اعرف أسعارك، ابقَ مبتسمًا.
– لافتة في القاعة الخلفية: المطعم الإيطاليّ.
اخلق الذعر.
– لافتة في الغرفة الخلفية: وكالة تحصيل ديون.
إن عالم الشركات لديه جانب لِين وجانب حزم، ويقوم كلّ منهما بوظيفةٍ مختلفةٍ، أحدهما يقدم خدماتٍ، والآخر يجمع المبالغ المستحقة لتلك الخدمات. تستعين المؤسسة بالابتسامة والصيغة التساؤلية الرقيقة عندما تسعى لإيجاد طلب خدمة، ومن ثم تقديمها. خلف عرض تقديم الخدمة هذه، يُطلب من موظف المؤسسة أن يشعر بالتعاطف والثقة وحسن النية. ومن جانب آخر، قد يُطلب من موظفها أن يكون متجهمًا وأن يزيد من صيغة الأمر عندما تسعى المؤسسة لجمع مالِ ما قامت ببيعه. خلف عرض التحصيل هذا، يُطلب من الموظف أن يشعر بالريبة وفي بعض الأحيان بسوء النية الإيجابية.
*تكلف بعض الشركات مهمة تحصيل الديون لوكالات خارجية، بهدف الحفاظ على الروابط الجيدة والمقبولة أخلاقيًا مع اسم الشركة. كما أوضح رئيس قسم الفواتير في شركة دلتا: « نستخدم ثماني أو تسع وكالات تحصيل ديون حول البلد. لا يتخذ أي أحد في هذا المكتب أي إجراء، حيث نفضّل أن تكون الوكالة هي الملامة، و تظهر شركة دلتا بصورة جيدة». تبلغ نسبة عملاء شركة دلتا الذين لا يسددون فواتيرهم أكثر من واحدٍ في المئة بقليل. يسدد نحو 40 في المائة بعد الإلحاح، و يذهب ثلثهم إلى وكالة تحصيل الديون.
تصبح المشكلة التي يواجهها الموظف في كلّ نوع من أنواع العروض هي (كيف يخلق الشعور المناسب و يحافظ عليه).
يعود السبب لوصف النهايات القطبية للعمل العاطفي التي تتمثل في مضيفة الطيران ومحصّل الفواتير، إلا إنه يعطينا صورة أوضح عن التنوع الكبير للمهام العاطفية التي تتطلبها الوظائف التي تقع بين هاتين الوظيفتين. يمكن أن يساعدنا في رؤية كيف يرتب العمل العاطفي نفسه في أقصى الطبقات الاجتماعية وأدناها، وكيف بإمكان الآباء تدريب الأطفال للقيام بـ العمل العاطفي المطلوب لمختلف الوظائف. إذن، بعد الاطّلاع على عمل مضيفة الطيران، نلقي نظرةً الآن على عمل محصّل الفواتير.
محصّل الفواتير
إن وظيفتَي محصّل الفواتير ومضيفة الطيران متشابهتان في بعض الجوانب، كل منهما يمثل قطبًا مقابلًا للعمل العاطفي. يتوسع نطاق كل وظيفة ويتقلص بمفهوم عمل يوميّ؛ استجابةً للظروف الاقتصادية؛ لذلك على نحو عكسيّ، حين تسوء الظروف؛ يصبح لدى مضيفة الطيران مسافرون قلائل للتعامل معهم، لكن يحتاج محصّل الفواتير لمتابعة المزيد من المدينين. علاوةً على ذلك لا بد للموظف في كل وظيفة أن يأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي للعملاء. يُطلب من مضيفة الطيران أن تولي اهتمامًا خاصًا للذين يدرّون أموالاً كثيرة؛ ألا وهم رجال الأعمال الذين تحمل شركاتهم عقود سفر الدرجة الأولى مع شركة الطيران. يتعامل محصّل الفواتير مع الأشخاص الفقراء للضرورة. قال رئيس قسم الفواتير في شركة دلتا: « يقطن مدينونا في المناطق السكنية منخفضة الدخل، وهذا واضح من العناوين، إنهم أكثر فقرًا و أصغر سنًا».
هناك اختلاف بارز بين تلك الوظيفتين يكمن في نطاق التدريب. يتم تعيين مضيفات الطيران بعنايةٍ، وتدريبهن بصورة مكثفة لمدة تتراوح بين أسبوعين وخمسة أسابيع ( شركة دلتا تتطلب أربعة أسابيع من التدريب المكثف). كان التدريب في وكالة تحصيل الديون التي قمت بزيارتها تحديدًا على النحو التالي: تسلّم شاب من دون خبرة أربع ألبومات مسجلة، من نماذج مكالمات التحصيل، واطَّلع على نظام تسجيل المعلومات في الشركة.
