الكاتب | كانديس ديلماس وكيمبرلي براونلي |
ترجمة | أحمد قاضي |
غالبًا ما يؤدي العصيان المدني دورًا حاسمًا في توجيه بوصلة العالم الأخلاقية نحو العدالة، من حادثة حفلة شاي بوسطن إلى مسيرة الملح التي قادها المهاتما غاندي، ومن إدلاء المناصرات لحق المرأة في التصويت بأصواتهن بشكلٍ غير قانوني، إلى الاعتصامات في أماكن الطعام المخصّصة للبيض فقط. ولكن ما هو القاسم المشترك، إن وُجد، بين هذه الأفعال، وغيرها الكثير من ممارسات الاحتجاج المشابهة حتى ننظمها تحت تسمية العصيان المدني؟ ما الذي يميّزها عن غيرها من أشكال العمل الضميري والسياسي؟
وفقًا للتفسير الأكثر قبولًا، يُعدّ العصيان المدني خرقًا علنيًا، سلميًا، وضميريًا (واعيًا) للقانون، يُرتكب بهدف إحداث تغيير في القوانين أو السياسات الحكومية (راولز 1999، 320). وفقًا لهذا التفسير، ينشط أولئك المنخرطون في العصيان المدني ضمن حدود الولاء للقانون، ويُكنون احترامًا عامًا للنظام السياسي، ويكونون على استعداد لتحمّل العواقب القانونية لأفعالهم، كدليل على التزامهم بسيادة القانون. ويُقال إنّ العصيان المدني، نظرًا لمكانته ضمن حدود الولاء العام للقانون، يقع، وفقًا لهذا الرأي، بين الاحتجاج القانوني من جهة، والرفض الضميري، والعصيان غير المدني، والاحتجاج المسلح، والمقاومة القسرية المنظمة، والعمل الثوري من جهة أخرى.
سنتفحصّ في القسم الأول من هذه المداخلة، والذي يتناول القضايا المفاهيمية، هذا التصوّر المطروح للعصيان المدني، والتفسيرات الأوسع للمفهوم والتي التي طرحت ردًا على هذا التصوّر. في حين يُقارن القسم الثاني العصيان المدني، بشكلٍ عام، مع أنواع أخرى من الاحتجاج. ويُركز القسم الثالث على أدبيات تبرير العصيان المدني، مُناقشًا في البداية أسباب حاجته إلى تبرير، وكذلك قيمته ودوره في المجتمع. أما القسم الرابع، فيتناول الاستجابات المناسبة للدول إزاء العصيان المدني.
جدول المحتويات
1. خصائص العصيان المدني
يُنسب إلى هنري ديفيد ثورو على نطاقٍ واسعٍ الفضل في صكّ مصطلح العصيان المدني. لسنوات، رفض ثورو دفع ضريبة الاقتراع في ولايته احتجاجًا على مؤسّسة العبودية، وإبادة الأمريكيين الأصليين، والحرب ضد المكسيك. في عام 1846، طلب منه الضابط سام ستيبلز في كونكورد، ماساتشوستس، دفع الضرائب المتأخرة، وعندما رفض، اقتاده إلى السجن. برّر ثورو آنذاك، في محاضرة عامة ألقاها مرتين في عام 1848، رفضه للضرائب كوسيلة لوقف التعاون مع الحكومة ودعا أبناء مدينته إلى الحذو حذوه. وقد شكّلت محاضرة ثورو، التي حملت عنوان “حقوق وواجبات الفرد إزاء الحكومة”، أساس مقالته عام 1849، “مقاومة الحكومة المدنية”. في عام 1866، وبعد أربع سنوات من وفاة ثورو، أُعيد نشر المقال تحت عنوان “العصيان المدني”. يعتقد بعض الباحثين أنّ العنوان الجديد قد منحتْه شقيقته صوفيا، التي كانت المنفذة الأدبية الوحيدة له والمحرّرة الوحيدة لأعماله المنشورة بعد وفاته (فيدوركو، 2016). ومع ذلك، قدّم باحثون آخرون أدلة تثبت أنّ ثورو نفسه كان له دورًا تحريريًا في نسخة 1866 (داوسون، 2007).
بينما رأى ثورو مركّب “المدني” في مصطلح العصيان المدني على أنّه تعبير عن العلاقات السياسية بين المواطنين وحكومتهم المدنية، فإنّ معظم الباحثين والناشطين اليوم يربطون “المدنية” بالتحضّر – أي ضبط النفس الضروري للتعايش في مجتمعات تعدّدية.
تتناول الأقسام الفرعية التالية السمات الأساسية للعصيان المدني.
1.1 العصيان المبدئي
خرق القانون: أولًا، لكي يُعتبر الفعل عصيانًا مدنيًا، يجب أن ينطوي على خرقٍ للقانون. ولا يُعدّ العصيان المدني بهذه الشرطية بحد ذاته جريمة في المجتمعات الديمقراطية. فعندما يُعاقَب الشخص الذي يمارس العصيان المدني بموجب القانون، فإنّه لا يُعاقب بسبب “العصيان المدني” بحدّ ذاته، بل بسبب المخالفات القانونية المُعترف بها والتي يرتكبها، مثل الإخلال بالنظام، أو التعدّي على ممتلكات الغير، أو إلحاق الضرر بالممتلكات، أو الاعتصام، وانتهاك الأوامر القضائية الرسمية، أو الترهيب، وما إلى ذلك.
عندما يخرق من يمارس العصيان المدني القانون الذي يعارضه بشكلٍ مباشر – كما فعلت روزا باركس عندما خالفت قانون مدينة مونتغمري، ألاباما، الذي كان يُلزم الأمريكيين من أصل إفريقي بالجلوس في مؤخرة الحافلات العامة وإخلاء مقاعدهم للركاب البيض إذا امتلأت المقاعد الأمامية – فإنّهم ينخرطون في عصيانٍ مدني مباشر. على النقيض من ذلك، عندما يخرق النشطاء قانونًا لا يعارضونه بحدّ ذاته، بل من أجل التعبير عن احتجاجهم على قانون أو سياسة أخرى – مثل المتظاهرين المناهضين للحرب الذين ينظمون اعتصامات في المباني الحكومية – فإنهم ينخرطون في عصيانٍ مدني غير مباشر. يُعد هذا التمييز بين العصيان المدني المباشر وغير المباشر مهمًا بشكل خاص في فحص دستورية القوانين، إذ لا يمكن الطعن في قانون أمام المحكمة دون انتهاكه فعليًا. على الرغم من أنّ بعض الباحثين يجادلون بأنّ العصيان المدني المباشر أفضل من نظيره غير المباشر لأنّه أكثر وضوحًا كعمل احتجاجي ضد القانون الذي تم انتهاكه (سي. كوهين 1966، 4-5)، إلا أنّ معظم الباحثين يحافظون على مقبولية العصيان غير المباشر نظرًا لأنه لا يمكن عصيان جميع القوانين أو السياسات الظالمة بشكلٍ مباشر (م. كوهين 1970، 109-110؛ راولز 1999، 320؛ براونلي 2012، 19-20). على سبيل المثال، إذا كان القانون يحظر زواج المثليين في ولاية معينة، فلن يتمكن زوجان من نفس الجنس من عصيانه بمجرد الزواج. بالمثل، لا يستطيع نشطاء حركة “حياة السود مهمّة” عصيان وحشية الشرطة، أو عمليات التوقيف والتفتيش، أو تبرئة ضباط الشرطة الذين قتلوا السود العُزّل، بشكلٍ مباشر. بالإضافة إلى ذلك، حتى عندما يكون بإمكان شخص ما ممارسة العصيان المدني المباشر، فقد يكون ذلك مرهقًا للغاية أو ذا عواقب وخيمة، كما في الحالات التي يكون فيها العقاب على الانتهاك قاسيًا جدًا.
المبدئية: لكي يُعتبر انتهاك القانون عصيانًا مدنيًا، يجب أن يكون فعلًا متعمّدًا، ومبدئيًا، وواعياً، بحيث يمكن تمييزه عن الجرائم الجنائية العادية. فلا يمكن اعتبار العصيان المدني غير مقصود (مثل أن ينتهك شخص ما القانون عن جهل غير مقصود)، بل يجب أن يكون الفعل متعمدًا. يمكن التمييز بين العصيان المدني المبدئي والجرائم الجنائية العادية من خلال فحص الدوافع الكامنة وراء الفعل. يجب أن يكون دافع الشخص الاحتجاج على القوانين أو السياسات أو المؤسسات أو الممارسات التي يعتقد أنها غير عادلة، استنادًا إلى قناعاته الأخلاقية أو السياسية الصادقة. قد لا يكون الشخص على حق تمامًا أو معقولًا بالكامل في آرائه، لكنه مخلص لقناعاته. بهذه الطريقة، يختلف العصيان المدني المبدئي عن الجرائم الجنائية العادية، التي تكون عادة مدفوعة بالمصلحة الشخصية، أو الانتهازية، وغير مبدئية.
الضمير: يُجمع عادةً بين الطابع المتعمّد والمبدئي للعصيان المدني تحت مفهوم الوعي والضمير الحي، حيث يُنظر إليه على أنه يرتبط بـ الجدّية، والإخلاص، وعمق القناعة، والإيثار—وذلك للتمييز بين العصيان المدني وانتهاك القانون لأغراض إجرامية. ومع ذلك، يُشير بعض الباحثين إلى وجود عصيان مدني نابع من المصلحة الشخصية، مثل الاحتجاجات من نوع “ليس في فنائي الخلفي” (على سبيل المثال، احتجاج السكان على بناء طريق سريع يمر عبر منطقتهم)، مما يشكّك في فكرة أنّ كل العصيان المدني نابع من وعيٍ أخلاقيٍ خالص (سيليكاتيس 2016، 38). في المقابل، يُصرّ آخرون أنّ العصيان المدني لا يُشترط أن يكون إيثاريًا: فالفئات المضطهدة لديها بالفعل الكثير لتكسبه من نضالاتها ضد الاضطهاد، بما في ذلك آفاق حياة أفضل، وظروف مادية أفضل، وتعزيز احترام الذات (ديلماس 2019، 183-184). وليس من المستغرب أنّ أشهر الشخصيات في تاريخ العصيان المدني – مثل المهاتما غاندي، وروزا باركس، ومارتن لوثر كينغ الابن، ونيلسون مانديلا – كانوا أعضاءً في الجماعات التي دافعوا عن حقوقها. لكن الضمير – الإخلاص والجدية – لا يتطّلب الإيثار، كما لا ينبغي اعتبار الجريمة العادية بالضرورة أنانية، كما يوضح مثال روبن هود. ومع ذلك، يتحدّى بعض الباحثين أيضًا شرط الجدية من خلال اعتبار، على سبيل المثال، هجمات DDoS (رفض الخدمة الموزع) التي شّنتها مجموعة Anonymous، مثل عملية: الانتقام لأسانج، أعمال عصيان مدني، على الرغم من دوافعها غير الجادة، واللعوبة، و”الساعية إلى المرح” (سيليكاتس ودي زيو 2016، 211-3).
1.2 المدنية
ما الذي يجعل فعل العصيان مدنيًا؟ عادةً ما يرى الباحثون أنّ العصيان المدني يتميّز ببعض أو كل الخصائص الخمس التالية لتعريفه كفعل مدني.
1.2.1 التواصل
عادةً لا يسعى الجاني الذي يرتكب جريمة إلى التواصل مع حكومته أو مجتمعه، لأنه لا يهدف إلى الإفصاح عن جريمته. في المقابل، يُعتبر العصيان المدني فعلًا تواصليًا – نوع من الخطاب الرمزي يهدف إلى نقل رسالة إلى جمهور معين، مثل الحكومة أو الرأي العام. يُنظر إلى العصاة المدنيين على أنهم يساهمون في النقاش العام من خلال تقديم حججهم. عادةً ما تكون رسالتهم دعوة للإصلاح أو الإنصاف، ويكون جمهورهم المستهدف هو الأغلبية. يُوصف العصيان المدني بطرقٍ مختلفة، منها أنّه فعل “يخاطب فيه المرء شعور الأغلبية بالعدالة” (راولز 1999، 320)، و”دعوة لإعادة النظر” (سينجر 1973، 84-92)، و”نداء رمزي… إلى قدرة الأغلبية على التفكير والشعور بالعدالة” (هابرماس 1985، 99). حتى عندما يُوسّع الباحثون نطاق المعايير المركزية للعصيان المدني، فإنهم يُجمعون على أن العصيان المدني هو في جوهره تواصلي. بالمقارنة، لا تُعتبر بعض أشكال العصيان المبدئي بالضرورة تواصلية. على سبيل المثال، يهدف إنقاذ الحيوانات في المقام الأوّل إلى تخفيف معاناة الحيوانات، وليس إرسال رسالة سياسية مباشرة. أما تكتيك التخريب البيئي المعروف باسم “تقليم الأشجار” فيهدف بشكلٍ رئيسي إلى منع أو إيقاف قطع الأشجار (دلماس ٢٠١٨أ، ٤٤-٤٥). وبالرغم من أنه يمكن تفسير هذه الأفعال في ضوء الرسائل التي قد تحملها، فإن إيصال هذه الرسالة لا يُعتبر هدفًا أساسيًا في كل حالة.
1.2.2 العلنية
وفقًا للعديد من الآراء، لا ينبغي أن يكون العصيان المدني فعلًا تواصليًا فحسب، بل يجب أن يكون علنيًا بطريقة معيّنة أيضًا. ويُقصد بالعلنية جوانب عديدة: (أ) علانية الفعل، (ب) عدم إخفاء هوية الفاعل، (ج) الإبلاغ المسبق عن الفعل المخطّط له، (د) تحمّل المسؤولية عن الفعل، أو (هـ) أن يكون الفعل مستندًا إلى مبادئ عدالة مشتركة معترف بها علنًا. يمكن تصنيف المتطلبات الأربعة الأولى معًا تحت مظلة العلنية كظهور، بينما يمكن تسمية الخامس بالعلانية كنوع من الاستئناف. ونظرًا لأهمّية هذا الشرط الأخير لتبرير العصيان المدني، فسيتم تناوله بشكلٍ موسّع أدناه (الفقرة 3.2). ومع ذلك، يوضح راولز (1999، 321)، على سبيل المثال، مفهوم علانية العصيان المدني من خلال وصفه بأنّه “عمل سياسي”، أي “عمل موجه ومبرّر بالمبادئ السياسية، أي بمبادئ العدالة التي تنظم الدستور والمؤسسات الاجتماعية بشكلٍ عام”، مما يشير إلى أنّ العلانية كاستئناف هي في الواقع جزءٌ من تعريف العصيان المدني.
يجادل راولز وهوجو بيداو (1961، 655)، بأنّ العصيان المدني لا يمكن أن يكون سرّيًا أو خفيًا، بل يجب أن يتم في العلن، وبصورة واضحة، ومع تحذير مسبق للسلطات (المتطلبات 1-3)، بالإضافة إلى تحمل المسؤولية (المطلب 4). الفكرة هنا أنّ العلنية ضرورية لتحقيق الهدف التواصلي للعصيان المدني، وأنّ أي تجاوز لهذه المتطلبات قد يفسد طبيعته كفعل تواصلي. ومع ذلك، رفض بعض النقّاد شرط الإبلاغ المسبق باعتباره معيارًا أساسيًا للعصيان المدني، معتبرين أن الإعلان عن نيّة المخالفة مسبقًا يمنح السلطات فرصة لإفشال الفعل (دوركين 1985، 115؛ سمارت 1991، 206-207). على سبيل المثال، إذا أعلن نشطاء مناهضون للأسلحة النووية مسبقًا عن خططهم للتسلل إلى منشآت عسكرية، فسيتم منعهم ببساطة من تنفيذ عملهم، مما يجعل عدم الإبلاغ المسبق ضروريًا لتحقيق التأثير التواصلي للعصيان المدني.
