مجلة حكمة
السيكولوجية الأخلاقية النسوية

السيكولوجية الأخلاقية النسوية

الكاتبأنيتا سوبرسون
ترجمةريم مكي

علم النفس الأخلاقي، في معناه الواسع، يتناول المسائل المتصلة بدوافع الفعل الأخلاقي. وعلى نحو أكثر تحديدًا، يهتم بكيفية إدراكنا – أو إخفاقنا في إدراك – القضايا الأخلاقية، ولماذا نتصرف – أو لا نتصرف – بطريقة أخلاقية، وكذلك ما إذا كنا مسؤولين عن أفعالنا وإلى أي مدى. وفي جوهره، ينشغل هذا الحقل بمسألة الفاعلية الأخلاقية أي بطبيعة الكائنات التي نحن عليها، أو ينبغي أن نكون عليها، من منظور أخلاقي.

علم النفس الأخلاقي النسوي يعالج ما أسهمت به الفيلسوفات النسويات، على وجه الخصوص، في حقل علم النفس الأخلاقي، أو الطرق التي يُستمد بها تناولهن لهذه القضايا من انشغالات نسوية، وخاصة فيما يتصل بفهم اضطهاد النساء والسعي إلى إنهائه. ويمكن تلخيص إسهام النسوية في علم النفس الأخلاقي في ثلاثة محاور رئيسة على الأقل:

أولًا، تؤكد بعض النسويات على دور العاطفة في الفعل، وبوجه خاص يبرزن دافع الرعاية باعتباره باعثًا على الفعل. ويقمن بذلك انطلاقًا من أن العاطفة بوجه عام، والرعاية بوجه خاص، قد جرى تجاهلها أو الحط من شأنها في النظريات الأخلاقية التقليدية بسبب اقترانها بالنساء. ويرين أنه إذا كان الهدف إنهاء اضطهاد النساء، فلا بد أن ندمج في نظرياتنا الفلسفية ما ارتبط بالنساء وبـ “الأنوثة”، مما كان يُستبعد تقليديًا. ومع ذلك تبدي نسويات أخريات قلقًا من أن الرعاية، تحديدًا، قد تُلحق الضرر بالنساء، ويعتقدن أن إدماجها في النظرية الأخلاقية سيؤدي إلى تكريس اضطهاد النساء.

ثانيًا، أدى التركيز النسوي على قضية الاضطهاد إلى دفع النسويات العاملات في حقل علم النفس الأخلاقي إلى الاعتراف بدور الاضطهاد المنهجي في تشكيل سيكولوجيا كلٍّ من ضحايا الاضطهاد وجلاديهم. ومن بين القضايا المركزية هنا: الدور الذي يمارسه النظام الأبوي في توجيه دوافع الفرد وأفعاله اللاحقة. كيف يؤثر النظام الأبوي في رغبات النساء؟ هل يمكن للنساء أن يكنّ مستقلات ذاتيًا إذا كانت رغباتهن مشوَّهة بالنظام الأبوي؟ هل يسهم إشباع هذه الرغبات المشوَّهة في استمرار اضطهادهن؟ وما الذي يحفّز أولئك الذين يقترفون أفعالًا تمييزية تسهم في اضطهاد النساء؟

ثالثًا، يرتبط بذلك انشغالٌ آخر للنسويات العاملات في هذا الحقل، وهو مسألة المسؤولية. إلى أي مدى نكون مسؤولين عن أفعالنا إذا كانت مدفوعة برغبات مشوَّهة بفعل النظام الأبوي؟ هل يُعَدّ ضحايا الاضطهاد مسؤولين بأي شكل عن اضطهادهم؟ وهل تقع عليهم مسؤولية مقاومة هذا الاضطهاد؟ وهل يتحمل أعضاء الجماعة الاجتماعية المهيمنة مسؤولية فهم الاضطهاد، وكيف يمكنهم أن يصلوا إلى هذا الفهم؟ وهل الرجال، بوجه عام، مسؤولون جماعيًا عن اضطهاد النساء، حتى عندما لا يكون كل رجل فرديًّا يحمل نوايا تمييزية؟


1– الدافعية الأخلاقية

على امتداد تاريخ الأخلاق، انشغل كثير من الفلاسفة الأخلاقيين بسيكولوجيا الفاعل، أي بما يحفّز الفاعل على القيام بالفعل. ويبرز ثلاثة أسماء بوصفها أشدّ المناوئين أو أوفى الأصدقاء للنسويات: هوبز، وهيوم، وكانط.

رأى هوبز أن المصلحة الذاتية هي ما يحفّز جميع الأفعال، بما في ذلك الأفعال الأخلاقية. فجميع أفعال الشخص، بحسب هوبز، كل فعل يصدر عن الإنسان يتجه نحو ما يراه هو خيرًا له، والعقلانية تقتضي أن يتصرف المرء بما يعزّز هذا الخير، وهو ما يساوي، عند هوبز، التصرف بما يحقق الإشباع الأمثل لرغبات المرء. وأقوى رغبة لدى كل إنسان عاقل هي حفظ الذات، وهو ما تملي العقلانية ألّا يُضحّى به أبدًا. وعلى هذا النحو، فإن المصلحة الذاتية أو إشباع الرغبة هو ما يدفع إلى الفعل، ويُملي كلٌّ من الأخلاق والعقلانية العمل وفقًا لذلك.

أما هيوم، فقد وافق هوبز على أن العقل وحده لا يستطيع أن يحرّك الفعل، لكنه اختلف معه بشأن الدافع الذي يوجّه الفعل إذ اعتقد هيوم أن ما يحفّز الفعل الأخلاقي ليس المصلحة الذاتية، بل الشعور أو العاطفة، وبالأخص التعاطف أو النزعة إلى الإحسان. فدور العقل عنده، ينحصر في تحديد الوسائل لتحقيق الغايات، لا في تعيين الغايات ذاتها، إذ إن هذه الغايات يحددها الشعور.

أما كانط، فقد ذهب على خلاف كلٍّ من هوبز وهيوم إلى أن العقل ذاته يمكن أن يحرّك الفعل، بل عدهمصدرًا لطبيعتنا الأخلاقية. فالعقل، بحسب كانط، ينبغي أن يسيطر على الرغبة، لا أن يوجّه إشباعها، حتى يكون الفاعل مستقلاً ذاتيًا(انظر مثلًا: Deigh1992، ص 1–2).

لقد شاركت النسويات في هذه النقاشات بإسهامات نقدية مهمة.

ومن أبرز الاعتراضات التي طُرحت أن العاطفة ارتبطت تاريخياً بالمرأة، ولهذا السبب فإن الفلاسفة الأخلاقيين ـ ومعظمهم من الرجال ـ إمّا أهملوا شأنها، أو انتقصوا من قيمتها، أو ضمّنوها في نظرياتهم الأخلاقية لكن في إطار تصوّر ذي طابع ذكوري. وفي المقابل، بما أنّ العقل ارتبط بالرجال فقد جرى تمجيده وإعلاؤه في تلك النظريات ذاتها.

تلمّح النسويات من خلال هذا النقد إلى أنّ النظرية الأخلاقية التقليدية تنطوي على نزعة تمييزية ضد المرأة. فكانط، بتشديده على ضرورة أن يسيطر العقل على الرغبة، يقلّل من شأن العاطفة، ثم إنه حين يؤكد أن العقل وحده قادر على تحريك الفعل، يُقصي العاطفة في نهاية المطاف من مجال الأخلاق. أما هوبز، فحين يستند إلى دافع المصلحة الذاتية في تصويره للإنسان في حالة الطبيعة التي تُستمد منها الأخلاق، فإنه يصوغ العاطفة في إطار ذي طابع ذكوري، بوصفها الدافع الملائم للأفعال التي تُوجَّه نحو الغرباء في ما يسمى المجال العام، وهو المجال الذي ارتبط تقليدياً بالرجال. في المقابل، ترىبعض النسويات أن موقف هيوم أقدر على تفسير الفعل الأخلاقي، إذ يجعل من النزعة إلى الإحسان أو التعاطف شرطاً ضرورياً لتحريكه.

تعتقد بعض النسويات أنّ من الخطوات الضرورية في سبيل إنهاء اضطهاد المرأة ـ وهو الهدف الذي يجمعهنّ بسائر التيارات النسوية ـ أن يُعاد إدماج العناصر التي طالما أُقصيت من النظريات الفلسفية لمجرّد ارتباطها التاريخي بالنساءBaier) .(1987b; Held 1987 ويرفضن معاً موقف كانط، القائل بوجوب إخضاع الرغبة لسلطة العقل، وموقف هوبز الذي يجعل من المصلحة الذاتية الدافع الرئيس للفعل الأخلاقي، ويمِلن إلى إدخال الدوافع التي ارتبطت تقليدياً بالنساء في النظرية الأخلاقية. وتتمثّل هذه الدوافع في ما يُناسب الفعل داخل مجال العلاقات الحميمة، أي ما يُعرف بالمجال الخاص، وهو المجال الذي جرى تاريخياً حصر النساء فيه، لا سيما النساء البيض المنتميات إلى الطبقة الوسطى. وفي مقدمة هذه الدوافع يأتي دافع العناية، الذي تجسّده النساء في أدوارهن التقليدية كراعيات للأطفال. غير أنّ الموقف النسوي من موقع العاطفة داخل النظرية الأخلاقية ليس موحّداً؛ فبعض المفكّرات يحذرن من أنّ إدماج ما يُسمّى “العواطف الأنثوية” في النظرية الأخلاقية قد يُعيد إنتاج أشكال القمع ذاتها، إذ يُبقي من دون مساءلة التصوّر القائل إنّ النساء كائنات عاطفية في جوهرهن، بينما الرجال عقلانيون بطبيعتهم(Tronto 1993, 241–247; Tuana 1992, 115–116).

لقد جاءت استجابات النسويات، على طرفي النقاش، متنوّعة ومتعددة الأوجه. ومن المهم الإشارة إلى أنّ بعض الفلاسفة، بمعزل عن الدوافع النسوية، قد ناقشوا الاتهام القائل إنّ النظرية الأخلاقية التقليدية تنتقص من شأن العاطفة أو تتجاهلها، مؤكدين أنّه يمكن ـ على الأقل ـ أن تجد العاطفة موطئ قدم داخلها. فعلى سبيل المثال، تجادل باربرا هيرمان (1981) ومارشا بارون (1984) بأنّ كانط ليس مضطراً، بل ولا ينبغي له أن يستبعد العاطفة كلياً من نظريته. وتذهب هيرمان إلى معارضة الرأي الشائع الذي يرى أنّ الفعل لا يكتسب قيمة أخلاقية إلا إذا أُنجز في غياب أي ميل، وبحافز أخلاقي صرف، أو بدافع الواجب. وهي توافق على أنّ الأفعال التي لها قيمة أخلاقية يجب أن تُنجز بدافع أخلاقي، لكنها تؤكد أنّ القراءة السائدة لكانط مخطئة في افتراضها أنّ وجود الميل مستبعد بالضرورة. فالميل قد يكون حاضراً في الأفعال الواجبة أخلاقياً ما دام الدافع النهائي للفاعل هو الدافع الأخلاقي، وفي الأفعال المباحة أخلاقياً يمنح الميل ـ في الحالات العادية ـ للدافع الأخلاقي موضوعه. تذهب بارون إلى أنّ الميل لا بد أن يكون حاضراً لدى الشخص الكامل أخلاقياً، وذلك لأنها تفهم الدافع الأخلاقي في إطار كانطي، لكن لا بالمعنى الصارم الذي صاغه كانط، بل باعتباره التزاماً بالأخلاق، لا شيئاً يجب أن نستحضره في أذهاننا مع كل فعل نقوم به. وفي هذا الدور يمكن أن يعمل الدافع إمّا بوصفه دافعاً أولياً، أي محفِّزاً للفاعل من غير عون من الميل، وإمّا بوصفه دافعاً ثانوياً، أي التزاماً بفعل الصواب، فيوجّه الفاعل إلى أن يتصرّف على النحو الذي يشير إليه الميل. وبطبيعة الحال، فإن هذه المحاولات المتواضعة لإدماج العاطفة في النظرية الأخلاقية لا تستهدف الردّ على الاعتراض النسوي القائل إنّ الدوافع “الأنثوية” قد جرى تهميشها أو الانتقاص من قيمتها في النظرية الأخلاقية التقليدية بسبب اقترانها بالنساء.

ويميل بعض الفلاسفة الذين يكتبون انطلاقاً من منظور نسوي على وجه الخصوص إلى تأييد أي نظرية أخلاقية تقليدية تدمج ما يُسمّى ب “الدوافع الأنثوية”. وتذهب أنيت بايَر إلى أنّ هيوم هو “الفيلسوف الأخلاقي الأقرب إلى المرأة ” (1987). ومع أنّ بايَر تقرّ بأنّ هيوم لم يكن ذا مواقف نسوية بالمعنى الدقيق، إذ كان يرى النساء أضعف من الرجال عقلاً وجسداً، فإنها تعتقد مع ذلك أنّ نظريته تنسجم مع البصيرة الأخلاقية لدى النساء، سواء في المفهوم الذي تتبناه كثير من النساء عن الأخلاق، أو في الخبرات التي تقودهنّ إلى تبنّي ذلك المفهوم((38.

تُقارن بايَر بين نظرية هيوم الأخلاقية ونظرية كانط، على وجه الخصوص في ارتباطها باستنتاجات كارول غيليغان حول الفروق بين تفكير الرجال والنساء الأخلاقي (انظر أدناه؛ 1982). وبصفتها عالمة نفس، سعت غيليغان إلى جمع بيانات عن أسلوب النساء في التفكير الأخلاقي. وقد لاحظت أنّ هذه البيانات لم تنعكس في التجارب التي أُجريت على الذكور فقط من قِبل عالم النفس الشهير لورنس كولبرغ (انظر مدخل “الأخلاق النسوية”). وتشير بايَر إلى الفوارق الآتية بين كانط وهيوم، والتي تراها مشابهة للفوارق التي أشارت إليها غيليغان بين النساء اللواتي درستْهنّ ورجال كولبرغ: يجعل كانط الأخلاق مسألة طاعة للقانون الكوني الذي ننال من خلاله الحرية، بينما يجعلها هيوم مسألة تنمية السمات الخُلُقية الموجّهة نحو راحة البال والاستقامة؛ ويرى كانط أنّ العقل هو القدرة الأخلاقية الأساسية، في حين يرى هيوم أنّ التعاطف، أو استجابات القلب تجاه أشخاص بعينهم، هو هذه القدرة؛ ويعتبر كانط أنّ قواعد العدالة مُلزمة أخلاقياً، بينما يؤكد هيوم على العرف وعلى القضاء على التناقضات في أهواء الأشخاص المتعاطفين. كما يشدّد هيوم على العلاقات بين غير المتكافئين، مثل محبة الوالدين لأبنائهم، وهي التي اعتبرها أمتن الروابط التي بوسع العقل أن يختبرها، ومنها بنى نظريته الأخلاقية.

قدّمت غيليغان بيانات مستخلصة من تجارب على نساء ورجال تُظهر أنّ النساء، في الغالب، كنّ يتخذن قرارات بشأن المعضلات الأخلاقية استناداً إلى المواقف العينية التي يعرف فيها الأطراف تفاصيل بعضهم بعضاً، مع التركيز على مشاعر مثل العناية بالآخرين والحفاظ على العلاقات. أمّا الرجال، فكانوا، في معظم الحالات، يتخذون قراراتهم على أساس اتباع القواعد ومبادئ العدالة مع تجريدها من تفاصيل الحالة.

