسية وجود جوهر .
وطالما أن الأفكار أحوال، فإنها تكون في أدنى درجة في سلم ديكارت الأنطولوجي. ويمكننا أن نقارن هذا بنظرية أفلاطون، على سبيل المثال، التي تصنف الأفكار باعتبارها جواهر، تحتل الدرجة الأعلى من السلم الأنطولوجي. ومع ذلك، فبينما يرى أفلاطون أن الأفكار هي الأشياء الأكثر واقعية في الكون، فإن الأفكار بالنسبة لديكارت هي من بين أقل الأشياء واقعية. وهناك انحراف آخر عن وجهة نظر أفلاطون؛ وهو اعتبار ديكارت للأفكار بمثابة مَركَبَات للتَمثُّل الذهني، باعتبارها العناصر التي تؤدي هذا التَمثُّل. وعلى النقيض من ذلك، اعتبر أفلاطون الأفكار بمثابة الأشياء المُمثَّلة. على سبيل المثال، اعتبر أفلاطون سقراط تَمثُّلًا ذهنيًا لشكل أو فكرة الإنسان. ولا شك أن هذه الاختلافات كافية للإشارة إلى أن الأفكار تلعب أدواراً مختلفة بشكل كبير في سياق أنظمتها الخاصة. وعلى هذا، فلن يكون من المعقول أن نعتقد، ببساطة، أن وجهة نظر ديكارت كانت امتداداً لوجهة نظر أفلاطون، رغم حقيقة أن ديكارت تبنى بعض مصطلحات أفلاطون.
إن الأفكار ليست هي الأحوال الوحيدة للتفكير. فالشك والحُكم، على سبيل المثال، من أحوال التفكير أيضاً. ومبكرا، في التأمل الثالث، وضع ديكارت تقسيماً أساسياً لأحوال التفكير المختلفة. وصنفها إلى نوعين: بسيط، ومُركَّب. وتندرج الأفكار في فئة الأحوال البسيطة. أما الشك والحكم وما شابه ذلك، فيندرج في فئة الأحوال المُركَّبة. ومع ذلك، فإن كل الأحوال المُركَّبة تتضمن الأفكار كمكونات. ويتضمن الحال المركَّب للتفكير عنصرين عقليين أساسيين على الأقل: فكرة، وسمة ذهنية “إضافية”. كتب ديكارت قائلا:
… يبدو أن الاعتبارات المتعلقة بالنظام تملي عليّ الآن تصنيف أفكاري إلى أنواع محددة، والتساؤل عن أي منها يمكن أن يقال عنه بشكل صحيح أنه يحمل الصواب وأي منها يحمل الخطأ. بعض أفكاري تكون كما لو أنها صور للأشياء، وفي هذه الحالات فقط يكون مصطلح “فكرة” مناسبًا تمامًا – على سبيل المثال، عندما أفكر في رجل، أو كائن خرافي، أو السماء، أو ملاك، أو إله. الأفكار الأخرى لها أشكال إضافية مختلفة: ولهذا عندما أريد، أو أخاف، أو أؤكد، أو أنفي، يكون هناك دائمًا شيء معين أتخذه موضوعًا لفكرتي، لكن فكري يتضمن شيئًا أكثر من مجرد شبه ذلك الشيء. بعض الأفكار في هذه الفئة تسمى الإرادات أو العواطف، بينما تُسمى أخرى الأحكام. (AT VII 36–7; CSM II 25–6)
في هذا الفقرة، تُطرح الأفكار كأحوال للتفكير تُمثّل (أو تقدم أو تعرض) أشياءً للعقل – أشياء مثل رجل، أو حصان مجنَّح، أو السماء، أو ملاك، أو إله (ونظرًا لما يقوله ديكارت في التأمل الأول، فمن بين قائمة الأشياء المعروضة للعقل بواسطة أفكاره، يمكن للمرء أن يضيف الألوان، والأصوات، والمشاعر، وما إلى ذلك (AT VII 20; CSM II 13–14)). من وجهة نظر ديكارت، فإن الفكرة هي النوع الوحيد من الأحوال (البسيطة) التي تقوم بذلك. عند النظر في أحد أحوال التفكير الأكثر تعقيدًا – على سبيل المثال، الخوف من الأسد، أو تأكيد نظرية فيثاغورس، حيث الأسد والنظرية هما الأشياء المقدمة – فإن الفكرة هي التي تقوم بالتقديم؛ إنها مَركَبَة التمثُّل. وكما سيلاحظ ديكارت في التأمل الرابع، فإنه يعتقد أن هناك مَلَكَتين أساسيتين (إمكانيتان أو قدرتان) للعقل، هما: التعقل (أو الفهم)، والإرادة. الأفكار “تُنتج” بواسطة مَلَكَة التعقل. وبذلك فإن فكرة نظرية فيثاغورس ترجع أصلا إلى مَلَكَة التعقل أو الفهم. أما فعل التأكيد، وهو المكوِّن الآخر للفكر الأكثر تعقيداً المتمثل في تأكيد هذه النظرية، فيرجع أصله إلى مَلَكَة الإرادة. وتؤدي المشاركات من كلتا المَلَكَتين، بالتالي، إلى ظهور أنواع أكثر تعقيداً من الفكر.
يحرص ديكارت على عدم تحديد الأفكار بأنها صور أو مشاهد بصرية ، بل يقول بدلاً من ذلك إنها كما لو كانت [tanquam] صورًا للأشياء. هذا موضوع مطروح منذ أمد بعيد، حيث نجده مبكرا في كتاب العالم، أو رسالة في الضوء (AT XI 3–6; CSM I 81–2) وفي مقال البصريات (AT VI 112–13; CSM I 165)، وفي وقت متأخر في كتاب المبادئ (AT VIIIA 32–3; CSM I 216–17) وفي رسالة “وصف جسم الإنسان” (AT XI 255–257; CSM I 322–23)، حيث تُطرح الأفكار في هذه السياقات باعتبارها تمثل أشياءها دون أن تشبهها بالضرورة. هذا مهم للنظرية، لأن فكرة البرد، أو فكرة الحلو، على سبيل المثال، بقدر ما هي أفكار، وتمثل شيئًا للعقل، لكنها ليست صورًا مرئية. تنطبق هذه النقطة على أفكار أخرى، مثل فكرة الله، التي يذكرها ديكارت صراحةً في المقطع أعلاه. إن فكرة الله تمثل شيئاً للعقل (إنها تمثل جوهرًا لا نهائيًا)، وتماشياً مع العقيدة اللاهوتية التقليدية، وبافتراض أن الله غير مكاني وغير زماني، لا يمكن فهم الفكرة بأنها صورة مرئية لله.
وعلى نحو يتفق مع ما قاله في الفقرة السابقة من التأمل الثالث، يقول ديكارت في أماكن أخرى إن الفكرة هي “شكل أي فكر مُعطى، يجعلني تصوره المباشر مدركًا للفكر” (AT VII 160; CSM II 113). وفي رده على توماس هوبز (1588-1679)، مؤلف المجموعة الثالثة من الاعتراضات، يقول ديكارت إن الفكرة هي “كل ما يتم تصوره على الفور بواسطة العقل” (AT VII 181; CSM II 127). وفي رده على بيير جاسندي (1592-1655)، مؤلف المجموعة الخامسة من الاعتراضات، يقول إن مصطلح “الفكرة” يمتد “ليشمل أي موضوع للفكر” (AT VII 366; CSM II 253). في رسالة إلى مارين ميرسين (1588-1648)، بتاريخ يوليو 1641، يقول إن “الفكرة” تدل “بشكل عام على كل ما يدور في أذهاننا عندما نتصور شيئًا ما، بغض النظر عن كيفية تصورنا له” (AT III 393; CSMK III 185). ترى التأويلات الراسخة أن مثل هذه المقاطع تخبرنا أن الأفكار لها سمة خاصة هي القصدية – فهي موجهة نحو أهدافها المعنية. وفيما يتعلق بهذا التوجيه يقال إن العقل يدرك شيئًا.
أحد التفسيرات الراسخة هو التفسير التمثيلي، الذي يرى أنه بالنسبة لديكارت فإن الأشياء التي تَمثُل للعقل مباشرةً (عن طريق فكرة) هي أشياء عقلية بحتة. يؤكد هذا التفسير على قول ديكارت بأن مثل هذه الأشياء موجودة، فقط، في العقل، كما هو الحال عندما يرد على كاتيروس بأن الشيء الذي يدركه العقل بشكل مباشر، أو فوري، عند حضور فكرة الشمس ” … ليس كيانًا واقعيا، أي أنه ليس وجودا يقع خارج العقل” (AT VII 103; CSM II 75) الشيء الذي يُوجَّه إليه العقل، موضوع الوعي الفوري، ليس الشمس نفسها، ولكنه بدلاً من ذلك شيء عقلي بحت، يمثِّل (أو ينوب عن) الشمس في السماء. يقال إن هذا الشيء العقلي البحت يشكل محتوى الفكرة. وفقًا لهذا الرأي، يُشار إلى الفكرة أحيانًا باسم الشيء الثالث اللانهائي وغير المحدد tertium quid، وهو شيء ثالث “يقف بين “عين العقل، إذا جاز التعبير، والشيء الذي تمثله الفكرة.