كما رفض بعض المنظّرين شرط تنفيذ فعل العصيان المدني علنًا أو الكشف عن الهوية أثناء العصيان. يجادل بعضهم بأنّ العصيان المدني يمكن أن يتوافق مع السرية وإخفاء الهوية، طالما أن الفاعلين يتحمّلون المسؤولية لاحقًا عن أفعالهم (غرينوالت 1987، 239؛ براونلي 2012، 160؛ شويرمان 2018، 43-45). على سبيل المثال، يُنظر إلى تسريبات إدوارد سنودن حول برامج المراقبة الجماعية لوكالة الأمن القومي الأمريكية على أنها عصيان مدني، لأنه رغم حصوله على المعلومات وتسريبها بشكلٍ سري، فقد تحمل المسؤولية لاحقًا وقدّم مبرّرات علنية لفعلته (شويرمان 2014، 617-621؛ براونلي 2016، 966). وفقًا لهذا الرأي، فإنّ متطلّب العلنية الوحيد هو تحمّل المسؤولية بعد الفعل، بينما قد تعيق المتطلبات الأخرى (تنفيذ الفعل علنًا، عدم إخفاء الهوية، والإبلاغ المسبق) التواصل الفعاّل للعصيان المدني، ولذلك فهي ليست ضرورية لتعريفه. ومع ذلك، نظرًا لوجود تحفّظات واسعة النطاق على تصنيف الأفعال السريّة والمجهولة كأفعال “مدنية”، مثل مساعدة المهاجرين غير الشرعيين سرًا أو عمليات “الهاكتيفيزم” المجهولة، فإن بعض الفلاسفة (مثل ديلماس 2018a، 44-45) يصرّون على أن العلنية تتطلب على الأقل الانفتاح وعدم إخفاء الهوية وتحمل المسؤولية، ويعتبرون الأفعال السرية غير مدنية، دون أن يحكموا مسبقًا على مدى مشروعيتها.
1.2.3 اللاعنف
كما هو الحال مع العلنية، يُفترض أن يكون اللاعنف عنصرًا أساسيًا في الطابع التواصلي للعصيان المدني، حيث يُعتبر اللاعنف جزءًا من وضوحه كأسلوب مخاطبة/تواصل. يذهب جون راولز إلى أنّ «الانخراط في أعمال عنف يُحتمل أن تُلحق الأذى والضرر يتعارض مع العصيان المدني كوسيلة للخطاب. في الواقع، أيّ انتهاك للحريات المدنية للآخرين يقلل من وضوح الفعل كعمل عصيان مدني» (راولز 1999، 321). (سوف تناقش القيمة الاستراتيجية والتكتيكية للاعنف في الفقرة 3.3). ومع ذلك، يعترض بعض النقاد على فكرة أن العنف يتعارض بالضرورة مع التواصل، بحجة أن بعض أشكال العنف قد تحمل رسالة واضحة وتزيد من الأثر التواصلي للعصيان المدني، خصوصًا عندما يكون العنف رمزيًا أو موجهًا ضد أهداف محددة. على سبيل المثال، يرى البعض أنّ إحراق سيارة شرطة أو تخريب نصب تذكاري كونفدرالي، كما حدث في بعض احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”، يُعبّر عن رفض واضح لوحشية الشرطة والغضب من تقاعس الدولة عن معالجة العنصرية الممنهجة. ويظهر التوافق بين العنف والتواصل بشكلٍ أكبر في حالات العنف الموجه نحو الذات، مثل حرق الذات كفعل احتجاجي: فقد يُقدّم التضحية بالنفس “تعبيرًا بليغًا عن إحباط المحتجّ وأهمية القضايا التي يتناولها” (براونلي 2004، 350). وعلى هذا الأساس، يُنكر بعض الباحثين تمامًا شرط أن يكون العصيان المدني غير عنيف (م. كوهين 1970، 103؛ براونلي 2012، 198-199؛ مورارو 2019، 96-101).
وعلى هذا النحو، لا يرى بعض الباحثين أي تناقض جوهري في مفهوم “العصيان المدني العنيف” بمعزل عن أهدافه التواصلية. إذ يعتبر جون موريل أنّ إقدام شخص على الاعتداء الجسدي على مالك العبيد الذي يطارد عبدًا هاربًا، في مخالفة لقانون العبيد الفارّين لعام 1850، يعد مثالًا على “العصيان المدني العنيف المشروع” (1976، 42-43). وتذهب جينيفر ويلشمان إلى أنّ “العنف، والتهديد بالعنف، والأفعال التخريبية السرّية، والابتزاز، بل وحتى الاعتداء الجسدي” أدوات يمكن للعصيان المدني استخدامها على وجه مشروع لتعطيل الظلم وإحباطه (2001، 105). بيد أن هذا الطرح قد يكون متسرعًا، إذ إنه يغفل ما يبدو أنه صلة جوهرية متينة بين العصيان المدني واللاعنف، حيث إنّ مدنية العصيان المدني تشي بأنها تستلزم اللاعنف. وتكمن المعضلة في تحديد المفاهيم الدقيقة لكلٍ من العنف واللاعنف.
هذه مهمة شاقة جزئيًا نظرًا لرهاناتها السياسية العالية؛ إذ إنّ الاحتجاجات التي تُوصَف بأنها سلمية تكون أكثر عرضة للحصول على قبول إيجابي، بينما تلك التي تُوصَف بالعنيفة تكون أكثر ميلًا إلى تنفير الجمهور ومواجهة قمع عنيف. علاوة على ذلك، كما يشير روبن سيليكيتس، فإن تصنيف الاحتجاجات “بعيد كل البعد عن كونه مجرد ملاحظة محايدة، بل هو دائمًا فعل كلامي مشحون سياسيًا يمكن أن يعيد إنتاج أشكال التهميش والإقصاء التي غالبًا ما تكون عنصرية أو جندرية”، كما أنه يميل إلى خدمة مصالح الأصوات السائدة اجتماعيًا أو المهيمنة (2016، 983). بناءً على ذلك، يُبدي سيليكيتس شكوكه حول جدوى “فئة ثابتة من اللاعنف… في تحليل فلسفي للعصيان يأخذ في الاعتبار واقعه الاجتماعي والسياسي” (المرجع نفسه). ومع ذلك، فإنّ تحديد الفئات الخاصة بالعنف واللاعنف يظل أمرًا مهمًا لمواجهة الاستخدامات المغلوطة لهذه التصنيفات، كما في الحالات التي تعلن فيها الشرطة أن احتجاجًا سلميًا هو “شغب” – وهو أمر شائع الحدوث خلال احتجاجات “حياة السود مهمة” عام 2020 (أكليد 2020).
إحدى طرق تصوّر العنف هي استخدام القوة البدنية مما يسبّب أو يحتمل أن يسبب إصابة (راولز 1999، 321). ومع ذلك، فإنّ الأفعال غير العنيفة أو حتى الأفعال القانونية قد تسبب بشكلٍ غير مباشر ولكن متوقع ضررًا للآخرين أكثر من الأفعال المباشرة للقوة البدنية. قد يكون للإضراب القانوني من قبل عمال الإسعاف أو حاجز طريق على طريق سريع مهم عواقب أشد خطورة من أعمال التخريب البسيطة (راز 1979، 267). يمكن للعنف النفسي أيضًا أن يسبب إصابة للآخرين. يرفض الفلاسفة عادةً أنشودة الطفولة القائلة بأن “العصي والحجارة قد تكسر عظامي، لكن الكلمات لن تؤذيني أبدًا”، مدركين أن الأذى والإصابة لا يأتيان فقط من استخدام القوة البدنية. من ناحية أخرى، يمكن للكلمات أن تحرّض على العنف الجسدي. يمكن للكلمات أيضًا أن تؤذي حتى بدون التهديد بالأذى الجسدي، مثل الإهانة اللفظية والمضايقة، مما قد يقوض شعور المتلقي بالمساواة وقيمة الذات والأمان. إن ما يترتب على العصيان المدني هو أن متطلب اللاعنف يحظر استخدام أساليب من شأنها إلحاق عنف نفسي بالخصوم. إن المواجهات العدوانية المصممة للتشهير والإذلال (بخلاف محاولات إثارة العار من خلال إظهار المعاناة غير المستحقة والاحتكام إلى الضمير) تتعارض مع لُطف العصيان المدني وعدم عنفه.
لا يذكر راولز، ومن غير الواضح ما إذا كان اللاعنف يحظر بعض الأفعال التي لا تؤذي الآخرين جسديًا أو نفسيًا ولكنها لا تزال تسبب الأذى، مثل إتلاف الممتلكات (على سبيل المثال، التخريب)، والعنف ضد الذات (على سبيل المثال، الإضراب عن الطعام)، والإكراه (على سبيل المثال، الاحتلال القسري).
إتلاف الممتلكات: تميل السلطات وكثير من الجمهور وكثير من العلماء إلى تصوّر اللاعنف بشكلٍ صارم، على أنه يستبعد أي ضرر يلحق بالممتلكات (فورتاس 1968، 48-9، 123-6؛ سميث 2013، 3، 33؛ سميث وبراونلي 2017، 5؛ ريغان 2004). قد يفسّر سببان رئيسيان إدراج إتلاف الممتلكات ضمن فئة العنف. أحدهما هو الفهم الليبرالي الكلاسيكي للملكية الخاصة باعتبارها امتدادًا لشخص المرء؛ والآخر هو افتراض أن إتلاف الممتلكات من المرجح أن يؤدي إلى العنف ضد الأشخاص. صاغ جون لوك كلا السببين عندما جادل بأنه “من القانوني للرجل أن يقتل لصًا لم يؤذِه على الإطلاق، ولم يعلن أيّ نيّة على حياته … [لأنه] ليس لدي سبب للافتراض، أنه، الذي يريد أن يسلب حريتي، لن يأخذ كل شيء آخر عندما يكون في سلطته” (لوك 1690، III §18). باعتبار جميع حالات تدمير الممتلكات أعمال عنف، فإن هذا الرأي يثني المرء عن التمييز التقييمي بين الحالات والأساليب والأهداف والغايات المختلفة. ومع ذلك، فليست جميع أضرار الممتلكات متساوية، ولا ينبغي النظر إليها على أنها متساوية: فحرق بطاقة الخدمة الانتقائية احتجاجًا على التجنيد الإجباري لا يعادل حرق الصلبان لتخويف الأمريكيين الأفارقة واليهود؛ وتحطيم نافذة من الزجاج الملوّن تصوّر أشخاصًا مستعبدين في حقل قطن (كما فعل عامل نظافة في جامعة ييل عام ٢٠١٦) لا يعادل تحطيم نوافذ متجر بهدف نهبه. بالنسبة لبعض المفكرين، فإن هذه الاختلافات ليست مجرد مسائل تبرير. فهم يصرّون على أنّ العنف واللاعنف ببساطة لا يستنفدان الاحتمالات الوصفية، وأنه ينبغي لنا أن نفكر في أضرار الممتلكات كفئة مفاهيمية ثالثة متميزة عن الفئتين الأخريين وتتطلب تقييمًا تقييميًا خاصًا بها (شارب ٢٠١٢أ، ٣٠٧؛ ديلماس ٢٠١٨أ، ٤٩، ٢٤٤-٢٤٥). جادل باحثون آخرون بأن اللاعنف قد يشمل الإضرار بالممتلكات (ميليغان ٢٠١٣، الفصل ٢؛ شويرمان ٢٠١٨، ٤٦-٧، ٧٧، ٨٧). ويرى هؤلاء أن بإمكان العصيان المدني الحفاظ على سلميته أثناء انخراطه في تدمير انتقائي للممتلكات، بافتراض أن الضرر طفيف ويرتبط بوضوح برسالة العصيان المدني، كما هو الحال عندما يطرق دعاة السلام مخاريط أنف الرؤوس الحربية.
العنف الذاتي: تشمل الاحتجاجات العنيفة الذاتية تكتيكات مثل خياطة الشفاه، وجرح النفس، والإضراب عن الطعام، وتعريض النفس للعوامل الجوية، والتضحية بالنفس. عندما يُدرج المنظّرون الإضراب عن الطعام ضمن تكتيكات العصيان المدني، فإنّهم غالبًا ما يتجاهلون مسألة توافق العنف الذاتي مع اللاعنف بمفهومه الصحيح، بل يفترضون ببساطة إجابة إيجابية. يُشكك بعض الباحثين في هذه الفكرة، نظرًا لعنف الاحتجاجات المدمرة للذات، وفهم النشطاء لأنفسهم لأفعالهم (انظر دراسة بارغو الإثنوغرافية النقدية لعام ٢٠١٤ حول الإضراب عن الطعام حتى الموت الذي مارسه نشطاء يساريون في السجون التركية بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٧). إنّ الاستثناء الملحوظ للإهمال النظري للعنف ضد الذات هو غاندي (1973، 103-105، 120-125)، الذي اعتقد أن الإضرابات عن الطعام قسرية وعنيفة ولكن الامتناع عن الطعام بسبب الضغط الأخلاقي والصيام الساتياغراهي كان مقنعًا وغير عنيف (شارب 2012أ، 134، 151، 262)؛ وعلى نحو مماثل، فإن التضحية بالنفس يمكن أن تتفق مع اللاعنف ( أهيمسا ) وأن تغذيها الساتياغراها (قوة الحقيقة في اللغة السنسكريتية) في ظل الظروف المناسبة (غاندي 1999، 79.177؛ ميليجان 2014، 295-299).
الإكراه والإقناع: غالبًا ما يُكمل المنظرون النقاش حول التناقض بين العنف واللاعنف من خلال رؤية العنف كوسيلة للإكراه، واللاعنف كوسيلة للإقناع، والاثنين على أنهما غير متوافقين. يمكن تعريف الإكراه بأنه “أي تدخل من جانب وكيل، أ، في خيارات وكيل آخر، ب، بهدف إجبار ب على التصرف بطريقة لم يكن ليفعلها لولا ذلك” (أيتشيسون 2018أ، 668؛ انظر أيضًا مدخل الإكراه ) . على النقيض من ذلك، يتطلب الإقناع بدء حوار مع المحاور بهدف إثارة تغيير في الموقف أو حتى تحوله الأخلاقي. تفرض التكتيكات القسرية تكاليف على المعارضين، على سبيل المثال، يهدف احتلال الأراضي من قبل النشطاء البيئيين إلى منع أو تأخير بناء خط أنابيب النفط. تُعتبر المقاطعات أيضًا تكتيكاتٍ قسريةً لدرجة أنها تفرض تكاليف باهظة على الشركات (من خلال خسارة الإيرادات)، وتتضمن أحيانًا الترهيب والتهديد باستخدام القوة لضمان أقصى قدر من الامتثال للمقاطعة (أوموجا 2013، 135-142). يرى بعض منظري العصيان المدني أن العصيان المدني لا يجوز له اللجوء إلى الإكراه؛ بل يسعه فقط السعي لإقناع خصمه واستمالة ضميره الأخلاقي، مما يستبعد أساليب المواجهة والإكراه (ليفكويتز 2007، 216؛ براونلي 2012، 24).
يؤكد الممارسون وغيرهم من النقاد أن هذه الثنائية بين الإقناع اللاعنفي والإكراه العنيف خاطئة، بحجة وجود ما يُسمى “الإكراه اللاعنفي”، وهو ما يتوافق أيضًا مع هدف الإقناع الأخلاقي. يناشد اللاعنف ضمير الجمهور، من خلال إثارة العار والسخط عند رؤية معاناة من يمارسون العصيان المدني وانضباطهم في مواجهة القمع العنيف. بعد مقاطعة حافلات مونتغمري عامي 1955-1956، التي أطلقت العنان لعنف انتقامي أبيض مُذهل، رأى مارتن لوثر كينغ الابن أن مناشدات الضمير غير كافية دون إحداث اضطراب و”شكل من أشكال القوة القسرية البناءة” (كينغ 1968، 137). كتب (المرجع نفسه): “الإكراه اللاعنفي يُبرز التوتر دائمًا”، مؤكدًا على “الوجه القسري للاعنف” إلى جانب وجهه الإقناعي (ليفينغستون 2020أ، 704؛ انظر أيضًا تيري 2018، 305). أعلن كينغ في “رسالة من سجن برمنغهام”: “الغرض من برنامج عملنا المباشر هو خلق وضع محفوف بالأزمات بحيث يفتح الباب حتمًا للتفاوض” (كينغ 1991). وبالتالي، فإن العمل اللاعنفي هو الوسيلة لتحقيق هدف فرض المفاوضات – وهي “آلية أساسية للتغيير الاجتماعي” (أتاك 2012، 139) – والإقناع – وهي آليته المقابلة للتغيير الأخلاقي والثقافي. وهذا يترك السؤال مفتوحًا عما إذا كانت الهجمات المواجهة التي تستهدف أشخاصًا معيّنين من خلال المضايقة والتشهير و”الاستدعاء” متوافقة مع اللاعنف. وتعتبر مثل هذه الأفعال قسرية، ومثل الإهانات اللفظية، قد يقال إنها تسبب عنفًا نفسيًا للهدف.
