مجلة حكمة
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

تأمّلات حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

الكاتبطلال أسد
ترجمةجابر محمد

أودُّ من خلال النقاط التالية أنْ ألقي الضوءَ على بعض النهج، التي تُستعملُ بها اللغة، لتوصيف العنف الإسرائيلي الممارس على الفلسطينيين. بدون شك، نعلمُ جميعًا أنَّ اللغةَ والفعلَ يرتبطان ببعضهما بطرق بالغة التعقيد، ليس فقط من ناحية وصف الحقيقة أو تدليسها، ولكن أيضًا من ناحية اختبار الكلمات وشحذ الأفعال. أستهلُّ مقالي بفقرة لافتة من مقالة ل “براين كلوج” عن مجزرة غزة الأخيرة، حيث كتبَ “يُستحسنُ أحيانًا أنْ نتوهَ بحثًا عن الكلمات، ربّما يتعينُ علينا أنْ نتذكرَ ذلك دائمًا، ربما يتعينُ علينا أنْ نُمسكَ ألسنتَنا حتى نعثرَ على كلمات تقاربُ الحقيقة؛ الحقيقة الإنسانية المؤلمة للمعاناة والحزن والأسى والفقد واليأس. ويعني هذا أنْ نقمعَ رغباتنا لتلائمَ تدبيرنا، أو أنْ نقاومَ الرغبةَ في وأد تلك الحقائق بكلمات تخفّفُ من تأثيرها، وعبارات تلطّفُ من شدّتها. أحيانًا، يتعينُ علينا أنْ نقفَ فارهي الأفواه، دون سرد تحليل سياسي يتشكل على شفاهنا. هناك أوقاتٌ نحتاجُ فيها أنْ نتوقفَ عن الكلام لنبدأَ في التأمل والنظر السياسي. وهذا ما نحياه الآن”[1]. نعم، لكن ربما في هذه اللحظة الآنية -حيثُ تُمارسُ الوحشيةُ عمدًا، وتُنكرُ بوقاحة ودون خجل- يكونُ من الضروري ألّا نتوقفَ للتأمل والنظر فقط، ولكن ينبغي أنْ نتكلمَ، ونتصرفَ بطريقة أخلاقية. إنَّ كيفيةَ القيام بذلك أمرٌ أصعب ما قد يبدو لأولائك الذين لا هم إلا تنقية لغتنا السياسية.

فعلى سبيل المثال، على أيّ وجهٍ ينبغي أنْ يفهمَ المرءُ مفردةَ “حرب أسرائيل مع حماس”؟ أعتقدُ أنَّ هذه المفردةَ ليست فقط مضلِّلةً لحقيقة ما يحدثُ في غزة، بل أيضًا تُساهمُ في تحفيز وتشجيع الهجوم الوحشي الممارس على المدنيين منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر. عادةً ما تُفهم الحربُ على أنها صراعٌ غير متوقع ودائمٌ بين دول مستقلة وذات سيادة، ومن هنا تظهرُ عبارات مثل “قوانين الحرب” و”حق الدول في حماية نفسها”،لا سيما حالة التهديد الوجودي. وفي هذا السياق، نجدُ في حديث المحللين الغربيين كلامًا عن قذف الجيش الإسرائيلي لغزة باعتباره ردًا على هجوم حماس، وأنَّ الهدف هو القضاء على حماس، التي ارتكبت عملًا وحشيًا ومروعًا في السابع من أكتوبر. والسؤال هنا: هل يجبُ أنْ نعودَ إلى ما يُعتقد أنَّه الدافع وراء ما يُعتبر فعلًا فرديًا؟ أم يجب أنْ نبحثَ عن شيء يمكنُ أنْ نعتبرَه بدايةَ “الأعمال العدائية”، بغضّ النظر عن هذا الدافع؟

بالتأكيد، استعمال كلمة “الرد” هنا مسألةٌ رئيسيةٌ، باعتبار أنَّها تحاولُ تفسيرَ الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي نتج عن هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وبالتالي، وفي نفس الوقت-بالنظر إلى دوافعه أيضًا- الحاجة إلى فهمه باعتباره عقلانيًا وعادلًا. تعمّدَ المدافعون عن إسرائيل الابتعادَ عن حقيقة أنَّه مهما حدثَ بالفعل في ذلك اليوم، فإنَّ الردعَ الإسرائيلي (وهي الكلمة التي أفضّلها هنا على “الرد”) كان جزءًا من تاريخ من الأعمال العسكرية، والتي لم تكن فقط طويلة الأمد، بل كانت أيضا -وبالأخص هنا- غيرَ متكافئة على الإطلاق، حيث ارتكبت جرائمُ حرب عمدًا أشنعُ من تلك التي وقعت في السابع من أكتوبر. وسببُ ذلك، أنَّه لم ولن يعقبَ إسرائيل أي ضرر أو تهديد من ذلك.

ومهما كانت وحشيةُ هجوم حماس في السابع من أكتوبر (أعلنت حماس بأنَّ حقيقةَ ما حدثَ في ذلك اليوم هو أمرٌ يجبُ أنْ يخضعَ للتحقيق من قبل طرف ثالث مستقل[2])، فإنَّ السؤالَ الذي يظلّ قائمًا هو، ما إذا كان هذا الهجومُ يشكّلُ حقيقةً “تهديدًا وجوديًا لإسرائيل” ويبررُ حقَّ الرد للدفاع عن نفسها؟ إنَّ إسرائيل دولةٌ قويةٌ للغاية، ولديها اقتصادٌ متطورٌ، ويعدّ جيشُها وقواتُها الجوية الأكثرَ كفاءةً في المنطقة، وهي واحدةٌ من أقوى جيوش العالم، وتمتلكُ أسلحةً نووية. وعلى الناحية الأخرى، فإنَّ حماس حركة مقاومة محدودة، تفتقرُ -نسبيًا- إلى الإمكانيات اللازمة، وتنشطُ في مساحة جغرافية محتلّة ومعدومة، مع إيجابية وسلبية أنَّها تَنشطُ بين المدنيين. وباختصار، فمن غير المعقول الادّعاء بأنَّ هجومَ السابع من أكتوبر كان تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، حتى لو صدَّق الإسرائيليون أنَّه كذلك (أناقشُ حقيقةَ ما حدث لاحقًا. إنَّ الفرقَ في القوة بين حماس وإسرائيل واضحٌ للغاية: فحماس لا تستطيعُ قصفَ المدن الإسرائيلية جوًا كما فعلت إسرائيل مراراً وتكراراً في غزة، ولا يمكنُها أنْ تمنعَ إسرائيل من الوصول إلى الماء والغذاء والدواء والكهرباء (كما كان يحدثُ بشكل جزئي منذ حوالي عقدين من الزمن، والآن يحدثُ بشكل شبه كامل). ولا يمكنُ لحماس (كما تفعل إسرائيل) أنْ تعتمدَ على أغنى وأقوى دول العالم الأوروبية والأمريكية، لمدّها بالغطاء السياسي، وبالمساعدات العسكرية والمالية التي لا حصر لها.