هناك تفسير عتيق آخر، وهو التفسير الواقعي المباشر، وبحسبه، عند ديكارت، فإن الأشياء التي تَمثُل للعقل أو تُعرض عليه مباشرة (في شكل فكرة) ليست دائمًا أشياء عقلية. (نادلر 1989) تُفهَم فكرة الشمس على أنها عملية عقلية (حال من أحوال العقل) موجهة نحو الشمس نفسها. وفقًا لهذا التفسير، يجب فهم جميع الأفكار، بالمعنى الدقيق للكلمة، على أنها عمليات أو أفعال للعقل. وهذا ينطبق حتى على فكرة الحصان المجنَّح. الفكرة عملية عقلية، وفي هذه الحالة هي موجهة نحو الكائن المصنوع عقليًا، الحصان المجنَّح. هنا، الحصان المجنَّح هو شيء عقلي بحت. على النقيض من ذلك، فإن الفكرة (الحسية) للشمس موجهة نحو الشمس نفسها، الشمس التي في السماء. وبالتالي، يسمح هذا التفسير بتوجه الأفكار نحو الأشياء العقلية وغير العقلية. إن أهمية هذا التفسير هي أن الأشياء التي يتم الوعي بها مباشرة ليست في حاجة لأن تكون عقلية بحتة – وبالتالي، لا يوجد الشيء الثالث اللانهائي وغير المحدد – وهو ما يختلف بشكل كبير عن التفسير التمثيلي. وعلى الرغم من أن القراءتين لهما مزاياهما، فإن بقية هذه المُدخل سوف تعمل ضمن إطار القراءة التمثيلية.
2. الأفكار والتمييز بين الوجود الصوري والوجود الموضوعي
عند الحديث عن حال قائم – في هذه الحالة، فكرة تَحدُث بالفعل – سيقول ديكارت إنها تمتلك وجودًا شكليًا. الوجود الصوري لشيء ما هو نوع الوجود الذي يملكه الشيء بحكم كونه شيئًا واقعيًا أو قائمًا (AT VII 41–42, 102–4; CSM II 28–29, 74–5). على سبيل المثال، بافتراض أن الشمس شيء واقعي أو موجود، فإنها تملك وجودًا شكليًا. على النقيض من ذلك، بافتراض أن الحصان المجنَّح ليس شيئًا واقعيًا أو قائما، فهو لا يمتلك وجودًا شكليًا. وبافتراض أن فكرة الشمس أو فكرة الحصان المجنَّح هي أفكار واقعية أو قائمة، حيث تكون الفكرة واقعية أو قائمة عندما يفكر فيها العقل بفعالية، فإن كل منهما يمتلك وجودًا شكليًا.
لقد اعتبر ديكارت أن هناك ثلاثة “مستويات من” الوجود الصوري: مستوى الجوهر اللانهائي، ومستوى الجوهر المتناهي(كما هو محدد من خلال صفته الأساسية)، ومستوى الحال. إن مستوى الوجود الصوري لجوهر لانهائي أكبر من مستوى الجوهر المتناهي، ومستوى الوجود الصوري لجوهر متناهي أكبر من مستوى الحال. وهذا مفهوم من حيث التبعية الأنطولوجية. يعتمد الحال في وجوده الشكلي على الوجود الصوري للجوهر المتناهي، ويعتمد الجوهر المتناهي في وجوده الشكلي على الوجود الصوري للجوهر اللانهائي. إن الفكرة القائمة، في امتلاكها لمستوى الوجود الصوري للحال، تكون أقل “واقعية” من الجوهر المتناهي، وهو ما يتماشى مع ما قيل في القسم السابق من هذه المدخل.
عندما يتحدث ديكارت عن الأفكار باعتبارها تَمثُّل الأشياء للعقل، فإنه يشير إلى الوجود الموضوعي للفكرة. الوجود الموضوعي للشيء هو نوع الوجود الذي يملكه الشيء بحكم كونه تمثلًا لشيء ما (المرجع نفسه). ونظرًا لأن فكرة الشمس وفكرة الحصان المجنَّح تمثلان أشياء للعقل (تمثلان أو تعرضان الشمس والحصان المجنَّح على التوالي)، فإن كل منهما تمتلك واقعًا موضوعيًا. يقول ديكارت إن الأفكار تمتلك واقعًا موضوعيًا بطبيعتها. وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن الأفكار هي العناصر الوحيدة في الأنطولوجيا الخاصة به التي تملك واقعًا شكليًا وموضوعيًا. (AT VII 42; CSM II 29)
وكما هو الحال مع الوجود الصوري، هناك ثلاثة “مستويات” للوجود الموضوعي. يقول ديكارت: “لا ريب أن الأفكار التي تمثل الجواهر بالنسبة لي تعادل شيئًا أكثر وتنطوي في ذاتها، إذا جاز التعبير، على وجود موضوعي أكثر من الأفكار التي لا تمثل غير الأحوال أو الأعراض” (AT VII 40; CSM II 28). ويكشف فحص تأمل ديكارت الثالث لفكرته عن الله أن الوجود الموضوعي الذي تنطوي عليه أو تملكه هو المرتبط بجوهر لا نهائي. وعلى أقل تقدير، فإن الرأي هو أن فكرة الله تنطوي على مستوى من الوجود الموضوعي أعظم من ذلك المتضمَّن في فكرة تمثل جوهرًا متناهيًا. وبالتالي، فإن مستويات الوجود الموضوعي التي تملكها الأفكار، والوجود الذي تملكه بحكم تمثيلها للأشياء للعقل، هي (اسميًا) ثلاثة: الجوهر اللانهائي، والجوهر المتناهي، والحال. وبذلك، يتوافق تدرج فئات الوجود الموضوعي مع تدرج فئات الوجود الصوري.
يقول ديكارت: “إن طبيعة الفكرة أنها لا تحتاج في حد ذاتها إلى وجود شكلي باستثناء ما تستمده من تفكيري، وما هو إلا حال” (AT VII 41; CSM II 28). في الواقع، “بقدر ما تعتبر الأفكار مجرد أحوال للفكر، فلا يوجد تباين واضح بينها: إذ تبدو جميعًا أنها تصدر عني بنفس الطريقة” (AT VII 40; CSM II 27–8). كل فكرة هي ببساطة حال من أحوال الفكر، وبقدر ما تكون الفكرة حالا قائما (أو واقعيا)، فإنها تملك مستوى من الوجود الصوري لحال. ويتابع: “ولكن بقدر ما تعتبر الأفكار المختلفة (صورًا) تمثل أشياء مختلفة، فمن الواضح أنها تختلف بدرجة كبيرة” (AT VII 40; CSM II 28). ولن تكون الاختلافات فقط من ناحية “الأشياء” المُمثَّلة، ولكن، كما أشرنا آنفا، سوف تختلف الأفكار فيما يتعلق بمستويات الوجود الموضوعي التي تتضمنه (AT VII 40; CSM II 28).
