مجلة حكمة
المغالطات المنطقية مغالطة

المغالطات

الكاتبهانز هانسن
ترجمةناصر الحلواني

ثمة مفهومان متنافسان للمغالطات، الأول: أنها معتقدات خاطئة ولكنها شائعة، والثاني: أنها حُجَج باطلة ومخادعة. ويمكن أن نميز بين هذين المفهومين باعتبارهما مفهومي مغالطات المعتقد والحُجَّة. ويتمسك الكتاب الأكاديميون، الذين أولوا قدرا كبيرا من الاهتمام لموضوع المغالطات، بمفهوم مغالطات الحُجَّة، أو على الأقل يفضلونه، غير أن مفهوم مغالطات المعتقد هو السائد في الخطاب الشعبي وغير الأكاديمي. وكما سنرى، هناك مفاهيم أخرى للمغالطات، ولكن محور البحث الحالي هو مفهوم مغالطات الحُجَّة.

لقد اعتُبِرت القدرة على اكتشاف المغالطات وتجنبها بمثابة مكمِّل لمعايير التفكير السليم. إن المعرفة بالمغالطات باتت ضرورية لتسليحنا في مواجهة أكثر الأخطاء إغراءً، والتي قد نتخذها في الحُجَج – وهذا ما اعتقده أرسطو، وكذلك المنطقيان ريتشارد ويتلي، وجون ستيوارت ميل في أوائل القرن التاسع عشر. ولكن مع تحول مسار النظرية المنطقية منذ أواخر القرن التاسع عشر فصاعداً إلى النظم البديهية واللغات الشكلية لم تعد دراسة الاستدلال والحِجَاج في اللغة الطبيعية تحظى بكثير اهتمام، ومن ثم توقفت تقريبا التطورات في دراسة المغالطات. كانت المناقشات حول المغالطات، حتى فترة متقدمة بعد منتصف القرن العشرين، تقتصر في معظمها على الكتب المدرسية التمهيدية. ولم يرجع الاهتمام بالمغالطات إلا عندما أدرك الفلاسفة عدم التوافق بين المنطق الصوري، من ناحية، والحِجَاج والاستدلال في اللغة الطبيعية من ناحية أخرى، عاد الاهتمام بالمغالطات. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، تم الاعتراف بجدوى معرفة المغالطات (جونسون وبلير 1993)، وتم اعتبار الطريقة التي يتم بها دمج المغالطات في نظريات الحِجَاج بمثابة علامة على مستوى كفاءة النظرية (بيرو وسييجل 2007، فان إيميرين 2010).

في الدراسات الحديثة للمغالطات ، صار من الشائع التمييز بين المغالطات الصورية وغير الصورية. المغالطات الصورية هي تلك التي يُنظر إليها بسهولة على أنها أمثلة على أشكال منطقية غير صحيحة يمكن التعرف عليها، مثل:  مغالطة الوسط غير المستغرِق، ومغالطة نفي العنصر الشرطي denying the antecedent. على الرغم من أن العديد من المغالطات غير الصورية هي أيضًا حُجَج غير صحيحة، فمن المعتقد عمومًا أن الأكثر فائدة، من وجهة نظر كل من المعرفة والفهم، هو تسليط الضوء على نقاط ضعفها من خلال التحليلات التي لا تنطوي على الاحتكام إلى اللغات الشكلية. لهذا السبب، أصبح من المعتاد تجنب اللغة الرمزية للمنطق الصوري عند تحليل هذه المغالطات؛ ومن ثم اكتسب مصطلح “المغالطة غير الصورية” رواجًا واسعا.

في المقالة التالية، والتي تتكون من أربعة أقسام، سيتم استعراض ما يُعتبر أدبيات المغالطات غير الصورية. الجزء الأول هو مقدمة للمغالطات الأساسية كما قدمها لنا تراث الكتب الدراسية. يستعرض الجزء الثاني تاريخ تطور مفاهيم المغالطات كما وجدت من أرسطو إلى كوبي. يتناول الجزء الثالث بعضًا من أحدث الأبحاث المبتكرة حول المغالطات، بينما يهتم الجزء الرابع ببعض موضوعات البحث المعاصرة في نظرية المغالطات.


1. المغالطات الأساسية

يقدم إيرفينج كوبي في كتابه “مقدمة إلى المنطق” الصادر عام 1961 شرحًا موجزًا لثمانية عشر مغالطة غير صورية. ورغم وجود بعض الاختلافات بين الكتب التعليمية المتنافسة، فإن اختيار كوبي قد اشتمل على ما كان بالنسبة للكثيرين المغالطات الأساسية المركزية التقليدية(1). وفي الأساس، تأتي هذه المغالطات من منبعين أساسيين: كتاب أرسطو “التفنيدات السفسطائية Sophistical Refutations ” وكتاب جون لوك “مقال في الفهم الإنساني An Essay Concerning Human Understanding ” (1960). على سبيل التقديم سيُطرح عرض للمغالطات الأساسية، وبنحو خاص مثلما عُرضت في الكتب التعليمية التمهيدية. لن نقدم من خلاله سوى تعريفات عامة وأمثلة توضيحية للمغالطات. وهذا شرط مهم، أولا: لأن تعريفات (أو شروط الهوية) لأي من المغالطات غالبًا ما تكون موضع خلاف، وبالتالي لا يمكن تقديم تعريف كامل أو نهائي في دراسة تمهيدية؛ وثانيًا، يرغب بعض الباحثين في استخدام أمثلة معقولة وواقعية فقط من أجل توضيح كل مغالطة. وهذا أيضًا غير ممكن في هذه المرحلة. وتكمن ميزة الأمثلة الشائعة للمغالطات في أنها مصممة لتسليط الضوء على الخطأ الذي يُفترض أنه يرتبط بكل نوع من أنواع المغالطات. وثم تفاصيل إضافية حول بعض المغالطات في القسمين 2 و3. وكتعريف عملي أولي للموضوع، يمكننا أن نعتبر المغالطة حُجَّة تبدو أفضل مما هي عليه في الواقع.

1. مغالطة الاشتراك اللفظي equivocation هي حُجَّة تستغل التباس مصطلح أو عبارة وردت مرتين على الأقل في حُجَّة، بحيث يكون لها في المرة الأولى معنى وفي المرة الثانية معنى آخر. وأحد الأمثلة المألوفة هو:

الموت هو نهاية الحياة.
 نهاية الحياة هي السعادة.
 إذن، الموت هو السعادة.

يعني تعبير “نهاية الحياة” في المرة الأولى التوقف عن الحياة، أما في المرة الثانية فالمقصود به الغرض من الحياة. هكذا، نرى أن استخدام نفس الكلمات مرتين يخفي حقيقة أن المعنيين المختلفين يعرقلان استمرارية التفكير المنطقي، مما يؤدي إلى نتيجة ينعدم الترابط بينها وبين الحُجَّة المقدمة.

2. مغالطة الاشتباه النحوي amphiboly هي، مثل مغالطة الاشتراك اللفظي، ومغالطة الالتباس؛ ولكن الالتباس هنا يرجع إلى بنية نحوية مبهمة في الحُجَّة:

أُمِرَ رجال الشرطة بمنع شرب الخمر في الحرم الجامعي بعد منتصف الليل.
لذا، أصبحوا الآن قادرين على الاستجابة لحالات الطوارئ بشكل أفضل بكثير من ذي قبل.

هناك العديد من التفسيرات التي يمكن إعطاؤها للمقدمة لأنها غامضة نحويًا. في قراءة يمكن أن يكون المقصود أن رجال الشرطة هم الذين كانوا يشربون وعليهم الآن الامتناع عن ذلك؛  وهذا يشكِّل حُجَّة معقولة. وفي قراءة أخرى، قد يكون المقصود أن رجال الشرطة أُمروا بمنع الآخرين (الطلاب، مثلا) من الشرب بعد منتصف الليل. إذا كان هذا هو المعنى المقصود من المقدمة،  فيمكن القول إن الحُجَّة مغالطة؛ لأنها، رغم المظاهر الأولية، لا تدعم الاستنتاج.

3 & 4. تحدث مغالطتا التركيب والتقسيم composition and division عندما يُعتقد خطأً أن خصائص الأجزاء والمركَّبَات قابلة للنقل من جزء إلى آخر. تأمل العبارتين التاليتين:

 أ. كان كل عضو في فريق التحقيق باحثًا ممتازًا.

ب. كان فريق التحقيق ممتازًا.

نرى هنا أن لفظ “ممتاز” هو الخاصية المعنية. مغالطة التركيب هي استنتاج (ب) من (أ)، لكنها لن تصمد إذا لم يعمل أعضاء الفريق بشكل تعاوني مع بعضهم البعض. قد يفشل الاستدلال العكسي من (ب) إلى (أ) – مغالطة التقسيم – أيضًا إذا كان لبعض الأعضاء الأساسيين في الفريق دورا داعما أو إداريا وليس دورا بحثيا.

5. يمكن أن تتبدى مغالطة المصادرة على المطلوب (petitio principii) في عدة أشكال. يتضح أحد هذه الأشكال بنحو جيد في مِثال ويتلي ((1875 III §13: “إن السماح لكل إنسان بحرية التعبير المطلقة يجب أن يكون دائمًا، في المجمل، مفيدا للدولة؛ لأنه من الملائم لمصلحة المجتمع أن يتمتع كل فرد بحرية مطلقة في التعبير عن مشاعره”. هذه الحُجَّة تصادر على المطلوب لأن المقدمة والاستنتاج هما نفس الفكرة، وإن تم التعبير عنهما بكلمات مختلفة. إنها حالة خفية للتكرار الذي لا يقدم سببًا لنتيجته الواضحة.

هناك نسخة أخرى من مغالطة المصادرة على المطلوب تظهر في سياقات الحِجَاج حيث توجد أسئلة غير محسومة حول المصطلحات الأساسية. افترض، على سبيل المثال، أن الجميع متفقون على أن قتل شخص ما يتطلب القيام بفعل خاطئ، ولكن لا يتفق الجميع على أن عقوبة الإعدام شكل من أشكال “جرائم القتل”؛ يرى البعض أنها قتل مُبرر. إذن، إذا طرح أحد المجادلين هذه الحُجَّة:

عقوبة الإعدام تتطلب قتل البشر.
إذن، عقوبة الإعدام خطأ.

قد يقول البعض إن هذا مصادرة على المطلوب لأن المجادل في هذا السياق من الحِجَاج يُسرب أمرا وكأنه محسوم فيما لا يزال الأمر على خلاف ذلك. أي أنه إذا تم قبول المقدمة الأولى دون مزيد حُجَج، فإن المجادل يفترض الإجابة على سؤال مثير للجدل دون حُجَّة.

لا تُعتبر أي من هاتين النسختين من المصادرة على المطلوب خطأ بسبب عدم صحتها، لذلك لا يتم اتهامها بأن النتيجة لا تتبع منطقيا الحُجَّة المقدمة، مثل معظم المغالطات الأساسية؛ ومع ذلك، فهي محاولات إثبات تُخفي مواطن ضعفها. قد يفسِّر هذا الاعتبار، بالإضافة إلى نَسَبِه القديم الذي يرجع إلى أرسطو، إدراج المصادرة على المطلوب باستمرار بين المغالطات. ولكن، نظرًا لانتمائنا إلى المفهوم الحديث للمنطق باعتباره معنيًا فقط بعلاقة تُنتج حقيقة ‘truth-imposing relation ، فيجب النظر إلى أشكال المصادرة على المطلوب باعتبارها مغالطات معرفية لا باعتبارها مغالطات منطقية.

بعض نسخ مغالطة المصادرة على المطلوب تكون أكثر تعقيدًا، وتُسمَّى الاستدلال الدائري. وهي تتضمن أكثر من استدلال واحد. وقد أوضح ديكارت هذا النوع من المغالطات بمثال الاعتقاد في الكتاب المقدس باعتباره مُبرَّرًا لأنه كلمة الله، وإيماننا بوجود الله باعتباره مبررًا لأنه مذكور في الكتاب المقدس(2). وتؤدي الفرضيتان إلى بعضهما البعض، في دائرة، ولا يحظى أي منهما إلا بدعم الآخر.

6- عادة ما يتم تفسير المغالطة المعروفة باسم السؤال المُركَّب complex question ، أو السؤال المتعدد many questions بأنها مغالطة مرتبطة بفعل السؤال. على سبيل المثال، في سياق يجب فيه إعطاء إجابة بنعم أو لا، فإن السؤال: “هل ما زلت عضوًا في كو كلوكس كلان؟” هو مغالطة؛ لأن أيًا من الإجابتين تعني أن المرء كان في الماضي عضوًا في كو كلوكس كلان، وهو افتراض قد لا يكون صادقًا أساسا. يقول البعض أن هذا النوع من الأخطاء لا يُعد مغالطة لأن طرح سؤال لا يعني إنشاء مناقشة.

7. هناك عدد من المغالطات المرتبطة بفكرة السببية، وأكثرها مناقشة هي مغالطة جاء بعده فهو بسببه post hoc ergo propter hoc. إن هذه المغالطة تُلحق علاقة سببية بين حالتين، أو حدثين، على أساس من التعاقب الزمني. على سبيل المثال:

انخفضت البطالة في الربع الأخير من العام لأن الحكومة ألغت الضريبة على الوقود في الربع الثاني من العام.

ربما كان الانخفاض في البطالة الذي حدث بعد إلغاء الضريبة راجعاً إلى أسباب أخرى؛ ربما لاستخدام آلية صناعية جديدة، أو زيادة الطلب الدولي على المنتجات. وتتضمن مغالطات أخرى الخلط بين السبب والنتيجة، وتجاهل إمكانية عدم ارتباط حدثين ببعضهما البعض بشكل مباشر، وإنما حدث كلاهما نتيجة لعامل ثالث، هو سبب مشترك. ربما تُفهم هذه المغالطات بشكل أفضل باعتبارها أخطاء في التفسير لا أخطاء في الحُجَج.

8. إن مغالطة تجاهل المطلوبignoratio elenchi ، أو الاستنتاج غير ذي الصلة بالمقدمة، هي مؤشر على التوجه الخطأ في المحاجَّة لا على ضعف الاستدلال. فالزعم ، على سبيل المثال، بأن كالجاري هي أسرع المدن نمواً في كندا، لا يمكن دحضه بحُجَّة سليمة تُثبت أنها ليست أكبر مدينة في كندا. وهناك تنوع آخر لمغالطة تجاهل المطلوب، تُعرف باسم مغالطة رجل القش، والتي تحدث عندما يتم تحريف وجهة نظر الخصم ليسهل دحضها. على سبيل المثال، في معارضة وجهة نظر مؤيِّد أن (أ) عمليات التصنيع هي سبب الانحباس الحراري العالمي، قد يستبدل المعارض القضية بأن (ب) كل الأمراض التي تصيب البشرية ترجع أسبابها إلى التصنيع، ثم بعد أن يثبت بسهولة أن (ب) كاذبة، يترك الانطباع بأن (أ) أيضًا كاذبة. حدث خطأ في أمرين: أن المؤيد لا يعتقد (ب)، وحتى لو كان معتقدا به، فإن كذب (ب) لا يعني كذب (أ).

هناك عدد من المغالطات الشائعة التي تبدأ بالبادئة اللاتينية “ad” (“الاحتكام إلى” أو “التوجه نحو”) وسيتم وصف أكثرها شيوعًا فيما يلي.

9. تتعلق مغالطة ad verecundiam  بالاحتكام إلى السلطة أو الخبرة. تتضمن المغالطة في الأساس قبول تصريح كدليل على صحة اقتراح ما من شخص يُعتَقَد أنه صاحب سلطة لكنها في الحقيقة سلطة غير حقيقية. وقد يحدث هذا عندما يتظاهر غير الخبراء بأنهم خبراء في مجالات لا يتمتعون فيها بأية كفاءة خاصة ــ على سبيل المثال: عندما يؤيد المشاهير المنتجات التجارية أو الحركات الاجتماعية. وعلى نحو مماثل، عندما يكون هناك جدل، وتنقسم السلطات، فمن الخطأ أن نبني وجهة نظرنا على أساس من رأي أي من السلطتين. (انظر أيضًا فقرة 2.4 أدناه).

10. مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية ad populum تشبه مغالطة الاحتكام إلى السلطة، والفرق هو أن المصدر الذي يتم الاحتكام إليه هو الرأي العام، أو المعرفة المشتركة، لا إلى سلطة محددة. على سبيل المثال:

في هذه الأيام، يمتلك الجميع (ما عداك) سيارة ويعرفون كيفية القيادة؛
إذن، يجب أن تمتلك أنت أيضًا سيارة وتعرف كيفية القيادة.

غالبًا ما تكون المقدمات، في مثل هذه الحُجَج، غير صادقة، ولكن حتى لو كانت صادقة بشكل عام، فقد لا تقدم سوى دعم هزيل لاستنتاجاتها؛ لأن ممارسة شيء ما على نطاق واسع، أو الاعتقاد به، لا يشكل دليلاً مقنعًا على أنه صحيح، أو أنه يجب القيام به. هناك عدد قليل من الموضوعات التي يمكن القول إن عامة الناس يتبنون فيها آراء موثوقة. هناك نسخة أخرى من مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية تُعرف باسم “تملُّق العامة playing to the gallery” حيث يسعى المتحدث إلى أن تَلقَى وجهة نظره القبول بإثارة التحيزات والعواطف ذات الصلة في جمهوره عوضا عن تقديمها بأدلة قوية.

11. إن مغالطة الاحتكام إلى القوة ad baculum واحدة من أكثر المغالطات إثارة للجدل؛ لأنه من الصعب أن نرى أنها مغالطة، أو حتى أنها تنطوي على استدلال فاسد. إن مغالطة “الاحتكام إلى القوة” تعني “الالتجاء إلى العصا” وعادة ما يُفهم منها أنها تنطوي على تهديد بإلحاق الأذى بالشخص الموجهة إليه. على سبيل المثال:

إذا لم تنضم إلى مظاهرتنا ضد توسيع الحديقة العامة، فسوف نطردك من شقتك؛
لذا، يجب عليك الانضمام إلى مظاهرتنا ضد توسيع الحديقة العامة.

مثل هذه التهديدات تمنحنا أسبابًا للفعل، وبقدر ما قد يكون المحاور بغيضا، فسيبدو ألا مغالطة حينئذ. في النزاعات العمالية، وربما في العلاقات الدولية، عادة لا يُعتبر استخدام التهديدات مثل: الإضراب، أو قطع طرق التجارة، مغالطات، على الرغم من أنها تنطوي على الترهيب والتهديد بالإيذاء. ولكن إذا انتقلنا إلى اعتبارات القَنَاعات، فإن الحُجَّة بأنه يجب عليك أن تعتقد أن هذا المرشح هو الأنسب لمنصب عام لأنك إذا لم تؤمن بهذا فسوف يتم طردك من شقتك، هي بالتأكيد مثال جيد على الدليل غير ذي الصلة.

12. تُعد مغالطة التوجه إلى استدرار العطف ad misericordiam رفيقة مغالطة “الاحتكام إلى القوة“: فهي لا تقع عندما تكون التهديدات في غير محلها، ولكن عندما يُعتقد خطأً أن مناشدات التعاطف أو الشفقة أدلة. ويعتمد مدى تأثير تعاطفنا مع الآخرين على أفعالنا على عدد من العوامل، بما في ذلك الظروف وآرائنا الأخلاقية. ومع ذلك، فإن التعاطف وحده عمومًا لا يشكل دليلا على تصديق أي اقتراح. ومن ثم،

يجب أن تعتقد أنه ليس مذنبًا بسرقة تلك اللوحات؛ فكر في مقدار ما عانت عائلته أثناء الكساد.

تجد حُجَج “ التوجه إلى استدرار العطف“، مثل حُجَج الاحتكام إلى القوة، في مكانها الطبيعي في التفكير العملي؛ أما عند استخدامها في الحِجَاج (العَقَدِي) النظري فإن احتمالية كونها مغالطة تكون أكثر ترجيحًا.

13. تتضمن مغالطة الشَّخصَنَة ad hominem استخدام جوانب سلبية في شخصية المُجادِل أو موقفه، للتأثير على وجهة النظر التي يتبناها. وهناك ثلاثة أشكال شائعة لهذه المغالطة. وتتضمن مغالطة الشَّخصَنَة القول بأنه لا ينبغي قبول وجهة نظر شخص ما لأنه يتصف ببعض الخصائص غير المرغوبة.

وقد يتم بأريحية رفض اقتراح السيدة تومسون بشأن المستنقعات لأنها اعتُقلت العام الماضي بتهمة الصيد دون ترخيص.

إن الصيادة تومسون، على الرغم من مخالفتها للقانون، قد تكون لديها خطة جيدة للغاية فيما يتعلق بالمستنقعات.

نسخة أخرى، أكثر دقة، من المغالطة هي الشَّخصَنَة الظرفية حيث يُزعم أنه بالنظر إلى الظروف التي يجد فيها المتحدث نفسه، فإن موقفه مدعوم بالمصلحة الذاتية بدلاً من الأدلة الجيدة. لذا، قد يتم رفض الدراسات العلمية التي ينتجها الصناعيون لإظهار أن مستويات التلوث في مصانعهم ضمن القانون بشكل غير مستحق، لأنها تُحقق لهم مصلحة شخصية. ومع ذلك، من الممكن أن تكون الدراسات سليمة: أن ما يقوله شخص ما ويصب في مصلحته الشخصية، لا يعني أنه ينبغي رفضه.

والنسخة الثالثة من مغالطة الشَّخصَنَة هي مغالطة أنت أيضا tu quoque . التي تنطوي على عدم قبول وجهة نظر أو توصية لأن المؤيد لها لا يتَّبِعهَا. وهكذا، إذا نصحتنا جارتنا بممارسة الرياضة بانتظام ورفضنا نصيحتها على أساس أنها لا تمارس الرياضة بانتظام، فإننا نرتكب مغالطة “أنت أيضا“: قيمة النصيحة لا تعتمد كليًا على نزاهة الناصح.