إنَّ مقولةَ “حرب إسرائيل وحماس” تدفعُ قائليها إلى البحث عن أوجه التشابه مع صراعات وجودية حقيقية مماثلة، كالحرب العالمية الثانية، والتي تعتبرُ الآن حربًا مشروعةً على الإطلاق، حيثُ تزعمُ إسرائيل بأنَّ قصفَ الحلفاء للمدن الألمانية واليابانية مشابهًا للخسائر البشرية المروعة (“والضرورية للأسف”) التي تُلحقها إسرائيل بالمدنيين العزّل في غزة. (كثيرًا ما ننسى أنَّ قصفَ الحلفاء، جاء بعد قصف ألمانيا للمدن البريطانية، وقصف اليابان للصين. وفي الروايات اللاحقة للحرب التي كتبها المنتصرون، نُسي أنَّ التدميرَ الألماني والياباني للحياة المدنية والبنية التحتية أُدينَ باعتباره “همجيًا”، بخلاف قصف الحلفاء “والذي جاء ردًا على ذلك”). تلك اللغة (إنَّها حرب) تطرحُ تأصيلًا دقيقًا (بدأت الحربُ العالمية الثانية في الثالث من سبتمبر 1939، وبدأت الحربُ بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر 2023)، وتشبيهًا أخلاقيًا بعينه (فحماس بالنسبة لإسرائيل تتشابهُ مع ألمانيا النازية واليابان العسكرية بالنسبة للحلفاء). وتُستخدمُ أيضًا كتبرير للمجازر الوحشية الإسرائيلية المتكررة، العقابية وليست الدفاعية. هذه ليست “حربًا”، إنَّها عدوانٌ ومذبحةٌ، بل إبادةٌ جماعيةٌ مستمرة.

تَعتبرُ إسرائيلُ، خلال مواجهتها مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، أنَّ عقوباتها المتقطعة المفروضة علي الفلسطينيين (والتي تسميها بعملية جز العشب) ضرورةٌ أساسيةٌ لأمنها- وهو ضروريٌ لصدّ الإزعاج والقلق غير المبرر. إنَّ الهدفَ الأساسي من العقاب هو الإذلالُ والتخويفُ ليس فقط لمن يخضعْ مباشرةً لهذا العقاب، بل لكلّ منْ يحاولُ أنْ يتحدى النظامَ القائمَ. يقولُ الإسرائيليون “إنَّنا نستحقُ أنْ نكونَ آمنين بعد الهولوكوست، ولنْ نتمكنَ من ذلك إلَّا إذا هابنا الفلسطينيون”. وفي واقع الأمر، فإنَّ الكثيرَ من الإسرائيليين يعتبرون العقابَ هو الرد الوحيد على الصراع الدائر: فليس ثمة مشكلة يمكن حلها، وإنما مجرد الإبقاء على الوضع الراهن.

عندما يحاولُ المرءُ أنْ يسردَ بدايةً مختلفةً عن السابع من أكتوبر لما يُسمى بالحرب بين إسرائيل وحماس («البداية» تختلف تماما عن «السياق»)، غالبًا ما يُواجه بادّعاء الصهاينة الليبراليين أنَّ «الحرب الإسرائيلية الفلسطينية» صراعٌ بالغُ التعقيد. من المؤكد بإنَّ وصفَ أيّ صراع بأنَّه “بالغُ التعقيد” لا يحتاجُ إلى كثير من البراعة، وأيُّ مطّلع على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يعلمُ ــ أو ينبغي أنْ يكونَ على بينة ــ بأنَّ ثمةَ حقيقة تاريخية بسيطة تقفُ خلف هذا التعقيد الشكلي، وهي أنَّ تأسيسَ الحركة الصهيونية لدولة ذات أغلبية يهودية، والحفاظَ عليها في أرض مأهولة بسكانها الأصليين، لم يكنْ ليتمَّ إلَّا بمساندة حقيقية من الدول الأوروبية (لا سيما الإمبراطورية البريطانية، ثم الإمبراطورية الأمريكية).

ولا داعي للتأكيد على حقيقة أنَّ الصهيونيةَ السياسية هي أوروبيةُ النشأة والتوجه، هناك حيث عانى اليهود تمييزًا وقمعًا طويل الأمد، (وانتهت بإبادة جماعية) على أيدي الأوروبيين المسيحيين أو شعوب ما بعد المسيحية. تلاقت معاداة السامية المسيحية مع الصهيونية السياسية، فكان أشياعُهما أوروبيين معادين للسامية وأوروبيين صهاينة، وكلاهما اتفقا على أنَّ اليهودَ لا ينتمون حقيقةً إلى أوروبا. ودائمًا ما يُنسى أنَّ “تيودور هرتزل” رحَّبَ واستوعبَ هذا التلاقي والتقارب؛ حيث كتبَ “أنَّ المعادين الجدد للسامية سيصبحون حلفائنا الأكثر موثوقية” “وأنَّ الدولَ المعادية للسامية حلفائُنا. نريدُ الهجرةَ كشعب محترم”[3]. وأشارَ الكثيرُ إلى ما قامت به الصهيونية من استيعابِ النظرة المعادية للسامية، واعتبارِ اليهود غرباء عن أوروبا، واقتراحِها حلًا لمعاداة السامية في أوروبا “المشكلة اليهودية” بتأسيس دولة بها “يهود جدد” في فلسطين. وأبرز مثال على ما يسمى بحل هذه الإشكالية الأروبية المعادية للسامية (وهو مثال صغير ولكنه بالغ الأهمية)، ينجلي في تقرير كتبه مجموعةٌ من المراقبين الألمان، في محاكمة أيخمان عام 1961 في القدس. وبإعجاب بالغ، يصف التقريرُ “اليهودي الجديد” بأنَّه “نوعٌ مستحدثٌ ومفيدٌ للغاية من الشباب الإسرائيلي…أصحابُ قامة طويلة، شقرٌ وذو عيون زرقاء في أغلب الأحيان، أحرارٌ، أصحابُ إرادة، وجوهم مألوفة يكاد لا يظهر عليهم أيٌّ من السمات التي اعتادَ المرءُ أنْ يراها يهودية[4]“. إنَّ وجهةَ النظر القائلة بأنَّ اليهودَ الأوروبيين كانوا مختلفين “عنصريًا” عن غير اليهود الأوروبيين تبدو هنا مرفوضةً من قبل الألمان التائبين في فترة ما بعد الحرب، والذين أظهروا توبتهم بمصطلحات عنصرية مناسبة. (بالتأكيد، فإنَّ هتلر ورفاقَه يرقصون في قبورهم: نعم خسرنا الحرب، لكن أنجزنا أحدَ أهم أهدافنا، أرحنا ألمانيا من اليهودية).

