كان الشاب، كما رأته الأميرة في حلبات المصارعة، وسيمًا وثّابًا. وكما كان في مسابقات الفروسية حيث كان حصانه يعدو من أمام صورة رأس شخص تركي مرفوعة على عمود، ويطلق عليها رصاصة تستقر في جبهة هذا الشخص أسفل عمامته تمامًا، وفي اندفاعة سريعة كان يلتقط رأس هذا البربري بسيفه من على الأرض. لقد كان ماهرًا وناجحًا في كل هذه الفنون.
“حكاية الخرافة” (1828)1
الوحشية المتأصلة التي صور بها غوتـه الأتراك في عمله الذي يقدم تناقضًا صارخًا للقصائد التي كتبها غوته نفسه في تمجيد الإسلام طوال حياته المديدة. فالصدق والشغف اللذان من خلالهما كرس الشاعر عبقريته لرسم صورة متقنة ومهذبة للإسلام – البلاغة، والانعزالية الصوفية، والتأمل الروحي – لا يتوافقان مع الصورة التي رسمها غوته للأتراك، أقرب جيرانه المسلمين. وإذا كان غوته الشاعرسعيدًا بتوأمة نفسه مع حافظ الشيرازي، وبوصف القرآن أنه نص يستدعي الدهشة والتبجيل، وبأن النبي محمد إنسان اصطفاه الله2 وخصه بالإلهام والوحي،2 فإن غوته كمحلل سياسي وجد أنه من الصعب كتم شعور الازدراء للعدو المشترك لأوروبا وآسيا.3 وإذا كان بنجامين قادرًا في مقالته الشهيرة على القبول باقتباس ملاحظة سوريت عن انفصام شخصية الشاعر: “لقد كان غوته ليبراليًا بالمعنى المجرد، ولكن في الواقع كان يميل نحو الرجعية”،4 فإن المرء يتساءل عما إذا كان إعجاب غوته بالإسلام- الذي لطالما تباهى به – يندرج تحت هذا الانفصام. في الواقع فإن سرور غوته لحادثة تدمير الروس للأسطول التركي في مدينة تشيشمي (مدينة ساحلية غرب تركيا، المترجم)، وكتاباته النثرية المفصلة في وصف لوحة الرسام هاكريت التي تصور الواقعة، وآماله في إعادة احتلال القسطنطينية وحزنه للنجاحات العثمانية في البلقان، بالإضافة إلى تعليقاته المتعاطفة مع غزو نابليون لمصر وربما شبه التبرير الذي أعطاه لنابليون عند إعدامه بضع مئات من السجناء العثمانيين خلال حملته … إن هذه السلبية الغامرة في هوامش كتاب “أعمال غـوته” تُظهر أن مقارباته الغنية والمعقدة للشرق المسلم كانت قائمة على تجزئة شبه كاملة للإسلام. وفي هذا الصدد فإننا سنحاول في هذا الفصل المخصص لغـوته أن نحلل بعض الاستراتيجيات والمفردات التي تعيَّن على غوته استعمالها ليمنع شكوكه السياسية المتعلقة بالعالم الإسلامي من التداخل مع الطاقة الشعرية والروحية التي لطالما كان يستثمر فيها. سوف يساهم هذا التحليل، لا محالة، في الحوارات المألوفة حول طبيعة غـوته المحافظة، وطبيعة إيمانه المسيحي وعلاقته بمسألة الاستعمار.
يختلف غوته عن هيردر من حيث أن تسييسه للإسلام كان تصالحيًا. فمن خلال الفصل بين الأتراك والإسلام كان غوته قادرًا على التوفيق بين الحرص الكانطي الشديد على سلامة أوروبا وبين الرومانسية الكونية، في تكريس لعولمة الأدب التي اعتبرت الحدود الوطنية عوائق يجب تجاوزها بدلاً من تعزيزها. وبكل حال وفي ضوء هذا الفصل في الإسلام عند غـوته الناتج عن دوافع أيديولوجية، والذي ميز بين التهديد الحقيقي للإسلام العثماني وبين الإسلام العربي والفارسي المثالي الجميل الذي لا يشكل تهديداً كما وصفه في “الديوان”، فلا بد من أخذ بعض المحاذير بعين الاعتبار. بادئ ذي بدء، فإن كلا جانبي هذا التمييز محفوف بملاحظات متناقضة. كان لدى غوتـه بعض الأشياء الإيجابية ليقولها عن الأتراك بالرغم من ندرتها بالمقارنة مع ما يقارب مئتي إشارة إلى الأتراك العدوانيين والعثمانيين القمعيين في معظم مؤلفاته، فعدد الإشارات الإيجابية يمكن أن يعد على أصابع اليد الواحدة. ومن هذه الإشارات: الإقرار بتمكن الأتراك والصرب من العيش معاً بسلام،5 وكذلك الاعتراف في إحدى رسائله باستعداده للاعتراف بالشعراء الأتراك وعدم استبعادهم من “الديوان”.6 وأيضاً اعترافه الساخر نوعًا ما بالجو المتسامح نسبياً الذي تمتعت به الجالية اليونانية في القسطنطينية تحت الحكم العثماني.7 وبالرغم من أن هذه الملاحظات برزت كنقاط مضيئة على خلفية من العداء، فهي تثبت أنه كان بإمكان غوتـه أن يكتب بشكل إيجابي عن الأتراك، بالرغم من أنه لم يختر أن يفعل ذلك. وبشكل مشابه، فإن موقف غوتـه الإيجابي بشكل عام من الإسلام في مبادئه الأساسية والذي قال عنه صراحة في “ملاحظات إلى الديوان” إن “توافقه بشكل أو بآخر مع إيماننا الخاص”8 لا يخلو من نقاط الضعف والتناقضات. إن النقاش حول نص غوتـه المركزي في هذا الخصوص، “ديوان الغرب والشرق” يحتاج فصلاً كاملاً لتوثيقه. فإذا كان نقاد سابقون مثل مومسن وعبد الرحيم قد تكلموا عن تعاطف غوتـه العميق مع الإسلام، وعن دوره كرائد في التقديم الجديد لهذه العقيدة،9 فإن جيلاً لاحقًا من الباحثين ممن جاؤوا بعد سعيد قد اتخذوا مقاربة أكثر انتقادًا تجاه “نسيم الشرق النقي” الذي تاق غوتـه لتنفسه. بتشجيع من دراسات إدوارد سعيد المختلفة عن غوته بصفته حجرًا أساسيًا في شعر الاستشراق، فإن النقاد مثل ويلسون وويبير قدموا ترجمة حرفية لأعمال غوته، إن قراءة مسرحيات مثل إيفيجينيا بالمنظور التقليدي الاستشراقي للأوبرا التركية ، أو رؤية “الديوان” كمجرد استكمال لبرنامج جمالي، تعطي مثالاً ليس على ترحيب غوته بالآخر، وإنما على محاولته فرض نظرته على الآخر.10 لقد كتب غوته في مقال عام 1817 عن “فن النحت”، أي في الفترة التي ألف فيها “الديوان”، عن ازدراء المحمديين (المحمديين وليس الترك) لكل من يفكر بطريقة مختلفة عنهم وعن قسوتهم على العبيد الأوروبيين، ولاشك في أن مثل هذه الكتابة تعكس تناقضاً غريباً في سجلات أعمال غوته.11 وبالرغم من وجود إيحاء عام بكون الأتراك مرعبين والعرب نبلاء في كتابات غوته، فإن هذه التلميحات، برغم قلتها، لابد أن توقظ فينا شعورًا بالحذر.
إن استعمال غوته للسخرية والهزلية في تعامله مع العالم الإسلامي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضًا. إن أكثر الأمثلة المعروفة عن هذا الأمر هي الإشارة إلى نفسه “بالمسلم الكاذب”، أو إلى بحثه كتعبئة صندوق الكنز بالغنائم.12 وهذه أمثلة معروفة وتشبه نكات هيردر في وصف العائلة والأصدقاء بالأنبياء، وسائقي الجمال، والحجاج. وهناك لحظات يزيد فيها غوته من هزله من الأتراك كما في رسالته إلى كوتا التي يتذمر فيها من الأخطاء المطبعية في أدلة السفر، حيث يقول إن ما يعانيه المسافرون من الطباعة يفوق معاناتهم من اليونانيين والأتراك والألبان مجتمعين.13 وبالرغم من أن هذه السخرية غير مبررة ولا تغتفر، ولكنها تظهر الوعي الدلالي لصورة الأتراك، برغم أنها (في حالة غوته) صورة كانت إلى حد ما مقبولة من قبل الكاتب الذي استحضرها. يجب إبقاء السخرية في المعنى الأعمق للكلمة – ليس مجرد تلاعب على الألفاظ والرموز، ولكنها اقتراح بشكل من الأشكال بالحفاظ على المسافة الحرجة تجاهها – في ذهننا عندما نتعاطى مع التعليقات المناهضة للأتراك في مسرحيات مثل “توركواتو تاسو، وجوتس فون برليشنجن”. وحتى لو كانت الرغبة بتحرير القدس نيابة عن الجبروت المسيحي أو إرساء السلم الأهلي بحيث يتمكن الرايخ (الإمبراطورية الألمانية) “أخيراً من محاربة الأتراك”14 قد عبرت عن استياء مؤلفي المسرحيتين من القوة العثمانية، فإننا نرى صورة الأتراك الذين يزحفون على حدود أوروبا المسيحية، حاضرة بالقوة نفسها على هوامش كلتا المسرحيتين، حيث تعقد ألعاب السلطة الملتوية لأنطونيو والمعاملة الظالمة لفلاحي فرانكونيا القراءة التبسيطية للتعليقات المناهضة للأتراك. وبطبيعة الحال هنالك حدود لما يمكن للسخرية أن تعكسه. إن شراسة الشغف اليوناني الذي تم وصفه في مجموعة هيلدينلايدر في سنة 1823(قصائد غنائية تمجد البطولات “المترجم”) حيث “الدم التركي قد وجد من أجل إراقته” و”لا رحمة لغير المؤمنين”، تتجاوز حدود أكثر القراءات تعاطفًا.15
لقد أعطت التطورات السياسية الخارجية (صراع اليونان للاستقلال عن العثمانيين، والحروب الروسية التركية المتعددة التي تابعها هيردر عن كثب، والاحتلال العثماني المستمر لجنوب البلقان) نوعًا من التفهم (وليس التبرير بأي حال من الأحوال) لألد أعداء غوتــه. وهذا لم يكن في سبيل تمجيد الإمبراطورية العثمانية أو التغاضي عن شيطنتها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في العقل الأوروبي، ولكنه وببساطة للإشارة إلى وجود أسباب تاريخية يمكن تفهمها تكمن وراء الطاقة الجامحة التي سعّرت كراهية غوتـه للأتراك. وقد استلهمت صور الرجال لأتراك ومجسمات البرابرة التي كان أونوريو يتدرب عليها في “الخرافة” من ملاحظات غوتـه حول التطورات في البلقان والشرق الأوسط.