و طُلب منه تعبئة نموذج للحصول على رخصة عمل وتسلّم بطاقة عمله ليبدأ العمل، و يعمل على مجموعة من الحسابات عبر الهاتف في غضون ساعة؛ نظرًا لأن الجهد الذي بُذِل من خلال التدريب أو غيره ضئيل؛ فإن معدل تناوب الموظفين كان مرتفعًا من أجل الاحتفاظ بهم. اكتسب الموظفون الذين ظلوا في الوظيفة مهارات في تزايد العدائية في وقت مبكر، وأصبحوا يدركون رغباتهم ومتطلباتهم الخاصة. كما قال أحد المحصّلين: «أفضّل العمل ثماني ساعات في تحصيل الديون على العمل أربع ساعات في وظيفة البيع عبر الهاتف. يجب أن تكون لطيفًا أثناء العمل في وظيفة البيع عبر الهاتف بغض النظر عن الظروف وفي الكثير من الأوقات لا أشعر بأني أتصرف بلطف، إنه لمن الصعب عليّ أن أعمل بحماس».
إن هدف مضيفة الطيران هو تعزيز مكانة العميل و إبراز أهميته. قد لا يكون المسافر على صواب دائمًا و لكنه لا يخطئ أبدا؛ كل خدمة هي دعاية، وعلى النقيض من ذلك، عادةً ما تتضاءل مكانة العميل في المراحل الأخيرة من تحصيل الفواتير، فيما يعمل المحصّل على إضعاف معارضة العميل للدفع المزعومة. قد يفضّل المحصّل أن يجعل عدم الدفع دليلًا على المكانة المهينة للمدين من خلال التلميح بأن العميل كسول وشخصية ذات أخلاق وضيعة. المحادثات مع محصّلي الفواتير مشهورة فيما يتعلق بتضاؤل المكانة؛ لهذا السبب كثيرًا ما يثيرون العدائية من الناحية القانونية عادةً من جهة، وغالبًا من الناحية المادية من جهة أخرى.
تكون مرحلة التعيين والعلاقات بين الأطراف في مجال التحصيل بصفة رسمية و بحذر منذ البداية. مضيفات الطيران يتطلب منهن عادة وضع بطاقة تعريف على الزيّ الرسمي، على عكس المحصّلين في الوكالة الذين قمت بدراستهم لم يكن مسموحًا لهم استخدام أسمائهم الحقيقية. كما فسّر أحدهم ذلك: «إن الوكالة لديها مخاوف من أن يكون بعض هؤلاء المدينين متهورين؛ لذلك الوكالة لا تريدهم أن يجدوك». لا يستطيع المدين رؤية مرحلة المحصّل في حالة التحصيل عبر الهاتف، و بالطبع لا يستطيع موظف التحصيل رؤية مرحلة المدين أيضًا، بخلاف المسافر على متن الطائرة.
كما ذكر أحد المحصّلين بسخرية: «قد تقول المرأة: ( يتعامل زوجي مع هذه الأمور وهو في العمل)، ربما يكون جالسًا هناك على الأريكة و يشرب البيرة.. كيف لي أن أعرف ذلك؟! كم أتمنى أن يحصلوا على ذلك الشيء الذي عن بعد (هاتف مرئي)! و لكن هذا سيحتاج للتحصيل أيضًا!».
إن المدينين الذين جاؤوا للمكتب الذي قمت بدراسته – ليسلموا شيكات السداد بأيديهم أو ليأخذوا ممتلكاتهم الشخصية من السيارات المستردة سرًا- وجدوا أن المكتب يحرسه اثنان من فصيلة الكلاب الدانماركية الضخمة، أحدهما مربوط بسلسلة في الطابق السفلي والآخر موجود في المكتب. قال أحد المحصّلين: «عندما ذهبت للعمل لأول مرةٍ، سألت إن كانت تلك الكلاب تعض، وقالوا: (نعم، لكن ليس عليك أن تقلق، إنها تعض الأشخاص ذوي البشرة السوداء فقط.)» كانت هناك لافتة على النافذة في الكواليس لا يراها إلا موظفو التحصيل يوجد عليها بطاقة تحفيز مكتوب عليها، «اصطد عميلك على حين غرة، و كن أنت المسيطر في النقاش».
