مجلة حكمة
كتب ابن سينا كاملة

كتب ابن سينا وسيرته: نشأته، وكتبه، وفلسفته

سيرة موجزة لابن سينا

في مرحلةٍ ما من سنوات عمره الأخيرة، كتب ابن سينا، أو أملى على تلميذه وصاحبه وناسخه أبي عبيد الجوزجاني سيرتَه الذاتية، ووصل بها إلى الوقت الذي التقيا فيه لأول مرة في المرحلة الوسطى من عمره، ليُكمل الجوزجاني سيرتَه الذاتية بعد هذه النقطة بعد وقت قصيرٍ من وفاة أستاذه عام (1037م). إن ذلك التأليف في الترجمة/أو السيرة الذاتية، والذي يحتوي أيضًا على ببليوغرافيات، ونُقِل كوثيقة مُفردة (Gohlman 1974)؛ لهو ممثِّلٌ مبكر لنوع من الأدبيات العربية التي نمَّاها العلماء والباحثون في الإسلام في عصوره الوسطى (Gutas 2015). إنه أيضًا مصدرُنا الأكثر شمولية حول حياة ابن سينا والعصور التي عاشها.

ولد ابنُ سينا، وفقًا لهذ الوثيقة، في أَفْشَنَة، من القرى التي تقع في ضواحي مدينة بخارَى الكبيرة، في وقتٍ ما في العقد السابع من القرن العاشر الميلادي، ربما في أوائل عام (964م)، ولم يكن من الممكن تحديد سنة ولادته بدقّة أكبر(3). وأصل والدِه من بلخ في أقصى الجنوب الشرقي، ثم انتقل شمالًا عندما كان شابًّا للبحث عن عملٍ (أفضل)، وكان موظفًا حكوميًّا، وعمل حاكمًا لقرية خَرْمَيْثن القريبة. لقد كان يعمل لدى الأسرة السامانية الفارسية التي حكمت ما وراء النهر وخراسان واتخذت بخارَى عاصمةً لها (819-1005م)، حيث انتقلت العائلة عندما كان ابن سينا لا يزال صغيرًا. نشأ ابن سينا وتعلَّم هناك، وبدأ حياته العلمية الفلسفية كأحد أفراد النخبة المتعلمة في الأوساط السياسية القريبة من السامانيين.

الدور الجغرافي لمدينة بخارى

تقع بخارى على إحدى المسارات التجارية الرئيسة لطريق الحرير بين سمرقند ومَرْو، وكانت مِثْلُ هذه المدن وغيرها على طول طريق الحرير نشِطة اقتصاديًّا وثقافيًّا منذ عصور ما قبل الإسلام. وفي عهد السامانيين في القرنيْن التاسع والعاشر، الذين اتبعوا أجندةً مدروسة للإحياء اللُّغَوي الفارسي وكذلك الترويج للثقافة العربية الإسلامية الرفيعة التي تنطلق من بغداد وسط العالم الإسلامي؛ فقد وفّروا بيئةً متطوّرة ونقية لازدهار الفنون والعلوم.

احتوت مكتبةُ قصر السامانيين، حيث سمح للمراهق ابن سينا بالزيارة والدراسة بعد معالجته الناجحة للحاكم المريض؛ على كتبٍ في جميع المجالات، بما في ذلك كتب اليونان القديمة مترجمةً إلى العربية، على نحوٍ لم يسبق له مثيلٌ من قبل ولا في عصرها (Gohlman 1974, 37).. كان هذا نتيجةً للإنجاز الثقافي والعلمي والفلسفي الذي يجري في بغداد بسبب النظرة العقلانية للشؤون السياسية والاجتماعية التي تبنَّتها الأُسرةُ العباسية عند وصولها إلى السلطة عام (750م) وحركة الترجمة اليونانية-العربية المصاحبة لها (Gutas 1998; Gutas 2014a, 359–62). ولم تكن بخارى مدينة ريفية، حيث كانت تعج بالعلماء المقيمين والمفكرين الزائرين.

