-
د. محمد جمال صقر، كلية دار العلوم (جامعة القاهرة)، كلية الآداب (جامعة السلطان قابوس)
دعيت من كيلة اللغات الأجنبية بجامعة بكين سنة 2010م، إلى المحاضرة في تاريخ اللغة العربية ، فرأيت أن أصطفي نصوصًا من تراث الكلام العربي متوافقةً متعاقبةً متكاملةً، أتتبع فيها حركة أصوات اللغة العربية وصيغِها ومفرداتِها وجملِها وفقرِها؛ فلم يُمَكِّنِّي من ذلك إلا تراث الشعر العربي.
-
وعلى رغم عيوب “الموسوعة الشعرية” الصادرة عن مُجَمَّع أبي ظبي الثقافي في 2003م، لم أستغن عما جَمَعَتْه من شعر لا يتيسر لباحث الانقطاع لجمعه؛ فعسى القائمون عليها وعلى مثلها أن يعرفوا خطر عملهم، فيقوموا له بما يستحق[1]!
-
أهملت من مادة الموسوعة، شعر العامية، وشعر الدوبيت والشعر الموشح: أما شعر العامية فمتعدد الماهيات، يحتاج إلى بحث غير هذا المرصود لرحلة اللغة العربية الفصحى. وأما شعر الدوبيت ففارسي الوزن منخلع من العروض العربي الذي ضبطه الخليل. وأما الشعر الموشح فغير خالص للغة العربية الفصحى؛ فمن تقاليده الأصيلة المستمرة، أن يُختم الموشح بخرجة عامية أو أعجمية، يجدها الوشاح أولا، ثم يبني عليها موشحه، ليفضي إليها، وقد درست هذا الشعر الموشح من قبل، في “علاقة عروض الشعر ببنائه النحوي”.
-
خَلَصَتْ لي بعد ذلك 114234 قصيدة، توزعت في عصور التاريخ العربي، على النحو الآتي:
م |
العصر |
مدته |
درجة مدته |
قصائده |
درجة قصائده |
صِنْفُه |
1 |
ما قبل الإسلام |
500 |
3 |
2,20% |
10 |
د |
2 |
المخضرمون |
50 |
10 |
3,76% |
9 |
ب |
3 |
الإسلامي |
39 |
12 |
0,36% |
12 |
أ |
4 |
الأموي |
88 |
9 |
6,81% |
7 |
ج |
5 |
ما بين الدولتين |
50 |
11 |
1,98% |
11 |
أ |
6 |
العباسي |
508 |
2 |
19,54% |
2 |
أ |
7 |
الفاطمي |
262 |
6 |
7,22% |
5 |
ب |
8 |
المغرب والأندلس |
781 |
1 |
6,97% |
6 |
د |
9 |
الأيوبي |
168 |
7 |
6,08% |
8 |
ب |
10 |
المملوكي |
267 |
5 |
9,02% |
3 |
ج |
11 |
العثماني |
288 |
4 |
7,40% |
4 |
أ |
12 |
الحديث |
147 |
8 |
28,59% |
1 |
د |
-
ولما تأملت من كل عصر، علاقة مدته بمقدار قَصَاْئِده، تَصَنَّفَتْ الاثنا عشر عصرا، على أربعة أصناف:
-
(أ) عصورٌ تَطابَقَتْ فيها دَرَجَةُ مُدَّةِ زمانها مِن تاريخ الشِّعْر ودَرَجَةُ نِسْبَة قصائدها مِنْ مَجْموع القصائد، وهي الإسلامي، وما بين الدولتين، والعباسيُّ، والعثماني.
-
(ب) عصورٌ تَلاصَقَتْ فيها الدَّرَجَتانِ، وهي المخضرمون، والفاطميُّ، والأيوبي.
-
(ج) عصورٌ تَقارَبَتْ فيها الدَّرَجَتانِ، وهي الأيوبيُّ، والمملوكي.
-
(د) عصورٌ تَباعَدَتْ فيها الدَّرَجَتانِ، وهي ما قبل الإسلام، والمغربُ والأندلسُ، والحديث.