مهمة المحصّل الأولى غالبًا هي الإيقاع بالمدين ليفصح عن هويته، يفترض موظف التحصيل – الذي قد يعطي اسمًا مزيفًا – أن المدين قد يحاول تجنب إعطائه أي اسم إطلاقًا. يمكن أن يقع المدين في الفخ ليفصح عن هويته مستخدمًا اسمه في الجملة الافتتاحية، لاسيما في المكالمات الصباحية المبكرة عندما يكون الناس على حين غرة.
و هذا يثير المواجهة منذ البداية، حيث سرعان ما يدرك المدين أنه فقد أهميته. قال أحد المحصّلين: «في بعض الأحيان يصبح المدين بذيئًا منذ البداية، إنه غاضب لكونه أفصح عن هويته قبل أن يعلم من تكون»، سيكون الأمر أسهل لو تحدث المحصّل بسرعة، كما أوضح قائلاً: «تعرّف على هوية الشخص ثم عرّف بنفسك لهم، بعد ذلك ادخل في صلب الموضوع مباشرة وحاول أن تستعجلهم، مثلاً: (يجب أن تحصل على المال غدًا)، بعدها توقف للحظة، حاول أن تباغتهم، صدقني إذا كنت لطيفًا للغاية سيصعبون عليك الأمر».
* قالت إحدى المحصّلات: «هذا الأمر يناسبني جدًا لأنهم لا يتوقعون أن تعمل إمرأة في تحصيل الديون». ذكر محصّل مشكلة
تواجهه: «يقول المدير إنه يجب علينا إجراء مكالمات بعيدة المدى على حساب المتلقي، لماذا سيقبل الشخص مكالمة مدفوعة من شخص لا يعرفه؟! عندما تصدر فاتورة الهاتف ربما سأُفصل من عملي».
المهمة التالية للمحصّل هي أن يضبط مستوى الوعيد لامتناع المدين؛ يتعلم المحصّل أو المحصّلة عمومًا كيف يفعل ذلك بملاحظة كيف يعمل الموظفون الآخرون. بالنسبة لأحد المحصّلين كان الشخص الآخر رئيسه في العمل، حيث قال: «غادر (وهو يصرخ بأعلى صوته)، (لا يهمني إن كانت عطلة عيد الميلاد أو أي عطلة أخرى! قل لأولئك الأشخاص أن يحضروا المال)» على الرغم من تفضيل صاحب العمل للوعيد المتزايد والسريع للحصول على نسبة قليلة من المال بسرعة، وينتقل لحسابات جديدة؛ إلا أن موظفيه يفضلون بصفة عامة طريقة (التحصيل الميسر). وهي أن يستغرقوا وقتًا أطول للدخول في صلب الموضوع، حيث رأوا أنه باستطاعتهم أن يقدموا هدية افتتاحية للمدين وهي ميزة الشك مع التلميح بأن ما يهم هو الوقت أما المبلغ قد يكون قابلًا للتفاوض. في المقابل من الممكن أن يتجاوب المدين عن حسن نية. عادةً ما يتحدث المحصّل في هذه المرحلة وخصوصًا مع المدينين الجدد باستخدام الصيغة المشتركة (نحن)، كما في «لنرى كيف يمكننا توضيح ذلك». في بعض الأحيان طريقة حديث موظف الوكالة تبين أنه يفصل نفسه عن الشركة التي تطالب بالدفع، كما في «اسمعني لنرى كيف يمكننا حسم الأمر الآن وإلا سيراسلونك مرة أخرى خلال أسبوع».
يلاحظ محصّل الفواتير قوانين المشاعر مثل موظفة الطيران، يجب ألا تنحسر الثقة أمام الشك بسهولة لدى موظفة الطيران، و لذلك من المحبذ أن تعتبر المسافرين ضيوفًا أو أطفالًا، ومن الناحية الأخرى يجب ألا يدع المحصّل الثقة تطغى على الشك، و لهذا تصبح علامات قول الحقيقة والأدلة البسيطة التي تدل على صحة الكلام مهمة؛ قال أحد المحصّلين من ذوي الخبرة: «أهجم على المدين سريعًا أكثر من الموظفين المبتدئين لأني أرى العلامات بسرعة».
و تابع قائلاً: «الشخص الذي يستغرق بعض الوقت لكتابة رسائل للشركة على الأرجح أنه يخبرك بالحقيقة، لكن الشخص الذي لا يقول شيئًا على الإطلاق لحين أجده وبعدها يبدأ يشتكي فجأة من البضائع أشك بأمره، أو يقول «فقدت إيصال استلام الحوالة البريدية». هذا أفضل تبرير دائمًا، أو «لم أحتفظ بالشيك الملغي».