يقول إيكرمان إنه في عشرينيات القرن التاسع عشر كان غوتـه يثابر على قراءة الصحف لمتابعة تقدم اليونانيين.16هنالك سببان لكون مجرد استحضار الحروب العثمانية، وقمع الأتراك لليونانيين ولغيرهم من المتمردين غير كاف لتفسير الصورة السلبية الغامرة التي رسمها غوتـه للأتراك. السبب الأول هو وجود عدد من الكتابات المواتية حول الأتراك والعثمانيين حاضرة لدى لعديد من الكتَاب من معاصري غوتـه والذين لم يكن لديهم غالبًا الاهتمام الذي كان لدى غوتـه بالإسلام. فكما رأينا فقد رسم كانط (وهو بالتأكيد ليس من أصدقاء الإمبراطورية العثمانية) صورة مقبولة للأتراك في كتابه “الجغرافيا الفيزيائية” سنة 1802. وبينما كان المسرحي كاسبارسون في مسرحيته الرثائية “أوسمان” مرتهنًا لصورة الرجل التركي الشهواني، فقد قدم على الأقل صورة إنسانية أفضل قليلاً لشخصية بطل المسرحية التركي.17حتى بايرون الذي حارب العثمانيين نيابة عن اليونانيين (والذي كان غوتـه من المعجبين به وينظر إليه على أنه ليكورغس الثاني)18 امتدح ما سماه “الكرامة العالمية” لدى الأتراك عندما سافر إلى تركيا في عام 1805، وكذلك فقد أدخل بعضًا من الشخصيات الإنسانية في مؤلفه “قصص تركية”.19
السبب الثاني في كون المقاربة البسيطة للصراع العسكري غير كافية لتقييم اختلاف غوتـه الثقافي والأخلاقي والتاريخي مع الأتراك يكمن في عدد من الظواهر التركية التي صادفها غوتـه خلال بحثـه في أمور الشرق. ولربما كان أهم هذه العوامل هو اهتمام غوتـه بأعمال المستشرق البرليني الهاوي هنريتش فون دييز (1751-1817)، الذي تبادل معه غوتـه المراسلات بين عامي 1815 – 1816، وكرّس الكثير من وقته وطاقاته لها. وتأتي أهمية دييز من سببين: السبب الأول هو التقدير العالي والإعجاب الكبير اللذان أكنهما غـوته له. فهو في ملاحظاته يذكر “الرجل المحترم” الذي يدين له بالكثير من المعلومات.20 وهنالك آراء تقول إن دييز يشكل بعد هـامر بورجشتال أهم مصدر للنصوص في “الديـوان”، وإن غوته كان قد تعاطف ضمنيًا مع دييز في النزاع الحاد الذي كان دائرًا بينه وبين هـامر في حينه. (أمضى غوته أمسيات شهر كانون الثاني/يناير 1816 في قراءة رد دييـز الضخم المؤلف من 400 صفحة على نقد هـامر له.)21. والأكثر أهمية بالنسبة لنا هو ميل دييز إلى الأتراك، والذي كان ثمرة إقامته لمدة ست سنوات في إسطنبول سنة 1785. لم يواجه غوتـه من شعور دييـز المتكرر في أعماله بالسخط تجاه التشويه الأوروبي لصورة الأتراك بحاله (ليس هنالك من شعب أو أمة تم التشهير بها من قبل الكتاب الأوروبيين أكثر من العثمانيين)،22 بل أنه صادف أيضًا الكثير من المختارات الغنية والمتنوعة من التاريخ والثقافة التركية والعثمانية. ومع أنه من الصعب على المرء أن يخمن شيئًا كهذا من هؤلاء البرابرة المتوحشين والمتخلفين ثقافيًا، إلا أننا نجده في كتابات غوته عن اليونانيين الفاناريتو في القسطنطينية، فالمجلدان اللذان قرأهما غوته سنة 1816 من مؤلفات دييـز يحتويان الكثير من الأمثلة التركية في التاريخ وعلم الخرائط وأدب الأسفار العثماني ودراسات الحقب التاريخية بالإضافة إلى دراسة مقارنة قام بها دييز نفسه بين ملحمة هوميروس وملحمة “أوغوز” التركية. ولكن كل هذا كان له تأثير طفيف فقط على نظرة غوته للأتراك ومقاربته للمسألة التركية، سواء في نظرته لهم كعدو مشترك لأوروبا وآسيا التي تتجلى في كتابه “الملاحظات”، أو في رغبته في طرد الأتراك من أوروبا التي عبر عنها في رسائل وحوارات عديدة خلال حياته.23 من المعتقد أن غوته كان يقرأ كتابات دييـز من خلال مصفاة في ذهنية تختار بعناية المقاطع الشعرية الأكثر ملاءمة لمشروعه، بينما ترمي الأفكار الأخرى التي لا تناسب الإطار العام لمشروعه في غياهب النسيان، وهذا ما كان من نصيب كتابات دييز حول المجتمع التركي المركب والتفاعل العابر للثقافات الذي شهده دييـز خلال إقامته في إسطنبول، والذي كان جزءًا من الحياة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
إلى حدٍ ما، ورث غوته من هيردر مشكلة معلمه السابق حول كيفية التعامل مع عقيدة الأتراك. فكلاهما قد استثمر الكثير من الإيجابية في الإسلام بتقديم أصوله على أنها انفجار مقدس للطاقة مثير للإعجاب تم بدفع من العلي القدير. في جزء “محمد” يصور غوتـه ولادة الإسلام على أنها كبدايات ولادة جدول صغير، يكبر ليصبح نهرًا يصب أخيرًا في البحر. لقد رأى كلا الرجلين في صور ونشأة الإسلام نموذجًا لمشروعهما القومي. وعندما تطرق غوتـه لأمر بناء لوثر للأمة، لم يكلّ قط من إعادة سبك الآية القرآنية (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)، 24 وقد اعترف غوته، أكثر من هيردر ربما، اعترافًا كاملاً برقي وتطور الحضارة العربية والفارسية، معتبرًا إياهما توأمين لحضارته ذاتها. (مع أن الجدل لا يزال قائمًا حول الأسس التي بنى عليها رأيه ومدى تحرره من التحيز الثقافي). وفي النهاية فإن كلا الرجلين قد احتضن بداخله كراهية كبيرة للإمبراطورية العثمانية وللأتراك بشكل عام، أو بعبارة أخرى لأقرب منطقة مسلمة متاخمة لأوروبا. ولربما كانت معضلة هيردر في هذا المجال أسهل قليلاً من خلال انتقاده الصريح للإمبريالية الأوروبية والعنجهية الثقافية الأوروبية. وهذه ميزة لم يرثها عنه تلميذه فيمار.
ولقد كتب النقاد الكثير حول كون غوتـه “لم يرغب بالتفكير حول العنف الاستعماري” (جي. كي. نويس)25 وحول كونه “غير مهتم بتتبع القصص الكبرى للتطور الحضاري” بين الشرق والغرب (كونتيي)26. يبدو أن حماسة غوتـه للحداثة، المتمثلة بقناة السويس وقناة بنما، قد تغلبت على انزعاجه من الغزو الفرنسي لمصر واستعمار العالم الجديد، وبالنظر إلى إعجاب غوتـه بنظرة “موسر” العضوية للتاريخ، ينتاب المرء شعور بأن نظرة غوتـه الكونية كانت ترحب بأوجه الشبه والتقارب بين الشرق والغرب طالما أنها لم ترتق إلى درجة علم السلالات.27 غوتـه لم يركز حقًا على التأثير العربي في الشعر الأوروبي بقدر ما فعل هيردر. ففي مراسلاته مع دييـز نجد غيابًا ضمنيًا لحماسة المستشرقين تجاه التأثير الآسيوي والتركي تحديدًا على الأدب الكلاسيكي. لقد اعترف غوتـه بأهمية التعلم من “الأساطير والحكايات والقصص … التي شكل الإغريق منها شعرهم”، ولم يذهب إلى حد القبول بوصف دييـز للشرق التركي على أنه “وطن الإنسانية”. كما أنه حاول الالتفاف بكل تهذيب على الأطروحة التي تقول إن اسطورة “العمالقة” (في الأوديسة) “قد اقتبسها اليونانيون من الآسيويين”28. ولكي نكون منصفين، يجب الإشارة إلى أن أفكار دييـز كانت غريبة جدًا بحيث أن صمت غوتـه حيالها ربما كان نابعًا من الحرج والصدمة تجاهها.