وعلى حين يظهر في ثلاثة الأصناف (أ) و(ب) و(ج)، أثرُ المدة الزمنية في مقدار القصائد- يختفي في الصنف الرابع (د)، هذا الأثر، ليظهر أثر تِقَانةِ التوثيق والحفظ والنشر؛ فلم يكن كثير من شعراء الجاهلية يكتبون شعرهم مثلا، ولا تخلو نكبات المغرب والأندلس من تضييع تراث الشعر، ثم إن للطباعة أثرا واضحا في تسجيل الشعر الحديث.
-
وتخرجت قصائد الموسوعة الشعرية، من الستة عشر بحرا الخليلية، على النحو الآتي:
م |
1 |
2 |
3 |
4 |
5 |
6 |
قبل الإسلام |
المخضرمون |
الإسلامي |
الأموي |
بين الدولتين |
العباسي |
|
1 |
الطويل938 |
الطويل1696 |
الطويل171 |
الطويل3604 |
الطويل585 |
الطويل4445 |
2 |
الوافر428 |
الوافر622 |
الرجز92 |
الوافر1017 |
الكامل314 |
الكامل3687 |
3 |
الكامل347 |
البسيط537 |
الوافر58 |
البسيط979 |
الرجز304 |
البسيط3035 |
4 |
البسيط300 |
الكامل511 |
الكامل43 |
الكامل806 |
البسيط290 |
الخفيف2271 |
5 |
الرجز154 |
الرجز414 |
البسيط31 |
الخفيف370 |
الوافر204 |
الوافر2120 |
6 |
المتقارب104 |
المتقارب217 |
الخفيف11 |
الرجز339 |
الخفيف159 |
السريع1625 |
7 |
الخفيف76 |
الخفيف113 |
المتقارب6 |
المتقارب302 |
السريع104 |
المتقارب1305 |
8 |
الرمل54 |
الرمل60 |
الرمل3 |
المنسرح118 |
الرمل87 |
الرجز1111 |
9 |
المنسرح48 |
المنسرح55 |
السريع2 |
الرمل111 |
المتقارب84 |
المنسرح1058 |
10 |
السريع48 |
السريع53 |
المنسرح1 |
السريع82 |
المنسرح78 |
الرمل888 |
11 |
المديد13 |
الهزج11 |
المجتث1 |
المديد33 |
الهزج41 |
المجتث351 |
12 |
الهزج9 |
المديد11 |
× |
الهزج20 |
المجتث7 |
الهزج278 |
13 |
× |
المجتث1 |
× |
المجتث2 |
المديد6 |
المديد149 |
14 |
× |
× |
× |
× |
× |
المضارع3 |
15 |
× |
× |
× |
× |
× |
المتدارك3 |
16 |
× |
× |
× |
× |
× |
المقتضب2 |
ج |
2519 |
4301 |
419 |
7783 |
2263 |
22331 |
7 |
8 |
9 |
10 |
11 |
12 |
ج |
الفاطمي |
المغرب والأندلس |
الأيوبي |
المملوكي |
العثماني |
الحديث |
|
الطويل1832 |
الطويل2051 |
الطويل1825 |
الكامل2077 |
الطويل1905 |
الكامل7786 |
الطويل27701 |
الكامل1568 |
الكامل1797 |
الكامل1354 |
الطويل2016 |
الكامل1833 |
الطويل6633 |
الكامل22123 |
البسيط1352 |
البسيط1227 |
البسيط1217 |
البسيط1444 |
البسيط1248 |
البسيط5287 |
البسيط16947 |
الوافر747 |
الوافر597 |
السريع496 |
السريع906 |
الخفيف941 |
الخفيف3216 |
الوافر10787 |
السريع662 |
السريع518 |
الوافر465 |
الخفيف826 |
الوافر697 |
الوافر3092 |
الخفيف9548 |
الخفيف596 |
الخفيف504 |
الخفيف465 |
الوافر740 |
الرمل447 |
الرمل1806 |
السريع6217 |
المتقارب529 |
المتقارب406 |
المتقارب274 |
الرجز593 |
السريع440 |
الرجز1324 |
الرجز5371 |
الرجز337 |
الرمل299 |
الرجز266 |
الرمل544 |
الرجز273 |
السريع1281 |
المتقارب4936 |
المنسرح256 |
المنسرح178 |
الرمل225 |
المتقارب409 |
المتقارب242 |
المتقارب1058 |
الرمل4708 |
الرمل184 |
الرجز164 |
المنسرح157 |
المنسرح305 |
المجتث172 |
المجتث618 |
المنسرح2604 |
المجتث120 |
المجتث136 |
المجتث91 |
المجتث304 |
المنسرح159 |
المنسرح191 |
المجتث1803 |
المديد39 |
المديد57 |
الهزج55 |
الهزج62 |
المديد71 |
المتدارك134 |
الهزج635 |
الهزج25 |
المتدارك17 |
المديد52 |
المديد59 |
الهزج18 |
المديد106 |
المديد596 |
المتدارك4 |
الهزج13 |
المتدارك8 |
المتدارك14 |
المتدارك11 |
الهزج103 |
المتدارك191 |
المقتضب3 |
المقتضب5 |
المقتضب3 |
المقتضب5 |
المضارع1 |
المقتضب30 |
المقتضب48 |
المضارع3 |
المضارع3 |
المضارع1 |
المضارع4 |
× |
المضارع4 |
المضارع19 |
8257 |
7972 |
6954 |
10308 |
8458 |
32669 |
114234 |
-
وتدرجت نِسَبُها من القصائد، على النحو الآتي:
-
الطويل (24,24%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الأولى لعشرة عصور (1-9، 11)، والثانية لعصرين (10، 12).