وننهي دراستنا للمغالطات الأساسية بالنظر في مغالطتين أخريين فقط.

14. تحدث مغالطة القياس المغلوط faulty analogy عندما تُستخدم القياسات كحُجَج أو تفسيرات بينما تكون أوجه التشابه بين الأصل والفرع المُقاس بعيدة جدًا عن دعم الاستنتاج.

 إذا حصل طفل على لعبة جديدة، فسيرغب باللعب بها؛
إذن، إذا امتلكت دولة أسلحة جديدة، فسوف ترغب في استخدامها.

في هذا المثال (بحسب كتاب تشرشل 1986، ص 349) هناك فرق كبير بين استخدام (اللعب بـ) الألعاب واستخدام (إطلاق) الأسلحة. اللُّعَب صُنعت للتسلية، أما الأسلحة فقد صُنعت لإلحاق الأذى بالآخرين. اللَّعِب بالألعاب هو نشاط حميد يتطلب القليل من التبرير؛ أما استخدام الأسلحة ضد دول أخرى فهو أمر لا يتم عادة إلا بعد مداولات مطولة وكخيار أخير. وبالتالي، هناك فرق هائل بين استخدام الألعاب واستخدام الأسلحة للاستدلال على أن الدولة، إذا حصلت على الأسلحة، سوف ترغب في استخدامها بمثل البساطة التي يرغب الأطفال بها اللعب بألعابهم.

15. تتخذ مغالطة المنحدر الزلق slippery slope عمومًا الشكل الذي يمكننا من نقطة بداية معينة التوصل إلى نتيجة كارثية غير مرغوب فيها عبر سلسلة من الاستدلالات التصاعدية، وبسبب هذه النتيجة غير المرغوب فيها، يلزم رفض النقطة الأولية. يمكن أن تكون أنواع الاستدلالات المتضمَّنة في حُجَّة الخطوة خطوة سببية، كما في المثال التالي:

أنت قررت عدم الذهاب إلى الكلية؛
إذا لم تذهب إلى الكلية، فلن تحصل على شهادة؛
إذا لم تحصل على شهادة، فلن تحصل على وظيفة جيدة؛
إذا لم تحصل على وظيفة جيدة، فلن تتمكن من الاستمتاع بالحياة؛
ولكن يجب أن تكون قادرًا على الاستمتاع بالحياة؛
إذن، يجب أن تذهب إلى الكلية.

إن ضعف هذه الحُجَّة، والسبب الذي يجعلها مغالطة، يكمن في الادعاءين السببيين الثاني والثالث. إن سلسلة الخطوات الصغيرة، التي تؤدي من نقطة بداية مقبولة إلى نتيجة غير مقبولة، قد تعتمد أيضا على كلمات غامضة بدلاً من العلاقات السببية. إن الافتقار إلى الحدود الواضحة هو ما يحقق حُجَج المنحدر الزلق المحيِّرة، والمعروفة باسم مغالطة “اللحية” و”الكومة”. في الحالة الأولى، يصبح الشخص ذو اللحية في النهاية بلا لحية مع إزالة شعر اللحية واحدًا تلو الآخر؛ ولكن لأن تعبير “لحية” مبهم ولا يتحدد المقصود به، فمن غير الواضح عند أي نقطة يمكننا القول إن الرجل أصبح الآن بلا لحية. وبالتالي، في كل خطوة من الحُجَّة، وحتى اقتلاع الشعرة الأخيرة، يجب أن نستمر في الاستنتاج بأن الرجل ملتح. في الحالة الثانية، لأن كلمة “كومة” مبهمة، فمن غير الواضح عند أي نقطة يؤدي تكديس الحجارة معًا إلى جعلها كومة من الحجارة: إذا لم تكن كومة منذ البداية، فإن إضافة حجر آخر لن يجعلها كومة، وهكذا. في كلتا الحالتين، يبدو أن الاستدلال السليم يؤدي إلى استنتاج كاذب.

 لقد تم ذكر عدد آخر من المغالطات ومناقشتها (انظر، على سبيل المثال: نيكرسون 2021، فصل 6)، بعضها مثير للاهتمام ومختلف تمامًا عن تلك المذكورة آنفا.  سيتم ذكر بعض تلك المغالطات في ثنايا عرضنا للمصادر التاريخية والمعاصرة في الفقرة التالية.

2. تاريخ نظرية المغالطات

2.1 أرسطو

يبدأ تاريخ دراسة المغالطات بكتاب أرسطو في التفنيدات السفسطائية. وهو من بين كتاباته المبكرة، ويبدو أن العمل استمرار لكتاب “طوبيقا Topics“، وهي أطروحته عن الحِجَاج الجدلي.  على الرغم من أن مناقشته الأكثر شمولاً وتفصيلاً من الناحية النظرية للمغالطات موجودة في كتاب التفنيدات السفسطائية، إلا أن أرسطو يناقش المغالطات أيضًا في كتاب التحليلات الأولى، وفي كتابه البلاغة. سنركز هنا على إيجاز مجمل العمل المقدم في كتاب التفنيدات السفسطائية. في ذلك العمل، ثمة أربعة أشياء تستحق الملاحظة: (أ) المفاهيم المختلفة للمغالطة؛ (ب) المفاهيم الأساسية المستخدمة لتفسير المغالطات؛ (ج) تفسير أرسطو لسبب كون المغالطات مضلِّلة؛ (د) إحصاؤه وتصنيفه للمغالطات.

2.1.1 التعريفات

في مستهل كتاب طوبيقا (I، i)، يميز أرسطو بين عدة أنواع من الاستدلالات (الأقيسة). يتم تمييزها أولاً على أساس من حالة مقدماتها. (1) تلك التي تبدأ من مقدمات صادقة وأولية، أو ترجع إلى معرفة صادقة وأولية، هي براهين. (2) تلك التي لها مقدمات جدلية – فرضيات مقبولة لأغلبية الناس، أو للحكماء – هي استدلالات جدلية. (3) الاستدلالات التي تبدأ من مقدمات تبدو ظاهريا فقط أنها جدلية، هي استدلالات مغلوطة بسبب مقدماتها الأولى، مثل (4) تلك “الاستدلالات” التي لها مقدمات جدلية ولكن لا تلزم عنها نتائجها. المغالطات الأخرى المذكورة والمرتبطة بالبراهين هي (5) تلك التي تبدو ظاهريا فقط أنها تبدأ مما هو صادق وأولي (Top.، I، i 101a5). إن ما يغفله هذا التصنيف هو (6) الحُجَج التي تنطلق من مقدمات صادقة وأولية ولكنها تفشل بعد ذلك في تستلزم استنتاجاتها؛ وقد نوقشت اثنتان منهما، هما: مغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة السبب الخاطئ، في كتاب التحليلات الأولى (II، 16، 17). ومع ذلك، فإن “القياسات المغلوطة” الموصوفة في (4) هي الأقرب إلى ما ركز عليه كتاب التفنيدات السفسطائية. ومع ذلك، فإن ما يبرز في العديد من الأمثلة المذكورة هو أن المقدمات تُطرح كإجابات في محاورة، يلزم المجيب الأخذ بها، ولا يتحتم من كونها جدلية أن تؤخذ على أنها آراء عامة. هذا التنوع في الاستدلالات الجدلية يسميه أرسطو حُجَج اختبارية (SR 2 165b4).

2.1.2 المفاهيم الأساسية

هناك ثلاثة مفاهيم وثيقة الصلة ولازمة لفهم التفنيدات السفسطائية. لقد قصد أرسطو بالاستدلال الاستنباطي (القياس المنطقي(3)) الحُجَّة التي تفي بثلاثة شروط: فهي “تستند إلى عبارات معينة تم طرحها بطريقة تؤدي بالضرورة إلى تأكيد أشياء أخرى غير تلك العبارات وتكون نتيجة لتلك العبارات” (SR 1 165a1-2). وبالتالي، قد تفشل الحُجَّة في أن تكون قياسًا منطقيًا بثلاث طرق مختلفة. فقد تفشل المقدمات في أن تستلزم النتيجة، وقد تكون النتيجة هي نفسها إحدى المقدمات، وقد لا تكون النتيجة ناجمة عن (قائمة على) المقدمات. إن مفهوم البرهان proof الكامن في كتاب التفنيدات السفسطائية يماثل ما هو مطلوب من المعرفة البرهانية في كتاب التحليلات الثانية (I ii 71b20)، بمعنى آخر، يجب أن تكون المقدمات “صادقة، وأولية، ومباشرة، وأكثر شهرة من النتيجة، وسابقة لها، وسببية لها”، باستثناء أن الشروط الثلاثة الأولى لا تنطبق على الاستدلالات الاستنباطية التي تنشأ فيها المقدمات خلال الاستجواب. يقول أرسطو: إن التفنيد “دليل على التناقض” (SR 6, 168a37) – دليل القضية التي تناقض الأطروحة التي يتبناها المجيب. في سياق كلام شخص ما، S، يتمسك بأطروحة، T، فإن التفنيد الجدلي سوف يتمثل في طرح أسئلة على الشخص S، ثم تؤخذ إجابات S وتُستخدم كمقدمات برهان عن طريق استدلال استنباطي غير متعلق بالموضوع T: سيكون هذا تفنيدا للموضوع Tالذي طرحه المجيب (SR 8 170a13).  يمكن العثور على مفهوم التناقض في كتاب المقولات Categories: إنه تلك المتناقضات التي ترتبط بحيث “يجب أن يكون أحد النقيضين صادقًا، بينما يجب أن يكون الآخر كاذبًا دائمًا” (13b2–3). سيكون التفنيد مغالطة سفسطائية إذا كان الدليل إما مجرد دليل ظاهري، أو كان التناقض مجرد تناقض ظاهري. في كلتا الحالتين، وفقًا لأرسطو، هناك مغالطة. ومن هنا ما جاء في مفتتح أطروحته: “دعونا الآن نتناول التفنيدات السفسطائية، أي الحُجَج التي تبدو وكأنها تفنيدات ولكنها في الحقيقة مغالطات وليست تفنيدات” (SR 1 164a20).

2.1.3 شرط المظهر

لاحظ أرسطو أن “الاستدلال والتفنيد يكونان صحيحين أحيانًا وفي أحيان أخرى لا يكونان كذلك، وإن ظهرا صحيحين بسبب قلة خبرة الرجال؛ لأن عديمي الخبرة يشبهون أولئك الذين ينظرون إلى الأشياء من مسافة بعيدة” (SR, 1 164b25). الفكرة هنا هي أولاً أن هناك حُجَجا تبدو أصدق مما هي عليه في الواقع؛ وثانيًا أن الأشخاص عديمي الخبرة بالحُجَج قد يخطئون باعتبارهم أن المظهر هو الواقع، وبالتالي ينخدعون بحُجَّة سيئة أو تفنيد سيء. يتم تفسير التفنيدات الظاهرة في المقام الأول من حيث الاستدلالات الظاهرة: وبالتالي، باستثناء واحد، فإن مغالطات أرسطو هي في الأساس لائحة من الاستدلالات الفاسدة التي تبدو وكأنها استدلالات جيدة. الاستثناء هو مغالطة تجاهل المطلوب ignoratio elenchi حيث لا يحتوي الاستدلال الاستنباطي، في أحد مظاهره، على مغالطة، ولكن الاستنتاج الذي تم إثباته يبدو فقط متناقضًا مع أطروحة المجيب.

يخصص أرسطو مساحة كبيرة لشرح كيفية نشوء شرط المظهر. في البداية يذكر الحُجَّة التي مدارها الأسماء (SR 1 165a6)، قائلاً إنها التفسير الأكثر انتشارًا والأكثر شيوعًا: نظرًا لوجود أشياء أكثر من الأسماء، فبعض الأسماء تدل على أكثر من شيء واحد، وبالتالي خلق إمكانية وجود كلمات وتعبيرات غامضة. إن مرور الاستخدام الغامض لكلمة دون أن يلاحظه أحد يسمح بحصول الوهم بأن الحُجَّة استدلال حقيقي. إن تفسير كيفية نشوء المظهر الزائف يكمن في تشابه الكلمات أو التعبيرات ذات المعاني المختلفة، والاختلافات الدقيقة في المعنى بين بعض التعبيرات (SR 7 169a23–169b17).

2.1.4 اللائحة والتصنيف

يناقش أرسطو ثلاثة عشر طريقة يمكن أن تكون بها التفنيدات مغالطة ويقسمها إلى مجموعتين. تتضمن المجموعة الأولى، التي تم تقديمها في الفصل الرابع من كتاب “في التفنيدات السفسطائية“، تلك التي اعتبرها أرسطو معتمدة على اللغة ( الكلامية in dictione)، وتتضمن المجموعة الثانية، التي تم تقديمها في الفصل الخامس، تلك التي توصف بأنها لا تعتمد على اللغة (غير الكلامية extra dictionem). يستعرض الفصل السادس جميع المغالطات من وجهة نظر التفنيدات الفاشلة، ويشرح الفصل السابع كيف أن مظهر الصواب ممكن بالنسبة لكل مغالطة. تنصح الفصول من 19 إلى 30 المجيبين حول كيفية تجنب الانخداع بالتفنيدات السفسطائية.

المغالطات التي تعتمد على اللغة هي مغالطات الاشتراك اللفظي، والاشتباه التركيبي، وتراكب الكلمات، وتقسيم مقاطع الكلمات، واللهجة، وأسلوب التعبير. من بين هذه المغالطات، نجت المغالطات الأولى والثانية إلى حد كبير كما ظن أرسطو. تنشأ النتائج ذات الاشتراك اللفظي من استغلال الكلمات ذات المعنى الملتبس، ويتأتى الاشتباه التركيبي من خلال البنية النحوية غير المحددة. تتعلق المغالطة الأولى بالالتباس الدلالي، والثانية بالالتباس النحوي. إلا أن الطريقة التي فكر بها أرسطو في مغالطات التركيب والتقسيم تختلف بشكل جوهري عن المعالجات الحديثة للتركيب والتقسيم. إن مغالطات أرسطو هي تركيبات وتقسيمات للكلمات التي تغير المعاني، على سبيل المثال، “المشي أثناء الجلوس” مقابل “المشي والجلوس” (أي القدرة على المشي أثناء الجلوس مقابل القدرة على المشي والجلوس في نفس الوقت). بالنسبة للتقسيم، يعطي أرسطو مثالاً بالرقم 5: إنه 2 و3. لكن 2 عدد زوجي، و3 عدد فردي، لذا فإن 5 هو عدد زوجي وفردي. المعنى المزدوج ممكن أيضًا مع تلك الكلمات التي تتحدد معانيها بكيفية نطقها، هذه هي مغالطة النَّبْر fallacy of accent، لكن لم تكن هناك علامات نبر في اللغة اليونانية المكتوبة في أيام أرسطو؛ وبالتالي، فإن هذه المغالطة ستكون أكثر احتمالية في العمل المكتوب. إن ما كان يدور في ذهن أرسطو هو شيء يشبه المعاني المزدوجة التي يمكن أن تُعطى لكلمتي “unionized” و”invalid” بحسب كيفية نطقهما. وأخيرًا، فإن المغالطة التي يسميها أرسطو صياغة القول form of expression تستغل نوع الالتباس الذي يتحقق بفضل ما أصبحنا نسميه أخطاء الفئات، في هذه الحالة، ملاءمة الكلمات للفئات الخاطئة. المثال الذي استخدمه أرسطو هو كلمة “flourishing” التي قد تبدو وكأنها فعل بسبب نهايتها “ing” (كما في “cutting قطع” أو ” runningركْض”) وبالتالي تنتمي إلى فئة الأفعال، في حين أنها تنتمي حقًا إلى فئة الصفات. كان تشوش الفئات، بالنسبة لأرسطو، هو السبب الرئيسي للأخطاء الميتافيزيقية.

هناك سبعة أنواع من التفنيدات السفسطائية التي يمكن أن تظهر في فئة التفنيدات التي لا تعتمد على اللغة: مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة accident، ومغالطة تعميم الاستثناء secundum quid،ومغالطةتأكيد النتيجة، ومغالطةالعلة الزائفة non-cause، ومغالطةالمصادرة على المطلوب، ومغالطة تجاهل المطلوب ignoratio elenchi، ومغالطةالسؤال المركَّب.

مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة هي أكثر المغالطات مراوغة في قائمة أرسطو. وهي ما أثارت تمييزه بين نوعين من الإسناد، الخصائص الفريدة والحالات العَرَضيَّة (Top. I 5). عُرفت المغالطة بأنها تتحقق عندما “يُزعم أن سمة ما تنتمي بشكل مشابه للشيء ولحالاته العَرَضيَّة” (SR 5 166b28). ما يخص الشيء هو سماته الفريدة التي تتعارض مع التوقعات (سميث 1997، 60)، أي إذا كانت (AA) سمة من سمات (BB)، إذن (BB) سمة من سمات (AA).  على أية حال، فإن الصفات التي تشكل حالات عَرَضيَّة ليست محمولات مضادة، ومعاملتها على هذا النحو هو استدلال خاطئ، ويمكن أن يؤدي إلى نتيجة متناقضة؛ على سبيل المثال، إذا كانت خاصية المثلثات هي أنها تساوي زاويتين قائمتين، وكان المثلث مبدأ أول بصورة عَرَضيَّة، فهذا لا يعني أن جميع المبادئ الأولى لها زاويتان قائمتان (انظر شرايبر 2001، الفصل 7).

يعتبر أرسطو مغالطة تأكيد النتيجة fallacy of consequent حالة خاصة من مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة، مشيرا إلى أن النتيجة غير قابلة للتحويل، أي “إذا كان (AA) موجودًا، فإن (BB)  بالضرورة موجود، ويتوهم الناس أيضًا أنه إذا كان (BB) موجودًا، فإن (AA) يكون بالضرورة موجودا ” (SR 5 169b3). أحد أمثلة أرسطو هو أنه لا يلزم عن أن “الرجل الذي يعاني من ارتفاع في الحرارة وجوب أن يكون مصابًا بالحمى، لأن الرجل الذي يعاني من الحمى تكون حرارته مرتفعة” (SR 5 169b19). يُزعم أحيانًا أن هذه المغالطة بمثابة تعبير مبكر لمغالطة تأكيد النتيجة الصورية.

تنشأ مغالطة إغفال المواصفات عند التعميم secundum quid عن الفشل في تقدير التمييز بين استخدام الكلمات بشكل مطلق واستخدامها مع تقييد. إن أشجار التنوب، على سبيل المثال، خضراء فيما يتصل بأوراقها (إنها “خضراء” مع بعض القيود)؛ ومن الخطأ أن نستنتج أنها خضراء على الإطلاق لأن جذوعها وأغصانها بنية اللون. ولأن الفارق بين استخدام الكلمات على الإطلاق ومع بعض القيود قد يكون دقيقا، فإن هذه المغالطة تكون ممكنة، هكذا يعتقد أرسطو.

إن مغالطة المصادرة على المطلوب تُفسَّر على أنها طلب الإجابة (فرضية) التي يجب أن يثبتها المرء، لتجنب الالتزام بتقديم دليل عليها. وهناك حاجة إلى بعض الدقة لتحقيق هذه المغالطة مثل المهارة في استخدام الترادف، أو الخلط بين القضايا الجزئية والكلية (Top. VIII, 13). وإذا نجحت المغالطة فإن النتيجة هي أنه لن يكون هناك استنباط: إن مغالطة المصادرة على المطلوب، مغالطة العلة الزائفة non-cause محظورتان بشكل مباشر بموجب الشرطين الثاني والثالث على التوالي من أن تكونا استدلالا (SR 6 168b23).

تحدث مغالطة العلة الزائفة non-cause في سياقات حُجَج الانتهاء إلى الاستحالة ad impossibile عندما تكون إحدى المقدمات المفترضة غير مجدية في استنباط النتيجة. وبالتالي لن تكون المقدمة غير المجدية عاملاً في استنباط النتيجة، وسيكون من الخطأ استنتاج أنها غير صحيحة لأنها ليست سبباً للاستحالة. هذه ليست نفس المغالطة التي ذكرها أرسطو في كتابه البلاغة (II 24) والتي تشبه إلى حد كبير مغالطة السببية التجريبية، ومن الأفضل أن نسميها مغالطة العلة الزائفة false cause (انظر وودز وهانسن 2001).

تقع مغالطة السؤال المركَّب عند أرسطو عندما يتم طرح سؤالين كما لو كانا قضية واحدة. القضية هي “إسناد واحد إلى موضوع واحد” (SR 6 169a8).  وبالتالي، فمع إجابة واحدة على سؤالين، يكون لدى المرء مقدمتان لتفنيدهما، وقد يتبين أن إحداهما فارغة، وبالتالي تُبطل الاستدلال (تصبح مغالطة العلة الزائفة). ومن الممكن أيضًا أن تحدث أخطاء جزئية – كلية خارج اللغة عندما نفترض، على سبيل المثال، أن شيئًا ما جيد جزئيًا وسيئ جزئيًا ، فيتم طرح السؤال المزدوج عما إذا كان جيدًا بالكامل أو ليس جيدًا بالكامل؟ ستؤدي أي من الإجابتين إلى تناقض (انظر شرايبر 2000، 156-59). وعلى الرغم من اسمها، فإن هذه المغالطة تتمثل في الاستنتاج اللاحق، وليس في السؤال الذي يثير فقط المغالطة.