1.2.4 عدم التهرب من المسؤولية
يُتوقّع من المشاركين في العصيان المدني عادةً تحمّل مسؤولية مخالفتهم للقانون وقبول العواقب القانونية المترتبة عليه. إنّ تهربهم من العقاب سيجعل أفعالهم جرائم عادية أو أعمال تمرد؛ ويُفترض أن يُظهر استعدادهم للمطالبة بالعقاب تأييدهم لشرعية النظام القانوني و”اهتمامهم الشديد بالقضية المطروحة” (سي. كوهين، ١٩٦٦، ٦؛ انظر أيضًا براونلي، ٢٠١٢، الفصل ١؛ تاي، ٢٠١٧، ١٤٦). إذ يُعدّ عدم التهرّب شرطًا أساسيًا لضميرية الفعل ونبذ العنف في العصيان المدني: فالخضوع لإنفاذ القانون جزء من العرض الدرامي للمعاناة الذي يتطلبه اللاعنف. ومع ذلك، فقد توسّع المنظّرون في شرح هذا الشرط المتعلق بعدم التهرب بطرق مختلفة، حيث جادلوا بشكلٍ متباين بأنّ الوكيل يجب أن (أ) يخضع طواعية للاعتقال والملاحقة القضائية، (ب) يعترف بالذنب في المحكمة، (ج) لا يحاول الدفاع عن جريمته، و/أو (د) لا يشكو من العقوبة التي تلقاها (ديلماس 2019، بحجة أن (أ) فقط هو ما يستلزمه عدم التهرب بالضرورة). يرفض بعض المنظّرين البندين (ب) و(ج)، ويقترحون بدلًا من ذلك أن يُقدِّم الفاعلون دفوعًا ببراءتهم أمام المحكمة، وذلك لإنكار توصيف الدولة لفعل العصيان المدني على أنه جريمة ضد الصالح العام (في هذا الرأي، يجب على العصاة إما أن ينكروا مسؤوليتهم عن ارتكاب الفعل كما زعم المدعي العام أو يعترفوا بالمسؤولية ولكنهم ينكرون المسؤولية الجنائية) (مورارو 2019، 143-7). في الواقع، بينما يُبرز إقرار العاصي المدني “بالذنب” وعدم محاولة الدفاع عن “جريمته” استعداده للتضحية بنفسه، فإنّ إقراره بالبراءة مصحوبًا بدفاع عن فعله قد يكون أكثر فعالية في إيصال قناعاته وإقناع الآخرين، بما في ذلك من خلال طلب إبطال هيئة المحلّفين. في المقابل، يرفض بعض المفكرين البندين (أ) و(د) على أساس أنّه عندما يكون العصيان المدني مبررًا أخلاقيًا، فإن فرض الدولة للعقوبة في حد ذاته يُشكل إشكالية، ويمكن القول إنه غير مسموح به، وبالتالي فإن المزيد من الاحتجاجات ضد اعتقال من يمارس العصيان المدني ومحاكمته وإصدار أحكام عليه أمرٌ مبرر (زين 2002، 27-31). كما لاحظ النقاد أنّ العقوبة قد تكون ضارة بجهود المعارضين من خلال المساس بالمحاولات المستقبلية لمساعدة الآخرين من خلال الاحتجاج (جرينوالت 1987، 239) وأنّ الاستعداد لقبول العقوبة لا يمكن توقعه بشكلٍ معقول عندما يعلم الناشطون أنهم يخاطرون بغرامات باهظة أو أحكام طويلة جدًا بسبب أفعالهم (شيويرمان 2018، 49-51).
1.2.5 حسن السلوك (اللياقة)
وفقًا لبعض الآراء، يعني التحلّي باللّياقة أن يتصرّف ممارسو العصيان المدني بكرامة واحترام من خلال اتباع الأنماط الاجتماعية التقليدية التي تحدّد مظاهر الكرامة وطرق إظهار الاحترام في مجتمعهم. يفسّر بعض المنظّرين مفهوم “المدنية” بأنه احترام لـ”المعايير المدنية الدنيا” (ميلليغان 2013، الفصل 2)؛ بينما يرى آخرون أن آداب السلوك تُعتبر مطلبًا إضافيًا وغير صريح للمدنية يتماشى مع تجليات ضبط النفس (ديلماس في چدام وآخرون 2020، 524–525). ويمكن فهم آداب السلوك على أنها تمنع التصرفات التي قد تُعتبر مسيئة أو مُهينة أو فاحشة (مع اختلاف معايير كل منها بشكل واسع بين الثقافات). ومن وجهة نظر شويرمان، اعتقد غاندي وكينغ، – ليس الليبراليون ولا الديمقراطيون – أنّ للأدب واللياقة دورًا يلعبانه (2018، 11-31). ومع ذلك، فإنّ أحد الأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بأنّ اللّياقة قد تسرّبت إلى الفهم الشائع للعصيان المدني هو أنّها تساعد في تفسير سبب حرمان بعض الاحتجاجات التي قامت بها فرق مثل “بوسي رايوت”، و”آكت أب”، و”حركة حياة السود مهمة”، وغيرها، والتي كانت واعية، وتواصلية، وعلنية، وغير عنيفة، وغير مراوغة، من صفة المدنية: أي لأنّ المتظاهرين صرخوا على خصومهم، وعبّروا عن غضبهم، واستخدموا لغة مسيئة، أو أساءوا إلى المواقع الدينية (ديلماس 2020، 18-9). غير أن النقاد ينفون ضرورة أن يكون العصيان المدني متماسكًا في سلوكه ويعارضون رفض المدنية، إذ تُستخدم تلك الرفضيات غالبًا لإسكاة النشطاء (هاركورت 2012؛ زيريلي 2014)، ويرون أن تعبيرات الغضب والعروض المسيئة أو الفاحشة تتوافق مع مفهوم المدنية، ويصرون على فصل سياسة “الاحترام” عن العصيان المدني (شيرمان 2019، 5–7؛ چدام وآخرون 2020، 517–518؛ بينيدا 2021أ، 161–163).
1.3 الإخلاص للقانون
ما الذي يميّز فعل العصيان المدني؟ وفقًا لبعض التفسيرات، فإنّ الفعل الذي يستوفي معايير المدنية المذكورة سابقًا، لا سيّما عدم التهرب، يُعبّر عن احترام العصاة المدنيين للنظام القانوني الذي ينفذون فيه احتجاجهم، مما يميزهم عن المخالفين العاديين والعناصر الثورية (راولز 1999، 322). يُنظر إلى إظهار الإخلاص للقانون من خلال الالتزام بمقتضيات المدنية على أنّه ضروري لدرء المخاوف من الفوضى أو دحض الانطباع بأن العصاة المدنيين يحتقرون الإجراءات الديمقراطية. ومع ذلك، يشير النقاد إلى أن الفاعلين ليسوا بالضرورة يحترمون، أو لديهم أسباب تدفعهم لاحترام، النظام القانوني الذي يمارسون فيه عصيانهم المدني (ليونز 1998، 33–6). لذلك، من المفيد التفرقة بين السمات الخارجية للفعل العصيان المدني والمواقف الداخلية للعاصي المدني.
يؤكّد العديد من المفكرين على إمكانية تفكيك العلاقة بين مدنية العصيان المدني والإخلاص للنظام القانوني. فمن جهة، قد يلجأ الفاعلون الذين يسعون للإطاحة بالحكومة إلى استخدام تكتيكات مدنية ببساطة لأنها تعتبر وسيلة فعّالة لتحقيق أهدافهم (شارب 2012ب). ومع ذلك، يصر بعض المفكرين على أن هناك صلة قوية بين المدنية والاحترام للنظام القانوني. على سبيل المثال، يستثني بعضهم بعض متطلبات المدنيّة، ولكنهم يرون أن العاصي المدني يمكن أن يظل ملتزمًا بالقانون ويعبر عن احترامه له حتى إذا كان يخالفه سرًا أو يتهرب من العقاب أو يُلحق ضررًا بالممتلكات أو يُثير استياء الجمهور (براونلي 2012، 24–9؛ شيرمان 2018، 49–53؛ مورارو 2019، 96–101). بينما يرى آخرون أنّ من المفيد الحفاظ على الرابط بين مدنية فعل العصيان المدني والإخلاص للقانون، بغض النظر عن تأييد الفاعلين لشرعية النظام أم لا، طالما أن الاعتدال الذي ينطوي عليه العصيان المدني هو ما يميز مكانته في الثقافة الديمقراطية (سميث 2013، 32–5؛ ديلماس 2019، 173–4).
في المقابل، يرفض بعض المنظّرين فكرة ضرورة إظهار العصاة المدنيين لإخلاصهم للقانون، مُتَبنين ما يسميه شيرمان (2015) “التحوّل المناهض للقانون”. وفقًا لتفسيرات حديثة (براونلي 2012، الفصل 1؛ مورارو 2019، الفصل 2؛ إم. كوك 2021)، يتحقّق مفهوم مدنية العصيان عندما يسعى الفاعلون للتواصل مع الجمهور والانخراط في المجال العام. وفي إطار الفهم الجذري، يتوافق العصيان المدني مع تكتيكات قد يُنظر إليها على أنها غير مدنية بسبب طابعها التصادمي أو حتى العنيف، مثل التعطيل الجماعي، وتدمير الممتلكات، واستخدام القوة المضبوطة في الدفاع عن النفس، مع استثناء المواجهات شبه العسكرية (سيليكيتس 2021، 143).
يرتبط هذا التحول المناهض للقانون بما يمكن أن نسميه “التحوّل النقدي” في دراسة العصيان المدني. فلم يقتصر الأمر على أنّ المنظّرين ينتقدون الفهم الليبرالي للعصيان المدني بوصفه ضيّقًا ومقيّدًا (كما فعل منتقدو راولز المعاصرون)، ويطرحون مفهومًا أكثر شمولًا، بل إنهم أيضًا يسلّطون الضوء على الأيديولوجيا التي تدعم الفهم السائد، ويكشفون الطرق التي تشوّه بها الواقع الفعلي لهذه الممارسة، وتثبط المقاومة، وتدعم الوضع الراهن (سيليكيتس 2014، 2016؛ ديلماس 2018أ، الفصل 1؛ بينيدا 2021ب، الفصل 1). في هذا السياق، أعاد العديد من الباحثين تقييم الإرث المعقد لكل من ثورو وغاندي في تقليد العصيان المدني، ليس فقط لإظهار سوء استخدام كتاباتهما حول المقاومة السياسية، بل أيضًا للدعوة إلى إعادة استيعاب رؤاهما وتقديرها (مانتينا 2012؛ هانسون 2021؛ ليفينغستون 2018؛ شيرمان 2018، الفصول 1 و4). كما أعاد الباحثون النظر في السجل التاريخي لحركة الحقوق المدنية الأمريكية لاستكشاف الفهم الجذري للعصيان المدني الذي صاغه الفاعلون أنفسهم، بدلًا من النسخة الرومانسية والمطهّرة التي تهيمن على التصورات العامة للحركة (هوكر 2016؛ ليفينغستون 2020أ، 2020ب؛ بينيدا 2021ب، الفصول 2–5؛ مانتينا 2018؛ وشيلبي وتيري 2018). ولا تقتصر أهمية تصحيح السجل التاريخي على الدقة التاريخية فحسب، بل لأنّه أيضًا يُستخدم معيارًا للحكم على الحركات الاحتجاجية المعاصرة، مثل “حياة السود مهمة”، حيث تتم مقارنة النشطاء اليوم بشكل غير مواتٍ بمعيار مثالي، مما يؤدي إلى تحيز الرأي العام ضدهم.
2. أنواع أخرى من الاحتجاج
على الرغم من أنّ العصيان المدني يتداخل في كثير من الأحيان على نطاق واسع مع أنواع أخرى من المعارضة والاحتجاج، إلا أنّه من الممكن مع ذلك استخلاص بعض التمايزات بين السمات الرئيسية للعصيان المدني والسمات الرئيسية لهذه الأشكال الأخرى من ممارسات الاحتجاج.
2.1 الاحتجاج القانوني
الفرق الواضح بين الاحتجاج القانوني والعصيان المدني هو أنّ الأول يقع ضمن حدود القانون، بينما الثاني لا. تشمل الطرق القانونية للاحتجاج، من بين أمور أخرى عديدة، إلقاء الخطب، وتوقيع العرائض، والتنظيم من أجل قضية ما، والتبرع بالمال، والمشاركة في المظاهرات المرخصة، والمقاطعة. قد يُصبح بعض هذه الطرق غير قانوني، على سبيل المثال عندما تُعلن جهات إنفاذ القانون تجمّعًا غير قانوني وتأمر الحشد بالتفرّق، أو بموجب تشريعات مكافحة المقاطعة. كما قد تُعتبر بعض القضايا غير قانونية، بحيث لا يُمكن الارتباط بها أو التبرع لها (مثل الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة). يمكن العثور على معظم السمات التي يتميز بها العصيان المدني – بخلاف عدم قانونيته – في الاحتجاج القانوني؛ فهي تعبّر عن شكل واعٍ وتواصلي من الاحتجاج، ورغبة في إحداث تغيير دائم في السياسات أو المبادئ من خلال الحوار الأخلاقي، ومحاولة للتوعية والتثقيف، وما إلى ذلك.
2.2 عدن التزام موظف عام بالقواعد
يُعدّ تجاوز السلطات للقواعد ممارسةً مختلفةً عن العصيان المدني، وإن كانت مرتبطةً به. ويُقصد به في جوهره قرارٌ متعمدٌ من قِبَل مسؤول، لأسبابٍ ضميرية، بعدم أداء واجبات منصبه (فاينبرغ 1992، 152). فإذا إذا كان خرق المسؤول لواجبٍ مُحددٍ أكثر انسجامًا مع روح المنصب وأهدافه العامة من الاحترام المُتأنّي لواجباته الخاصة، فقد يُقال إنّ الأول يلتزم بمتطلبات المنصب أكثر من الثاني (غرينوالت 1987، 281). يُشبه تجاوز القواعد العصيان المدني في كون كلاهما يُعبّر عن انفصال الفاعل عن سياساتٍ وممارساتٍ مُعينة وإدانته لها. يختلف العصيان المدني والانحراف عن القواعد بشكلٍ رئيسيٍّ في هوية مُمارسيهما وشرعيتهما. أولًا، بينما عادةً ما يُمارس تجاوز القواعد من قِبَل موظفٍ تابعٍ للدولة (بما في ذلك المواطنون العاملون في هيئات المحلّفين)، فإنّ العصيان المدني عادةً ما يُمارسه المواطنون (بما في ذلك المسؤولون الذين يتصرفون بصفتهم مواطنين عاديين وليس بصفتهم الرسمية). ثانيًا، بينما يُرتكب العصيان المدني بانتهاك صريح للقانون، فإن المسؤول الذي ينحرف عن القواعد المرتبطة بدوره لا ينتهك القانون عادةً—إلا إذا كانت القاعدة التي ينتهكها مقنّنة أيضًا في القانون. على سبيل المثال، قد يرفض المحلّفون إدانة شخص لمخالفته قانونًا غير عادل. وعندما يفعلون ذلك، فإنهم يُبطلون القانون. ومع ذلك، يحظر العديد من القضاة أي ذكر لإبطال هيئة المحلفين في قاعات محاكمهم، بحيث لا يُسمح لأعضاء هيئة المحلفين بنصح بعضهم البعض بإمكانية رفض الإدانة (بروكس 2004).
2.3 الاعتراض الضميري
يمكن تعريف الاعتراض الضميري بأنّه رفض الامتثال لقاعدة أو أمر أو توجيه قانوني ما على أساس معارضة شخصية له. تشمل الأمثلة رفض المجندين للخدمة في الجيش؛ ورفض الموظفين العموميين إصدار تراخيص زواج المثليين؛ ورفض الآباء تطعيم أطفالهم وفقًا لما ينص عليه قانون الولاية. لا يمكن تمييز الاعتراض الضميري للموظفين العموميين عن الخروج عن القواعد بقدر ما يرفض الموظف أداء مجموعة الواجبات المرتبطة بدوره الرسمي. قد ينبع عدم امتثال المستنكفين ضميريًا من أنواع مختلفة جدًا من الدوافع: فالسلمية الدينية للمجنّد أو المعارضة الأخلاقية والسياسية لحرب معينة أو احتلال عسكري، على سبيل المثال، لا تشترك كثيرًا مع المعتقدات شبه العلمية لمعارضي التطعيم. ولكن، في كثير من الآراء، يكون الاعتراض الضميري ضميريًا بالمعنى المحدد أعلاه، أي صادقًا وجادًا ويعكس عمق قناعة الشخص. من وجهة نظر أخرى، عندما يسعى المعترض إلى الحفاظ على سرية تصرفه وتجنب الكشف عنه، فإنّ ذلك يُلقي بظلال من الشك على صدقه وجديته (براونلي ٢٠١٢، الفصل ١). كاعتراض، يشترك الاعتراض الضميري مع العصيان المدني في معارضة الفاعل للقانون، إذ يرفض المعترض الضميري الامتثال للقانون لأنه يعتبره سيئًا أو خاطئًا، كليًا أو جزئيًا، وبالتالي يسعى إلى التملص منه.