وربما استفسرَ البعضُ عن غياب الصهيونية بين اليهود الفلسطينيين (يهود الشرق) الذين عاشو لقرون تحت الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، يقاسمون المسلمين والمسيحيين لغتهم وثقافتهم. والإجابةُ تشرحُ نفسها، بأنَّ الصهيونيةَ في أساسها أوروبيةُ الذات والسياسة والثقافة، ثم استوطنت لاحقًا في فلسطين. انتقلَ القوميون اليهود إلى فلسطين زمنَ نشأة القومية العربية، وهي الأخرى كانت ناتجًا من نواتج الإمبريالية الثقافية الأوروبية. لذا، دائمًا ما اعتبرَ التيارُ الصهيوني – باستثناء عدد محدود من المدافعين الأوائل عن التعاون مع العرب – أنَّ السكانَ الأصليين من المسلمين والمسيحيين يمثلون عقبةً أمام بناء دولة أوروبية في آسيا. وطُلب من اليهود العرب التخلي عن عروبتهم قبل أنْ يتمكنوا – بطريقة أو بأخرى- من الاندماج بشكل تام في الحركة الصهيونية، ثم صاروا مواطنين كاملين في دولة إسرائيل الأوروبية “المتحضرة” بعد عام 1948. ويُزعمُ أحيانًا أنَّ الآمالَ اليهوديةَ في استحواذ الدولة اليهودية على كل الأراضي الفلسطينية هو -إلى حد ما- تطورٌ لاحقٌ في التاريخ الإسرائيلي، وهو زعمٌ باطل. كتبت “حنا إرندت” في مقال لها عام 1994:

 “تجسدت النتيجةُ النهائيةُ لنصف قرن من السياسة الصهيونية في القرار الأخير الذي صدرَ عن الفصيل الأكبر والأكثر نفوذًا في المنظمة الصهيونية العالمية، حيث تبنى الصهاينةُ الأمريكيون، من اليسار إلى اليمين، وبالإجماع، في مؤتمرهم السنوي الأخير، الذي عُقِدَ في أتلانتيك سيتي، في أكتوبر 1944، المطالبةَ بإقامة “كومنولث يهودي حر وديمقراطي… [والذي] ينبغي أنْ يطوقَ فلسطين بأكملها، وبدون تقسيم”. إنَّها نقطةُ تحول في التاريخ الصهيوني؛ فهو يعني أخيرًا انتصار البرنامج التحريفي، الذي طالما نُبذ بشدة. بل ويفوقُ هذا القرارُ قرارَ “أتلانتيك سيتي برنامجَ بيلتمور عام 1942″، والذي مَنحت فيه الأقليةُ اليهوديةُ حقوقًا أقل لأغلبية عربية. ففي هذه المرة لم يَذكرْ القرارُ العربَ من الأساس، وهو ما يجعلهم مخيّرين ما بين هجرة طوعية أو مواطنة من الدرجة الثانية. ويبدو أنَّه اعترافٌ بأنَّ الانتهازيةَ فقط هي التي منعت الحركةَ الصهيونيةَ في السابق من إعلان أهدافها الحقيقية.”[5]

وعليه، فإنَّ الاستعلاءَ اليهودي (الدولة التي تمثل الأمة اليهودية في كل فلسطين) كان حاضرًا منذ بداية مشروع الدولة الصهيونية. وطالما جسدت عبارةُ “من النهر إلى البحر” الآمالَ الإقليميةَ (وإن لم تكن دائمًا السياسة المعلنة) لغالبية التيار الصهيوني ، ناهيك عن وجودها في ميثاق حزب الليكود اليميني. وبطبيعة الحال، فإنَّ الداعمين للفلسطينيين، والمنادين بإقامة دولة ديمقراطية واحدة في كل فلسطين – يتمتع فيها المواطنون الفلسطينيون واليهود بالحرية والمساواة- يستخدمون كذلك عبارةَ “من النهر إلى البحر”.

جديرٌ بالذكر، أنَّ استخدامَ أرندت لعبارة “الهجرة الطوعية” (وكذلك استخدام الصهاينة لها منذ ذلك الوقت) هو تعبيرٌ مجازيٌ عن التطهير العرقي، وهو مشروعٌ سياسيٌ تدعمُهُ لغةٌ تَسعى إلى نزع الإنسانية عن السكان الأصليين، ​​وشيطنتهم على نحو يُكسبُها قبولًا. ربما يتركُ الناسُ موطنَهم الأصلي لأنَّهم يرفضون فكرةَ الاضطرار إلى العيش في ظل ظروف قمعية، أو لسبب أشد صعوبة، وهو خشيتهم على حياتهم. وكما هو معلوم للكافة، ففي عامي 1947 و1948 طُرد ثلاثةُ أرباع مليون فلسطيني من المنطقة التي خصَّصَتها الأممُ المتحدة لدولة إسرائيل – وكذلك من الأراضي التي خُصِّصت لدولة فلسطينية، واستولى عليها الاحتلالُ الإسرائيلي.[6] بالطبع، لم يكنْ التطهيرُ العرقي عام 1948، العملَ الوحيدَ الذي قامت به إسرائيل، فكل حروبها التالية (1956، 1967، 1973) صاحبَها المزيد من الاستيلاء على الأراضي و/أو المزيد من طرد الفلسطينيين من أراضيهم، وهكذا دواليك.

يزعمُ الصهاينةُ أنَّ إسرائيل وطنٌ لجميع يهود العالم. (ألا يجعلُ هذا الزعمُ يهودَ أمريكا وأوروبا عرضةً -سياسيًا- لمعاداة السامية؟) إلى جانب أنَّ هذا الزعمَ يستلزم تعريفًا شافيًا لكلمة “يهودي”. يرى اليهودُ المتدينون بأنَّه لا يمكن تعريفُ اليهود دون الرجوع إلى تقاليدهم الدينية، طالما أنَّ اليهودَ الذين يعرفون أنفسهم يختلفون -وقد اختلفوا بشكل هائل- في اللغة والثقافة وأسلوب الحياة في أزمنة وأمكنة متباينة. وفي المقابل، فإنَّ اليهوديةَ بالنسبة للصهاينة السياسيين ليست معيارًا ضروريًا لتعريف اليهودي، حتى لو اعتبر الكتابُ المقدسُ سرديةً تاريخيةً تسوّغُ المزاعمَ القوميةَ اليهوديةَ (أعرف صديقًا يهوديًا متدينًا دائمًا ما ينسبُ هذه المقولةَ الساخرة إلى بن غوريون: “لا أؤمنُ بوجود إله، لكنَّه منحنَا فلسطين”). لا تعرّفُ الصهيونيةُ السياسيةُ اليهودي بأنَّه شخصٌ يؤمنُ ويعيشُ وفقًا لما يعتقد بأنها تقاليدُ اليهودية، ولكن تعرّفهُ بطريقة التفافية، وهي أنَّ اليهودي هو كلُّ من يحقُّ له “العودة” إلى موطنه إسرائيل. فلا يحق لكلِّ من يجدُ في نفسه بأنَّه يهوديٌ أنْ يأتي إلى إسرائيل –ويدلِّلُ على هذا، ردُّ الفعل السلبي الأولي لكثير من الإسرائيليين إزاءَ رغبة يهود إثيوبيا في الهجرة إلى الدولة اليهودية. ولذا فإنَّ وصفَ “يهودي” مفهومٌ اجتماعي، لا يعتمدُ بالضرورة على الالتزام باليهودية، بل يعتمدُ- كحد أدنى- على قانون النسب اليهودي: اليهودي من كانت أمّهُ يهودية. تتبنى الدولةُ القوميةُ معاييرَ موضوعية واضحة لتحديد من يحق له الهجرة، وليست مجرد مشاعر يجدها المرءُ في نفسه.

ولكن إذا نحّينا الآن حاجةَ إسرائيل البيروقراطية إلى تعريف اليهودي –من يحقُّ له وفقًا للقانون الديني الهجرة إلى الدولة اليهودية ــ يمكنُ أنْ ننتقلَ إلى نقطة أكثر أهمية.