والسؤال المطروح هنا هو: ما الأمور التي أحبها غوتـه في الشرق، والتي تبعها إخلاصه للإسلام في الوقت الذي كان الأتراك يحتلون القسطنطينية ويضطهدون البلقان؟ وكيف تعامل غوتـه مع حقيقة أن الدين الذي لطالما قال إنه يلجأ إليه طلبًا للسكينة29 كان هو نفسه دين الكيان العرقي والثقافي الذي لا يجد فيه أي شيء إيجابي يصفه به؟ لقد كان الترادف قائمًا بين كلمتي “الأتراك” و”المحمديين” في معظم اللغات الأوروبية في زمن غوتـه، وحتى غوتـه نفسه وقع بعض الأحيان في هذا الخلط العرقي-الديني، ما جعل من تحفظاته السياسية إشكالية، إن لم تكن متناقضة، في مواجهة إعجابه بالإسلام ومؤسسـه. وبالتالي فإنه نتيجة لهذا الوضع غير المريح، كانت كتابات غوتـه عن الأتراك قليلة، على نقيض هيردر الذي من خلال مؤلفه “أيدين” (أفكار حول فلسفة تاريخ البشرية) لا يترك للقارئ أي شك حول رأيه في “الشعب المنحدر من تركستان” وحول “أي شأن لهؤلاء الغرباء في أوروبا …؟” وغوتـه لم يقدم أي نص شبيه بذلك في كتاباته تجاه الأتراك ولم يتبع خطوات هيردر أو بايرون في الإشارة للأتراك بشكل إيجابي في شعره. وبالرغم من أن كمية الإشارات إلى الأتراك والعثمانيين تفوق كثيرًا ما يمكن تفسيره من خلال الاهتمام النقدي بالموضوع، تبقى الحقيقة أن غوتـه قد التزم صمتًا كانطيًا فيما يتعلق بأقرب جيرانه المسلمين. هذا الصمت كان أكثر وضوحًا في كتابَي غوتـه “الديوان” و”تجسيد الشرق المسلم” الذي لم يكتمل تمامًا. فبالرغم من أن غوته لا بد أن يكون قد قرأ كميات هائلة من النصوص حول الأتراك خلال قراءاته الكثيرة عن الشرق – بالإضافة إلى مسألة أن بحثه مع دييز قد اشتمل على أعمال هـامر عن القانون العثماني والموسيقى التركية، وعلى أعمال شابرت وتوديريني عن الشعراء الأتراك، وأسفار دابـر وتافيرنييه عبر الأناضول، ومجلدَّي ريلاند “كتاب التركي أو المسلم” – فلم يكن هنالك أي إشارة واضحة إلى الأتراك في كتابه “الديوان” ولا في “الملاحظات” الملحقة به. فقد خصص فصلاً كاملاً للعبريين والعرب والفرس دون الأتراك أو العثمانيين الذين اقتصر ذكرهم وبشكل هامشي عند الحديث عن التاريخ الفارسي.
الأسرى غير المسيحيين في الرحلة الإيطالية: لقـاء غوتـه بالأتراك
يعتقد غوتـه أن الأتراك يفتقرون إلى السمو والرفعة بشكل واضح، فإذا كانت “الجواهر الرائعة” للشعراء العرب الجاهليين قد كتبت “بأحرف من ذهب”30 و”خصوبة وتنوع الشعر الفارسي” قد نشأت من اتساع العالم الخارجي الهائل وغناه اللامتناهي” (ديوان الغرب والشرق، ص. 317)، فإن الأتراك نادرًا ما كانوا أكثر من قبائل متوحشة.31 وحتى في “الديوان” فقد كان المثال الوحيد عن الإبداع التركي هو “نصر الدين خوجة” الحكيم الكوميدي البسيط الذي يطلّ علينا في الحكايات الشعبية، والذي يأتي بالتأكيد في أسفل درجات سلّم أرسطو. هناك العديد من العوامل وراء المحدودية والتفاهة التي لطالما وصف بها الأتراك على أنهم إما أغبياء مستبدون، أو شعب يتلعثم إلى الأبد بمحاذاة الإبداع والسحر اللامحدود للعرب والفرس، ومن تلك العوامل: مسائل الطبقة والعرق والتاريخ، مضافًا إليها الموقع والجوار الجغرافي. وبالرغم من أن فريديريك الكبير كان قد دعا إحدى أكبر البعثات العثمانية إلى برلين، في عام 321763، إلا أنه من المرجح أن غوتـه لم يلتق للمرة الأولى بشخص تركي في مدينة ألمانية، بل في نابولي الإيطالية سنة 1787، وقد ذكر ذلك بشكل عابر في مؤلفه “الرحلة الإيطالية”:
“هنا لديهم صورة للأتراك المرميّ بهم. لم يأت بهم “هيركوليس”، بل سفينة كانت تصاحب صيادي المرجان. فقد رأى الأتراك هذه السفينة المسيحية وقرروا الاستيلاء عليها، ولكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم في الفخ. فقد كان المسيحيون أقوى منهم، وتغلبوا عليهم وجاؤوا بهم إلى هنا كسجناء. كان هنالك ثلاثون رجلاً على السفينة المسيحية، وأربعة وعشرون على السفينة التركية. قتل ستة منهم في المعركة، وجرح واحد ولم يصب أي من المسيحيين بأذى، كان مشهدًا غريبًا رؤية الآلاف من الناس الذين كانوا يجدفون عابرين في المركب تلو الآخر وهم يحدقون بالسجناء خاصة النساء البربريات منهم.” (ص. 360 -61)
تبرز نقطتان من خلال هذه القطعة، الأولى هي الغياب الواضح لأي اهتمام لغوتـه بالسجناء الأتراك، حيث كان ما أثار فضوله هو اهتمام الناس المحليين بالمشهد أكثر من المشهد نفسه. حتى إنه من غير الواضح فيما إذا كان غوتـه قد رأى السجناء أنفسهم أم صورتهم فقط، ولكن بما أن غوتـه تكلم عن مروره بهم ورؤيته للمرأة البربرية تبكي، فإننا نفترض أنه قد رآهم فعلاً، مع أنه لم يرد بعد ذلك أي وصف لهم. قبل ذلك بمئتي عام عندما صادف مونتاين في ساحة مدينته بوردو الأسرى البرابرة الذين تم إحضارهم من العالم الجديد، انهال على المترجم المتعثر بالكثير من الأسئلة عن البرابرة وعاداتهم. بالنظر إلى الشغف الشديد الذي اعترى غوتـه بعد ثلاثين عامًا، سنة 1814، لكل ما هو شرقي، هذا الشغف الذي دفعه لقراءة كل ما كتب عن الشرق، فإن لا مبالاته تجاه السجناء الأتراك تعكس كم كانت المسألة التركية ثانوية بالنسبة إليه. مرة أخرى يمكن للمرء ملاحظة تأثير السياق التاريخي هنا، فقد نشأ غوتـه في فترة كان فيها حصار فيينـا ما يزال ماثلاً في الذاكرة الحية (يذكر أن العثمانيين قتلوا العم الأكبر لهايدن، بينما كان يحاول الفرار من المدينة)33، وشبح الأتراك لا يزال ماثلاً يحوم كالبعبع، والأجراس التركية (الأجراس التي كانت تقرع في المدينة لدعوة الناس للتجمع للدعاء على الأتراك) والحانات التي تحمل أسماء مثل “رأس التركي” أو المصطلحات المسيئة للأتراك مثل مصطلح “توركنزن” الذي يطلق على الشخص الذي يتصرف بطريقة همجية، أو “توركيلن” الذي يطلق على الشخص الثمل المترنح، كانت لا تزال شائعة جدًا كما أن كلمة “تورك” كانت اسمًا شائعًا للكلاب.34 وانتشار هذه الألفاظ العامية الواسع في وصف الأتراك ربما يفسر جزئيًا حقيقة أن هالة السمو التي لطالما ألقاها غوتـه على العرب والفرس لم تطل الأتراك الوضيعين.
إن تكرار كلمة “مسيحي” في هذا النص يعتبر أمراً مثيراً للاهتمام، مع أنه قد تمت إعادة صياغة نص التقرير الإيطالي بشكل ساخر، فإن السؤال هل رأى غوتـه في الأتراك عدوًا للحضارة أم عدوًا للمسيح، يبقى مرتبطًا، ككل الاسئلة المشابهة، بالزمن والنص وأيضًا باللحظة التاريخية والسياق العام. إن علاقة غوتـه الغامضة والمتقلبة مع إيمانه الخاص – من رفضه لعظات لافاتر الحصرية إلى قوله عن نفسه إنه بالتأكيد غير مسيحي،35 وصولاً إلى إشادته قبيل موته “برفعة الثقافة والأخلاقيات المسيحية”36 – تترك تساؤلات كثيرة حول هذه المعادلة. فوصف غوتـه للسفينة بأنها مسيحية وركابها بأنهم مسيحيون واستعماله لعبارات مثل “الأتراك العدو الأول” و”الجبروت المسيحي” يوحي بشكل ضمني بأنه يضع العرق المسلم في مواجهة أوروبا المسيحية.