ولكي نرى التمايز بين الوجود الصوري والوجود الموضوعي في سياق نظرية ديكارت، فلنتأمل فكرة ذُكرت عدة مرات بالفعل ـ فكرة الله، كما وردت في التأمل الثالث. يبدأ تحليل ديكارت لهذه الفكرة بالتركيز على حقيقة مفادها أن الفكرة تمثل له جوهراً لا نهائياً (AT VII 45; CSM II 31). ويشير التمايز الشكلي – الموضوعي للوجود إلى ما يلي: عند اعتبارها مجرد حال قائم لعقل ديكارت، أي النظر إليها من حيث وجودها الشكلي، لا يرى ديكارت أي مشكلة في تعليل أصل الوجود الصوري لهذه الفكرة: الوجود الصوري الذي تملكه هذه الفكرة مستمد من الوجود الصوري لعقله. وبعبارة أخرى، فإن وجود الفكرة، كحال، يعتمد على وجود عقله. ولكن عندما ننظر إليها من حيث ما تمثله هذه الفكرة أو تقدمه للذهن، أي النظر إلى الفكرة من حيث وجودها الموضوعي، فإننا نكتشف مشكلة يمكن صياغتها على النحو التالي: ما هو أصل الوجود الموضوعي للفكرة؟ وينشأ هذا التحدي على ضوء قول ديكارت:
“والآن يتبين لنا بالنور الفطري أنه لابد أن يكون في العلة الفاعلة الكلية قدر من الوجود لا يقل عن مقدار ما في معلولها. فمن أين، أسأل، يمكن للمعلول أن يستمد وجوده إن لم يكن من علته؟ وكيف يمكن للعلة أن تمنح وجودا للمعلول ما لم تكن تملكه؟ ويترتب على هذا أن الشيء لا يمكن أن ينشأ من العدم، وأن ما هو أكثر كمالاً – أي ما يتضمن في ذاته قدرا أعظم من الوجود – لا يمكن أن يحدث عما هو أقل منه كمالاً. وهذا صحيح بشكل واضح ليس فقط في حالة المعلولات التي تمتلك (ما يسميه الفلاسفة) وجودًا فعليًا أو شكليًا، بل وأيضاً في حالة الأفكار، حيث لا نفكر إلا في (ما يسمونه) الوجود الموضوعي. فالحجر، على سبيل المثال، الذي لم يكن موجوداً من قبل، لا يمكن أن يبدأ في الوجود إلا إذا أحدثه شيء يتضمن، إما شكلياً أو شرفيا، كل ما يتركب منه الحجر؛ وعلى نحو مماثل، لا يمكن أن تتولد الحرارة في شيء لم يتضمنها قبلا، إلا بواسطة شيء من نفس رتبة (درجة أو نوع) الكمال في الحرارة، وهلم جرا. ولكن من الصحيح أيضاً أن فكرة الحرارة، أو الحجر، لا يمكن أن توجد في داخلي إلا إذا وضعت هناك من خلال علة تتضمن، على الأقل، قدرا من الوجود يساوي ما أتصور وجوده في الحرارة أو الحجر. ومع أن هذه العلة لا تنقل أي شيء من وجودها الفعلي أو الشكلي إلى فكرتي، فلا ينبغي أن نفترض لذلك أنها أقل وجودًا. إن طبيعة الفكرة لا تتطلب في ذاتها أي وجود شكلي باستثناء ما تستمده من ذهني، الذي تُعتبر حالا من أحواله. لكن لكي تحتوي فكرة معينة على هذا الوجود الموضوعي أو ذاك، فيجب أن تستمده بالتأكيد من علة تتضمن، على الأقل، قدرا من الوجود الصوري يعادل ما في الفكرة من وجود موضوعي. لأنه إذا افترضنا أن الفكرة تتضمن شيئا لم يكن في علتها، فلا بد أن تكون قد اكتسبته من العدم؛ ولكن مهما كان من نقص في حال الوجود التي يوجد بها الشيء موضوعياً (أو تمثيلياً) في الفهم بواسطة الفكرة، فمن المؤكد أنها ليست لا شيء، وبالتالي لا يمكن أن تكون الفكرة مستمدة من العدم. (AT VII 40–1; CSM II 28–9)
إن التحدي في فحص فكرة الله هو الأخذ بعين الاعتبار أصل رتبة الوجود الموضوعي للفكرة. فهو يقرر أن الوجود الصوري الذي يمتلكه ذهنه لا يمكن أن يكون هو أصلها. ويخلص إلى أنه يجب أن يكون هناك وجود يملك في الواقع المستوى اللازم من الوجود الصوري، الذي سيكون، في هذه الحالة، أكبر من مستوى وجود الجوهر المتناهي. (لمزيد من المعلومات، راجع مدخل موسوعة ستانفورد للفلسفة حول نظرية المعرفة عند ديكارت) لاحظ كيف يختلف هذا عما يقوله عن الوجود الصوري لفكرة ما، أعني، أن عقله هو علة أو أصل الوجود الصوري للفكرة.
إن دراسة فكرة الله تأتي مباشرة بعد تقديم الصلة المحتملة بين الوجود الموضوعي لبعض أفكاره والوجود الصوري للأشياء غير الذهنية أو غير العقلية. ويشير تحليل ديكارت لفكرة الله إلى مبدأ التمثُّل، والذي نوقش في القسم الرابع من هذه المدخل.
هناك تمييز ثانٍ، جدير بالملاحظة، قدمه ديكارت، وهو التمييز بين المادي والموضوعي. يعتقد بعض العلماء أنه ببساطة طريقة بديلة للتعبير عن التمييز بين الوجود الصوري والوجود الموضوعي. لم يتم صياغة التمييز بين المادي والموضوعي بشكل واضح في نص التأملات، على الرغم من أن ديكارت يستخدمه في رده على أنطون أرنو (1612-1694)، في المجموعة الرابعة من الردود.
يقدم ديكارت التمييز بين المادي والموضوعي في “مقدمة إلى القارئ” في كتاب “التأملات” (والذي من المرجح أنه كتبها بعد “التأملات” و”الاعتراضات والردود”). ويقول إن كلمة “فكرة” ملتبسة فلسفياً:
“يمكن أن نأخذ “الفكرة” على نحو مادي، باعتبارها عملية إدراك، وفي هذه الحالة لا يمكن القول إنها أكثر كمالا مني. أو يمكننا أن نأخذها على نحو موضوعي، باعتبارها الشيء الذي تمثله هذه العملية؛ وهذا الشيء، حتى لو لم يُفترض وجوده خارج العقل، فيمكن، بمقتضى ماهيته، أن يكون أكثر كمالا مني. (AT VII 8; CSM II 7)
يمكن استخدام لفظ “فكرة” للإشارة إلى نوع معين من أفعال أو عمليات الذهن – هنا، هو فعل التمثُّل الذهني. بهذا المعنى، الفكرة هي ببساطة حال قائم للعقل. على ضوء التمييز بين الوجود الصوري والوجود الموضوعي، فبما أن الوجود الصوري للفكرة (الحال) مستمد من الوجود الصوري للعقل (جوهره)، فمن الطبيعي ألا يكون مستوى وجودها الصوري أكبر من مستوى الوجود الصوري للعقل. هذا ما يعنيه ديكارت عندما يقول أن أفكاره، المفهومة على أنها عمليات ذهنية، لا يمكن أن تكون “أكثر كمالًا” من عقله. عند استخدام “الفكرة” للإشارة إلى عملية ذهنية، فإن لفظ “فكرة” يعبر عما يسميه الحس المادي. سيقول أحيانًا، كما في الفقرة المقتبسة آنفا، أنه عند تؤخذ الفكرة كعملية ذهنية، فإنها تؤخذ على نحو مادي.
وبدلًا من ذلك، يمكن استخدام لفظ “فكرة” للإشارة إلى ما يُقدم أو يُعرض مباشرة على العقل بواسطة العملية الذهنية. وعند استخدام لفظ “فكرة” للإشارة إلى الشيء المعروض مباشرة على العقل، فإن لفظ “فكرة” يعبر عما يسميه الحس الموضوعي. وفي بعض الأحيان يقول، كما في المقطع المقتبس آنفا، أنه عند فهم فكرة باعتبارها الشيء المقدم مباشرة للعقل (عن طريق عملية ذهنية)، تؤخذ الفكرة على نحو موضوعي.
ولننظر مرة أخرى في فكرة الله. فإذا نظرنا إلى هذه الفكرة على نحو مادي، فإننا نفهمها باعتبارها عملية ذهنية. وإذا نظرنا إلى هذه الفكرة ذاتها بنحو موضوعي، فإننا نفهمها باعتبارها ما يُقدَّم مباشرة إلى الذهن من خلال هذه العملية. ويقول ديكارت إن طبيعة الشيء المعروض يمكن أن تكون أكثر كمالاً من ذهنه. وعلى هذا، فحتى وإن لم يكن ديكارت كائناً لانهائياً، فإن الفكرة يمكن أن تقدم له كائناً لانهائياً، كائناً يمتلك مستوى من الوجود أعظم من ذلك الذي يملكه جوهر متناهي. ومرة أخرى، فإن التأكيد هنا هو أن هذا ممكن فقط إذا كان سبب الوجود الموضوعي يملك المستوى المطلوب من الوجود الصوري، والذي، في هذه الحالة، كما أشرنا للتو، لابد أن يكون أعظم من ذلك الذي يمتلكه جوهر متناه.
قد يحدث الاختلاف بين التمييزين بحسب توظيف ديكارت لهما. فعندما يتتبع ديكارت أصول الوجودين الصوري والموضوعي اللذين تمتلكهما فكرة ما، فإنه يستخدم التمييز بين الوجودين الصوري والموضوعي. وفي بعض الحالات، كما في حالة فكرة الله، فإن أصل الوجود الصوري للفكرة هو عقله، في حين أن أصل الوجود الموضوعي هو الله (الموجود بشكل مستقل عن عقله). ولكن عندما يتحدث ديكارت عن العلاقة بين فكرة مفهومة كعملية ذهنية، وهذه الفكرة ذاتها التي نفهمها الآن باعتبارها الموضوع الذي يتم تقديمه عن طريق هذه العملية، فإنه يستخدم التمييز بين المادي والموضوعي. والفرق بينهما يتعلق بعدد العلاقات التي تلعب دوراً في التحليل. ولننظر مرة أخرى في فكرة الله. وفيما يتصل بالتمييز بين الوجودين الصوري والموضوعي، فإن عدد العلاقات هو اثنتان: العلاقة بين الفكرة كحال والعقل، والعلاقة بين الشيء الذي يتم تقديمه في الفكرة أو بواسطتها وبين الله. فيما يتعلق بالتمييز بين المادي والموضوعي، هناك علاقة واحدة فقط يتم أخذها في الاعتبار: العلاقة بين الفكرة كعملية ذهنية وهذه الفكرة كشيء مقدَّم (عبر هذه العملية).