في ملاحظته للتماثلَ الكارثي أخلاقيًا بين المدنيين وجرائم دولهم القومية في الحرب العالمية الأولى، كان “سيغموند فرويد” يتحدثُ عن مواطنين فعليين وحقيقيين وليسوا محتملين أو متخيلين.[7] مع ذلك – ورغم أنَّه لم يكنْ صهيونيًا، ولم يدعمْ مشروعَ الدولة اليهودية- أعربَ فرويد في عام 1930 (في الافتتاحية المختصرة للنسخة العبرية من كتاب الطوطم والمحرمات) عن “الشعور” بكونه يهوديًا، قائلًا “لن يجدَ قارئُ هذا الكتاب سهولةً في أن يضعَ نفسَه في الموقف الوجداني لمؤلف جاهل بلغة الكتاب المقدس، بعيد كل البعد عن دين آبائه –وكذا الأديان الأخرى – عاجز عن المشاركة في مُثُلها القومية، لكنّه لم يتنصلْ أبدًا من شعبه، ويجدُ في نفسه أنَّ جوهرَه يهوديٌ، ولا يرغبُ في تبديل هذا الطبع. فإذا سُئل: “بما أنَّك تخلّيت عن كلّ هذه الخصائص المشتركة بين بني قومك، فما الذي بقي لك من اليهودية؟”، فإجابته هي: “قدرٌ كبيرٌ جدًا منها، بل ربَّما جوهرها”. تعجزُ ألفاظُه أنْ تعبرَ عن هذا الجوهر بكلمات واضحة؛ لكن، وبلا شك، يوما ما ستكون في متناول العقل العلمي.”[8] تتجاوزُ هذه النقطةُ المثيرةُ للاهتمام -التي يطرحها فرويد هنا- بساطةَ مقولةَ “حنة أرندت” القائلة بأنَّه إذا اعتُدي على المرء باعتباره يهوديًا، فلا بد أنْ يدافعَ عن نفسه باعتباره يهوديًا.

 للوهلة الأولى، يبدو أنَّ حبلَ أفكار فرويد يتناقضُ مع ما ذكره سابقًا في نقده الشهير للقومية الأوروبية خلال الحرب العالمية الأولى، هذا إذا اعتبرنا أنَّ شعورَه الإيجابي “يجدُ في نفسه أنَّه يهوديًا” تعبيرٌ عن حسٍّ قومي (أعني الصهيونية السياسية)، وهو ما ينفيه صراحةً. يبدو أنَّ فرويد يشيرُ إلى أنَّنا نشعرُ بنوع من التضامن مع جماعة من البشر لأسباب مختلفة، بأنْ يكونَ لدينا شعورٌ بالانتماء إليهم، دون الرغبة أو التماهى مع دولة قومية معينة تمثّلهم رمزيًا وقانونيًا. بعبارة أخرى: ليست القوميةُ فقط التي تربطُ المرأَ إيجابيًا بأشخاص آخرين، أو بأماكن بعينها.

تُعتبرُ إسرائيلُ حالةً خاصةً من نوعها، فهي من ناحية تدّعي تمثيلَها لقومية بعينها (القومية اليهودية) أينما يعيش أفرادُها حولَ العالم، ومن ناحية أخرى ترفضُ تمثيلَ مواطنيها الذين يعيشون على أراضيها، ممّن لا ينتمون إلى تلك القومية. إحدى أهم نتائج هذا الادّعاء، أنَّ إسرائيل تأخذُ على محمل الجد ضرورةَ طرح إجابة محددة على السؤال القديم: “من هو اليهودي، وما هي اليهودية؟” جزءٌ من الإجابة التي تطرحُهُا الدولةُ الصهيونيةُ سلبيٌ، وهو أنَّ “اليهودَ لا ينتمون حقيقةً إلى أوروبا أو أمريكا حتى لو كانوا يعيشون هناك؛ فانتمائُهم الحقيقي إلى وطنهم إسرائيل وفقط”. والجزءُ الآخرُ مجرد حشو، وهو أنَّ “اليهودَ هم من ينتمون إلى القومية اليهودية، ولذا يحقُّ لهم العودةَ إلى وطنهم القومي التاريخي في فلسطين”. أودُّ أنْ أقولَ هنا أنَّ استخدامَ مصطلح “الوطن” لا ينبعُ ببساطة من الشعور بالأمان الذي عادةً ما يمنحهُ الوطن، بل ينبع من سحْر القوة المسوغة لذات مغلقة مع الدولة، قوة يعزّزُها القدرة على معاقبة وردع من هم خارج هذا الوطن، فمكمنُ خطورتهم أنَّهم خارجُ هذا الوطن.

كثيرًا ما يتحدثُ الإسرائيليون في وسائل الإعلام الغربية عن “الصدمة، والخوف، والمهانة” الذي يعيشون فيه منذ السابع من أكتوبر، وسمعت أحدَ ضيوف هذه المقابلات يقول: “لم نعدْ نشعر بالأمان في وطننا”. أعتقدُ أنَّ مشاعرَ العيش في دور الضحية والمظلومية -العرضةُ الدائمةُ للمزيد من الألم- أمرٌ بالغُ الخطورة.

أنتقلُ الآن إلى رؤية “إيريس مردوخ” الهامة عن هذا الموضوع، ففي روايتها المربكة “وحيد القرن”، تشيرُ “مردوخ” إلى “آتي” لوصف تأثير المظلومية، حيث كتبت “نستدعي حالة “آتي” التي كانت واقعية جدًا عند اليونانيين. “آتي” هو اسم للتمرير شبه التلقائي للمعاناة من كائن إلى آخر. التأثير/ Power شكل من أشكال “آتي”. إن ضحايا السلطة/ Power (وكل سلطة لها ضحاياها) مصابون بالعدوى، وعليهم أنْ ينقلوها للآخرين حتى يهمنوا عليهم. بالطبع هذا عملٌ شيطاني، وتدنيسُ المقدّس كبيرةٌ عند الإله القدير. والعمل الطيب لا يعني بالضرورة زوال السيطرة أو فقد الهيمنة، لأنَّ الشعورَ بالعجز والمظلومية قد يكونُ وجهًا آخرًا من وجوه القوة والهيمنة والسيطرة. والخير لا يعني القوة. وحسنًا لقوة “آتي” أنْ تخمد، عندما تواجه كائنًا مقدسًا يتألمُ فقط، دون أن يمررَ معاناته.”[9]

أذكرُ جيدًا حادثةً وقعت لي منذ أكثر من خمسين عامًا، تحضرني كلّما فكّرتُ في مسألة غواية السلطة والقوة. في زياراتي إلى لندن، عادةً ما كنت أقيم لفترة طويلة مع عمي -الأخ غير الشقيق لوالدي- وهو الذي قدمَ لاجئًا من فيينا عام 1938 (مشروع نقل الأطفال اليهود من ألمانيا النازية) ضمن الجهود البائسة من الآباء لإبعاد أطفالهم عن الخطر النازي في ألمانيا إلى أمان أوروبا الغربية.