وبالرغم من أن الوصف المسيحي للأتراك بأنهم كفار ظهر في وقت مبكر في كتابات غوتـه، ليس فقط في مقالته عن النحت، ولكن أيضًا في امتعاضه الشديد من العثمانيين لتحويلهم الكنائس اليونانية إلى مساجد،37 إلا أن ذلك الأمر تضاءل إلى درجة كبيرة بفعل الفصل الكبير بين الأتراك والإسلام الذي نجده في كتابات غوتـه المتأخرة بتركيزه الشديد على أن أوجه القصور عند الأتراك هي ثقافية وليست دينية. وقد اتبع غوتـه سياسة إقصاء أي شيء يمت للإسلام عن العدو المشترك لأوروبا وآسيا. ولقد كان رد فعل غوتـه على معركة تشيشمي، (عام 1770)، حيث سجل الروس انتصارًا جليًا على الأسطول العثماني قبالة شواطئ بحر إيجة التركي، خير مثال على إعادة التقييم الوجودي الذي أجراه غوتـه. ففي كتابه الحقيقة والخيال (1811-1814) يصف غوتـه الفرحة الغامرة بتدمير السفن التركية ويصف السفينة الروسية التي تم تدميرها فقط من أجل الرسام هاكريت:
“السفينة كاثرين (الروسية) تخلت عن رجالها الأشداء ذوي العزيمة لتتمكن من نشر عظمتها أكثر فأكثر. وبما أن المعركة كانت مع الأتراك الذين اعتدنا أن نرد إليهم الاحتقار الذي ينظرون به الينا، لقد بدا الأمر وكأنه لم تزهق أيّة أرواح عندما سقط الآلاف من هؤلاء غير المسيحيين. لقد أطلق احتراق الأسطول التركي في ميناء تشيشمي موجة من الفرح الغامر اجتاحت العالم المتحضر بأكمله، وشارك الجميع في احتفالات الانتصار عند ما تم إحراق سفينة في ميناء ليفورنو من أجل مشروع فني، لرسم صورة حقيقية تخلد ذلك الحدث العظيم.”38
لقد كان بإمكان غوتـه أن يستعمل عبارة “العالم المسيحي بأكمله” بدلاً من “العالم المتحضر بأكمله”، ولاسيما أن الآلاف الذين قتلوا كانوا من غير المسيحيين، ولكن شيئًا ما جعله يختار أن يستعمل كلمة “gebildet” أي متحضر أو مثقف ومهذب. لقد اختار غوتـه هنا أن يحتفل بانتصار الطرف الراقي على الوضيع، انتصار الثقافة على الفئة والإنسانية على الجحافل (يذكر أن كلمة الجحافل Hord مشتقة من الجذر التركي “Ordu” وتعني الجيش). وفي هذا المعنى أصبح التوسع الروسي الإمبريالي بمثابة هزيمة للاستبداد والجهل (وهنا اختلف غوتـه مع هيردر حيث لم يحذر أبدًا من الفظاعات التي ارتكبها القيصر) وتوسع للبنى الفكرية على حساب المادية الصرفة، وفي هذا السياق ربما يكون من المثير للسخرية أن نشير إلى رأي غوتـه الذي عبر عنه قبل أربعين عامًا، في مؤلفه “محمد”، حول التوسع الإيجابي للطاقة الذي مثله انتشار الإسلام، ونهر محمد المتدفق الذي لا يمكن إيقافه والذي “ينشر انتصاراته عبر الممالك ويعطي المناطق أسماءها” حاملاً معه “عظمة وروعة” الإسلام على “ألف شراع” إلى البحر. إن السفن التركية التي احترقت في ميناء تشيشمي وعلى متنها طاقمها من المسلمين والتي تمثل إمبراطورية مسلمة، لم تكن أبدًا جزءًا من هذا الأسطول السحري ذي الألف شراع.
لقد كان بإمكان أي معلق ساخر، وبدون أي تجنٍّ، أن يعيد صياغة كلام غوتـه بشكل عفوي بالقول إنه بالنسبة لغوتـه فإن التوسع الإسلامي كان ظاهرة سامية وسحرية ومنبعًا للإلهام، طالما أنه كان محصورًا بالعرب والفرس وبإدخال الحضارة إلى إفريقيا، ولكنه حالما يهدد أوروبا – أو بعبارة أخرى حالما يهدد بتجاوز الإطار الآمن الجميل البعيد عن السياسة الذي كان يرسمه له الشعراء الرومانسيون من ذوي النظرة الكونية في القرن الثامن عشر – تنشأ الضرورة لإيجاد مفردات أخرى. إن اعتراف غوتـه في مؤلفه “رسائل إلى الديوان” بأحقية ادعاء المسلمين بأن الاستنارة والحكمة بدأتا مع الإسلام،40 يوضح مدى رؤية غوتـه للإسلام كقوة ناشرة للحضارة. في الواقع فإن غوتـه استمر حتى أيامه الأخيرة بالنظر إلى انتشار الإسلام من خلال تعاليمه على أنه “نوع من الضرورة الحتمية”.41 وإذا كان هيردر يرى كانط على أنه محمد بروسيا، فإن غوتـه رأى محمدًا على أنه كانط العرب. ويتضح، من خلال الفخر الذي انتاب غوته عندما عرف أن نابليون في حملته على مصر،42 قد اصطحب معه أوبرا “فيرتر” إلى جانب الإنجيل والقرآن. إنه كان ينظر إلى الهجوم الفرنسي على المناطق العثمانية على أنه غزو تقوم به ثقافة متفوقة لثقافة متدنية، ووجود كتابي القرآن وفيرتر في مكتبة الغازي لا يشكل أي تناقض. فقد كان هو والنبي على الجانب نفسه مثالين على الحضارة.
أتراك غوتـه ونكران العمق: ثلاثة نصوص
“هم لا يستطيعون طرد الأتراك من أوروبا ولكنهم يستطيعون خلخلة قوتهم وإضعافهم …”
– حوار غوتـه مع فريديريك فون ميللر
18 تشرين الثاني، 1824
لم يكن مسموحًا لاعتراف غوتـه بالإسلام، ليس فقط كحضارة، وإنما كقوة ناشرة للحضارة أيضًا، أن يؤثر على تعامل غوتـه مع العثمانيين. وبدلاً من ذلك فقد كان عزل غوتـه الأتراك عن الإسلام يبدو خاليًا من أي مضمون إسلامي قد يعقد نظريته في انحطاطهم الثقافي. وقد وجدت مفردات خاصة لهذه الغاية مثل “ِAsiatic Hordes” أي الجحافل الآسيوية لوصف الأمواج المغولية غير المسلمة التي حاولت اجتياح أوروبا الشرقية في مطلع القرن الثالث عشر. ينقل إيكرمان عن غوتـه قوله في العام 1825:
“لقد جاءت الجحافل الآسيوية إلى أوروبا ووصلت إلى شيلزن، ولكن دوق لينتز طردهم وهزمهم شر هزيمة. ثم تحولوا باتجاه ماهرن، ولكنهم أيضًا هزموا من قبل كونت ستيرنبيرغ. ولطالما عشقت هذه الأرواح الشجاعة التي أعتبرها منقذة الأمة الألمانية”.43
مع أن غوتـه لم يستعمل حرفيًا كلمة “المغول” في وصف الأتراك (على عكس هيردر، الذي كان حريصًا على أن يؤكد أن الأصول الوسط آسيوية للأتراك تجعل منهم غرباء عن أوروبا بشكل كامل) فقد كان هنالك عاملان مكنا غوتـه من أن يتحدث عن العثمانيين دون أن يضطر إلى الإشارة إلى دينهم: حشودهم الغفيرة على مشارف أوروبا التي تشكل تهديدًا لها، وفهمهم الثقافي المتخلف قياسًا بالشعوب التي سيطروا عليها (اليونانيون والصرب) أو تلك التي ينوون السيطرة عليها (الروس والألمان). ويعطي وصف غوتـه لاحتلال القسطنطينية، بأنه خضوع لتلك “الموجة الرهيبة”، الانطباع بأن الأتراك هم عبارة عن حشود همجية تجتاح البلقان وليسوا حضارة منافسة. لا شيء يلخص هذه الفلترة الدقيقة للعالم الإسلامي بشكل أوضح من وصف غوتـه المتأخر للحروب الصليبية بأنها “نفاق” أو استراتيجية مضللة، ولكنّ لها جانبًا ايجابيًا وهو أنها “أضعفت الأتراك ومنعتهم من أن يكونوا أسياد أوروبا”.45 تمكن غوتـه في جملة واحدة من الحفاظ على كراهيته للأتراك، بينما حافظ في الوقت نفسه على سلامة تعاطفه مع الإسلام.
بصرف النظر عن بعض التصريحات المتفرقة والإيماءات والملاحظات، فإن المناسبات التي كرس فيها غوته نصوصًا للعثمانيين تنحصر في ثلاثة نصوص منفصلة – فيليب هاكريت (1811)، ملاحم بيرايان الإغريقية الجديدة (1822)، ومقدمة كتبها غوته لكتاب عن الأدب اليوناني الحديث للمؤلف جاكوفاك ريزو نيرولوس (1827). وكل هذه المؤلفات الثلاثة جاءت خلال العقود الأخيرة من حياة غوتـه، وهي الفترة التي أبدى فيها الشاعر أقصى اهتمامه في مختلف الصراعات الأوروبية مع السلطنة العثمانية. ويكشف كل نص من هذه النصوص وجهًا مختلفًا من أوجه كراهية غوتـه للأتراك، وبعضًا من مؤشرات تطور هذه الكراهية.