غالبًا ما يُعتبر الاعتراض الضميري النظير الخاص للعصيان المدني: فعندما يخاطب العاصون المدنيون الجمهور، ويتحركون بدافع من اعتبارات العدالة العامة ويلجأون إليها، ويسعون إلى إحداث الإصلاح، يُفترض أن يكون المستنكفون ضميريًا مدفوعين بقناعات شخصية وأن يسعوا ببساطة إلى الحفاظ على سلامتهم الأخلاقية من خلال الحصول على الإعفاء (سميث وبراونلي 2017). على سبيل المثال، يُعد رفض شهود يهوه لتحية العلم مسألة تتعلق بالأخلاقيات الدينية الخاصة؛ فهم لا يسعون إلى إلغاء ممارسة تحية العلم لكافة المواطنين. مثالهم مفيد بطريقة أخرى: رفض شهود يهوه محمي قانونيًا. الاعتراض الضميري، على عكس العصيان المدني، ليس بالضرورة غير قانوني. في الواقع، يحمي القانون المستنكفين ضميريًا في العديد من السياقات، بما في ذلك في الجيش والرعاية الصحية، من خلال منحهم إعفاءات.
يُميّز بعض المفكرين بين الاستنكاف الضميري والتهرّب الضميري، مُشددين على ضرورة عدم المبالغة في الخصائص الشخصية والخاصة للأوّل. غالبًا ما يتصرف المستنكفون ضميريًا علنًا وبلا هوية، ويتحملون مسؤولية أفعالهم غير المتوافقة مع القانون من خلال محاولة تبريرها للسلطات أو استعدادهم لذلك. إلى هذا الحد، يُمكن القول إنهم يستوفون شرط “الظهور العلني”. في المقابل، يُمارس بعض الأفراد استنكافهم الضميري سرًا وبطريقة مُراوغة باعتباره تهربًا ضميريًا. على سبيل المثال، قد يرفض الشاب المُجند لخوض حرب يُعارضها الخدمة علنًا ويُعتقل ويُتهم برفضه، أو يتهرب سرًا من التجنيد بالاختفاء دون إذن. في حين أن التهرب الضميري يتعارض مع نية التواصل، فقد يكون للاستنكاف الضميري جانب عام أو تواصلي، كما فعل ثورو بوضوح في رفضه الضميري لدفع الضرائب، بطريقة تُطمس الفرق مع العصيان المدني. علاوة على ذلك، عندما يتخذ العديد من الناس مثل هذه الإجراءات – كما هو الحال غالبًا – فإن تأثيرها الجماعي قد يُقارب نوع الاحتجاج التواصلي المُتمثل في العصيان المدني (دلماس ٢٠١٨أ، الفصل ٧). في هذا السياق، تُسلّط إيمانويلا سيفا (٢٠١٥) الضوء على الطابع العام والسياسي للاعتراض الضميري (ما نُسميه أعلاه “الدعاية كوسيلة استقطاب”)، والذي تُصوّره على أنه “شكل من أشكال المشاركة السياسية”.
2.4 عصيان الهجرة
لقد اندمجت الكتابات حول الهجرة والعصيان المدني لتشكيل مجال بحث مخصص للعصيان المبدئي استجابةً للسياسات المناهضة للهجرة. تُركّز إحدى وجهات النظر على ما ينبغي على الجهات الفاعلة فعله بشأن الهجرة، وتدرس مختلف أساليب المقاومة غير القانونية، بما في ذلك التهرب والخداع واستخدام القوّة ضد مسؤولي الدولة والتهريب (هيدالغو 2019، الفصلان 5-6). وترى وجهة نظر أخرى الهجرة غير الشرعية شكلاً من أشكال مقاومة الفقر العالمي (بلانت 2019، الفصل 4)، بينما ترى وجهة نظر ثالثة أنّ عبور الحدود غير المصرح به نوع من التهرّب الضميري (كابريرا 2010، 136-143، 165). ومن المفيد أيضًا التمييز بين العصيان المدني العابر للحدود والعصيان المدني العالمي. العصيان المدني العابر للحدود الوطنية (أو عبر الدول) هو انتهاك مبدئي لقانون أو سياسة دولة ما (أ) من قبل أفراد ليسوا مواطنين أو مقيمين دائمين مصرح لهم في تلك الدولة، مثل طالبي اللجوء الذين يسيرون من المجر إلى النمسا ضد لوائح الاتحاد الأوروبي؛ أو (ب) من قبل مواطني الدولة نفسها نيابة عن غرباء، مثل المواطنين الأمريكيين النشطين في حركة الملاذ الذين قدموا مساعدة غير قانونية لطالبي اللجوء من أمريكا الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي. ينطوي كلا النوعين من القضايا في جوهرها على “الادعاء المبدئي … بأنّ قانون الدولة غير متوافق مع المبادئ الأخلاقية الأساسية للنظام العالمي الحالي” (كابريرا 2021، 322). تنطوي أعمال العصيان المدني العالمي، من هذا الرأي، على “ادعاءات تتضمّن مبادئ هيكلية للنظام العالمي نفسه، على أنها غير متوافقة مع مبادئه الأخلاقية الأساسية” (كابريرا، المرجع نفسه). على سبيل المثال، عندما يحتجّ اللاجؤون في فرنسا علنًا على استبعادهم الاجتماعي والسياسي والقانوني من خلال احتلالهم ومظاهراتهم وإضرابهم عن الطعام، فقد يُنظر إليهم على أنهم منخرطون في أعمال عصيان مدني عالمي. ومن الفئات المفيدة الأخيرة للعصيان المبدئي المتعلق بقيود الهجرة، على الرغم من تداخله مع تجاوز القواعد والاعتراض الضميري، العصيان الرسمي أو المحلي، كما هو الحال عندما تُعلن السلطات المحلية نفسها “مدن ملاذ” لحماية المهاجرين برفضها التعاون مع السلطات الفيدرالية (بليك وهيرث 2020، 468-471. انظر أيضًا أبلباوم 1999، الفصل 9 حول “العصيان الرسمي” وشورمان 2020 حول “العصيان المدني على مستوى الدولة” أو “العصيان المدني المؤسسي السياسي”).
2.5 العصيان الرقمي
لقد غيّرت الرقمنة – الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنت – ليس فقط حياتنا وتفاعلاتنا، ولكن أيضًا كيفية ممارستنا للاحتجاج. من القرصنة إلى هجمات DDoS ومن البرمجة مفتوحة المصدر إلى حزم الرعاية الرقمية (التي توفر أدوات للتحايل على الرقابة والمراقبة)، ظهر العصيان الرقمي كأرضية غنية للبحث النظري. يختلف العلماء حول تطبيق السمات المحدّدة للعصيان المدني على البيئة الرقمية، على سبيل المثال، ما إذا كانت إجراءات DDoS من جانب الفاعل، والتي تنطوي فقط على شبكات بوت نت طوعية، ترقى إلى “اعتصامات افتراضية”؛ ما إذا كان يمكن اعتبار النشطاء الهاكرز مثل Anonymous معصين مدنيين على الرغم من أفعالهم السرية والمراوغة، وميلهم إلى المقالب، واختيارهم لأفراد معينين للتشهير بهم والانتقام (كما في عملية هانت هانتر التي استهدفت قطب “الإباحية الانتقامية” هانتر مور)؛ أو ما إذا كان استخدام شبكات بوت نت الزومبي في هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة وتكلفة تحديث أنظمة الأمن للهدف يدل على انتهاك اللاعنف (انظر، على سبيل المثال، فرقة الفن النقدي 1998؛ همة 2006؛ شورمان 2018، الفصل 6؛ سيليكاتس 2015، 2016؛ سوتر 2016؛ دلماس 2018 ب؛ زوغر 2021)..
بصرف النظر عن هذه النقاشات، من المفيد التمييز بين مختلف أنواع الأدوات والمواقع والاستراتيجيات والأهداف الرقمية. أولًا، يستخدم النشطاء التكنولوجيا الرقمية كأدوات للتنظيم والتوثيق والتواصل وجمع التبرعات واتخاذ القرارات. على سبيل المثال، يستخدم نشطاء حركة “حياة السود مهمة” وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لقضيتهم، ورفع مستوى الوعي بالعنصرية الممنهجة، ونشر وقائع وحشية الشرطة. كما يستخدمون منصات التمويل الجماعي لجمع التبرعات لتغطية الكفالة والنفقات القانونية الأخرى للمعتقلين. ويشجعون الناس على استخدام تطبيقات ماسح الشرطة لمراقبة أنشطة الشرطة، وتطبيقات المساعدة القانونية لتسجيل اللقاءات مع مسؤولي إنفاذ القانون. ثانيًا، يُعدّ العالم الرقمي بحد ذاته موقعًا وهدفًا أساسيًا للنشاط. يتصور النشطاء الهاكرز إنترنتًا مختلفًا – إنترنت ديمقراطيًا وخاضعًا لسيطرة ديمقراطية، حرًا، يحترم الخصوصية، ومبدعًا. يحتجون على البنية الرقمية للمراقبة والتحكم التي فُرضت على مستخدمي الإنترنت دون موافقتهم. على سبيل المثال، أطلق عدد من المواقع الإلكترونية ومحركات البحث والمجتمعات الإلكترونية إجراءات منسقة في عام 2012 للاحتجاج على قانون وقف القرصنة عبر الإنترنت (SOPA) وقانون حماية الملكية الفكرية (PIPA)، اللذين اعتبروا نطاقهما الواسع تهديدًا لحرية التعبير عبر الإنترنت. ثالثًا، ظهرت بعض الاستراتيجيات الرقمية الصحيحة للعصيان المبدئي، مثل إجراءات DDoS وتشويه الويب والقرصنة. على سبيل المثال، أنشأت شبكة No Border موقعًا إلكترونيًا مزيفًا لشركة Lufthansa يروج لـ “خدمة فئة الترحيل … الطريقة الأكثر اقتصادية للسفر حول العالم” (“تطبق قيود خاصة … لا تتوفر رحلات ذهابًا وإيابًا”). تجمع حركة الوصول المفتوح، التي تدافع عن برمجيات مفتوحة المصدر ومستودع مفتوح المصدر للبحث الأكاديمي والعلمي، بين الأبعاد الثلاثة للعصيان الرقمي: فهي تستخدم أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالشبكة للتنظيم والتواصل؛ وتسعى إلى تحقيق إنترنت مجاني يتميز بالتدفق الحر للبرمجيات والعلوم والثقافة وقد طورت منصة سياسية متماسكة في دفاعها؛ وتُطبّق استراتيجيات رقمية سليمة، مثل التنزيلات غير القانونية ومشاركة الملفات بين الأقران (وهو أمر غير قانوني عندما يكون المحتوى المُحمّل عبر التورنت مادةً محميةً بحقوق الطبع والنشر). تُجسّد حركة الوصول المفتوح حركةً جماهيريةً عامةً تضمّ مهووسي التكنولوجيا والقاعدة الشعبية، لا تكتفي بتعزيز الحوكمة الديمقراطية على الإنترنت فحسب، بل تُطبّقها أيضًا داخل الحركة (سوارتز 2008 [مصادر أخرى على الإنترنت]؛ دلماس 2018 ب، 79-80).
2.6 العصيان غير المدني
لا يُعد العصيان غير المدني فئة مستقلة من الفعل السياسي، بل هو مفهوم أو مصطلح جامع يُستخدم للإشارة إلى أفعال عصيان مبدئية قد تكون تواصلية أو غير تواصلية، وتنتهك واحدة أو أكثر من علامات التحضر من خلال كونها سرية، أو عنيفة، أو مراوغة، أو هجومية (دلماس 2018 أ، 2020؛ لاي 2019). تشمل الأمثلة على ذلك: إنقاذ الحيوانات، وتقديم المأوى للمهاجرين غير النظاميين، والتخريب، والتخريب البيئي (مثل تخريب الأدوات أو دق المسامير في الأشجار)، والكتابة على الجدران، وتسريب المعلومات، وكشف المخالفات الحكومية، والنشاط الإلكتروني (بما في ذلك هجمات الحرمان من الخدمة DDoS)، والاحتجاجات غير النظامية، وأعمال الشغب.
لا تشترك هذه الأفعال في خاصية جوهرية واحدة سوى انتهاكها لواحد أو أكثر من المعايير المتعارف عليها للتحضّر. لذلك، يجب فحص كل شكل من أشكال العصيان غير المدني على حدة، من حيث المفهوم والتقييم. من خلال تأطير العصيان غير المدني كمفهوم مستقل، يسعى الباحثون إلى مقاومة النزعة النظرية التي تميل إلى توسيع مفهوم “العصيان المدني” ليشمل أشكال احتجاج يُتفق معها من الناحية الأخلاقية، لكنها لا تنسجم مع التعريف الكلاسيكي للعصيان المدني، وربما لا تعكس حتى فهم الناشطين الذاتي لممارساتهم.
على سبيل المثال، في خطابها عام 1913 بعنوان “الحرية أو الموت”، وصفت الناشطة في حق التصويت للنساء، إيميلين بانكهيرست، نفسها بأنها “جندية” في “حرب أهلية” تُخاض ضد الدولة، ودافعت عن استخدام التكتيكات القتالية مثل: المقاطعة، وتكسير النوافذ، والتخريب، والحرق العمد، والإضرابات عن الطعام. فالتحدي الجذري بحد ذاته كان الهدف من هذه التكتيكات غير المدنية. يُتيح تصنيف بعض أفعال العصيان المبدئي باعتبارها غير مدنية، المجال للتركيز على مبرّراتها الأخلاقية والسياسية. فقد دافع عدد من الباحثين عن هذا النوع من العصيان غير المدني، بما في ذلك: أعمال الشغب السياسية (باسترناك 2019)، والتخريب (ليم 2020؛ لاي 2020)، والاحتجاج العنيف (كلينج وميتشل 2019)، وتكتيكات الإضراب القسري (جوريفيتش 2018)، والعمل المباشر (سميث 2018).
2.7 العمل الثوري
بينما لا يُشترط أن يعارض الشخص الذي يمارس العصيان المدني النظام السياسي القائم، فإن الفاعل الثوري يعارض ذلك النظام (أو أحد أركانه الأساسية) بشكل جوهري. لا يسعى الفاعلون الثوريون بالضرورة إلى إقناع الآخرين بصحة موقفهم – فالتواصل ليس هدفهم الأساسي غالبًا، وإن كانوا يُعبرون عن إلحاح الحاجة إلى تغيير النظام. عندما يكون من الضروري القيام بثورة – كما هو الحال في ظل الاحتلال الاستعماري – لا تكون هناك حاجة لتبرير أفعال احتجاجية مقيّدة كالعصيان المدني. بل، يمكن تبرير أشكال أكثر حدة من المقاومة عند الانتقال إلى إطار نظرية الحرب العادلة (Buchanan 2013؛ Finlay 2015). وهذا لا يعني أن جميع الأساليب العنيفة، بما في ذلك الإرهاب، مسموح بها، إذ يجب أن يكون استخدام العنف في سبيل قضية عادلة ملتزمًا كذلك بمبادئ التناسب والضرورة (أي أن يُلجأ إليه كخيار أخير ومع وجود احتمال معقول للنجاح). كما سيتم مناقشته في القسم التالي، اختلف المناضلون والمفكرون الثوريون مثل فرانز فانون (2004، الفصل الأول) والمهاتما غاندي حول فعالية العنف في نضالات التحرر، لكنهم لم يختلفوا حول مدى مشروعيته، كما أوضحت كارونا مانتينا (2018، ص 83–84).
3. التبرير
عادةً ما تُطرح مهمة الدفاع عن العصيان المدني على افتراض أن الناس في المجتمعات الليبرالية العادلة نسبيًا لديهم واجب أخلاقي عام بطاعة القانون (ويُشار إليه غالبًا بالالتزام السياسي). وعلى أساس هذا الافتراض، يُنظر إلى العصيان المدني على أنه يتطلب تبريرًا. يتناول هذا القسم الفهم السائد لمشكلة العصيان (3.1)، قبل أن يعرض أبرز النظريات والانتقادات المتعلقة بالشروط التي يمكن بموجبها تبرير العصيان المدني (3.2). وسواء افترض المنظرون أن العصيان المدني محظور مبدئيًا ويتطلب التبرير أم لا، فإن تحليلاتهم توضح أيضًا القيمة والدور الذي يلعبه العصيان المدني في الديمقراطيات الليبرالية غير المثالية، سواء كانت قريبة من العدالة أو بعيدة عنها (3.3).