وفقًا لأحد التفسيرات، تُعتبر مغالطة تجاهل المطلوب ignoratio elenchi مغالطة أرسطو الثالثة عشرة، وبحسبها فإن استدلال ناجح آخر يفشل في الانتهاء إلى التناقض المطلوب لأطروحة المُجيب. بالنظر إليها على هذا النحو، فإن مغالطة تجاهل المطلوب تختلف عن كل المغالطات الأخرى، حيث أنها ليست حُجَّة فشلت في تلبية أحد معايير الاستدلال الجيد، بل هي استدلال حقيقي يتبين أنه غير ذي صلة بالفكرة المعنية. وفي قراءة أخرى، فإن مغالطة تجاهل المطلوب ليست مغالطة منفصلة، بل هي بديل عن طريقة المغالطات اللغوية/المغالطات غير اللغوية في تصنيف المغالطات الاثنتي عشرة الأخرى: فجميعها تفشل، بطريقة أو بأخرى، في تلبية متطلبات التفنيد السليم.

[أ] التفنيد هو تناقض الصفة نفسها، ليس الاسم بل الشي، وليس الاسم المرادف بل الاسم المطابق، بناءً على المقدمات المعطاة ونتيجة لها بالضرورة (دون تضمين الفكرة الأصلية المعنية) بنفس الاعتبار والطريقة والزمن. (SR 5 167a23–27)

يتم تحليل كل من المغالطات الاثنتي عشرة الأخرى باعتبار أنها لا تلبي أحد الشروط الواردة في هذا التعريف للتفنيد (SR 6). يبدو أن أرسطو يفضل هذه القراءة الثانية، لكنها تهمل مشكلة تفسير كيف يمكن أن تبدو التفنيدات التي تفشل في الوصول إلى هدفها وكأنها تفنيدات ناجحة. أحد التفسيرات المحتملة هو أن الفشل في مناقضة أطروحة معطاة يمكن توضيحه بواسطة إضافة نفي الأطروحة كخطوة أخيرة للاستدلال، وبالتالي ضمان تناقض الأطروحة، ولكن على حساب (في الخطوة الأخيرة) إدخال واحدة من المغالطات الاثنتي عشرة الأخرى في الاستدلال.

 2.1.5 تفسيرات مختلفة

لقد قدمت فقط أكثر التفسيرات وجازة لمغالطات أرسطو. لفهمها حقًا، من الضروري الانخراط لفترة أطول بكثير في النص الأصلي والمصادر الثانوية. الفصل الثاني من كتاب هامبلين (1970) مفيد كمقدمة إلى التفنيدات السفسطائية، ودفاع عن الطبيعة الجدلية للمغالطات. يعتقد هامبلين أن الإطار الجدلي لا غنى عنه لفهم مغالطات أرسطو، وأن جزءًا من ضعف الأعمال المعاصرة عن المغالطات يرجع إلى الفشل في فهم وضعها الجدلي المفترض. يستمر هذا النهج في معالجة المغالطات في الأبحاث المعاصرة بواسطة بعض أصحاب نظرية الحِجَاج، وأبرزهم دوجلاس والتون (1995) الذي يتبع أيضًا أرسطو في التعرف على عدد من أنواع الحوارات المختلفة التي يمكن أن ينشأ الحِجَاج خلالها؛ فرانس فان إيميرين، وروبرت جروتندورست (2004) اللذان يجمعان بين الرؤى الجدلية والبرجماتية مع نموذج مثالي للمناقشة النقدية؛ وياكو هينتيكا الذي يحلل مغالطات أرسطو باعتبارها أخطاء في حوارات الأسئلة (هينتيكا 1987؛ باخمان 1995). ووفقًا لهينتيكا (1997)، فإن التفكير في مغالطات أرسطو باعتبارها استدلالات خاطئة في المقام الأول، سواء كانت استنباطية أو استقرائية، يعد خطأً واضحًا. كما وُجد تفسير لا يقوم على الحوارات لمغالطات أرسطو لدى وودز وهانسن (1997 و2001) وهما يزعمان أن المغالطات (الاستدلالات الظاهرة) أساسية للتفنيدات الظاهرة، وأن اهتمام أرسطو بالمغالطات امتد إلى ما هو أبعد من المعارضات الجدلية، كما يتضح من خلال اهتمامه بها في كتاب التحليلات الأولى Prior Analytics  وكتاب الخطابة Rhetoric  (II 24). وما يعطي الوحدة لمغالطات أرسطو المختلفة بحسب هذا الرأي ليس بِنيَة الحوار، بل بالأحرى اعتمادها على مفاهيم الاستدلال والبرهان. إن أحدث دراسة مستفيضة لهذه المسائل هي تلك التي أنجزها شرايبر (2003)، الذي يؤكد على اهتمام أرسطو بمعالجة (كشف) المغالطات، ويزعم أن نظرية المعرفة والميتافيزيقا الأرسطية هي المطلوبة لفهم كامل للمغالطات في كتاب التفنيدات السفسطائية.

2.2 بيكون

يستحق فرانسيس بيكون إشارة موجزة في تاريخ نظرية المغالطة، ليس لتقديمه أية مساهمة مباشرة في معرفتنا بالمغالطات، ولكن بسبب اهتمامه بمسألتي التحيز والتعصب في البحث العلمي، وتأثيرهما على معتقداتنا. وقد تحدث عن الأوهام الزائفة (1620، الشذرات 40 -44) باعتبار أن لها نفس الصلة في تفسير الطبيعة مثلما للمغالطات في المنطق. وتلك الأوهام هي: أوهام القبيلة، وهي الطبيعة البشرية التي تشوه نظرتنا للعالم الطبيعي (إنها مرآة زائفة). وأوهام الكهف، وهي خصوصية كل شخص على حدة، وقدراتنا المتباينة وتعليمنا الذي يؤثر على كيفية تفسيرنا للطبيعة. وأوهام المسرح، وهي ما يكتسبه الإنسان من فلسفات وأنظمة وأساليب فاسدة، سواء الجديدة أو القديمة، والتي تحكم عقول البشر. وتندرج هذه الأوهام الثلاثة جميعها ضمن فئة التفسيرات التي تبين سبب خطئنا في إدراك العالم. رابع أوهام بيكون، هو وهم السوق، وهو الأقرب إلى التراث الأرسطي لأنه يشير إلى اللغة كمصدر لأفكارنا الخاطئة: “إن الكلمات تنتهك الفهم بوضوح، وتوقع الجميع في الارتباك، وتقود الرجال إلى جدالات فارغة وأوهام فارغة لا حصر لها” (1620، الشذرات 43). ورغم أن بيكون لم يعين أية مغالطات بمثل ما فعل أرسطو، فإنه يفتح الباب أمام احتمال وجود افتراضات باطلة مرتبطة بدراسة العالم الطبيعي. إن وجهة نظر كتابه الأورجانون الجديد The New Organonهي أنه كما أن المنطق هو علاج المغالطات، فإن الطريقة الحقيقية للاستدلال ستكون علاجًا للأوهام الزائفة.

2.3 أرنولد ونيكول

كان أنطوان أرنولد وبيير نيكول مؤلفي كتاب المنطق أو فن التفكير Logic, or the Art of Thinking  (1662)، والمشهور باسم منطق بورت رويال Port-Royal Logic. ووفقًا لبنسون ماتيس (1965، 214)، فإن هذا “مثال مبكر وبارز لنوعية “كيف تفكر بشكل صحيح”. يتضمن العمل فصولاً عن المغالطات sophisms، ويبرر ذلك بأن “أمثلة الأخطاء التي يجب تجنبها تكون غالبًا أكثر إثارة للانتباه من أمثلة الأخطاء التي يجب محاكاتها” Bk. III, xix)). ولا يتبع منطق بورت رويال التمييز الذي وضعه أرسطو بين المغالطات اللغوية وغير اللغوية؛ عوضا عن ذلك، نجد لديه تقسيم بين المغالطات المرتبطة بالموضوعات العلمية (المصدر السابق) – وهذه كلها تقريبًا مأخوذة من كتاب التفنيدات السفسطائية – والمغالطات التي تُرتكب في أحاديث الناس وحياتهم  اليومية (Bk III, xx). وهو تقسيم غير حصري حيث أن بعض المغالطات يمكن تصنيفها في كلا الفئتين.

يتضمن منطق بورت رويال ثمانية من مغالطات أرسطو الثلاثة عشرة الأصلية، مع تعديل البعض منها لتناسب الميل إلى الفلسفة الطبيعية عوضا عن الحِجَاج الجدلي. وُضعِت أنواع عدة من الأخطاء السببية تحت العنوان العريض، مغالطة العلة الزائفة non causa pro causa وتم توضيحها بحسب تعلقها بالتفسيرات العلمية التي حددت أسبابًا زائفة للظواهر التجريبية. كما تم تحديد مغالطة جاء بعده فهو بسببه post hoc, ergo propter hoc كمغالطة شائعة للعقل البشري: “حدث هذا بعد شيء معين، وبالتالي يجب أن يكون هذا الشيء هو سببه” (Bk. III, xix 3). وضُمِّنت مغالطة المصادرة على المطلوب مع التوضيح بشكل مثير للاهتمام، مع أمثلة مأخوذة من أرسطو. وأُدرجت مغالطتان جديدتان: الأولى هي الإحصاء الناقص imperfect enumeration، وهو خطأ يقوم على تجاهل البديل، والثانية هي الاستقراء (الناقص) الخاطئ a faulty (incomplete) induction، وهو ما قد نطلق عليه التعميم المتسرع. ورغم أن المناقشات هنا موجزة، فإنها تشير إلى دخول المغالطات الاستقرائية إلى مجموع المغالطات المعترف بها في الوقت الحاضر. إن مغالطة تجاهل المطلوب تحتفظ بإطارها الحواري ولكنها تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الفشل في مناقضة أطروحة، “نسند إلى خصومنا شيئا لا علاقة له بآرائهم من أجل تحقيق تفوق عليهم، أو ننسب إليهم عواقب نتصور أنه يمكن استخلاصها من معتقداتهم، على الرغم من أنهم يتنصلون منها وينكرونها”  (Bk. III, xix 1). أما المغالطات الأرسطية الأخرى المدرجة فهي: مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة، ومغالطة التركيب والتقسيم، ومغالطة تعميم الاستثناء، ومغالطة الالتباس اللفظي.

إن مغالطات الحياة اليومية والخطاب العادي عددها ثمانية، واثنتان منها، مغالطة الاحتكام إلى السلطة، ومغالطة الحكم بالظاهر، وينبغي الانتباه إليهما. في هذه المغالطات، تساهم الملامح الخارجية للمتحدثين في الإقناع بحُجَجهم. ورغم أنه لا ينبغي التشكيك في السلطة بالنسبة لعقائد الكنيسة، إلا أننا في الأمور التي يمنح الله الحرية للبشر لتمييزها، قد نبتعد عن الحقيقة بسبب الإفراط في الاحترام. وهنا نجد واحد من أقدم التعبيرات عن مغالطة الاحتكام إلى السُّلطة الزائفة الحديثة: غالبًا ما يتم إقناع الناس بصفات معينة لا علاقة لها بحقيقة القضية التي تتم مناقشتها. وبالتالي، هناك عدد من الناس الذين يصدقون من هم أكبر سنًا والأكثر خبرة دون أدنى تردد ، حتى في الأمور التي لا تعتمد على العمر ولا الخبرة، بل تعتمد فقط على البصيرة العقلية (Bk. III, xx 6). يضيف أرنولد ونيكول إلى العمر والخبرة النسب النبيل كمرجع لا مبرر له للمراعاة في الأمور الفكرية (Bk. III, xx 7)، وفي نهاية مناقشتهما يضيفان مغالطة السلوك الخادع، محذرين من أن “الكياسة، والطلاقة، والجدية، والاعتدال، واللطف” ليست بالضرورة علامات على الحقيقة (Bk. III, xx 8). يبدو أن المؤلفَين كانا يفكران حينذاك في الزخارف الخطابية التي تميز رجال البلاط الملكي.

2.4 لوك

يُنسب إلى جون لوك قصد إنشاء فئة من حُجَج – ad ، وعن غير قصد، ولادة فئة مغالطات ad (الاحتكام إلى). حدد لوك في كتابه مقال في الفهم البشري (1690)، ثلاثة أنواع من الحُجَج، وهي: حُجَّة الاحتكام إلى السلطة، وحُجَّة الاحتكام إلى الجهل ad ignorantiam، وحُجَّة الشَّخصَنَة ad hominem، والتي قارن كل منها مع حُجَج الاحتكام إلى الرأي العام ad judicium وهي حُجَج تقوم على «أسس المعرفة والاحتمال» وهي طرق موثوقة إلى الحقيقة والمعرفة. لم يتحدث لوك عن حُجَج –ad كمغالطات – وهو ما تُرك للآخرين للقيام به لاحقًا – بل كأنواع من الحُجَج “التي يستخدمها الرجال عادة، في منطقهم الحواري مع الآخرين، للفوز بموافقتهم؛ أو على الأقل لإرهابهم من أجل إسكات معارضتهم”. (BK IV, 17, 19-22).

تطورت اثنتان من حُجَج – ad إلى ما هو أبعد مما تصوره لوك في الأصل. ويُعَد وصفه لحُجَّة الاحتكام إلى السلطة بمثابة المرجع الكلاسيكي locus classicus لحُجَج الاحتكام إلى السلطة. وعندما تصبح هذه الحُجَّة مغالطة، فإن ذلك يرجع إما إلى أن السلطات (الخبراء) معرضون للخطأ، أو بسبب أن الاحتكام إلى السلطة يشكل تخلياً من جانب الفرد عن مسؤوليته المعرفية.  ولكن يبدو من غير المحتمل أن يعتقد لوك أننا لا ينبغي لنا أبداً أن نعتمد على الخبرة والمعرفة المتفوقة التي يتمتع بها الآخرون عندما ننخرط في تحصيل المعرفة والحِجَاج. يقودنا هذا إلى التفكير في نوع السلطة التي ربما كان لوك يقصدها. فبالإضافة إلى السلطة المعرفية والقانونية (الحاكمة)، هناك أيضاً ما يمكن أن نطلق عليه السلطة الاجتماعية، والتي تطالب بالاحترام والاحترام من الآخرين بسبب المكانة الاجتماعية العليا التي يتمتع بها المرء، وهو أمر يشكل جزءاً من طبيعة مجتمع القرن السابع عشر أكثر مما يشكل جزءاً من طبيعة مجتمعنا الحاضر. إن اللغة التي استخدمها لوك فيما يتصل بحُجَّة الاحتكام إلى السلطة، تضمنت مفردات مثل “سمو المكانة الاجتماعية”، و”الكرامة”، و”انتهاك قواعد الحياء”، و”الكبرياء المفرط”، مما يشير إلى أن ما كان يدور في ذهنه هو نوع السلطة التي تطالب باحترام المكانة الاجتماعية للمرجعيات وليس خبرتها؛ وبالتالي، بواسطة هذا النوع من السلطة يمكن دفع الشخص إلى قبول نتيجة بسبب حيائه أو خجله، بأكثر من قبولها بسبب قيمة الحُجَّة (انظر جودوين 1998، هانسن 2006). وهكذا، فإننا نفهم لوك بشكل أفضل عندما نترجم الاحتكام إلى السلطة حرفيًا، على أنه “الاحتكام إلى الحياء”.

لقد تطورت حُجَّة الشَّخصَنَة ad hominem، كما عرَّفَها لوك، لاحقًا إلى ثلاث مغالطات مختلفة. وصفه الأصلي لها أنها وسيلة “للضغط على الشخص بعواقب مستمدة من مبادئه أو تنازلاته”. أي أن يجادل بأن وجهة نظر الخصم غير متسقة، منطقيًا أو عمليًا، مع أمور أخرى قالها، أو التزم بها. كانت ملاحظة لوك أن مثل هذه الحُجَج لا تدفعنا نحو الحقيقة، ولكنها قد تساهم في دعم تحقيق اتفاق أو عرقلة خلاف. إن المجادلة بهذه الطريقة لا يُعد مغالطة، بل أسلوب مقبول للحجاج. اعتقد هنري جونستون (1952) أن هذا الأسلوب يجسد جوهر الحِجَاج الفلسفي. إن الحُجَج الفلسفية التي تنحدر من حُجِّة الشَّخصَنَة ad hominem عند لوك هي: حُجَّة الإساءة إلى الشخص abusive ad hominem ، ومفادها رفض قبول موقف ما بسبب بعض الخصائص السلبية الواضحة في الشخص الذي يتبنى هذا الموقف؛ وحُجَّة الشَّخصَنَة الظرفية circumstantial ad hominem، ومفادها رفض قبول موقف شخص ما لأن الظروف تشير إلى أن وجهة نظره هي نتيجة لانحيازه من أجل تحقيق مصلحة شخصية؛ وأخيراً، حُجَّة أنت أيضا tu quoque التي تحاول تشتيت الانتقاد بالإشارة إلى أن الأمر نفسه ينطبق على المحاور ذاته. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هذه الأنواع من حُجَج الشَّخصَنَة التي جاءت بعد لوك تُستخدم أحياناً بشكل عادل، وأحياناً أخرى بشكل مُغالِط؛ ولكن لا شيء منها هو يشكل ما وصفه لوك بأنه حُجَّة الشَّخصَنَة.

تُترجَم Ad ignorantiam إلى “الاحتكام إلى الجهل”. يصف لوك هذا النوع من الحُجَج بأنه يطالب “الخصم بالاعتراف بما يدعيه كبرهان، أو أن يقدم برهان آخر أفضل”. إن الجهل الذي نتحدث عنه هو جهل نسبي، ولا يعني أن الخصم لا يملك أي دليل، بل إنه لا يملك دليلا أفضل. ومع ذلك، فإن عدم قدرة المعارض على تقديم حُجَّة أفضل لا يشكل سبباً كافياً للاعتقاد بوجوب قبول حُجَّة المؤيد. وهذه النسخ الحديثة من ذلك النوع من الحُجَج ترى أن استنتاج صحة قضية ما استنادا إلى عدم وجود دليل ضدها مغالطة (انظر كرابي، 1995).

يبدو تقديم ومناقشة حُجَج ad وكأنها مجرد فكرة ثانوية في كتاب لوك مقال في الفهم البشري. وهي موجودة في نهاية الفصل المعنون: “عن العقل”، حيث يبذل لوك جهدًا كبيرًا في انتقاد المنطق القياسي. فقد زعم أن الاستدلال بالقياسات لا يُعد ضروريًا ولا مفيدًا للمعرفة. ومن الواضح أن لوك كان يعتقد أن حُجَج الشخصنة الثلاث أدنى مرتبة من حُجَج الاحتكام إلى الرأي العام، ولكنه لم يستخدم مصطلح “المغالطة” قط فيما يتصل بها، على الرغم من أنه استخدمه فيما يتصل بأخطاء الاستدلال القياسي.

هل كان لوك هو أول من ناقش هذا النوع من الحُجَج؟ يرجع هامبلين (1970، 161-162) ونوكيلمانز (1993) فكرة حُجَج الشَّخصَنَة إلى أرسطو، وأن ملاحظة لوك بأن اسم حُجَّة الشَّخصَنَة كان معروفا سلفا قد بحثها فينوكيارو (1974)، الذي وجد المصطلح ونوع هذه الحُجَّة في كتابات جاليليو قبل أكثر من نصف قرن من صدور كتاب لوك مقال حول الفهم البشري. ومن مناقشة أرنولد ونيكول لمغالطة الاحتكام إلى السلطة، التي مفادها “مادام الناس من أصل نبيل، أو أثرياء، أو يشغلون مناصب عالية فإنهم يقولون الحقيقة”، والتي يبدو أنها كانت جزء من حُجَّة ad verecundiam (الاحتكام إلى السلطة) عند لوك والمرجح أنها كانت معروفة له. وفي وقت لاحق تمت إضافة المزيد من حُجَج ad إلى الأربع التي حددها لوك (انظر واتس وكوبي أدناه).

2.5 واتس

عزز إسحاق واتس في كتابه “المنطق؛ أو الاستخدام الصحيح للعقل” (1724) تراث حُجَّة- ad بإضافة ثلاث حُجَج أخرى إليها: حُجَّة الاحتكام إلى الإيمان argumentum ad fidem، وحُجَّة الاحتكام إلى العاطفة argumentum ad passiones، وحُجَّة الاحتكام إلى الأكثرية argumentum ad populum. ومثل لوك، لا يعتبر واتس هذه الحُجَج مغالطات بل أنواعًا من الحُجَج. ومع ذلك، فإن كتاب المنطق Logick يأخذ المغالطات في الاعتبار، ويقدم “مغالطة العلة الزائفة” كاسم بديل لـ “مغالطة السبب المشكوك فيه” والذي يُفهَم هنا، كما في منطق بورت رويال، على أنها مغالطة مرتبطة بالسببية التجريبية. ووفقًا لواتس، يحدث ذلك عندما يُعين أي شخص “أسبابا للمظاهر الطبيعية، دون تجارب كافية لإثباتها” (1796, Pt. III, 3 i 4). من المغالطات الأخرى التي أدرجها واتس: الإحصاء الناقص imperfect enumeration ، أو: الاستقراء الخاطئ false induction، وهو خطأ التعميم استنادا إلى أدلة غير كافية. كذلك، ربما يكون لمصطلح “مغالطة رجل القش” أصلا في بحث واتس لمغالطة تجاهل المطلوب: بعد تزيين آراء ومشاعر أندادهم كما يرغبون من أجل صنع “صور من القش”، فإن الخصم “ينتصرون على أندادهم كما لو أنهم أربكوا آراءه تمامًا” (1796, Pt. III 3 i 1).