استقرَّ عمي في إنجلترا، وعملَ كطبيب أسنان، ودائمًا ما أكَّد على عدم قناعته بإقامة دولة منفصلة لليهود، ولم أشكْ أبدًا في قناعاته، حتى بعد الحادثة التي سأرويها. كان عمي رجلاً لطيفًا رحيمًا، يبغض كافةَ أنواع العنف، ويشمئزُّ من الظلم بجميع أشكاله. وقعت هذه الحادثةُ أثناء حرب الأيام الستة، يونيو 1967، عندما دمّرت إسرائيل القوات الجوية للجيش المصري في أيام قليلة.[10] كنت أشاهدُ مع عمي بعض الأخبار عن الهزيمة على جهاز التلفزيون الخاص به، والذي بثّ صورًا لمجموعات من الجنود المصريين المنسحبين ( أغلبهم من الفلاحين الذين ربّما لم تكنْ لديهم فكرةٌ واضحةٌ عن الحرب التي جنِّدوا للقتال فيها)، ومشاهدَ تَقدّم الدبابات الإسرائيلية وهي تدفعُ الجنودَ المصريين للسير كالدواب. وعلّق مقدمُ نشرة الأخبار بأنَّه سُمح للجنود الفلاحين المهزومين بالعودة إلى ديارهم، لكنَّهم أجبروا على خلع أحذيتهم، والسير حفاة على رمال سيناء الساخنة. واضحٌ بأنَّه أريدَ من هذا التصرف، الإمعانُ في إذلال الجنود. وبدا على الجنود الإسرائيليين- من جنود المشاة وجنود المركبات – حالةٌ من الانتصار. وفجأةً، هلَّل عمي قائلًا “آه! الآن نحن القوزاق!” كان واضحًا -في كلماته التي استخدمها ونبرة صوته، والفخر الجلي على وجهه- أنَّ صورةَ (المذبحة المدبره-Pogrom) كانت في ذهنه، وعلى الرغم أنَّه لم يمرْ شخصيًا بهذه التجربة، وأنَّه مجردُ جزء من ذاكرة عائلته، إلَّا أنَّه أعادَ إنتاجَه في هذه اللحظة، وفي فورة الإعجاب العفوية بالحالة المضادة لليهود المضطهدين يومًا ما، ورغم الوضوح الشديد بأنَّ من يُعاقب الآن ليسوا القوزاق. واضحٌ أيضًا أنَّ المهزومين هنا ليسوا حتى من النازيين المسؤولين عن موت والدته في أوشفيتز.[11] بل كانوا فلاحين مصريين، جنّدتهم الدولةُ القومية، ولا علاقةَ لهم بالهولوكوست. وعلى الرغم من دهشتي وصدمتي (استغرقَ الأمرُ مني بضع لحظات لفهم مشاعره)، فإنَّ حبي لعمي لم يتأثرْ. طبعًا، كان يعرفُ أنَّي مسلمٌ، وأنَّ والدتي عربيةٌ، ولم تكنْ هذه الأمورُ ذات صلة بحبه لي، لكنَّني أدركتُ أنَّ حبّنا للآخرين دائمًا ما يضمر داخله احتمالًا واقعيًا جدًا لخيانة الذات، وهو احتمالية ترك الذات أنْ تخضعَ لغوايات السلطة. ليس أيّ نوع من السُلطة، فهي سُلطةٌ من نوع خاص، أعني احتياجَ وقدرةَ الضحية على نقل معاناته للآخرين كوسيلة للتغلب على القلق والعجز الموروث. وفي الوقت ذاته، اتضحَ لي أنَّ الوصولَ إلى هذه السلطة المهيمنة يحدُّ بالتأكيد من حبنا وصداقتنا للآخرين، وهو حبٌ لا يمكنُ الإبقاء عليه ليس لأسباب عملية، بل فقط بسبب هؤلاء الاخرين.

 معلومٌ أنَّ أعدادًا كبيرة من يهود الشتات (وخاصة اليهود الأميركيين) ممَّن كانوا على ريبة من الصهيونية في بادئ الأمر، انجرفوا إلى ربط هويتهم بإسرائيل بعد انتصارها الساحق عام 1967. أعتقدُ أنَّ السببَ الرئيسي هنا لا يعودُ إلى الخوف أو الضعف، بل إلى التغلب على الشعور بالعجز، وهو يختلفُ تمامًا عن انعدام القوة، أعني أنَّه عندما يتعلق الأمرُ بالحب والصداقة ينعدمُ أي شعور بالحاجة إلى استخدام الآخرين كوسيلة. إنَّ قدرةَ الضحية على تمرير المعاناة للآخرين تختلفُ عن الانتقام من شخص ألحق بنا الأذى (فالانتقام هو إيذاء من أساء إلينا). وهي تختلفُ أيضًا عن السادية، والتي هي مجرد اللذة في إلحاق الأذى بالآخرين. إنَّ قوةَ الضحية قادرةٌ على استيعاب مجموعة متنوعة من الدوافع والتجارب، مرتكزةً على رغبتها في إثبات ذاتها.

 تندلعُ احتجاجاتٌ عامةٌ في كثير من البلدان، مع كلّ مرة تشنُّ فيها إسرائيلُ هجومًا على الفلسطينيين في غزة، بدءًا من 2009 وحتى 2023/2024، ويصف الصهاينةُ وأصدقاؤهم هذه الاحتجاجات بأنَّها “معاداةٌ للسامية”، حتى أنَّ بعضَ الحكومات الغربية تحظرُ هذه الاحتجاجات، كالحكومة الألمانية.[12] ولم تكنْ هذه الاحتجاجاتُ تعبيرات عنصرية، ولا إدانات علنية ذات طابع عنصري وفقًا للمتخيل اليهودي؛ بل كانت إدانات ضد المذابح المرتكبة بحق الشيوخ والأطفال والرضّع، على يد القوات الجوية للجيش الإسرائيلي ذي القدرة الهائلة، المدعومة دائمًا من أمريكا وأوروبا. بدأت الاحتجاجات اعتراضًا على عمليات القتل الجماعي، ثم انتهت إلى احتجاجات رافضة للإبادة الجماعية المتواصلة. استسهلَ الكثيرُ كذبًا وصفَ الاحتجاجات بأنَّها “معاداةٌ للسامية”، وبالطبع، أدّى ذلك إلى الاستهانة بالمشكلة الحقيقية لمعاداة السامية.[13] 

ساهمت الصهيونيةُ في صناعة “يهودي جديد” لا هو بيهودي الشتات ولا بيهودي التوراة، بل هو علمانيٌ أوروبيٌ، ينضحُ بسلطة من نوع خاص. إنَّ قدرةَ إسرائيل على معاقبة الآخرين هو برهانٌ جليٌ على قوتها السياسية، وأيضًا مصدرٌ جاذبيتها عند الكثير من الناس. إنَّ إنجازات إسرائيل المتعددة في المجالات السياسية والثقافية والتكنولوجية لا تعززُ فحسب من مكانتها العابرة للحدود الوطنية، بل تزكّي أيضًا رغبةَ اليهود في الانتماء لها بشدة. محاججتي الرئيسية هنا هي أنَّ العيشَ في دور الضحية والمظلومية الجماعية (النجاة من الهولوكوست) لا تمكن من تشكيل هوية ومشاعر أي شعب ومطالبته بحق تقرير مصيره كأمة. هو أيضًا الإحساس بالقوة من قبل شعب اعتبرته أوروبا المسيحيةُ “خارج التاريخ”، ويقبل الآن -بتلهف- سرديةً علمانيةً مسيحيةً تؤكدُ بأنَّ عودةَ اليهود إلى التاريخ تتحققُ أخيرًا من خلال دولة قومية يهودية قوية ورادعة.[14] يعدُّ هذا التاريخُ – بما يحمله من الرواية القائلة بأنَّ اليهودَ عاشوا كضحايا في العالم المسيحي- جزءًا بالغَ الأهمية في صناعة اليهودي الحديث، لأنَّه حتى بالنسبة لأغلب اليهود المعاصرين (بما في ذلك اليهود الإسرائيليين)، فإنَّ الهلعَ الناتجَ عن التجربة التاريخية يظلُّ كامنًا في اللاوعي عند الإنسان، ولذا، فإنَّ الحصولَ على دولة قوية يعزز (من خلال بناء الذاكرة المؤسسية) ذلك الشعور بأنَّنا كنَّا ولا نزالُ الضحية.