3.1 مشكلة العصيان
قدّم الفلاسفة العديد من الحجج لصالح وجود واجب أخلاقي لطاعة القانون (انظر المدخل الخاص بـ “الالتزام السياسي”). ورغم الانتقادات العديدة والتشكيك العام في الحجج التي تدافع عن هذا الواجب، ولا سيما بعد أطروحات أ. جون سيمونز (1979)، واصل منظّرو العصيان المدني اعتبار عدم قانونية هذا الفعل عقبة يجب تجاوزها (انظر تحليل ليونز 1998 حول استمرار هذا الافتراض الإشكالي). فهم ينظرون إلى العصيان المبدئي بشكل عام على أنه أمر خاطئ مبدئيًا لأنه ينتهك الالتزام السياسي، ويقوّض سيادة القانون، ويزعزع استقرار المجتمع، سواء من خلال المثال، إذ يوحي للآخرين بأنه يمكن لأي شخص أن يعصي القانون متى ما شعر برغبة في ذلك، أو من حيث المبدأ، من خلال إظهار عدم الاحترام لسلطة القانون.
ويجادل بعضهم بأنّ العصيان المدني، على وجه الخصوص، خاطئ مبدئيًا بسبب طبيعته المناهضة للديمقراطية. فالفاعل الذي ينتهك نتائج العمليات الديمقراطية لمجرد اعتراضه عليها، يضع نفسه فوق القانون ويهدد النظامين القانوني والديمقراطي. ويرى البعض في العصيان المدني انتهاكًا لمبدأ المعاملة بالمثل، ونوعًا من “الابتزاز السياسي”، بل ومظهرًا من مظاهر “الدلال الأخلاقي” والغطرسة، نظرًا لأن أقلية لم يُكتب لآرائها النجاح، تتجاهل العمليات الديمقراطية وتفرض رؤيتها الخاصة حول الخير والعدل على الأغلبية (انظر: كوهين 1971، ص. 138–145؛ دوركين 1985، ص. 112؛ وينستوك 2016، ص. 709؛ وللرد على تهمة “الغرور المعرفي”، انظر هندكير مادسن 2021).
شهدت الدراسات الحديثة حول العصيان المدني ما يمكن تسميته بـ “التحول الأناركي”، حيث لم يعد المنظّرون يتناولون العصيان المدني بوصفه أمرًا خاطئًا مبدئيًا أو في توتر مع الالتزام السياسي. فعلى الرغم من أن بعض المنظّرين لا يزالون يدافعون عن هذا الموقف التقليدي (انظر: سميث 2013)، فإن الأغلبية تنطلق من موقف متشكك تجاه الواجب الأخلاقي لطاعة القانون (براونلي 2012؛ تشيليكيتس 2014، 2016). ويدافع البعض عن واجب أخلاقي مزدوج: إما طاعة القانون أو عصيانه بشكل مدني (ليفيكوفيتز 2007). ويذهب آخرون إلى أن الأسس التقليدية التي يُستند إليها لتبرير الالتزام السياسي — مثل الواجب الطبيعي لتحقيق العدالة، ومبدأ الإنصاف، وواجب السامري الصالح، والالتزامات الرابطة — تقتضي بدلاً من ذلك واجبات في مقاومة الظلم، سواء من خلال العصيان المدني أو غير المدني، في ظروف غير مثالية، وينبغي اعتبار هذه الواجبات جزءًا من التزاماتنا السياسية (ديلماس 2018أ). وبالمثل، وفقًا لمقاربة أخلاق الفضيلة، يمكن فهم الالتزام السياسي على أنه التزام باحترام القانون لا بطاعته، وهو ما قد يؤدي أحيانًا إلى نشوء واجب بممارسة العصيان المدني (مورارو 2019، الفصل السادس).
3.2 الشروط التبريرية
انطلاقًا من الافتراض القائل بوجود واجب أخلاقي لدى الأفراد لطاعة القانون، ومن القلق إزاء ما قد ينطوي عليه العصيان المدني من إمكانية زعزعة استقرار المجتمع، قام جون رولز برفع سقف شروط تبرير استخدام هذا الفعل، إذ اشترط أن: يستهدف العصيان المدني مظالم جسيمة ومستمرّة، وفي الوقت ذاته يستند إلى مبادئ عدالة مقبولة على نطاق واسع، لا يُلجأ إليه إلا كخيار أخير بعد استنفاد السبل القانونية والمؤسسية، يُمارَس بالتنسيق مع مجموعات أقلية أخرى تتقاسم شكاوى مماثلة (رولز 1999، ص. 326–329). وتخضع هذه الشروط لتحليل نقدي في هذا الجزء، إذ إنها لا ترتبط فقط بالحاجة الظاهرة إلى الحد من الإمكانات المزعزعة للاستقرار التي ينطوي عليها العصيان المدني، ومنع انتشاره غير المنضبط، بل تتصل أيضًا بفعاليته ودوره في المجتمع — وهو ما سيتم تناوله بمزيد من التفصيل في القسم 3.3.
الظلم طويل الأمد: لماذا قصر رولز هدف العصيان المدني على المظالم الراسخة وطويلة الأمد – وخصوصًا الانتهاكات لمبدأ الحريات الأساسية المتساوية؟ بحسب رولز، فإن احتمال نجاح العصيان المدني يعتمد على وضوح الظلم: يجب أن يكون بوسع الجميع التعرف على الانتهاك بوصفه ظلمًا، بناءً على مبادئ الأخلاق السياسية المقبولة على نطاق واسع. وقد صنّف رولز الفصل العنصري ضمن هذه الفئة، لكنه لم يعتبر التفاوت الاقتصادي كذلك. ويعتقد رولز أن الاستناد إلى مبادئ دستورية أخلاقية مشتركة علنًا (وفقًا لمتطلب “العلنية بوصفها مناشدة”) هو الأكثر احتمالًا لإقناع الأغلبية وتحقيق الإصلاح المنشود. كذلك، يقيّد رولز، إلى جانب يورغن هابرماس ورونالد دوركين، كلاً من مضمون مناشدات العصيان المدني وأهدافه المحتملة؛ إذ يستبعدون المسائل المتعلقة بالسياسات العامة، فضلًا عن المظالم التي لا تشكّل انتهاكًا جليًا لمبادئ العدالة المقبولة على نطاق واسع.
يرفض النقّاد هذا الشرط التبريري لأنه يستبعد بشكلٍ تعسفي التصوّرات التقدمية للعدالة التي لا تحظى بقبول واسع (مثل الكوزموبوليتية)، فضلًا عن المناشدات لمبادئ أخلاقية أخرى غير العدالة (كالمتعلقة بالمعاملة الأخلاقية للحيوانات؛ سينغر 1973، ص 86–92). وفي حين يرى دوركين (1985، ص 111–112) أنّ الاحتجاج المناهض للأسلحة النووية غير مبرر بقدر ما يعتمد على أحكام تتعلق بالسياسات العامة بدلًا من الاستناد إلى مبادئ أساسية في الأخلاق السياسية، يعارضه روبرت غودين (1987) مؤكدًا أن التمييز بين العدالة والسياسة تمييز هشّ ومُرسَم على نحو اعتباطي، ويصرّ على أن من واجب العصاة المدنيين السعي إلى الخير العام من خلال الاحتجاج على السياسات الدولية وسياسات المناخ. ويضمّ باحثون آخرون إلى قائمة الأهداف المبررة للعصيان المدني جهات خاصة مثل النقابات، البنوك، شركات التأمين الصحي، المختبرات، المصانع الزراعية، والجامعات الخاصة (والتزر 1982، الفصل 2؛ سميث 2013، ص 55–56؛ ميليغان 2013، الفصل 11–12؛ إس. كوك 2016). وأخيرًا، فإن رصد الحركات الاجتماعية الماضية والمعاصرة – كحركة إلغاء الرق، و#أنا_أيضًا (#MeToo)، و”حياة السود مهمة” (Black Lives Matter) – يشير إلى أن العصيان المدني لا يهدف بالضرورة إلى مناشدة المبادئ العامة للأخلاق السياسية، بل قد يسعى فعليًا إلى تحويل الحسّ الأخلاقي المشترك.
الملاذ الأخير: ما الأساس الذي يقوم عليه الشرط المقبول على نطاق واسع والذي يقضي بأن يُمارس العصيان المدني كملاذ أخير؟ وكيف يمكننا التأكد من أن الفاعلين قد استوفوه؟ أحد الآراء يرى أن على المواطنين، في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، أن يستخدموا القنوات القانونية المناسبة للمشاركة السياسية للتعبير عن مظالمهم (راز 1979؛ مع أن راز يقرّ بإمكانية تبرير أعمال العصيان الفردية حتى في الأنظمة الليبرالية). لكن، وبما أن القضايا التي يدافع عنها الأقليات غالبًا ما تكون هي الأكثر معارضة من قبل أصحاب السلطة، فقد لا تكون القنوات القانونية فعّالة تمامًا (راولز 1999، ص 327). وعلاوة على ذلك، من غير الواضح متى يمكن للمرء أن يدّعي أنه بلغ حالة الملاذ الأخير؛ إذ يمكنه مواصلة استخدام الوسائل القانونية نفسها إلى ما لا نهاية. ولمواجهة مثل هذه التحديات، يقترح راولز أنَّه إذا كانت الأفعال السابقة – بما في ذلك تلك التي قام بها آخرون – قد أظهرت أن الأغلبية غير قابلة للتأثر أو لا مبالية، فإنه يمكن حينها التفكير بشكل معقول أن المحاولات الإضافية ستكون عقيمة، ومن ثم يمكن للمعترض أن يكون واثقًا من أن عصيانه المدني يُمثّل ملاذًا أخيرًا (1999، ص 328).
تنسيق مجموعات الأقليات: يهدف شرط التنسيق إلى تنظيم المستوى العام للاعتراض (راولز 1999، ص 327). تقوم الفكرة على أن مجموعات الأقليات، ما دامت تملك اعتراضات كافية الثقل، تكون مبرَّرة بشكل متساوٍ في اللجوء إلى العصيان المدني. وبالتالي، ينبغي على هذه المجموعات أن تتجنب تقويض جهود بعضها البعض من خلال التوجّه المتزامن إلى المجتمع والحكومة طلبًا للانتباه. ورغم أن لهذا الشرط بعض الوجاهة، إلا أنه يمكن القول إن العصيان المدني الذي لا يستوفيه قد يظل مبررًا أخلاقيًا. ففي بعض الحالات، قد لا يتوافر الوقت أو الفرصة للتنسيق مع أقليات أخرى. وفي حالات أخرى، قد تكون تلك المجموعات غير قادرة أو غير راغبة في التنسيق. ومن الجدير بالاعتبار أن رفض أو عجز مجموعات أخرى عن التعاون لا ينبغي، على الأرجح، أن يؤثر في مدى قابلية فعل العصيان المدني للتبرير، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.
أحد الأسباب التي دفعت راولز إلى الدفاع عن شرط التنسيق هو أن التنسيق غالبًا ما يخدم غاية أهم، وهي تحقيق نتائج جيدة. يُقال في كثير من الأحيان إن العصيان المدني لا يمكن تبريره إلا إذا كانت هناك احتمالية عالية لأن يُحدث تغييرًا إيجابيًا، إذ لا يمكن تبرير تعريض المجتمع للمخاطر المصاحبة للعصيان المدني – مثل قدرته على زعزعة الاستقرار وإحداث الانقسام، أو تحفيز خرق القانون، أو التصعيد نحو عصيان غير مدني – إلا إذا ترتبت عليه نتائج نافعة. وردًا على هذه التحديات، يمكن للمرء أن يشكك في الادعاءات التجريبية التي تقول إن العصيان المدني يؤدي إلى الانقسام أو يشجع الآخرين على اللجوء إلى العصيان من أجل تغيير السياسات. بل ويمكن التساؤل عما إذا كانت هذه النتائج – حتى لو حدثت – ستكون بالضرورة أمورًا سلبية. وفيما يتعلق باحتمالية النجاح، قد يبدو العصيان المدني أكثر قابلية للتبرير في الحالات التي تبدو ميؤوسًا منها، وحين ترفض الحكومة الاستماع لوسائل الاتصال التقليدية. وحتى عندما تبدو فرص النجاح العامة ضئيلة، يمكن الدفاع عن العصيان المدني إذا ما أدى إلى تخفيف ولو مؤقت للأذى الذي يلحق بضحايا قانون أو سياسة مجحفة. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي ممارسات مثل “احتضان الأشجار” إلى تأخير أو الحد من مشاريع قطع الأشجار الجائر، وبالتالي تمدد من حماية نظام بيئي مُهدّد.
3.3 القيمة
توضح أدبيات تبرير العصيان المدني بشكلٍ أكبر الشروط اللازمة لأداء دوره الفعّال في المجتمع. فبدلًا من تقويض سيادة القانون أو زعزعة استقرار المجتمع، قد يسهم العصيان المدني في تقوية النظامين الاجتماعي والقانوني. إذ يمكن أن تكون له قيمة معزّزة للعدالة، بحيث يعمل على “كبح الانحرافات عن العدالة وتصحيحها عندما تقع” (راولز 1999، ص. 336). وبالمثل، قد يكون له دور في تعزيز الشرعية؛ فقد ذهب بعض المفكرين إلى اعتبار العصيان المدني بمثابة “حارس الشرعية” (هابرماس 1985، ص. 103). وتنظر كلا الفكرتين إلى العصيان المدني كعنصر ثمين ضمن الثقافة السياسية العامة في مجتمع ديمقراطي دستوري يقترب من العدالة. وقد اعتبر هابرماس، في هذا السياق، أن تعامل الدولة مع العصيان المدني يمثّل “اختبارًا حاسمًا” لنضج الثقافة السياسية في الديمقراطية الدستورية، قائلًا: “كل ديمقراطية دستورية واثقة من نفسها تعتبر العصيان المدني عنصرًا طبيعيًا – لأنه ضروري – ضمن ثقافتها السياسية” (هابرماس 1985، ص. 99).
رغم أن طرح هابرماس يشبه في نواحٍ كثيرة المقاربة الليبرالية التي يتبناها راولز، إلا أن الطابع التداولي المميز لديه أثّر أيضًا في النظريات الديمقراطية التي تبرّر العصيان المدني وتُحدّد دوره بناءً على مساهمته في تعزيز الديمقراطية. يركّز ديمقراطيو التداول (مثل ماركوفيتس 2005؛ سميث 2013، فصول 1–3)، والديمقراطيون الجمهوريون (أرندت 1972)، والديمقراطيون الراديكاليون (جيليكيتس 2014، 2016) على قدرة العصيان المدني على تعزيز الشرعية الديمقراطية، وعلى اعتباره شكلًا من أشكال التمكين الديمقراطي بذاته. يمكن للعصيان المدني أن يعزّز الشرعية الديمقراطية بعدة طرق، من بينها: طرح قضايا مهمّشة أو مُهملة على جدول الأعمال السياسي، رفع مستوى الوعي العام بشأنها، الإسهام في النقاش الديمقراطي وإثراؤه، فضح النفوذ المفرط لبعض القوى الفاعلة، وتسليط الضوء على الآثار الإقصائية لبعض آليات التداول العام، والسعي إلى جعل هذه الآليات أكثر شمولًا. العصيان المدني لا يهدف فقط إلى إنعاش السيادة الشعبية الديمقراطية، بل يمكن أن يشكّل بحد ذاته ممارسةً للتمكين الديمقراطي – أي ممارسة فاعلية سياسية ذات معنى خاص بالنسبة للفئات المهمّشة. فمن خلال العصيان المدني، يكتشف الأفراد طاقتهم السياسية ويحققونها، ويتعاونون معًا لبناء روابط تضامن، وينخرطون فعليًا في العمل السياسي الديمقراطي. من الأمثلة التي يستشهد بها المنظّرون على العصيان المدني الديمقراطي: حركة “احتلوا وول ستريت”، الحركات المطالبة بالديمقراطية حول العالم، الاحتجاجات المناهضة للعولمة والتقشّف، نشاطات العدالة المناخية، وحركات الفلاحين المطالبة بإصلاح زراعي وتوزيع عادل للأراضي. ويُظهر العديد من النشطاء في إطار حركاتهم ذاتها القيم والمعايير التي ينادون بها، مثل: الشمولية الجذرية، اتخاذ القرار ديمقراطيًا بشكل مباشر، السعي إلى التوافق العام، وهياكل تنظيمية بلا قيادة مركزية. ويصرّ بعض المنظّرين على ضرورة اتساق وسائل الاحتجاج مع أهدافه، من خلال تبنّي أساليب احتجاج غير عنيفة وإقناعية تعكس القيم الديمقراطية (هابرماس 1997، ص. 383–384؛ إم. كوك 2016)، فيما يرى آخرون أن العصيان المدني يمكن أن يتّسم بالمواجهة وحتى الإكراه، دون أن يُعدّ ذلك خيانة لأهدافه الديمقراطية (سميث 2021؛ فونغ 2005، ص. 409).