تعليم ابن سينا

تلقَّى ابنُ سينا ​​تعليمًا ممتازًا في جميع المجالات، لكنه أسهب في السيرة الذاتية في الحديث عن دراسته للعلوم الفكرية، أي المنهج الفلسفي المعمول به في المدارس اليونانية للتعليم العالي في العصور القديمة المتأخرة، وبخاصة في الإسكندرية. كانت هذه العلوم تتألَّف من المنطق كأداة للفلسفة (الأورغانون) (Organon)، والعلوم النَّظرية [الثلاثة]: الفيزياء (العلوم الطبيعية)، والرياضيات (التعاليم [الأربعة] quadrivium: الحساب، والهندسة، وعلم الفلك [الهيئة]، والموسيقى)، والميتافيزيقيا -، والعلوم العملية [الثلاثة]: الأخلاق، وعلم الاقتصاد [المنزلي] (إدارة الأسرة)، والسياسة. يشير ابنُ سينا إلى أنه درس هذه المجالات بنفسِه، بهذا الترتيب، على مستويات متدرجةٍ تصاعديًّا من الصعوبة، وأنه حقق الكفاية فيها عند بلوغه الثامنة عشرة. وفي ذلك الوقت تقريبًا سمح له بزيارة مكتبة حاكم السامانيين، حيث، كما يقول، «قرأ تلك الكتب، وأتقن ما فيها، وعرَفَ أدرك مدى تقدُّمِ كلِّ رجلٍ في علمه» (Gohlman 1974, 36; transl. Gutas 2014a, 18).

بعد ذلك بوقت قصير، كتبَ أوَّلَ كتب ابن سينا: كتاب في النفس، (GP 10)، الذي أهداه إلى الحاكم في امتنانٍ واضح لإذنه بزيارة المكتبة. نمت شهرته، وعندما كان في الحادية والعشرين من عمره طَلب منه أحد الجيران يسمَّى العروضي أن يكتب «عملًا شاملًا» في جميع الفلسفة، وهو ما فعله (الحكمة العروضية، GS 2)، حيث تناول جميعَ الموضوعات باستثناء الرياضيات. ثم طلب منه أحدُ الجيران الآخرين، وهو البركي، أن يشرح كتبَ الفلسفة في جميع الموضوعات – والمقصود كتب أرسطو بصورة أساسية -، فالتزم بكتابة كتابٍ من عشرين مجلداً سمَّاه: الحاصل والمحصول (GS 10)، وكتب كتابًا من مجلدين في العُلوم العَمَلِيّة، وهو: البِرُّ والإثم (GPP 1). واضطر إلى العَمَلِ بعد أن توفِّيَ والدُه في هذه الأثناء، لكن من الواضح أنه لم يجد صعوبةً في العثور على وظيفة في الإدارة المالية للسَّامانيين.

انتقاله

لكنْ ضرب التاريخُ ضربتَه ليُنهي وجود ابن سينا المثالي في العمل الآمن والشُّهرة الفكرة وإعجاب مواطنيه. وضع القراخانيون الأتراك عام (999م) حدًّا فعليًّا للسامانيين واستولوا على بخارى. كان رأي ابن سينا واضحًا بسبب ارتباطه الوثيق بالأسرة الحاكمة وموقعه الرفيع في الإدارة السامانية، لقد رأى أن من المناسب الفرار من بخارى. لا يقدم ابن سينا في السيرة الذاتية أيَّ سياقٍ سياسيٍّ لقراره، لكنه يقول فقط «دعتني الضرورة إلى الإحلال ببخارى» (Gohlman 1974, 40–41)، على الرغم من أن طبيعة هذه «الضرورة» لا يمكن أن يخطئها معاصروه وحتى نحن. وهكذا بدأت مسيرة ابن سينا المتجوِّلة مدى الحياة، وسعيُه المصاحب للرعاية والتوظيف (Reisman 2013).