2.6 بنتام

كتب جيريمي بنثام دليل المغالطات السياسية (Handbook of Political Fallacies (1824 في السنوات التي سبقت قانون الإصلاح الأول (1832). كان اهتمامه منصبا على الحِجَاج السياسي، وبشكل خاص على الكشف عن الوسائل المختلفة التي يستخدمها البرلمانيون والمشرِّعون لإحباط أو تأخير تشريع الإصلاح. ومن ثم، لم تكن الفلسفة أو العلم هو ما يهمه، بل النقاش السياسي. اعتبر بنتام المغالطات حُجَجا أو مواضيع من شأنها، عن طريق استخدام الخداع، أن تنتج معتقدات خاطئة لدى الناس (1824، 3). لقد قسم بنثام (أو ربما محرر الدليل) هذه التكتيكات إلى أربع فئات: مغالطات السلطة، ومغالطات الخطر، ومغالطات المماطلة، ومغالطات التشويش. وكان بنثام على دراية بتطور تراث مغالطاتad، حيث إن كل واحدة من المغالطات التي وصفها ، وتصل إلى نحو الثلاثين، تندرج أيضًا إما إلى نوع الاحتكام إلى السلطة (الاحتكام إلى العار أو الحياء)، والاحتكام إلى الكراهية ad odium (الاحتكام إلى الكراهية أو الازدراء)، و ad metum (الاحتكام إلى الخوف أو التهديدات)، و ad quietem (الاحتكام إلى الراحة أو الخمول)، والاحتكام إلى الرأي العام ad judicium، و ad socordiam (الاحتكام إلى التأجيل أو المماطلة). لم تصل معظم مغالطات بنثام إلى أن تكون من العناصر الأساسية لنظرية المغالطات، لكن العديد منها يُظهر بصائر مثيرة للاهتمام حول دوافع وتقنيات المناقشين (انظر على سبيل المثال تحليلات رودانكو (2005، 2009) لمغالطات التسويف ad socordiam).

لم يحتل دليل بنتام مكانة مركزية في تاريخ دراسات المغالطات (هامبلين 1970، 165- 69)؛ ومع ذلك، فهو مثير للاهتمام تاريخيًا من عدة أوجه؛ فهو يناقش مفهوم السُّلطَة بالتفصيل، ويحدد أربعة شروط للاحتكام الموثوق إلى السلطة، ويؤكد أن إخفاق أي من هذه الشروط يلغي قوة الاحتكام. تحدث مغالطات الاحتكام إلى السلطة في المناقشات السياسية عندما يُلجأ إلى “الاحتكام إلى السلطة بدلاً من اللجوء إلى الحُجَج ذات الصلة والتي كان من المفترض طرحها” (1824، 25). ويخشى بنتام أن يلجأ المتحاورون إلى “سُلطَة” المعتقدات والمبادئ التقليدية بدلاً من النظر في مزايا تدابير الإصلاح قيد المناقشة.

تحت عنوان “مغالطات الخطر” ذكر بنثام عدداً من المغالطات التي أطلق عليها مغالطات القدح والذم – الاتهامات بسوء الخلق، والدوافع السيئة، والتناقض، والارتباطات المشبوهة -والتي تتسم بخاصية مشتركة، وهي “السعي إلى تحويل الانتباه من القياس إلى الشخص، على نحو يتسبب في نسب مساوئ الأخير إلى القياس الذي يدعمه، أو نسب محاسنه إلى معارضيه” (1824، 83). ويتناسب هذا الوصف بشكل جيد مع الطريقة التي أصبحنا ننظر بها إلى مغالطة الشَّخصَنَة باعتبارها وجهة نظرة يُستخف بها من خلال طرح توصيف أو ظرف سلبي لداعميها.

ويضع بنثام المغالطات في السياق المباشر للنقاش، ويحدد الطرق التي يحبط بها المجادلون الحل النهائي للخلافات باستخدام تلميحات الخطر، وتكتيكات المماطلة، والاحتكام إلى سلطات مشكوك فيها، وقضايا مربكة بشكل عام. قد يجد منظرو الحِجَاج المعاصرون الذين يعتقدون أن أي عائق أمام إتمام المناقشات الحوارية بنجاح مغالطة، أن سلفهم المباشر كان بينتام (انظر جروتندورست 1997).

2.7 ويتلي

يخصص ريتشارد ويتلي الجزء الثالث من كتابه “أصول المنطق” (1826) لوصف مجمل المغالطات التي تقوم على “المبادئ المنطقية”. كان ويتلي يمثل مرحلة حاسمة في إحياء الاهتمام بالمنطق في بداية القرن التاسع عشر، ولأنه ملتزم بالاستدلالية، فقد أكد أن الاستدلالات الاستنباطية الصحيحة فقط هي التي تعد استدلالاً. وبالتالي، فقد اعتبر أن كل مغالطة تنتمي إما إلى فئة الأخطاء الاستنباطية (المغالطات المنطقية) أو إلى فئة الأخطاء غير المنطقية (مغالطات المحتوى).

يقصد ويتلي بتعبير “المغالطة fallacy”: “أي أسلوب غير سليم في الجدال، والذي يبدو أنه يطالبنا بالاقتناع، وأن يكون اقتناعا حاسما بالمسألة المطروحة، بينما للإنصاف هي ليست كذلك” (Bk. III, intro.). تنقسم المغالطات إلى مغالطات منطقية بحتة ومغالطات شبه منطقية. المغالطات المنطقية البحتة هي انتهاكات واضحة لقواعد القياس، مثل مغالطة الوسط غير المستغرِق، ومغالطة العملية غير المشروعة illicit process. المغالطات شبه المنطقية تقوم في الغالب بتداول حدود وسطى غامضة، وبالتالي فهي أيضًا مغالطات منطقية، لكن اكتشافها يتطلب معرفة تتجاوز المنطق، بما في ذلك معرفة معاني المصطلحات(4)، ومعرفة بموضوع القضايا (Bk. III, §2)؛ وهي تشمل، من بين أمور أخرى، مغالطات الالتباس اللفظي، ومغالطات التقسيم والتركيب. تنقسم مغالطات المحتوى غير المنطقية أيضًا إلى فئتين: المغالطات ذات المقدمات “غير المبررة”، ومغالطات الاستنتاجات غير ذات الصلة. تندرج مغالطة المصادرة على المطلوب تحت فئة مغالطة المحتوى غير المنطقية، التي تم فيها افتراض مقدمة بشكل غير ملائم، ومغالطة تجاهل المطلوب هي مغالطة محتوى غير منطقية، تم فيها التوصل إلى نتيجة غير ذات صلة. إن حُجَج ad، تندرج جميعها تحت القسم الأخير باعتبارها أشكالاً مختلفة من حُجَج تجاهل المطلوب، ولكن يُقال إنها مغالطات فقط عندما تُستخدم بشكل غير عادل. إن نسخة ويتلي من حُجَّة الشَّخصَنَة تشبه نسخة لوك من حيث أنها من نوع حُجَّة التنازل السابق ex concessis : يستند المجادل إلى تنازلات الشخص الذي يتجادل معه. فمن خلال التنازلات، قد يثبت المرء أن المُعارِض “ملتزم بـ س”، ولكن هناك محاولة لجعل الأمر يبدو وكأن هذا يشكل دليلاً على قضية مطلقة (غير ذات صلة) بحسبها تكون “س” مغالطة. يمكن اعتبار هذا النوع من مغالطة الشَّخصَنَة مندرجا تحت فئة المغالطة الأوسع تجاهل المطلوب؛ لأن ما يتم إثباته ليس هو المطلوب.

إن إنشاء فئة المغالطات غير المنطقية لم يكن في الحقيقة انفصالاً عن أرسطو بقدر ما كان انفصالاً عما أصبح التراث الأرسطي عليه. اعتقد أرسطو أن بعض المغالطات ترجع إلى مقدمات غير مقبولة، على الرغم من أن ذلك لم يُفصَّل في كتاب “التفنيدات السفسطائية” (انظر القسم 2.1.1 أعلاه). وقد حل إنشاء ويتلي لفئة المغالطات غير المنطقية مشكلة كيفية التعامل مع مغالطة المصادرة على المطلوب التي لا تُعد شكلاً غير صالح من أشكال الحُجَّة، كما أوجد مكانًا في تصنيف المغالطات لمغالطات- ad.

2.8 مِيْل

تقع مساهمات جون ستيوارت ميل في دراسة المغالطات في الكتاب الخامس من عمله الشامل “نظام المنطق، الاستدلالي والاستقرائي“، الذي نُشر لأول مرة في عام 1843.  ويبرز هذا الكتاب بشكل لافت للنظر بسبب وضعه دراسة المغالطات ضمن إطاره الخاص بالاستدلال الاستقرائي، وهو نبذٌ مباشر لنهج ويتلي الاستنباطي في الاستدلال ومعالجة المغالطات. وقد زعم ميل أن الاستدلال الاستقرائي فقط هو الذي يعد استنتاجًا، وبناء على ذلك قدم فئات جديدة للمغالطات، بالإضافة إلى مخطط تصنيف جديد لها.

رسم ميل حدا بين الأسباب الأخلاقية والفكرية للمغالطات. فالأسباب الأخلاقية هي من سمات الطبيعة البشرية، مثل الانحياز، وعدم الاكتراث بالحقيقة وهو ما يدفعنا إلى ارتكاب أخطاء فكرية. وهذه التصرفات ليست مغالطات في حد ذاتها. بل إن الأخطاء الفكرية، أو الأخذ بالأدلة غير الكافية باعتبارها كافية، هو ما يشكل المغالطات. اتخذ ميل من الطرق المختلفة التي قد يحدث بها ذلك أساساً لتصنيف المغالطات. فقد كتب يقول: “إن القائمة التي تحوي أنواع الأدلة التي لا تشكل أدلة حقيقية هي تعداد للمغالطات” (1891, Bk.V iii §1).

وقد قسم ميل الفئة العريضة من المغالطات الحِجَاجية إلى مجموعتين: تلك التي يتم فيها وضع الأدلة بشكل واضح، وتلك التي يتم فيها وضع الأدلة بشكل غير واضح. بالنسبة للمغالطات التي تندرج تحت تصنيف الأدلة التي يتم وضعها بشكل غير واضح (Bk. V, vii) فقد وصفت بأنها مغالطات تشوش. وتنشأ تلك المغالطات عن تصور غير واضح للدليل بما يؤدي إلى خطأ في فهم أهميته وبالتالي إلى استنتاج غير معتمدة. وتندرج ضمن هذه الفئة بعض المغالطات الأرسطية التقليدية، مثل مغالطة الالتباس اللفظي، ومغالطة التركيب والتقسيم، ومغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة تجاهل المطلوب. ورغم أن ميل تابع ويتلي عن كثب في عرضه لمغالطات التَشوُّش confusion ، فإنه لم يذكر أي نوع من حُجَج ad فيما يخص مغالطة تجاهل المطلوب.

أما بالنسبة لفئة مغالطات الدليل المطروح بوضوح، فهي مقسَّمة أيضًا. والفئتان الفرعيتان لها هما: مغالطات الاستدلال المنطقي (الاستنباط) ومغالطات الاستقراء. والمغالطات الاستنباطية(Bk.V, vi)  هي تلك التي تنتهك صراحةً قاعدة من قواعد القياس المنطقي، مثل قاعدة المصطلحات الثلاثة. ولكن هذه الفئة تتضمن أيضًا تحول الإيجابيات الكلية والسلبيات الجزئية (“كل س ص” لا تنشأ عن “كل ص س”، و”بعض س ليس ص” لا تنشأ عن “بعض ص ليس س”). كما يشمل هذا التصنيف مغالطة تعميم الاستثناء.

تُظهر الفئة الفرعية الأخرى من المغالطات المطروحة بشكل واضح أهم ما يميز عمل ميل حول المغالطات: أنها أول محاولة موسعة للتعامل مع مغالطات الاستقراء. لقد قسم المغالطات الاستقرائية إلى مجموعتين أخريين: مغالطات الملاحظة (V، iv) ومغالطات التعميم (Bk. V, v). يمكن أن تحدث مغالطات الملاحظة إما بنحو سلبي أو بنحو إيجابي. ومظهرها السلبي يتمثل في عدم الملاحظة وبذلك يغفل المرء على نحو سلبي عن الأدلة ذات الصلة. هذا مشابه لما اعتبره منطق بورت رويال إحصاء خاطئًا، وأحد أمثلة ميل هو الثقة الدائمة التي يضعها المزارعون في تنبؤات الطقس الموجودة في التقويمات، رغم ما لها من تاريخ طويل من التنبؤات الخاطئة. إن مغالطات الملاحظة تحدث بشكل إيجابي عندما يكون الخطأ مبنياً على شيء شوهد بشكل خاطئ، أي: أُعتُبر ما ليس هو بالفعل. تحدث مثل هذه الملاحظات الخاطئة عندما نخطئ في استنتاجاتنا ونعتبرها حقائق، كما في استنتاجنا بأن الشمس تشرق وتغرب (Bk. V, iv, 5).

مغالطات التعميم، وهي الفرع الآخر من المغالطات الاستقرائية، والتي تنتج عن أخطاء في العملية الاستقرائية، يمكن أن تحدث بطرق. عدة، مثال على ذلك، أشار ميل إلى إجراء تعميمات حول ما يتجاوز خبرتنا: لا يمكننا أن نستنتج أن القوانين التي تعمل في أماكن نائية من الكون هي نفسها الموجودة في نظامنا الشمسي (Bk. V, v, 2). مثال آخر هو الخطأ في القوانين التجريبية التي تنص على انتظام قوانين السببية – وكان مثاله: لأن النساء كدرجة لم يعادلن حتى الآن درجة الرجال ، فلن يتمكنَّ أبدًا من تحقيق ذلك (Bk. V, v, 4). كما وضِعَت مغالطة حدث بعده إذن فهو بسببه post hoc ergo propter hoc في فئة مغالطات التعميم، والتي تميل إلى تُفرد بالذكر سببا واحدا للحدث بينما يوجد في الواقع العديد من الأسباب الأخرى للحدث نفسه (Bk. V, v, 5). عُيِّنَت الحُجَج القياسية كأسس خاطئة للتعميمات ؛ وهي «مقبولة في أحسن الأحوال فقط كافتراض غير حاسم، حيث لا يمكن الحصول على برهان حقيقي» (Bk. V, v, 6).

أدرج ميل أيضًا ما يسميه مغالطات التمحيص، أو مغالطات الأحكام المسبقة (Bk. V, iii)  في رصده للمغالطات. وهي تتكون من معتقدات غير استدلالية، لذا فهي تتناسب مع مفهوم الاعتقاد بالمغالطات لا مفهوم الحُجَّة. ومن بين أمثلة ميل لمغالطات الأحكام المسبقة: الافتراضات الميتافيزيقية مثل أن الفوارق في اللغة تتوافق مع الفوارق في الطبيعة، وأن الأشياء لا يمكن أن تؤثر على بعضها البعض عن بعد. حتى الاعتقاد في الأرواح أو الأشباح اعتُبر من مغالطات الأحكام المسبقة. ذهب ميل إلى أن مثل هذه المعتقدات لن تصمد أمام التمحيص، بالنهج الاستقرائي الذي يُطبق بدقة.

يعد كتاب “نظام المنطق” العمل الأكثر شمولاً حول المغالطات منذ كتاب “التفنيدات السفسطائية” لأرسطو. اقتبس ميل أمثلته من مجموعة واسعة من الأمثلة في مجالات العلوم، والسياسة، والاقتصاد، والدين، والفلسفة. إن مخططه التصنيفي أصلي وشامل. يزعم فريدريك روزن (2006) أن انشغال ميل باكتشاف المغالطات والوقاية منها يشكل جزءًا من الحافز وراء الفصل الثاني الشهير من كتابه “عن الحرية“. وعلى الرغم من هذه الاعتبارات، فإن منظري المغالطات لا يشيرون كثيرًا إلى كتاب “نظام المنطق.

2.9 سيدجويك

في سلسلة من المقالات والكتب التي بدأت في عام 1878، واستمرت حتى القرن العشرين، كتب ألفريد سيدجويك مرارًا عن المغالطات. بخلاف ويتلي وميل اللذين اعتقدا أن البحث عن المغالطات هو مكمل لطرقهما المنطقية (الاستنباط والاستقراء، على التوالي)، أراد سيدجويك أن يضع تقييم الحجج بالمغالطات في مركز المنطق. في رأيه، أن الطريقة السلبية في تقييم الحجج بالتنقيب فيها بحثا عن المغالطات هي وسيلة أكثر عملية وكفاءة للحكم على الحجج في الحياة الواقعية، مقارنة بالطريقة الإيجابية التي تحاول مطابقة الحجج مع المعايير الإيجابية للمنطق الصوري. أول اقتراح له (1878) كان تمحيص الحجج وتمريرها عبر مصفاة تستبعد الحجج إذا كانت تحمل علامات أي من المغالطات. وضع سيدجويك فئة مغالطات التشوش (تلك الناتجة عن الغموض أو عدم الوضوح)، بما فيها مغالطة تجاهل المطلوب، في قمة المصفاة. في المستوى التالي يوجد مغالطة المصادرة على المطلوب، ثم الحُجَج ذات الأسباب الغامضة، وتحت ذلك تقع مغالطات الاستدلال المنطقي (المغالطات الاستدلالية والقياسية) والاستدلال الاستقرائي. الحُجَّة التي تنجح في المرور بالكامل عبر مصفاة التمحيص تُعتبر جيدة من الناحية المنطقية. كان يعتقد أن معظم المغالطات ستظهر على المستوى الأعلى كمغالطات من نوع التشوش.

لم تكن مساهمة سيدجويك في تعريف المغالطات، ولا في تعيين مغالطات جديدة، بل في ترويجه لفكرة نجحت في بعض تفاصيلها في كتاب المغالطات: نظرة إلى المنطق من الجانب العملي (1884)، مفادها أن البحث المنهجي عن الأخطاء الموجدة للمغالطات يمكن أن يكون وسيلة شاملة وعملية لتقييم الحجج الموجودة في الحياة اليومية. لقد كان واحدًا من أوائل الذين جادلوا بأن التفسيرات الرياضية الجديدة للمنطق التي تم الترويج لها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لا يمكن أن تكون منصفة لحجج اللغة الطبيعية، كما كان أيضًا من دعاة الإصلاح في كيفية تدريس المنطق لجعله ذا قيمة عملية للطلاب. على الرغم من أن أعمال سيدجويك تكاد تكون غير معروفة اليوم، فإن من الإنصاف القول إنه توقع العديد من القضايا التي ستشغل المنطق غير الصوري بعد مئة عام.

2.10 كوبي

في كتابه “مقدمة في المنطق” – وهو كتاب مدرسي ذو تأثير كبير منذ منتصف القرن العشرين – يُعرِّف إيرفينج كوبي المغالطة بأنها “شكل من أشكال الحُجَّة الذي يبدو صحيحاً ولكن يثبت عند الفحص أنه ليس كذلك”. (1961، 52) إن مصطلح “صحيح correct” واسع بما يكفي ليشمل كلا من عدم صحة الاستنباط، والضعف الاستقرائي، فضلاً عن بعض أنواع فشل الحُجَّة الأخرى. ومن بين المغالطات الثماني عشرة غير الصورية التي يناقشها كوبي، يمكن إرجاع إحدى عشرة منها إلى التراث الأرسطي، والسبع الأخرى إلى تراث مغالطات-ad الناشئة بعد لوك.

التقسيم الأول في تصنيف كوبي هو بين المغالطات الصورية وغير الصورية. المغالطات الصورية هي استدلالات غير صالحة “تشبه ظاهريًا” أشكال الاستدلال الصحيحة، لذا يمكن أن نعتبرها مغالطات استدلالية. وهي تتضمن: مغالطة تأكيد النتيجة، ومغالطة نفي العنصر الشرطي، ومغالطة المصطلحات الأربعة، ومغالطة الوسط غير المستغرِق، ومغالطة عدم استغراق الحد الأكبر. لا تُوصف المغالطات غير الصورية بأنها تشبه الحُجَج الصادقة صوريا؛ فهي تكتسب جاذبيتها بطريقة أخرى. أحد أقسام المغالطات غير الصورية هو مغالطات الملاءمة، التي تُعتبر “أخطاء في التفكير قد نقع فيها بسبب الإهمال وعدم الانتباه إلى موضوعنا” (1961، 53). تتضمن هذه الفئة الكبيرة من المغالطات: مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة، ومغالطة تعميم الاستثناء، ومغالطة العلة الزائفة، ومغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة السؤال المركب، ومغالطة تجاهل المطلوب، ومغالطة الاحتكام إلى القوة، ومغالطة الشَّخصَنَة بالإساءة، ومغالطة الشَّخصَنَة الظرفية، ومغالطة الاحتكام إلى الجهل، ومغالطة استدرار العطف، ومغالطة الاحتكام إلى الأكثرية، ومغالطة الاحتكام إلى السلطة. ويُسمَّى القسم الآخر من المغالطات غير الصورية مغالطات الالتباس وتشمل: مغالطة الاشتراك اللفظي، ومغالطة الاشتباه التركيبي، واللهجة، والتركيب والتقسيم.

يبدو أن كوبي قد أخذ فئة ويتلي من المغالطات شبه المنطقية ونقلها تحت عنوان جديد هو “المغالطات غير الصورية”، ربما بسبب أن المعرفة المتجاوزة للمنطق ضرورية للكشف عن عدم صحة تلك المغالطات. وهذا يؤدي إلى أن الفئة الواسعة الجديدة من المغالطات غير الصورية عبارة عن مزيج من المغالطات: بعضها في الدرك الأدنى للإخفاقات المنطقية (الاشتراك اللفظي، التركيب، استدرار العطف) وبعضها صحيح منطقيًا ولكن البرهان باطل (المصادرة على المطلوب، تجاهل المطلوب)(5). على عكس تصنيف ويتلي الذي سعى إلى التمييز على أسس منطقية، يمكن اعتبار تصنيف كوبي مؤسسا على ثلاث طرق حيث تماثل فيها المغالطات الحُجَج الجيدة: المغالطات الصورية ذات الأشكال غير الصالحة التي تشبه الأشكال الصحيحة، ومغالطات الالتباس التي تماثل الحُجَج الجيدة عن طريق التباس المصطلحات، ومغالطات الملاءمة التي تستغل الروابط النفسية (غير المنطقية). وبالتالي، يمكننا أن ننظر إلى تقسيمات كوبي وكأنها بين المغالطات المنطقية، والدلالية، والنفسية.