3. ثلاثة أنواع من الأفكار
في التأملات، بعدما طرح ديكارت الأفكار كأحوال تقدِّم، أو تعرض، الأشياء للعقل، قسم الأفكار إلى أنواع. فيقول:
“من بين أفكاري، يبدو أن بعضها فطري، وبعضها عَارِض، وبعضها الآخر من اختراعي. ويبدو أن فهمي لما هو الشيء، وما هي الحقيقة، وما هو الفكر، ينبع ببساطة من طبيعتي. لكن سماعي للضوضاء، كما يحدث الآن، أو رؤيتي للشمس، أو شعوري بالنار، يأتي من أشياء تقع خارجي، أو هكذا اعتبرت الأمر حتى الآن. وفي الأخير، فإن الحوريات، والهيبوجريف، وما شابه ذلك، هي من اختراعي. (AT VII 37–8; CSM II 26)
هنا، يرى ديكارت ثلاثة أنواع من الأفكار: الأفكار الفطرية ، والأفكار العَارضة، وما يسمى أحيانًا الأفكار المصطنعة. تتحدد فئات الأفكار بالنظر في الأصول المحتملة للمحتويات الفكرية المقدمة أو المعروضة على العقل. الفئة الأولى تشمل الأفكار التي يكون أصل محتوياتها في طبيعته (كشيء مفكر). مثال ذلك: فكرته عن ماهية الفكر أو التفكير. تشمل الفئة الثالثة الأفكار التي يكون أصل محتواها في مكونات أفكار أخرى. مثال ذلك: فكرة الحصان المجنَّح، حيث يُستمد محتواها ربما من محتويات فكرة الحصان وفكرة الطائر. لكن الأفكار العارضة تبدو، للوهلة الأولى على الأقل، مختلفة بنحو مهم، لأن الطبيعة علمته دائمًا، كما يقول، أن يعتقد أنها “مستمدة من أشياء موجودة خارجي” (AT VII 38; CSM II 26). تنشأ هذه الفئة جزئياً من الخبرة العادية (ما قبل الفلسفية): “… أعلم من خلال التجربة أن هذه الأفكار لا تحدث بإرادتي، وبالتالي فهي ببساطة لا تعتمد عليّ. وكثيراً ما ألاحظها حتى عندما لا أريد ذلك: الآن، على سبيل المثال، أشعر بالحرارة سواء أردت ذلك أم لا، وهذا هو السبب في أنني أعتقد أن هذا الإحساس، أو فكرة الحرارة، تأتي إليّ من شيء آخر غيري، ألا وهو حرارة النار التي أجلس أمامها” (AT VII 38; CSM II 26). ويرى أن بيان أصلها قد يتطلب اللجوء إلى أشياء موجودة خارج عقله، أو مستقلة عنه. تشمل الأفكار العَارِضَة: الأفكار الحسية؛ أي الأفكار التي تنشأ عن التجربة الحسية – مثل فكرة الشمس أو فكرة القمر، وكذلك الأفكار الأكثر بساطة عن الألوان، والأصوات، والحرارة، والبرودة، وما شابه ذلك.
في تحليل ديكارت لفكرته عن الله، يكتشف أنها فكرة فطرية، لأنها ليست عَارِضَة ولا مصطنعة. إنها ليست عَارِضَة (أو حسية)، حيث أنه لم يكن يملك أية تجارب حسية مع الله (بمعنى: أنه لم ير الله قط، أو يسمعه، أو يشعر به، أو يشم رائحته، أو يتذوقه). وهذا يتفق مع الاقتضاء اللاهوتي بأن الله غير مادي. إنها ليست فكرة مصطنعة، لأن محتواها شيء لا يستطيع عقله أن يختلقه من أفكار أخرى – الفكرة تمثل ما لا نهاية فعلية؛ وفي أفضل الأحوال لا يستطيع عقله إلا أن ينتج فكرة مصطنعة عما هو لانهائي محتمل. (AT VII 46–7; CSM II 32) ومع ذلك، يتضح له أن الفكرة الفطرية عن الله تشبه الفكرة العارضة عن الشمس، ولكن على عكس الفكرة الفطرية عن ماهية الفِكر (التي يقر أصلها في طبيعته)، حيث أن الوجود الموضوعي الذي تملكه الفكرة، مثل الفكرة العارضة عن الشمس، له أصله في الوجود الصوري الذي ينتمي إلى شيء آخر غير عقله. يخلص تحليله إلى أن أصل الوجود الموضوعي يجب أن يكون في إله موجود (جوهر لا نهائي فعلي، شيء يملك مستوى لا نهائي من الوجود الصوري). في التأمل السادس، سيستنتج، في نهاية الأمر، أن الوجود الموضوعي لفكرته عن الجسد، والفطرية أيضًا، يجب ، مثل الفكرة الفطرية عن الله، أن يكون أصله في الوجود الصوري الذي ينتمي إلى شيء آخر غير عقله، وبالتحديد، سيكون أصله في جوهر جسدي موجود (وجود ممتد، ذو مستوى متناهي من الوجود الصوري). أخيرا، يجب أن يكون للوجود الموضوعي (بمعنى آخر: لمحتويات) أفكاره الفطرية وأفكاره العارضة أصولا في الوجود الصوري للأشياء، وبعض هذه الأشياء الأخيرة موجودة بشكل مستقل عن عقله.
هذا ليس الموضع الوحيد في عمل ديكارت حيث تُطرح الأفكار الفطرية والعارضة على أنهما تشتركان في صفة وجود أصولهما الخاصة في الأشياء التي توجد بشكل مستقل عن عقله. على سبيل المثال، في رده المعنون: تعليقات على صحيفة عريضة معينة، التي نُشرت عام 1648، يطرح ديكارت الفطرة باعتبارها مَلَكَة (AT VIIIB 358; CSM I 304)، وهو ما يتفق مع ما سبق أن قاله لهوبز في المجموعة الثالثة من الردود: “… عندما نقول إن فكرة ما فطرية فينا، لا نعني أنها ماثلة دائمًا أمامنا. فهذا قد يعني أنه لم تكن هناك فكرة فطرية. ما نعنيه ببساطة أننا نملك في أنفسنا مَلَكَة استحضار الفكرة” (AT VII 189; CSM II 132). يلاحظ العلماء أن هذا قد يكون مختلفًا عن الطريقة التي طُرحت بها الأفكار الفطرية في التأمل الثالث. ولكن بحسب مفهوم الفطرة كمَلَكَة، في تعليقات على صحيفة عريضة معينة، يواصل ديكارت القول بأن هناك شعور بأنه حتى الأفكار الحسية (أفكار الصفات مثل: الآلام، والألوان، والأصوات، وما إلى ذلك)، وهي الأفكار التي تنشأ عبر الحواس، والتي تعد نوعا من الأفكار العارضة، هي، رغم ذلك، فطرية. تتجلى الحُجَّة على النحو التالي: بما أن العقل البشري (أو المتجسِّد) لديه المَلَكَة أو القدرة على امتلاك أفكار حسية عن الآلام، والألوان، والأصوات، وما إلى ذلك، حيث تنجم هذه الأفكار عن حدوث أو حضور إشارات معينة في الدماغ، وعدم انتقال أي من تلك الإشارات في الدماغ إلى العقل، ولا حضور لما يشبه الآلام، والألوان، والأصوات، في الأجساد (بما في ذلك الدماغ)، فإن أفكار الآلام، والألوان، والأصوات (أي أفكار تلك الصفات) “لابد وأنها الأكثر فطرية”. (AT VIIIB 359; CSM I 304)
ومؤخرًا نسبيًا ظهر تفسير ينشغل بالتشابه المزعوم بين الأفكار الفطرية والعَارِضَة عن طريق التأكيد على الدور الذي تلعبه الأفكار الفطرية (Nolan 1997, Lennon 2007, Nelson 2008, De Rosa 2010). لنأخذ على سبيل المثال الفكرة العَارِضَة أو الحسيَّة للشمس. تقدم هذه الفكرة الشمس للعقل كشيء له شكل معين. يكشف تحليل هذه الفكرة أن الفكرة الفطرية لامتداد (الجسد) ما زالت تلعب دورها، فبدونها لا يمكن للعقل البشري، ببساطة، أن يخبُرَ (أو حتى يتصور) الشمس كشكل. الشكل يفترض الامتداد ضمنا. كما يقول ديكارت في المبادئ ، فإن كل شيء “يُعزى إلى الجسم يفترض الامتداد ضمنًا، وهو مجرد حال لشيء ممتد”، والذي، وفقًا لديكارت، يتماشى مع الرأي القائل بأن “الشكل غير مفهوم إلا في شيء ممتد” (AT VIIIA 25; CSM I 210). وبهذا المعنى، وبقدر ما يصبح الشيء المُتشكِّل مفهوماً للعقل البشري، فإن الفكرة الفطرية للامتداد تكون متضمَّنة. وكما قال بعض العلماء، إن الفكرة الفطرية تكمن وراء، أو تُخبر، حدوث فكرة الشمس (Nolan 1997, Nelson 2008, De Rosa 2010). ويجد هذا التفسير مزيدًا من الدعم فيما يقوله ديكارت في رسالة إلى الأميرة إليزابيث، بتاريخ 21 مايو 1643، حيث قدم ديكارت ما يسميه “المبادئ العقلية الأوَّليَّة”. وهي ما يسميه في سياقات أخرى الأفكار الفطرية. في الرسالة، يدعي أن هذه الأفكار تعمل كـ ” الأنماط التي نشكل على أساسها جميع تصوراتنا الأخرى” (AT III 665; CSMK III 218). لذا، فإن الدور الفريد للأفكار الفطرية هو الذي يميزها عن الأفكار العَارِضَة، حيث يتمثل دورها في العمل على جعل الأشياء الأخرى مفهومة.