شمال

في البداية، انتقل شمالًا إلى جرجانج [كركانج] في خوارزم (999؟ -1012م)، لكنه اضطُر في النهاية إلى المغادرة مجددًا وسافر غربًا ليبقى لفترة (1012-1014م؟) أولًا في جرجان، قبالة جنوب شرق بحر قزوين، ثم انتقل إلى قلب إيران، في الري (1014؟ -1015م)، وفي همذان (1015-1024؟م)، وأخيرًا في أصفهان (1024؟ – 1037م)، في بلاط علاء الدولة، الحاكم الكاكوي في المنطقة (Gutas 2014b-I, 6–9). خدم ابنُ سينا الحُكَّامَ المحلّيّين المختلفين في هذه المدن بكل تأكيد بصفته طبيبًا ومستشارًا سياسيًّا، وهي وظائف كان قد تولاها بالفعل في بلاده، وأيضًا كعالمٍ مقيم. لقد جرى الانخراط في العلوم والفلسفة خلال القرون العباسية الثلاثة الأولى (750-1050م) في الإسلام في الغالب تحت الرعاية السياسية للحُكَّام، والنخبة الحاكِمة التي كانت الراعية والمستهلكة أيضًا للإنتاج العلمي.

لقد كان أمرًا أكيدًا من هيبة الحاكم أن يكونَ محاطًا بكبار العلماء في عصر، والأهم من ذلك من الناحية السياسية أنه اعتُبرت رعايةُ العلوم أيضًا بمثابة إضفاء الشرعية على حقه في العرش الذي يشغله. نتيجةً لذلك، أبدى العديدُ من الحكَّام اهتمامًا هائلًا بالعلم في حد ذاته بدافع الرغبة في الظهور بمظهر المعرفة والمشاركة في المناقشات العلمية، والتي تحدث عادة في المنتديات السياسية. ولهذا السبب، نجد أنَّ ابن سينا يشارك في بعض الخلافات السياسية/الفكرية في بعض المدن التي عاش فيها، ويخاطب النُّخبَ السياسية في دفاعه بطرحٍ علميٍّ بدلًا من الخطاب السياسي (Michot 2000; Reisman 2013, 14–22; Gutas 2014a, الكتابات الشخصية المدرجة ص 503). كان العلم أكثر ارتباطًا بالحياة والخطاب الاجتماعي والسياسي خلال هذه الفترة، وكان ذلك أيضًا عاملًا مهمًّا في انتشاره السريع وتطوره في العالم الإسلامي.

آخر انتقالاته

في بلاط علاء الدولة في أصفهان حيث أمضى آخر ثلاثة عشر عامًا أو نحو ذلك، تمتّع ابنُ سينا بالتقدير الذي شعر أنه يستحقه. لم تتوقَّفْ إنتاجيّتُه قط، حتى خلال هذه السنوات التي كانت مضطربة عسكريًّا وسياسيًّا. أكمل في هذه الفترة كتابَه الرئيس: الشِّفاء (GS 5)، وأربعة مختصرات أخرى في الفلسفة، إلى جانب رسائل أقصر، وأجرى مراسلات فلسفية قوية مع الطلاب والأتباع ردًّا على الأسئلة التي أثاروها حول نقاط متنوعة في المنطق والفيزياء والميتافيزيقيا. توفي ابن سينا عام (1037م) في همَذان. ثَمَّة ضريحٌ في تلك المدينة اليوم يقال إنه له.

غزارة الانتاج لابن سينا

على الرغم من حياة الارتحال التي قضاها ابن سينا في أزمنة ومناطق مضطربة تاريخيًّا، فضلًا عن الظروف الشخصية غير المواتية التي وجد فيها نفسه في كثير من الأحيان (كما روى في السيرة الذاتية، أو جاء في ترجمته، Gohlman 1974)، كان ابن سينا منتجًا بشكل رهيب، حتى بمعايير المؤلفين غزيري الإنتاج في الكتابة باللغة العربية في الإسلام في العصور الوسطى. يقول في سيرته الذاتية إنه ببلوغه الثامنة عشرة من عمره كان يتقن جميع المجالات الفلسفية دون أن يضاف إليه أيُّ جديد منذ ذلك الحين (Gohlman 1974, 30–39). على الرغم من أن السيرة الذاتية قد تضمنت نقاطًا فلسفية معيّنة يمكن توضيحها (نوقشت في القسم التالي)، فإنّ هذا لم يكن مجرَّد تباهٍ.