غير أنّ هذا لا يعني أنّ أطروحات غيليغان خلت من الجدل؛ فمنذ نشرها نتائج دراستها، تعرّضت انتقادات متعدّدة: فهي متهمة بإدامة الصور النمطية التمييزية(Tronto 1993)، وبكونها غير دقيقة، سواء لغياب فروق جوهرية في التفكير الأخلاقي بين الذكور والإناث عبر المراحل العمرية المختلفة (Walker 1984 [1993] ) أو لأنّ أي فروق قد تُعزى أكثر إلى مستوى التعليم أو النموّ المعرفي العام لا إلى النوع الاجتماعي (Greeno and Maccoby 1986 [1993]) كما وُصفت بأنها خاطئة لأن حجم العينة وطبيعة توصيفاتها غير كافيين لاستنتاج ما ذهبت إليه بشأن التفكير الأخلاقي القائم على النوع الاجتماعي (Luria 1986 [1993]) بل ورُئي أنّها تستدعي تعميمات قد تُستخدم لدعم مواقف عنصرية.(Moody-Adams 1991, 199) ورغم هذه الاعتراضات، ترى بايَر أنّ بيانات غيليغان عن تفكير النساء الأخلاقي تتوافق مع نظرية هيوم، في حين أنّ بيانات تفكير الرجال الأخلاقي تنسجم مع نظريات أخرى موجّهة نحو العدالة مثل نظرية كانط وهوبز. وتؤيّد بايَر نظرية هيوم لكونها أكثر ملاءمة للنسوية، إذ تعبّر بدقة أكبر عن تجارب النساء مقارنةً بالنظرية الكانطية أو النظريات الأخرى المتمحورة حول العدالة، ولا سيما تجربة النساء في علاقات الرعاية التي تتطلّب معرفة خصوصيات الأشخاص المعنيين.

منذ نشر نتائج غيليغان، تجاوزت بعض النسويات مجرّد تأييد نظرية هيوم إلى تمجيد قيمة رعاية النساء في نظرية أخلاقية جديدة هي أخلاقيات الرعاية، والتي تستند ــ على الأقل جزئياً ــ إلى الفعل بدافع الرعاية (انظر مدخل “الأخلاق النسوية”). وما يميّز النقد النسوي الموجَّه إلى النظريات الأخلاقية التقليدية عن نقد فلاسفة مثل مايكل ستوكر (1976)، الذي اعتبر أنّ النظريات الأخلاقية الحديثة «انفصامية» لأنها لا تُعير اهتماماً إلا للأسباب والقيم والتبريرات بينما تقول القليل، إن قالت شيئاً، عن الدوافع، هو أنّ النسويات يطرحن اعتراضهن من منطلق أنّ صوت المرأة قد استُبعد من النظرية الأخلاقية، وأنّ الرعاية، تحديداً، هي الدافع الذي جرى إقصاؤه. ويبرز دافع الرعاية خصوصاً في العلاقات الأسرية، ولا سيما بين الأم وطفلها. وبما أنّ النظريات الأخلاقية التقليدية انشغلت أساساً بالأعراف التي ينبغي أن تنظّم العلاقات بين الغرباء في المجال العام، فقد أغفلت الحديث عن الرعاية التي تجري في العلاقات بين المقرّبين ضمن ما يُسمّى بالمجال الخاص، ذلك المجال الذي حُصرت فيه النساء تاريخياً. ومن ثمّ، فإن النسويات اللواتي يتبنّين أخلاقيات الرعاية يهدفن إلى تمجيد قيمة الرعاية في النظرية الأخلاقية، بما يمنح النساء صوتاً أخلاقياً موازياً لصوت الرجال.

يرى معظم المنظّرين في أخلاقيات الرعاية أنّ دافع الرعاية، وليس مجرّد التصرف بطريقة تنطوي على رعاية، هو العنصر الجوهري والمميِّز في هذه الأخلاقيات على سبيل المثال، (Ruddick 1980; Noddings 1984; Baier 1987b; Calhoun 1988; Held 1990 ).غير أنّ بعضهم، مثل ماننغ، يقترح أنّ الرعاية لا تستلزم أي عاطفة محدّدة تجاه من تُوجَّه إليه (Manning 1992, 64). وتفضّل بعض النسويات دمج الرعاية في نظريات العدالةFriedman 1987; Tronto) 1993; Flanagan and Jackson 1987; Blum 1988) في حين يقترح آخرون استبدال نظريات العدالة تماماً بأخلاقيات الرعاية Gilligan 1982, 1987;)(Noddings 1984; Ruddick 1980 ويرى هؤلاء الأخيرون أنّ الفعل الأخلاقي تُحرّكه دافعية الرعاية لا العقل في ذاته.

لقد جرى في الآونة الأخيرة إبراز دور دافع الرعاية بوصفه عنصراً محورياً في المعرفة الأخلاقية. فمارغريت ليتل ترى أنّه أساسيّ لرؤية المشهد الأخلاقي، أي لمعرفة ما الذي يقتضيه الموقف أخلاقياً، وللوصول إلى الحقائق الأخلاقية Little)1995 [2007]). وتجادل ليتل بأنّه عندما نهتم بشخص ما، نكتسب الاستعداد الخلفي الصحيح الذي يمكّن الخصائص ذات الصلة الأخلاقية من أن تطفو إلى وعينا. فالرعاية تجعلنا متقبّلين لخصوصيات الشخص، وتتيح لنا الاستماع إلى سرده، وتجعلنا نحترمه كذات مسؤولة. وفقط حين نكون في مثل هذا الاستعداد نعرف ما الذي يقتضيه الموقف أخلاقياً، إذ إنّ الاهتمام بالأشخاص يمكّننا من التقاط ما هو جوهري من الناحية الأخلاقية (1995 [2007, 424–25]).

أما أولئك الذين يملكون مجرّد إدراك فكري للمشهد الأخلاقي لكنهم لا يستجيبون استجابة مناسبة، فإن إدراكهم يظل مشوشاً ولا يصيبون جوهر الأخلاق (1995 [2007, 427] ). وينطبق ذلك مثلاً على شخص يرى أنّ بعض الأفعال مؤلمة ويعرف ما هو الألم، لكنه لا يرى في الألم شراً. فهذا الشخص لا يدرك الأخلاق على نحو صحيح، أولاً لأن المصطلحات غير الأخلاقية لا يمكنها أن تفسر الأخلاق تفسيراً كاملاً (فهي، مثلاً، لا تستطيع أن تشرح الفارق بين قسوة ركل كلب، أو السخرية الكلامية من شخص ما، أو نسيان دعوة طفل الجيران إلى عيد ميلاد ابنة المرء (1995 [2007, 428]).

والسبب الثاني أنّ الدور الذي تؤديه سمة ما في تحديد الوضع الأخلاقي لفعل ما يعتمد، على نحو لا يمكن تقنينه، على خصائص أخرى ذات صلة. فكون الفعل ممتعاً قد يكون سبباً في فعله، لكنه في الوقت نفسه سمة تجعل من صيد الحيوانات أمراً إشكالياً أخلاقياً (1995 ([2007, 428] وتخلص ليتل إلى أنّ الرعاية عنصر ضروري في إدراك الخصائص الأخلاقية ذاتها، خلافاً للسرديات التقليدية التي ترى أنّ المعرفة الأخلاقية تُكتسَب حصراً بواسطة العقل، الذي يمرّر أحكامه إلى الدافعية، وهذه بدورها تصدر الاستجابة المناسبة .(1995 [2007, 420, 428]) 

وعلى الرغم من أنّ أخلاقيات الرعاية ما تزال في طورٍ تطويري نسبي، على الرغم من دفاع فيرجينيا هِلد عنها بصورة أكثر شمولاً في كتابها عام 2006، فقد تعرّضت منذ الآن لانتقادات من بعض النسويات باعتبارها نظرية أخلاقية “أنثوية” فحسب، لا “نسوية”. فالأخلاق الأنثوية تُعطي وزناً لتجارب النساء وحدوسهن، لكنها لا تُوجَّه بالضرورة إلى غاية إنهاء اضطهاد النساء؛ بينما تُدرج الأخلاق النسوية ضمن أهدافها الأساسية إنهاء ذلك الاضطهاد. فإذا كانت الرعاية دافعاً تختبره النساء في الغالب من موقع استغلالي، فإن الخشية هي أنّ تمجيدها في النظرية الأخلاقية لا يتجاوز هذا الدور، بل قد يساهم في تكريسه. ويشير بعض النسويات إلى أنّ هذه الأخلاقيات ترتكز على العلاقة غير المتكافئة التي تُمارس فيها الأم رعاية طبيعية لطفلها، وهي علاقة قد لا تُبادَل بالمثل، خصوصاً إذا كان الطفل ذكراً، كما أنّها تُهمل الاعتراف بالصراع الحقيقي الذي تعيشه بعض الأمهات بين الضجر والحنان (Hoagland 1991, 253, 254, and 256).

وينتقد آخرون نوع الرعاية الذي تنطوي عليه أخلاقيات الرعاية نفسها. فبينما يتجسّد اهتمام الرجال في كسب الرزق وتوفير السلع المادية للأسرة، أي في الحماية وأشكال الدعم المادي التي يملكون السيطرة عليها، تتجسّد رعاية النساء في العمل العاطفي الذي ينطوي على الإقرار بالاعتماد على الآخر وتقاسم السيطرة أو فقدانها، وهو ما يسهم في تكريس اضطهادهن .(Friedman 1993, 175 and 177)

ويرى آخرون أنّ رعاية النساء تعزز قمع الذات وتؤدي إلى إنكار استقلاليتهن، وتجعل الأمهات يحكمن على نجاحهن حصراً بمقياس نجاح أطفالهن، فيفقدن التواصل مع حاجاتهن الخاصةBlum, et al. 1973–74, 231–32, 235,) and 239 ).

وهناك من يحذّر من أنّ بعض أشكال الرعاية التي تنخرط فيها النساء ليست فاضلة، بل هي في غير محلها، إذ تعبّر عن امتنانٍ مغلوط للرجال الذين يملكون إمّا سلطة إساءة معاملتهن أو منحهن امتياز الخدمة مقابل “الحماية” (Card 1993, 216)وتُفهم رعاية النساء هنا كاستراتيجية للبقاء: إذ غالباً ما لا يميزن بين العلاقات الجيدة والسيئة، فينتهين بتحمّل مسؤولية الحفاظ على أي علاقة يدخلن فيها، عبر محاولة إرضاء الجميع بدافع الخوف من قول “لا(207)”.

ومع ذلك، هناك من يتفق مع التوجّه النسوي لاستعادة الفضائل الأنثوية بوصفها فضائل، في مواجهة غيابها عن النظرية الأخلاقية المعاصرة، غير أنّهم ينبّهون إلى أنّ هذه الفضائل، بما فيها الرعاية، ينبغي أن تفضي إلى تحرير النساء، وأن تجعل من خضوعهن قضية أخلاقية أساسية ومشكلة أخلاقية قابلة للتشخيص لا مسألة غير أخلاقية، وأن تتحدّى الوضع الاجتماعي القائم للنساء، وألا تُسهم في تعزيز اضطهادهن .(Houston 1987, 255)

وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي أولته النسويات لأخلاقيات الرعاية، وربما في ضوء المخاوف المتعلّقة بارتباط الرعاية باضطهاد النساء، فقد صرفت بعض النسويات اهتمامهنّ عن جعل دافع الرعاية محورياً في النظرية الأخلاقية. تحاول جين هامبتون إنقاذ النظرية الأخلاقية الهوبزية، وترى أنّه ينبغي للنسويات أن يجعلن من دافع المصلحة الذاتية جزءاً من نظريتهن الأخلاقية، لأنّ النساء من دونه يفقدن ذواتهن في أفعال استعبادية (1993). وهنّ يصبحن تماماً مثل آيمي، الفتاة التي تصفها غيليغان في أحد نقاشاتها حول التفكير الأخلاقي الموجَّه بالنوع الاجتماعي. وتقرأ هامبتون الحالة الشهيرة لآيمي وجايك، التي ناقشتها غيليغان بإسهاب، على النحو الآتي: تفكّر آيمي من منظور الرعاية، فترى الأخلاق باعتبارها استجابة لحاجات الآخرين، وتجنّب إلحاق الأذى بهم، وخدمة مصالحهم. وهي تفقد ذاتها في المعضلات الأخلاقية، إذ لا تستطيع أن تؤكد نفسها بصلابة أو أن تجعل لمصالحها وزناً، بل تضع دائماً حاجات الآخرين في المقام الأول. فهي تقترب من العبودية وتفتقر إلى تقدير الذات. أمّا جايك، بوصفه ممثّلاً للتفكير الأخلاقي الذكوري، فيفكّر من منظور العدالة، ويرى الأخلاق كمجموعة من قواعد المرور التي تعني السعي وراء المصلحة الذاتية من دون التدخّل في مصالح الآخرين. وهو عديم الحساسية تجاه حاجات الآخرين، ينظر إلى العالم من زاوية أنانية، ويعتقد أنّ الذات يجب أن تأتي أولاً في المعضلات الأخلاقية.

وتجادل هامبتون بأنّ أياً من هذين المنظورين لا يمثّل الرؤية الأخلاقية المثالية، لكن آيمي تعاني أكثر لأنها شديدة القابلية للاستغلال. ولذلك تفضّل هامبتون الأخلاق التعاقدية على أخلاقيات الرعاية، إذ إنّ الشخص في الأولى تحرّكه المصلحة الذاتية حين يقدّم مطالب مع متعاقدين محتملين آخرين ضمن المساومة الافتراضية التي تُستمد منها الأخلاق في نهاية المطاف. فالمتعاقد الافتراضي الهوبزي لن يبرم أو يحافظ على عقود لا تضمن له توقعاً بفائدة ذاتية. وترى هامبتون أنّ المصلحة الذاتية، لا الرعاية، هي الدافع الذي ينبغي أن تمتلكه النساء إذا أردن تجنّب الاستغلال، لأنّ المصلحة الذاتية تضمن أن تصرّ المرأة على قيمة ذاتها في مخططات المساومة وعلاقاتها مع الآخرين. ولمعالجة مخاوف نسويات أخريات من أنّ التعاقدية تستبعد من المساومة أولئك الذين لا يُتوقع أن يقدّموا منفعة للآخرين في التفاعلات، ومن بينهم عادةً المهمّشون، تعدّل هامبتون التعاقدية بإدخال الافتراض الكانطي القائل إنّ جميع الأشخاص ذوو قيمة جوهرية، ومن ثمّ يجب احترام مصالحهم.

 2. الرغبات المشوَّهة

أحد أنماط الدافعية التي حظيت وما تزال تحظى باهتمام ملحوظ من قِبل النسويات هو ما يُسمّى “الرغبات المشوَّهة”، أو التفضيلات التكيفية”، أو “الإشباعات القمعية . وتكتسب هذه الرغبات أهميتها في قضايا مثل الاستقلالية، والفاعلية، والمسؤولية (انظر القسم 3).