و العلامة الأخرى التي تدل على قول الحقيقة هي إقرار المدين الصريح للديون المستحقة:
«أعطِ الكثير من الناس فرصة، حيث يخبرك الناس بصراحة: (لم أكن أعمل، لا أملك المبلغ، ماذا تريدني أن أفعل؟)، وأقول لهم: (حسنًا هذا ما سأفعله لك)، لنقل مثلاً أنهم يدينون بخمسمئة دولار، أقول لهم: (حسنًا سددها على دفعات من فئة العشرينات و هذا سيمنحك بعض الوقت، إذا لم تسدد شيئًا سيقومون بمراسلتك في غضون أسبوع)».
في بعض الأحيان أثناء البت في ما إذا كان المدين يستحق الثقة قد يتنامى الشك لدى محصّل الفواتير عن صحة ادعاءات الدائن. و لذلك ذكر شخص حاول جمع المال لصالح شركة (حفاظات أي بي سي): «قد تقول شركة (إي بي سي) إنهم استردوا حمولة من الحفاظات نحو أربعة وأربعين، لذا سيضعون رسومًا على الزبون تبلغ قيمتها خمسًا وسبعين قرشًا لكل حفاظة مفقودة. ولكن جميع الزبائن يقولون بأنهم لم يحتفظوا بالحفاظات، سيمتلئ العالم بالحفاظات إذا استطاعوا إيجاد تلك الحفاظات المفقودة. لا بد أن شركة (إي بي سي) تعتقد بأن الناس يحسبون عدد الحفاظات، لكنهم لا يقومون بتوصيل عدد الحفاظات الصحيح. في كل مرة يكون هناك مشكلة في حساب حفاظات (إي بي سي)، أنحاز بصف الزبائن لكنني لا أجرؤ على قول هذا لمديري في العمل».
ليس مطلوبًا من محصّل الفواتير تصديق ادّعاءات الوكالة أو عميل الشركة الذي يقوم بتحصيل المال لصالحهم حتى إن كان هذا الاعتقاد فيه تيسير للعمل، بخلاف مضيفة الطيران.
ذكرت إحدى النساء: «عملت في إحدى مدارس ماتشبوك، كما تعلم المدارس التي أعلن عنها في الجزء الخلفي من ماتشبوكس، كان يطلق عليها (الأكاديمية المهنية). كان لديهم إحدى عشرة مدرسة في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، لكن كانوا في طريقهم للانهيار، ولهذا السبب أصبحت دون خبرة، وأعمل في وظيفة مساعدة مدير وهذه الوظيفة تتضمن الفواتير. قاموا بتعليمي أمورًا، مثل (كيف أدخل البطاقة الائتمانية في الآلة) وتُمنح درجات لذلك. قالوا بأنهم سيجعلون الأشخاص المتلعثمين والقادمين من المناطق النائية مذيعي راديو مشهورين… كان معظمهم من الفقراء السود الذين اقترضوا المال للتسجيل في الدورة.
كانت نسبة تأخر المقترضين في الدفع تبلغ خمسين في المئة من إجمالي المقترضين؛ إذ ليس هناك من الذين تخرجوا من المدرسة من استطاع الحصول على وظيفة في البث الإذاعي، إذن كيف سيسدد المقترض دينه؟!».
لم يكن مطلوبًا من موظفة التحصيل هذه تصديق الشركة، بل كانت مهمتها أن تبقي البُعد الانتقادي عن الشركة في حين أنها ما تزال تعمل لصالحها.
حتى إن وثق موظف التحصيل بالمدين يظل هناك تساؤل هو (كيف يصبح الموظف متعاطفًا؟). يُستخدم الضيوف والأطفال في تدريب مضيفات الطيران كتشبيه لتعزيز مشاعر التعاطف والتفهّم، بينما في عمل محصّل الفواتير يُستشهد بمصطلحات، مثل: الكسول، والمحتال كتشبيه لكبح تلك المشاعرعندما تتعارض مع التحصيل. كما أقرّ أحد المحصّلين: «غالبًا ما نطارد الفقراء، أعتقد بأن أغلب الاشخاص في مجال العمل هذا صادقون، وسيحاولون ويقومون بالتسديد ما لم يكن لديهم شكوى جدية بشأن الخدمة أو ما شابه. إن سمعني رئيسي بالعمل أقول هذا سيطردني من العمل بالتأكيد؛ لأنه يجب علي أن أفترض أن جميع هؤلاء الأشخاص يريدون النيل منّا».
ربما يصبح المحصّل فظًا إذا لم تكن الدفعة مجهزة على نحو مأمون بعد المكالمة الثانية أو الثالثة، من الممكن أن يُطلق على عذر المدين الآن لعدم سداده الدين أكذوبة (حيلة) لطالما كان يعرف بشأنها المحصّل، ولكنه تظاهر بعدم معرفته من باب اللباقة.