-
-
الكامل (19,36%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الأولى لعصرين (10، 12)، والثانية لستة أعصر (5-9، 11)، والثالثة لعصر واحد (1)، والرابعة لثلاثة أعصر (2، 3، 4).
-
-
البسيط (14,83%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الثالثة لتسعة أعصر (2، 4، 6-12)، والرابعة لعصرين (1، 5)، والخامسة لعصر واحد (3).
-
-
الوافر (9,44%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الثانية لثلاثة أعصر (1، 2، 4)، والثالثة لعصر واحد (3)، والرابعة لعصرين (7، 8)، والخامسة لخمسة أعصر (5، 6، 9، 11، 12)، والسادسة لعصر واحد (10).
-
-
الخفيف (8,35%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الرابعة لثلاثة أعصر (6، 11، 12)، والخامسة لعصرين (4، 10)، والسادسة لخمسة أعصر (3، 5، 7-9)، والسابعة لعصرين (1، 2).
-
-
السريع (5,44%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الرابعة لعصرين (9، 10)، والخامسة لعصرين (7، 8)، والسادسة لعصر واحد (6)، والسابعة لعصرين (5، 11)، والثامنة لعصر واحد (12)، والتاسعة لعصر واحد (3)، والعاشرة لثلاثة أعصر (1، 2، 4).
-
-
الرجز (4,70%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الثانية لعصر واحد (3)، والثالثة لعصر واحد (5)، والخامسة لعصرين (1، 2)، والسادسة لعصر واحد (4)، والسابعة لعصرين (10، 12)، والثامنة لأربعة أعصر (6، 7، 9، 11)، والعاشرة لعصر واحد (8).
-
-
المتقارب (4,32%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة السادسة لعصرين (1، 2)، والسابعة لستة أعصر (3، 4، 6-9)، والتاسعة لأربعة أعصر (5، 10-12).
-
-
الرمل (4,12%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة السادسة لعصرين (11، 12)، والثامنة لستة أعصر (1-3، 5، 8، 10)، والمنزلة التاسعة لعصرين (4، 9)، والعاشرة لعصرين (6، 7).
-
-
المنسرح (2,27%)، في الاثني عشر عصرا:
-
بالمنزلة الثامنة لعصر واحد (4)، والتاسعة لخمسة أعصر (1، 2، 6-8)، والعاشرة لأربعة أعصر (3، 5، 9، 10)، والمنزلة الحادية عشرة لعصرين (11، 12).
-
-
المجتث (1,57%)، في أحد عشر عصرا – فقد خلا منه العصر 1 – :
-
بالمنزلة العاشرة لعصرين (11، 12)، والحادية عشرة لستة أعصر (3، 6-10)، والثانية عشرة لعصر واحد (5)، والثالثة عشرة لعصرين (2، 4).
-
-
الهزج (0,55%)، في أحد عشر عصرا – فقد خلا منه العصر 3 -:
-
بالمنزلة الحادية عشرة لعصرين (2، 5)، والثانية عشرة لخمسة أعصر (1، 4، 6، 9، 10)، والثالثة عشرة لعصرين (7، 11)، والرابعة عشرة لعصرين (8، 12).