لعلّ جون ستيوارت ميل كان أول فيلسوف يعترف بمفهوم الرغبات التي يشوّهها النظام الأبوي، غير أنّ ساندرا بارتكي كانت من أوائل الفلاسفة الذين أطلقوا عليها هذا الاسم .(Mill 1861; Bartky1990) تصف بارتكي الإشباعات القمعية بأنها تلك التي “تربطنا بالنظام القائم على الهيمنة، إذ إنّ النظام ذاته الذي ينتج الحاجات الزائفة هو أيضاً الذي يضبط الشروط التي يمكن بموجبها إشباع هذه الحاجات”  .(Bartky 1990, 42)

ويُرجع ميل وبارتكي ومارثا نوسباوم أسباب هذه “الحاجات الزائفة” إلى عوامل متعدّدة، منها: التعليم غير المتكافئ، وغرس الاعتقاد بأن النساء مؤهلات أساساً للأدوار المنزلية وغيرها من الأنشطة غير الفكرية، والتلاعب النفسي، وخوف النساء من الانتقال إلى مواقع جديدة تظل غير متكافئة وغير محمية، وإنكار الاستقلالية، وغياب المعلومات أو تزويدهن بمعلومات مضلّلة، وانعدام التأمّل أو المداولة في شأن المعايير، وأيضاً قلّة البدائل المتاحةBartky 1990, 42;) Nussbaum 1999a, 149).

ويصف جون إلستر الطريقة التي يكتسب بها الفرد الرغبات المشوَّهة، وهي أنّه يُكيّف تفضيلاته بحسب الفرص المتاحة له من دون وعي أو سيطرة منه. وقد أطلق إلستر على هذا النمط من التكيّف تسمية ظاهرة “العنب الحامض”، والتي يُشبّهها بحالة الثعلب الذي يقتنع بأنّ العنب الذي لا يستطيع بلوغه هو عنب حامض، ومن ثمّ يفضّل ألا يأكله. ولنطبّق هذه الظاهرة على وضع النساء تحت سلطة النظام الأبوي: فـ”الزوجة المطيعة ” (Hill 1973 [1995]) التي تعيش في عالم تُحرم فيه النساء بصورة روتينية من فرص التعليم والوصول إلى أفضل الوظائف، ومن ثمّ يُصبحن معتمدات اقتصادياً على الرجال، تكون أكثر ميلاً إلى الرغبة في الخضوع لزوجها وأطفالها. أمّا الطالبة الجامعية التي تعيش في ثقافة أبوية تعلّم النساء البحث عن الحماية والأمن والقوة لدى الرجال بدلاً من تنمية هذه الصفات في ذواتهن، فهي على الأرجح ستتمنّى إقامة علاقة مع رجال أصحاب سلطة، مثل أستاذها الجامعي، لأنها تراهم متجسّدين لهذه الصفات.

تتميّز الرغبات المشوَّهة عن الرغبات غير المشوَّهة بعدّة خصائص. أولاً: على الرغم من أنّ معظم رغباتنا، إن لم يكن جميعها، تتكوّن في سياق اجتماعي، فإنّ الرغبات المشوَّهة تتكوّن استجابةً لظروف اجتماعية جائرة، مثل تلك الموجودة في المجتمع الأبوي حيث يُنظر إلى الرجال على أنهم أرفع منزلة من النساء.

ثانياً: إنّ إشباع الرغبات المشوَّهة لا يعود بالنفع على مَن يحملها، كما هو الحال عادةً في إشباع الرغبات، بل يفيد – بحسب بارتكي – النظام الاجتماعي الذي يقوم على الهيمنة. فعلى سبيل المثال، عندما تُشبَع رغبة المرأة في الامتثال لـ “مجمّع الموضة والجمال(fashion-beauty complex)، فإنها تظلّ تعاني صورةً سلبية لجسدها، ويُستنزف وقتها ومالها، الأمر الذي يعيق سعيها نحو تحقيق أهدافها المهنية، بينما يستفيد الرجال اقتصادياً. وكذلك، عندما تُشبَع رغبة طالبة جامعية في مواعدة أستاذها، فإن ذلك – في معظم الحالات – يعزّز الصور النمطية التي ترى أنّ المرأة تحتاج إلى رجل (ذي سلطة) كي تثبت ذاتها، وأنها ليست كائناً فكرياً. في المقابل، يستفيد الرجال عندما يُؤخَذون على محمل الجدّ في مساراتهم المهنية، بخلاف النساء.

وقد أثارت نسويات، مثل بارتكي، سؤالاً عمّا إذا كانت النساء يستفدن فعلاً من إشباع رغباتهنّ المشوَّه .(Bartky 1990, 36) ورغم أنّه ليس من غير المعقول الاعتقاد بأن النساء قد يحقّقن بعض المكاسب (مثل اللذّات النرجسية الناتجة عن الامتثال لمعايير الجمال، أو الحصول على مواعيد غرامية مع رجال)، فإنّ النسويات يقررن عادةً بأنّ هذه المكاسب قصيرة الأمد في معظمها: فالمنصاعات لمعايير الجمال يواجهن خطر كراهية الذات حين يعجزن حتماً عن بلوغ تلك المعايير، والمنصاعات لمعايير المواعدة التي تشترط سلبية المرأة وخضوعها غالباً ما ينتهي بهن الأمر في علاقات تُنكر استقلاليتهن. وتذهب بعض النسويات إلى أنّ الامتثال للمعايير الأبوية يرسّخ اضطهاد النساء عبر تكريس الصور النمطية عنهن، الأمر الذي يضرّ جميع النساء بدلاً من أن يفيدهن .(Cudd 1988) وهكذا تقرّ النسويات بأنّه رغم أنّ النساء يحقّقن بعض المنافع من إشباع الرغبات المشوَّهة، إلا أنهن يخطئن بشأن الأضرار المترتبة، وبشأن المنافع “الحقيقية” للامتثال، وهي المنافع التي يجنيها الرجال.

وفي الواقع، ترى بارتكي أنّ المسألة ليست مجرّد خطأ، بل خداع، لأنّ “الحاجات الزائفة” أو الرغبات المشوَّهة تُنتَج من خلال التلقين العقائدي والتلاعب النفسي وإنكار الاستقلالية .

(Bartky 1990, 42) ومن هنا تأتي السمة الثالثة للرغبات المشوَّهة: وهي أنّها تنطوي في الغالب على خداع بشأن ما تريده صاحبتها حقاً، أو بشأن ما يخدم مصلحتها الحقيقية أو يعزّز رفاهها.

إحدى القضايا البارزة المتعلّقة بـ الرغبات المشوَّهة هي قضية الاستقلالية (autonomy)، والتي تُعرَّف عادةً بأنها تقرير المصير الذاتي أو توجّه الذات بنفسها. للوهلة الأولى، يبدو أنّ إشباع الفاعل لرغباته المشوَّهة يقف عائقاً أمام ترسيخ استقلاليته لعدّة أسباب. فإذا كان إشباع هذه الرغبات يعود – في الواقع – بالنفع على نظام الهيمنة والأشخاص المميَّزين فيه، فإنّ إشباعها لا يبدو مؤشّراً على تقرير الفاعل لمصيره، بل على خضوعه للنظام وخدمته لأهدافه.

علاوةً على ذلك، فإنّ الرغبات المشوَّهة غير مختارة، بل هي نتاج التكيّف مع الفرص المتاحة دون وعي أو سيطرة من صاحبها، كما يوضّحها ظاهرة “العنب الحامض” عند إلستر. وإضافة إلى ذلك، كلما ازداد حضور الرغبات المشوَّهة ضمن مجموع رغبات الفاعل، ازدادت احتمالية خضوعه لسطوتها وتضاءلت فرص أن يكون مستقلاً في تقرير أفعاله، إذ لا توجد رغبات سليمة غير مشوَّهة لتقاومها.

وتتصل هذه المسألة اتصالاً مباشراً باضطهاد النساء، إذ إنّ المرأة إذا ما تصرّفت غالباً انطلاقاً من رغباتها المشوَّهة، فإنها تُسهم – من حيث لا تدري – في تكريس اضطهادها.

توجد آراء متباينة بشأن ما إذا كانت النساء يمتلكن رغبات مشوَّهة، وإلى أي مدى يمتلكنها، وما أثرها على استقلالية الفاعل. معظم النسويات، إلى جانب فلاسفة آخرين من أفلاطون إلى توما الأكويني وكانط، يقرّون بأنّ النساء يمتلكن رغبات مشوَّهة(انظر .(Nussbaum 1999a, 152 لكن بعض الفلاسفة ينكرون أصلاً أنّ للنساء مثل هذه الرغبات، وبالتالي فإنّ هذه الرغبات – إن لم تكن موجودة – لا يمكن أن تؤثّر عليهن أو تعيق استقلاليتهن.

تعتقد كريستينا هوف سومرز 1994)، 259206 -)ذلك لأنها ترى أنّ تفضيلات النساء لم تعد نتاج غرسٍ غير ديمقراطي، إذ أصبح يُؤخذ بها الآن بعد أن حصلت النساء على حق التصويت. كما يرى كثير من علماء النفس التطوري أننا نعيش في عالم عادل تتطابق فيه تفضيلات النساء مع ما يحصلن عليه، وأنّ توزيع مقوّمات الرفاهية عادل أيضاً – فالنساء يحصلن على ما يردنه حقاً( Wilson 2004, 101-(102ووفقاً لـ كاثرين ويلسون، يُرجع هؤلاء علماء النفس التطوري الاختلافات بين السمات والقيم والتفضيلات والاهتمامات لدى النساء والرجال لا إلى التمييز ضد النساء، بل إلى الاستثمار الأبوي التفاضلي (105).

ففي حين يفضّل الذكور خوض تجارب جديدة، والمنافسة، والتراكم، والمكافآت الاجتماعية، تستثمر الإناث أكثر من الذكور في رعاية أطفالهن، نظراً إلى أنّ تكلفة تعويض طفل مفقود أعلى بكثير بالنسبة للأنثى مقارنة بالذكر. وهذه الظاهرة ترتبط بزيادة حدّة المنافسة بين الذكور على فرص التزاوج، إذ إنّ التزاوج مع شركاء متعددين يزيد من احتمال الحصول على ذرية أكثر. وتُرجع ويلسون هذه الأفكار إلى اعتقاد علماء النفس التطوري أننا جميعاً نلعب لعبةً يكمن الفوز فيها في إنجاب ذرية قابلة للحياة أكثر من ذرية الآخرين من الجنس نفسه.(105)

وبحسب ما يسمّى بـ “استراتيجية الأنثى البشرية الرابحة، تسعى الإناث إلى العثور على الشريك الأكثر ملاءمة، والامتناع عن الجنس لحين الحصول على التزام، ومقايضة الوفاء والخدمة المنزلية مقابل إعالةٍ مضمونة مدى الحياة (106). وهذه الأعراف الأنثوية تعكس بدورها تفضيلات الإناث. وهكذا يُفسَّر الوضع الأدنى للنساء لا بالتمييز، بل بتفضيلاتهن الأصيلة التي أظهرتها آلاف السنين من التطور. وبما أنّ النساء يفضّلن تربية الأطفال، والوفاء لشريكهن، وتجنّب إثارة غيرته، فإنهن لا يتبنَّين الأعراف والتفضيلات الذكورية المرتبطة بالنجاح في العالم.

ترفض معظم النسويات الرأي القائل بأنّ جميع تفضيلات النساء أصيلة، ويستشهدن على ذلك بأمثلة عديدة (انظر Nussbaum 1999a, 152). وتوجّه ويلسون تحدياً مباشراً إلى علماء النفس التطوري، مستندةً إلى مصادر مثل خبراتنا الشخصية والاجتماعية المباشرة، والبيانات النفسية والاجتماعية، وكذلك الخبرات الاجتماعية الوسيطة مثل الانطباعات المستقاة من الروايات والأفلام ووسائل الإعلام.

وتعتمد ويلسون على الروايات تحديداً لأنه، وإن كانت موثوقيتها محدودة، فإنها مع ذلك تعكس قصص “المرأة العادية” (everywoman) وبعض ملامح العالم الاجتماعي، إذ تخضع لاعتبارات المعقولية (110). وتشير هذه الروايات إلى أنّ النساء، وإن بدأن حياتهنّ باتّباع النظرية المعيارية لعلم النفس التطوري – أي البحث عن شريك ثريّ في مرحلة الشباب حين تكون قدرتهنّ التفاوضية في أوجها – فإنّ ما يرغبن فيه حقاً في الشريك هو: “الشباب، الجاذبية الشكلية، الأخلاق الحميدة، الذكاء، اللطف في المعشر، والاهتمام” (110).

وتُظهر الروايات أيضاً أنّ النساء اللواتي تُقيَّد فرصهن في بلوغ الثروة والسلطة، يتخذن قرارات لم يكنّ ليتخذنها في ظروف أخرى، كما يتنبّأ به ظاهرة “العنب الحامض” عند إلستر. ومن ثمّ تخلص ويلسون إلى أنّ فرضية امتلاك النساء رغبات مشوَّهة هي أكثر معقولية من الفرضية القائلة إنّ النساء يملكن تفضيلات تختلف عن تفضيلات الرجال ويحصلن بالفعل على ما يقيمنه حقاً.

يتوخّى بعض الفلاسفة الحذر عند نسب الرغبات المشوَّهة إلى النساء. فـ هارييت بابِر ترى أنّ اختيارات النساء المحرومات إنما تمثل أفضل الممكن في وضع سيّئ؛ أي أنهنّ لا يخترن بالضرورة ما يفضّلنه لو توفّرت لهنّ جميع الخيارات، بل ما يفضّلنه في ضوء الخيارات المتاحة أمامهن (2007).

وبينما تعتقد مارثا نوسباوم أنّ “جياما”، التي ترضى بعمل منخفض الأجر وظروفه سيئة لأنها تظنّ أنّ هذا هو قدرها في الحياة، تفتقر إلى تصوّر لنفسها كشخص ذي حقوق يمكن انتهاكها، وإلى الاعتقاد بأنها تتعرّض للظلم، ترى بابِر أنّ جياما اكتفت بالممكن الثاني الأفضل فحسب، إذ إنها كانت ستقبل بزيادة في الأجر لو عُرضت عليها (Nussbaum 2000, 113; Baber 111).

وبالمثل، ترى نوسباوم أنّ “فاسانتي”، التي تبقى في زواج عنيف لسنوات، لا ترى نفسها كصاحبة حقوق منتهكة، بل تمتلك تفضيلاً مشوَّهاً يجعلها تتقبّل الإساءة كجزء من “قدر النساء”، بينما تنكر بابِر أنّ لفاسانتي مثل هذا التفضيل، مقترحةً بدلاً من ذلك أنها تفضّل “حزمة” تتضمن تحمّل الإساءة إلى جانب التمتّع ببيت وحاجات أساسية (Nussbaum 2000, 68–69; Baber 113–114).

وتحذّر بابِر من المصادرة على المطلوب عبر الافتراض المسبق بأنّ خيارات النساء إمّا غير واعية أو محسوبة ببرود، وترى أنّ هذا شأن تجريبي (121). وهي تؤكد أنّ معظم أعضاء الفئات المهمّشة تقليدياً، ممّن يخضعون لمعاملة سيئة، إنما هم في الواقع فاعلون عقلانيون يختارون بأنفسهم (122).

مع أنّ معظم النسويات يتفقن على أنّ النساء يمتلكن رغبات مشوَّهة، إلا أنّهن يختلفن في وجهات نظرهن حول ما إذا كانت هذه الرغبات، وإلى أي مدى، تعيق استقلالية حاملتها. إذ يمكن القول إنّ النسويات الأكثر جذرية يتحدثن كما لو أنّ جميع رغبات النساء مشوَّهة، وأنّ استقلاليتهن قد تمّ تقويضها بالكامل نتيجة لذلك، وإن كان هذا الطرح يُعدّ – على الأرجح – نوعاً من المبالغة المتعمّدة (انظر Daly 1978; Dworkin 1987; MacKinnon 1987b and 1987c).