إن معالجة كوبي للمغالطات تشكل مراجعة منصفة للقائمة التقليدية للمغالطات، وإن لم يزعم أنه فعل شيئا أكثر من مجرد مقدمة لتاريخ المغالطات القائمة لطلاب المنطق المبتدئين. وقد انتقد هامبلين (1970, ch. 1) عمل كوبي، إلى جانب أعمال آخرين غيره، وأطلق عليها اسمًا مهينًا: “المعالجة النمطية للمغالطات”. وقد لاقت انتقاداته صدى حقيقيًا لدى العديد من قرائه، مما أثار الازدراء تجاه المعالجة التقليدية للمغالطات فضلاً عن تحفيز البحث فيما قد نسميه العصر الجديد، أو عصر ما بعد هامبلين، لدراسة المغالطات. دعونا ننظر فيما يلي إلى بعض هذه التطورات.

3. مناهج جديدة في بحث المغالطات

3.1 اهتمام متجدد

من الشكاوى الشائعة منذ صدور كتاب ويتلي “أصول المنطق” أن نظريتنا وتعليمنا للمغالطات في حاجة إلى تطوير-ـ فقد اعتقد ويتلي أنه ينبغي وضع المغالطات على أرضية أكثر منطقية للتغلب على المعالجات الفضفاضة والغامضة التي قدمها آخرون.

 لذا فإنني أقترح مناقشة موضوع المغالطات على أساس من المبادئ المنطقية… لقد اتَّبع أغلب المنطقيين عادة خطة معاكسة. كلما كان عليهم تناول أي شيء يتجاوز عناصر المنطق البحتة، فإنهم يلقون جانباً كل إشارة إلى المبادئ التي انشغلوا بتأسيسها وتفسيرها، ولجأوا إلى نوع فضفاض وغامض وشائع من اللغة… [وهذا]… تناقض غريب في أطروحة منطقية مهنية. (1875, III, intro.)

يعيد كتاب تشارلز هامبلين “المغالطات” الصادر عام 1970 إحياء شكوى ويتلي. قد ننظر إلى كتاب “المغالطات” باعتباره الخط الفاصل بين المناهج التقليدية لدراسة المغالطات والمناهج الجديدة المعاصرة. وفي وقت نشره كان أول عمل بحجم كتاب مخصص للمغالطات في العصر الحديث. ويبدأ العمل بنقد المعالجة النمطية للمغالطات كما كانت في الكتب التعليمية في منتصف القرن العشرين؛ ثم، في الفصول اللاحقة، يتخذ منعطفًا تاريخيًا مستعرضا نهج أرسطو في معالجة المغالطات، ويستكشف التقليد الذي رعاه (كما في القسم السابق من هذه المقالة). وتشمل الفصول الأخرى ذات التوجه التاريخي فصلاً عن التراث المنطقي الهندي، وفصلاً عن المغالطات الصورية. وتتركز مساهمات هامبلين الأكثر إيجابية في دراسات حول المغالطة في الفصول اللاحقة من الكتاب، وتدور حول مفهوم الحُجَّة، والجدل الصوري formal dialectics، والاشتراك اللفظي.

ما قصده هامبلين بــ “المعالجة النمطية للمغالطات” هو: الرواية النمطية أو المعتادة كما تظهر في فصل صغير نمطي، أو في ملحق كتاب مدرسي حديث عادي. إن ما نجده في أغلب الحالات، وهو ما يجب الاعتراف به، هو من أكثر أنواع المعالجة تدهوراً واهتراء وتزمتًا – فهو مقيد بالتراث إلى حد لا يصدق، ولكنه يفتقر إلى الحس المنطقي والتاريخي على حد سواء، ويكاد يكون منعدم الصلة بأي شيء آخر في المنطق الحديث على الإطلاق. (1970, 12)

دعونا ننظر فيما جاء قبل هامبلين باعتباره النهج التقليدي في التعامل مع المغالطات، وما جاء بعده باعتباره نهجاً جديداً. تُظهر المناهج الجديدة (منذ سبعينيات القرن العشرين) اهتماماً بالتغلب على انتقادات هامبلين، كما تنافست معها في سبيل إنتاج البديل الأكثر قابلية للدفاع عن النهج التقليدي. وهناك شيء واحد هو تقريبا المشترك بين كل المناهج الجديدة، وهو رفضها لما يقدمه هامبلين باعتباره التعريف المقبول عالمياً لـ “المغالطة” باعتبارها حُجَّة “تبدو صالحة ولكنها ليست كذلك” (1970, 12) على الرغم من أن هذا التعريف للمغالطة غير مقبول على نطاق واسع كما أشار هامبلين (انظر هانسن 2002)، فقد لجأ آخرون إلى تسميته “التعريف النمطي للمغالطات” ومن أجل تسهيل الأمر يمكننا الإشارة إليه باسم SDF. ولدى المعالجة النمطية للمغالطات SDF ثلاثة شروط ضرورية: المغالطة (1) هي حُجَّة، (2) غير صالحة، و(3) تبدو صالحة. يمكن اعتبار هذه الشروط بمثابة شرط الحُجَّة، أي شرط عدم صلاحية الحُجَّة وشرط المظهر. وقد وضعت الشروط الثلاثة موضع المناقشة.

3.2 شكوك حول المغالطات

واصل موريس فينوتشيارو انتقاد هامبلين لتناول الكتب التعليمية الحديثة للمغالطات، ملاحظًا أنها تحتوي على أمثلة قليلة جدًا من المغالطات الفعلية، مما دفعه إلى الشك في مدى شرعية “المغالطة” كفئة منطقية أصيلة. على الرغم من أنه يعترف بأن الأخطاء في التفكير شائعة في الحياة الواقعية، إلا أنه يعتقد أن “أنواع الحُجَج غير الصحيحة منطقيًا” – المغالطات – ربما لا تكون شائعة (1981, 113). لهذا السبب يفضل فينوتشيارو التحدث عن الحُجَج المغلوطة fallacious arguments– والتي يقصد بها الحُجَج التي تكون النتيجة فيها غير مترتبة على المقدمات – بدلاً من التحدث عن مغالطات (1987, 133). وهو ينأى بنفسه عن SDF (التعريف النمطي للمغالطات) بعدم مراعاة شرط المظهر.

يميز فينوشيارو ست طرق بحسبها تكون الحُجَج مغلوطة. (1) المغالطة الصورية، هي ببساطة الحالة التي لا ينتج فيها الاستنتاج بشكل صحيح عن المقدمات؛ يمكن إثبات هذا النوع من الخطأ بواسطة إنتاج مثال مماثل ومضاد مناسب تكون فيه المقدمات صادقة والنتيجة كاذبة. (2) تحدث المغالطة التفسيرية عندما ينتج استنتاج معين دون مزيد يقين من المقدمات المعطاة بأكثر مما يكون من استنتاج منافس؛ وغالبًا ما يحدث ذلك في سياق اقتراح فرضيات تفسيرية. (3) تحدث مغالطة الافتراض المسبق في تلك الحالات التي تعتمد فيها الحُجَّة على افتراض مسبق خاطئ؛ يتجلى هذا النوع من الحُجَج المغلوطة عبر تقديم حُجَّة سليمة تبين خطأ الافتراض المسبق. (4) تحدث المغالطة الإيجابية عندما يبدو أن المقدمات المعطاة، مستكملة بقضايا أخرى تؤخذ على أنها صادقة، تدعم استنتاجًا لا يتوافق مع الاستنتاج المعطى. (5) تنشأ المغالطة الدلالية من غموض المصطلحات؛ وسوف يكون الاستنتاج تابعا إذا كان المعنى المعطى للمصطلح في المقدمات يجعلها كاذبة، ولكن إذا تم إسناد المعنى الآخر للمصطلح، مما يجعل المقدمات صادقة، فإن النتيجة لن تتبع (تصبح حالة من حالات المغالطة الصورية). (6) أخيرًا، يميز فينوتشيارو المغالطة الإقناعية، حيث لا تصدر النتيجة عن المقدمات لأنها هي نفسها إحدى المقدمات. كاختبار لاكتمال هذا التقسيم السداسي للمغالطة، يلاحظ فينوتشيارو (1987) أنه من المناسب تصنيف جميع أنواع الأخطاء التي وجدها جاليليو في حُجَج المدافعين عن وجهة النظر الذاهبة إلى مركزية الأرض في المجموعة الشمسية.

أعرب جيرالد ماسي (1981) عن اعتراض قوي على نظرية المغالطة وتعليم المغالطات. يزعم أنه لا توجد نظرية للبطلان – لا توجد طريقة منهجية لإثبات أن الحُجَّة غير صالحة بخلاف إظهار أنها تحتوي على مقدمات صادقة واستنتاج كاذب (1981، 164). ومن ثم، هناك عدم تناسق بين إثبات صحة الحُجَج وإثبات خطئها: فهي تكون صحيحة إذا أمكن إثبات أنها مثال لشكل صحيح، ولكن لا يمكن إثبات خطئها بإظهار أنها مثال لشكل غير صحيح، لأن كلا من الحُجَج الصحيحة والخاطئة تمثل أشكالا غير صحيحة. وبالتالي، فإن إثبات أن حُجَّة اللغة الطبيعية هي مثال لشكل غير صحيح لا يستبعد إمكانية كونها أيضًا مثالًا لشكل صحيح، وبالتالي فهي صحيحة. وبما أن أنصار المعالجة النمطية للمغالطات يزعمون أن المغالطات هي حُجَج غير صحيحة، فإن أطروحة عدم التناسق التي قدمها ماسي تترتب عليها نتيجة مفادها أنه لا يمكن إدانة أي حُجَّة بأنها مغالطة على أسس منطقية.(6)

3.3 نهج المنطق غير الصوري في معالجة المغالطات

اتخذ جونسون وبلير النهج المنطقي غير الصوري في معالجة المغالطات في كتابهما ” الدفاع الذاتي المنطقي” الذي نشر لأول مرة في عام 1977. وقد نشأ هذا النهج جزئياً عن اتهام هامبلين للمعالجة النمطية، كما أنه طور مبادرة اتخذها كاهان (1971) لتطوير دورات جامعية موجهة إلى دراسة منطق الحياة اليومية. ويركز جونسون وبلير على تسليح الطلاب للدفاع عن أنفسهم ضد المغالطات في الخطاب اليومي، كما أن الابتكار الأساسي يكمن لديهما في مفهوم الحُجَّة الجيدة. وعوضا عن الحُجَّة السليمة – حُجَّة صحيحة استنتاجياً ذات مقدمات صادقة – يطرح جونسون وبلير نموذجا بديلاً هو الحُجَّة المُقنِعة cogent argument، الحُجَّة التي تكون مقدماتها مقبولة، وملائمة، وكافية لنتيجتها. ويحل القبول محل الصدق كشرط للمقدمة، وينقسم شرط الصحة إلى شرطين مختلفين، ملاءمة المقدمة ، وكفاية المقدمة. إن القبول يُعرَّف بالنسبة إلى الجمهور – أولئك الذين تستهدفهم الحُجَج – ولكن المفاهيم الأساسية الأخرى، الملاءمة والكفاية، على الرغم من توضيحها بالأمثلة، تظل مفاهيم حدسية وغير محددة (انظر Tindale، 2007). كفاية المقدمة (القوة) تشبه الاحتمالية من حيث أنها مسألة درجة، ولكن جونسون وبلير لا يسعيان إلى إعطائها تعبيرًا رقميًا.

إن المعايير الثلاثة للحُجَّة المُقنِعة، الضرورية بشكل فردي والكافية بشكل مشترك، تؤدي إلى مفهوم للمغالطة مفاده أنها “أي حُجَّة تنتهك أحد معايير الحُجَّة الجيدة … وتُرتكب بشكل متكرر في الخطاب الجدلي” (1993, 317–18). وهذا يشترك في شرط واحد فقط مع المعالجة النمطية للمغالطات: أن المغالطة هي حُجَّة. يتم استبدال الصحة (الاستدلالية) بمفهوم الكفاية الأوسع، ولا يتم تضمين شرط المظهر. زعم جونسون (1987) أن شرط المظهر يجعل حدوث المغالطات ذاتيًا للغاية نظرًا لأن الكيفية التي تظهر عليها الأشياء قد تختلف من متلقي لآخر، وبالتالي يجب استبداله بشرط التكرار.  لكي تكون مغالطة، يجب أن يحدث الخطأ بتواتر كافٍ ليكون جديرًا باهتمامنا.

إن تبني مفهوم الحُجَّة المُقنِعة كنموذج له تداعيات عديدة. تُظهر فئة المغالطات ذات المقدمات الإشكالية (التي تذكرنا بـ مقدمات ويتلي “المفترضة بشكل غير ملائم”) اهتمامًا بتقييم الحُجَّة بما يتجاوز التقييم المنطقي أو الاستدلالي، مما يسحب النهج المنطقي غير الصوري بعيدًا عن الاهتمامات المنطقية البحتة نحو مفهوم معرفي للمغالطات. إن وجود كل من الكفاية والملاءَمة كمعيارين (بدلاً من معيار الصحة الوحيد) له فائدة السماح بإصدار أحكام دقيقة حول مستوى دعم المقدمة: على سبيل المثال، قد نقول إن مقدمات الحُجَّة، رغم عدم كفايتها، إلا أنها ذات صلة إيجابية بالنتيجة. إن مغالطات المقدمة غير الملائمة هي تلك التي لا يوجد لها أي دعم من المقدمة على الإطلاق، في حين أن مغالطات المقدمة غير الكافية هي تلك التي يوجد فيها بعض الدعم، ولكن ليس بالقدر الكافي. قصد رجال المنطق غير الصوري من مفهومهم للمغالطات أن يكون واسعا ومناسبا للحجاج في اللغة الطبيعية بأكثر من المفهوم المرتبط فقط بعدم صحة الاستنتاج.

يحصر جونسون وبلير انشغالهما بالمغالطات غير الصورية. فلا نجد العديد من المغالطات الأرسطية المألوفة التي تشكل جزءًا من المعالجة النمطية ضمن لائحتهما (على سبيل المثال، مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة، ومغالطة التركيب والتقسيم) أما ما بقي منها فقد وُضعت في فئات جديدة: فنرى مغالطة المصادرة على المطلوب ومغالطة الالتباس معًا تحت عنوان المقدمة الإشكالية؛ وتُوضع مغالطة الاحتكام إلى السلطة ومغالطة الاحتكام إلى الأكثرية تحت عنوان مغالطات الاستنتاج المتسرع؛ ونجد مغالطة الشَّخصَنَة من بين المغالطات التي تنتمي إلى الفئة الثالثة، مغالطات السبب غير ذي الصلة. إن هذه القائمة الجديدة من المغالطات لها اتجاه مختلف عن الكثير من اللوائح السابقة، حيث أنها أكثر ميلاً للتعامل مع الحُجَج في حال التواصل الشعبي اليومي بأكثر من الخطاب الفلسفي أو العلمي؛ ونرى ذلك واضحا في حذف بعض المغالطات التقليدية، وكذلك في تقديم مغالطات جديدة، مثل مغالطة الافتراض المشكوك فيه، ومغالطة خطأين يصنعان صوابا، ومغالطة المنحدر الزلق، ومغالطة القياس المغلوط.

إن أنواع الأخطاء التي يمكن للمرء أن يرتكبها خلال عمليات الاستدلال لا حصر لها، وبالتالي، فقد تم التأكيد على أنه لا يمكن أن يكون هناك رصد كامل للمغالطات التي يمكن أن نواجه بها كل أنواع الأخطاء. يتجاوب نهج جونسون وبلير مع هذه المشكلة حيث يسمح لأسماء فئات المغالطات – “المقدمة غير المقبولة”، و”السبب غير ذي الصلة”، و”الاستنتاج المتسرع” – بأن تمثل المغالطات نفسها، مغالطات واسعة النطاق؛ أي أن تعمل “كمبادئ عامة للتنظيم، وكنسخ احتياطية لملء أي فجوات بين تصنيفات محددة تابعة لكل صنف” (1993, 52). وبالتالي، فإن أي انتهاك لأي من معايير الحُجَّة المُقنِعَة يمكن اعتباره مغالطة.

بالإضافة إلى هذا النهج النظري البديل للمغالطات والمؤسَّس على المعايير الثلاثة للحُجَّة المُقنِعَة – وهو النهج الذي اتبعه آخرون(7) – فإن مساهمة المنطق غير الصوري في دراسة المغالطات تكمن في محاولاته لتقديم تحليلات أفضل للمغالطات، وهو برنامج اتَّبعَه عدد كبير من الباحثين، بما في ذلك جوفيير(1982) مع مغالطة المنحدر الزلق، ورين (1989) مع مغالطة الاحتكام إلى القوة، ووالتون (1991) مع مغالطة المصادرة على المطلوب، وبرينتون (1995) مع مغالطة الشَّخصَنَة، وفريمان (1995) مع مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية appeal to popularity، وبينتو (1995) مع مغالطة جاء بعده فهو بسببه، وفينوتشيارو (2023) مع مغالطة التركيب.

3.4 النهج الصوري تجاه المغالطات غير الصورية

استاء جون وودز أيضًا من المعالجة النمطية للمغالطات، ولكنه يرى فيها شيئًا ذا أهمية؛ وهو أن المغالطات التي غالبًا ما يتم استعراضها في كتب المنطق التعليمية على المستوى التمهيدي “تبدو كنسخة كاريكاتيرية للأخطاء المرتبطة بها، والتي تكمن عميقا في الممارسات الإنسانية” (وودز 1992، 25). بهذا تكون المغالطات أعراض سلوكية لأنماط من اللاعقلانية معرَّض لها البشر بشدة، وهذا يجعلها موضوعاً مهماً للدراسة؛ لأنها تقول شيئاً عن الطبيعة البشرية. وعلى هذا فإن المشكلة في المعالجة النمطية، وفقاً لوودز، ليست أنها برنامج بحثي مُوجَّه على نحو خاطئ، بل بالأحرى تم تطبيقه بشكل سيئ، ويرجع السبب جزئياً إلى فشل المنطقيين في إدراك أن ذلك النهج المنطقي متعدد الجوانب ضروري لفهم تنوع المغالطات. وهذه الفكرة، التي تبناها وودز ودوجلاس والتون (1989) بشكل مشترك، مفادها أنه بالنسبة للعديد من المغالطات، فإن المنطق الصوري المعياري غير ملائم للكشف عن النوع الفريد من الأخطاء المنطقية المعنية – فمن الناحية المفاهيمية هو أصعب من أن يكشف عن الطابع الفريد للعديد من المغالطات. وللحصول على تحليل مُرضي لكلٍ من المغالطات، يجب ملاءمتها مع نظام منطقي مناسب، يكون لديه إمكانية الكشف عن الضعف المنطقي المحدد في السؤال. يمكن توظيف المنطق الاستقرائي لتحليل مغالطة التعميم المتسرع، ومغالطة جاء بعده فهو بسببه، أما منطق الارتباط فمناسب لمغالطة تجاهل المطلوب، وتناسب نظرية المنطق الاحتمالي plausible reasoning  مغالطة الاحتكام إلى السلطة؛ أما نظرية الألعاب الجدلية فمناسبة لمغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة الأسئلة المركَّبَة. ويشير وودز (1992، 43) إلى هذا النهج في دراسة المغالطات باعتباره تعددية منهجية. وبالتالي، مثلما هو الأمر عند المنطقيين غير الصوريين، يوجد هنا اهتمام بالحصول على تحليلات صحيحة لكلٍ مغالطة، لكن نهج وودز ووالتون ينطوي على تبني الطرائق الصورية، وليس تجاهلها.

واصل وودز (2013) بحثه في المغالطات، ومؤخرًا درسها في سياق ما يسميه المنطق المتعلق بالعلوم الطبيعية naturalized logic (على غرار المعرفة المتعلقة بالعلوم الطبيعية عند كواين). والنقطة الرئيسية في هذه الخطوة المتعلقة بالعلوم الطبيعية هي أن نظرية الاستدلال يجب أن تأخذ في الاعتبار قدرات ودوافع المفكرين. لقد حددت الأعمال السابقة التي تناولت المغالطات فشلها في تلبية قواعد المنطق الاستنباطي أو الاستقرائي، ولكن وودز يريد الآن تناول المغالطات الأساسية في ضوء ما يسميه استدلال الطريق الثالث (المماثل للاستدلال غير المُطَّرِد non-monotonic)، وهو وصف للممارسات المعرفية التي تشبه إلى حد كبير ممارساتنا الاستدلالية الشائعة. ومن منظور استدلال الطريق الثالث، فإن “القواعد” الضمنية في المغالطات تقدم نفسها كتوجيهات استدلالية للمفكرين وليس كمغالطات؛ وبالتالي، قد يكون التعلم من الإفادات المعلوماتية feedback (بعد تصحيح الأخطاء) أقل صعوبة من تعلم القواعد لتجنب المغالطات في المقام الأول (وودز 2013، ص 215). ويوضح وودز وجهة نظره من خلال استدعاء العديد من المغالطات، التي حددها في البداية، في ورقته البحثية عام 1992، وإخضاعها لهذا النموذج المنقح من التحليل، وبالتالي نقض الرأي الذاهب إلى وجوب رفض هذه الأنواع من الحُجَج دائمًا.