يتفق العلماء على أن ديكارت يعترف بثلاث أفكار فطرية على الأقل: فكرة الله، وفكرة العقل (المتناهي)، وفكرة الجسد (غير المتحدد). وفي رسالته إلى إليزابيث، أدرج فكرة رابعة هي: فكرة الاتحاد (بين العقل والجسد).
وهناك تقسيم بديل للأفكار جدير بالملاحظة. في التأمل الثالث، بعد أن قدم التقسيم الثلاثي للأفكار الفطرية، والعارضة، والمصطنعة، يواصل ديكارت انشغاله بالأصول المحتملة لمحتويات أفكاره. يدور تحليله حول المبدأ القائل بأن المعلول لا يمكن أن يكون أعظم من علته، والذي يدعمه المبدأ الواضح بأن شيئًا لا يحدث من العدم. فيقول: “وعلى الرغم من أن الفكرة قد تنشأ من فكرة أخرى، فلا يمكن أن يكون هناك ارتداد لا نهائي هنا؛ في النهاية يجب أن نصل إلى فكرة أولية، ستكون علتها أشبه بالنموذج الأصلي الذي يتضمن صوريًا (وفي الواقع) كل الوجود (أو الكمال) الذي لا يوجد إلا بشكل موضوعي (أو تمثيلي) في الفكرة” (AT VII 42; CSM II 29) هنا، يقدم ديكارت مفهوم الفكرة الأولية. إن أهمية هذه الفكرة هي أن محتويات بعض أفكاره قد تكون أصولها في أشياء تقع “خارج” عقله – أي في أشياء موجودة بشكل مستقل عن عقله.
يشير تحليل ديكارت إلى أن محتويات بعض أفكاره الفطرية، وجميع أفكاره العارضة لها أصل في أشياء موجودة بنحو مستقل عن عقله. تندرج مثل هذه الأفكار في فئة الفكرة الأولية. الفكرة الفطرية عن الله هي فكرة أولية، لأن الوجود الموضوعي الذي تمتلكه له أصل في الوجود الصوري لله. وبالمثل، فإن الفكرة الفطرية عن الجسد هي فكرة أولية، لأن الوجود الموضوعي الذي تملكه له أصل في الوجود الصوري للجسد. وكما أشرنا للتو، فإن الفكرة العارضة عن الشمس هي فكرة أولية، لأن الوجود الموضوعي الذي تملكه له أصله في الوجود الصوري للشمس. الأفكار المصطنعة، التي ينشأ محتواها عن محتويات أفكار أخرى، تندرج بلا شك في فئة الفكرة غير الأولية. الفكرة غير الأولية هي الفكرة التي ينشأ وجودها الموضوعي عن الوجود الموضوعي لفكرة أخرى. تعد فكرة الحصان المجنَّح المصطنعة مثالاً على الفكرة غير الأولية.
يبدو أن هذا المخطط البديل (الفكرة الأوَّلية وغير الأوَّلية)، على الرغم من تقسيمه للأفكار بشكل مختلف عن المخطط الأوَّل (الأفكار الفطرية والعارضة والمصطنعة)، لا يلحق أي ضرر فلسفي بوجهة نظر ديكارت. ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام المدى الواسع لتردد الفكرة الأولية الديكارتية لاحقًا في وجهات نظر جون لوك وديفيد هيوم، اللذين تتطلب نظرياتهما فئة مماثلة، والتي يشيران إليها بالفكرة البسيطة.
4. الأفكار الأولية ومبدأ التَمثُّل الذهني
يعتقد بعض العلماء أن مناقشة ديكارت الموجزة للأفكار الأولية تتضمن اقتراحا لمبدأ التَمثُّل الذهني (Wilson 1978, Clatterbaugh 1980, Chappell 1986, Smith 2005a, 2010a). من المعروف أن صياغة المبدأ صعبة، ولا يوجد إجماع بين العلماء حول كيفية فهمه على أفضل وجه. ومع ذلك، يتفق عدد كبير من العلماء على واحد من مكونات المبدأ، والذي يمكن التعبير عنه كشرط ضروري (وإن لم يكن كافياً) للتَمثُّل الذهني. يمكن التعبير عن مبدأ التَمثُّل الذهني Principle of Representation على النحو التالي:
(PR) الفكرة الأساسية A تمثل الكائن B فقط إذا كان الوجود الموضوعي للفكرة A له أصل في الوجود الصوري للكائن B.
التَمثُّل الذهني فاعل في تحليل ديكارت لكل الأفكار الأولية، والتي تشمل كل الأفكار الفطرية والعارضة. ويقال إن الفكرة الفطرية في ذهنه (أي: في ذهن ديكارت) هي عن أو تُمثِّل ذهنه بقدر ما يكون للوجود الموضوعي للفكرة أصل في الوجود الصوري لذهنه. ويقال إن الفكرة الفطرية عن الله تمثِّل الله بقدر ما يكون للوجود الموضوعي للفكرة أصل في الوجود الصوري لله (جوهر لا نهائي). ويقال إن الفكرة الفطرية عن الجسد تمثل جسداً بقدر ما يكون للوجود الموضوعي للفكرة أصل في الوجود الصوري لجوهر جسدي. ويقال إن الفكرة العارضة عن الشمس تمثل الشمس بقدر ما يكون للوجود الموضوعي للفكرة أصل في الوجود الصوري للشمس. والقائمة يمكن أن تطول.
قد يكون القياس التالي مفيداً. لنفترض أن سقراط يقف أمام مرآة. كلٌ من سقراط والمرآة شيئان حقيقيان، وبالتالي فإن كليهما، باستخدام مصطلحات ديكارت، يمتلكان وجودًا صوريًا. ومن المفترض أن يكون لكل منهما وجوداً مستقلاً عن الآخر. إن صورة سقراط توجد كعلاقة بين سقراط والمرآة. لا يمكن أن توجد مستقلة عن سقراط أو المرآة. بإزالة سقراط أو المرآة، سوف تُزال صورة سقراط. وباستخدام اصطلاحات ديكارت، فإن الصورة وجود موضوعي بقدر ما هي تمثيل لسقراط. ورغم أن الصورة تمثل سقراط، إلا أنها “تقع” على سطح المرآة. ولأن السطح هو حال من أحوال المرآة، فهناك معنى أن تكون هذه الصورة كذلك. فالمرآة هي حاملة الصورة. وهذا معنى أن الصورة “تنتمي” إلى المرآة. أما العلاقة بسقراط فهي مختلفة. ويقال إن الصورة هي صورة لسقراط. والصورة تصوره هو. إنه ليس حامل الصورة، بل ما تمثله هذه الصورة. لذا، فإن العلاقة التي تربط سقراط بهذه الصورة يجب أن تكون مختلفة بشكل مهم عن العلاقة التي تربط المرآة بهذه الصورة. باستخدام مصطلحات ديكارت، وفي ضوء التمثُّل الذهني، فإن الصورة هي عن سقراط بقدر ما يكون هذا الوجود الموضوعي (الصورة) له أصل في الوجود الصوري لسقراط. من المؤكد أن الصورة تستمد وجودها، أو وجودها الصوري، من الوجود الصوري للمرآة، لكن وجودها الموضوعي له أصله، ليس في المرآة ولكن في سقراط.
5. القواعد : الطبائع البسيطة ومفهومي الوضوح والتميز
في كتابه قواعد لتوجيه الفكر يقدم ديكارت الطبائع البسيطة. هذه الطبائع البسيطة ليست فقط ما تتكون منه أفكارنا – أي أنها لا تشكل محتويات أفكارنا فحسب، أي “الأشياء” المعروضة للعقل مباشرة – ولكنها أيضًا الطبائع التي تمتلكها الأشياء. (AT X 399; CSM I 32) أمثلة على الطبائع البسيطة هي: الألوان، والأصوات، والروائح، والأشكال، والأحجام، والامتداد، وما شابه ذلك. يقول، على سبيل المثال، في القاعدة الثانية عشرة، “إذا حكمت بأن شكلًا معينًا لا يتحرك، فسأقول إن فكرتي تتكون بطريقة ما من الشكل والسكون؛ وبالمثل في حالات أخرى”. (AT X 420; CSM I 45) في التأمل الأول، يذكر ديكارت عناصر تصورية مماثلة تتشكل “منها جميع صور الأشياء”. (AT VII 20; CSM II 13–14) في التأمل الثاني، في تحليله للفكرة العارضة لقطعة من الشمع، يقدم ديكارت مرة أخرى قائمة بهذه العناصر التصورية. (AT VII 30–32; CSM II 20–21) في التأمل الثالث، يشير إلى مثل هذه العناصر باعتبارها “عناصر في أفكاري” (AT VII 44; CSM II 30) وفي التأمل السادس، عند إعادة النظر في بعض ما قرره في التأمل الثاني، يعيد الحديث عن هذه الصفات التي هي “الأشياء المباشرة الوحيدة لوعيي الحسي”. (AT VII 75ff; CSM II 52ff) لذا، على الرغم من أن ديكارت لا يستخدم مصطلح “الطبائع البسيطة” في أعماله اللاحقة، إلا أن المفهوم الفلسفي يبدو بالتأكيد حاضرًا في تلك الأعمال.