ثمّة مقاربة ثالثة لقيمة العصيان المدني، إلى جانب المنظورين الليبرالي والديمقراطي، تنبع من وجهة النظر الواقعية السياسية. ينتقد روبرت جَب (Jubb, 2019) أطروحات راولزية حول العصيان المدني بسبب اعتمادها على نظرية ثنائية للسلطة السياسية، إذ تفترض أن النظام السياسي إما أن يكون شرعيًا بالكامل أو غير شرعي على الإطلاق، ما يؤدي إلى تجاهل أو إنكار إمكانية أن يكون النظام متمتعًا بشرعية ديمقراطية من جهة، لكنه من جهة أخرى عاجزًا عن حماية الحريات الأساسية لجميع أفراده أو عن معاملتهم كمواطنين متساوين، على سبيل المثال. يطرح جب بديلًا يتمثل في “تفكيك” مفهوم السلطة السياسية، أي التمييز بين الأشكال المختلفة للسلطة التي قد يمتلكها النظام السياسي أو يفتقر إليها، بهدف توضيح الظروف التي تجعل أشكالًا مختلفة من الاحتجاج والمقاومة ملائمة. ينتقد واقعيون آخرون كذلك المقاربات الليبرالية والديمقراطية التداولية لما يرونه من طابع استنتاجي وفوقي لتحليلها الأخلاقي، ولسعيها نحو التوافق العقلاني، وافتراضها بأن بالإمكان إقناع الناس بالحجج العقلانية وحدها (سابِل 2001، 2021؛ مانتينا 2012). في المقابل، تؤكد المقاربات الواقعية على “شيوع الخلاف الأخلاقي وديمومة الصراع السياسي” (سابِل 2021، ص. 153). فمثلًا، يتصوّر أندرو سابِل العصيان المدني كـ “تقنية سياسية” بحق (2021، ص. 165)، تقع بين الاستسلام والثورة، يستخدمها الفاعلون من أجل إحداث تغيير في التوزيع الأساسي للأعباء والمنافع من خلال رفع التكاليف على الخصوم، من دون تقويض الوظائف الأساسية للدولة، مثل تقديم المنافع العامة.
أما مانتينا (Mantena)، فتفكك الفهم الشائع لكل من غاندي وكينغ باعتبارهما ملتزمَين من حيث المبدأ وبشكل مطلق باللاعنف، مبيّنةً أن تأييدهما للاعنف كان مدفوعًا باعتبارات تتعلق بالفعالية السياسية. فقد رأيا أن العنف السياسي “عديم الجدوى”، أي أنه غير فعّال لتحقيق التغيير الاجتماعي، ومن المرجّح أن يؤدي إلى “عواقب سياسية خطرة ومنحرفة” (مانتينا 2018، ص. 84). بحسب غاندي، من شأن العنف أن ينتج نوعًا خاطئًا من الاستقلال للهند، وأن يولّد نمطًا غير سليم من الحكم، بحيث لا يكون التغيير سوى تبديل في الوجوه داخل دولة عنيفة، مما يفضي إلى أوضاع غير مستقرة. وتحدّد مانتينا “ثلاثة أوجه للفعل اللاعنفي”، يمكن إعادة تأطيرها ضمن المقاربة الواقعية على أنها تمثل القيمة الثلاثية للعصيان المدني: أخلاقيًا: يشكل العصيان المدني الوسيلة المناسبة التي من خلالها يمكن للمضطهدين استعادة كرامتهم واحترامهم لذواتهم؛ استراتيجيًا: يمثل وسيلة ضرورية لتحقيق نتائج سياسية عادلة ومستقرة، وتوافق ديمقراطي مستقبلي؛ تكتيكيًا: تعمل دراماتيكية انضباط العصاة المدنيين بفعالية على إقناع الخصوم. وقد دعمت أبحاث اجتماعية علمية حديثة هذه الرؤية حول فعالية اللاعنف في حملات المقاومة المدنية، لاسيما تلك التي تهدف إلى إسقاط أنظمة ديكتاتورية أو سلطات استعمارية (تشينويث وستيفان ٢٠١١؛ شوك ٢٠١٥).
يعتمد العديد من منظّري الديمقراطية على الواقعية السياسية في مقاربتهم، بينما يسعون إلى التفكير انطلاقًا من الواقع و”التعلّم من الشارع” (سيليكيتس، ٢٠١٤)، عبر مقاربة “تصاعدية” تهدف إلى فهم حركات الاحتجاج المعاصرة بعينها. وتمثل هذه المقاربة انحرافًا واضحًا عن المقاربات “التنازلية” الليبرالية، مثل تلك التي قدّمها رولز ودوركين، والتي تشترط على الفاعلين تبرير احتجاجهم العاصي قبل الانخراط فيه. وكما يعبّر ألكسندر ليفينغستون، يسعى العديد من منظّري الديمقراطية والنقد المعاصرين إلى استخلاص “رؤى نظرية من حركات الاحتجاج ذاتها حول العالم، بدلاً من فرض إرشادات أخلاقية لممارسة النشاط السياسي من موقع المراقبة” (تشيدام وآخرون، ٢٠٢٠، ٥٤٠). ويرى غاي آيتشيسون أن هذه السمة تشكل إحدى الخصائص المركزية لـ”النقاش الجديد حول العصيان المدني”، حيث يحاول الباحثون الاستجابة لـ”حقبة جديدة من الاحتجاج السياسي والاضطراب”، تتسم بـ”تكاثر وتكثيف أشكال العمل السياسي المعارض من قبل مجموعات تتحدى التفاوت الاقتصادي، وعنف الشرطة العنصري، وتطبيق قوانين الهجرة، وسياسات التقشف، والحروب، وتغيّر المناخ، والأوليغارشية المالية، والخصخصة، وهيمنة الشركات على الفضاء السيبراني” (أيتشيسون 2018ب، 5، 7-8) – وهي حركات يتعاطف معها كثير من المنظرين بشكل عام. وتختلف هذه المقاربة التصاعدية أيضًا عن دفاعات ديفيد ليفكوفيتز وكيمبرلي براونلي عن “الحق الأخلاقي في العصيان المدني”، الذي يفترض تطبيقًا غير متحيز على جميع أشكال العصيان المدني، سواء كانت مبرّرة أم لا (انظر القسم 4.2).
4. الاستجابة الدولة للعصيان المدني
كيف ينبغي للدولة أن تردّ على العصيان المدني؟ ينطبق سؤال الاستجابة القانونية الملائمة، أولًا، على تصرّفات أجهزة إنفاذ القانون عند اتخاذ قرار بالتدخل في فعل من أفعال العصيان المدني، من حيث ما إذا كان ينبغي التدخل وكيفيته. وينطبق، ثانيًا، على تصرّفات النيابة العامة عند البتّ في ما إذا كانت ستوجه تهمًا وتتابع القضية أمام المحكمة. وأخيرًا، ينطبق على تصرفات القضاة (وهيئات المحلّفين) عند اتخاذ قرار بالإدانة، وكذلك على القضاة عند تحديد مقدار العقوبة. تثير هذه السياقات الثلاثة المتعلقة بالعقوبات القانونية سؤالًا أعمق بشأن وظيفة القانون الجنائي.
4.1 معاقبة العصيان المدني
ما مقدار العقوبة المناسب للمشاركين في العصيان المدني؟ وهل العقوبة مناسبة أصلًا؟ إذا كان هناك حق في العصيان المدني، كما رأينا، فإنّ هذا الحق يوفر حماية للأشخاص من العقاب. حتى في حال عدم وجود هذا الحق، فهل يمكن الدفاع عن العقوبة إذا كانت تفرض على عصيان مدني مبرّر أخلاقيًا؟ تبرز التوترات بوضوح عندما ننظر في وظيفة القانون الجنائي، والتي تتمثل في معاقبة الجرائم ومنعها، أي في التصدي للسلوكيات الخاطئة. بخلاف الأخطاء المدنية التي تُرفع بدعاوى خاصة، فإن الجرائم الجنائية تُعد أخطاء عامة: فالدولة، وليس الضحية (وقد لا يكون هناك ضحية أصلًا)، هي من تلاحق المتهم قضائيًا. وتخدم العقوبة، حسب النظرية العامة المعتمدة، عدة أهداف: ردع الناس عن ارتكاب السلوكيات التي تم تعريفها على أنها خاطئة (بنتام 1789 [1970])؛ أو الاستجابة الملائمة لمن يرتكبون هذه الأفعال عن عمد (مور 1997)، بما في ذلك الدخول معهم في حوار أخلاقي يدفعهم إلى التوبة والإصلاح (دَف 1998)؛ أو التعبير عن إدانة المجتمع الأخلاقية لهذه الأفعال (فاينبرغ 1994). لذا يمكننا أن نتساءل، من منظور نفعي استشرافي، عمّا إذا كان ينبغي على الدولة ردع العصيان المدني؛ ومن منظور عقابي أو تواصلي استعادي، عمّا إذا كان المشاركون في العصيان المدني يستحقون الإدانة الأخلاقية من المجتمع (بِنِت وبراونلي 2021).
إذا كانت الانتهاكات المدنية للقانون تُعدّ أخطاءً عامة، تُقارن بالجرائم العادية أو تُعد أسوأ منها، فعندها ينبغي معاقبة المشاركين في العصيان المدني بطريقة مماثلة أو أشد من أولئك الذين يرتكبون الجرائم العادية. يوضح كينت غرينوالت عدة أسباب للاعتقاد بأن المشاركين في العصيان المدني يستحقون نفس العقوبة التي تُفرض على الآخرين الذين يخرقون القوانين نفسها. أولًا، يبدو أنّ متطلبات التناسب توصي بتطبيق موحَّد للحظر القانوني. فبما أنّ التعدي على الممتلكات محظور، فإن الأشخاص الذين ينتهكون قوانين التعدي احتجاجًا على تلك القوانين أو غيرها، يُفترض أن يكونوا خاضعين لنفس المسؤولية القانونية مثل أولئك الذين يخرقون تلك القوانين لأغراض شخصية. ثانيًا، أي مبدأ يمكن للمسؤولين استخدامه لتبرير أفعال غير قانونية مبررة، سيؤدي إلى بعض حالات عدم معاقبة أفعال غير مبررة، والتي من خلالها يمكن تحقيق أهداف العقوبة بشكل أكبر. وحتى عندما يُصدر المسؤولون أحكامًا صحيحة بشأن الأفعال التي يجب إعفاؤها من العقاب، قد يستنتج المواطنون استنتاجات خاطئة، وقد تضعف آثار الردع وقبول المعايير تجاه الأفعال غير المبررة التي تشبه الأفعال المبررة (غرينوالت 1987، ص 273). وما يترتب على ذلك هو أنّ جميع هذه الانتهاكات، سواء كانت مبررة أو غير مبررة، ينبغي أن تُعامل بالطريقة نفسها.
هناك أيضًا أسباب تدعو للاعتقاد بوجوب معاملة المخالفين للقانون بصرامة أكبر من غيرهم ممن ارتكبوا مخالفات. أولًا، وكما ذُكر آنفًا، يبدو أن المخالفين قد وضعوا أنفسهم فوق القانون بتفضيلهم حكمهم الأخلاقي على حكم عملية صنع القرار الديمقراطي وسيادة القانون. ثانيًا، يمكن القول إن الجانب التواصلي للعصيان المدني يُفاقم جرائم العصيان، إذ عادةً ما يُصاحبه دعاية أكبر بكثير من معظم الانتهاكات الخفية. وهذا يُجبر السلطات القانونية على القلق من احتمال شعور المواطنين الملتزمين بالقانون بالضيق وانعدام الأمن، وربما بالخضوع، في حال عدم اتخاذ أي إجراء. لذا، يُشير غريناوالت إلى أنه بينما قد تغضّ السلطات الطرف عن انتهاكات طفيفة، فإن عدم الاستجابة للانتهاكات التي تُرتكب، في بعض النواحي، بحضور السلطة، قد يُقوّض الادعاءات بأنّ القواعد والأشخاص الذين يطبقونها يستحقون الاحترام (1987، 351-352). ثالثًا، وهو أمر ذو صلة، غالبًا ما يدعو المخالفون للقانون، وقد يُلهمون، مواطنين آخرين للقيام بما يفعلونه. هذا الخطر المتمثل في انتشار العصيان المدني، بل وتصاعده إلى حالة من الفوضى والعنف، قد يدعم فرض عقوبات أشد على المخالفين للقانون.
ومع ذلك، فإنّ كلًا من نموذجي العصيان المدني المذكورين أعلاه، واللذين يؤكدان على دوره وقيمته في الديمقراطيات الليبرالية، والحجج المؤيدة لحق العصيان المدني التي سنتناولها لاحقًا، يدفعان بقوة نحو وجهة نظر معاكسة، مفادها أنه ينبغي التعامل مع العصيان المدني، إن عوقب أصلًا، بتساهل أكبر من غيره ممن أساءوا. ويؤكد النقاش السابق أن العصيان المدني هو في الواقع منفعة عامة – وهو عنصر أساسي في الثقافة الديمقراطية، على حد تعبير هابرماس – ولذلك، يدافع العديد من المنظرين عن مسؤولية الدولة في التعامل مع العصيان المدني بتساهل.
يجادل دوركين بأنّ الدولة تتحمل “مسؤولية خاصة في محاولة حماية [العصيان المدني] وتخفيف محنته، كلما أمكنها ذلك دون إلحاق ضرر كبير بالسياسات الأخرى” (دوركين 1978، 260). يمكن للحكومة ممارسة مسؤوليتها في التساهل بعدم مقاضاة العصيان المدني على الإطلاق، وذلك بناءً على توازن الأسباب، بما في ذلك الحقوق الفردية ومصالح الدولة والتكاليف الاجتماعية والمزايا الدستورية. أسباب المقاضاة في أي حالة معينة “عملية”، وليست جوهرية أو أخلاقية، ودائمًا ما تكون قابلة للدحض. بشكل عام، لا ينبغي للمدعين العامين توجيه اتهامات إلى العصيان بأخطر الجرائم المطبقة، وينبغي للقضاة إصدار أحكام مخففة عليهم. ينشأ التساهل من الاعتراف بالوضع الدستوري الخاص للعصيان المدني.
من هذا المنظور، يتمتع المسؤولون على جميع المستويات بسلطة تقديرية في عدم معاقبة المخالفين للقانون، وعليهم استخدامها. وللمدعين العامين، بل ينبغي عليهم، استخدام سلطتهم التقديرية في عدم توجيه اتهامات للمخالفين للقانون في بعض الحالات، أو توجيه اتهامات لهم بأدنى الجرائم خطورة. يحث دوركين (1985) القضاة على الدخول في حوار مفتوح مع المخالفين للقانون (على الأقل أولئك الذين يقدمون حججًا قانونية دفاعًا عن أفعالهم) ورفض اتهاماتهم بعد الاستماع إليهم، أو استخدام سلطتهم التقديرية في إصدار الأحكام، على سبيل المثال بقبول إقرارات الذنب أو أحكام الإدانة مع فرض عقوبات بسيطة.
مع ذلك، قد يُفضي هذا الاقتراح إلى السماح للقضاة بتقييم مدى جدارة قضايا كلٍّ من المخالفين للقانون، وهو ما لا يضمن بحد ذاته التساهل القضائي. بل على العكس، قد يُصدر القضاة أحكامًا منهجية ضد المخالفين للقانون، مُدافعين عن المصالح الخاصة للطبقة الحاكمة التي ينتمون إليها. إنّ الإصرار الإجرائي على حياد المحاكم يتجنب هذا المأزق، ويُحذّر عمومًا من تحويل قاعات المحاكم إلى منتديات سياسية. ومع ذلك، قد لا يكون تحويل المحاكم إلى منتديات عامة بهذه الخطورة، بل قد يكون جزءًا من إصلاح مؤسسي ضروري لتوفير منبر للمخالفين للقانون، ربما على غرار اقتراح أرندت (1972، 101-102) بمعاملة المخالفين للقانون كنوع من جماعات الضغط الشعبية (انظر سميث 2011).