3.5 النهج المعرفي لمعالجة المغالطات

قد يُنظَر إلى المعالجة النمطية للمغالطات SDF على أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنهج المنطقي لمعالجة المغالطات – فالخلل في الحُجَج التي تسلط الضوء عليه هو عدم صحتها الاستدلالية. ولكن تبين أن هذا التصور للمغالطات قاصر عن تغطية مجموعة المغالطات الأساسية من ناحيتين: فهو ضيق للغاية لأنه يستبعد مغالطة المصادرة على المطلوب وهي ليست باطلة، وهو واسع للغاية لأنه يدين الحُجَج الجيدة غير الاستدلالية باعتبارها مغالطات (مع أنها تلبي أيضًا شرط المظهر) لأنها غير صالحة.  وحتى إذا استبدلنا شرط عدم الصلاحية في المعالجة النمطية للمغالطات SDF بمعيار ضعف منطقي أقل شدة والذي يمكنه أن يتغلب على مشكلة “الاتساع المفرط”، فستظل باقية صعوبة تفسير مغالطة المصادرة على المطلوب دون حل.

تبنَّى سييجل وبيرو (1992، 1995) تفسيراً معرفياً للمغالطات، وهما يقارنان وجهة نظرهما بالمناهج الجدلية/الخطابية، لأن الأمور التي لا علاقة لها بالحُجَج، مثل كونها ممارسة تؤدي إلى معتقدات خاطئة، أو عدم كونها مقنعة، لا تشكل في نظرهما شرطاً كافياً لجعل الحُجَّة مغالطة. وهما يتبنيان موقفاً مفاده أن “الحقيقة المفاهيمية حول الحُجَج هي أن غرضها المركزي … هو توفير جسر من الحقائق المعروفة، أو المعتقدات المبررة، إلى الحقائق غير المعروفة … أو المعتقدات غير المبررة حتى الآن” (1992، 92). فقط الحُجَج التي تُعتبر “جادة معرفيًا” يمكنها تحقيق ذلك؛ أي أن الحُجَج التي تلبي المتطلبات فوق الصورية extra-formal حيث يمكن للمقدمات القابلة للمعرفة بشكل مستقل عن استنتاجاتها، والأكثر قبولًا معرفيًا من استنتاجاتها، من أداء هذه الوظيفة. إن النهج المنطقي المحض للحُجَج لن يستوعب هذا الشرط؛ لأن الحُجَج التي لها نفس الشكل الصحيح، ولكن بمحتويات مختلفة، قد تكون أو لا تكون جادة معرفياً، اعتماداً على ما إذا كانت المقدمات مقبولة معرفياً بالنسبة إلى الاستنتاج.

وبتعديل أمثلة بيرو (1977، 265-266) يمكننا أن نوضح كيف أن شرط الجدية المعرفية يتلخص في مغالطة المصادرة على المطلوب. ولنتأمل هاتين الحُجَّتين:

كل الرجال فانون؛
أوباما رجل؛
 إذن، أوباما فان.

كل أعضاء اللجنة من الإيتونيين القدامى؛
 فورتيسك عضو في اللجنة؛
فورتيسك إيتوني قديم.

في الحُجَّة الأولى، المقدمات قابلة للمعرفة بشكل مستقل عن الاستنتاج. إن المقدمة الكبرى يمكن استنتاجها من مقدمات كلية أخرى عن الحيوانات، والمقدمة الصغرى، على عكس النتيجة التي يجب استنتاجها، يمكن معرفتها بالملاحظة. وبالتالي، فإن هذه الحُجَّة لا تصادر على المطلوب. ومع ذلك، في الحُجَّة الثانية (بفضل بيرو،1977) بالنظر إلى المقدمة الصغرى، لا يمكن معرفة صحة المقدمة الكبرى ما لم يُعرف أن النتيجة صحيحة. وبالتالي، وفقًا للنهج المعرفي للمغالطات الذي اتخذه بيرو وسييجل، فإن الحُجَّة الثانية، على الرغم من أنها صحيحة، فإنها ليست جادة non-serious، وتصادر على المطلوب، فهي مغالطة. إذا كانت هناك طريقة مستقلة لمعرفة ما إذا كانت المقدمة الكبرى صحيحة، مثل أنه كانت هناك لائحة تنص على أن خريجي إيتون فقط هم من يمكنهم أن يكونوا أعضاء في اللجنة، فإن الحُجَّة ستكون جادة، ولن تصادر على المطلوب.

يمكن تمييز التفسير المعرفي الذي قدمه بيرو وسييجل للمغالطات بثلاث طرق على الأقل. أولاً، يؤكد هذا النهج على أن وظيفة الحُجَج معرفية، وبالتالي فلابد وأن كل ما يُعد مغالطة هو خطأ معرفي، أي خرقًا لقاعدة التبرير المعرفي. ولكن بما أن الأخطاء المنطقية هي أيضًا أخطاء معرفية، فإن النهج المعرفي للمغالطات سيتضمن المغالطات المنطقية، على الرغم من أنه يجب أن تكون تلك أيضًا قابلة للتفسير من حيث الجدية المعرفية. ثانيًا، بما أن النهج المعرفي لا يصر على وجوب أن تكون كل التبريرات استدلالية، فإنه يسمح بإمكانية كونها مغالطات (بمثل ما هي حُجَج جيدة) وفقًا للمعايير غير الاستدلالية، وهو أمر مستبعد من قبل المعالجة النمطية للمغالطات SDF. أخيرًا، نلاحظ أن شرط المظهر لا يُعتبر عاملاً في هذا البحث للمغالطات.

يرى أولريك هان ومايك أوكسفورد (2006 أ، 2006 ب) أنفسهما كمساهِمَيْن في النهج المعرفي لتحليل المغالطات عن طريق تطوير تحليل احتمالي للمغالطات. وهو جزء من برنامجهما لنظرية معيارية لحجاج اللغة الطبيعية. هما مدفوعان بما يرياه من قصور في المناهج الأخرى. فالنهج المنطقي (الاستدلالي) قاصر لتقسيمه الحُجَج ببساطة إلى حُجَج صحيحة وأخرى غير صحيحة، وبالتالي يخفق في إدراك أن حُجَج اللغة الطبيعية لها درجات متفاوتة من القوة. أما المناهج البديلة للمغالطات، التي تقدمها الأعمال الإجرائية (الجدلية) والتوافقية، فينتقدانها على أساس إخفاقها في معالجة المشكلة المركزية التي تثيرها المغالطات: مشكلة قوة مُركَّب السبب والادعاء. ومن وجهة نظر هان وأوكسفورد فإن قوة أو ضعف المغالطات التقليدية (وهما مهتمان في الغالب بالمغالطات ما بعد الأرسطية) ليست نتيجة لبنيتها أو سياق استخدامها. بل إنها مسألة العلاقة بين الدليل والادعاء (محتوى المقدمات والاستنتاج). ويُعتقد أن تقييم هذه العلاقة يمكن التقاطه بشكل أفضل من خلال الاستدلال الباييزي Bayesian الاحتمالي؛ وبناءً على ذلك، فإنهم يكيفون نظرية باييز لتقييم الحُجَج بشرط أن تكون الاحتمالات درجات ذاتية من الاعتقاد، وليست تواترات. ويكتبان: “قوة الحُجَّة هي مؤشر على المستوى المبدئي لإيمان الفرد بالادعاء، وتوافر وملاحظة الأدلة المؤكِّدة (أو غير المؤكِّدة)، ووجود وتصور قوة الفرضيات المنافسة” (كورنر وآخرون 1145). ومع كورب (2003)، ينظرون إلى المغالطة باعتبارها حجة ذات احتمالية منخفضة بحسب النموذج الباييزي.

نظرًا لأن التباين في الاحتمالات المُدخَلة سيؤدي إلى مجموعة من المخرجات في قوة الحُجَّة، فإن هذا النهج الاحتمالي لديه القدرة على تعيين نقاط قوة الحُجَّة في أي موضع بين 0 و1، مما يسمح للرموز المختلفة لنمط واحد من الحجج أن تتباين بشدة في القوة، أي أن بعضها سيكون مغالطات والبعض الآخر ليس كذلك. كذلك يبدو هذا متوافقاً مع تجربتنا، فقد يختلف المجادلون المختلفون حول قوة نفس الحُجَج لأنهم قد يختلفون في تعيين الاحتمالات الأولية. يزعم هان وأوكسفورد أيضا أن من مزايا نظريتهما المعيارية أنها تقدم دليلا للإقناع، لأنها تأخذ في الاعتبار الاعتقادات الأولية للجمهور. علاوة على ذلك، يساهم نهجهم في دراسة تغير الاعتقادات؛ أي إلى أي مدى تكون ثقتنا في الاستنتاج الذي يتغير مع توفر أدلة جديدة.

3.6 النهج الجدلي / الحواري لمعالجة المغالطات

يتبنى بعض الباحثين الجدد الأكثر نشاطًا في التعامل مع المغالطات نهجًا جدليًا و/أو حواريًا. ويمكن إرجاع هذا إلى نظرية الحوار dialogue theory التي وضعها هامبلين (1970، الفصل 8) ولورينزن (1969). وكان الترياق الذي أوصى به ويتلي للمغالطات هو المنطق؛ ومع ذلك، اقترح هامبلين التحول من المنظور المنطقي إلى المنظور الجدلي.

[نحن] بحاجة إلى توسيع حدود المنطق الصوري؛ لتشمل خصائص السياقات الجدلية التي تُطرح فيها الحُجَج. بادئ ذي بدء، هناك معايير لصحة الحُجَّة تضاف إلى المعايير الصورية: على سبيل المثال، تلك التي تحظر مغالطة المصادرة على المطلوب. ونمضي قدما، هناك مفاهيم سائدة لقواعد الحوار ولكنها خاطئة ، وهي قادرة على جعل بعض الخطوات الجدلية تبدو مقنعة ولا يمكن الاعتراض عليها، في حين أنها في الواقع تخفي وتيسِّر الممارسة الجدلية الخاطئة. (هامبلين 1970، 254)

يتلخص الاقتراح هنا في تحويل دراسة المغالطات من سياقات الحُجَج إلى سياقات الحوارات (الحِجَاج)، وصياغة قواعد لفاعلية الحوار المنطقي، ومن ثم ربط المغالطات بفشل اتباع تلك القواعد. إن ورقة بارت ومارتنز (1977)، التي درست حُجَّة الشَّخصَنَة عن طريق توسيع طريقة جدول الحوار الخاصة بلورينزن، لتشمل تعريفات مفهومي “خط الهجوم” و”استراتيجية الفوز”، تؤدي إلى تصور المغالطات على أنها إما فشل في تلبية أحد الشروط الضرورية للحِجَاج الحواري العقلاني، أو فشل في تلبية الشروط الكافية كما هو محدد بواسطة قواعد إنتاج النهج الحواري (1977، 96).

تُعد ورقة بارث ومارتنز جسرا بين النظريات الجدلية (شبه) الصورية السابقة، والنظريات الجدلية غير الصورية اللاحقة، وقد تم الإقرار بوضوح بأنها ذات تأثير كبير على نظرية الجدل البرجماتي Pragma-dialectical theory، وهي النظرية التي وُلدت من بنات أفكار فرانس فان إيميرين وروبرت جروتندورست (1984). وبحسبها بدلا من البدء من منظور منطقي أو معرفي، فإنهم يبدؤون ببحث دور الحِجَاج في التغلب على الخلافات بين الأشخاص. يرى أصحاب نظرية الجدلية البرجماتية إمكانية تحليل الحِجَاج بين الأشخاص باعتبارها مناقشات بين طرفين ذات أربع مراحل تحليلية: مرحلة المواجهة: حيث يصبح المشاركون على دراية بمحتوى خلافهم؛ ومرحلة الافتتاح: حيث يتفق الطرفان (ضمنيًا على الأرجح) على نقاط بداية مشتركة، ومجموعة من القواعد تحكم المناقشة اللاحقة؛ ومرحلة الحِجَاج: حيث يتم التعبير عن الحُجَج، والشكوك حول الحُجَج، والاعتراف بها؛ والمرحلة النهائية: حيث يتم اتخاذ قرار بشأن الخلاف الأوَّلي، إذا أمكن، بناءً على ما حدث في مرحلة الحِجَاج.

تنص النظرية الجدل البرجماتي على مثال معياري للمناقشة النقدية critical discussion يعمل كموجِّه لإعادة بناء حِجَاج اللغة الطبيعية، بالإضافة إلى كونه معيارًا لتقييم ناتج إعادة البناء الذي تم تحليله. وقد تم اقتراح مجموعة من عشر قواعد تشكل أساس نموذج المناقشة النقدية، ويعتقد أنصار النظرية أن المجادلين العقلانيين سيقبلون تلك القواعد. إذا اتَّبعَ طرفا الخلاف تلك القواعد، فإنها ستشكل تحديدا لإجراء اتخاذ القرار في الحِجَاج، بحيث يُعتبر أي حل يتم التوصل إليه معقولاً، وسيُعتبر “أي انتهاك لأي من قواعد إجراء المناقشة لممارسة مناقشة نقدية” مغالطة (2004, 175). يمتد نطاق القواعد عبر جميع مراحل المناقشة الأربع: في مرحلة المواجهة: توجد قاعدة تنص على أنه لا يجوز لأي من الطرفين منع الطرف الآخر من التعبير عن وجهة نظره؛ وفي مرحلة الحِجَاج: توجد قاعدة بأن يكون الحِجَاج قويا منطقيًا ومتوافق مع أحد مخططات الحِجَاج العامة الثلاثة؛ في المرحلة الختامية: هناك قاعدة مفادها أن على المشاركين أنفسهم أن يقرروا أي الطرفين كان ناجحًا بناءً على جودة الحِجَاج الذي قدماه: إذا فاز المؤيد، فيجب على الخصم الاعتراف بذلك، والعكس بالعكس.

تقترح نظرية الجدل البرجماتي أن كلا من المغالطات الأساسية يمكن تعيين موضع انتهاكها لإحدى قواعد المناقشة النقدية. على سبيل المثال، فإن مغالطة الاحتكام إلى القوة هي شكل من أشكال الترهيب الذي ينتهك القاعدة التي تنص على أنه لا يجوز للمرء أن يحاول منع شريكه في المناقشة من التعبير عن آرائه؛ ومغالطة الاشتراك اللفظي تُعد انتهاكا للقاعدة التي تنص على أن صياغة الحُجَج يجب أن تكون واضحة ولا لبس فيها؛ وتنتهك مغالطة جاء بعده فهو بسببه القاعدة التي تنص على أنه يجب للحُجَج أن تكون نماذج لمخططات تم تطبيقها بشكل صحيح. وعلاوة على ذلك، وفقًا لهذه النظرية، بما أن أي انتهاك للقاعدة يعد مغالطة، فإن هذا يسمح بإمكانية وجود “مغالطات جديدة” غير معروفة حتى الآن. من بين تلك المغالطات المقترحة مغالطة وجهة النظر المقدسةdeclaring a standpoint sacrosanct  لأنها تنتهك القاعدة التي تحظر حرية انتقاد وجهات النظر، ومغالطة تجنب عبء الإثبات evading the burden of proof  التي تنتهك قاعدة وجوب الدفاع عن موقفك إذا طُلب منك ذلك. (see van Eemeren 2010, 194).

من الواضح أن ليست كل قواعد المناقشات النقدية تنطبق مباشرة على الحُجَج. فبعضها يحكم تحركات أخرى محبطة للهدف يمكن أن يقوم بها المجادلون في سياق تسوية اختلاف في الرأي، مثل: تعيين عبء الإثبات بشكل خاطئ، أو طرح أسئلة غير ذات صلة، أو قمع وجهة نظر، أو الفشل في توضيح معنى حُجَج المحاور. باختصار، فإن قواعد الجدل البرجماتي الخاصة بالمناقشة النقدية ليست مجرد قواعد منطقية أو نظرية معرفية، بل هي قواعد سلوك للمتناقشِين العقلانيين، مما يجعل النظرية أشبه بقانون أخلاقي بأكثر مما هي مجموعة من المبادئ المنطقية. وعليه، فإن هذا النهج في التعامل مع المغالطات يرفض الشروط الثلاثة الضرورية للمعالجة النمطية للمغالطات SDF: فلا يلزم المغالطة أن تكون حجة، وبالتالي فإن شرط عدم الصلاحية لن ينطبق أيضًا، كما يتم استبعاد شرط المظهر بسبب طابعه الذاتي (Van Eemeren and Grootendorst 2004, 175).

وقد تم مؤخرًا توسيع مجال التحليل الجدلي البرجماتي للمغالطات باعتبارها مخالفات للقواعد خلال إجراء التغلب على الخلافات، ليأخذ في الاعتبار البعد الخطابي للحِجَاج. حيث يرى الجدل البرجماتي أن البعد الخطابي ينبع من رغبة المجادلين في أن تُقبل وجهة نظرهم، وهو ما يدفع المتحاورين إلى الانخراط في مناورات استراتيجية في مواجهة شركائهم في الحوار. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه الرغبة متوازنة مع المتطلب الجدلي المتمثل في أن تكون معقولاً؛ أي البقاء ضمن حدود المتطلبات المعيارية للمناقشات النقدية. إن طرق المناورة الاستراتيجية التي تم تحديدها هي في الأساس ثلاثة: اختيار الموضوع، وتوجيه الجمهور، واختيار أدوات العرض، ويمكن نشر هذه الطرق بفعالية في كل مرحلة من مراحل المحاجَّة (فان إيميرين 2010، 94). يكتب فان إيميرين (2010، 198): “كل انحرافات المناورة الاستراتيجية تعد مغالطات، بمعنى أنها تنتهك قاعدة أو أكثر من قواعد المناقشة النقدية، ويمكن اعتبار جميع المغالطات بمثابة انحرافات عن مسار المناورة الاستراتيجية”. وهذا يعني أن جميع المغالطات تُنسب في نهاية المطاف إلى البعد الخطابي للحِجَاج، حيث أن المناورة الاستراتيجية، في هذا النموذج، هي مدخل إلى الخطابة في مناقشات الحِجَاج. “نظرًا لأن كل مغالطة لها، من حيث المبدأ، نظراء يتصفون بالسلامة يُعتبرون تجليات لنفس أسلوب المناورة الاستراتيجية”، فقد لا تبدو كمغالطة، وقد “تمر دون أن يلاحظها أحد” (فان إيميرين 2010، 199). ومع ذلك، يفضل الجدل البرجماتي إبقاء شرط المظهر خارج تعريف “المغالطة”، ومعاملة كون المغالطات صالحة ظاهريا كخاصية عَرَضِيَّة تحدث أحيانا، وليست خاصية أساسية.

على الرغم من أن نظرية الجدل البرجماتي تستمر في التطور نحو فهم أكثر تفصيلاً وشمولاً للحِجَاج (فان إيميرين، 2018، الفصل 8)، إلا أنها تؤكد على أن نموذج المناقشة النقدية يمكن استخدامه لتقييم الحُجَّة عبر المجالات المختلفة التي يجري فيها الحِجَاج؛ مثل المجال القانوني، والسياسي، وما بين الأشخاص، وما إلى ذلك. وقد طور كل مجال نوعًا النمطي من الخطاب حيث يتم تفضيل أنواع مختلفة من الحِجَاج (المقاضاة، والمداولة، والوساطة، وما إلى ذلك)، ولكن معقولية الحجج في أي من تلك المجالات ستعتمد على مدى توافقها مع نموذج المناقشة النقدية.. وقد تحدى دوجلاس والتون هذا النهج، وهو من كتب عن المغالطات ونظرية المغالطة أكثر من أي شخص آخر. وقد نشر دراسات فردية حول العديد من المغالطات المعروفة، من بينها: مغالطة المصادرة على المطلوب (1991)، والمنحدر الزلق (1992)، وحُجَج الشَّخصَنَة (1998)، بالإضافة إلى عمل شامل حول نظرية برجماتية للمغالطة A Pragmatic Theory of Fallacy.  وقد تطورت آراؤه على مر السنين. لقد وضع لنظريته اسم “النظرية البرجماتية”، ومثل نظرية الجدل البرجماتي، فإن لها أساس جدلي/حواري؛ ومع ذلك، يتصور والتون عددًا من الأطر الجدلية المعيارية المتميزة (حوار الإقناع، وحوار الاستقصاء، وحوار التفاوض، وما إلى ذلك) بدلاً من النموذج الفردي للمناقشة النقدية التي اقترحتها الجدلية البرجماتية. يعتقد والتون أن افتراض أنواع مختلفة من الحوارات مع نقاط بدء مختلفة وأهداف مختلفة، سيجعل الحِجَاج أقرب إلى واقع الحِجَاج. في مرحلة ما، كان لدى والتون فكرة بأن المغالطات وقعت عندما حدث تحول غير مشروع من نوع حوار إلى آخر (1995, 118–23)، على سبيل المثال، باستخدام الحُجَج التي تناسب حوارا تفاوضيا في حوار إقناع، لكنه تحول، في الآونة الأخيرة، إلى طرق أخرى في تفسير المغالطات.

على الرغم من إقرار والتون بفئة المغالطات الصورية، إلا أن اهتمامه الرئيسي كان بالمغالطات غير الصورية، وخاصة تلك المرتبطة بمخططات الحِجَاج. تعتبر فكرة مخطط الحِجَاج جوهرية في نظرية والتون. المخططات هي أنماط أنواع شائعة من الاستدلال/ الحِجَاج القابل للدحض، مثل الاحتكام إلى رأي الخبراء، وحُجَج الشَّخصَنَة. لا تحدد المخططات المغالطات بل تحدد أنواع الحُجَج التي تُستخدم أحيانًا بشكل عادل، وفي أحيان أخرى بشكل مغالط. يرتبط بكل نوع من المخططات مجموعة من الأسئلة النقدية التي ترشدنا إلى تقرير ما إذا كان استخدام معين للحُجَّة يكون صحيحًا، أو ضعيفًا، أو مغالطًا. لذا، إذا نظرنا إلى ما يلي: 

EE خبير في المجال SS؛  
EE يؤكد pp بناءً على معرفته بـ SS؛  
 إذن، pp.