تشكل الطبائع البسيطة نظامًا تراتبيًا مُنظمًا. تبدو عند تحليلها مصنَّفة إلى مجموعتين أو فئتين أساسيتين، وهو ما يتوافق بشكل غير مُستَغرَب مع ثنائية العقل والجسد عند ديكارت. (AT X 399; CSM I 32) يشير ديكارت إلى هذا التقسيم للطبائع البسيطة باسم التعداد enumeration. سيتم أيضًا تقسيم الفئات الأساسية لهذا التعداد. في ضوء ذلك، يمكن الإشارة إلى هذا التعداد النهائي – تقسيم الطبائع البسيطة إلى فئات التفكير، والأشياء الممتدة – باسم التعداد الرئيسي master enumeration. وكما هو موضح في كتاب القواعد، لا يُفهم التراتب من الزاوية الأنطولوجية، ولكن من زاوية ما يجب معرفته بالإجابة عن: ماذا what . (AT X 381; CSM I 21) تتشكل هذه المجموعات أو الفئات بمقتضى الأولوية المعرفية. تتضمن إحدى المجموعات تلك الطبائع البسيطة التي تفترض الطبيعة البسيطة: فكر أو تفكير بينما تتضمن المجموعة الأخرى تلك الطبائع البسيطة التي تفترض الطبيعة البسيطة: امتداد. الرأي هو أن شكل الطبيعة البسيطة، على سبيل المثال، يفترض امتداد الطبيعة البسيطة من حيث أن الأول معروف (مفهوم) على أساس من الأخير. وكما يقول ديكارت لاحقًا في كتاب المبادئ، “الشكل غير مفهوم إلا في شيء ممتد”(AT VIIIA 25; CSM I 210) فحيث لا امتداد، لا شكل. وينطبق الأمر نفسه على الفئة الأخرى. الطبيعة البسيطة حار، وهي صفة حسية، تفترض الطبيعة البسيطة فكر أو تفكير من حيث أن الأول معروف (أو مفهوم) على أساس من الأخير. لا فكر أو تفكير، فلا (شعور) بالحرارة.
يقول ديكارت بشكلين من أشكال الارتباط بين الطبائع البسيطة : الارتباط الضروري والارتباط الممكن. (AT X 421f; CSM I 45f) يقال إن الطبيعتين البسيطتين متصلتان بالضرورة كلما افترضت إحداهما (أو استلزمت) الأخرى. ( المرجع نفسه ) على سبيل المثال، فإن الشكل كطبيعة بسيطة متصل بالضرورة بالامتداد كطبيعة بسيطة بقدر ما يفترض الأول (أو يستلزم) الأخير. يقال إن الفكرة واضحة كلما ظهر الارتباط الضروري بين الطبائع البسيطة في الفكرة، أو عُبِّر عنه بوضوح. الإجراء الذي اتبعه ديكارت لجعل فكرة “أكثر وضوحًا” هو مقارنة الطبائع البسيطة في الفكرة. يكتب قائلا: إن الإجراء:
… يُنقل من موضوع إلى آخر فقط عن طريق المقارنة، والتي تمكننا من القول بأن الشيء الذي نلتمسه يشبه في هذا الجانب أو ذاك، أو يتطابق مع، أو يساوي، شيئًا معينًا. وفقًا لذلك، منطقيًا، لا نصل إلى معرفة دقيقة بالحقيقة إلا عن طريق المقارنة. (AT X 439; CSM I 57)
ويواصل القول بأن “الوحدة هي الطبيعة المشتركة، كما ذكرنا آنفا، التي يجب لكل الأشياء التي نقارنها أن تتشارك فيها بالتساوي”. (AT X 449; CSM I 63 See also AT X 440f; CSM I 57f) يشارك الشكل والحجم كطبائع بسيطة في افتراض الامتداد كطبيعة بسيطة. الامتداد هو الطبيعة المشتركة؛ فهو يوحد مثل هذه الطبائع في شيء واحد (جسد). الفكر أو التفكير هو الطبيعة المشتركة التي توحد الطبائع البسيطة الأخرى في شيء واحد (عقل). يُقال إن الفكرة غامضة عندما لا يكون هناك اقتران ضروري (علاقة “يفترض مسبقا”) معروضة أو صريحة في الفكرة.
يقال إن الأفكار مشوشة حينما تتضمن أو تشمل طبائع بسيطة تنتمي إلى الفئتين المتعارضتين للطبيعة البسيطة (الفئتان معًا تشكلان التعداد). هنا، تحمل الكلمة اللاتينية confusio معنى مختلطان معًا. إن الفكرة العارضة للشمس هي مثال على فكرة مشوشة. إن تقديم الشمس بأنها دائرية الشكل وحارة، نجد إن الفكرة تتضمن طبائع بسيطة تنتمي إلى فئتين متعارضتين. ينتمي الشكل Shape إلى الفئة التي يلزم أفرادها الطبيعة البسيطة الامتداد، في حين تنتمي الحرارة heat (خاصية) إلى الفئة التي يلزم أفرادها الطبيعة البسيطة الفكر أو التفكير. يقال إن الفكرة متميزة، إذن، عندما تتضمن أو تحتوي فحسب على طبائع بسيطة تنتمي إلى إحدى الفئات المتعارضة. تبدو الفكرة الفلكية للشمس، كما تم تقديمها في التأمل الثالث، مثالاً لفكرة متميزة. فهي لا تتضمن سوى تلك الطبائع البسيطة التي تنتمي إلى الفئة التي يلزم أفرادها الطبيعة البسيطة الامتداد. (Smith 2010, 2015)
في التأمل الثالث، يقدم ديكارت ما يشير إليه العلماء باسم “قاعدة الصواب”: كل ما يتصوره المرء بوضوح وتميز فهو صحيح. (AT VII 35; CSM II 24) في التأمل الخامس، عند تحليله للفكرة الواضحة والمتميزة للمثلث، يزعم ديكارت أنه بما أن “كل ما هو صحيح هو شيء (أي: واقعي)” (AT VII 65; CSM II 45)، فإن ذلك يعني أن “كل ما أتصور بوضوح وتميز أنه ينتمي إلى هذا الشيء (المثلث) فهو ينتمي إليه حقًا” (AT VII 65; CSM II 45) وكما زعم آخرون (Wahl 1995, Lennon 2007, Smith 2010a, Smith 2015)، بالنسبة لديكارت، فإن القول بأن شيئًا ما كان “واقعيا” يعني جزئيًا أنه موجود بشكل مستقل عن العقل المتناهي. هذه أهمية إثبات ديكارت لوجود الله والجسد. إنها أشياء واقعية. في تحليله لفكرة المثلث، يخلص ديكارت إلى أن الطبائع التي يُتصوَّر بوضوح وتميز أن المثلث يملكها فإن المثلث يملكها بالفعل. هذه الطبائع واقعية.
لقد زعم راسل ووال أن الصواب عند ديكارت مرتبط مباشرة بالطبائع. (Wahl 1995) إن ما هو صحيح، كما يقول، “هو الشيء الذي يقع أمام العقل، وليس الفكرة – ليس عمل العقل، ولكن ما يُتصوَّر” (Wahl 1995, p. 188) بعبارة أخرى، الصواب لا يرتبط بالفكرة المأخوذة على نحو مادي، بل بالفكرة المأخوذة على نحو موضوعي. ويقول: وهذا مرتبط بلا شك بادعاء ديكارت بأن كل ما هو صحيح هو شيء (واقعي). (AT VII 65; CSM II 45) إن أهمية هذه النظرة هي أن الطبائع البسيطة، التي تشكل محتويات الأفكار، هي أيضًا الطبائع نفسها التي تملكها الأشياء – على الأقل عندما تكون الفكرة واضحة ومتميزة. هنا، تبدو الطبائع البسيطة وكأنها تعمل كجسر وجودي، إذا جاز التعبير، بين العقل والواقع خارج العقل. إن قراءة وال مثيرة للجدل، ولكنها جديرة بالذكر، طالما أن هناك إمكانية كامنة في قدرتها على التقريب بين القراءات التمثيلية والواقعية المباشرة.
أحد الاقتراحات الحديثة نسبياً، والتي ظهرت جزئياً كرد فعل على الصراع بين التفسيرات التمثيلية والواقعية المباشرة، تأتي من بول هوفمان. (Hoffman 2002) وهو يستند في رأيه إلى وجهة نظر توما الأكويني. ونظراً لأن الطبائع البسيطة هي العناصر الأنطولوجية للأفكار والأشياء، فإن هوفمان يزعم في الأساس أن الطبائع البسيطة نفسها هي التي تمتلك نوعي الوجود اللذين قدمهما ديكارت في التأمل الثالث، أي الوجود الصوري والوجود الموضوعي. (Hoffman 2002) ولنتأمل هنا الفكرة العارضة للشمس. وكما أشرنا آنفاً، فإن هذه الفكرة غامضة ومشوشة. ومع ذلك، يُقال إنها تمثل الشمس في السماء. ويوضح ديكارت في التأمل الثالث أن الفكرة الفلكية للشمس “تماثل” الجسم الموجود في السماء بشكل أفضل من الفكرة العارضة. قد يكون هذا هو الحال من حيث أن الفكرة الفلكية واضحة ومتميزة، ومن حيث أنها تتضمن فقط تلك الطبائع البسيطة التي تفترض الامتداد، مثل الشكل، والحجم، والحركة، وما إلى ذلك (متميزة)، وتُظهر علاقة الافتراض المسبق (واضحة). الشمس جسم طبيعته الامتداد (في الطول، والعرض، والعمق).