كتب ابن سينا

ثَمَّة رواياتٌ تفيد بأنه كتب أجزاءً كبيرة من أعظم كتب ابن سينا: الشفاء، دون الرجوع إلى أي كتب (Gohlman 1974, 58; transl. and analysis Gutas 2014a, 109–115)، وأنّه ألَّف مصنَّفًا في المنطق يقع في مئة صفحة ومن الحجم الكبير في ليلة واحدة من العشاء إلى الفجر (Gohlman 1974, 76–81)، وألَّف كتاب: النجاة (GS 6) «في الطريق» – على ظهر الخيل، بشكل واضح، أو أثناء الراحة من الركوب – في أثناء الحملة العسكرية التي رافق فيها سيّده علاء الدولة (Gohlman 1974, 66–67). ومع المبالغة والطابع الخاص بسِيَر القدّيسين الذي قد تكون عليه بعضُ هذه الروايات، إلا أنه من الواضح أن ابن سينا قد استبطن المنهجَ الفلسفي بصورة بنيوية (لا نقول «حفظ») وتمكَّن من إعادة إنتاجه، واستيعابه بشكل صحيح وإعادة بنائه تحليليًّا، حسب الرغبة.

هذا واضح أيضًا في تجاهله (بالأحرى: إهماله؟) الاحتفاظَ بنُسَخٍ من كتب ابن سينا، كما يجب أن يكون قد حدث بشكل متكرر، عند تكليفه أو طلب الكتابة منه عن موضوعٍ كان قد عالجه في وقت سابق، حيث كان من السهل عليه على ما يبدو تأليف مصنَّفٍ من جديد عن أن ينسخ نسخةً جديدة من أخرى أقدم منها. كان بإمكان ابن سينا ​​أن يكتب بسرعة وبدقة كبيرة دون أن يضحي بأي شيء من العُمق التحليلي. ولكن في الوقت نفسه، ونظراً لشُهرته بلا منازع وسلطته الفكرية الهائلة التي مارسها بعد وفاته بفترة وجيزة، أصبحت الكتابات المنحولةُ عاملًا رئيسيًا في مضاعفة الأعمال المنسوبة إليه (Reisman 2004 and 2010).

عدد كتب ابن سينا

بناءً على ذلك تدرج بعض المصادر في العصور الوسطى قائمةً بـ كتب ابن سينا (وبعضها حديثة، مستندة إلى المصادر القديمة) فيها ما يقرُب من ثلاثمئة عنوان، على الرغم من أن العدد المتزن لمؤلفاته الأصيلة يصل إلى أقل من مئة كتاب، تتراوح بين مقالات قليلة صفحات إلى كتب متعددة المجلدات، وتحتاج الكتب المنحولة المسجّلة إلى تقييم وتوثيق (Gutas 2014a، الملحق، 387-540). ما زال يوجد الكثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به في هذا الصدد.

كتب ابن سينا في مجالاتٍ مختلفة، ولكن إبداعه الرئيس كان وضع الخلاصة الفلسفية، وهي عملٌ شاملٌ يشتمل على جميع أجزاء الفلسفة كما صنِّفَت في أواخر العصور القديمة السكندرية والتقاليد الإسلامية المبكرة. لقد كان هذا بسبب طريقة تعليمه الفلسفي، والتي اتبعت هذا المنهج، حيث كانت أولى المهام التي اضطلع بها حيث كان ما يزال في بخارى هي الكتب التي تشمل جميع الفلسفة، إلا أنه بعد ذلك تعكس هذه الأعمال الثقافةَ الفلسفية الواسعة للفترة التي نظِر فيها إلى العلم والفلسفة ككلٍّ متكامل.