أحد التفسيرات لشدّة سطوة الرغبات المشوَّهة على النساء هو أنّها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهوية الفاعل. فعلى سبيل المثال، يُعدّ امتثال المرأة لمعايير الأنوثة أساسياً لإحساسها بذاتها ككائن راغب جنسياً وموضوع للرغبة، بحيث إنّ توقّع عدم امتثالها يهدّدها – على الأقل – بفقدان صفتها الجنسية (Bartky 2002, 25).

ومع ذلك، يقترح كثير من النسويات، بمن فيهن النسويات الجذريات، أنّ النساء لا يخضعن بالكامل لسطوة رغباتهن المشوَّهة، لأن هذه الرغبات يمكن أن تطغى عليها رغبات منافسة تسعى من خلالها النساء إلى الحفاظ على رفاههن. فـ كاثرين ماكينون ترى أنّ ضحايا التحرّش الجنسي يجدن التحرّش مدمّراً لاحترامهن لذواتهن وصحتهن، وأنهن لا يستمتعن باهتمام المتحرّش؛ كما أنّ ضحايا الاغتصاب اللواتي يظهرن بمظهر اللامبالاة إنما هنّ في الواقع مقيّدات الصمت ولا يمتلكن رغبة في التعرّض للاغتصاب؛ أما عارضات الإباحية فلا يقدمن على عرض أجسادهن بإرادة حرّة أو رغبة ذاتية، بل تحت وطأة القسر واللامساواة (1987a, 54; 1987d, 114; 1987d, 180 و194).

وتعتقد لويس بينو أنّه وإن كان يبدو أنّ النساء يرغبن في الخضوع لهيمنة الرجال جنسياً، فإنّ ما يجدنه ممتعاً في الواقع هو الممارسة الجنسية القائمة على التواصل ، حيث يسعى الشركاء إلى معرفة رغبات بعضهم البعض واحترامها، تماماً كما يفعل المشاركون في محادثة جيّدة (1989, 239).

وترى هؤلاء النسويات أنّ النساء يمتلكن رغبات مشوَّهة، غير أنّ هذه الرغبات ليست من القوّة بحيث تعجز عن أن تُغلَب برغبات أخرى لدى المرأة لصالح رفاهها. ومن ثمّ، يمكن للنساء أن يُظهرن قدراً من الاستقلالية عبر اتّباع رغباتهن غير المشوَّهة، وأن يتلقّين بذلك حافزاً للتصرّف بطرق لا تُسهم في ترسيخ اضطهادهن.

تُحدِّد أوما نارايان ظاهرة «المساومة مع النظام الأبوي» (2002). وتتمثّل رؤيتها في أنّ النساء تحت هيمنة الأبويّة يمتلكن في آنٍ واحد رغبات مشوَّهة وأخرى غير مشوَّهة، ومع ذلك يمكن أن يكنّ مستقلات تماماً لأنهن يقمن بـ «المساومة» مع النظام الأبوي في ظلّ كلٍّ من القيود الخارجية التي يفرضها، والقيود الداخلية التي تمثّلها الرغبات المشوَّهة.

فـ المساومات يختلفن عن «المخدوعات بالنظام الأبوي»، اللواتي يسلّمن بالكامل بالمعايير والممارسات الأبوية السائدة في ثقافتهن ويُخضعن أنفسهن لها فلا يمتلكن سوى رغبات مشوَّهة، كما يختلفن عن «أسيرات النظام الأبوي»، اللواتي يُقيدن قسراً رغم إرادتهن ورضاهن بواسطة القوى الخارجية التي تفرضها ثقافتهن (418، 422).

تتناول نارايان في دراستها حالة النساء المسلمات من جماعة صوفي پيرزادا اللواتي يُتوقّع منهن ارتداء البرقع أو «الحجاب» (وتستخدم مصطلح «الحجاب» لتشمل به ارتداء البرقع). وعلى خلاف الرأي الغربي الشائع الذي يرى أن هؤلاء النساء يغطين وجوههن لأنهن مخدوعات بالمعايير الأبوية المرتبطة بالحجاب، تؤكّد نارايان أنّ الوضع أكثر تعقيداً. فهؤلاء النساء يقررن بأنّ البرقع غير مريح ويجعل حركتهن عرضة للإصابة، ويخشين على سمعتهن داخل أسرهن ومجتمعاتهن إن لم يلتزمن به، كما يدركن الأبعاد الاقتصادية والسياسية لعدم ارتدائه.

وتعرّف نارايان الاستقلالية بشكلٍ واسع، بوصفها الرأي القائل إنّ الشخص يكون مستقلاً طالما كان «راشداً عادياً» لا يعاني من إعاقات إدراكية أو عاطفية خطيرة، ولم يكن خاضعاً لإكراه مباشر أو قسري من الآخرين (429). ووفق هذا التعريف، فإن وجود الرغبات المشوَّهة لا يهدّد استقلالية حاملتها، حتى إن كانت خاضعة جزئياً لها، ما دامت لا تُقوِّض استقلالها بشكل جوهري.

وترى نارايان أنّ النساء اللواتي «يساومن» النظام الأبوي – مثل النساء اللواتي يرتدين البرقع – يتمتّعن بالاستقلالية، لأنهن رغم كون خياراتهن مقيَّدة بالأبوية، يستطعن اتخاذ خيارات أصيلة وواعية داخل هذه القيود. بل إنّ القيود الأبوية القاسية قد تترك أحياناً أثراً معاكساً، إذ تدفعهن إلى مواجهة الصراع في رغباتهن مباشرة، واختيار سلوكيات تناقض الأبوية.

يقدّم دونالد بروكنر (2007) طرحًا يعارض الموقف القائل بأنّ التفضيلات التكيُّفية (adaptive preferences) تقوِّض الاستقلالية تلقائيًا. إذ يعترض بروكنر على تفسير إلستر لظاهرة «العنب الحامض»، الذي يرى أن تغيّر تفضيل الثعلب غير عقلاني لأنه ليس مستقلاً، بل يحدث من خلال آلية سببية لا علاقة لها بالعقلانية (307). وعلى خلاف رأي إلستر بأن أحد شروط عقلانية التفضيل التكيّفي هو أن يكون قد تكوّن على نحو مستقل، يرى بروكنر أن الشرط هو أن يُحتفَظ به باستقلالية (319).

فكِّر في حالة فيرونيكا، التي كانت تفضّل في البداية أن تصبح منافسة أولمبية في رياضة التنس، لكن بعد سنوات من التدريب تدرك أنه رغم موهبتها الكبيرة، فإنها لن تبلغ مكانة أولمبية، فتقلّل من طموحاتها وتفضّل أن تكون نجمة محلية. هذا التغيّر في التفضيل قد يحدث «وراء ظهرها» وبالتالي يكون غير مستقل (313). ويعتقد بروكنر أنّ عليها أن تتكيّف مع تفضيلاتها بهذا الشكل، لأن ذلك يخدم رفاهها الذاتي على نحو أفضل.

ويجادل بأنّه ينبغي أن تكون هناك قرينة لصالح المعيارية لأيٍّ من تفضيلاتنا، حتى تلك الناجمة عن عوامل خارجة عن إرادتنا، لأن أي تفضيل لدى الفاعل يبقى مع ذلك تفضيلها الخاص وبالتالي يمنحها سببًا للفعل (316). فإذا دعمت الفاعلة تفضيلها التكيّفي دعمًا تأمليًا يتجاوب مع مجموعة إمكاناتها الواقعية، وليس مجرد معتقداتها الخاطئة عنها، فإنّه يكون عقلانيًا أن تحتفظ بهذا التفضيل، حتى إن كان يقيّد طاقتها ويخفض من تطلعاتها (319–320).

ويتفق بروكنر مع نوسباوم على أن ظروفًا أخلاقية وسياسية معينة قد تعيق الفاعلة عن رفض رغباتها المحدودة، ويصرّ على أن تُحتسب التفضيلات التكيّفية للفاعلة بوصفها تفضيلاتها الخاصة، أي مستقلة، فقط إذا توافرت شروط أخلاقية معيّنة، مثل تلك التي يقترحها منهج القدرات عند نوسباوم، الذي يدافع عن توفير قدرات وحريات وفرص معيّنة لجميع المواطنين (322–323). لكنّ هذا المنهج عند نوسباوم، بخلاف طرح بروكنر، يستند إلى مفهوم موضوعي للخير.

ويُظهر طرح بروكنر حول التأييد التأملي ملامح أولية لحساب أندريا ويستلاند حول الاستقلالية الإجرائية، وهو طرح يتوافق مع مفهوم ذاتي للخير (Westlund 2003). تتناول ويستلاند حالة الزوجة المطيعة الشهيرة عند توماس هيل، وهي امرأة لا تميل إلى تكوين اهتماماتها الخاصة، وإن فعلت فإنها تعتبرها أقل شأنًا من تفضيلات زوجها. تصوغ ويستلاند تصورًا «حواريًا»، تعتبر فيه الفاعلة المستقلة مسؤولة عن ذاتها والتزاماتها، ومستعدة للانخراط في حوار مع نفسها ومع آخرين (حتى افتراضيين) ذوي وجهات نظر نقدية مختلفة، من أجل تقديم أسباب مبرِّرة لرغباتها.

وترى ويستلاند أن الزوجة المطيعة تفشل في هذا الاختبار للاستقلالية لأنها تفشل في تقديم أسباب وجيهة لترتيبها تفضيلات زوجها فوق تفضيلاتها الخاصة. في المقابل، فإن شخصية أخرى مثل المناهضة الشديدة للنسوية، ورغم أنها أيضًا مطيعة، تُعَدّ مستقلة لأنها تستجيب بجدية للأسئلة النقدية حول طاعتها، حتى لو اختلفنا مع مبرراتها (مثل قولها إن الكتاب المقدس يأمرها بخدمة زوجها). وهكذا، فإن ما يحدّد استقلاليتها ليس محتوى رغباتها، بل إظهارها استجابة حوارية أصيلة بدلاً من إعطاء إجابات جاهزة أو التشبث الأعمى بالتزاماتها.

في محاولة لردم الفجوات بين الخير الذاتي والخير الموضوعي، وبين النظر إلى النساء ذوات الرغبات المتكيفة باعتبارهن فاعلات كاملات أو ضحايا، وبين احترام خيارات النساء المستقلة والسعي إلى تعزيز ازدهارهن، تدافع سيرين خضر عن تعريف كمالي للرغبات المتكيفة (Khader 2011). يستدعي تعريف خضر قيمة موضوعية في صورة الازدهار الأساسي، وهو ما تحدده عملية تداولية فعلية (وليست افتراضية) عابرة للثقافات. وهي تعرّف الرغبات المتكيفة بأنها تلك التي تتعارض مع الازدهار الأساسي، وتتشكل في ظروف غير مواتية لتحقيقه، وتلك التي نعتقد أنه يمكن إقناع أصحابها بتغييرها عندما يخضعونها للفحص ويواجهون ظروفًا أكثر ملاءمة للازدهار (42). هذا التعريف إجرائي ومضموني معًا، إذ يعرّف الرغبات على أنها متكيفة بالنظر إلى الظروف التي تشكلت فيها وكذلك بالنظر إلى محتواها. وينبني على فرضية “دعوى الازدهار” التي تقول إنه عندما تتاح للناس خيارات تحقق الازدهار، فإنهم غالبًا ما يختارون ما يعزز ازدهارهم (51). وبالازدهار تعني خضر “الازدهار الأساسي”، أي الازدهار في مستواه الأدنى لا في مستوى التفوق، وذلك بغرض تحقيق اتفاق عابر للثقافات. وإلى جانب ذلك، تبقي المفهوم غامضًا، مع نية أن يشمل أمورًا مثل التغذية الكافية (62–63). كما تريد خضر التمييز بين “الرغبات المتكيفة بشكل غير ملائم”، التي تضر بأصحابها وتتكيف مع ظروف اجتماعية سيئة، وبين الرغبات المتكيفة فحسب، التي قد لا تتصف بهذه السمات (52–53). وتحذر من أننا لا نستطيع استنتاج الرغبات مباشرة من السلوك، إذ توافق نارايان وبيبر في أن النساء قد يكنّ ببساطة يحاولن الاستفادة القصوى من الخيارات المتاحة.

على خلاف النسويات اللواتي يعتبرن أن المشكلة الرئيسة في الرغبات المتكيفة تكمن في إعاقتها لاستقلالية الفاعل، ترفض خضر النظر إلى الرغبات المتكيفة كقصور في الاستقلالية. فهي تتفق على أن هذه الرغبات قد تعيق رفاه من يحملها، لكنها تجادل بأن الحسابات الإجرائية والمضمونية للاستقلالية إما أن تؤدي إلى نتائج لا تنسجم مع حدسنا، أو تلزمنا بسياسات قسرية، وبالتالي مناهضة للليبرالية. أما التهمة العامة الموجهة إلى الحسابات الإجرائية للاستقلالية فهي أنها تُدخل حتمًا تصورًا موضوعيًا عن الخير في حين يُفترض أن تكون محايدة، وأن من يفشل فيها يُعتقد أنه يفتقر إلى القدرات الذهنية لفهم خياراته أو فحصها. والتهمة العامة الموجهة إلى الحسابات المضمونية للاستقلالية هي أنها تنطوي حتمًا على عدم احترام للتنوع الثقافي، مما يجعل من يفشل فيها يُعتبر صاحب قيم رديئة تعطل قدراته على فحص رغباته (105). وفي كلتا الحالتين، ترى هذه الحسابات أن أصحاب الرغبات المتكيفة عاجزون عن اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وهو ما تعتبره خضر تصورًا خاطئًا واستعلائيًا (103، 105).

بعيدًا عن ارتباطها بالاستقلالية، تحذّر النسويات من أن الرغبات المشوَّهة يمكن أن تضرّ بمن يحملها من خلال عملها كأحد العوامل، وربما أكثرها إضرارًا، في القمع النفسي. وبوجه عام، تعرّف ساندرا بارتكي القمع النفسي بأنه أن يُثقل المرء في ذهنه، أو أن يُمارَس عليه سلطان قاسٍ على تقديره لذاته، أو أن “يُداخِل داخله إيحاءات بالدونية” (Bartky 1979 [1990, 22]). يسهم القمع النفسي في قمع جماعة ما بطرق متعددة. فهو قد يخفي سوء الأوضاع أو سوء أفعال المستفيدين من القمع، بجعلهم وأفعالهم يبدون مشروعة، وبإتاحة استمرارهم دون الحاجة إلى اللجوء لأعمال عنف صريحة كانوا سيضطرون إليها لولا ذلك للحفاظ على القمع (Bartky 1979 [1990, 23]). كما يسهم القمع النفسي في القمع من خلال تشكيل المضطهَدين واحتوائهم بحيث تصبح خياراتهم وقراراتهم مؤذية لهم ونافعة للمتميزين، مما يساهم في ديمومة نظام القمع. فحين تفضّل النساء أدوارًا اجتماعية من شأنها أن تجعلهن خاضعات، سيصبحن أقل قدرة على الاختيار أو ستتقلص الخيارات المتاحة أمامهن (Cudd 2006, 157, 181).