يقول هوفمان: “إن الشمس باعتبارها موجودة موضوعياً قادرة على تمثيل الشمس الموجودة صورياً في السماء، بالتحديد لأنها نفس الشيء الذي يتمتع بهذين الحالين للوجود”. (Hoffman 2002, p. 168) وهذا يعني أن الشمس تملك كلاً من الوجود الصوري والموضوعي، أو بالأحرى، تملك الطبائع البسيطة التي تكوِّن الشيء المشار إليه بكلمة “الشمس”؛ تملك كلاً من الوجود الصوري والموضوعي. يرى هوفمان أن الوجود الموضوعي الذي تملكه الطبائع البسيطة هو ما “ينخرط” فيه العقل عند تصور الشمس. ومن خلال الوجود الموضوعي للشمس، يصبح للعقل إمكانية “الوصول إلى” الشمس في السماء. ويبدو هذا الرأي متأرجحًا بين التفسيرين التمثيلي والواقعي المباشر، رغم أن هوفمان نفسه يصف رأيه بأنه يميل إلى اتجاه التفسير الواقعي المباشر.
ومع ذلك، فإن هناك مشكلة تكمن في اقتراح هوفمان. يقول ديكارت بوضوح شديد أن الأفكار، في أنطولوجياه، هي العناصر التي تملك واقعًا موضوعيًا، وهي تملكه بطبيعتها الذاتية. (AT VII 42; CSM II 29) إذا كانت الشمس، على سبيل المثال، أو أي من الطبائع البسيطة التي تشكل الشمس، هي العناصر التي تملك واقعًا موضوعيًا، فإن الشمس أو الطبائع البسيطة التي تشكلها تكون أفكارا. ولكن من المفترض أن الشمس، أو الطبائع البسيطة التي تشكلها، تملك أيضًا وجودًا صوريًا، وهو نوع الوجود الذي يملكه الشيء بقدر ما هو شيء واقعي أو فعلي. إذا كان ديكارت يعني بـ “الواقعي” وجوده بشكل مستقل عن عقل متناه، كما يزعم وال ولينون، فإن الشمس، أو الطبائع البسيطة التي تشكلها، موجودة بشكل مستقل عن العقل المتناهي، بقدر ما تمتلك وجودًا صوريًا. وهذا يستلزم أنه يمكن للأفكار أن توجد بالفعل بشكل مستقل عن العقل المتناهي. لكن هذا يتعارض مع أنطولوجيا ديكارت. لمزيد بحث في التفسيرات التمثيلية والواقعية المباشرة، والتي تتضمن نظرة نقدية لرأي هوفمان، انظر (Smith 2010a).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حواشي نظرية ديكارت في الأفكار
[1] في هذا المدخل، يتم الاستشهاد بمجلدي آدم وتانيري “أعمال ديكارت” (11 مجلدًا). يتم اختصار هذه الاستشهادات بـ AT، متبوعة بأرقام المجلدات والصفحات المناسبة. وقد استخدمت كلما أمكن ترجمة كوتنجهام وستوثوف وموردوخ، الكتابات الفلسفية لديكارت (3 مجلدات)، ويرمز لها اختصارًا بـ CSM. يتضمن المجلد الثالث أنتوني كيني كمترجم. وقد تم اختصاره إلى CSMK، متبوعًا بأرقام المجلد والصفحات المناسبة. يتم الاستشهاد بأرقام AT وCSM/CSMK جنبًا إلى جنب، وتفصل بينهما فاصلة منقوطة. وبالتالي، فإن الاقتباس من الرسالة إلى جيوف هو: AT III 474; CSMK III 201.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
المصادر الرئيسية
Descartes
[AT] | Oeuvres de Descartes, eds. C. Adam & P. Tannery (Paris: 1897–1910 and 1964–1978; Paris: Librairie Philosophique J. Vrin, 1996). References are to volume and page number. |
[CSM] | The Philosophical Writings of Descartes, v. I, II, transl. J. Cottingham, R. Stoothoff, & D. Murdoch, and v. III, transl. J. Cottingham, R. Stoothoff, D. Murdoch, & A. Kenny (Cambridge: Cambridge University Press, 1984, 1985, 1991). References are to volume and page number. |
المصادر الثانوية
- Adams, Marilyn, 1987. William Ockham. Vols. 1–2. South Bend, IN: University of Notre Dame Press.
- Adams, Robert, 1975. “Where Do Our Ideas Come From? Descartes vs. Locke,” in Stich 1975, 71–87.
- Alanen, Lilli, 1994. “Sensory Ideas, Objective Reality, and Material Falsity”, in John Cottingham (ed.), Reason, Will, and Sensation, Oxford: Clarendon Press.
- –––, 2003. Descartes’ Concept of Mind, Cambridge: Harvard University Press.
- Aquila, Richard, 1995. “The Content of Cartesian Sensation the Intermingling of Mind and Body” History of Philosophy Quarterly, 12 (2): pp. 209–226.
- Ariew, Roger & Marjorie Grene, 1995. “Ideas, In and Before Descartes.” Journal of the History of Ideas, 56(1): 87–106.
- Ayers, Michael, 1998. “Ideas and Objective Being.” In Garber & Ayers 1998, 1062–1107.
- Bennett, Jonathan, 1971. Locke, Berkeley, Hume: Central Themes, Oxford: Clarendon Press.
- –––, 1994. “Descartes’ Theory of Modality.” The Philosophical Review, 103(4): 639–667.
- Bolton, Martha, 1986 “Confused and Obscure Ideas of Sense,” in A. Rorty (ed.), Essays on Descartes’ Meditations, Berkeley: University of California Press.
- –––. 1998. “Universals, Essences, and Abstract Entities,” in Daniel Garber and Michael Ayers (eds.) 1998, 1978–211.
- Brown, Gregory, 1980. “Vera Entia: The Nature of Mathematical Objects in Descartes,” Journal of the History of Philosophy, 18: 23–37.
- Butler, R. J. (ed.), 1972. Cartesian Studies, Oxford: Blackwell.
- Chappell, Vere, 1986. “The Theory of Ideas,” in A. Rorty (ed.) 1986, 177–98.
- Chignell, Andrew, 2009. “Descartes on Sensation: A Defense of the Semantic-Causation Model,” Philosophers’ Imprint, 9 (5) [online publication].
- Clark, Desmond, 2003. Descartes’ Theory of Mind, Oxford: Oxford University Press.
- Clatterbaugh, Kenneth, 1980. “Descartes’ Causal Likeness Principle” Philosophical Review, 89(3): 379–402.
- Cook, Monte, 1987. “Descartes’ Alleged Representationalism.” History of Philosophy Quarterly, 4(2): 179–95.
- Costa, Michael, 1983. “What Cartesian Ideas are not.” Journal of the History of Philosophy, 21: 537–49.
- Cronin, T. J., 1966. Objective Being in Descartes and in Suarez, Rome: Gregorian University Press.
- Cummins, Phillip, and Guenter Zoeller (eds.), 1992. Minds, Ideas, and Objects: Essays on the Theory of Representation in Modern Philosophy, Atascadero, CA: Ridgeview Publishing Company.
- Cunning, David, 2003. “True and Immutable natures and Epistemic Progress in Descartes’ Meditations.” British Journal for the History of Philosophy, 11(2): 235–48.
- De Rosa, Raffaella, 2010. Descartes and the Puzzle of Sensory Representation, New York: Oxford University Press.
- Doyle, John, 1984. “Prolegomena to a Study of Extrinsic Denomination in the Work of Francis Suarez,” Vivarium, XXII(2): 121–160.
- Garber, Daniel, 1994. “Forms and Qualities in the Sixth Replies,” reprinted in Garber 2001, 257–73.
- –––, 2001. Descartes Embodied: Reading Cartesian Philosophy through Cartesian Science, Cambridge: Cambridge University Press.
- Fallon, Stephen, 1991. Milton Among the Philosophers, Ithaca: Cornell University Press.
- Garber, Daniel and Michael Ayers (eds.), 1998. The Cambridge History of Seventeenth-Century Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
- Garrod, Raphaele and Alexander Marr (eds.), 2020. Descartes and the Ingenium: The Embodied Soul in Cartesianism, Leiden: Brill.
- Gaukroger, Stephen (ed.), 2006. The Blackwell Guide to Descartes’ Meditations, Malden, MA: Blackwell Publishing.
- Gorham, Geoffrey, 2002. “Descartes on the Innateness of All Ideas,” Canadian Journal of Philosophy, 32(3): 355–88.
- Grene, Marjorie, 1986. Descartes, Minneapolis: University of Minnesota Press.
- –––. 1991. Descartes Among the Scholastics, Milwaukee: Marquette University Press.
- Hatfield, Gary, 1998. “The Cognitive Faculties,” in Garber & Ayers 1998, 953–1002.