-
-
المديد (0,52%)، في أحد عشر عصرا – فقد خلا منه العصر 3-:
-
في الحادية عشرة لعصرين (1، 4)، والثانية عشرة لأربعة أعصر (2، 7، 8، 11)، والثالثة عشرة لخمسة أعصر (5، 6، 9، 10، 12).
-
-
المتدارك (0,16%)، في سبعة أعصر – فقد خلت منه الأعصر 1-5-:
-
بالمنزلة الثانية عشرة لعصر واحد (12)، والثالثة عشرة لعصر واحد (8)، والرابعة عشرة لأربعة أعصر ( 7، 9-11)، والخامسة عشرة لعصر واحد (6).
-
-
المقتضب (0,04%)، في ستة أعصر- فقد خلت منه الأعصر 1-5، 11-:
-
بالمنزلة الخامسة عشرة لخمسة أعصر (7-10، 12)، والسادسة عشرة لعصر واحد (6).
-
-
المضارع (0,01%)، في سبعة أعصر – فقد خلت منه الأعصر 1-5-:
-
بالمنزلة العاشرة لعصر واحد (6)، والخامسة عشرة لعصر واحد (11)، والسادسة عشرة لخمسة أعصر (7-10، 12).
-
-
ولا تخفى مراتب الستة عشر بحرا الخليلية بعضها من بعض، بل قد انتبه إلى كثير من ذلك الخليلُ بن أحمد، ونبه عليه بدوائره المرتبة على وفق نسبة شيوع البحور؛ فقد قَدَّم دائرة المختلف ليدور فيها الطويل والمديد والبسيط، ثم ثَنَّى بدائرة المؤتلف ليدور فيها الوافر والكامل، ثم ثَلَّث بدائرة المجتلب ليدور فيها الهزج والرجز والرمل، ورَبَّع بدائرة المشتبه ليدور فيها السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث، ثم خَمَّس بدائرة المتفق ليدور فيها المتقارب والمتدارك. ولو اطلع الخليلُ بن أحمد على ما كان بعده، لربما قدم دائرة المشتبه بتقدم الخفيف والسريع على وجه العموم، على دائرة المجتلب بتأخر الرجز والرمل!
ثم إننا نستطيع الآن أن نصنف الستة عشر بحرا الخليليةَ، على طبقتين:
-
في الطبقة الأولى بحور لم يخل منها عصر، وهي عشرة: الطويل، والكامل، والبسيط، والوافر، والخفيف، والسريع، والرجز، والمتقارب، والرمل، والمنسرح.
-
وفي الطبقة الثانية بحور خلا منها بعض العصور، وهي ستة: المجتث، والهزج، والمديد، والمتدارك، والمقتضب، والمضارع.
لِنُنَوِّهَ بما ثبت لبحور الطبقة الأولى دون أبحر الطبقة الثانية، من ملاءمة إيقاعية حيوية مستمرة- ثم بما كان من استغناء الشعراء بها أحيانا عن أبحر الطبقة الثانية.
-
ولَمَّا تَمَيَّزَ لي تراث الشعر العربي على النحو السابق، أقبلت أصطفي من عصوره كلها، ما اتَّحَدَ بينه البحر والرسالة والطول جميعا معا؛ فاجتمعت لي عفوا لا قصدا، اثنتا عشرة قطعةً طَويليةً مَديحيةً مُثَلَّثَةً. ولا يمتنع أن يجتمع لي غيرها، إذا ما تغيرت مجامعها، ولكنني حرصت على البدء بهذه الدفعة، إجلالا لبحر الطويل ملك البحور المتوج عليها بالمرتبة الأولى من الاستعمال على مدار التاريخ.