أن يكون المخطط من نوع حُجَّة الاحتكام إلى الخبرة(8)، فسيكون هناك سؤال لكل مقدمة: هل كان الخبير EE خبيرًا حقًا في SS؟  هل قال EE: “pp” عندما كان يتحدث بصفته المهنية؟ (… أم أنه أفصح وهو ثمل في حفلة؟). إذا كانت الإجابة على السؤالين هي نعم، فإن الحُجَّة تُنشئ افتراضا للنتيجة – ولكن ليس نتيجة مضمونة، لأن الاستدلال قابل للنقض: فقد تظهر معلومات أخرى تبطل هذا الافتراض. إذا لم يمكن الإجابة على أحد الأسئلة بوضوح، فإن ذلك يعد مؤشراً على ضعف الحُجَّة، والإجابة بـ “لا” على أي من السؤالين تلغي فرضية الاستنتاج، أي تجعل الحُجَّة ضعيفة من جانب رأي الخبير. إذا كان للحجة السيئة “مظهر من مظاهر الصحة في السياق، وتشكل عقبة جدية أمام بلوغ الهدف من الحوار”، فإنها تعتبر مغالطة. (2011, 380)(9)

إن تعريف المغالطة الذي يقترحه والتون (1995، 255) يتألف من خمسة أجزاء. المغالطة: 

1. حجة (أو على الأقل شيء يرمي إلى أن يكون حجة)

 2. لا تفي بمعيار معين من الصحة؛

 3. تُستخدم في سياق الحوار؛

 4. تبدو وكأنها صحيحة؛

و5. تشكل مشكلة جدية في تحقيق هدف الحوار.

هنا نجد أن والتون قد خفف من شرطين ضروريين من شروط المغالطة في المعالجة النمطية للمغالطات SDF. فالادعاء بكونها حُجَّة يكفي (لا يجب أن تكون حجة حقًا)، في حين أن عدم الالتزام بالمعيار (الذي سيختلف وفقًا لنوع الحوار قيد النظر) يحل محل شرط عدم الصلاحية. ومع ذلك، فإن شرط المظهر، المعبر عنه هنا بالمغالطات التي تبدو وكأنها صحيحة، يظل ساريًا بكامل قوته. والشرطان الآخران المضافان إلى المغالطة فيقعان فقط في سياقات الحوار، وهما يحبطان تحقيق هدف نوع الحوار الذي تظهران فيه. في إصراره على هذا البعد الحواري، يتعاطف والتون بشكل كامل مع أولئك الذين يعتقدون أن المغالطات لا يمكن تحليلها بشكل صحيح إلا ضمن إطار جدلي مماثل لتلك التي بحثها أرسطو في الأصل، والتي حددها هامبلين ولورينزن بشكل أفضل لاحقًا. يتطوع والتون بتقديم نسخة مختصرة من تعريف المغالطة بأنها “حجة سيئة مخادعة تعوق سير الحوار” (1995, 256).

يقسم والتون المغالطات إلى نوعين: المغالطات المنطقية paralogisms والمغالطات المخادعة sophisms. المغالطة المنطقية هي “نوع من المغالطات يشتمل عادة على خطأ في المنطق عن طريق الفشل في تلبية بعض المتطلبات الضرورية لمخطط الحُجَّة” في حين أن “نوع المغالطة المخادعة هو تكتيك سفسطائي يستخدم لمحاولة التغلب على الشريك في الحوار بشكل غير عادل حين تبادل الحُجَج” (2010، 171؛ انظر أيضًا 1995، 254). المغالطات المنطقية مثال على مخططات الحِجَاج القابلة للتعريف، أما المغالطة المخادعة. فليست كذلك؛ فالأخيرة ترتبط أكثر بمخالفة توقع منطقي للحوار بأكثر من الفشل في استيفاء بعض معايير الحُجَّة. وهناك تمييز آخر بين الحُجَج المستخدمة عمدًا للخداع sophism والحُجَج التي تنتهك ببساطة إحدى قواعد الحُجَّة عن غير قصد Paralogisms. فالأولى تعتبر مغالطات؛ أما الثانية، التي تلقى إدانة أقل، فهي أخطاء فادحة (1995، 235).

ومن بين المغالطات المنطقية غير الصورية التي يذكرها والتون: مغالطة الشَّخصَنَة، مغالطة الاحتكام إلى العامة، مغالطة استدرار العطف، مغالطة الاحتكام إلى الجهل، مغالطة الاحتكام إلى السلطة، مغالطة المنحدر الزلق، مغالطة العلة الزائفة، مغالطة رجل القش، ، مغالطة القياس الفاسد، مغالطة التركيب والتقسيم. في فئة المغالطات المخادعة، يضع والتون: مغالطة السؤال المعقد، ومغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة التعميم المتسرع، ومغالطة تجاهل المطلوب، ومغالطة الاشتراك اللفظي، ومغالطة الاشتباه التركيبي، ومغالطة اللهجة، ومغالطة تعميم الاستثناء. كما كان لدى والتون فئة من المغالطات الصورية تشبه إلى حد كبير تلك التي حددها ويتلي وكوبي. والفئة الأكبر في تصنيف والتون هي الفئة المرتبطة بمخططات الحِجَاج وحُجَج ad، وهي الفئات التي يعتبرها المغالطات الأكثر مركزية. وتجد جميع المغالطات الأرسطية تقريبًا نفسها متراجعة إلى فئات المغالطات الأقل دراسة. وإذا ألقينا نظرة بعيدة على تاريخ المغالطات، فسوف نجد أن المغالطات الأرسطية لم تعد ذات أهمية مركزية. يتركز الاهتمام الآن بشكل رئيسي على قائمة المغالطات التي نشأت من ابتكار لوك عن حُجَجad.

وهناك نهج حديث آخر يتفرع من نظرية الحِجَاج الفاضل virtue argumentation (التي تم تصميمها على غرار نظرية المعرفة الفاضلة). تتميز نظرية الحِجَاج الفاضل بمجموعة متميزة من الفضائل التي يُعتقد أنها ضرورية للحجاج الجيد: الاستعداد للمشاركة في الحِجَاج، والاستعداد للاستماع إلى الآخرين، والاستعداد لتعديل الموقف الشخصي (انظر، على سبيل المثال، كوهين 2009). ويمكن استكمال هذه الفضائل بالفضائل المعرفية بل والفضائل الأخلاقية في بعض الحالات. وعلى الرغم من أن الفضائل والرذائل هي تصرفات المجادلين وأن المغالطات حُجَج، إلا أنه يُزعم أن الحِجَاج الجيد ينشأ عمومًا من تأثير فضائل الحِجَاج، وأن الحِجَاج السيئ (بما في ذلك المغالطات) ينشأ بسبب رذائل المجادلين.

بالنظر إلى وجهة النظر الأرسطية القائلة بأن الفضائل هي وسيط بين نوعين متضادين من الرذائل، فيمكن اعتبار الحُجَج المغلوطة، على عكس الأنواع الأخرى من الرذائل، يمكن اعتبارها نتيجة لتحرك المجادلين في اتجاه أو آخر بعيدًا عن وسطية الحِجَاج الجيد. وقد طور أبردين (2013, 2016) هذا النموذج بشكل خاص لفهم العديد من المغالطات. ويمكننا توضيح وجهة النظر هذه بالنظر في مغالطة الاحتكام إلى الخبرة: قد تكون الرذائل المرتبطة بها هي قلة الاحترام للسلطات الموثوقة من أحد الطرفين، والإجلال المفرط للسلطات من الطرف الآخر.  يطور أبردين تحليل المغالطات كرذائل للحِجَاج بقدر من التفصيل لغيرها من حُجَج -ad، ويضع تخطيطًا لكيفية تطبيقه على المغالطات الأساسية الأخرى، مما يشير إلى أنه يمكن توسيعه ببساطة ليشملها جميعها.

جميع المغالطات، بحسبه، يمكن وضعها في موضع ما في تصنيف الرذائل الحِجَاجية، لكن العكس ليس صحيحًا، رغم إمكانية كشف أوجه القصور الأخرى التي قد نقع فريسة لها في الحِجَاج. ثم جانب آخر للنظرية يتلخص في أنها توزع رذائل الحِجَاج بين المتحدثين والجمهور. قد يلوث المتحدثون حُجَجهم بالرذائل عندما يكونون، على سبيل المثال، أصحاب عقول منغلقة، أو لا يحترمون الآخرين، وقد يساهم الجمهور في هذا الخداع بقبولهم للتأثر بالغفلة، أو الاعتماد المفرط على الحس السليم، أو التحيز غير المبرَّر ضد المتحدث. ولعل تطوير نهج نظرية الحِجَاج الفاضل في التعامل مع المغالطات يوفر استكمالا لنظرية ميل في المغالطات. فقد ميز (1891, V, i, 3)  بين ما أسماه الأسباب الأخلاقية (الميول الشخصية) والعقلية للمغالطات. ويبدو أن من الأفضل أن تندرج دراسة الرذائل الحِجَاجية التي تصورناها آنفا تحت الدراسة الأخلاقية للمغالطات، حيث يمكن اعتبار الرذائل أسباباً مهيئة لارتكاب أخطاء فكرية، أي: سوء تقدير لقدر الأدلة.

لقد قدم فينوتشيارو (2023, 24) تمييزًا بين حجج المستوى الأوَّلي وحجج المستوى الفوقي. الأولى تتعلق بالظواهر الطبيعية، والأحداث التاريخية، والأفعال البشرية، والكيانات المجردة، وما إلى ذلك، والأخيرة تتعلق بحجة واحدة أو أكثر، أو بالحِجَاج بشكل عام. عندما نبرر أحكامنا بأن الحُجَّة، x، قد ارتكبت مغالطة، فإننا نصنع حجة فوقية حول x. يستخدم فينوتشيارو مغالطة التركيب كمثال قائلاً إنها في المقام الأول مبدأ حُجَّة فوقية تستخدم لتقييم حجة على المستوى الأوَّلي كمغالطة.

يأخذ أكين وكيسي هذا الخط من التحليل إلى أبعد من ذلك، ويزعمان أن هناك مغالطات بالفعل يمكن فهمها على أفضل وجه على أنها مغالطات الحِجَاج الفوقي. لقد درسوا ثلاثة منها: مغالطة رجل القش (2022a)، ومغالطة مذهب كلا الجانبين (2022b)، وما يسمونه مغالطة حرية التعبير (2023). هذه كلها مغالطات قد تحدث في عملية الحِجَاج ، أي التبادل بين المشاركين في الجدال. وفقًا لهذا الرأي، تحدث مغالطات الرجل القش عندما يقوم شخص ما أثناء الحِجَاج بتشويه حجة أساسية بشكل غير دقيق وغير مواتٍ في محاولة لدحضها أو تشويه مصدرها. في حالة مذهب كلا الجانبين، هناك حجج متضاربة يعتمد كل منها على أدلة مبدئية. يمكن أن يؤدي هذا إلى حجة فوقية مفادها أن الحقيقة تكمن في مكان ما في المنتصف بين الاستنتاجات الأولية المتعارضة. يُعتبر هذا مغالطة لأن الأدلة المتناقضة المزعومة التي لوحظت على المستوى الفوقي ليست سببًا كافيًا للتخلي عن كلا الاستنتاجين الأوليين لصالح حل وسط. يقول أكين وكيسي إن الحالات التي يزعم فيها الناس أن حقهم في حرية التعبير قد انتُهك، تسمح أيضًا بإمكانية حدوث مغالطات الحِجَاج الفوقي. إحدى تلك الطرق تكون عندما يُخطئ المرء باعتباره انتقاد وجهة نظر ما على أنه رقابة على تلك النظرة؛ وهناك نوع آخر من الأخطاء يتمثل في استبعاد الأطراف من المشاركة في مناقشة لأسباب وجيهة مثل الافتقار إلى المؤهلات، أو تبني آراء اجتماعية بغيضة. ومن استبعادهم قد يقدمون حُجَّة فوقية بأن نتيجة المناقشة غير مبررة معرفياً بسبب عدم أخذ الأدلة في الاعتبار، أو قد يعتقدون أن واقعة استبعاد وجهة نظرهم علامة على أن وجهة نظرهم تتمتع بمزايا لن يعترف معارضوها بها. ويقول المؤلفان إن مثل هذه الأخطاء هي مغالطات الحُجَج الفوقية، ويتوقعون وجود المزيد منها في انتظار تحليلها.

4. القضايا المعاصرة في نظرية المغالطات

4.1 طبيعة المغالطات

إن السؤال الذي لا يزال يلاحق نظرية المغالطات هو كيف نتصور المغالطات. إن وجود نظرية موحدة للمغالطات أمر له العديد من المزايا. فستمنحنا طريقة منهجية لترسيم حدود للمغالطات وأنواع أخرى من الأخطاء؛ وستمنحنا إطاراً لتبرير أحكام المغالطات، وستمنحنا إحساساً بمكانة المغالطات في مخططاتنا المفاهيمية الكبرى. المطلوب هو تعريف عام لمفهوم “المغالطة”، ولكن هذه الرغبة محبَطة لأن هناك خلافاً حول هوية المغالطات. هل هي أخطاء استدلالية، أم منطقية، أم معرفية، أم جدلية؟ يصر بعض المؤلفين على أنها كلها من نوع واحد:  على سبيل المثال، يرى بيرو وسييجل أنها معرفية، ويرى أصحاب الجدل البرجماتي أنها جدلية. وهناك أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد بأن كل المغالطات لا تندرج ببساطة في فئة واحدة.

يشكل كتاب التفنيدات السفسطائية ومقال لوك معاً المصدران الأساسيان لميراثنا في معالجة المغالطات. ولكن لأربعة أسباب، فإنهما يشكلان رفقاء غير متآلفين.  أولاً، يبدو أن مغالطاتad تنطوي على صفة جدلية مدمجة فيها، وهو ما يمكن معه القول إن مغالطات أرسطو تفتقر إليها (إنها ليست تفنيدات سفسطائية بل هي تفنيدات في إطار سفسطائي). ثانياً، مغالطات أرسطو هي أخطاء منطقية: ليس لها توظيف مناسب خارج الحِجَاج الخلَّاق، في حين أن مغالطات ad هي أمثلة على حُجَج ad، والتي غالباً ما تُستخدم بشكل ملائم في الحوارات. ثالثاً، يشكل شرط المظهر جزءاً من الميراث الأرسطي، ولكنه ليس مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتراث مغالطات ad. السبب الرابع الذي يساهم في التوتر بين التراث الأرسطي وتراث لوك في المغالطات هو أن الأولى نشأت من مشكلات فلسفية، والتي كانت في الغالب ألغازا منطقية وميتافيزيقية (تأمل الأمثلة العديدة في كتاب التفنيدات السفسطائية)، في حين أن مغالطات ad كثر توجها نحو الموضوعات الاجتماعية والسياسية ذات الاهتمام الشعبي، وهو الموضوع الذي يثير بشكل كبير اهتمام الباحثين المعاصرين في نظرية المغالطات.

عندما نعود إلى دراستنا الاستقصائية، لا يسعنا إلا أن نلاحظ أن المغالطات تم تحديدها بحسب ارتباطها ببعض الحُجَج النموذجية أو الجيدة، أو الحِجَاج الجيد، أو العقلانية. مغالطات أرسطو هي أوجه قصور في مثاله للاستدلال والبرهان، امتدت إلى سياقات التفنيد. المغالطات التي ذكرها ميل هي أخطاء في الاستدلال في نموذج شامل يتضمن كل من الاستنباط والاستقراء. أولئك الذين دافعوا عن المعالجة النمطية للمغالطات باعتبارها التعريف الصحيح لـ “المغالطة”(10) يأخذون المنطق دون قيد أو شرط simpliciter أو الصحة الاستنتاجة كمثال للعقلانية. ينظر علماء المنطق غير الصوري إلى المغالطات باعتبارها فشلاً في تلبية معايير ما يعتبرونه حجة مُقنِعة. ويرى المدافعون عن النهج المعرفي للمغالطات أنها أوجه قصور في معايير الحُجَج المولِّدة للمعرفة. وأخيراً، سوف ينظر أولئك الذين يهتمون بكيفية التغلب على خلافاتنا بطريقة معقولة إلى المغالطات باعتبارها إخفاقات فيما يتعلق بمبادئ النقاش أو المناقشات النقدية.

إن المعالجة النمطية للمغالطات الأساسية لم تنشأ من مفهوم واحد للحجة الجيدة، أو المعقولية، بل على العكس من ذلك، مثل الكثير من معارفنا غير المنهجية، نمت كمجموعة مختلطة من العناصر، المُقترحة في أوقات مختلفة ومن وجهات نظر مختلفة، والتي تستمر في جذب انتباهنا، حتى مع التخلي عن المعايير التي كشفت في الأصل عن مغالطة معينة، أو تم استيعابها في نماذج أحدث من العقلانية. وبالتالي، لا يوجد مفهوم واحد للحجة الجيدة، أو الحِجَاج الجيد الذي سيتم اكتشافه وراء المغالطات الأساسية، وأي محاولة لإجبارها جميعًا على التموضع في إطار واحد، يجب أن تبذل جهدها لتجنب تشويه السمة المنسوبة في الأصل إلى كل منها.

4.2 شرط المظهر

من أرسطو إلى ميل، كان شرط المظهر عنصرا جوهريا في مفهوم المغالطات. ومع ذلك، تجاهله بعض العلماء الجدد بعد هامبلين (فينوتشيارو، وبيرو، وسييجل) أو رفضوه؛ إذ يمكن للمظاهر أن تختلف من شخص لآخر، مما يجعل الحُجَّة نفسها تبدو كمغالطة لمن ينخدع بالمظهر، وليست مغالطة لمن يرى ما وراء المظاهر. هذا غير مرضٍ بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الحُجَج إما أن تكون مغالطات أو ليست مغالطات. المظاهر، كما يُقال، لا مكان لها في النظريات المنطقية أو العلمية؛ لأنها تنتمي إلى علم النفس (فان إيميرين، وجروتندورست، 2004). لكن والتون (على سبيل المثال، 2010) يواصل اعتبار المظاهر جزءًا أساسيًا من المغالطات كما يفعل باورز (1995, 300) الذي يصر على أن المغالطات يجب أن يكون “لها مظهر، تُرى من خلاله، أنها صحيحة”. إذا لم يكن الخطأ في الحُجَّة مخفيًا بنحو ملتبس بما يمنحها مظهر الحُجَّة بأفضل مما هي عليه في الواقع، حينئذ ينفي باورز أنها مغالطة.

إن شرط المظهر للمغالطات يخدم غرضين على الأقل. أولاً، يمكن أن يكون جزءًا من تفسير أسباب ارتكاب الأشخاص العقلانيين أخطاء في الحُجَج أو الحِجَاج: قد يرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحُجَّة تظهر أفضل مما هي عليه في الواقع. ثانياً، إنها تعمل على تقسيم الأخطاء إلى مجموعتين: الأخطاء البسيطة، أو الناتجة عن اللامبالاة (والتي لا علاج لها سوى الاهتمام بشكل أفضل)، والأخطاء التي نحتاج إلى تعلم كيفية اكتشافها من خلال زيادة الوعي بطبيعتها المغوية. وبدون شرط المظهر، يمكن القول إنه لا يمكن إجراء تقسيم بين هذين النوعين من الأخطاء: إما أنه لا توجد مغالطات، أو أن جميع الأخطاء في الحُجَج و/أو الحِجَاج هي مغالطات؛ وهو استنتاج نجد البعض على استعداد لقبوله، ولكنه يتناقض مع التقاليد. ويمكن أن يجيب البعض أيضًا بأن هناك بديلاً لاستخدام شرط المظهر كحد فاصل بين المغالطات والأخطاء العرضية، أي: التكرار. المغالطات هي الأخطاء التي يجب أن نتعلم الاحتراز منها لأنها تحدث بتواتر ملحوظ. ويمكن الرد على هذا بأن تعبير “التكرار الملحوظ” غير واضح، وربما يكون من الأفضل تفسيره بشرط المظهر.

يوضح أوزوالد وهيرمان (2020) إمكانية أن تبدو الحُجَّة أفضل مما هي عليه بالفعل من خلال الاحتكام إلى العوامل المعرفية والبلاغية. العامل المعرفي يُقصد به أن مجموعة المعلومات التي يقدم بها المتحدث حجة مغلوطة قد تكون أكبر من مجموعة المعلومات لدى متلقي الحُجَّة، وبالتالي احتمال وضع المتلقي في موقف المخدوع. يمكن لأصحاب المهارات الإقناعية استغلال مثل هذا الاختلاف بين مجموعات المعلومات بالتلاعب بالأدلة السياقية ذات الصلة؛ أي من خلال تقديم ما يؤيد الحُجَّة المغلوطة وحجب العوامل الحاسمة ضدها. وبالتالي قد ينخدع المتلقي بالمغالطة بسبب الطريقة التي قُدِّمت بها الحُجَّة إليه. ينظر هانسن (2023) إلى العوامل السببية التي قد تؤدي إلى سوء فهم الحجج السيئة على أنها حجج جيدة. وهي تشمل الخصائص البنيوية للحجج، والمنظورات الإدراكية، والأطر الاجتماعية التي تُقدَّم فيها الحجج، والتصورات الخاطئة بسبب الاختلالات لدى متلقي الحُجَّة.

4.3 التعليم

على المستوى الأكثر عملية، لا يزال هناك نقاش حول أهمية تعليم المغالطات للطلاب. هل هي طريقة فعالة ليتعلموا التفكير السليم وتجنُّب الحُجَج السيئة؟ أحد الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن هذه الطريقة غير فعّالة هو أن قائمة المغالطات غير مكتملة، وحتى لو تم توسيع مجموعة المغالطات الأساسية لتشمل مغالطات أخرى نرى أنها تستحق أن تُدرَج، فسنظل غير متأكدين من أننا نمتلك وقاية كاملة ضد الحُجَج السيئة. ومن ثم، فمن الأفضل لنا أن نعلِّم المعايير الإيجابية للحُجَج/الحِجَاج الجيد، والتي تمنحنا مجموعة أكثر اكتمالاً من المبادئ التوجيهية للاستدلال الجيد. ولكن البعض (أتباع الجدل البرجماتي وجونسون وبليير) يعتقد أن مخزونهم من المغالطات يشكل حماية تامة ضد الأخطاء، لأنهم حددوا مجموعة كاملة من الشروط الضرورية للحُجَج/الحِجَاج الجيد، ويرون أن المغالطات هي مجرد فشل في تلبية أحد هذه الشروط.