النصوص المتعلقة “بمعركة تشيشمي” والمستلهمة من حياة الرسام فيليب هاكريت كانت قد كتبت سنة 1811، أي قبل ثلاث سنوات من استغراق غوتـه في قراءة كتاب عن الشعر الفارسي الذي قدمه له ناشره كوتا ذات يوم من شهر مايو/أيار، مما أدى لانغماسه في البحوث الشرقية لأربع سنوات تلت. ففي ثماني صفحات يصف غوتـه وبأدق بالتفاصيل المملة أحيانًا سلسلة من لوحات الرسام هاكريت تخليدًا لمعركة كونت أورلوف. وعلى النقيض من إشارة غوتـه إلى هذا الحدث في “الحقيقة والخيال”، حيث نجد إنكارًا كاملاً من قبله لإنسانية الأتراك، فإننا نجد أن الوصف هنا خالٍ تقريبًا من أي تعليقات كهذه. لا وجود لعبارات مثل “مسيحيين” أو “غير مسيحيين” وتمت الإشارة إلى الأسطول العثماني إما بعبارة “الأتراك” أو “الأعداء” وكان تعبير “الحدث المجيد” هو غاية الانفعال العاطفي لغوتـه تجاه هذا الصراع. ومهما كان مزيج مشاعر الازدراء والانتصار التي انتابت غوتـه عند استذكاره لهذا الانتصار فقد كانت محصورة بالتقدير الفني لأعمال فيليب هاكريت. وقد بذل غوتـه الكثير من العناية لتوجيه خيال القارئ ليتركز على أهم التفاصيل في كل لوحة: “هنا نشاهد الروس وهم يحاولون إنقاذ العلم التركي للاحتفاظ به كتذكار لانتصارهم”، “ثم نشاهد الحريق الذي شب في أسطول العدو قد امتد إلى أجزاء من المدينة، والبيوت الريفية القريبة”، “وفي صدر الصورة نجد بقايا عدد من سفن العدو المدمرة، والأتراك الذين يحاولون النجاة بأنفسهم”46 وحقيقة أن إحدى السفن كانت تدعى أوروبا كانت تهدف إلى أمر واحد وهو تأكيد التعاون الدولي في هذا المشروع، كونت روسي بمساعدة دوق إيطالي ورسام ألماني لتصوير هذا الانتصار على الأتراك. إن التبسيط الدلالي المطلق للأتراك في هذه القطعة – كما هي الحال عند لايبنيز حيث كان الأعداء أشخاصاً عديمي الوجوه على ضفاف الدانوب، يمكن للمرء أن يستبدل كلمة “تركي” بكلمة “آكل لحوم البشر” أو “قرصان” دون أي تأثير يذكر على المعنى – هو نتيجة ولكنه شرط لضرورة الهدف المطلق لهذه القطعة، وهو التركيز على سمو أوروبا بالنسبة إلى آسيا. وإذا كان مفهوم غوتـه للتاريخ، كما في مقولة بنجامين الشهيرة “هو عبارة عن سلسلة من الأفراد” فإن مفهومه لأوروبا ربما يكون سلسلة من المعارك مثل معركة لاينز، وأمسلفلد، وليبانتو، وتشيشمي، لحظات كان فيها الإجماع الأوروبي، سواءً على النصر أو الهزيمة، نتيجة لحظية لتهديد حشود الأعداء. إن غياب أي تفصيل عن الأتراك في هذه القطعة، سواء أكان هذا التفصيل ينتقص منهم أو غير ذلك، يعكس أولوية رمزية الوضوح الذاتي. وفي هذا السياق، فإن الأتراك لا يستحقون بذل الجهد لتشويه صورتهم.
وعندما نصل إلى نص غوتـه الثاني حول الأتراك، “ملاحم بيرايان الإغريقية الجديدة” يدخل عدد من العوامل المختلفة في المعادلة. ترسم قصائد غوتـه السبع، التي نظمها عبر تكيفها مع قصة المحارب اليوناني جانيس ستاثاس من أجل الحرية، وحربه ضد الاحتلال التركي لأجزاء الشمالية الغربية من اليونان، صورة سلبية للأتراك بشكل لا لبس فيه، بالرغم من عدم وجود توصيف سلبي مباشر للباشا التركي ورجاله. وكذلك يلاحظ عدم وجود أي إشارة للدين، فقصائد البطولة هذه تصف معركة تشيشمي دون الإسلام أو المسيحية؛ فصيحة “الله! الله!” التي أطلقها أحد الأتراك عندما كان على وشك أن يذبح، هي الإشارة الوحيدة التي نجدها حول دين الأتراك.4 ولملء هذه الثغرة الناجمة عن غياب الإشارة إلى الدين، عرضت قصيدة غوتـه المؤلفة من مئتي سطر ثلاث أفكار: الكبرياء، والدم، والموت. ففكرة كبرياء وفخار المقاومة تستمر على مدى القصيدة كاملة، ابتداءً من اعتزاز الثوار اليونانيين، الذين “لا يقيمون أي وزن أو اعتبار للباشا”، والذين يفضلون العيش مع الحيوانات البرية على العيش مع الأتراك.48 وبأخذ تعاطف غوتـه السياسي مع نضال اليونانيين من أجل الاستقلال ( بالرغم من أن غوتـه لم يحمل المشاعر نفسها التي حملها بايرون تجاه الأيرلنديين، بالرغم من حبه لبايرون)49 وتعاطفه التاريخي وتفهمه لنضال الصرب ضد العثمانيين قبل أربعمئة عام، يصبح إبراز هذا الكبرياء والافتخار بالنفس في القصيدة أمرًا طبيعيًا. واللافت أكثر للنظر هو التركيز على الدم – وتحديدًا الدم التركي – والذي يعكس هوسًا بقتل وقطع رؤوس الأعداء الموجود، حيث لم يجد غوتـه حرجًا في تكراره خلال تبنيه لقصيدة يونانية مأخوذة عن ترجمة فرنسية:
يتبختر جانيس بلا تردد
وسيفه في راحته
غسلت الدماء خشب السفينة
وتخضّبت الأمواج باللون الأحمر.
يصرخ الكفار بـ”الله! الله!”
يجثون على الركب طلبًا للرحمة
ويصيح المنتصر: “إن الحياة لقاسية”
وقد آن أوانها أن تطال المهزومين.50
ننتقل من تبرئة قاتل الأعداء في “معركة تشيشمي”، حيث لم تصور تقريبًا أعمال العنف وإراقة الدماء، إلى الإشادة به في قصيدة “أنشودة البطولة”، حيث تسيل الدماء دفاقة. فمن نائب الباشا الألباني الذي عاد “مخضبًا بدمائه” (ص. 216) إلى “الرأس الدامي” الذي يذكر في نهاية القصيدة (ص. 219)، يشكل التعطش للدماء، إلى جانب الموت والشرف، أحد الأوجه العديدة للولع بالقتال والحرب في القصيدة. ومن الواضح أن الانطباع العام بميل غوتـه إلى السلام يستثني الأتراك بشكل واضح.51 إن ارتباط غوتـه بفكرة أوروبا الروحية والثقافية وربما العرقية (في القصيدة تمت الإشارة إلى امرأة أحد المقاتلين اليونانيين بعبارة “الفتاة الشقراء” ص. 217) أدى به في لحظات معينة ليس إلى إنكار إنسانية الأتراك فقط، بل إلى التهليل لإبادتهم أيضًا. ما نلاحظه من ابتهاج لدى غوتـه بانتصار تشيشمي هو ابتهاج يتوسع الروح على حساب الشهية، هو ابتهاج تكمن وراءه الصورة الأحادية البعد التي رسمها للأتراك.
إن ما يجعل هذا التكرار المجرد لصورة الأتراك في قصيدة غوتـه أكثر إثارة للاهتمام هو حقيقة أن غوته كان في العام 1822 قد عرف عن “العدو المشترك لأوروبا وآسيا” أكثر بكثير مما كان يعرف عنه قبل عقد من الزمن. ففي مذكرات دييز التي تقع في مجلدين والتي قرأها غوتـه كاملة (من البداية إلى النهاية)52 وقع خلالها على العديد من نقاط التركيز على إنسانية الأتراك، ليس فقط من خلال النص نفسه، بل أيضاً من خلال وفرة النوادر والطرائف التي ساقها دييز في المقدمة وفي التعليقات على النصوص المقتطفة (“ذات يوم أخبرني عثماني عجوز …”، “كان مدرسي العجوز في المسجد يقول …”) في الواقع، فإن دييـز وفي مناسبات عديدة كان يركز أن على الهدف المركزي وراء مشروعه هو أن يظهر “كم كان يُساء تقدير العثمانيين حتى الآن”. وقد استعمل كتاباتهم ليعطيهم “العدالة المناسبة”.53 وذلك كان بعيدًا كل البعد عن صورة البرابرة عديمي الملامح، وسيوف اليونانيين المخضبة بالدماء التي رسمت في ملحمة أناشيد البطولة.