وبالفعل قدَّم ابن سينا في أطروحته الفلسفية الأولى: كتاب في النَّفس، التي خصصها ​​للحاكم الساماني، كما ذكر أعلاه؛ المعرفةَ النظرية (الأشكال الواضحة) على أنها تكْتَسَب عن طريق النفس العاقلة بحسب تصنيف المناهج الفلسفية (Gutas 2014a, 6–8)، وفي عمله الثاني: الحكمة العروضية، جسَّد هذا المخطط في أول خلاصة أو ملخّصٍ فلسفيٍّ دِراسي. ومضى في كتابة سبعةٍ من مِثْلِ هذه الخلاصات في مسيرته، تتراوح في طولها من كتيِّبٍ من ستّين صفحة (عين الحكمة، GS 3)، إلى كتابه الهائل الذي كتبه في وقت سابق من حياته العلمية: الشفاء في فترته المتوسطة. وقد صدر في اثنين وعشرين مجلدًا كبيرًا في طبعة القاهرة (1952–1983)، وتعرض محتوياتُه جميعَ أجزاء الفلسفة في التقاليد الأرسطية التي يعيدون إنتاجها وتنقيحها وضبطها وتوسيعها وإعادة عرضها، على النحو التالي:

كتب ابن سينا في المنطق

  1. إيساغوجي (إيساجوغي Eisagoge لفورفوريوس)
  2. المقولات (المقولات Categories لأرسطو)
  3. العبارة (في التأويل De interpretation لأرسطو)
  4. القياس (التحليلات الأولى Prior Analytics لأرسطو)
  5. البرهان (التحليلات الثانية Posterior Analytics لأرسطو)
  6. الجدل (Topics لأرسطو)
  7. السفسطة (Sophistical Refutations لأرسطو)
  8. الخطابة (Rhetoric لأرسطو)
  9. الشعر (Poetics لأرسطو)

كتب في الفلسفة النظرية

الطبيعيّات

  1. السَّماع الطبيعي (Physics لأرسطو)
  2. السَّماء [والعالم] (De caelo لأرسطو)
  3. الكون والفساد (De generatione et corruption لأرسطو)
  4. المعادن (Meteorology IV لأرسطو)
  5. الآثار العلوية (Meteorology I–III Gh لأرسطو)
  6. النفس (De anima لأرسطو)
  7. النبات (De plantis لنقولا الدمشقي)
  8. الحيوان (History of Animals تاريخ الحيوان، Parts of Animals أعضاء الحيوان، Generation of Animals كَوْن الحيوان، ثلاثتهم لأرسطو)

كتب في الرياضيات

  1. [أصول] الهندسة (Elements العناصر [الأصول] لإقليدس)
  2. الحساب (نيقوماخس الجرشي، وديفانتوس السكندري، وإقليدس، وثابت بن قُرَّة، وآخرون)
  3. الموسيقى (معظمها من Harmonics لبطليموس، مع موادّ أخرى)
  4. الهيئة [الفلك] (المجسطي Almagest لبطليموس)

كتب ابن سينا في الإلهيات/ [الميتافيزيقا]:

  1. العلم الكلي [الأمور العامة]: البحث في الموجود بما هو موجود، الفلسفة الأولى، اللاهوت الطبيعي (الميتافيزيقا لأرسطو).
  2. ميتافيزيقا النفس الناطقة [العاقلة] (بحثُ ظواهر الحياة الدينية والخوارق باعتبارها وظائفَ للنفس الناطقة).

الفلسفة العملية:

  1. التشريع النبوي كأساس لثلاثة أجزاء من الفلسفة العملية.
  2. السياسة (وصايا المشرِّع النبوي للإدارة العامة والحاكم السياسي الذي يخلفه [الخليفة]: كتب أفلاطون وأرسطو في السياسة).
  3. تدبير المنزل (وصايا المشرِّع النبوي لقانون الأسرة: تدبير المنزل Oikonomikos لبروسن Bryson، والكتب الأخرى ذات الصلة).
  4. الأخلاق (كما شرَّعها الخليفة: الأخلاق النيقوماخية لأرسطو)(4).