-
وهذه هي الاثنتا عشرة قطعةً، الطويليةُ المديحيةُ المثلثةُ:
-
مِنْ عصر ما قبل الإسلام قال الطُّفَيْلُ الْغَنَوِيُّ (؟-609م):
عُصَيْمَةُ أَجْزِيهِ بِمَا قَدَّمَتْ لَهُ يَدَاهُ وَإِلَّا أَجْزِهِ السَّعْيَ أَكْفُرِ
تَدَارَكَنِي وَقَدْ بَرِمْتُ بِحِيلَتِي بِحَبْلِ امْرِئٍ إِنْ يُورِدِ الْجارَ[2] يُصدِرِ
أُفَدّي بِأُمِّيَ الحَصانِ وَقَد بَدَت مِنَ الوَتِدات لي حِبالُ مُعَبِّرِ
-
ثم مِنْ عصر المخضرمين قال النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ (570-670م):
وَأَيَّ فَتًى وَدَّعْتُ يَوْمَ طُوَيْلِعٍ عَشِيَّةَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَسَلَّمَا
رَمَى بِصُدُورِ الْعِيسِ مُنْخَرَقَ الصَّبَا فَلَمْ يَدْرِ خَلْقٌ بَعْدَهَا أَيْنَ يَمَّمَا
فَيَا جَاْزِيَ الْفِتْيَانِ بِالنِّعَمِ اجْزِهِ بِنُعْمَاهُ نُعْمَى وَاعْفُ إِنْ كَانَ أَظْلَمَا
-
ثم مِنَ العصر الإسلامي قال زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفيَانَ (622-673م):
هَلُمُّوا إِلَى أَهْنَاسَ يَا آلَ هاشِمِ وَيَا عُصْبَةَ الْمُخْتَارِ نَسْلَ الْأَعَاظِمِ
وَدُونَكُمُ ضَرْبَ السِّهَامِ بِشِدَّةٍ وَقَطْعَ رُؤُوسٍ ثُمَّ فَلْقَ جَمَاجِمِ
لِنَنْصُرَ دِينًا لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الْهُدَى الْمَبْعُوثِ مِنْ آلِ هَاشِمِ
-
ثم مِنَ العصر الأموي قال الْفَرَزْدَقُ (658-728م):
وَقَوْمٌ أَبُوهُمْ غَاْلِبٌ جُلُّ مَالِهِمْ مَحَامِدُ أَغْلَاهَا مِنَ الْمَجْدِ غَالِبُ
بَنُو كُلِّ فَيَّاضِ الْيَدَيْنِ إِذَا شَتَا وَأَكْدَتْ بِأَيْمَانِ الرِّجَالِ الْمَطَالِبُ
وَمَا زَالَ مِنْهُمْ مُشْتَرِي الْحَمْدِ بِاللُّهَى وَجَارٌ لِمَنْ أَعْيَتْ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبُ
-
ثم مِنْ عصر ما بين الدولتين قال مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ (723-798م):
إِذَا بَلَّغَتْنَا الْعِيسُ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ أَخَذْنَا بِحَبْلِ الْيُسْرِ وَانْقَطَعَ الْعُسْرُ
سَمَتْ نَحْوَهُ الْأَبْصَارُ مِنَّا وَدُونَهُ مَفَاوِزُ تَغْتَالُ النِّيَاقَ بِهَا السَّفْرُ
فَإِنْ نَشكُرِ النُّعْمَى الَّتِي عَمَّنَا بِهَا فَحَقَّ عَلَيْنَا مَا بَقِينَا لَهُ الشُّكْرُ
-
ثم مِنَ العصر العباسي قال ابْنُ الرُّوْمِيِّ (836-896م):
بِهِ تَنْطَوِي الْآمَالُ عِنْدَ انْبِسَاطِهَا وَتَنْبَسِطُ الْأَعْمَارُ بَعْدَ انْطِوَائِهَا
وَمَا تَنْطَوِي الْآمَالُ عَنْهُ بِخَيْبَةٍ وَلَكِنْ إِلَى جَدْوَاهُ أَقْصَى انْتِهَائِهَا
إِذَا غَلَتِ الْآمَالُ فَارْضَ بِجُودِهِ فَمَا بَعْدَهُ مَعْدًى لِسَهْمِ غَلَائِهَا
-
ثم مِنَ العصر الفاطمي قال ابْنُ أَبِي حُصَيْنَةَ (998-1064م):