4.2 الحق في العصيان المدني
بالنسبة لراولز، لا يوجد سوى حق أخلاقي في ممارسة العصيان المدني المبرّر. لكن العديد من المنظرين الآخرين يدافعون عن وجود حق – ولو محدود – في ممارسة العصيان المدني، بغضّ النظر عن مدى تبرير الفعل المحدّد، وذلك بالنظر إلى القيمة العامة لهذه الممارسة. يوضح دوركين (1978) ما قد يبدو عليه مثل هذا “الحق في الفعل”، مشبّهًا المشاركين في العصيان المدني بقضاة المحكمة العليا، الذين يختبرون دستورية القوانين (الظالمة) من خلال مخالفتها بشكل مباشر. ومن خلال هذا الفعل، يمكنهم أن يجعلوا القانون أكثر التزامًا بمبادئ العدالة والإنصاف التي تبرّره (وفقًا لنظرية دوركين عن القانون). يقبل بعض المنظرين بقيمة الطعن الدستوري، لكنهم يرون أنه بمجرد أن تُقر محكمة عليا بدستورية القانون وتُثبت الإدانة الأولية للمشاركين في العصيان، فإن على هؤلاء أن يقبلوا بعقوبتهم ويعترفوا بشرعية القانون (فورتاس 1968؛ نوسباوم 2019، ص 177). وعلى النقيض من ذلك، يجادل دوركين بأنّ إجبار المواطنين على طاعة قرارات المحاكم – بما في ذلك المحكمة العليا – يعني إجبارهم على فعل ما تنهى ضمائرهم عنه، وهذا يتعارض مع المبدأ الدستوري، المكرّس في التعديل الأول للدستور الأمريكي والمستند إلى الكرامة، والذي يقضي باحترام “حق الضمير” لدى الأفراد وحماية حريتهم في التعبير.
إنّ حق الضمير، وفقًا لهذا الرأي، يؤسّس لما يمكن اعتباره “حقًا ضعيفًا في خرق القانون”. فهو حق بمعنى أن الشخص “يفعل الصواب عندما يخرق القانون، وبالتالي علينا جميعًا أن نحترمه” عندما يتبع حكم ضميره فيما يتعلق بقانون مشكوك فيه ويرفض الامتثال لقانون يجبره على فعل ما يحرّمه عليه ضميره (دوركين 1978، ص 228–237). ولكنه ليس حقًا بالمعنى القوي الذي يعني أنّ الحكومة ترتكب خطأ إن هي منعته من العصيان. بعبارة أخرى، فإن هذا التصور يرى أن حق العصيان متوافق مع حق الدولة في فرض العقوبة. وعلى خلاف كوهين (1966، ص 6) وراولز (1999، ص 322) وغيرهم، لا يدافع دوركين عن وجود واجب أخلاقي على الأفراد بقبول العقوبة (1985، ص 114–115). بل يرى أنّ عدم التهرب من العقوبات القانونية قد يكون استراتيجية جيدة لمن يمارسون العصيان المدني احتجاجًا على قوانين غير دستورية أو سياسات ظالمة (أي العصيان القائم على العدالة والسياسة في نظره)، لكنه ينفي أنّ قبول العقوبة يُعد شرطًا مفاهيميًا أو أخلاقيًا أو حتى استراتيجيًا في حالة العصيان القائم على القناعات الشخصية (العصيان القائم على النزاهة الأخلاقية). وفي هذه الحالة الأخيرة، يجادل دوركين بأن أسباب العقوبة النفعية يجب أن توزن مقابل حقيقة أن المتهم تصرف بناءً على قناعات مبدئية، وأن كفة الميزان ينبغي – في العموم – أن ترجح جانب التساهل.
يقدّم جوزيف راز تصوّرًا مختلفًا لحق العصيان المدني، حيث يؤكد أنّ هذا الحق يمتد حتى إلى الحالات التي لا ينبغي فيها للناس ممارسة هذا الحق؛ فذلك جزء من طبيعة وغاية حقوق السلوك، إذ تمنح الأفراد مجالًا محميًا للتصرف سواء بشكل صحيح أو خاطئ. إنّ القول بوجود حق في العصيان المدني يعني الاعتراف بشرعية اللجوء إلى هذا الشكل من الفعل السياسي حتى من أجل قضايا نعارضها (راز 1979، ص 268). ومع ذلك، يضع راز تركيزًا كبيرًا على نوع النظام الذي يمارس فيه الشخص العصيان، فيرى أن الأفراد لا يمتلكون حق العصيان المدني إلا في ظل نظام غير ليبرالي، حيث يحق لهم المطالبة بحقوق المشاركة السياسية التي ينتهكها هذا النظام؛ ويجوز لهم “تجاهل القوانين الجائرة وممارسة حقهم الأخلاقي وكأنه معترف به قانونًا”. ويضيف راز أن “أعضاء الدولة غير الليبرالية لديهم حق في العصيان المدني، وهو ما يمثل تقريبًا ذلك الجزء من حقهم الأخلاقي في المشاركة السياسية الذي لا يعترف به القانون” (راز 1979، ص 272–273). أما في الدولة الليبرالية، فإن حق النشاط السياسي يكون – بحكم التعريف – محميًا بشكل كافٍ بموجب القانون، وبالتالي لا يمكن لحق المشاركة السياسية أن يؤسس لحق في العصيان المدني.
هناك وجهة نظر مختلفة للحقوق، مفادها أنّ احتجاج الشخص بحقوق المشاركة السياسية للدفاع عن عصيانه لا يعني بالضرورة انتقاده للقانون لتجريمه. ويؤكد ليفكويتز أن أفراد الأقليات يدركون أن المناقشات الديمقراطية غالبًا ما يجب اختصارها لاتخاذ القرارات، وأن من يمارسون العصيان المدني قد يرون في السياسة الحالية أفضل حل وسط بين الحاجة إلى العمل واستمرار النقاش. ومع ذلك، يمكنهم أيضًا الإشارة إلى أنه لو توفرت موارد أكبر أو وقت أطول للنقاش، لربما كان لرأيهم أن يسود. وبناءً على هذا الاحتمال، يجب أن يشمل الحق في المشاركة السياسية الحق في مواصلة الطعن في النتيجة بعد فرز الأصوات أو اتخاذ القرارات. وينبغي أن يشمل هذا الحق العصيان المدني المقيد بشكل مناسب، لأن أفضل تصور لحقوق المشاركة السياسية هو الذي يقلل قدر الإمكان من تأثير الحظ على شعبية رأي ما (ليفكويتز ٢٠٠٧؛ انظر أيضًا سميث ٢٠١٣، الفصل ٤؛ سيفا ٢٠١٥).
رد بديل على سؤال راز حول ما إذا كان الحق في العصيان المدني مستمدًا من الحق في المشاركة السياسية. يؤسس براونلي (2012، الفصل 4) الحق في العصيان المدني على الحق في الاعتراض القائم على قناعة صادقة. ويعتمد شمول هذا الحق لحقوق المشاركة على مدى اتساع نطاق هذه الحقوق. عندما يُفهم أن الحق في المشاركة يقتصر على الاحتجاج القانوني فقط، فإن الحق في الاعتراض بضمير حي، والذي يشمل بديهيًا العصيان المدني، يجب أن يُنظر إليه على أنه منفصل عن حقوق المشاركة السياسية.
هناك تحدٍّ آخر يواجه التفسير المُركّز على النظام، وهو أن المجتمعات الواقعية لا تندرج ضمن ثنائية الأنظمة الليبرالية وغير الليبرالية؛ بل تقع ضمن طيف من الليبرالية وغير الليبرالية، حيث تكون أكثر أو أقل ليبرالية مقارنةً ببعضها البعض، وأكثر أو أقل ليبرالية في بعض المجالات مقارنةً بمجالات أخرى. ربما، في مجتمع يُقارب النظام الليبرالي، تتضاءل حجة المشاركة السياسية من أجل الحق في العصيان المدني، ولكن لجعل المشاركة المحمية قانونيًا كافية تمامًا، سيتعين على المجتمع الليبرالي معالجة اتهام برتراند راسل بأن مُسيطري وسائل الإعلام لا يُعطون المدافعين عن الآراء غير الشعبية سوى فرص قليلة لعرض آرائهم ما لم يلجأوا إلى أساليب مثيرة كالعصيان (1998، 635).
4.3 احتواء العصيان المدني
غالبًا ما ركز الفلاسفة على مسألة كيفية تعامل المحاكم مع المشاركين في العصيان المدني، بينما أهملوا تطبيق هذا السؤال على جهات إنفاذ القانون. ومع ذلك، تملك الشرطة صلاحية كبيرة في كيفية التعامل مع المشاركين في العصيان المدني. فليس هناك التزام عليها باعتقال المتظاهرين عند ارتكابهم لانتهاكات بسيطة للقانون مثل عرقلة حركة المرور؛ إذ يمكنها، وإن كان نادرًا، أن تختار التكيّف مع المتظاهرين والتواصل معهم. لكن العديد من الحكومات تنتهج سياسة قمعية عسكرية ضد الاحتجاجات. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما تستجيب أقسام الشرطة المحلية في الولايات المتحدة للمظاهرات بارتداء معدات مكافحة الشغب واستخدام تجهيزات عسكرية أخرى. كما سعت الحكومة البريطانية إلى تشديد قوانين النظام العام ومنح الشرطة سلطات جديدة لقمع حركة “تمرد الانقراض” (XR)، وهي حركة بيئية عالمية تُنظّم احتجاجات في الشوارع و”تمثيلات الموت” وعمليات إغلاق للطرق من أجل العدالة المناخية، ما أدّى إلى شل حركة المدن.
واستثناءً ملحوظًا لهذا الإهمال النظري لجهاز الشرطة، يقدّم سميث (2013، الفصل الخامس) تصورًا لـ “فلسفة الشرطة” تُوجّه استراتيجيات العمل الشرطي نحو التكيّف مع العصيان المدني، بدلاً من منعه أو قمعه. ووفقًا لسميث، “ينبغي للشرطة، متى أمكن، التعاون مع النشطاء المشاركين في العصيان المدني من أجل مساعدتهم على تنفيذ احتجاج يُعبّر بفعالية عن تظلّمهم ضد قانون أو سياسة معيّنة” (سميث 2013، ص 111). ويتطلب هذا التكيّف وجود قنوات تواصل بين الشرطة والنشطاء، ويتضمّن استراتيجيات مثل الترتيب المسبق للاعتقالات. وبينما تنفّذ الولايات المتحدة غالبًا استراتيجيات قمعية وقاسية في تطبيق القانون، فإن الهدف الحالي (وقت الكتابة) للمملكة المتحدة، وفقًا لأحد كبار مسؤولي الشرطة، هو تطوير تكتيكات “التحرك إلى الأمام” – وهي استراتيجيات استباقية ووقائية تهدف إلى إخلاء الشوارع من متظاهري XR. ولا يُعدّ أيٌّ من النهجين احترامًا حقيقيًا لشيء يشبه الحق في العصيان المدني.
أما الحكومة الدستورية الملتزمة بالاعتراف بحق العصيان المدني، فعليها أيضًا أن تُصلح جزءًا من قوانينها الجنائية وأن تتيح بعض وسائل الدفاع القانونية. تقترح براونلي وسيلتين في هذا الصدد. أولًا، يجب أن يُتاح للمشاركين في العصيان المدني الوصول إلى وسيلة دفاع تقوم على “مطالب القناعة الشخصية”، تُبرّر أفعالهم بالإشارة إلى الأسباب العميقة والمخلصة التي دفعتهم للاعتقاد بأنهم كانوا محقّين في ما فعلوه (براونلي 2012، الفصل الخامس). ثانيًا، ينبغي أن تقبل الدول “الضرورة” كوسيلة دفاع تبريرية عن العصيان المدني الذي يُنفّذ كرد معقول ومحدود على انتهاكات وتهديدات تمسّ الاحتياجات الأساسية غير القابلة للتفاوض (براونلي 2012، الفصل السادس). وكما توحي هذه الدفاعات، فإن الاعتراف الدستوري بالعصيان المدني لا يعني جعله قانونيًا. فالمشاركون في العصيان لا يزالون يُعتقلون ويُحاكمون، لكن يُسمح لهم بشرح أفعالهم والدفاع عنها أمام المحكمة، أي يُسمَح لهم بأن يُسمَع صوتهم.
5. الخاتمة
شهدت أشكال وأهداف العصيان المدني تحوّلاتٍ جذرية على مدار القرن الماضي، بدءًا من النشاط النضالي لحركة السفرجيت سعيًا وراء حقوقهن الأساسية في المواطنة، وصولًا إلى الإضرابات المدرسية والتظاهرات الجماهيرية التي يقودها شباب حركة المناخ للضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة أزمة المناخ. ومع ذلك، لا يزال العصيان المدني جزءًا حيويًا ومستمرًا من النشاط السياسي، ويستفيد بشكلٍ متزايد من التحالفات العابرة للحدود.
لطالما افترض المنظّرون أنّ العصيان المدني لا يحتاج إلى مبرّر إلا في المجتمعات الليبرالية والديمقراطية، كونها أفضل الأمثلة الواقعية على الدول الشرعية. ومع ذلك، يثير العصيان المدني أيضًا تساؤلات في السياقات غير الديمقراطية وغير الشرعية، حول دوره العام، وقيمته الاستراتيجية، وفعاليته التكتيكية. فعلى سبيل المثال، قد لا يُفترض أن الاحتجاجات الداعمة للديمقراطية في هونغ كونغ غير مُبرّرة في ظل الحكم الاستبدادي للصين. ومع ذلك، فإن مثل هذه الاحتجاجات تثير تساؤلات جوهرية حول الخطوط العريضة لسياسات المعارضة خارج الأطر المؤسسية، وكذلك مبرّرات التكتيكات غير المدنية والعنيفة في البيئات القمعية، بما في ذلك ممارسة العنف ضد الشرطة وتدمير المتاجر والبنوك الموالية للصين.
أخيرًا، في حين اعتبر المنظّرون أن العصيان المدني غالبًا ما يُمارَس لتحقيق أهداف عامة نبيلة، فإن الدول الليبرالية الديمقراطية شهدت مؤخرًا أشكالًا من العصيان المدني تهدف إلى تحقيق أهداف مناهضة للديمقراطية وغير ليبرالية، بما في ذلك الرفض المتعمّد للالتزام بقوانين مكافحة التمييز، والانتهاكات والاحتجاجات ضد القوانين التي تفرض تقديم خدمات الصحة الإنجابية، بالإضافة إلى الإجراءات الصحية العامة التي سُنَّت للحد من انتشار فيروس كورونا. قد نحتاج إلى منظور مختلف عن تلك التي قدمها المنظرون الليبراليون والديمقراطيون لتقييم النطاق الكامل للحركات الاجتماعية المحافظة، وحركات المقاومة المضادة، والحركات الرجعية التي تلجأ إلى العصيان المدني وغيره من أشكال العصيان.
مراجع
ACLED, 2020, “Demonstrations & Political Violence in America: New Data for Summer 2020,” https://acleddata.com/2020/09/03/demonstrations-political-violence-in-america-new-data-for-summer-2020/
Aitchison, Guy, 2018a, “Domination and Disobedience: Protest, Coercion, and the Limits of an Appeal to Justice,” Perspectives on Politics, 16 (3): 666–679.
–––, 2018b, “(Un)civil disobedience,” Raisons Politiques, 1(69): 5–12.
Applbaum, Arthur, 1999, Ethics for Adversaries: The Morality of Roles in Public and Professional Life, Princeton, NJ: Princeton University Press.
Arendt, Hannah, 1972, Crises of the Republic: Lying in Politics, Civil Disobedience, On Violence, Thoughts on Politics and Revolution, New York: Harcourt.
Atack, Iain, 2012, Nonviolence in Political Theory, Edinburgh: Edinburgh University Press.
Bargu, Banu, 2014, Starve and Immolate: The Politics of Human Weapons, New York: Columbia University Press.
Bedau, Hugo A., 1961, “On Civil Disobedience,” The Journal of Philosophy, 58 (21): 653–147.
––– (ed.), 1991. Civil Disobedience in Focus, London: Routledge.
Bennett, Christopher, and Brownlee, Kimberley, 2021, “Law, Punishment, and Civil Disobedience,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 280–312.
Bentham, Jeremy, 1789 [1970], An Introduction to the Principles of Morals and Legislation, J. H. Burns and H. L. A. Hart (eds.), London: Athlone Press.
Blake, Michael and Hereth, Blake, 2020, “Sanctuary Cities and Non-Refoulement,” Ethical Theory and Moral Practice, 23 (2): 457–474.
Blunt, Gwilym David, 2019, Global Poverty, Injustice, and Resistance, Cambridge: Cambridge University Press.
Brooks, Thom, 2004, “A Defence of Jury Nullification,” Res Publica, 10 (4): 401–423.