لم يعُالج ابن سينا جميعَ هذه الموضوعات في كلِّ مختصرٍ من مختصراته، لكنّه وزّع محتوياتها والتأكيد عليها بحسب الغرض المحدد الذي يؤلِّف لأجله تلك الكتب. لقد وضع نمطًا من الكتابة المرنة المستعرِضة للموضوعات الفلسفية، مع استكمال المصطلحات الفلسفية الفنية، التي ظلَّت معتمدةً وقياسيةً منذ ذلك الحين. وعقب تأليفه الشِّفاء، طُلب منه أن يكتبَ عرضًا موجزًا للموضوعات الفلسفية، وهو ما صنعه بالجمع والتأليف – وأحيانًا حتى بالربط معًا – بين موادَّ من كتاباته السابقة، ليُخرِج كتابه: النجاة. وفعل الشيء نفسَه، ولكن بالفارسية هذه المرة، لأجل راعيه الكاكوي علاء الدولة، ليكتبَ له: الفلسفة إلى علاء الدولة (دانشنامه علائي، GS 7). استبعد ابنُ سينا الرياضياتِ ومباحث الفلسفة العمَلِية من كلا الكتابين، والتي استُكمِلت لاحقًا على يد الجوزجاني، بالعربية أولًا ثم بالفارسية، وذلك بالرجوع إلى الكتابات السابقة لابن سينا.

آخر حياة ابن سينا

وقربَ نهاية حياته، كتب ابن سينا مختصريْن آخريْن باتجاهاتٍ متباينة قليلًا. ففي الأول منها، والذي سمَّاه: الحكمة المشرقِيَّة (GS 8)، ليعبِّر عن مكانه في شرق العالم الإسلام، حيث خراسان الكبرى (المشرِق)؛ ركَّز ابنُ سينا على المسائل التي «اختلف أهل البحث» فيها، في المنطق والفيزياء [الطبيعيات] والميتافيزيقيا [الإلهيات]، دون الرياضيات أو موضوعات الفلسفة العملية (باستثناء التشريعات النبوية التي قدَّمها؛ انظر أدناه) حيث لم يكن فيها سوى خلاف يسير. لقد كانت مقاربته مذهبيةً، وليست تاريخيّة، فهو يكتبُ كتابًا، كما يقول: «يحتوي على أمهات العلم الحق الذي استنبطه مَنْ نظر كثيرًا وفكّر مليًّا ولم يكن من جودة الحسِّ بعيدًا»، أي نفسه (GS 8, p. 2 and 4; transl. and analysis Gutas 2014a, 35–40; Gutas 2000).

وفي مختصره الثاني، وهو أيضًا متأخِّرٌ جدًّا، تباعد ابن سينا بشكل كبير عن الأنماط التقليدية في العرض، وطوَّر أسلوبًا موحيًا وإشاريًّا أطلق عليه: الإشارات والتنبيهات (GS 9). لقد كان الغرض من هذا الأسلوب، الذي استعاره من تقليد الشروح الأرسطية المتأخرة التي توضح سبب وضع أرسطو أسلوبًا مشفّرًا في الكتاب؛ هو تدريب الطلاب من خلال عدم تقديم حجج كاملة ونظريات مفصَّلة تمامًا، ولكن فقط بتقديم إشارات وتنبيهات، بحيث يكملها الطالب نفسُه. يعالج الكتاب في جزأيه: المنطق والطبيعيات في الأول، والإلهيات وميتافيزيقا النفس الناطقة في الثانية.

شعبية الكتاب

لقد لقي الكتابُ شعبيةً كبيرة باعتباره بيانًا موجزًا، على الرغم من إبهامه كثيرًا في التعبير عن فلسفة تامّة، فكان مفتوحًا على التفسير، وأصبح موضوعًا للشروح المتكررة على مر القرون، المهمة التي كان يبدو أنها تجب على ابن سينا. إنه كتابٌ صعب، ويجب فهمه دائمًا من خلال الرجوع المستمر إلى البيان الأكثر وضوحًا لنظريات ابن سينا في الشفاء. وتقليديًّا فإنه من النادر أن يُقرأ إلا مع شرحٍ، ولاسيما شرح فخر الدين الرازي، وبخاصة شرح نصير الدين الطوسي(5).