رَأَيْتُ مُلُوكَ الْأَرْضِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ وَأَبْصَرْتُ مَا لَا يُبْصِرُ النَّاسُ فِي النَّاسِ
وَطَوَّفْتُ فِي شَرْقٍ وَغَرْبٍ وَأُدْمِيَتْ مَنَاسِيمُ أَعْيَاسِي وَآطَالُ أَفْرَاسِي
فَلَمْ أَرَ مَخْلُوقًا مِنَ النَّاسِ فَضْلُهُ يَزِيدُ عَلَى فَضْلِ الْمُعِزِّ بْنِ مِرْدَاسِ
-
ثم مِنْ عصر المغرب والأندلس قال ابْنُ رَشِيقٍ الْقَيْرَوَانِيُّ (1000-1071م):
فَقُلْ لِصُرُوفِ الدَّهْرِ ضُرِّي أَوِ انْفَعِي فَإِنِّيَ مِنْ مَثْوًى بَعِيدٍ عَلَى قُرْبِ
هُوَ الْمَرْءُ أَمَّا جَارُهُ فَهْوَ آمِنٌ وَأَمَّا الْعِدَى وَالْمَالُ مِنْهُ فَفِي رُعْبِ
مَتَى يَدْعُهُ الدَّاْعِي لِدَفْعِ مُلِمَّةٍ يُجَاوِبْهُ مَنْصُورَ الْيَدَيْنِ عَلَى الْخَطْبِ
-
ثم مِنَ العصر الأيوبي قال ابْنُ النَّبِيهِ (1164-1222م):
أَيَا مُنْعِمًا شُكْرِي لَهُ الْوَاجِبُ الْأَوْلَى وَيَا مُخْلِصًا لِلَّهِ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى
خَرَجْتَ لِتَرْتِيبِ الْبِنَاءِ فَلَوْ رَأَى سُلَيْمَانُ مَا شَيَّدْتَهُ قَالَ لَا أَقْوَى
فَكَمْ بُنِيَتْ مِنْ قَبْلِهَا مِنْ مَدَارِسٍ وَلَكِنَّهُمْ مَا أَسَّسُوهَا عَلَى التَّقْوَى
-
ثم مِنَ العصر المملوكي قال ابْنُ الْوَرْدِيِّ (1292-1349م):
وَمَا كَانَ ظَنِّي أَنْ يَكُونَ الْفَتَى كَذَا ذَكَاءً وَلَكِنْ مَنْ يَوَدُّكَ مُقْبِلُ
وَمَا حَدَبَاتُ الْأَذْكِياءِ نَقِيصَةٌ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ تِلْكَ لِلْعِلْمِ أَحْمَلُ
فَدُمْ فِي أَمَانِ اللَّهِ فَضْلُكَ وَافِرٌ وَعِرْضُكَ مَوْفُورٌ وَذِكْرُكَ أَوَّلُ
-
ثم مِنَ العصر العثماني قال شِهَابُ الدِّيْنِ الْخَفَاجِيُّ (1569-1659م):
بِنُورِ الْمَعَانِي أَشْرَقَ اللَّفْظُ فَاكْتَسَى بِثَوْبَيْهِ مِنْ حُسْنٍ بَدِيعٍ بِلَا زُورِ
فَفِي عُمَرٍ مِنْ عَالَمِ الذَّرِّ عَدْلُهُ إِلَى اسْمٍ سَرَى مِنْ أَجْلِ ذَا قِيلَ تَقْدِيرِي
وَمَنْ قَالَ ذَا التَّقْدِيرُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فَقَدْ سَارَ فِي ظَلْمَاءِ جَهْلٍ بِلَا نُورِ
-
ثم مِنَ العصر الحديث قال جَمِيل صِدْقِي الزَّهَاوِي (1863-1936م):
نَزَلْتَ كَمَا يَرْجُو السَّلَامُ عَلَى الرَّحْبِ بِمُشْرِفَةٍ بَيْنَ الْمَحَابِرِ وَالْكُتْبِ
وَجِئْتَ إِلَى بَغْدَادَ تُبْصِرُ دِجْلَةً وَتَشْرَبُ مِنْ سَلسَالِ مَنْهَلِهَا الْعَذْبِ
فَقَامَتْ بِتَكْرِيمِ الرَّجَاحَةِ أُمَّةٌ وَرَحَّبَ شَعْبٌ بِالْكِيَاسَةِ وَاللُّبِّ
-
-
إن وجود هذه القطع في نفسه رباط قوي، يخلد أسلوبا عربيا أصيلا مستمرا، يستشكل فيه الشاعر ببيت من مُثَلَّثَتِه، ويدعي ببيت، ويستدل ببيت، وإن اختلف بين الشعراء ترتيب هذه الفصول.