كما وصف أحد المحصّلين الإجراء: «تنظر إلى بطاقة هذا الرجل، و ترى أنه وعدك بأمور عدة مرات، حينها بمجرد قوله إنه أضاع عنوانك في حين أنك تعلم بأن العنوان موجود في دليل الهاتف، إذن عليك أن تقول: (عليك أن تقوم بكذا وكذا مع السيد سميث من مركز التحصيل)، وربما سيصبح لطيفًا جدًا عندها، عليك أن تقول: (حسنًا، ماذا عن هذا؟) وسيجيبك: (أتعني أنك لم تحصل عليه حتى الآن؟ أنا لا أفهم ذلك، أعطيته زوجتي لترسله ربما لم تقم بإرساله)، بعد ذلك تبدأ تصبح قاسيًا وتقول: (حسنًا لقد أصبح مملاً نوعًا ما سماع هذه الأمور لا أريدك أن تجازف بعد الآن باستخدام تلك الرسائل المحفوفة بالمخاطر، أريدك أن تأتي وتُحضر معك المبلغ في هذا المكتب اليوم)، حينئذٍ سيجعلك تحصل عليه حقًا».
فيما تُشجّع مضيفة الطيران على رفع مكانة المسافرين بتقليل مكانتها، إلا أنه يُسمح لمحصّل الفواتير بأن يُعظّم نفسه،
ليكون في موضع سيطرة، و يمارس حريةً ما في التعامل مع الآخرين. زعم محصّل قد برّأ نفسه من حالاتٍ كهذه، أن هذا الأمر كان شائعًا في الوكالات الأخرى التي عمل بها، حيث قال: «يقوم كثير من هؤلاء المحصّلين بالصراخ على الناس وكأنهم أخذوا شيئًا منهم، يشعر الكثير منهم وكأنهم أشخاصٌ مهمون».
اشتكى بعض محصّلي الفواتير في ولاية كاليفورنيا بمرارة أن قانون الولاية المدني يمنعهم من شتم المدينين (مادة رقم2 فقرة 1788.11). على حد تعبير أحدهم: «أستطيع أن أنهي الاتصال، لكني لا أستطيع أن أشتم، وإنه لمن الصعب أحيانًا حين يشتمونك بأقسى العبارات»، رغم ذلك تحدث محصّلو الفواتير عن إيجاد طرق أخرى فعالة لشتم المدينين والضغط عليهم.
وفي المقابل يتصرف المدينون بطريقة دفاعية أحيانًا بإخفاء أسمائهم عن المحصّل لصون أسمائهم من الإهانة.
المحصّل: ما اسمك؟
المدين: (في ميللر).
المحصّل: كيف تكتب الاسم الأول؟
المدين: (في) فقط، يمكنك مناداتي (في).
قد تحرض مثل تلك المساعي المحصّل ليعمل بجد أكبر للانتقاص من مكانة المدين.
قد يتهم محصّل الفواتير المدين بأنه كاذب، أو محتال، أو انتهازي، وعندما يفعل ذلك قد ينزعج المدين ويصبح منفعلًا، ويؤكد بشدة على كرامته؛ ولكن في خضم ما يعتبر تعاملًا تجاريًّا، وليس شخصيًّا يمكن أن يُستبعد المدين في النهاية بسبب دفاع كهذا، مثلما حدث مع هذا المحصّل:
«كان لدي قضية جيدة بالأمس، تدين بعض الأشخاص بثلاثمئة وسبعين دولارًا قيمة بيانو كاهين مستأجر. تقول المرأة إن الشركة سلّمت البيانو، ولكنها نسيت أن تسلّم كرسي البيانو، لهذا السبب امتنعت عن تسديد كامل المبلغ. حين اتصلتُ في المرة الثانية غلبتُ المرأة. إن أول ما تلح بشأنه هو: (ليكن في علمك أنا معلمة، و مديرة مدرسة، وهؤلاء أشخاص من ذوي البشرة السوداء لا يهمونني حقًا، ما يهمني هو البيانو وكرسيه…)، أخبرتني: (نحن نستأجر البيانو لبناتنا اللاتي يأخذن دروس بيانو).