وإلى جانب دور الرغبات المشوَّهة في القمع النفسي، فإن الانصياع لبعضها قد يهدد الوكالة الأخلاقية لمن يحملها. خذ مثلًا حالة الزوجة المتفانية؛ فرغبتها المشوَّهة أن تكون خادمة مطيعة لزوجها وأطفالها. وقد ناقش الفلاسفة مصدر الخطأ في خضوعها هذا. ينسب توماس هيل المشكلة إلى التباس في فهمها لحقوقها—كيف يمكن التنازل عنها ومتى يمكن أن تُفقَد—مما يجعل الزوجة المتفانية تفشل في إدراك مكانتها الأخلاقية ورؤيتها لموقعها المشروع في الجماعة الأخلاقية (1973 [1995]). أما مارلين فريدمان فترى أن المشكلة تكمن في أنها تؤجل بشكل غير نقدي إلى تفضيلات زوجها، إذ تفشل في تقييمها وفقًا لمبادئها الخاصة، مكتفية بإرضاء رغباته ونزواته كما هي، لتتحول إلى شريكة في سعيه وراء أهدافه، الأمر الذي يهدد نزاهتها الأخلاقية (1985, 146–147). في حين تُرجِع مارشيا بارون الخطأ إلى افتقارها لفحص نقدي لأسباب تفضيلها إرجاع الكلمة الأخيرة لزوجها (1985, 398). وكل من هذه التفسيرات ملتزم بالفكرة القائلة إن التصرف بدافع رغبة في الخضوع يمكن أن يهدد الوكالة الأخلاقية. وهذا بدوره ذو أهمية فيما يتعلق بالقمع، لأن من تُهدَّد وكالتهم الأخلاقية على هذا النحو يصبحون عرضة للاستغلال بسهولة (انظر Hampton 1993).

وقد حدّدت النسويات أنماطًا أخرى ضارة من القمع النفسي غير الرغبات المشوَّهة. من هذه: التنميط (Bartky 1979 [1990, 23–24])، و”تهديد القوالب النمطية” (Saul 2013, 14)، والهيمنة الثقافية (Bartky 1979 [1990, 25])، والتشييء الجنسي (Bartky 1979 [1990, 26])، والإرهاب بالعنف أو التهديد به (Cudd 2006, 159–160)، والوعي الزائف (Cudd 2006, 178–179)، والمعاملة غير المتكافئة، والتحرش، والتباعد الاجتماعي (Cudd 2006, 163–165)، واللامساواة الدقيقة microinequities (Brennan 2013, 184)، وغيرها، وهي عوامل تؤثر سلبًا في نفسية النساء وتساعد في إدامة قمعهن.

3.  المسؤولية

 3.1 مسؤولية المضطهِدين عن الاضطهاد

تبدو المسؤولية عن قمع جماعة ما متميّزة عن المسؤولية عن أفعال لا أخلاقية أخرى يرتكبها الأفراد. أحد الأسباب هو أن مفهوم القمع نفسه يصعب على كثيرين إدراكه، جزئيًا لأنه قد يتخذ أشكالًا خفية، وجزئيًا لأنه يصبح في كثير من الحالات «مؤسسًا» و«مطبّعًا» بحيث يغدو المشاركون فيه، بل وحتى الضحايا أنفسهم، غير واعين به، وجزئيًا لأنه مؤسَّس بنيويًا في هيكل المجتمع ذاته. سبب آخر يجعل المسؤولية عن القمع مميزة هو أن الأفراد قد يساهمون في قمع جماعة ما لمجرّد مشاركتهم في نظام قائم على القمع، حتى دون أن يحملوا نوايا تمييزية (جنسية أو عنصرية، إلخ) أو حتى من دون أن يتصرّفوا بطرق تُلحق ضررًا مباشرًا بالآخرين، وهما عاملان غالبًا ما نعتمد عليهما عادةً لإدانة الأفراد على أفعال غير أخلاقية.

من ناحية، تحميل جميع الرجال مسؤولية قمع النساء لمجرد مشاركتهم (ولو غير الطوعية) في النظام يبدو موقفًا متشدّدًا أكثر مما ينبغي. ومن ناحية أخرى، إعفاء جميع الرجال من المسؤولية لمجرد أنهم لا يضمرون نوايا سيئة ولا يتسببون بأذى مباشر للنساء يبدو موقفًا ضعيفًا أكثر مما ينبغي، إذ لا بد أن يكون هناك طرف ما مسؤول عن استمرار أي نظام قائم على القمع. يشير تشارلز لورنس، المنظّر في قضايا العرق، إلى أن «الأفعال العنصرية التي يقوم بها ملايين الأفراد تعزّز بعضها بعضًا بشكل تراكمي، لأن الوضع القائم من سيادة البيض المؤسّسية يظل قائمًا طويلًا بعد أن تخفّ الأفعال العنصرية المتعمّدة» (لورنس 1993، ص 61).

ومع أن الطابع المؤسسي للعنصرية والتمييز الجنسي قد يوحي بأن الأفراد المشاركين في هذه الأنظمة معفيون من المسؤولية، إلا أنّ هناك ما يدعو للاعتقاد بأن بعض الأفراد يساهمون بشكل مباشر في ضمان استمرار هذا النظام من خلال أفعالهم، كما أن الإهمال أو الجهل أو خداع الذات بشأن وجود ظلم منهجي ليست بالضرورة دوافع بريئة. من المرجّح أن يستمر قمع جماعة ما إذا لم يُحمَّل أحد المسؤولية ولم تُتخذ إجراءات لاحقة لإنهائه.

وبدلًا من تبنّي أي من الموقفين المتطرفين، يرى معظم النسويات أن المسؤولية عن الإبقاء على القمع يجب أن تُقيَّم وفق عوامل مثل: ما إذا كان الجهل بالقمع المنهجي أو التغاضي عنه أمرًا معذورًا، وماهية الضرر غير المباشر الناتج عن مجرد المشاركة في نظام القمع، وما إذا كان انسحاب شخص ما من النظام القائم سيكون له أي أثر فعلي على ذلك النظام. إحدى المعضلات هنا هي أن من الصعب غالبًا التمييز بين السلوك التمييزي للفرد وبين التمييز الجنسي البنيوي.

تدافع تشيشاير كالهون عن أحد المواقف الأكثر تساهلًا، إذ ترى أنّه في «السياقات الأخلاقية غير العادية»، أي تلك التي يحرز فيها أحد الفئات الفرعية في المجتمع «تقدّمًا في المعرفة الأخلاقية أسرع مما يمكن تعميمه واستيعابه من قِبل عموم الناس والفئات الأكثر عرضة للمخاطر الأخلاقية»، يكون جهل الفرد الأخلاقي معذورًا (كالهون 1989، ص 396). ينطبق هذا مثلًا عندما تمتلك النسويات معرفة أخلاقية لا يمتلكها عامة الناس، لأن هؤلاء لم يألفوا بعد التحليلات المتقدمة للقمع أو المصطلحات والفئات الجديدة التي لا يتبناها غير النسويات (مثلًا: «التهميش»، «الآخر»، «الزواج كبغاء»). وحيث يكون الجهل هو القاعدة، يفتقر الأشخاص إلى الحافز للتأمل الأخلاقي، وبالتالي لا يُقال إنه كان ينبغي عليهم أن يعرفوا أفضل. من ثم، لا يكون كثير من الرجال مسؤولين عن مشاركتهم في قمع النساء. ومع ذلك، تميل كالهون إلى توبيخهم، لأن إعفاءهم من المسؤولية قد يؤدي إلى إضفاء الشرعية على أفعالهم الخاطئة أو تمريرها دون محاسبة. أملها هو تحفيزهم على التصرّف بخلاف ذلك ومعاملتهم كأشخاص قادرين على سنّ القوانين لأنفسهم بدلًا من كونهم مجرّد نتاج للتنشئة الاجتماعية. تشارك سامانثا برينان هذا الهدف فيما يخص «اللامساواة الدقيقة» (microinequities)، حيث تدعو إلى رفع مستوى الوعي بدلًا من تحميل شخص بعينه كامل المسؤولية (برينان 2013، ص 193).

نجد موقفًا أقل تساهلًا بشأن المسؤولية عن القمع عند ميشيل مودي-آدامز، التي ترى أن تبنّي ممارسات الثقافة التي ينتمي إليها الفرد لا يعفيه من المسؤولية عن أفعاله (مودي-آدامز 1994). فإخفاقاتنا كبشر، وليست «القيود الثقافية»، هي ما يكمن وراء «الجهل المتعمّد»، أي «اختيار ألا يعرف المرء ما في وسعه وما ينبغي له أن يعرفه» (ص 296). فالثقافات يخلقها وينقلها الأشخاص داخلها، ويقوم الناس بتعديلها أو حتى إعادة صياغتها جذريًا من خلال أفعالهم الفردية، كما أنّهم غالبًا ما يتصرّفون بخلاف المعايير الثقافية وأحيانًا يتصرّفون وفقًا لرغبات تتفق مع تلك المعايير ولكن بطرق لا تقرّها الثقافة (ص 305). باختصار، تستمر الثقافات فقط لأن الأفراد القادرين على الفعل المسؤول يستمرون (ص 292–293). إن إعفاء أفراد الثقافة من المسؤولية عن الأفعال الخاطئة التي تحدث في إطار ثقافتهم يُخطئ في فهم الصلة الوثيقة بين الثقافة والفاعلية الإنسانية، وينكر إنسانية أولئك الذين يتمتعون بعقول سليمة ويقترفون أفعالًا خاطئة حتى وإن تأثروا بالمعايير الثقافية (ص 306).

تتفق تريسي آيزاكس مع مودي-آدامز في أنّ هناك أوقاتًا لا ينبغي فيها إعفاء الأشخاص من ارتكاب أفعال خاطئة حتى وإن كانوا متأثرين بالثقافة، لكنها تخالفها الرأي في أن كل حالة من الجهل الأخلاقي واسع الانتشار تُعدّ حالة «جهل متعمّد» (آيزاكس 2011، ص 161). تميل آيزاكس إلى إعفاء الأشخاص عندما يفتقرون إلى فرص متساوية للوصول إلى النطاق الكامل للمعرفة الأخلاقية الفعلية والممكنة، أو عندما لا تكون الاكتشافات الأخلاقية معروفة أو قابلة للمعرفة فورًا للجميع لأنها لم تصبح بعد أمرًا شائعًا (ص 163–164). في السياقات الأخلاقية غير العادية، تُعد النسويات بمثابة «خبراء أخلاقيين»، كما أن أعضاء الفئات المهمشة، رغم أنهم قد لا يكونون «خبراء»، يمتلكون رؤى أخلاقية خاصة بحكم تجاربهم، وبذلك يكتسبون معرفة أخلاقية جديدة يجهلها الآخرون. تفضّل آيزاكس الحوار بدلًا من التوبيخ، بحيث تُتحدى الرؤى التقليدية من قِبل «الخبراء الأخلاقيين» وأعضاء الفئات المهمشة وغيرهم، من أجل الانتقال من السياق الأخلاقي غير العادي إلى سياق عادي يصبح فيه الجهل غير معذور. ويحدث هذا التحوّل عندما يبدأ الأفراد في رؤية أنفسهم كمسؤولين (ص 174). على سبيل المثال، لقد تغيّر مجتمعنا بالقدر الكافي بحيث لم يعد لأي شخص يعمل بالكتابة أن يزعم بجدية جهله باستخدام الضمائر المحايدة جندريًا كبديل عن الضمير الذكري، وبالتالي لم يعد أحد في هذه الفئة معفى من هذا الجهل.

نجد مواقف أقل تساهلًا أيضًا حول المسؤولية عن أضرار القمع، تُرجع المسؤولية إلى سمات مستقلة عن التأثير الثقافي، وذلك بالاستناد إلى الفكرة الكانطية عن الإنسانية، أي الرؤية التي تعتبر جميع الأشخاص متساوين في بعض الجوانب الأساسية التي تتجاوز الجنس والعرق، بحكم كونهم كائنات عاقلة وذاتية الحكم. وفقًا لهذه الرؤية، يُحمَّل أعضاء الجماعات المهيمنة اجتماعيًا، أو «المُميَّزين»، مسؤولية معرفة هذه الحقائق الأساسية عن الإنسانية والتصرّف وفقها، رغم صعوبة استيعاب مفهوم القمع، ورغم القول بأن النسويات يمتلكن معرفة خاصة، ورغم التشويش الذي يسببه النظام الأبوي على هذه الحقائق (زاك 1998، ص 42–43؛ سوبيرسون 2004). المدافعون عن هذا الموقف لا يرغبون في إعفاء من لا يحترمون إنسانية الآخرين من المسؤولية، لأن إدراك أنّ جميع البشر متساوون في بعض الجوانب الأساسية أمر بسيط. في أفضل الأحوال، قد تُوزَّع المسؤولية بحسب درجة الصعوبة في التمييز بين المعايير الأبوية أو العنصرية والقدرة على إدراك أن سلوكًا معينًا ينتهك بالفعل إنسانية شخص ما.

ويظهر بُعد إضافي في النقاش حول المسؤولية الأخلاقية في سياق القمع في الحالات الدقيقة للتحيّز الجنسي، حيث يكون الفاعل غير مدرك لتحيزه كما في «التحيز الضمني» (انظر مدخل التحيز الضمني؛ براونستين وسول 2016أ و2016ب). تعرّف جينيفر سول «التحيز الضمني» بأنه تحيزات لاواعية تؤثر في الطريقة التي ندرك بها الأشخاص أو نقيمهم أو نتفاعل معهم، خصوصًا أولئك الذين يستهدفهم هذا التحيز (سول 2013، ص 40). على سبيل المثال، تكشف اختبارات الترابط الضمني، التي خضع لها ملايين الأشخاص، والتي تطلب من المشاركين ربط صفات إيجابية وسلبية بصور وجوه سوداء وبيضاء، أنّنا أسرع بكثير في ربط الوجوه السوداء بالصفات السلبية أكثر من الصفات الإيجابية (براونستين وسول 2016ب، ص 1). ومن المرجح أن تؤدي هذه التحيزات، دون وعي الفاعل، إلى الإضرار بأعضاء الفئات المهمشة التي تُطبَّق عليها هذه الصور النمطية. ينطبق هذا الحال على النساء في الفلسفة، حيث يؤدي تمثيلهن الناقص في حقل يرتبط فيه العقل والموضوعية والفكر الفلسفي بالذكورة، ويُربط فيه العاطفة والذاتية وما هو «غير فلسفي» بالأنوثة، إلى آثار ملموسة في قبول الأبحاث غير المجهولة المؤلف، والسير الذاتية الخاصة بالتوظيف، وأعباء الخدمة الأكاديمية، والتعامل غير المنصف في قاعات الدرس (سول 2013، ص 41، 43، 45).

 بما أنّ التحيّزات الضمنية غالبًا ما تكون لاواعية ومقاوِمة لجهود الفاعل المباشرة في تغييرها أو السيطرة عليها بقوة الإرادة أو بمجرد النية (براونستين وسول 2016ب، ص 2)، يثور سؤال: هل يمكن تحميل الفاعل مسؤولية أخلاقية عن امتلاكها؟ يبدو أنّ الجواب ينبغي أن يكون بالنفي، لكن في الوقت نفسه، وبما أنّ هذه التحيّزات هي نتاج للّامساواة الاجتماعية ووسيلة لاستمرارها، يبدو أنّ علينا القول بنعم.