- Hoffman, Paul, 1990. “St. Thomas Aquinas on the Halfway State of Sensible Being,” The Philosophical Review, XCIX (1): 73–92.
- –––, 1996. “Descartes on Misrepresentation,” Journal of the History of Philosophy, XXXIV (3): PAGES.
- –––, 2002. “Direct Realism, Intentionality, and the Objective Being of Ideas,” Pacific Philosophical Quarterly, 83: 163–79.
- Jolley, Nicholas, 1990. The Light of the Soul, Oxford: Clarendon Press.
- Kenny, Anthony, 1968. Descartes: A Study of His Philosophy, Oxford: Oxford University Press.
- –––, 1970. “The Cartesian Circle and the Eternal Truths,” Journal of Philosophy, 67: 692–700.
- King, Peter, 2005. “Rethinking Representation in the Middle Ages,” in Lagerlund 2005, 83–102..
- Lagerlund, Henrik (ed.), 2005. Representation and Objects of Thought in Medieval Philosophy, Aldershot: Ashgate.
- Lennon, Thomas, 1974. “The Inherence Pattern and Descartes’ Ideas,” Journal of the History of Philosophy, 12: 43–52.
- –––, 2001. “Locke and the logic of Ideas,” History of Philosophy Quarterly, 18(2): 155–77.
- –––, 2007. “The Eleatic Descartes,” Journal of the History of Philosophy, 45(1): 29–45.
- MacKenzie, Ann, 1994. “The Reconfiguration of Sensory Experience,” in John Cottingham (ed.), Reason, Will, and Sensation, Oxford: Clarendon Press.
- Marion, Jean-Luc, 2002. On Descartes’ Passive Thought: The Myth of Cartesian Dualism, Chicago: University of Chicago Press.
- McRae, Robert, 1965. “’Idea’ as a Philosophical Term in the Seventeenth Century,” Journal of the History of Ideas, 26: 175–190.
- –––, 1972. “Descartes’ Definition of Thought,” in R.J. Butler (ed.) 1972, 55–70.
- Nadler, Steven, 1989. Arnauld and the Cartesian Philosophy of Ideas, Princeton: Princeton University Press.
- –––, 2006. “The Doctrine of Ideas,” in S. Gaukroger 2006, 86–103.
- –––, 2011. Occasionalism: Causation Among the Cartesians, Oxford: Oxford University Press.
- Nadler, Steven, Tad M. Schmaltz, and Delphine Antoine-Mahut (eds.), 2019. The Oxford Handbook of Descartes and Cartesianism, Oxford: Oxford University Press.
- Nelson, Alan, 1996. “The Falsity In Sensory Ideas: Descartes and Arnauld”, in Elmar Kremer (ed.), Interpreting Arnauld, Toronto: University of Toronto Press.
- –––, 1997. “Descartes’ Ontology of Thought,” Topoi 16: 163–78.
- –––, 2008. “Cartesian Innateness,” Janet Broughton and John Carriero (eds.), A Companion to Descartes, Malden: Blackwell.
- Nolan, Larry, 1997. “The Ontological Status of Cartesian Natures,” Pacific Philosophical Quarterly, 78: 169–94.
- –––, 2005. “The Role of the Imagination in Rationalist Philosophies of Mathematics,” in Alan Nelson (ed.), A Companion to Rationalism, Oxford: Blackwell.
- Normore, Calvin, 1986. “Meaning and Objective Being: Descartes and His Sources,” in A. Rorty 1986, 223–41.
- O’Neil, Brian, 1974. Epistemological Direct Realism in Descartes’ Philosophy, Albuquerque: University of New Mexico Press.
- Pasnau, Robert, 1997. Theories of Cognition in the later Middle Ages, Cambridge: Cambridge University Press.
- Pessin, Andrew, 2003. “Descartes’ Nomic Concurrentism: Finite Causation and Divine Concurrence.” Journal of the History of Philosophy, 41(1): 25–49.
- –––, 2007. “Mental Transparency, Direct Sensation, and the Unity of the Cartesian Mind,” in J. Miller (ed.), Topics in Early Modern Philosophy of Mind, Dordrecht: Kluwer.
- Rorty, Amelie (ed.) 1986. Essays on Descartes’ Meditations, Berkeley: University of California Press.
- Rozemond, Marleen, 1998. Descartes’ Dualism, Cambridge, MA: Harvard University Press.
- –––, 2008. “Descartes’ Ontology of the Eternal Truths,” in P. Hoffman, D. Owen and G. Yaffe (eds.), Contemporary Perspectives on Early Modern Philosophy: Essays in Honor of Vere Chappel, Peterborough, ON: Broadview.
- Schmaltz, Tad, 1991. “Platonism and Descartes’ View of Immutable Essences,” Archiv fur Geschichte der Philosophie, 73(2): 129–170.
- –––, 1996. Malebranche’s Theory of the Soul, New York: Oxford University Press.
- –––, 1997. “Descartes on Innate Ideas, Sensation, and Scholasticism: The Reponse to Regius,” in M.A. Stewart 1997, 33–74.
- –––, 2008. Descartes On Causation, Oxford: Oxford University Press.
- Simmons, Alison, 1999. “Are Cartesian Sensations Representational?” Noûs, 33(3): 347–69.
- Smith, Kurt, 2005a. “Rationalism and Representation,” in Alan Nelson (ed.), A Companion to Rationalism, Oxford: Blackwell.
- –––, 2005b. “Descartes’ Ontology of Sensation,” Canadian Journal of Philosophy, 35(4): 563–84.
- –––, 2010a. Matter Matters: Metaphysics and Methodology in the Early Modern Period, Oxford: Oxford University Press.
- –––, 2015. “A Defense of Clarity and Distinctness,” in The Battle of the Gods and Giants Redux, Patricia Easton and Kurt Smith (eds.), Leiden: Brill, pp. 80–105.
- ––– and Nelson, Alan, 2010b. “Divisibility and Cartesian Extension,” in Oxford Studies in Early Modern Philosophy, Volume V, Daniel Garber and Steven Nadler (eds), Oxford: Oxford University, Press, 1–24.
- –––, 2015. The Descartes Dictionary, London: Bloomsbury Press.
- –––, 2018. Simply Descartes, New York: Simply Charly.
- –––, forthcoming 2022. “Descartes on Ideas,” in The Cartesian Mind, Jorge Secada (ed.), London: Routledge.
- Sowaal, Alice, 2004. “Cartesian Bodies” Canadian Journal of Philosophy, 34(2): 217–40.
- Stewart, M. A., 1997. Studies in Seventeenth-Century European Philosophy, Oxford: Clarendon Press.
- Stich, Stephen (ed.), 1975. Innate Ideas, Berkeley, CA: University of California Press.
- Tipton, Ian, 1992. “’Ideas’ and ‘Objects’: Locke on Perceiving ‘Things’,” in Cummins & Zoeller (eds.), 97–110.
- Vinci, Thomas, 1998. Cartesian Truth, Oxford: Oxford University Press.
- Wahl, Russell, 1995. “How Can What I Perceive Be True?,” History of Philosophy Quarterly, 12(2): 185–94.
- Wee, Cecilia, 2007. Material Falsity and Error in Descartes’ Meditations, New York: Routledge.
- Wells, Norman, 1967. “Objective Being: Descartes and His Sources,” The Modern Schoolman, XLV: 49–61.
- –––, 1984. “Material Falsity in Descartes, Arnauld, and Suarez,” Journal of the History of Philosophy, 22(1): 25–50.
- –––, 1990. “Objective Reality of Ideas in Descartes, Caterus, and Suárez,” Journal of the History of Philosophy, 28(1): 33–61.
- –––, 1993. “Descartes’ Idea and its Sources,” American Catholic Philosophical Quarterly, LXVII(4): 513–36.
- Wilson, Margaret, 1978. Descartes, London: Routledge and Kegan Paul
- –––, “Descartes on the Representationality of Sensation,” reprinted in M. Wilson 1999, 69–83.
- –––, 1994. “Descartes on Sense and ‘Resemblance’,” reprinted in M. Wilson 1999, 10–25.
- –––, 1999. Ideas and Mechanism: Essays on Early Modern Philosophy, Princeton: Princeton University Press.
- Yolton, John, 1975. “On Being Present to the Mind: A Sketch for the History of an Idea,” Dialogue, 14: 373–88.
- –––, 1984. Perceptual Acquaintance from Descartes to Reid, Minneapolis: University of Minnesota Press.
أدوات أكاديمية
How to cite this entry. | |
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. | |
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). | |
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database. |
مصادر الإنترنت الأخرى
- Pessin, Andrew, “Descartes’ Theory of Ideas”, Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2008 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2008/entries/descartes-ideas/>. [This was the previous entry on Descartes’ Theory of Ideas in the Stanford Encyclopedia of Philosophy — see the version history.]
المدخلات ذات الصلة
Aristotle, General Topics: psychology | Descartes, René: epistemology | Descartes, René: modal metaphysics | properties | universals: the medieval problem of
شكر وتقدير
أتوجه بالشكر إلى آلان نيلسون على تعليقاته المفيدة على المسودات السابقة لهذا المدخل، وكذلك إلى أندرو بيسين على مدخله الأصلي حول هذه المادة، والتي ساعدت في التمهيد لإتمام هذا المدخل.