وقلت لها: (حسنًا إذن، أظن أنك تحتاجين بيانو)، لقد قامت بنفسها بكل شيء، ولم أنجح في إقناعها. لقد أخبرتني: (دفعنا ستين دولارًا للحصول على كرسي بيانو مصنوع خصيصًا)، قلت لها وأنا أبحث في سجلاتي: ( ما هو اسم محاميك هذا؟ سأتصل به)، قالت: (معظم أصدقائنا محامون)، وقرأت لي بالفعل قانون مكافحة الشغب، وقلت لها من الأفضل أن أنهي المكالمة. وقالت: (لقد بدأت هذا معي وعليك أن تنهيه معي). و أجبتها بأني بدأت هذا مع زوجها، وقالت لي: ( ستبدأ هذا الأمر و تنهيه معي)، قلت لها: (هذه محادثة سخيفة للغاية يا سيدة! دعي زوجك يتصل بي، مع السلامة)، وقمت بإغلاق الهاتف بقوة.
كان خلف الجدال حول مقدار المبالغ المستحقة لبيانو كاهين المستأجر حوارٌ آخر. كانت الدائنة تسأل في الحقيقة «هلا قبلت أن أحكي لك عن نفسي بأني إنسانة صادقة، ومن الأشخاص الذين عادة ما ينحدرون من طبقة متوسطة، ومن نوعية الأشخاص الذين يديرون مدرسة ولديهم أصدقاء محامون، ويوفرون لبناتهم مزايا ثقافية مثل دروس البيانو، ألن يجعلك قبولك لهذا تستمع لي و تصدق روايتي عوضًا عن تصديق رواية كاهين؟» ما يُغضب الدائنة -عندما تكون الإجابة على تلك الأسئلة المبطنة هي لا- هو افتراض أنها كذبت، وكذلك نبذ مكانتها الاجتماعية والعائلية لكونها زبونة صادقة وحسنة النية، تم التعامل معها بطريقة مجحفة. يجبر المحصّل الدائنة أن تدفع نقدًا وبقيمة معنوية أيضًا ملتزمًا بقضية البيانو وكرسيه، ومتجاهلاً القصة الاجتماعية، وبذلك يكبح مشاعر التعاطف.
حتى المحصّلون الذين يتجنبون الوقاحة والعدائية يعلمون بأن مثل هذا السلوك يوافقه الآخرون. وبالطبع، مثلما تعتبر رسالة الاقتراحات مخيفة لمضيفة الطيران، فإن نيل برقية تهنئة تمثل صفعة للعديد من وكالات التحصيل. كما عقّب المحصّل في قضية تأجير البيانو: «وصلت اليوم وكان رئيسي في العمل يضحك وقال: (لدينا شكوى ضدك اليوم)، أظن أن تلك المرأة اتصلت بشركة البيانو وكانت تصرخ بشأني لمدة عشرين دقيقة وهذا هو الشيء الجيد في هذا المجال. سيقومون بالضحك فقط ويُثنون عليّ،
والآن من أين لي أن أحصل على مثل ذلك في عمل آخر؟!»
كانت القاعدة في هذه الوكالة هو أن تكون عدائيًّا. قال أحد المبتدئين: «يأتي مديري في العمل إلى مكتبي ويقول (ألا يمكنك أن تكون أكثر غضبًا من ذلك؟ اخلق الذعر!)، هذا ما يقوله رئيسي في العمل. قال رئيس العمل في بعض الأحيان عن موظفيه إنهم ليسوا رجالاً ما لم يستجمعوا قدرًا مناسبًا من السخط العلني، و كأنه رقيبٌ بالجيش. يصرخ فيَ رئيسي في العمل قائلاً: (ألا تستطيع أن تكون رجلاً؟)، واليوم قلت له: (ألا يمكنك أن تشيد بي لكوني انسانًا؟!)».
إن المدينين الذين يضغطون عليهم بشدة المحصّلين -الذين بدورهم يتعرضون لهذا النوع من الضغوط – يهددون أحيانًا باستعمال العنف. حينئذٍ تصبح مهمة المحصّلين تمييز التهديد الحقيقي من التهديد الفارغ. كما ذكر أحد المحصّلين: «يقولون إنهم سيأتون إلى هنا و ينسفون رأسك. لا أعتقد أن مثل هذا التهديد حقيقي، إنهم يقولون هذا فقط لأنهم غاضبون جدًّا. مثلما تعلم هؤلاء الرجال السود من الممكن أن يصبحوا غاضبين جدًا، لكني أعرف إمرأة ذهبت للخارج للتحدث مع شخصٍ ما، وكان معه صديقه وعنفوها؛ لكنها لم تتأذَّ؛ وإنما كانت خائفة فقط». تتفاوت الوكالات في مدى العدائية اتجاه أي شخص يتساهلون معه. تركز الوكالات المرموقة على مساعدة المدين بتسوية وضعه، ووصف المحصّلين المسيئين ببساطة بأنهم (مفرطو العدوانية). لكن الوكالة التي قمت بدراستها كانت العدائية العلنية هي السياسة الرسمية في سلب النقود من المدينين.