اعتبار آخر حول أهمية نهج المغالطات في تعليم الاستدلال الجيد، هو أنه يميل إلى جعل الطلاب ذوي حس نقدي مفرط، مما يؤدي بهم إلى رؤية المغالطات حيث لا يوجد أي منها؛ ومن ثم، نتمسك بقدرتنا على أن نتقدم بشكل أفضل في غرس مهارات التفكير النقدي من خلال تعليم المعايير الإيجابية للاستدلال والحُجَج الجيدة (هيتشكوك، 1995). ردًا على هذا الرأي، قيل إنه إذا تم تدريس المغالطات بطريقة غير روتينية تتضمن تفسيرات توضح لماذا هي مغالطات – ما هي المعايير القياسية التي تنتهكها – وهكذا يمكن للدورة الدراسية حول المغالطات الأساسية أن تكون فعالة في غرس مهارات الاستدلال السليم (بلير 1995).

في أحدث أعماله، اقترب بلير (2023) من توصية هيتشكوك بعدم تدريس المغالطات في الدورات التمهيدية، لكن تبريره هو أن دراسة المغالطات أصبحت معقدة للغاية مع العديد من الأبعاد والمناهج المتداخلة، بحيث أصبحت موضوعًا صعبًا للغاية بالنسبة لطلاب الجامعة؛ علاوة على ذلك، فإن قِلة من المعلمين هم من على دراية بالأدبيات الواسعة التي تطورت حول المغالطات. تابع هيتشكوك (2023) مقالته السابقة بدراسة لستة من أكثر الكتب المدرسية استخدامًا (لكل منها عشر طبعات على الأقل) والتي تحتوي على قسم خاص بالمغالطات، وتساءل عما إذا كانت قد استفادت من نقد هامبلين (1970) للمعالجة النمطية للمغالطات (انظر القسم 3.1 أعلاه). وجد أنه وفقًا للمعيار الضمني في نقد هامبلين، كان هناك تحسن ضئيل في تحليل وتقديم المغالطات في تلك الكتب الدراسية.

4.4 التحيزات

يوضح نيكرسون أن التحيزات هي “ميل لرؤية الأشياء من زاوية معينة بدلاً من زاوية أخرى” (2021, 208). ويستعرض مؤلفات عن التحيزات التي يمكن أن تؤثر على التفكير، وناقش العوامل التحفيزية والإدراكية التي قد تؤدي إلى وجود التحيزات (ch. 7). ومثل المغالطات، لا توجد للتحيزات قائمة نهائية حاسمة، ويعتمد تحديد السمات المتفردة للتحيزات، إلى حد كبير، على الغاية من استفساراتنا.. لقد انتقل كورييا (2011) برؤية ميل بأن التحيزات هي أسباب مُهيِّئَة للمغالطات إلى خطوة إضافية من خلال ربط تحيزات محددة بمغالطات محددة.  ويذهب إلى أنه يمكن للتحيزات أن تؤثر على ارتكاب المغالطات بشكل غير مقصود حتى عندما لا يكون هناك نية للخداع. إن اعتبار التحيزات “أخطاء منهجية تشوه باستمرار منطق الموضوع وحكمه”، فإن الصورة المعبرة هي أن تحيزات معينة يتم تنشيطها بموجب الرغبات والعواطف (الاستدلال المحَفَّز) وبمجرد أن تكون فاعلة، فإنها تؤثر سلبًا على التقييم العادل للأدلة. وبالتالي، على سبيل المثال، يميل تحيز “وهم التركيز focussing illusion” بالشخص إلى التركيز على قسم فقط من الأدلة المتاحة، متجاهلاً أو منكرا الأدلة التي قد تؤدي إلى توجه آخر. يربط كورييا (2011, 118) هذا التحيز بمغالطات التعميم المتسرع، ورجل القش، مما يشير إلى أن رغبتنا في أن نكون على حق هي التي تنشط التحيز للتركيز بشكل أكبر سواء على الأدلة الإيجابية أو السلبية حسب الحالة. وهناك تحيزات أخرى يربطها بمغالطات أخرى.

كان ثاجارد (2011) أكثر اهتمامًا بتأكيد الاختلافات بين المغالطات والتحيزات بدلاً من إيجاد صلات بينهما. إذ يرى أن نموذج الاستدلال الذي يعبر عنه المنطق غير الصوري لا يتناسب بشكل جيد مع الطريقة التي يفكر بها الناس بالفعل، وأن القليل فقط من المغالطات ذات صلة بأنواع الأخطاء التي يرتكبها الناس بالفعل. تعتمد حُجَّة ثاجارد على تمييزه بين الحُجَّة والاستدلال. فهو يرى أن الحُجَج والمغالطات متسلسلة ولغوية، أما الاستدلالات فهي أنشطة دماغية وتتميز بأنها متوازية ومتعددة الوسائط. ويقصد بـ “المتوازي” أن الدماغ ينفذ عمليات مختلفة في وقت واحد، ويقصد بـ “متعدد الوسائط” أن الدماغ يستخدم التمثيلات غير اللغوية، والعاطفية، بالإضافة إلى التمثيلات اللغوية، في الاستدلال. ويمكن للتحيزات (توجهات الخطأ الاستدلالي) أن تؤثر بشكل غير واعٍ على الاستدلال. على سبيل المثال، “يتضمن الاستدلال المُحفَّز التعيين الانتقائي، وتقييم الأدلة، على أساس عمليات غير واعية مدفوعة باعتبارات عاطفية للأهداف، بدلاً من التفكير المعرفي البحت” (2011, 156). ويقدم ثاجارد قائمة بأكثر من خمسين من توجهات الخطأ الاستدلالي هذه. ولأن الاستدلالات المحفّزَة تنشأ عن عمليات ذهنية غير واعية لا عن التفكير الواضح، فلا يمكن الكشف ببساطة عن الأخطاء في الاستدلالات من خلال تحديد مغالطة في حجة أعيد بناؤها. إن التعامل مع التحيزات يتطلب الكشف عن كلا من الأهداف الواعية وغير الواعية للمتجادِلِين، وهي الأهداف التي يمكن أن تظهر في التفسيرات التي تبين سبب ميلهم إلى تحيزات معينة. ويخلص ثاجارد إلى أن “التغلب على الاستدلالات المحفِّزَة للناس هو بالتالي أقرب إلى العلاج النفسي منه إلى المنطق غير الصوري” (157)، وبالتالي يتم تهميش أهمية المغالطات.

استجابة لما توصلنا إليه، يمكننا أن نقر بأهمية المغالطات لتعليم التفكير النقدي، ولكن مع تذكر التمييز بين السبب في الأخطاء وبين الأخطاء. ينتمي تحليل المغالطات إلى الدراسة المعيارية للحُجَج والحِجَاج، ولإعطاء تفسير لما هي المغالطة في حجة معينة سوف ينطوي على الإشارة إلى بعض قواعد الحُجَّة أو الحِجَاج. سيكون ذلك بمثابة تفسير لما هو الخطأ في الحُجَّة. ترتبط التحيزات بفهم سبب ارتكاب الناس للمغالطات، وكيف يمكننا مساعدتهم على تجاوزها، لكنها لا تساعدنا في فهم ما هي المغالطات – أو الأخطاء في المقام الأول – فهي مسألة لا تخص علم نفس.  ونأمل أن يؤدي استمرار البحث في هذا التقاطع بين الاهتمامات إلى إلقاء المزيد من الضوء على كل من التحيزات والمغالطات.

المراجع

  • Aberdein, A., 2013, “Fallacy and argumentational vice,” Ontario Society for the Study of Argumentation (OSSA Conference Archive: OSSA 10), available online.
  • –––, 2016, “The vices of argument,” Topoi, 25: 413–22.
  • Akin, S.F., and J. Casey, 2022a, Straw Man Arguments: A Study in Fallacy Theory, London: Bloomsbury.
  • –––, 2022b, “Bothsiderism,” Argumentation, 36: 249–68.
  • –––, 2023, “Free speech fallacies as meta-argumentative errors,” Argumentation, 37: 295–305.
  • Aristotle, Categories, H.P. Cooke (trans.), Cambridge, MA: Harvard University Press, 1938.
  • –––, On Sophistical Refutations, E. S. Forster (trans.), Cambridge, MA: Harvard University Press, 1955.
  • –––, Posterior Analytics, H. Tredennick (trans.), Cambridge, MA: Harvard University Press, 1960.
  • –––, TopicsBooks I and VIII, R. Smith (trans.), Oxford: Clarendon Press, 1997.
  • Arnauld, A., and P. Nicole, 1685, Logic, or the Art of Thinking, 5th edition, J. V. Buroker (trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 1996.
  • Bachman, J., 1995, “Appeal to authority,” in Hansen and Pinto, 1995, pp. 274–86.
  • Bacon, F., 1620, The New Organon, Indianapolis: Bobbs-Merrill, 1960.
  • Barth, E. M., and J. L. Martens, 1977, “Argumentum ad hominem, from chaos to formal dialectic,” Logique et Analyse, 20: 76–96.
  • Bentham, J., 1824, The Handbook of Political Fallacies, page references to reprint, H. A. Larrabee (ed.), New York: Harper and Brothers, 1962.
  • Biro, J., 1977, “Rescuing ‘begging the question’,” Metaphilosophy, 8: 257–71.
  • Biro, J., and H. Siegel, 1992, “Normativity, argumentation and an epistemic theory of fallacies,” in Frans H. van Eemeren, et al., editors, Argumentation Illuminated, Amsterdam: Sic Sat, pp. 85–103.
  • –––, 1997, “Epistemic normativity, argumentation and fallacies,” Argumentation, 11: 277–293.
  • –––, 2006, “In defence of the objective epistemic approach to argumentation,” Informal Logic, 26: 91–102.
  • Blair, J. A., 1995, “The place of teaching informal fallacies in teaching reasoning skills or critical thinking,” in Hansen and Pinto 1995, pp. 328–38.
  • –––, 2023, “Teaching the fallacies,” Argumentation, 37: 247–251.
  • Brinton, A., 1995, “The ad hominem,” in Hansen and Pinto 1995, pp. 213–22.
  • Churchill, R. P., 1986, Becoming Logical, New York: St Martin’s Press.
  • Cohen, D.H., 2009, “Keeping an open mind and having a sense of proportion as virtues in argumentation,” Cogency, 1: 49–64.
  • Copi, I. M., 1961, Introduction to Logic, (2nd ed.), New York: Macmillan.
  • Corcoran, J., 1974, “Remarks on Stoic deduction,” in J. Corcoran (ed.), Ancient Logic and its Modern Interpretations, Dordrecht: Reidel, pp. 169–81.
  • Corner, A., U. Hahn, and M. Oaksford, 2006, “The slippery slope argument—probability, utility and category reappraisal,” Proceedings of the Annual Meeting of the Cognitive Science Society, 28: 1145–1150, available online.
  • Correia, V., 2011, “Biases and fallacies: The role of motivated irrationality in fallacious reasoning,” Cogency, 3: 107–26.
  • Finocchiaro, M. A., 1974, “The concept of ad hominem argument in Galileo and Locke,” Philosophical Forum, 5: 394–404; page references are to Finocchiaro 2005, pp. 329–39.
  • –––, 1981, “Fallacies and the evaluation of reasoning,” American Philosophical Quarterly 18: 13–22; page references are to Finocchiaro 2005, pp. 109–27.
  • –––, 1987, “Six types of fallaciousness: towards a realistic theory of logical criticism,” Argumentation 1: 263–82; page references are to Finocchiaro 2005, pp. 128–47.
  • –––, 2005, Arguments about Arguments. Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2023, The Fallacy of Composition: Critical Reviews, ConceptualAanalyses, and Case Studies, London: College Publications.
  • Freeman, J. B., 1988, Thinking Logically: Basic Concepts for Reasoning, Englewood Cliffs: Prentice-Hall.
  • –––, 1995, “The appeal to popularity and presumption by common knowledge,” in Hansen and Pinto 1995, pp. 265–73.
  • Goodwin, J., 1998, “Forms of authority,” Argumentation, 12: 267–80.
  • Govier, T., 1982, “What’s wrong with slippery slope fallacies?” Canadian Journal of Philosophy, 12: 303–16.
  • –––, 1987, “Four reasons there are no fallacies?” in Problems in Argument Analysis and Evaluation, Dordrecht: Foris; page references to reprint as “Reply to Massey” in Hansen and Pinto 1995, pp. 172–80.
  • –––, 1988, A Practical Study of Argument, 2nd edition, Belmont: Wadsworth.
  • Grootendorst, R., 1997, “Jeremy Bentham’s Handbook of Political Fallacies ,” in Historical Foundations of Informal Logic, D. Walton and A. Brinton (eds.), Aldershot: Ashgate, pp. 114–24.
  • Hahn, U., and M. Oaksford, 2006a, “A normative theory of argument strength,” Informal Logic, 26: 1–24.
  • –––, 2006b, “A Bayesian approach to informal argument fallacies,” Synthese, 152: 207–236.
  • Hamblin, C. L., 1970, Fallacies, London: Methuen.
  • Hansen, H. V., 2002, “The straw thing of fallacy theory: the standard definition of ‘fallacy’,” Argumentation, 16: 134–55.
  • –––, 2023, “Committing fallacies and the appearance condition,” Argumentation, 37: 253–267.
  • –––, and R. C. Pinto (eds.), 1995, Fallacies: Classical and Contemporary Readings, University Park: Penn State Press.
  • Hintikka, J., 1987, “The fallacy of fallacies,” Argumentation, 1: 211–38.
  • –––, 1997, “What was Aristotle doing in his early logic, anyway? A reply to Woods and Hansen,” Synthese, 113: 241–49.
  • Hitchcock, D., 1995, “Do fallacies have a place in the teaching of reasoning skills or critical thinking?” in Hansen and Pinto 1995, pp. 319–27.
  • –––, 2000, “Fallacies and formal logic in Aristotle,” History and Philosophy of Logic, 21: 2017–21.
  • –––, 2023. “Textbook treatments of fallacies,” Argumentation, 37: 233–245.
  • Irwin, T., and G. Fine, 1996, Aristotle, Introductory Readings, Indianapolis: Hackett.
  • –––, 1987, “The blaze of her splendors: Suggestions about revitalizing fallacy theory,” Argumentation, 1: 239–53; page references to reprint in Hansen and Pinto 1995, pp. 107–19.
  • Johnson, R., and J. A. Blair, 1993, Logical Self-Defence, 3rd ed., Toronto: McGraw-Hill Ryerson.
  • Johnstone, H. W., Jr., 1952, “Philosophy and argumentum ad hominem,” Journal of Philosophy, 49: 489–98.
  • Kahane, H., 1971, Logic and Contemporary Rhetoric, Belmont: Wadsworth.
  • Korb, K., 2003, “Bayesian informal logic and fallacy,” Informal Logic, 23: 41–70.
  • Krabbe, E. C. W., 1995, “Appeal to ignorance,” in Hansen and Pinto 1995, pp. 251–64.
  • Locke, J., 1690, An Essay Concerning Human Understanding. Many editions.
  • Lorenzen, P., 1969, Normative Logic and Ethics, Mannheim: Bibliographisches Institut; 2nd annotated edition, 1984.
  • Massey, G. J., 1981, “The fallacy behind fallacies,” Midwest Studies in Philosophy, 6: 489–500; page references are to reprint in Hansen and Pinto 1995, pp. 159–71.
  • Mates, B., 1965, Elementary Logic, Oxford: Oxford University Press.
  • Mill, J. S., 1891, A System of Logic, Ratiocinative and Inductive, 8th edition, New York: Harper and Brothers; first edition 1843.
  • Nickerson, R.S., 2021, Argumentation: The Art of Persuasion, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Nuchelmans, G., 1993, “On the fourfold root of argumentum ad hominem,” in E. C. W. Krabbe, R. J. Dalitz, and P. A. Smit (eds.), Empirical Logic and Public Debate, Amsterdam: Rodopi, pp. 37–47.
  • Oswald, S., and T. Herman, 2020, “Give the standard treatment of fallacies a chance! Cognitive and rhetorical insights into fallacy processing,” in F.H. van Eemeren and B. Garssen (eds.), From Argument Schemes to Argumentative Relations in the Wild, Cham: Springer, pp. 41–62.
  • Pinto, R. C., 1995, Post hoc, ergo propter hoc, in Hansen and Pinto, pp. 302–11.
  • Powers, L., 1995, “Equivocation,” in Hansen and Pinto 1995, pp. 287–301.
  • Rosen, F., 2006, “The philosophy of error and liberty of thought: J. S. Mill on logical fallacies,” Informal Logic, 26: 121–47.
  • Rudanko, J., 2021, Fallacies and Free Speech, New York: Palgrave MacMillan.
  • Salmon, W., 1963, Logic, Englewood-Cliffs: Prentice-Hall.
  • Schreiber, S. G., 2003, Aristotle on False Reasoning, Albany: State University of New York Press.
  • Sidgwick, A., 1878, “The negative character of logic,” Mind, 3: 350–357.
  • ––, 1884, Fallacies: A View of Logic from the Practical Side, New York: D. Appleton and Co.
  • Smith, R., 1997, “Commentary,” Aristotle: Topics, Books I and VIII, Oxford: Clarendon Press.
  • Thagard, P., 2011, “Critical thinking and informal logic: neuropsychological perspectives,” Informal Logic, 31: 152–70.
  • Tindale, C. W., 1996, “Fallacies in transition: An assessment of the Pragma-dialectical perspective,” Informal Logic, 18: 17–33.
  • –––, 2007, “On Fallacy,” in Reason Reclaimed: Essays in Honor of J. Anthony Blair and Ralph H. Johnson, H.V. Hansen and R. C. Pinto (eds.), Newport News: Vale Press, pp. 155–70.
  • Van Eemeren, F. H., 2010, Strategic Maneuvering in Argumentative Discourse, Amsterdam: John Benjamins.
  • –––, and Rob Grootendorst, 1984, Speech Acts in Argumentative Discussions, Dordrecht: Foris.
  • –––, 1992, Argumentation, Communication and Fallacies, Hillsdale: Erlbaum.
  • –––, 2004, A Systematic Theory of Argumentation, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ___, 2018, Argumentation Theory: A Practical Dialectical Perspective, Cham: Springer.
  • Walton, D. N., 1991, Begging the Question, New York: Greenwood.
  • –––, 1995, A Pragmatic Theory of Fallacies, Tuscaloosa: University of Alabama Press.
  • –––, 1998, Ad hominem arguments, Tuscaloosa, University of Alabama Press.
  • –––, 2010, “Why fallacies appear to be better arguments than they are,” Informal Logic, 30: 159–84.
  • –––, 2011, “Defeasible reasoning and informal fallacies,” Synthese, 179: 377–407.
  • Watts, I., 1796, Logick: or, the Right Use of Reason, 2nd edition; page references to reprint, New York: Garland, 1984.
  • Whately, R., 1875, Elements of Logic, 9th ed., London: Longmans, Green and Company; first edition 1826.
  • Woods, J., 1992, “Who cares about the fallacies?” in Argumentation Illuminated, F. H. van Eemeren, et al. (eds.), Amsterdam: SicSat, pp. 23–48.
  • –––, 2013, Errors of Reasoning: Naturalizing the Logic of Inference, London: College Publications.
  • –––, and H. V. Hansen, 1997, “Hintikka on Aristotle’s fallacies,” Synthese, 113: 217–39.
  • –––, 2001, “The subtleties of Aristotle on non-cause,” Logique et analyse, 176: 395–415.
  • Woods, J., and D. N. Walton, 1989, Fallacies: Selected Papers, 1972–1982, Dordrecht: Foris.
  • Wreen, M., 1989, “A bolt of fear,” Philosophy and Rhetoric, 22: 131–40.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

logic: informal | relativism

شكر وتقدير
يود المؤلف أن يشكر المدير التنفيذي ومحرري الموضوع الذين اقترحوا طريقة لتحسين مناقشة مغالطة المصادرة على المطلوب.


الحواشي

  1. هناك قائمة مماثلة من المغالطات أطلق عليها جون وودز (1992) اسم “عصابة الثمانية عشر”.
  2. . تأملات في الفلسفة الأولى، الإهداء.
  3.  لقد حل “الاستنتاج” محل “القياس المنطقي” كوسيلة لترجمة “sullogismos”. انظر كوركوران (1974)، وسميث (1997)، وإيروين وفاين (1996).
  4.  يشتمل كتاب ويتلي  (1875) على ملحق موسع يتكون من 50 صفحة يناقش 30 مصطلحًا أو أكثر “عرضة بشكل خاص للاستخدام بنحو ملتبس”.
  5.  لم يتم تضمين مغالطة تجاهل الحالات العَرَضيَّة وتعميم الاستثناء والمصادرة على المطلوب في الطبعة الأولى من مقدمة كوبي للمنطق، 1953.
  6. شكك جوفيير (1987) وجونسون (1989) في أهمية أطروحة عدم التماثل في المنطق غير الصوري.
  7.  انظر جوفيير (1988)، فريمان (1988).
  8.  المخطط الذي يفضله والتون أكثر تعقيدًا (2010، 168) لكن النسخة المختصرة الحالية تعمل على توضيح دور الأسئلة النقدية.
  9. في (2010، 179) قال والتون أن المغالطة هي حجة تبدو صحيحة ولكنها ليست كذلك (مرددًا قول كوبي).
  10.  ومن بين المدافعين عن المعالجة النمطية للمغالطات: سالمون (1963) وباورز (1995).