بخلاف ما في المختصرات، فقد كتب ابنُ سينا بشكلٍ شاملٍ يتناول جميع مباحث الفلسفة في عملين كبيرين وواسعي الانتشار، وكلاهما في حوالي عشرين مجلدان، وقد فُقِد كلاهما الآن. الأول كان شرحه المبكر على أعمال أرسطو الذي كتبه بناء على تكليف جاره البركي، وهو: الحاصل والمحصول [في الفلسفة]. والكتاب الثاني هو: الإنصاف (GS 11)، ألَّفه عام (1029م)، وكان شرحًا مفصَّلًا على «الفقرات الصعبة» لجميع مدوَّنات أرسطو، بما في ذلك كتاب الثيولوجي لأرسطو المشكوك فيه (هو في الواقع التاسوعات [من الرابع إلى السادس] لأفلوطين).

ويشير العنوان إلى حكم ابن سينا بين التفسيرات التقليدية الأرسطية، وآرائه الخاصة، من خلال تقديم الحجج لدعم آرائه. وبحسب ما أوضح ابنُ سينا عنوان كتابه، «قسمتُ العلماءَ [في هذا الكتاب] قسميْن، مغربيين [تقليد الشروح اليونانية، والأرسطيين البغداديين]، ومشرقيين [آراء ابن سينا]، وجعلت المشرقيين يعارضون المغربيين، حتى إذا حقّ اللداد تقدمتُ بالإنصاف فأرود حجج المشرقيين على المغربيين، وأحكم بينهما بإنصاف إذا كان ثَمَّ خلافٌ حقيقيٌّ بينهما» (GS 14, 375; transl. Gutas 2014a, 145).

الأطروحات المستقلة لابن سينا

تتعامل الأطروحات المستقلّة حول الموضوعات الفردية التي كتبها ابنُ سينا مع معظم الموضوعات، ولكن بشكلٍ خاصّ مع تلك التي كان عليها طلبٌ أكبرُ من رُعاته، وتلك التي كان مهتمًّا بها بشكل خاص، ولاسيما المنطق، والنفس، وميتافيزيقا النفس الناطقة. وفي محاولةٍ للوصول إلى جمهور أوسع، فقد شرح نظريته حول النفس الناطقة في حكايتين رمزيتين، حي بن يقظان (GM 7; Goichon 1959)، والطير (GM 8; Heath 1990)، ونظَم أخرى شِعْرًا: الجُمانة الإلهية في (334) بيتًا عن وحدانية الله وفيض الخلق عنه (GM 9)، وأُرجوزة علم المنطق في (290) بيتًا (GL 4)، وعددًا من القصائد حول الموضوعات الطبية، وبخاصة: أُرجوزة في الطب، التي شرحها ابن رُشد.

وبالإضافة إلى ذلك فقد شارك في مراسلاتٍ مطوَّلة مع علماء سألوه أو ناقشوه في مشكلات محددة، وتجدر هنا الإشارة إلى إجاباته على الأسئلة حول الفيزياء الأرسطية وعلم الكونيات التي طرحها العبقريُّ العلميُّ الآخر في عصره: البيروني [GP 8]، وبخاصة المجموعتين اللتين جمعتا بعد وفاته لإجاباته ومناقشاته المتداولة تحت عنوان: التعليقات (GS 12a)، والمباحثات (GS 14). كما كتب عددًا من الرسائل المفتوحة يصف فيها الخلافات التي خاضها ويطلب فيها المحاكمةَ بينه وبين خصمه، أو يُنكر فيها تهمًا موجهّةً إليه (GPW 1–3).

خاتمة

لقد عاش ابنُ سينا فلسفتَه، وتتجلّى رغبته في إيصالها إلى أبعد مما تتيحه ظروفُه الشخصية، كمثقفٍ في عين الجمهور؛ في الأساليب التأليفية المتنوعة وقوائم المفردات اللغوية التي استعملها. لـــقد كتبَ بهدف الوصول إلى جميع طبقات المجتمع (المتعلِّمة)، ولكن أيضًا بعين الأجيال القادمة. لقد كان امتدادهُ عالميًّا في طموحاته، مثل نظامه الذي كان محيطًا في شموليته، وهو الأمر الذي أثبته التاريخ.