ينجذب كل من مضيفات الطيران ومحصّلي الفواتير لوظائفهم حتمًا؛ لأنهم يمتلكون السمات الشخصية اللازمة لأداء الوظيفة سلفًا. يضمن ترشيح الشركة الدقيق وجود تلك السمات لدى موظفات الطيران بشكل كبير، أما بالنسبة لمحصّلي الفواتير فإن معدل التناوب العالي يضمن تلك السمات. الذين لا يعجبهم العمل سرعان ما يستقيلون. في كلتا الوظيفتين كثيرًا ما يذكر الموظفون أنهم يضطرون لكبح مشاعرهم لكي يقوموا بعملهم. يفرض المشرفون كبح المشاعر ويقومون بمراقبة الموظفين في كلتا الوظيفتين، وكبح المشاعر غالبًا ما يكون قيودًا شخصيةً. يتعامل محصّل الفواتير مع العملاء مثل مضيفة الطيران ولكن من وجهة نظر مختلفة تمامًا،
ولهدف مختلف، و باستخدام نموذج عرض وعمل عاطفي مختلف جدًا. تقوم مضيفة الطيران ببيع وتقديم خدمة، وتعزيز مكانة العميل، وتحفيز مشاعر الاستحسان والثقة لدى العميل الذي يعتبر ضيفًا في المنزل. يعتبر الجانب الليّن في نظام الشركة أن المشاعر الدافئة والصادقة هي الحصيلة، وتعتبر الفظاظة واللامبالاة معضلة. ولكن يعتبر الجانب الحازم أن المال مستحق الدفع، ولابد من الحصول عليه، حتى إن جُرّد العميل من احترامه لنفسه. في المراحل الأخيرة من لعبة التحصيل يصبح الشك الصريح هو المناسب، وتصبح الألفة والحميمية هي المشكلة. قد يحرز غير الملائمين لكل وظيفة عملاً مذهلاً في الوظيفة الأخرى. يساند العمل العاطفي في كل حالة العرض الذي تدعمه القصص الخيالية عن ضيوف في غرفة المعيشة الشخصية، أو عن محتالين كسالى يتسكعون وسط سلع مسروقة. الموظفون في كلتا الوظيفتين معرضون لزيادة سرعة وتيرة الشركة. إن رئيس العمل الذي يريد زيادة عمليات التحصيل في الساعة، يجعل من الصعب على موظف التحصيل أن يتملص من الخطوط الأولى الوظيفية، و يعقد اتفاقًا خاصًّا بحسن نية. عندما يشدّد رئيس العمل على مبدأ (الوقت من ذهب)، فإنه يسلب المحصّل الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقدمه مقابل التعاون، ألا وهو الوقت، فهو يحد من فرص الاختيار بين الأسلوب الملزم وغير الملزم. إن التعجيل بالنسبة لمضيفة الطيران ومحصّل الفواتير يجعل من الصعب التعامل مع الأشخاص بصفة شخصية.
الوظائف والعمل العاطفي
بين مضيفة الطيران من جهة ومحصّل الفواتير من جهة أخرى تكمن العديد من الوظائف التي تتطلب العمل العاطفي. لدى هذا النوع من الوظائف ثلاث خصائص مشتركة. أولاً: أنها تستلزم التواصل وجهًا لوجه أو التواصل الهاتفي مع عامة الناس. ثانيًا: أنها تفرض على الموظف خلق حالة عاطفية لدى شخص آخر، مثل: الامتنان أو الخوف. ثالثًا: أنها تتيح لصاحب العمل أن يتولى جزءًا من الرقابة على أنشطة الموظفين العاطفية من خلال التدريب والإشراف.
توجد تلك الخصائص في بعض الوظائف دون غيرها في الفئة الوظيفية نفسها. يضع مكتب إحصاءات العمل على سبيل المثال كلًّا من الدبلوماسي وعالم الرياضيات في الفئة الفنية، ومع ذلك يعتبر العمل العاطفي ضروريًّا للعمل الدبلوماسي، بينما ليس للعمل العاطفي أهمية بالنسبة لعالم الرياضيات. نجد البعض ممن يبرزون التصرفات العاطفية في فئة الموظفين المَكتبيين بواسطة التواصل وجهًا لوجه باعتبارها شعارات للشركة، بحيث يخلقون الحالة العاطفية المرجوة لدى الآخرين بأساليب تجعل الرؤساء يراقبونهم بصورة مشروعة. و لكننا نجد أيضًا آخرين تواصلهم الوحيد هو من خلال الأظرف، والرسائل، ومجلد مانيلا. يقوم بعض النادلين في مطاعم معينة بعمل عاطفي في حين أن نادلين آخرين لا يفعلون ذلك. تقوم بعض الممرضات في بعض المستشفيات ودور المسنين بالعمل العاطفي، بينما لا تقوم الممرضات الأخريات بذلك.