-
-
-
وربما خطر لبعض المتلقين أن تلك القطع بقايا قصائد -وإن اكتملت رسائلها- لاقترانها ببعض الروابط والإحالات التي لا ترجع إلى مذكور. ولكنها على هذا قُبِلت ورُوِيَت وبَقِيَت، فأما الروابط والإحالات فلها فيما يأتي وجوه من أساليب الشعر العربي الأصيلة المستمرة.
-
-
-
ولقد تجلى لي أن حركة الأصوات في الشعر العربي، مخبوءة في حركة المفردات؛ فإذا غلبت على الشاعر كلمة دالة تعلق بها وبسط لأصواتها في كلامه عنها؛ ومن ثم اضطربت أَرْوِيَةُ قِطَعنا بين ثلاث درجات من الإسماع.
-
-
-
وتلاقى بعض الشعراء في كلمات القوافي، على صيغٍ تؤدي تفعيلات أو أجزاء من تفعيلات، كصيغتي “فُعْل”، و”فَعْل”، اللتين تُؤَدِّيان جزء “عِيلُنْ”، من تفعيلة الضرب “مَفَاعِيلُنْ”.
-
-
-
وآثر بعض الشعراء تعبير الجار والمجرور في بعض المواضع التي آثر فيها غيره تعبير المتبوع والتابع، فدل الأول على تَحَرُّجِه من عيب الاستدعاء، على حين استكان له الأخير.
-
-
-
وتلاءم في أبيات قطعنا البيت والجملة، إلا درجاتِ التضمين الخفيفةَ، التي تتيح للمتلقي أن يستعمل البيت الواحد في حاجته المشابهة.
-
-
-
أما جرأة بعض الشعراء على تصدير حروف العطف من غير معطوف عليه، عطفا على حديث النفس، أو تسليما لوزن البحر اطمئنانا إلى جواز العطف على حديث النفس- فيستثقله بعض الشعراء فيعرضون عنه، أو يستغلق على بعض المتلقين فيحذفون هذه الحروف!
-
-
-
لقد بدت لي تلك القطع الاثنتا عشرةَ الطويليةُ المديحيةُ المثلثةُ، قصيدة واحدة مستمرة، أجاز فيها اثنا عشر شاعرا بعضُهم بعضًا على اختلاف الأزمنة والأمكنة، ولن يَقَرَّ لها قرار ما بقي في الدنيا عربي، و”لَنْ تَدَعَ الْعَرَبُ الشِّعْرَ حَتَّى تَدَعَ الْإِبِلُ الْحَنِينَ”!
-
-
-
وتَمَثَّلَتْ لي بها رحلة اللغة العربية في بحور الشعر، كيف كانت أصواتها وصيغها ومفرداتها وتعبيراتها وجملها وفقرها، وكيف صارت. وفي تأمل كلٍّ من ذلك بها، ما لا يتسع له وقت.
-
-
وتجلى تراث العربية كُلًّا مجتمع الأجزاء، يَسْتَوْعِبُه على اجتماعِ أجزائِهِ كلُّ طالبٍ من كل زمان ومكان، عالما كان أو فنانا، وتتكرر لذلك آثاره على اختلاف الأزمنة والأمكنة.
-
لم أكن أريد إلا أن أصطفي نصوص الكلام العربي المتوافقةَ المتعاقبةَ المتكاملةَ، التي أتتبع فيها رحلة اللغة العربية، ولكنني وجدتني أجري مجرى الخليل بن أحمد الفراهيدي، من حيث أدري ولا أدري، وأُكَمِّل عمله على نحو ما، فرضَ كفاية على المشتغلين بالعربية في كل زمان ومكان! فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات!
[1] ربما كان من علامات التفريط أن يتخلوا عن عملهم لتستولي عليه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم لتخرج به سنة 2009م، ما سمته موسوعة الشعر العربي!
[2] هكذا في الموسوعة وفي ديوانه نشرة دار صادر بتحقيق حسان فلاح أوغلي الطبعة الأولى 1997م، ص132، ولكنني أظن أن الصواب بالرفع؛ فعلى هذا ينبني المديح.