تقترح روبن زينغ أن نفصل بين نوعين من المسؤولية في حالات التحيّز الضمني. الأول هو المسؤولية بوصفها قابلية للإسناد (responsibility as attributability)، أي أن نكون مسؤولين أخلاقيًا عندما تعكس أفعالنا من نحن كذوات أخلاقية، باعتبارها تجسيدًا لغاياتنا أو التزاماتنا أو قيمنا (ص 62). وبما أننا غالبًا لا نعي تحيّزاتنا الضمنية، فإن هذا التصور يعفينا من المسؤولية عن السلوكيات الناتجة عنها. وتدعو زينغ إلى إعفاء الشخص من هذه المسؤولية إذا كان، بعد التأمل، لن يقرّ بتأثير التحيّز الضمني على أفعاله، وإذا كان قد فعل ما يمكن توقعه منه بشكل معقول لتفادي هذا التحيّز أو الاستجابة له بعد أن أُعلم به (ص 72).

الثاني هو المسؤولية بوصفها خضوعًا للمساءلة (accountability responsibility)، أي أن نكون مسؤولين عن أفعالنا حين يكون من المناسب أن يفرض الآخرون علينا توقعات ومطالب بشأنها (ص 63). وفي حالة التحيّزات الضمنية، ترى زينغ أنّه يمكن أن نُعفى من المسؤولية الإسنادية عنها، لكن مع ذلك نظل خاضعين للمساءلة بشأنها. فهي تدعو إلى عدم تحميل الآخرين مسؤولية إسنادية عن مثل هذه الحالات، على الأقل لأن من شبه المستحيل تحديد ما إذا كانوا يحملون هذه التحيّزات في مواقف محددة، ولأن الناس غالبًا ما يكون أداؤهم أفضل دون اتهامات مباشرة بالتمييز الجنسي أو غيره (ص 78).

3.2 تبنّي منظور الآخر

إحدى المساهمات التي قدّمتها النسويات في مسألة المسؤولية هي مفهوم تبنّي منظور الآخر. ترى نعومي زاك أنّ مشكلة العنصريين ــ وهي مشكلة يمكن تطبيقها أيضًا على التمييز الجنسي ــ تكمن في أنّ العنصري “يفتقر إلى الدوافع الأخلاقية أو الأخلاقية الأساسية التي تجعله يتماهى مع كائنات بشرية أخرى [لا ينتمون إلى المجموعة التي يعرّف العنصري أو المميِّز نفسه بها]”، وأنّ هذا التماهي “يقوم على القدرة على تخيّل الذات بجدية في مكان الآخر” (1998، 42–43). إنّ القدرة على تخيّل المرء نفسه في مكان الآخر تمكّنه من إدراك أنّ الوقوع ضحية للعنصرية تجربة مؤلمة، ومن ثم اتخاذ خطوات لوقف السلوك العنصري سواء في نفسه أو في غيره. لكن أولئك المنتمين إلى الطبقة المهيمنة قد يدّعون أنّهم غير قادرين على تبنّي منظور غير المميَّزين، وبما أنّ “ينبغي” يستلزم “يمكن”، فهم غير ملزمين بذلك، وبالتالي ليسوا مسؤولين عن فعله (Superson 2004، 47).

قدّمت النسويات عدّة مقترحات حول الكيفية التي يمكن من خلالها لأصحاب الامتيازات أن يتبنّوا منظور غير المميَّزين. قد نميل إلى الاعتقاد أنّه إذا كان بالإمكان جعل غير المميَّزين يرون الأمور من منظور الفئة المهيمنة، فإنّ هؤلاء بدورهم قادرون على رؤية الأمور من منظور الفئة الأولى. تجادل مارلين فراي بأنّ الخطوة الأولى لرؤية الأمور من منظور المقهورين هي أن يفكّ المرء ارتباطه بامتيازاته (1995). وترى فراي أنّ على النساء البيضاوات من النسويات أن يتوقفن عن جعل أنفسهن باستمرار “بيضويات”، وهو ما تعرّفه بوصفه سمة شخصية شبيهة بالذكورية، حيث لا يعترف الشخص بكونه متحيزًا أو متعصبًا أو لئيمًا، ومع ذلك يتصرف بتعالٍ وغطرسة وتبجّح، ويتسم بالفظاظة والوصاية على الآخرين. وتضيف فراي أنّ هذه “البيضوية” تعيق قدرة النساء البيضاوات على تكوين تحالفات مع نساء من أعراق أخرى.

تقدّم ماريا لوغونيس مفهوم السفر بين العوالم، والذي تعرّفه باعتباره “سفرًا” إلى عوالم الآخرين الذين يشغلون مواقع مختلفة في البنية الاجتماعية (1990 [1995]). ترى لوغونيس أنّ هذا السفر يمكّن أصحاب الامتيازات من رؤية الأمور من منظور المقهورين، بل ومن رؤية كيف ينظر المقهورون بدورهم إلى المهيمنين.

ولتوضيح فكرة “السفر بين العوالم”، تستخدم لوغونيس مثالاً عن كونها مرِحة أم لا: ففي بعض العوالم تجد نفسها مرحة، بينما في عوالم أخرى تجد نفسها جادة. فكونها مرِحة، أو بالأحرى يُنظر إليها كمرحة، يعتمد على كيفية بناء المجموعة المهيمنة لمفهوم المرح. وتؤكد لوغونيس أنّه لكي يسافر المرء بين العوالم، عليه أن يتخلى عن البنية المتعالية للمفاهيم التي يكوّنها من منظوره الخاص. وإلى جانب ذلك، ينبغي على أصحاب الامتيازات أن يسعوا إلى الفهم لا بكونهم مجرّد مراقبين، بل كمشاركين فعليين في عالم الآخر.

تشكك بعض النسويات في إمكانية أن يتمكن أصحاب الامتيازات من “السفر بين العوالم”. إذ يجادل لورنس توماس بأنّ أصحاب الامتيازات لا يمكنهم معرفة موقع من هم في مرتبة أدنى منهم، لأنهم لا يستطيعون حتى إدراك تجارب هؤلاء (1993 [1999]). فالرجال المغايرون جنسيًا، مثلاً، لا يمكنهم أن يتخيلوا شعور امرأة ناجية من الاغتصاب، لأنهم لا يمكنهم تخيل الخوف من الاغتصاب الذي تشعر به معظم النساء إن لم يكن جميعهن، ولا يضطرون للتعامل مع المواقف الاجتماعية التي تجعلهم أهدافًا للعنف الجنسي.

يرى توماس أنّه في المجتمعات القمعية، يتشكل أصحاب الامتيازات اجتماعيًا بطريقة تختلف عن المقهورين، بحيث تكون لديهم تكوينات وجدانية مختلفة تجعلهم يعيشون التجارب بطرق مختلفة (1993 [1999، 186]). إنّ النظر إلى المرء على أنه أقل من عضو كامل ومتساوٍ في المجتمع، وامتلاك ذكريات مؤلمة لهذه التجارب، شرطان أساسيان لتمكين صاحب الامتياز من أخذ منظور المقهور، وهو ما يعجز عنه ببساطة بحكم وضعه الاجتماعي.

لا يتناول توماس مسألة المسؤولية مباشرة في هذا السياق، لكنه يرى أنّ على أصحاب الامتيازات التزامًا بممارسة ما يسميه التبجيل الأخلاقي، أي أن يفسحوا المجال لأولئك الذين يتحدثون بطريقة واعية عن تجارب خاصة بموقعهم من الخضوع، وهي تجارب لا يملك الآخرون منفذًا إليها.

يلجأ بعض الفلاسفة إلى أدوات فلسفية تقليدية مثل القياس لمساعدة أفراد الجماعات المهيمنة على تبني منظور الجماعات الخاضعة. ففي مقالها المحوري عن الإجهاض (1971)، تقدم جوديث جارفيس طومسون أمثلة أقرب إلى الخيال العلمي، تهدف إلى تمكين الرجال والنساء على حد سواء من تخيّل أنفسهم في موقع النساء اللواتي يواجهن مسألة الوضع الأخلاقي للإجهاض في حالات الاغتصاب، أو عندما تكون حياة الأم مهددة، أو عندما تفشل وسائل منع الحمل.

تتطلب هذه الأمثلة من الرجال، الذين لا يمرون بتجربة الحمل، أن يتخيلوا كيف سيكون الأمر إذا اختُطف أحدهم ووُصِل بجسده عازف كمان لمدة تسعة أشهر، أو أن يجد نفسه محاصرًا في بيت مع جنين يكبر بسرعة هائلة حتى يسحقه حتى الموت، أو أن يعيش في منزل مزوّد بشاشات دقيقة جدًا، لكن رغم ذلك تتسرب بذور بشرية وتستقر في السجاد والأثاث لتتحول إلى أشخاص كاملين يصبح هو مسؤولًا عنهم.

كما يسعى الفلاسفة النسويون الذين يكتبون من منظور شخصي إلى دفع أفراد الجماعة المهيمنة لتبني منظور الجماعات الخاضعة، وذلك عبر وصف تجاربهم الخاصة بالتفصيل كضحايا لأفعال أو ممارسات جنسية تمييزية (انظر مثلًا: Bartky 1979 [1990]؛ Brison 2002؛ Bordo 1997؛ Cudd 2002b؛ Hanrahan وAntony 2005؛ Griffin 1981؛ Maybee 2001).

3.3 المسؤولية الجماعية

بعض النسويات يوظفن مفهوم المسؤولية الجماعية من أجل تحميل الرجال كجماعة مسؤولية جوانب من اضطهاد النساء، حتى عندما لا يكون الرجل الفرد قد تصرف بطريقة مباشرة تنمّ عن التحيز الجنسي. عند الكتابة عن الاغتصاب، والذي يمكن اعتباره أحد أوجه اضطهاد النساء، يجادل لاري ماي وروبرت ستريكويردا بأن الرجال في بعض المجتمعات يتحملون مسؤولية جماعية عن الاغتصاب، لأن معظم الرجال، إن لم يكن جميعهم، يسهمون في استمراره (1994 [1999, 722]). إنهما يفهمان الاغتصاب باعتباره جريمة يرتكبها الرجال كجماعة، لا مجرد فعل يصدر عن مغتصب فرد. وذلك لأن أفعال الاغتصاب تحدث في ما يُسمى ثقافة الاغتصاب، حيث يكون الأفراد من الرجال أكثر عرضة للانخراط في الاغتصاب عندما يكونون في جماعات، كما يُشجَّعون بقوة على ممارسة الاغتصاب من خلال تنشئتهم الاجتماعية ليكونوا رجالًا أبويين.

يدافع الباحثان عما يسمّيانه المسؤولية الجماعية التوزيعية، وهي الفكرة التي ترى أن الرجال يشكّلون جماعة تتشارك العديد من السمات، بما في ذلك المواقف أو الاستعدادات لإيذاء الآخرين، بحيث يصبح ما ينطبق على أحد الرجال ينطبق على باقيهم (728). والمفتاح لفهم المسؤولية الجماعية التوزيعية هو فهم النظام الأبوي باعتباره قائمًا على مصالح مشتركة ومنافع تعود على جميع الرجال في مجتمع معين. فجميع الرجال يستفيدون من وجود الاغتصاب، لأن النساء يُجبرن على الشعور بالحاجة إلى الاعتماد على الرجال من أجل الحماية من المغتصبين.

وبشكل لافت، يجادل ماي وستريكويردا بأن بعض الرجال، من خلال الطريقة التي يتفاعلون بها مع رجال آخرين، يسهمون في خلق مناخ يجعل الاغتصاب أكثر انتشارًا، مثل ممارستهم لما يُعرف بـ”الترابط الذكوري” الذي يفصلهم عن النساء اللواتي يُنظر إليهن باعتبارهن “أخريات”. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الرجال سيكونون مغتصبين لو أُتيحت لهم الفرصة، لأنهم يتبنون المواقف نفسها التي يحملها المغتصبون حول الاغتصاب وحول النساء. كل هذه العوامل تجعل الرجال مسؤولين جماعيًا عن الاغتصاب، وبالتالي عن جزء على الأقل من اضطهاد النساء. وفي موضع آخر، يجادل ماي بأنه “بقدر ما يشارك الناس في إنتاج مناخ من المواقف، فإنهم ينخرطون في ما يشبه المشروع المشترك الذي يزيد من احتمالية وقوع الضرر” (1992، 47).

هذا الطرح يوسع نطاق النظريات التقليدية للفردية في المسؤولية، وذلك عبر إسناد قدر من المسؤولية حتى لأولئك الذين لا يرتكبون بأنفسهم أفعالًا جنسية متحيزة، لكنهم يحملون مواقف جنسية متحيزة ضمن مناخ يجعل الآخرين أكثر احتمالًا في أن يترجموها إلى أفعال مؤذية.

3.4 مسؤولية المضطهدين عن اللأخلاقية

القضية المتعلّقة بما إذا كان على المقهورين (المضطهدين) مسؤولية أخلاقية عن أفعال غير أخلاقية تطرح سؤالين أساسيين:
 هل يُعفى المقهورون من المسؤولية عن أفعال غير أخلاقية لا ترتبط مباشرة باضطهادهم، بحجّة أنّ التنشئة الاجتماعية التي خضعوا لها لعبت دورًا في ارتكابهم لهذه الأفعال؟ وهل يتحمّلون مسؤولية المساهمة في استمرار قهرهم من خلال عدم مقاومتهم له؟ هذه الفقرة تتناول السؤال الأول، بينما يتناول القسم 3.5 السؤال الثاني.

في الفلسفة غير النسوية الكلاسيكية، كان التركيز غالبًا على دور الفرد في التسبّب بنتيجة معينة، أي على علاقة السببية المباشرة. لكن في النقاشات الأحدث، تغيّر الاهتمام من “السببية” إلى الاعتراف بأهمية تأثير القوى الاجتماعية على أفعال الفرد، وبالقدر الذي قد يُخفف من مسؤوليته عن أفعاله.

بعض منظّري العِرق، مثل I. A. Menkiti، يبحثون في كيفية تكوّن المنحرفين اجتماعيًا أو “السيكوباتيين”، أي أولئك الذين هم خارج نطاق الأخلاق بمعنى أنهم لا يهتمون بالآخرين، ولا يتحمّلون المسؤولية، ولا يشعرون بالذنب أو الندم أو الخجل. يَعزو Menkiti سبب بعض الحالات السيكوباتية في الأقليات العرقية إلى الظلم الاجتماعي الذي يولّد حرمانًا اقتصاديًا دائمًا، ويقوّض تقدير الذات لديهم، ويدفعهم إلى المرور بمراحل تبدأ بالاستياء، ثم المرارة، وأخيرًا “الموت الأخلاقي” (227–230).

يرى Menkiti أن المجتمع مسؤول جزئيًا على الأقل عن سلوك السيكوباتيين الذين يثورون أو ينخرطون في العنف الجماعي، لأن أفعالهم ناتجة عن فقر لا يُحتمل سببه التمييز الواعي ضدهم بسبب انتمائهم، وعن الإقصاء العنصري المؤسسي. ويُصرّ على أنّ من غير العادل إلقاء اللوم على الأفراد فقط بينما تكمن المسؤولية الأساسية في إخفاقات مؤسسية (236). ويلاحظ أن الفلاسفة تجنّبوا هذا النوع من المسؤولية الجماعية لأنه يذهب بعيدًا في تتبّع العلاقات السببية، لكنه يُصرّ على أن هذا الموقف معقول بقدر معقولية الاعتقاد بأن المجتمعات نفسها يمكن أن تكون ضحية جرائم أو مدينة بديون (237).