يقوم كثير من السكرتيريين بالعمل العاطفي بطبيعة الحال، حتى الذين لا يقومون به يدركون جيدًا أن العمل العاطفي متصل بالوظيفة. أوصى كتاب لمهنة السكرتارية القانونية الموظفين في عام 1974 «ستكون راضيًا حتى إن واجهت ضغوطًا شديدة، يوظف كثير من المسؤولين التنفيذيين سكرتيريين بناءً على التصرفات الجيدة أكثر من المظهر الحسن. على حد قول أحدهم: (إنني بحاجة سكرتير يمكنه أن يبقى بشوشًا حتى عندما أصبح متذمرًا، أو يتراكم العمل ويؤول كل شيء على نحو خاطئ). هناك قائمة واحدة فقط في قاموس الألقاب الوظيفية لكلمة سكرتير، ولكن هناك العديد من البيئات المكتبية المختلفة التي يعمل بها سكرتيريون، وبعضها يكون أكثر طلبًا للعمل العاطفي من غيرها. حتى عندما يترأس رئيس جديد له فلسفة مختلفة عن إدارة المكتب نفس موظفي المكتب، يمكن ملاحظة التغيرات في مستوى العمل العاطفي المطلوب منهم. يكمن الخط الفاصل بين العمل العاطفي والعمل التقني في الفرق بين «ماذا» و«كيف» كتابة رسالة.
*هناك سمات معينة للعمل لم تذكر في توصيفات الوظائف، يمكن أن تنجح خصيصًا في تعزيز العمل العاطفي، مثل: نظم الحوافز التي تنظم إلى المصلحة الذاتية في العمل على العرض والشعور. إن البائعين الذين يعملون مقابل عمولة خير مثال على ذلك. في ظل غياب المصلحة الذاتية الواضحة، والمراقبة الدقيقة، فإنه من المحتمل أن يسهم في تعزيز العمل العاطفي أكثر من أي شيء آخر.
تبتكر بعض الشركات أساليب للتأكد من أن الموظفين يقومون بعملهم العاطفي بشكل مناسب. ذكرت صحيفة (ذا بتيرسبورغ تايمز)، في السابع عشر من أبريل، سنة ألف وتسعمئة واثنتين وثمانين، مثالًا بارزًا على ذلك أسفل رأس العمود «بائع حاد الطبع في متجر (وين ديكسي) يمكنه أن يجعلك أغنى بدولار»، «يرتدي أمناء الصناديق في متاجر (وين ديكسي) الست الواقعة في (سان بطرسبرغ وبينيلاس بارك) هذه الأيام عملة دولار معلقة في زيهم، هذا كله جزء من حملة لباقة تقوم بها الشركة. إذا لم يستقبل أمين الصندوق الزبون بتحية ودودة وشكر خالص، فإنه من المفترض أن يحصل الزبون على دولار. وأمين الصندوق الذي يُهدر الكثير من دولارات المتجر قد يتعرض في نهاية الأمر لتوبيخ من رئيس العمل».
وعدت متاجر (وين ديكسي) مكافأة أمناء الصناديق الذين أتموا التجربة لمدة أسبوعين بدولار مع سجل مثالي، و أعلنت أنها ستمنح أكثر أمناء الصناديق لباقةً دبابيسَ التقدير في كل فروع المتجر الست. وإلى جانب ذلك جميع متاجر (وين ديكسي) أعطت الزبائن منشورات تحوي الرسالة الآتية:
إلى عملائنا الكرام:
لقد استعرضنا برامج اللباقة والخدمة الخاصة بنا مع كافة الموظفين للتأكد من أن تحظى يا زبوننا الكريم على المعاملة والخدمة الملائمة. هنالك بعض المبادئ الأساسية للباقة والخدمة توقّع أن تحظى بها عند كل زيارة لمتجر (وين ديكسي) وهي:
-
أن تحيّى بتحية ودودة عندما تهم بالمغادرة.
-
أن يحاسب أمين الصندوق طلبك بسرعة وبفعالية ويوليك الاهتمام التام.
-
تكييس مشترياتك جيدًا.
-
التعامل الفعال والمناسب مع نقودك وشيكاتك وقسائم الشراء وطوابع الغذاء ..إلخ.
-
قول عبارة «شكرًا لتسوقك في متجر وين ديكسي بشكل ودي».