بالطبع، من المنظور السياسي، فإنَّ الدولةَ هي مصدرُ السلطة التي تمكّن الضحيةَ/ المجني عليه (جموع المواطنين) من تمرير المعاناة إلى الآخر. وليس ضروريًا أنْ يكونَ لهذا الفعل أي صلة مباشرة بمن أوجدَ المعاناةَ الأصلية، فالآخر ببساطة هو الشيءُ المتاحُ (الوسيلةُ) التي يُمنح الضحيةُ من خلالها القوة للتغلب على الشعور الموروث بالعجز. والحقيقةُ أنَّ انغماسَ اليهود في خطاب العجز يعززُ رغبةَ معظم اليهود الإسرائيليين في دعم ــ بل والاحتفاء ــ بتصميم جيش الدفاع الإسرائيلي على تمرير الذعر اليهودي إلى الفلسطينيين.

وفي الغالب، يكمن السبب وراء إطلاق مصطلح “إرهابي” على من يخلق الذعر، إلى حالة الهلع التي يعيشُها ضحيةُ العنف. لكن عندما يخلقُ الإسرائيليون حالةَ الذعر والإذلال بين الفلسطينيين (أي ضد أولئك الذين هم خارج الوطن الإسرائيلي)، فلا تُسمَّيه وسائلُ الإعلام الغربية الكبرى بأنَّه إرهاب. وفي اللغة الإنجليزية المعاصرة، فإن المتحدثَ لا يستخدم عادةً لفظ “إرهابي” لوصف ذاته؛ وذلك لأنَّه وصفٌ (لحقيقة) وفي نفس الوقت يحملُ (دلالةً أخلاقيةً) بالإدانة، ويصعب على الذات أن تقر بها بسهولة. وعادةً ما تتبنى وسائلُ الإعلام الغربية الكبرى وجهةَ النظر الإسرائيلية بوصف حماس في غزة بـ “الإرهابية”، ووصف التضامن مع الفلسطينيين بأنَّه “تضامن مع حماس”. وبالتالي، يصبح “التضامن مع حماس” معاداة للسامية. (من يتبني هكذا وجهة نظر لا يسألون أنفسهم، لماذا لم تكنْ هناك حماس في فلسطين العثمانية تحاول جاهدةً أنْ تقضيَ على “جميع اليهود”).

ما أريدُ أنْ أقولَه هنا هو أنَّه كلّما حاولت حماس تخويف وإذلال مضطهديها -حتى ولو بشكل محدود- فإنَّ إسرائيلَ تتبنى موقفًا أخلاقيًا يصف حماس بأنَّها معاديةٌ للسامية و”إرهابية”، وبالتالي تصوير “الحرب بين إسرائيل وحماس” على أنَّه دائرةٌ لا تنتهي من العنف المتواصل بين الإرهابيين الأشرار من جانب، ودولة بريئة تخشى على سلامتها من جانب آخر.

وفي وقت ما كانت تُستخدمُ كلمةُ “الإرهاب” لوصف جهات من خارج الدولة، وأيضًا لوصف نشاط الدول، سواء كانت دولًا ديمقراطية ليبرالية (مثل حروب أمريكا الإمبريالية) أو دولًا شمولية (مثل ألمانيا النازية). وهدَفَ الشعارُ الشهير للنازيين “الإرهاب ضد الإرهاب” إلى وصف العنف الدائم – والحاجي – الذي تمارسه الدولةُ ضدَّ من أَطلقَ عليهم الحلفاء اسمَ “البارتيزان”، أمَّا بالنسبة للنازيين فإن مصطلحَ “الإرهاب” أمرٌ تقنيٌ وليس حكمًا أخلاقيًا. وفي الآونة الأخيرة، أصبح مصطلحُ “الإرهاب” يشيرُ إلى أطراف غير حكومية داخل الدول الديمقراطية الليبرالية وجميع أنحاء العالم ــ وهو تحول في الاستخدام يرجعُ إلى تأثير الولايات المتحدة وإسرائيل في توجيه السياسات والخطاب داخل وسائل الإعلام الغربية العامة. وكان من عواقب الاستخدام الانتقائي لمصطلح “الإرهاب”، الصعودُ الحادُّ في معدلات الإسلاموفوبيا.[15] 

ولما كانت الدولةُ هي من تصنّفُ الأفرادَ والمنظمات بأنهم “إرهابيون”، فيحق لها بذلك أنْ تسلبَهم حقوقَهم القانونية ــ كالسجن لأجل غير مسمى دون محاكمة عادلة، أو التعذيب (“وفقا لتقنية الاستجواب المعزز/ المشدد”). ورغم أنَّ الدولةَ ذات السيادة تدّعي أنَّها تقومُ على أساس القانون، إلَّا أنَّها لا ترى تناقضًا في هذا السلوك؛ لأنَّ السيادةَ، كما يرى شميت، هي السلطةُ والقدرةُ على فرض الاستثناءات.

وحتى قبل هجوم الحادي عشر من سبتمبر- الذي شنّه متشددون إسلاميون- كان هاجسُ “الإرهابيين” و”الإرهاب” في أمريكا مدفوعًا بقوة من رغبة إسرائيل في الانتقام من حركات المقاومة الفلسطينية. ويرى “ريمي برولين” بأنَّ مصطلحَ “الإرهاب” نادرًا ما استعمل من قبل الرؤساء الأمريكيين في بداية الحرب الباردة. وكان من ضمن ما عزَّز شعبية المصطلح هو انعقاد مؤتمرين حول “الإرهاب”، الأول في القدس عام 1979، والثاني في واشنطن عام 1984، وفيهما لم يناقشْ فقط المحافظون الجدد -الأميركيون والإسرائيليون- أهميةَ مجابهة (بل وحتى استباق) “العنف الإرهابي” حالةَ استهدافه التفوق العسكري الأمريكي في العالم، بل أيضًا الحاجة إلى رؤية “الإرهاب” كتهديد جوهري لوجود الدولة اليهودية. وقبل فترة طويلة من انعقاد هذين المؤتمرين، توافقت الدولتان على ضرورة مجابهة “الإرهاب” في كل مكان. وعلى أثر هذا، نتجَ عن مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة -التي أعقبت مقتل الفريق الأولمبي الإسرائيلي على يد مسلحين فلسطينيين في ميونيخ عام 1972- ردرودُ فعل متباينة للغاية على هذا العنف سواء من الولايات المتحدة وإسرائيل، أو من قبل الدول الأخرى غير المتحالفة. فرأت كلٌّ من أمريكا وإسرائيل، بأنَّه لا بد من إدانة “الإرهاب” بشكل قاطع لا لبس فيه، وحادثَ ميونيخ يندرجُ تحت هذا البند بلا شك. وعلى صعيد آخر، لم يهتمْ أحدٌ للمفارقة التي أشارَ إليها مفوضُ الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، من أنَّ عصابات الإرغون والهاغاناه وشتيرن (والتي وصفتها سلطةُ الانتداب البريطانية في فلسطين ب”الإرهابية”) قتلت عمدًا مدنيين أبرياء دعمًا للمشروع الصهيوني، وأنَّ تجربتهم الإرهابية في معاداة الفلسطينيين أصبحت أساسَ الآلة العسكرية الإسرائيلية.[16]