من اللافت أنّ النسويات لم يقلن الكثير حول مسألة تخفيف مسؤولية النساء عن أفعالهن غير الأخلاقية عندما تكون دوافع هذه الأفعال متأثرة بدرجة كبيرة بمعاملتهن في ظل النظام الأبوي. قد يُعزى هذا النقص إلى الرؤية القائلة بأنّ استجابة النساء للقهر عادة ما تكون داخلية، عبر تشرّبهن رغبات مشوّهة (انظري القسم 2) وتبنّيهن سمات وأدوار نمطية، مثل التحوّل إلى شخصيات خاضعة بدلاً من التمرّد أو الانخراط في العنف الجماعي.

السلوكيات الخاضعة لا تُعتبر في نظر الكثيرين أفعالًا غير أخلاقية، وإذا لم تكن كذلك، فإنّ السؤال عما إذا كان يُحمَّل النساء ظلمًا مسؤولية عنها لا يطرح نفسه أصلًا. في الواقع، اضطرت النسويات إلى بناء حجة خاصة لتوضيح أنّ تبنّي المرأة لسمات وأدوار نمطية يُعتبر فعلًا غير أخلاقي لأنه يضر بالنساء كجماعة (انظري القسم 3.5)، أو أنّ الخضوع فعل غير أخلاقي لأنه يُعدّ انتهاكًا لواجب احترام الذات، كما كان يعتقد كانط.

ومع ذلك، ترفض بعض النسويات هذا الموقف الأخير، بحجة أنّ كانط صارم أكثر من اللازم لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تدفع شخصية مثل “الزوجة الخاضعة” إلى تكوين هوية تتعارض مع تصوّرها لنفسها كإنسانة، متوقعًا من الجميع أن “ينهضوا بأنفسهم” ويكونوا محترمين لذواتهم (انظر Stark 1997, 76–77).

بول بنسون يربط بين ظروف الفاعل ومسؤولية النساء عن الفعل غير الأخلاقي (2000، 79–85). فهو يضع شرطًا يتعلق بقيمة الذات على المسؤولية، بحجة أنّه لكي يكون الشخص مسؤولًا أخلاقيًا، لا بد أن يكون من الممكن أن نحمله مسؤولية أفعاله. ولكي يكون هذا ممكنًا، يجب أن يرى نفسه مستحقًا لمكانة اجتماعية، بما في ذلك كونه مشاركًا مؤهلًا في التبادلات الأخلاقية التي تنطوي على تقديم المبررات، أو طلب العذر، أو التماس الغفران، أو إلقاء اللوم على شخص ما.

لكن تشرّب المعايير الاجتماعية القمعية قد يتداخل مع تقدير الفاعل لقيمته الذاتية، بحيث لا يعود يعتقد أنّ من موقعه أن يتحمّل مسؤولية أفعاله. ومن ثمّ، فإن تحميل هؤلاء الأفراد المسؤولية الكاملة عن أفعالهم يُعدّ أمرًا غير مناسب.

يعتبر بنسون أن طرحه لمسألة المسؤولية طرح نسوي لأنه علاقاتي، أي أنه يعكس ارتباطنا بالآخرين بدلاً من أن يعكس تصورًا للشخصية كثيرًا ما يرفضه النسويون، وهو التصور الذي يرى الأفراد كذوات مجردة، فردانية، أو ذرّية (atomistic) قادرة على الحكم الذاتي والاكتفاء الذاتي.

فكما يوضح، لا بد أن يكون للفاعل وعي كافٍ بقيمته الذاتية ليكون مسؤولًا أمام الآخرين، وهذا يتطلب وجود آخرين فعلًا. إذ إن “المرء يصنع نفسه” في سياق تفاعلي مع الآخرين، وهو ما تعتبره كثير من النسويات شرطًا ضروريًا الفاعلية الأخلاقية.

ويرى بنسون أن طرحه علاقاتي أيضًا لأن المعايير القابلة للتشارك علنًا هي التي تحكم أفعال الفاعل، وكذلك تفسيره لأفعاله أمام الآخرين. غير أن التبعية والهيمنة تُهددان هذه المنظومة من المعايير، لأنها تجعلان من المستحيل على الأفراد أن يفهموا كيف يمكنهم الدفاع عن سلوكهم أو تبريره.

وأخيرًا، الطرح علاقاتي لأنه يجعل المسؤولية متوقفة على اعتبار الذات قادرة على التحدث باسم فاعليتها الخاصة ردًا على انتقاد الآخرين، وعلى أن تُحمّل نفسها المسؤولية.

بنسون يخشى أن يؤدي إعفاء النساء من كونهن مشاركات متساويات في مجتمع الحوار الأخلاقي إلى تقويض مكانتهن، وهو ما يُعد تمييزًا جنسيًا. ويمكن أن يشاركه هذا القلق نسويات أخريات، وهو ما قد يفسر ندرة النقاش النسوي حول دور التنشئة الاجتماعية في مسؤولية النساء عن الفعل غير الأخلاقي. إذ إن الفاعلة إذا كانت خاضعة بالكامل لتنشئتها الاجتماعية أو لظروفها، فإنها تبدو مجرد أداة لا تملك السيطرة على أفعالها ولا تستطيع ممارستها.

والقلق الثاني هو أن إعفاء النساء من المسؤولية قد يسهم في ترسيخ الصور النمطية التمييزية ضدهن. فـ واندا تايز ترفض نموذج الاعتذار/الإعفاء في تفسير أفعال الدفاع عن النفس للنساء اللواتي يقتلن معنِّفيهن، والذي يُبرَّر إمّا بعدم إدراك المرأة أنها انتهكت القانون، أو بأنها لم تستطع منع نفسها من خرقه لأنها كانت تحت تأثير عواطفها (1998، ص61–64). هذا التفسير يوحي بأنها مختلة ذهنيًا أو غير عقلانية، وهو ما يعزز الصور النمطية الجنسية حول النساء.

في المقابل، تُفضل تايز نموذج التبرير، الذي يعترف بأن المرأة عاقلة وقادرة على أن تحدد بطريقة عقلانية متى يكون الدفاع عن النفس مشروعًا، بمعنى أنه لا يوجد خلل فيها أو في قدراتها العقلية، وأن استجابتها كانت مناسبة بالنظر إلى ظروفها. وقد يرى النسويون أن هذا النموذج يصلح أيضًا لتفسير مدى ارتباط ظروف النساء بمسؤوليتهن أو باستحقاقهن للوم عند ارتكاب أفعال غير أخلاقية.

إحدى هذه الرؤى، رغم أنها لم تُطرح كطرح نسوي، قدّمتها سارة بَس ردًا على حالة “ضحية الطفولة المحرومة” التي ناقشتها سوزان وولف. ترى وولف أن مثل هذا الشخص، الذي لم يتلقَّ أي حب وتعرّض للضرب من والده والإهمال من والدته، غير مسؤول عن اختلاس الأموال لاحقًا في حياته (وولف 1980 [1986]).

فرغم امتلاكه خصائص تجعله عادةً مسؤولًا — مثل عدم التعرّض للإكراه، والسيطرة على سلوكه، وامتلاك ملكة عقلية طبيعية — إلا أنه يُعفى من المسؤولية لأنه لم يكن بإمكانه أن تكون لديه أسباب ليتصرف أخلاقيًا بدلًا من الاختلاس. فمع أنه توجد أسباب أخلاقية لعدم الاختلاس، فإن الظروف التي نشأ فيها جعلته غير قادر على إدراك هذه الأسباب، ولا يمكن أن نتوقع منه بشكل معقول أن يدركها.

ولكي يتجاوز خلفيته ويرى أن هناك أسبابًا أخلاقية تمنع الاختلاس، كان عليه أن يمتلك نوعًا معينًا من الحساسية والإدراك، وهو ما يفتقر إليه. وبما أنه لا يمكننا أن نتوقع من شخص كهذا أن يرى سببًا يمنعه من الاختلاس، ولأن الأسباب التي يراها محددة بظروفه، تعتقد وولف أن أفعاله الناتجة عن هذه الأسباب محدَّدة مسبقًا، وبالتالي فهو غير مستحق للوم ولا مسؤول عن فعل الاختلاس.

لكن المشكلة في هذا الطرح أن القول بأن “أسباب الفرد محدَّدة بظروفه” يهدد التصور التقليدي للوكالة الأخلاقية الذي يفترض أن الشخص قادر على أن يختار بحرية بين الأسباب المتاحة. ولو تبنى النسويون نفس الاستنتاج عن النساء اللواتي يُضمرن داخليًا اضطهادهن — مثل الزوجة المطيعة الموصوفة في القسم (2) — فإنهم سيخاطرون بنفي فاعلية النساء الأخلاقية.

تجادل بَس ضد طرح وولف بطريقة لا تُنكر الوكالة الأخلاقية. فبدلًا من القول إن ظروف الفاعل تحدد أسبابه، ترى بَس أن هذه الظروف تمنحه فشلًا مُبرَّرًا في “التفريق بين الصواب والخطأ” (1997).

تُطوّر بَس مثال “ضحية الطفولة المحرومة”، الذي كان في طفولته على احتكاك دائم بأشخاص إمّا يضربونه، أو يدعمون من يضربه، أو يتجاهلون معاناته. وفي كل مرة كان يُضرب فيها، كان يُستفز أولًا بالسخرية. بعد سنوات، حينما يتعرض للسخرية مع تعليق مهدِّد، يضرب الشخص الذي سخر منه. ترى بَس أن الضحية مسؤول عن ضرب من سخر منه، لأن هناك أسبابًا أخلاقية تمنع من ضرب الساخرين: فالضرب فعل خاطئ. لكن في الوقت نفسه، ترى بَس أن الضحية مُعذور في ضربه، لأنه يمتلك “أسبابًا معفية” مرتبطة بظروفه. هذه الأسباب تعفيه من اللوم، على الأقل في بعض الحالات، اعتمادًا على طبيعة الفعل الخاطئ، وما إذا كانت هناك بدائل متاحة، وتفاصيل خلفيته.

بوجه عام، يمكن إعفاؤه من اللوم لأنه يملك فشلًا مُبرَّرًا في التمييز بين الصواب والخطأ — فأي شخص في ظروفه سيكون لديه سبب للتصرف كما فعل، حتى وإن كان لديه أيضًا سبب لعدم التصرف بطريقة غير أخلاقية.

تدافع بَس عما تسميه “الحدس الأساسي”، ومفاده أن “ببساطة، بسبب خلفياتهم الاستثنائية، يتمتع بعض الفاعلين المخطئين بمكانة أخلاقية مختلفة عن الفاعلين الأكثر ‘امتيازًا’ الذين يرتكبون نفس الأفعال” (ص. 337). ولا بد أن يكون المرء استثنائيًا حقًا لكي لا يرى الأمور كما يراها الضحية، ولكي يرفض تفسير تجاربه كأنها ليست مؤشرًا على الطبيعة البشرية. وتضرب بَس هذا المثال: ليس لدى الضحية سبب وجيه للاعتقاد بأن من يسخر منه يختلف عن الأشخاص العدائيين الذين نشأ بينهم، تمامًا كما أنه ليس لدى الشخص الذي عضّته الكلاب مرارًا سبب وجيه ليعتقد أن الكلب الهادر أمامه لن يعضّه (ص. 350).

وبذلك، ينسب “الحدس الأساسي” للضحية ليس عجزًا عن التمييز الأخلاقي الصحيح، بل فشلًا مُبرَّرًا في التفريق بين الصواب والخطأ. لديه أسباب معفية تبرر فعله.

هذا الطرح غير الحتمي الذي تقدمه بَس يمكن أن يستخدمه النسويون كطريقة تحافظ على وكالة النساء الأخلاقية، مع إعفائهن من اللوم على أفعال معينة تُعد غير أخلاقية. بل قد يستعملونه لإعفائهن من المسؤولية نفسها، إذا استطاعوا أن يبرهنوا على أن هذه الأفعال مبررة في ذاتها — كأن تكون ردودًا مشروعة على تهديدات تمس القيمة الجوهرية للشخص (انظر Superson 2010).

3.5 مسؤولية مقاومة المرء لاضطهاده الخاص : ولوم الضحية

هل يُعدّ المضطهدون مسؤولين عن مساهمتهم في اضطهاد أنفسهم من خلال عدم مقاومتهم له؟

ليس الرجال وحدهم، بل النساء أيضًا يساهمن في اضطهاد النساء، لا من خلال التسبب المباشر به، بل عبر استمراره نتيجة مواقفهن وسلوكياتهن. تُوصَف النساء “اليمينيّات” بأن أنماط حياتهن تعكس إلى حد كبير القيم اليمينية، وذلك لأنهن، متفقات مع الرجال المتحيزين جنسيًا، يعتقدن أن النساء ينتمين إلى الأدوار النمطية (Superson 1993). النساء اللواتي يمارسن سلوكيات يمينية أحيانًا ولكن لأسباب غير متحيزة جنسيًا لا يدخلن في هذا الوصف. كثير من النساء اليمينيّات لديهن رغبات مشوّهة (انظري القسم 2). وهناك نساء أخريات، لا يتبنَّين القيم الأبوية ولا يمتلكن رغبات مشوّهة، يَخترن أدوارًا تؤدي، حين تختارها نساء كثيرات غيرهن، إلى ترسيخ الصور النمطية عن النساء، وبالتالي إلى المساهمة في اضطهادهن (Cudd 1988). فهل تُعدّ مثل هؤلاء النساء مسؤولات أو مُستحقات للوم بسبب مساهمتهن في اضطهاد أنفسهن؟ إن السلوك المتحيز جنسيًا يرسّخ اضطهاد النساء ويؤذيهن، وهو ما قد يدعم فكرة تحميل النساء اليمينيّات المسؤولية ولومهن. ومع ذلك، فإن القيام بذلك يبدو وكأنه إلقاء اللوم على الضحية.

تنقسم النسويات حول ما إذا كانت النساء مسؤولات أو مُستحقات للوم بسبب مساهمتهن في اضطهاد أنفسهن. بعضهن يعتقدن أن التلقين القوي للنساء في المعتقدات والقيم الأبوية يجعل من المرجّح أن يتبنَّينها (Bartky 1999a؛ Luker 1984؛ Nussbaum 1999a؛ Superson 1993). بعض النساء اليمينيّات المسيحيات يتبنين القيم الأبوية ويعملن بها لأنهن يؤمنّ أن هذا هو ما ينبغي أن يكون وفقًا لخطة الله، وبعض النساء اليمينيّات العلمانيات يتبنين القيم الأبوية لأنهن يعتقدن أن الاضطهاد أمر لا يمكن تغييره وأن التكيّف معه هو أفضل خيار لهن. بعض النسويات يجادلن بأن لوم النساء اليمينيّات أو تحميلهن المسؤولية عن دورهن في اضطهادهن أمر غير مناسب، إذا كنّ عاجزات تمامًا عن فهم النسوية، وغير قادرات على إدراك أن أسلوب حياتهن غير تحرري. ويُشبِّهن ذلك بلوم أو تحميل ضحايا الاغتصاب مسؤولية الضرر الذي تعرّضن له، رغم أنهن لم يلعبن أي دور أخلاقي في التسبب فيه (Superson 1993).

مع ذلك، قد تلوم نسويات أخريات النساء اللواتي لا يقاومن اضطهادهن أو يحمّلنهن المسؤولية عن ذلك. إذ ترى بعضهن أنه على الرغم من أن القوى الأبوية الخارجية والداخلية، بما في ذلك الرغبات المشوّهة، يمكن أن تقيّد استقلالية المرأة، فإن هذا لا يُعَد سببًا كافيًا لعدم مطالبة النساء بمقاومة اضطهادهن. تعتقد كارول هاي أن النساء في ظل النظام الأبوي يمتلكن قدرًا معقولًا من الاستقلالية، وأن الاستقلالية شرط ضروري لإمكانية الالتزام الأخلاقي، وهو بدوره يشكّل على الأقل جزءًا من الفاعلية الأخلاقية (2005، ص 105).