Brownlee, Kimberley, 2012. Conscience and Conviction: The Case for Civil Disobedience, Oxford: Oxford University Press.
–––, 2004, “Features of a Paradigm Case of Civil Disobedience,” Res Publica, 10: 337–351.
Buchanan, Allen, 2013, “The Ethics of Revolution and Its Implications for the Ethics of Intervention,” Philosophy and Public Affairs, 41 (4): 291–323.
Cabrera, Luis, 2010, The Practice of Global Citizenship, Cambridge: Cambridge University Press.
–––, 2021, “Global Citizenship, Global Civil Disobedience and Political Vices,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 313–337.
Celikates, Robin, 2014, “Civil disobedience as a practice of civic freedom,” in D. Owen (ed.), On Global Citizenship: James Tully in Dialogue, London: Bloomsbury Press, pp. 207–228.
–––, 2015, “Digital publics, digital contestation: A new structural transformation of the public sphere?,” in R. Celikates, R. Kreite, and T. Wesche (eds.), Transformations of democracy: Crisis, protest, and legitimation, London: Rowman and Littlefield, pp. 159–174.
–––, 2016, “Democratizing Civil disobedience?,” Philosophy and Social Criticism, 42 (10): 982–994.
–––, 2021, “Radical Democratic Disobedience,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 128–152.
Celikates, Robin, and Daniel De Zeeuw, 2016, “Botnet Politics: Algorithmic Resistance and Hacking Society,” in Hacking Habitat, Rotterdam: nai010: 209–217.
Ceva, Emanuela, 2015, “Political Justification through Democratic Participation: The Case for Conscientious Objection,” Social Theory and Practice, 41 (1): 26–50.
Chenoweth, Erica, and Stephan, Maria, 2011, Why Civil Resistance Works: The Strategic Logic of Nonviolent Conflict, New York: Columbia University Press.
Çıdam, Çiğdem, Scheuerman, William E., Delmas, Candice, Pineda, Erin R., Celikates, Robin, and Alexander Livingston, 2020, “Theorizing the Politics of Protest: Contemporary Debates on Civil Disobedience,” Contemporary Political Theory, 19 (3), 513–546.
Cohen, Carl, 1966, “Civil Disobedience and the Law,” Rutgers Law Review, 21 (1): 1–17.
–––, 1971, Civil Disobedience: Conscience, Tactics, and the Law, New York: Columbia University Press.
Cohen, Marshall, 1970, “Civil Disobedience in Constitutional Democracy,” Philosophic Exchange, 1 (1): 99–110.
Cooke, Maeve, 2016, “Civil obedience and disobedience,” Philosophy and Social Criticism, 42 (10): 995–1003.
–––, 2021, “Ethical dimensions of civil disobedience,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 231–253.
Cooke, Steve, 2016, “Understanding Animal Liberation,” in R. Garner, and S. O’Sullivan (eds.), The Political Turn in Animal Ethics, London: Rowman & Littlefield, pp. 119–136.
Critical Art Ensemble, 1998, Electronic Disobedience and Other Unpopular Ideas, New York: Autonomedia.
Dawson, James, 2007, “Recently Discovered Revisions Made by Thoreau to the First Edition Text of ‘Civil Disobedience’,” The Concord Saunterer, New Series, 15: 1–23.
Delmas, Candice, 2018a, A Duty to Resist: When Disobedience Should be Uncivil, New York: Oxford University Press.
–––, 2018b, “Is Hacktivism the New Civil Disobedience?,” Raisons Politiques, 69(1): 63–81.
–––, 2019, “Civil Disobedience, Punishment, and Injustice,” in K. K. Ferzan and L. Alexander (eds.), The Palgrave Handbook of Applied Ethics and the Criminal Law, London: Palgrave Macmillan, pp. 167–188.
–––, 2020, “Uncivil Disobedience,” in M. Schwartzberg (ed.), NOMOS LXII: Protest and Dissent, New York: New York University Press, pp. 9–44.
Duff, Antony, 1998, “Desert and Penance,” in Principled Sentencing, Andrew Ashworth and Andrew von Hirsch(eds.), Oxford: Hart Publishing.
Duff, Antony and Garland David (eds.), 1994, A Reader on Punishment, Oxford: Oxford University Press.
Dworkin, Ronald, 1978, Taking Rights Seriously, 5th ed., Cambridge, MA: Harvard University Press.
–––, 1985, A Matter of Principle, Cambridge, MA: Harvard University Press.
Fanon, Frantz, 2004 [1963], The Wretched of the Earth, trans. R. Philcox, New York: Grove Press.
Fedorko, Kathy, 2016, “‘Henry’s brilliant sister’: The Pivotal Role of Sophia Thoreau in Her Brother’s Posthumous Publications,” The New England Quarterly, 89 (2): 222–256.
Feinberg, Joel, 1992, Freedom and Fulfillment: Philosophical Essays, Princeton: Princeton University Press.
–––, 1994, “The Expressive Function of Punishment,” in A. Duff and D. Garland (eds.), A Reader on Punishment, Oxford: Oxford University Press.
Finlay, Christopher J., 2015, Terrorism and the Right to Resist: A Theory of Just Revolutionary War, Cambridge: Cambridge University Press.
Fortas, Abe, 1968, Concerning Dissent and Civil Disobedience, New York: Signet Broadside.
Fung, Archon, 2005, “Deliberation Before the Revolution: Toward an Ethics of Deliberative Democracy in an Unjust World,” Political Theory, 33 (2): 397–419.
Gandhi, Mohandas, 1973, Selected Writings of Mahatma Ghandi, R. Duncan (ed.), Glasgow: Fontana/Collins.
–––, 1999, The Collected Works of Mahatma Ghandi, Publications division Ministry of information and broadcasting Government of India. 98 vols.http://www.gandhiserve.org/e/cwmg/cwmg.htm
Goodin, Robert E., 1987, “Civil Disobedience and Nuclear Protest,” Political Studies, 35 (3): 461–466.
Gourevitch, Alex, 2018, “The Right to Strike: A Radical View,” American Political Science Review, 112 (4): 905–917.
Greenawalt, Kent, 1987, Conflicts of Law and Morality, Oxford: Clarendon Press.
Habermas, Jürgen, 1985, “Civil Disobedience: Litmus Test for the Democratic Constitutional State,” J. Torpey, trans. Berkeley Journal of Sociology, 30: 95–116.
Hanson, Russell L., 2021, “The Domestication of Henry David Thoreau,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 29–55.
Harcourt, Bernard, 2012, “The Politics of Incivility,” Arizona Law Review, 54(2): 345–373.
–––, 1997, Between Facts and Norms: Contributions to a Discourse Theory or Law and Democracy, trans. W. Rehg, Cambridge: Polity Press.
Hidalgo, Javier S., 2019, Unjust Borders: Individuals and the Ethics of Immigration, New York: Routledge.
Himma, Kenneth Einar, 2006, “Hacking as politically motivated digital civil disobedience: Is hacktivism morally justified?,” in K. E. Himma (ed.), Readings on Internet Security: Hacking, Counterhacking, and Other Moral Issues, Boston: Jones and Bartlett.
Hindkjaer Madsen, Tine, 2021, “Are Dissenters Epistemically Arrogant?,” Criminal Law and Philosophy, 15 (1): 1–23.
Hooker, Juliet, 2016, “Black Lives Matter and the Paradoxes of U.S. Black Politics: From Democratic Sacrifice to Democratic Repair,” Political Theory, 44 (4): 448–469.
Jubb, Robert, “Disaggregating Political Authority: What’s Wrong with Rawlsian Civil Disobedience?,” Political Studies, 67 (4): 955–971.
King Jr., Martin Luther, 1968, Where Do We Go From Here? Chaos or Community?, New York: Harper and Row.
–––, 1991, “Letter from Birmingham Jail,” in H. A. Bedau (ed.), Civil Disobedience in Focus, London: Routledge.
Kling, Jennifer, and Mitchell, Megan, 2019, “Bottles and Bricks: Rethinking the Prohibition against Violent Political Protest,” Radical Philosophy, 22 (2): 209–237.
Lai, Ten-Herng, 2019, “Justifying uncivil disobedience,” in D. Sobel, P. Vallentyne, and S. Wall (eds.), Oxford Studies in Political Philosophy, Vol. 5, pp. 90–114.
–––, 2020, “Political Vandalism as Counter-Speech,” European Journal of Philosophy, 28 (3): 602–616.
Lefkowitz, David, 2007, “On a Moral Right to Civil Disobedience,” Ethics, 117 (2): 202–233.
Lim, Chong-Ming, 2020, “Vandalizing Tainted Commemorations,” Philosophy and Public Affairs, 48 (2): 185–216.
Livingston, Alexander, 2018, “Fidelity to Truth: Ghandi and the Genealogy of Civil Disobedience,” Political Theory, 46 (4): 511–536.
–––, 2020a, “Power for the Powerless: Martin Luther King, Jr.’s Late Theory of Civil Disobedience,” The Journal of Politics, 82 (2): 700–713.
–––, 2020b, “Tough Love: The Political Theology of Civil Disobedience,” Perspectives on Politics, 18 (3): 851–866.
Locke, John, 1980 [1690]. Second Treatise of Government, C. B. Macpherson (ed.), Indianapolis: Hackett Publishing Co.
Lyons, David, 1998, “Moral Judgment, Historical Reality, and Civil Disobedience,” in Philosophy and Public Affairs, 27 (1): 31–49.
Mantena, Karuna, 2012, “Another Realism: The Politics of Ghandian Nonviolence,” American Political Science Review, 106 (2): 255–470.
–––, 2018, “Showdown for Nonviolence: The Theory and Practice of Nonviolence Politics,” in T. Shelby and B. M. Terry (eds.), To Shape a New World: Essays on the Political Philosophy of Martin Luther King, Jr., Cambridge, MA: Harvard University Press, pp. 78–104.
Markovits, Daniel, 2005, “Democratic Disobedience,” The Yale Law Journal, 114 (8): 1897–1952.
Milligan, Tony, 2013, Civil Disobedience: Protest, Justification, and the Law, New York: Bloomsbury Publishing.
–––, 2014, “Civility and politicized love in Gandhi,” Religions of South Asia, 8 (3): 285–300.
Moore, Michael, 1997, Placing Blame: A General Theory of the Criminal Law, Oxford University Press.
Moraro, Piero, 2019, Civil Disobedience: A Philosophical Overview, London: Rowman & Littlefield International.
Morreall, John, 1976, “The Justifiability of Violent Civil Disobedience,” Canadian Journal of Philosophy, 6 (1): 35–47.
Nussbaum, Martha, 2019, “Civil Disobedience and Free Speech,” In J. Lackey (ed.), Academic Freedom, Oxford: Oxford University Press, pp. 170–185.
Pasternak, Avia, 2018, “Political Rioting: A Moral Assessment,” Philosophy and Public Affairs, 46 (4): 348–418.
Pineda, Erin, 2021a, “Civil disobedience, and what else? Making space for uncivil forms of resistance,” European Journal of Political Theory, 20 (1): 157–164.
–––, 2021b, Seeing Like an Activist: Civil Disobedience and the Civil Rights Movement, New York: Oxford University Press.
Rawls, John, 1999 [1971], A Theory of Justice, Cambridge, MA: Harvard University Press. Revised edition.
Raz, Joseph, 1979. The Authority of Law: Essays on Law and Morality, Oxford: Clarendon Press.
Regan, Tom, 2004, “The Case Against Vandalism and Violence,” Satya, April: http://www.satyamag.com/apr04/regan.html.
Russell, Bertrand, 1998. Autobiography, London: Routledge.
Sabl, Andrew, 2001. “Looking Forward to Justice: Rawlsian Civil Disobedience and its Non-Rawlsian Lessons,” The Journal of Political Philosophy, 9 (3): 307–330.
–––, 2021, “Realist Disobedience,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 153–177.
Sauter, Molly, 2014, The Coming Swarm: DDOS Actions, Hacktivism, and Civil Disobedience on the Internet, New York: Bloomsbury Publishing.
Schock, Kurt, 2015, Civil Resistance Today, New York: Polity.
Scheuerman, William E., 2014, “Whistleblowing as civil disobedience: the case of Edward Snowden,” Philosophy and Social Criticism, 40 (7): 609–628.
–––, 2015, “Recent Theories of Civil Disobedience: An Anti-Legal Turn?,” The Journal of Political Philosophy, 23 (4): 427–449.
–––, 2018, Civil Disobedience, New York: Polity.
–––, 2019, “Why not uncivil disobedience?,” Critical Review of International Social and Political Philosophy, published online 16 November 2019. doi:10.1080/13698230.2019.1693158
–––, 2020, “Can Political Institutions Commit Civil Disobedience?,” The Review of Politics, 82 (2): 269–291.
Sharp, Gene, 2012a, Sharp’s Dictionary of Power and Struggle: Language of Civil Resistance in Conflicts, Oxford: Oxford University Press.
–––, 2012b, From Dictatorship to Democracy, Cambridge, MA: Albert Einstein Institute.
Shelby, Tommie, and Terry, Brandon M. (eds.), 2018, To Shape a New World: Essays on the Political Philosophy of Martin Luther King, Jr., Cambridge: Harvard University Press.
Simmons, A. J., 1979, Moral Principles and Political Obligations, Princeton: Princeton University Press.
Singer, Peter, 1973, Democracy and Disobedience, Oxford: Clarendon Press.
Smart, Brian, 1991. “Defining Civil Disobedience,” in Civil Disobedience in Focus, Hugo A. Bedau (ed.), London: Routledge, pp. 189 –211.
Smith, William, 2011, “Civil Disobedience and the Public Sphere,” The Journal of Political Philosophy, 19 (2): 145–166.
–––, 2013, Civil Disobedience and Deliberative Democracy, Abingdon: Routledge.
–––, 2018, “Disruptive Democracy: The Ethics of Direct Action,” Raisons Politiques, 69 (1): 13–27.
–––, 2021, “Deliberative Democratic Disobedience,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 105–127.
Smith, William, and Brownlee, Kimberley, 2017, “Civil Disobedience and Conscientious Objection,” Oxford Research Encyclopedia of Ethics.
Tai, Benny Yiu-ting, 2017, “Civil Disobedience and the Rule of Law,” in M. H. K. Ng and J. D. Wong (eds.), Civil Unrest and Governance in Hong Kong: Law and Order from Historical and Cultural Perspectives, New York: Routledge, pp. 141–162.
Terry, Brandon M., 2018. “Requiem for a Dream: The Problem-Space of Black Power,” in T. Shelby and B. M. Terry (eds.), To Shape a New World: Essays on the Political Philosophy of Martin Luther King, Jr., Cambridge, MA: Harvard University Press, pp. 290–324.
Umoja, Akinyele Omowale, 2013, We Will Shoot Back: Armed Resistance in the Mississippi Freedom Movement, New York: NYU Press.
Walzer, Michael, 1982, Obligations: Essays on Disobedience, War, and Citizenship, Cambridge, MA: Harvard University Press.
Weinstock, Daniel, 2016, “How democratic is civil disobedience?,” Criminal Law and Philosophy, 10 (4): 707–720.
Welchman, Jennifer, 2001, “Is Ecosabotage Civil Disobedience?,” Philosophy & Geography, 4 (1): 97–107.
Zerilli, Linda M. G., 2014, “Against Civility, A Feminist Perspective,” in A. Sarat (ed.), Civility, Legality, and Justice in America, Cambridge, MA: Cambridge University Press, pp. 107–131.
Zinn, Howard, 2002 [1968], Disobedience and Democracy: Nine Fallacies on Law and Order, New York: Random House.
Züger, Theresa, 2021, “Coding Resistance: Digital Strategies of Civil Disobedience,” in W. Scheuerman (ed.), The Cambridge Companion to Civil Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 359–383.
شكر وتقدير
We thank Adrian Blau, Adam Cureton, Alan Hamlin, Jonathan Quong, Ben Saunders, Hillel Steiner, Zofia Stemplowska, John Tasioulas, Joseph Raz, and an anonymous referee for their useful suggestions. Thanks to Kelsey Vicar for research assistance.
أدوات أكاديمية
How to cite this entry. Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.
مصادر أخرى على الإنترنت
- Swartz, Aaron, 2008, Guerilla Open Access Manifesto, (Internet Archive)
- Comprehensive website on Mahatma Gandhi, maintained by the 3 institutes: Bombay Sarvodaya Mandal, Gandhi Book Centre, and Gujarat Vidyapith Ahmedabad
- The Martin Luther King Jr Research and Education Institute
مداخل ذات صلة
civil rights | legal obligation and authority | legal philosophy | punishment, legal | Socrates | terrorism | Thoreau, Henry David