أختمُ كلامي بالعودة إلى مقالة “براين كلوج” الشاحذة للأفكار، والتي بدأ مقالي بها “ما يمكن أن تحد منه اللغة؟” والتي حاجج فيها الكاتب بأنَّ “اللغةَ تعززُ التفكيرَ سياسيًا. وهذا يتطلبُ استخدامَ كلمات تسدُ الفجوةَ بين الواقع العملي والنظرية المجردة، دون التراجع عن الحقائق، أو الاستيلاء عليها لصالح نظرية أو أجندة منشودة. بهذا فقط يمكنُ أنْ نطرحَ الأسئلةَ الأكثر سياسةً، لا سيما المتعلقة بالفلسطينيين والإسرائيليين: كيفية اقتسام المساحات المشتركة التي نعيش فيها لتعزيز الصالح العام”. لكن لا يمكنُ الوصول إلى مثل هذا الحل السياسي قبل أنْ ندركَ أخلاقيًا ما نحن بصدده؛ كيف ولماذا أصبحنا نعيش على هذا النحو؟ يعتقدُ الكثير من الإسرائيليين بأنَّه لا يوجد حلًا عمليا حاسمًا للصراع، بل هي مجرد محاولات للتقليل من خطورته. فالأمرُ أشبه بأزمة البعوض في فصل صيف: لا يوجد حلٌ جذري، بل مجرد وسائل للتخفيف من ضرره. ولكن إذا كنَّا نأملُ في نهاية المطاف أنْ يتمكنَ الإسرائيليون والفلسطينيون من تقاسم مساحة مشتركة؛ أفلا ينبغي أنْ نبدأَ من الواقع الذي يقولُ بأنَّهم لم يتقاسموا مساحة مشتركة على مدار أكثر من 75 عامًا -هم فقط يعيشون على نفس الأرض- وأنَّ هذا الواقع يعني نجاحًا دائمًا لطرف وإخفاقًا مستدامًا للطرف الآخر؟ تصفُ إسرائيلُ المواطنين الفلسطينيين بأنَّهم “عرب” وليسوا “فلسطينيين”، هم فعلًا يعيشون على نفس الأرض ولكن لا يتقاسمونها. وكما يعلمُ الجميع فإنَّ السببَ في عدم تقاسم الأرض يرجعُ إلى فرق القدرة الهائل بين اليهود الإسرائيليين والمواطنين الفلسطينيين (وغير المواطنين)، وإصرار الإسرائيليين على كسب الثقة المطلقة بالنفس، من خلال إظهار قدرتهم على معاقبة الفلسطينيين متى شاءوا.

إنَّ الوظيفةَ الأداتيةَ للّغة لا ترتبطُ فقط بالطريقة التي يفكرُ ويتحدثُ بها المرء، بل أيضًا-وهو الأهم- بالطريقة التي يحيا بها، وكيف يُسمح له بأنْ يحيا. فخصوصيةُ الطريقة التي يحيا بها المرءُ لا يمكنُ ببساطة أنْ يعبّرَ عنها بمجموعة من الكلمات. أرى أنَّ ما ينقصُ نقاشنا هو أنَّنا كبشر لا نتكافأ في فرص الوصول إلى لغتنا، أو في فرص الوصول إلى الأسباب التي نوجدُها لخداع ذواتنا، وهو أمرٌ أخبرنا به فرويد منذ زمن طويل. وهذا الأمرُ غير واضح لنا على وجه الدقة، وذلك راجعٌ إلى أنَّ أفكارَنا حول ماضينا تقتحمُ الحياةَ التي نعيشُها. فالناسُ ليسوا طيبين على الإطلاق، ولا أشرار على الإطلاق؛ هم فقط -وبمرور الزمن- يكتسبون تدريجيًا نوعًا أو آخر من الشخصيات، مع لغة تلائمها وتناسبها.

وبغضّ النظر عن مدى صحته، فإنَّ سؤالَ ما إذا كان التحليلُ النفسي هو وحده الذي يمكنُ أنْ يساعدَنا في الوصول إلى فهم حقيقي لعالمنا الذي نعيش فيه، وصنعناه بأيدينا (أو سمحنا بصنعه)، هو قضيةٌ أخرى. ولكن يمكنُ للمرء، على الأقل، أنْ يغامرَ بهذا المقترح، وهو أنَّه لا فائدة على الإطلاق من الإجابة على هذا السؤال الصعب حول التحليل النفسي، في ظلّ مجتمع مشبع بشعور الجماعي بأنَّه ضحيةٌ من نوع استثنائي، وثمة تفاوت هائل في القدرات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لفعل شيء حيال ذلك، ومعظم من أصبح لديهم نفوذ، يسعون لإقناع أنفسهم بأنَّ ما ساهموا به -ولا يزالون – قولًا وفعلًا، كان دائمًا عقلانيًا وشرعيًا وعادلًا، ثم يحاولون جاهدين في سبيل عبارة منصفة ولغة عادلة (لغة منفصمة عن أي نمط معيشي).

إضافة أخيرة يائسة: لم يعدْ الطيارُ الأمريكي شديدُ الحساسية، قادرًا أخلاقيًا على تحمّل تواطؤ حكومته (وبالتالي تورطه) في الإبادة الجماعية في غزة، فأضرمَ النارَ في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، تضحيةً وأملًا أنْ يهتزَّ لهذا الفعل ضمائر مواطنيه. أي عالم أخلاقي هذا الذي نعيشُ فيه حين يتجاهلُ هذا الفعلَ المسؤولون الحكوميون ووسائلُ الإعلام الرئيسية، واعتباره مجرد عمل شخص مختل عقليًا، أو “متطرف يساري”؟[17] وجواب ذلك: هو العالمُ الذي تقولُ فيه الدولةُ: “يُحظر عليك مطلقًا أنْ تقتلَ نفسَك، لكن عندما نكونُ في حرب، فمن حقي أنْ أأمركَ بأنْ تقتلَ الآخرين، وأنْ تضحي بحياتك طواعيةً في سبيل أمتك.” يمكن للدولة تعليمك كيفية فرض معاناتك على الآخرين، لكن لا يمكنها إرشادك إلى سبل مصادقتهم.        


المراجع

[1] Brian Klug, “George Orwell, Gaza, and “The Debasement of language,” Contending Modernities, December 15, 2023. See also his Offence: The Jewish case, New York: Seagull Books, 2009.