مع أن العدوانية المتزايدة التي أبداها تجاه الأتراك في فترة العشرينيات من القرن التاسع عشر كانت تتناقض تمامًا مع تعاطف أحد أقرب المستشرقين إلى قلبه مع الأتراك، فإنه يبدو أنه من غير المفيد لوم أو معاتبة غوتـه على عدم تبنيه تعاطف دييـز مع الأتراك بشكل أتوماتيكي. لقد استمر غوتـه في القراءة طوال حياته وبدون توقف، وسيكون من السذاجة اختيار مؤلف واحد – حتى ولو كان مؤلفًا بأهمية كتاب مذكرات دييـز – والبحث في سبب عدم مطابقة آراء غوتـه السياسية لما جاء في هذا المؤلف لمجرد كون غوتـه معجبًا بالكاتب ودراساته. وفي كل الأحوال، يمكن القول إن غوتـه بعد عام 1816 استمر في رسم صورة مبسطة ووضيعة ومذلة للأتراك في كتاباته، مع أنه كان يدرك تمامًا أنها غير صحيحة. وقد برز تناقض كبير بين مستوى التعاطف والتقدير للثقافة التركي الذي رآه في كتابات دييـز مع الصورة النمطية للأتراك كطغاة جهلة عديمي الرحمة التي لطالما رسمها في كتاباته. وفي الواقع فإن تعليقنا على إنكار إنسانية الأتراك لدى كل من تييف ومينشليخت يكتسب تعديلاً إضافيًا في نص غوتـه الأخير، وهو مقدمتـه لكتاب عن الأدب اليوناني الحديث سنة 1827 للكاتب ورجل الدولة اليوناني ياكوفاكيس ريزو نيروللوس. يتناول كتاب نيروللوس قضية “الفاناريتوز”، وهم فئة من يونانيي القسطنطينية احتلت مناصب مهمة في الدولة العثمانية، وبالرغم من كل السلبية التي حملتها مقدمة غوتـه لهذا الكتاب للأتراك، فإنها ربما كانت من أكثر المقاربات تعقيدًا في كتابات غوتـه، فقد اضطر غوتـه إلى أن يقدم على الأقل بعض الاعتراف المحدود بالتعددية الثقافية والتعقيد والتسامح في حكم العثمانيين. “لم يكن مسموحًا لأي حاكم أو باشا أن يتدخل بالشؤون الروحية للبطريركية اليونانية أو أن يستدعيهم للمثول أمام المحاكمة”54 وبدلاً من استعمال كلمة “التسامح” فقد ترجم غوتـه هذا التنازل التركي عن السلطة والقوة لصالح اليونانيين على أنه علامة من علامات الضعف والعجز. (“وجد العثمانيون أنفسهم في مواجهة شعب عظيم، لا هم أرادوا ولا استطاعوا إبادته”. ص 316) ونجد بعدها في الصفحة التالية تعريجًا على عمل أشبه بالمؤامرة: قام المستبد التركي “بإغراء” البطريرك من خلال بعض التنازلات والامتيازات، للتوصل معه بشكل تدريجي إلى التعايش السلمي والتوافق (ص 317). لقد حاول غوتـه من خلال هذه المناورة أن يوفق بين قناعاته بالاستبداد المطلق للأتراك وبين المستوى الجديد من تعقيد العلاقة التي طالب بها الفاناريتوز.
فمن جهة نلاحظ أن درجة التعقيد التي تعاطى بها غوتـه مع العثمانيين في هذا النص غير اعتيادية بالمرة. إذ استبعد فيه أي ذكر للبعبع التركي العديم الملامح، والأتراك المتعطشين للدماء، والجحافل البرية المتوحشة، وبدلاً من ذلك تظهر صورة، رغم سلبيتها، إلا أنها أكثر تنميقًا للعثمانيين الطغاة الدهاة، القساة ولكن الأذكياء. صورة تصف إمبراطورية أكثر تطورًا من تلك التي رسمها غوتـه في كل أعماله السابقة. ولكن بقي هنالك شريانان لم ينقطعا، وهما التقليل من تأثير الاسلام على الأتراك وانحطاطهم الثقافي والروحي. فالحديث عن تنازلات المحتل العثماني لصالح البطريركية اليونانية جاء على أنه كان آخر المحاولات للحفاظ على الكرامة والقوة المتلاشية لـ”الإمبراطورية المتداعية”. (ص. 318) ويضيف غوتـه أن الفاناريتوز استطاعوا فرض تأثيرهم على الطاغية المحتل:
“الامتيازات المهمة التي تمتع بها البطريرك لأكثر من مئتي عام، أدت في النهاية إلى حدوث تأثيرات كبيرة ومهمة. التأثيرات التي يفرضها الشعب المبدع، والمفكر، والمتعلم، والحكيم، والفاعل على الشعوب التي لا تمتلك أي من هذه الصفات وتعجز عن إحداث تأثيرات كهذه بنفسها.” (ص. 319)
مرة أخرى يتغلب الشكل على المضمون، وتم غزو الشعوب الحساسة واحتلالها من قبل شعوب عديمة الإحساس، وينتصر الجهل على العلم، هذا الانتصار الذي جاء على عكس ما رأى غوتـه من روح العصر الجديدة. ولا يزال الشعب الخاضع للاحتلال قادرًا على التأثير على الشعب المتدني المستوى الثقافي الذي يحتله. كان يمكن لخصائص التفوق الثقافي، والتي افتقر إليها العثمانيون بحسب غوتـه (الإبداع، والفكر، والتعليم، والمبادرة)، أن يجدها جميعًا في كل صفحة من مؤلف المستشرق الذي انكب غوته على قراءته في الفترة بين عامي 1815 – 1816. فمن وصف دييـز لمدينة إسطنبول كمركز ثقافي اجتذب الدارسين من بلاد الفرس والعرب،55 إلى سرده كيف تضاعف عدد العلماء في ظل الحكم العثماني، وكيف تمكن العلماء والدارسون ليس فقط من اللغة التركية، بل من العربية والفارسية أيضًا. إنه لمن المؤكد أن غوتـه لطالما اصطدم أثناء قراءته لمؤلف دييـز بالقصور الذي كان لدى الأتراك في الإبداع والفكر.
بما أن ازدراء غوتـه للأتراك وتشهيره بهم، على النقيض من ليبنيـز ولوثر، كان إشارة واعية ومدركة معتمدة على استراتيجية وحسابات أكثر من كونها نابعة من الجهل بالأتراك أو الخوف منهم، فإن تداعياتها على تحرياتنا عن دور الإسلام في الفكر الألماني متعددة جدًا. فمن الواضح أنه يتحدى – بطريقة لافتة أكثر من استعمال كانط لكتابات نيبور، واعتماد هيردر على ريسكي – الصورة التي رسمها الكتاب والشعراء الأوروبيون للأتراك من خلال فكرة: “لقد أخذ الأدباء كل ما وفره لهم المستشرقون”. 56
لم تؤثّر الانتقائية التي انتهجها غوتـه في التعاطي الشعري مع كتابات دييـز التركية على حكمه السياسي بعدم إنسانية الأتراك، ما يجعلنا نتساءل عن الطريقة التي قرأ بها كُتّاب موهوبون ومتحمسون مثل غوتـه وهيغـل كتابات دييز وغيرها من المراجع، وما الذي استقوه منها بالضبط؟ لقد أمل دييـز أن تساعد كتاباته غوتـه في مراجعة موقفه من الحضارة الأوروبية. و”كمحب لجميع الحضارات”، كتب قاصدًا غوتـه: “تستطيع أن تتحدث عن الدَّين الأوروبي تجاه آسيا بطريقة أقل انحيازًا من علماء فقه اللغة أنفسهم”.57 ومع أن نظرة إدوارد سعيد العامة إلى الوضع كانت قريبة من الصحة، فلدينا في حالة دييـز مستشرق كان يحاول بصدق تقديم معلومات إيجابية وتصحيحية عن الأتراك في الحكم الذي أطلقه عليهم غوتـه بطريقة أقل انحيازًا.
إن صورة التركي الأجوف التي يطالعنا بها غوتـه في كتاباته ورسائله ومحادثاته إلى جانب تعمدِّه تجريدَ الأتراك من العمق والتعقيد (التطور)، تنطوي على ثقة كبيرة عند غوتـه في قدرته على تشكيل وصياغة العالم المنطقي عند قرائه. وقد عبر غوتـه عن هذه الثقة بشكل إيجابي من خلال رغبته في “توفير بعض الموثوقية للإسلام، الدين الذي لم يتم الاعتراف به بعد”.58 في نهاية العام 1816، وبعد أن أكمل غوتـه قراءة كتاب “مذكرات دييـز”، فإن غوتـه كان قد عرف بالتأكيد أمورًا عن الأتراك وثقافتهم، ونظرتهم للعالم، وعاداتهم وفلسفتهم، أكثر مما يعرفه معظم قرائه. ولكن الغريب أن غوتـه رفض أن يشارك قراءه بهذه المعرفة، كما لم يستفد منها في تغيير الصورة التي رسمها للأتراك، وربما كان ذلك انطلاقًا من رفضه الإسهام في نشر أي معلومات تعطي بعدًا إنسانيًا للعدو المشترك. من الممكن أن غوتـه كان يرى في نفسه، عندما حجب عن قرائه هذه المعلومات المنتقاة وحافظ على الصورة السطحية المبسطة للأتراك، شكلاً من أشكال الرقابة غير الرسمية التي تحافظ على الصورة النمطية للبربرية والجهل التي كان يعرف أنها غير صحيحة. إن الحماسة التي أبداها غوتـه في كتابه “الرحلة الإيطالية”، الذي نشر في العام نفسه الذي نشر فيه كتاب الديوان، لتصحيح الصورة المغلوطة عن إيطاليا، والتي قال تقرير فولكمان إن فيها ثلاثين إلى ربعين ألف عاطل عن العمل في مدينة نابولي، إلا أننا لا نجد نظيرًا لها تجاه الأتراك الذين تم تحقيرهم على الدوام.