[2] نوقش تقريرُ الأمم المتحدة الذي أعدته “براميلا باتن” حولَ مسألة العنف الجنسي المسلّح في السابع من أكتوبر (والذي رحبت به الحكومةُ الإسرائيلية ومؤيدوها) في نقد مفصّل ومثير للإعجاب، من قبل شبكة التضامن النسوية من أجل فلسطين، بعنوان “هذا ما جاء في تقرير براميلا باتن للأمم المتحدة بخصوص السابع من أكتوبر”، موندوايس، 11 مارس 2024. كان التحفظ الأولي أنَّ ما جاء في التقرير ليس تحقيقًا، ولم يُدَّعى أنَّه كذلك.

[3] The Complete Diaries of Theodor Herzl, New York: Herzl Press, 1960, Vol. 1, p. 84.

[4] الاقتباس من: (Jewish Currents Podcast, On the Nose) 8 فبراير 2024.

[5] Hannah Arendt, “Zionism Reconsidered,” in The Jewish Writings, ed. By Jerome Kohn and Ron Feldman, New York: Schocken Books, 2007, p. 343.

[6] حدث قدرٌ كبيرٌ من هذا التطهير العرقي قبل أي عمل عسكري تقوم به الدول العربية المجاورة ــ وبالتالي لم يكنْ بسبب الدفاع عن النفس بل إلى الحاجة إلى خلق أغلبية يهودية في مناطق التطهير العرقي. راجع

Ilan Pappe, The Ethnic Cleansing of Palestine, London: One World Publications, 2006.

[7] Sigmund Freud, “Thoughts for the Times on War and Death,” in Sigmund Freud, Standard Edition, ed. By James Strachey, vol. XIV, London: Hogarth Press. 1957.

[8] Sigmund Freud, Totem and Taboo, p. xi; authorized English translation, 1950. (Italics added.)

[9] Iris Murdoch, The Unicorn, New York: Avon Books, 1964, Chapter 12, p. 102.

[10] ولأنَّ هذا النصر كان “معجزةً” بالنسبة للإسرائيليين، أصبح يُسمى ب “حرب الأيام الستة”، رغمَ أنَّ الحربَ انتهت بعد خمسة أيام. وبما أنَّ اللهَ خلقَ السماءَ والأرضَ في ستّة أيام، اعتبرَ العديدُ منهم أنَّ تلك الحرب علامةٌ على التدخل الإلهي. وأكد “ماتي بيليد”، أحد كبار جنرالات إسرائيل في حرب عام 1967، أنَّ حرب 1967 «لم تكنْ حربًا وجودية بل حرب اختيار». انظر:

Miko Peled, The General’s Son, Charlottesville, VA: Just World Books, pp. 50-51.

[11] توفي جدي لأبي في تيريزينشتات، وعمتي في أوشفيتز (توفيت جدتي لأبي لأسباب طبيعية في أوائل الثلاثينيات، وتزوج جدي لأبي بعد ذلك من أرملة لديها طفل صغير). وعندما زار لندن، في إحدى المناسبات، ذكّره عمي بأحقيته في الحصول على تعويض من الحكومة النمساوية “دية”. أجابَ في هلع “لن أقبل ديةً تُريحُ ضمائرهم!” وسألتُه لاحقًا عن عدم رغبته في أنْ يسامحَ الشعبَ الألماني عن جرائم القتل التي ارتكبها، ردَّ قائلًا: “لا يعفو عن هذه الجريمة إلا الله، هذا أمرٌ لا أستطيعه” وهذا التوجه (الذي تبناه آخرون) يتناقضُ بشكل عجيب مع حرص إسرائيل -الضحية الكبرى التي لم تكنْ موجودة زمن الهولوكوست- أنْ تحصلَ على تعويضات لا نهاية لها من ألمانيا باسم جميع الموتى المجهولين.

[12] يذكر بيتر كوراس “أنَّه كان من المفترض أنْ يساعدَ جيشٌ من مفوضي معاداة السامية ألمانيا على التكفير عن تاريخها، ويستشهد النقادُ بذلك على خلل جهود الذاكرة”. انظر: Jewish Currents, Spring 2023. راجع أيضا:

Pankaj Mishra, “Memory Failure,” London Review of Books, Vol. 46, no. 1, 4 January 2024.

[13] أحدُ الأمثلة النموذجية على ذلك هو البارونة “جاكلين فوستر” في المملكة المتحدة، التي اتهمت طالبةً إيرانيةً في جامعة أكسفورد بمعاداة السامية لأنَّها استخدمت مثالَ الأخطبوط كجالب حظ، ومعروفٌ أنَّ المعادين للسامية يشيرون بالأخطبوط إلى السيطرة اليهودية المزعومة على العالم. اضطرت فوستر إلى سحب اتهامها، والاعتذار للطالبة، بعد محاكمتها وإدانتها من قبل القضاء. راجع الجارديان 6 مارس 2024.

[14] See Amnon Raz-Krakotzkin, “Exile, History, and the Nationalization of Jewish Memory: Some Reflections on the Zionist Notion of History and Return,” Journal of Levantine Studies, Vol. 3, No. 2, Winter 2013.

[15] لم تنته معاداة السامية، ولا يزال اليهود مستهدفين. أمَّا بالنسبة للإسلاموفوبيا فهي الظاهرة الأكثر ضراوة في العقود الأخيرة، بسبب هجرة الملايين من المسلمين إلى أوروبا. تزدادُ حدةَ الإسلاموفوبيا مع كل عام، وبكل سهولة انتقلت من أقصى اليمين المتطرف إلى التيار السياسي السائد. راجع:

Peter Oborne, The Fate of Abraham, New York: Simon and Schuster, 2022, p.21.

[16] راجع ريمي برولين: “الجذور الإسرائيلية للخطاب الأمريكي حول الإرهاب” ( Dialectical Anthropology, 39:1) 2015. وللمزيد حول الإرهاب الصهيويني في ثلاثينيات وإربعينيات القرن الماضي، راجع: رشيد خالدي، حرب المئة عام على فلسطين، 2020. وراجع على الأخص، الورقة الموجزة التي أعدّها مركزُ فلسطين القانوني ومركزُ الحقوق الدستورية: “معاداة الفلسطينيين في الصميم: أصول قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي ومخاطره المتناميه”، فبراير 2024.

[17] ” يوم الأربعاء الماضي، أرسل السيناتور “توم كوتون”- عضو الحزب الجمهوري عن ولاية أركنساس، وضابط سابق بالجيش، وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ- رسالةً إلى وزير الدفاع “لويد أوستن”، يسأله لماذا وكيف يمكن للبنتاغون أنْ يضمَّ طيارًا مثل بوشنيل إلى صفوفه، واصفًا وفاته بأنها “عملٌ من أعمال العنف المروع” والتي كانت “دعمًا لجماعة إرهابية [حماس]”، واصل كوتون استفساراته عن الجهود الداخلية لوزارة الدفاع لمواجهة التطرف، وما إذا تبين للوزارة أنَّ بوشنل يظهر آراء أو سلوكيات متطرفة”. راجع:

Ken Klippenstein, “Will Aaron Bushnell’s Death Trigger Anarchism Witch Hunt?” The Intercept, March 7th 2024.   https://theintercept.com/2024/03/07/aaron-bushnell-fbi-anarchism extremist/?utm_medium=email&utm_source=The%20Intercept%20Newsletter