ما هو الشيء الذي يكمن وراء هذه اللامبالاة الوجودية تجاه قضية التحريف؟ شعور خانق بعدم الارتياح، ربما بسبب “الكذب الضمني” الذي ارتكبه غوته. ولعله حاول أن يكفّر عن ذنبه حين اعترف ببعض التطور لدى العثمانيين في كتاباته عن الفاناريتوز. وقد يكون هنالك نوع من الفصام الخفيف نتيجة هذا التشويه المتعمد. يرى الباحث أنيدجار، في تحليله للعدو، وجود خلاف بين أوغسطين وأكويناس في تفسيرهم لوصية “أحبوا أعداءكم”. لقد استطاع غوتـه في العالم الداخلي لخياله الفني أن يحب المسلم وأن يتحاور معه ويجاريه في إيمانه وممارساته، ولكنه في العالم الخارج للسياسة وعندما يتعلق الأمر بأوروبا، لم يكن غوتـه ببساطة قادرًا على ممارسة هذا التسامح، فقد كان شديد الانفعال تجاه جحافل الأتراك. وما يثير الاهتمام هو أن غوتـه على العكس من لايبنيز (الذي يشبهه تمامًا في سيرته) لم يسمح لبحوثه التجريبية بأن تغير نظرته للأتراك. بينما لايبنيز كما رأينا خفف وجهات نظره تدريجيًا تجاه “المسلمين” عندما بدأ بدراسة لغتهم. لقد نجح غوتـه في منع إدراكه الباطني للثقافة التركية من التأثير على صفاء كراهيته واحتقاره للأتراك.
يمكننا من خلال بعض التقسيمات الواضحة، ومن خلال بعض التصريحات أن نلحظ الدور الذي لعبته رومانسية نهايات القرن الثامن عشر في إنتاج مقاربات متناقضة. في الواقع فإن هذه التطورات قد مهدت لبعض الغموض الذي نجده عند غوتـه وبايرون. ففي النهاية فإن الشاعر الإنجليزي (بايرون) الذي أشاد “بالكرامة العالية عند الأتراك” وادعى أنه كاد أن يتحول إلى الإسلام في إسطنبول، كتب مرثاة حول “العمائم التي دنست ضريح صوفيا”.62 والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كانت تلك الالتباسات أو التناقضات تقوم على التركيبة نفسها الموجودة لدى شخصية من القرن السادس عشر مثل مارتن لوثر على سبيل المثال؟ إنه سؤال مثير للاهتمام وفي محله. مع أن الصعوبات تتفاقم في حالة غوتـه بسبب المراوغات والشروخ التي نجدها في صورة غوته الإيجابية للإسلام. في عام 1827، بعد عقد من الزمن على كتابه “الديوان”، حيث قال إنه قد “تخلى عن المرحلة الشرقية ورماها جانبًا كما يرمي الثعبان جلده”،63 وهو كلام يعكس انحسارًا في الحماسة للشرق قد لا يكون منفصلاً بالكامل عن متابعته اللصيقة للتطورات في اليونان والبلقان. ومع ذلك، ففي أقبح الملاحظات التي أوردها غوتـه عن الأتراك منذ سنة 1811، ولاسيما في وصفه الاعتذاري لإعدام نابليون لثمانمائة سجين تركي بقرار من مجلس الحرب، تكمن السخرية في حقيقة أن آخر إشارة مدونة لغوته عن الأتراك كانت في شهر مارس/آذار 1831، أي قبل وفاته بعام واحد، وقد صاغها حصرًا بعبارات روحية (غير سياسية): “يا طفلي العزيز، حتى إن أردت تسمية (المقدس) بمئة اسم كما يفعل الأتراك، لن يكون ذلك كافيًا، وسأكون بالنظر إلى صفاته اللامتناهية كأنني لم أقل شيئًا”.65 من الواضح أن الفصل بين هذه التعابير السياسية والروحية عند غوتـه كان يحدد متى يتحدث عن الأتراك كبرابرة متوحشين ومتى يتكلم عنهم كصوفيين. وقد استمر هذا الفصل عند غوته حتى نهاية حياته.
عند قراءة المراسلات الوجيزة بين غوتـه ودييـز، من الصعب ألا نشعر ببعض الحزن يعتري مشاعر الحماسة والتواضع والامتنان التي انتابت المفكر الأكبر سنًا عندما فكر فيه الشاعر العظيم. ففي رده على رسالة غوتـه الأولى يصف إحساسه بالدهشة والخجل لكونه تم اختياره من رجل مثل غوتـه (الرجل المتميز في عالم الفن) ليساعده في فهم الشرقيين المفترى عليهم والذين أسيء إليهم.66 فبالرغم من أن غوتـه قد عبر في رسالة قصيرة عن تقديره لـ”كتاب قابوس” (قابوس نامه، بالفارسية: کاووس نامه، وبالعربية “مرآة الأمراء” أو كتاب النصيحة) وهو من الكتب الفارسية وطلب توضيحاً لثلاث أو أربع نقاط محددة، فإن دييز وفي الحال توسم مشروعًا أكبر لمراسله، وأعطى الأمر اهتمامًا أكبر من حجمه بكثير. بالرغم من أن غوتـه لم يعبر لدييز قط عن أي هدف مماثل، إنما كان جل مراده من الرسالة شكر دييز لمساعدته في الوصول الى رؤية واضحة لروح وعقل هؤلاء الناس الغرباء.67 لكن رسالة دييز الأخيرة كانت مليئة بالأمثلة عن نظرة الطبقة العامة الأوروبية للأتراك والفرس على أنهم حيوانات غريبة خارج أراض همجية مزعومة.68 هناك نتيجة يمكن استخلاصها من الشغف الذي يربط فيه دييز هذه الأمثلة المأخوذة من تجربته في العمل كمترجم للوفود التركية والفارسية. يخبر دييز غوتـه بأن الإحباط الذي يشعر به الإنسان عند عودته بعد غياب ست سنوات في مدينة غريبة ليعاني الآراء المحدودة ومشاعر الكراهية من أهل بلدته هو ما تجسده أمثلته القوية. وهو يخاطب غوتـه قائلاً:
“حتى الأسئلة التي وضعناها، نحن المستشرقين، هي في الغالب خرقاء وغير لائقة وتستدعي الخجل. سألني أحدهم في برلين إذا كانت الأحذية تصنع في تركيا، أجبت يمكنك أن ترى بنفسك أني لم أرجع حافي القدمين. وسأل أحدهم شابًا تركيًا في العشرين من العمر، لماذا لا يوجد أي فنون أو علوم في تركيا؟ أحسست بالحرج من ترجمة السؤال، وعوضًا عنه أجبت السائل: إن لديهم علومهم وفنونهم الخاصة بهم تمامًا كما هي الحال في أوروبا … لكن محاولتي إخفاء السؤال عن الشاب باءت بالفشل لأنه خمّن ما قد سُئل، فاحمر وجهه من الغضب وسألني بلغته: “هل يظن هؤلاء الناس أننا حيوانات غبية؟” 69
من المستحيل معرفة ما فعله غوتـه بغضب دييز. كشخص كان قبل خمس سنوات يفرح لانتصار البحرية على الأتراك و”كأنه لم تُزهق حيواتٌ عندما قتل الآلاف من غير المسيحيين”. لربما أحس غوتـه بالإحراج لعدم قدرته على مشاركة شعوره بالسخط لرجل طالما أعجب به. فإذا كانت أمثلة دييز قد تركت أي انطباع في نفس الشاعر، فإنها بالتأكيد لم تترك أي تأثير في الصورة التي رسمها غوتـه للأتراك المرعبين. ومن ناحية أخرى، فإن دييز شعر وبشكل واضح أنه كان يكتب لروح رقيقة. فقد سُحر الباحث المسنّ بحق من عمق عبقرية غوتـه وسطوتها، لابد وأنه شعر بالنشوة كون الشاعر الأعظم في اللغة الألمانية، القامة التي التفت حولها “رموز الفن” (ص. 25)، قد اختار عمله كمصدر للإلهام. لقد كان من الطبيعي أن يفترض دييز أن غوتـه، لكونه أقل انحيازًا من معظم علماء اللغة الأوربيين، سوف يدعم قضيته في تصحيح الحكم الجائر بحق العثمانيين.70 وبصدد الأمثلة والاتهامات التي أوردها دييز في رسائله لغوته، والمتعلقة بصورة الأتراك المشوهة، والقناعات الأوروبية المجحفة عن تخلفهم، لا يملك المرء إلا التساؤل عما إذا كان المستشرقون قد أدركوا قط الحقيقة المرّة، وهي أن غوته، رغم كل الزخم الذي تمتعت به ادعاءاته، وانفعالاته، وقناعاته، إلا أنه كان في الواقع لا يكتب لأحدٍ سوى نفسه.
1. “The Fairy Tale”—also translated as “Novelle”—is found in Goethe, Fairy
Tales, Short Stories and Poems, ed. J. W. Thomas (New York: Peter Lang,
1998), p. 113. The two main German editions of Goethe’s texts used—
amongst the many—are Goethes Werke. Hg. im Auftrage der Großherzogin
Sophie von Sachsen, IV sections, 143 vols., Weimar 1887–1919 (hereafter
the Weimar Ausgabe) and Goethes Werke, ed. Erich Trunz, 14 vols., Hamburg
1948–1964 (hereafter the Hamburger Ausgabe). All other texts and
editions are named individually.
- Goethe, West-östlicher Divan: Studienausgabe, ed. von M. Knapp (Stuttgart:
Reclam, 1999), pp. 210, 209.
- Ibid., p. 410.
- Taken from Benjamin’s essay “Goethe”, in Walter Benjamin: Selected Writings
Volume Two, ed. M. W. Jennings (London: Belknap Press, 1999), p. 186.
- “Serbische Lieder”, from the Weimar Ausgabe, I.41.ii p. 142.
- Hamburger Ausgabe, III.306.
- From Goethe’s foreword to “Cours de litterature grecque moderne par Jacovaky
Rizo Neroulos”, in Weimar Ausgabe,I.41.ii pp. 316–20.
- West-östlicher Divan, p. 327.
- K. Mommsen, Goethe und der Islam (Stuttgart: Goethe Gesellschaft, 1964),
- 7; S. H. Abdel-Rahim, Goethe und der Islam (Augsburg: Blasaditch,
1969), p. 367.
- M. Weber, Der “wahre Poesie-Orient”: eine Untersuchung zur Orientalismus-
Theorie Edward Saids am Beispiel von Goethes “West-ö stlichem
Divan” und der Lyrik Heines (Wiesbaden: Harrassowitz, 2001), pp. 123,
- Wilson also examines Iphigenie as a play which, although set in classical
Scythia, is in reality about the Turks—Wilson, Humanität und Kreuzzugsideologie
um 1780 (New York: Peter Lang, 1984). The debate continues
and shows no signs of remission. David Bell has recently argued, with rather
more indignation than logic, that within the Divan lies “a shared vision that
blurs the distinction of East and West” (p. 206), a fusion which presupposes
equality and therefore indicates how “the objectives of Goethe and Said may
be convergent”; see David Bell, “Goethe’s Orientalism” in Goethe and the
English-Speaking World, ed. N. Boyle and J. Guthrie (New York: Camden
House, 2002), p. 211. Kontje acknowledges an “imperial imagination” but
insists on an awareness, on the poet’s part, of the constructedness of his
images: “What makes Goethe’s Orientalism particularly interesting is the
balance he maintains between empathy and irony” (T. Kontje, German Orientalisms
[Ann Arbor: University of Michigan Press, 2002], p. 132). The
Turkish-German novelist Zafer Senocak, in his War Hitler Araber?, sees the
Divan as indirectly collaborating in the whole machine of imperialism (pp.
39, 49).
178 Notes
- Hamburger Ausgabe, 11:396.
- West-östlicher Divan, pp. 595, 560.
- Taken from a letter to Cotta (November 1805) in Weimar
Ausgabe,IV:19.76.
- Torquato Tasso, in Weimar Ausgabe, I.10.130; Götz von Berlichingen, in
Weimar Ausgabe, I:13i.250.
- Weimar Ausgabe I:3.213. Jane K. Brown also emphasizes the unignorable role
irony and parody play in a writer as sophisticated as Goethe—see Goethe’s
Cyclical Narratives: Die Unterhaltungen deutscher Ausgewanderten and
Wilhelm Meisters Wanderjahre (Chapel Hill: University of North Carolina
Press, 1975), p. 3.
- Johann Peter Eckermann, Gespräche mit Goethe in den letzten Jahren seines
Lebens (Berlin: Aufbau Verlag, 1982), p. 46. Goethe was even personally
acquainted with people directly involved in the Russian-Turkish war, including
the brother-in-law of Count Reinhard (p. 312).
- For an excellent analysis of the text, see Cornelia Kleinlogel, Exotik-Erotik:
Zur Geschichte des Türkenbildes in der deutschen Literatur der fruehen
Neuzeit (1453–1800) (Frankfurt: Peter Lang, 1989), pp. 344–52.
- Taken from Gespräche mit Friedrich von Müller on November 18, 1824.
- Byron in a letter dated 1805—see Travels in Albania and Greece, p. 252.
- West-östlicher Divan, p. 443.
- Diez had been involved in a particularly unpleasant and abusive quarrel with
the translator von Hammer—for more on this, see the fi rst chapter of K.
Mommsen, Goethe und Diez (Berlin: Akadamie Verlag, 1961).
- Heinrich Friedrich von Diez, Denkwürdigkeiten von Asien (Berlin/Halle:
Hallesche Waisenhaus-Buchhandlung, 1815), II:102.
- West-östlicher Divan, p. 419; November 8, 1824 with Friedrich von Mueller.
- Hamburger Ausgabe—Briefe, III.453.
- J. K. Noyes, “Goethe on Cosmopolitanism and Colonialism: Bildung and
the Dialectic of Critical Mobility”, Eighteenth Century Studies 39, no. 1
(2006): 445.
- Kontje, German Orientalisms, p. 124.
- For an interesting examination of Goethe’s relationship to conservatives such
as Metternich and Möser, see Virgil Nemoianu’s informative essay “From
Goethe to Guizot: The Conservative Contexts of Wilhelm Meisters Wanderjahre”,
Modern Language Studies 31, no. 1 (2001): 45–58.
- These excerpts from the brief correspondence between Diez and Goethe,
which barely covered the span of two years, can be found in Goethe, “Briefwechsel
zwischen Goethe und v.Diez” (mitgetheilt von C. Siegfried), in
Goethe-Jahrbuch XI, ed. L. Geiger (Frankfurt: Rütten and Loening, 1890),
- 30, 28, 32. I am indebted to Walter Veit’s article “Goethe’s Fantasies
about the Orient”, Eighteenth Century Life 26, no. 3 (Fall 2002): 164–80 for
drawing my attention to this source.
- See Goethe’s letters of September and December 1820 in Hamburger Ausgabe—
Briefe, III:490, 497.
- West-östlicher Divan, p. 268.
- See Maskenzug (“Demetrius”), in Weimar Ausgabe,I.16.294.
- Wilson, Humanität und Kreuzzugsideologie um 1780, p. 21.
- Ibid., p. 21.
- See J. Grimm and W. Grimm, Deutsches Wörterbuch (Munich: DTV, 1984),
22:1852.
- Taken from a letter to Lavater (July 29, 1782 )—cited in H. B. Nisbet’s “Religion
and Philosophy”, in Cambridge Companion to Goethe, ed. L. Sharpe
(Cambridge: Cambridge University Press, 2002), p. 219.
Notes 179
- Taken from Goethe’s fi nal hours with Eckermann on March 11, 1832—cited
in Nisbet, “Religion and Philosophy”, p. 220.
- Weimar Ausgabe,I.41.ii.
- Taken from the seventeenth book of Dichtung und Wahrheit in the Weimar
Ausgabe,I.29.67.
- Hanser, 1.1.518–19.
- West-östlicher Divan, p. 211.
- Eckermann, Gespräche, p. 385.
- Ibid., p. 300.
- Ibid., p. 141.
- Letter to August von Goethe, July 5, 1830—in Hamburger Ausgabe—Briefe,
IV:387.
- Ibid., p. 315, April 12, 1829.
- From Philipp Hackert, in Weimar Ausgabe,I.46.342, 347, 347.
- From Heldenlieder, in Weimar Ausgabe,I.3.213, line 25.
- Ibid., lines 4, 11–12.
- Although hardly in agreement with British rule in Ireland, Goethe’s reservations
concerning the Irish Catholics—whom he saw, in general, as a “pack of
dogs” who constantly fought with one another until a Protestant appeared to
draw them together—are most sharply expressed in a conversation with Eckermann
(April 7, 1829, p. 298). Filiz Turhan rightly points out how “Byron
acknowledged the similarity between British treatment of the Irish and Turkish
treatment of the Greeks in the notes to Childe Harold canto II”—see F.
Turhan, The Other Empire: British Romantic Writings about the Ottoman
Empire (London: Routledge, 2003), p. 115.
- Heldenlieder, in Weimar Ausgabe,I.3.214, lines 21–28.
- W. Daniel Wilson emphasizes Goethe’s “far-sighted . . . categorical rejection
of war”—“Goethe and the Political World”, in Cambridge Companion to
Goethe, p. 214. For a concise representation of Goethe’s views towards the
military confl icts of his period, see J. R. Williams’s The Life of Goethe (London:
Blackwell, 1998), pp. 1–53.
- Goethe to Diez February 1, 1816—in Goethe-Jahrbuch XI,p. 33.
- Diez, Denkwürdigkeiten,II:105.
- Weimar Ausgabe,I.41.ii.317.
- Diez, Denkwürdigkeiten, I:xxi.
- Said, Orientalism, p. 168.
- Diez to Goethe, November 28, 1815—in Goethe-Jahrbuch XI,p. 32.
- Cited in Mommsen, Goethe und der Islam, p. 26.
- “Anforderung an den modernen Bildhauer”, in Weimar Ausgabe, I.49.ii.55.
- Cited in Gretchen L. Hachmeister, Italy in the German Literary Imagination
(New York: Camden House, 2002), p. 47.
- Anidjar, The Jew, The Arab: A History of the Enemy, p. 28.
- “In Istanbul I was very near becoming a Mussulman”—Byron’s words as
reported by Lady Byron in Mohammed Sharafuddin, Islam and Romantic
Orientalism (London: I. B. Taurus, 1994), p. 224. Byron’s words concerning
the ‘pollution’ of St. Sofi a can be found in Child Harold’s Pilgrimage, Canto
II, stanza 79, line 749.
- West-östlicher Divan, p. 629.
- Eckermann, Gespräche, p. 299.
- Ibid., p. 408.
- Diez to Goethe, Goethe-Jahrbuch XI,p. 25.
- Goethe to Diez, ibid., p. 30.
- Diez to Goethe, November 13, 1816, ibid., p. 39.
- Ibid., p. 40–41.
180 Notes
-
Diez, Denkwürdigkeiten, II:105.