وتجادل هاي بأن مطالبة شخص يمتلك القدرة على الوفاء بالتزاماته الأخلاقية، بسبب تمتّعه بدرجة معينة من الاستقلالية، بمسؤوليات أكبر قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز استقلاليته. وهي تُقِرّ بأن تحميل النساء عبء الالتزام بمقاومة اضطهادهن أمر غير عادل، لكنها ترى أن وفاء النساء بهذا الالتزام أساسي أيضًا من أجل القضاء على النظام الأبوي، بل إن هذا العبء المتزايد يشكّل في حد ذاته سببًا إضافيًا للقضاء على الأبوية (ص 104–105). وتشير هاي إلى أن ما إذا كانت المرأة مُلزمة بمقاومة اضطهادها في حالة معينة من التمييز الجنسي، مثل مواجهة متحرش جنسي، يعتمد على مقدار الخطر الذي قد تتعرض له في ذلك: فإذا كان خطر الأذى عليها كبيرًا، فإنها تُعفى من هذا الالتزام.

تجادل آن كَد أيضًا بأن على النساء التزامًا بمقاومة اضطهادهن، وذلك في الحالات التي تفهم فيها النساء طبيعة اضطهادهن، ولا يقعن تحت تأثير الرغبات المشوّهة، وحيث لا يكون الاضطهاد شاملًا إلى درجة تجعل مقاومته مستحيلة أو شديدة الخطورة (2006).

خذ مثلًا حالة لاري وليزا، وهما زوجان يعتقدان أن من الأفضل أن يتولّى أحدهما معظم مهام تربية الأطفال. وبالنظر إلى فجوة الأجور القائمة بين الجنسين، يستنتجان أنه من المنطقي أن تترك ليزا سوق العمل المأجور لتتفرغ لتربية الأطفال. غير أن قيامها بذلك، عندما تقدم نساء كثيرات على الخيار نفسه، يساهم في perpetuating (إدامة) اضطهاد النساء، لأنه يجعل أصحاب العمل ينظرون إلى النساء على أنهن عاملات غير موثوقات، وهو ما يعزز الصورة النمطية نفسها التي تخلق فجوة الأجور منذ البداية (ص 199).

وترى كَد أن على نساء مثل ليزا التزامًا بالتضحية بالمكاسب الاقتصادية لعائلاتهن من أجل مستقبل أفضل للنساء، شرط أن تفعل ما يكفي من النساء ذلك معًا بما يكفي لمواجهة الصورة النمطية عن المرأة كعاملة غير موثوقة (ص 188). وهي لا تعتبر أن مطالبة المقهورات بمقاومة قهرهن تعني إلقاء اللوم على الضحية ظلمًا؛ بل ترى الأمر أشبه بحالة شخص أصيب بجرح سطحي بسبب استخدام مهمل لمقص حاد، لكنه يتحمّل جزءًا من المسؤولية عن الضرر إذا فقد يده لاحقًا بالغرغرينا لأنه رفض غسل الجرح والعناية به. فكلا الضحيتين يشاركان بطريقة ما في الضرر الذي لحق بهما، حتى وإن لم يكن أيّ منهما هو السبب المباشر للأذى.

استجابة مختلفة للاضطهاد هي ظاهرة “التظاهر بالامتياز” (passing as privileged)، مثلما تفعل امرأة مثلية (queer femme) حين تحاول أن تمرّ على أنها امرأة متوافقة مع الجندر (cis-gender) من خلال تجنّب الإمساك بيد صديقتها، وذلك لتجنّب إحراج مع زميل عمل غير حسّاس (Silvermint 2018, 11).

يصف دانيال سيلفرمنت “التظاهر بالامتياز” بأنه يحدث “حين يُنظَر إلى عضو في جماعة مضطهدة أو موصومة أو مميَّز ضدها (x) على أنه عضو في جماعة متمتعة بالامتياز (y)، سواء بشكل سلبي أو إيجابي، وبذلك ينجو من الحواجز والأعباء الجائرة المرتبطة بالانتماء إلى (x)، و/أو يصل إلى المزايا المرتبطة بالتصوّر (الخاطئ) لانتمائه إلى (y)” (2018, 6).

ينشغل سيلفرمنت أساسًا بـ “التظاهر الفعّال”(active passing)، وهو استراتيجية تهدف إلى خلق أو تجنّب الانطباع بأن المرء من نوع معيّن من الناس، كما في حالة عائلة مهاجرة تقوم بـ “أنجلزة” (تحويل إلى الإنجليزية) اسم عائلتها لإخفاء وضعها كعائلة متجنّسة حديثًا (ص 3).

كلا الاستراتيجيتين—مقاومة الاضطهاد أو التظاهر بالامتياز—هما طريقتان لتحسين ظروف الحياة (ص 389). غير أن المقاومة تنطوي على تقويض النظام القهري أو تغييره أو الهروب منه، بينما التظاهر يحافظ على القيود القهرية كما هي، مع محاولة استغلال طريقة توزيعها لتجنّب الوقوع تحتها. على عكس المقاومة، لا يتحدى التظاهر النظام المؤذي نفسه بل يُبقيه سليمًا.

بدلًا من ذلك، يدافع سيلفرمنت عن الرأي القائل بأن التظاهر بالامتياز شكل جائز من التواطؤ الذاتي (self-regarding complicity)، على أساس أن الأفراد الذين يلجؤون إلى التظاهر ليسوا مسؤولين عن كونهم ضحايا للاضطهاد، وإنما يحاولون التكيّف مع ظروفهم بأفضل وسيلة ممكنة من أجل تعزيز رفاههم (ص 40).

4. سيكولوجيا المضطهِد

ركزت النسويات على مسألتي الهيمنة والتبعية في المستويين السياسي والاجتماعي، غير أن بعضهن دعون إلى مزيد من العمل النسوي على كيفية تأثير الهيمنة والتبعية في تكوين الطبع (character). تُعرّف روبن ديلون “نظرية الطبع النقدية” (critical character theory) بوصفها مقاربة لتنظير الطبع من منظور نسوي (2012, 85). ومن بين الأسئلة التي تطرحها هذه النظرية: ما إذا كانت سمات معينة قد تسهم في الاضطهاد أو تقوّضه.

تهتم النظرية اهتمامًا خاصًا بمسألة الرذيلة (vice)، التي ترى ديلون أنها تُستبعَد في الغالب من النظريات الأخلاقية، رغم أن فهم الرذيلة مهم لكيفية تربيتنا لأطفالنا وتطوير طباعهم الأخلاقية، خصوصًا فيما يتعلق بتمكينهم من مكافحة الاضطهاد (91–92). وترى ديلون أن النظرية الأخلاقية النسوية ينبغي أن تفحص كيف يُسهم الاضطهاد الممنهج في تطبيع الرذائل وتعزيزها في أعضاء الجماعات المهيمنة، وكيف يمكننا إصلاح الضرر الذي يلحق بالطبع، ليس فقط خارجيًا من خلال تغييرات على مستوى النظم، بل أيضًا داخليًا، وهو ما قد يكون ضروريًا لتحويل الشروط الاجتماعية غير العادلة مثل الاضطهاد (94).

تجادل ديلون وليزا تسمن بأن الاضطهاد يُنمّي لدى المتميّزين امتيازًا رذائل مثل الغطرسة، والأنانية، والقسوة، واللامبالاة، وانعدام المسؤولية الاجتماعية. وهو يفسد طباع الذين يمارسون الاضطهاد أو يتواطأون فيه بطرق لا تعادلها المنافع التي يجلبها الامتياز (Dillon, 96; Tessman 2005, 4). فالذين يتمتعون بالامتياز، وبخاصة أولئك الذين يقبلونه بشكل سلبي مُدان، أو حتى يؤيدونه صراحة، يجسدون ما تسميه تسمن “الرذائل العادية للهيمنة”، وهي التي تمنعهم من الازدهار رغم استفادتهم من امتيازاتهم.

ولا يقتصر الأمر على تطوير الرذائل، بل إن أصحاب الامتياز غالبًا ما يُظهرون غيابًا لبعض الفضائل الأخلاقية الأساسية، بما في ذلك التعاطف مع الآخرين خارج جماعتهم، والكرم، وروح التعاون، والانفتاح على تقدير الآخرين (Tessman, 55). وبينما يمكن للـمتميّزين أن يزدهروا ضمن دائرة الامتياز ذاتها، وبذلك يحققون معايير أرسطو لـ السعادة (eudaimonia)، فإنهم لا يستطيعون الازدهار وفق تصور للسعادة يعكس واقع اللامساواة الاجتماعية. ولهذا السبب تصف تسمن حالتهم بأنها امتلاك لـ “فضائل مُثقلة بالأعباء” (burdened virtues).

وتؤكد تسمن أن الخير الأخلاقي يتطلب ليس فقط السعي وراء خير الفرد وخير الآخرين الذين يعتمد عليهم، كما يرى أرسطو، بل أيضًا خير الآخرين الذين قد يكون غياب خيرهم شرطًا لامتياز الفرد (76). إن تركيز تسمن على الرذيلة في سياق الاضطهاد هو بالضبط النوع من العمل الذي ترى ديلون أنه قد يكون أساسيًا لإنهاء الاضطهاد، كما أن عمل ديلون حول الغطرسة مرشح لأن يكون بداية لتقدم نسوي في هذا المجال (Dillon 2004).

نجد في أعمال ديلون وتسمن رفضًا نسويًا نموذجيًا لما يُعرف بـ النظرية المثالية. فبحسب تشارلز ميلز، تمثل النظرية المثالية الواقعَ باعتباره مجرد انحراف بسيط عن المثال الأعلى، لا يستحق التنظير في حد ذاته، أو أنها تُصرّح خطأً بأن الانطلاق من المثال هو أفضل طريقة لتحقيق المثال (Mills 2005, 168). تكمن المشكلة في أن النماذج المثالية تُجرِّد الواقع بطريقة إشكالية من حقائق أساسية لفهم الظلم، مثل الهيمنة البنيوية، والاستغلال، والإكراه، والاضطهاد (170). وبهذا، فإن النظرية المثالية لا تمثل سوى تجارب الجماعة المهيمنة، وبالتالي تخدم مصالحها (172).

لكن بما أن الأخلاق يفترض أن تتعلق بكيفية تصرف الناس الفعليين، وبما أن النظرية المثالية لا تعكس تجارب الجماعات الخاضعة، فإنها ليست أفضل طريقة لممارسة الفلسفة الأخلاقية. عمل تسمن على ما تسميه “الحالات المستحيلة” يوجّه نقدًا للنظرية الأخلاقية المثالية على أساس أنها تفشل في التقاط المعضلات الأخلاقية التي تنطوي على متطلبات أخلاقية غير قابلة للتفاوض، قائمة على قيم أصيلة مثل الحب والحياة، والتي لا يمكن المساومة عليها بسهولة (مثل: قتل طفلك الباكي من أجل حماية مجموعة من النازيين) (Tessman 2017). ويمكننا أن نتخيّل حالات نسوية مشابهة لهذه الظاهرة، مثل قتل مغتصب لحماية كرامتك (Superson 2010).

رغم دعوة ديلون إلى مزيد من العمل في إطار نظرية الطبع النقدية، فإن بعض الأدبيات السابقة، سواء كانت نسوية صريحة أو يمكن أن تُوظَّف في السياق النسوي، تناولت نفسية أفراد الجماعة المهيمنة، أي الرجال، الذين تسهم أفعالهم القائمة على التمييز الجنسي في اضطهاد النساء. فقد قدّم النسويون ومناصروهم تفسيرات لكيفية تكوّن الشخصية التمييزية (sexist)، وشرحوا الدوافع الكامنة وراء الشخص الذي ينخرط في سلوك جنسي تمييزي أو عنصري يسهم في اضطهاد جماعة ما.

يقدّم لورنس توماس طرحًا يوضح كيف يمكن لمجتمع يسوده انعدام الثقة في أن الآخرين لن يؤذوا الفرد أن يجعل هذا الفرد يُنمّي حالة من اللامبالاة بإيذاء الآخرين، إن لم يكن ما هو أسوأ من ذلك (1996). ويمكن تطبيق طرح توماس على أشكال اللاأخلاقية القائمة على التمييز الجنسي.

يناقش توماس القاعدة الذهبية التي تنص على: عامِل الآخرين كما تُحب أن يعاملوك (ص. 272). ويؤكد أننا لا ينبغي أن نمتثل لهذه القاعدة بدافع الخوف — وهو ما يُظهر افتقارًا لاحترام الآخرين — بل يجب أن نمتثل لها وفق الغاية الأصلية التي وُضعت من أجلها، أي بدافع النظر إلى الآخرين ورغبة صادقة في عدم التسبب لهم في الأذى أو المعاناة. هذا الشعور يتولد من خبرتنا الشخصية في التعرض للأذى ومن طبيعة البشر عمومًا. على سبيل المثال، من يمتلك هذا الدافع المتعلق بالآخرين يعرف ما يعنيه أن يعاني الألم الأخلاقي الناتج عن التعرّض لإهانة عنصرية، وهو ما يكفي كي يمنعه من توجيه إهانة عنصرية لغيره.

في مناخ أخلاقي، يكون الفرد أكثر ميلًا لامتلاك هذا الشعور المتعلق بالآخرين. لكن في مجتمع يفتقر فيه الأفراد إلى الثقة في أن الآخرين لن يؤذوهم، فمن المرجح أن نفقد هذا الشعور ونطوّر ميولًا تُقوِّض الفضيلة، فنبدأ أولًا باللامبالاة تجاه إيذاء الآخرين، ثم نصبح عديمي الإحساس أخلاقيًا، ثم ننحدر في النهاية إلى أن نصبح كائنات شريرة. يشبّه توماس هذا الانحدار المجتمعي بما يحدث في العائلة المسيئة (ص. 273). فالأطفال الذين يتعرضون للإساءة يواجهون صعوبة أكبر في اكتساب أساس آمن مقارنةً بأولئك الذين ينشأون في أسر محبة (ص. 281). الأطفال من الأسر المحبة يرون أنفسهم ذوي قيمة متأصلة، وهو ما يشكل أساس حب الذات، الذي بدوره يدعم المشاعر المتعلقة بالآخرين. أما الطفل المُساء إليه، فعادة ما يكون منشغلًا بمتى وكيف سيتعرض للإساءة، وكيف سيتعامل معها، إضافة إلى تركيزه على بقائه وسلامته الشخصية. وكثير منهم ينتهي إلى تطوير دوافع تُقوِّض الفضيلة مثل المرارة، والنقمة، والرغبة في الانتقام، وهي دوافع تتعارض مع المشاعر المتعلقة بالآخرين.

ورغم أن توماس لا يربط طرحه مباشرةً بتكوّن الشخصية التمييزية (sexist)، فإن فلاسفة آخرين كتبوا عن الشر — ومن بينهم نسويون تناولوا خصوصًا شر الاضطهاد — يفسرون الطابع اللاأخلاقي لأعضاء الجماعة المهيمنة الذين ينخرطون في سلوك قائم على التمييز الجنسي أو العنصري تجاه الجماعات التابعة من خلال إظهار اللامبالاة بإنسانيتهم (انظر القسم 3.1).

يفحص لاري ماي أسلوب التنشئة الاجتماعية الذي تمارسه المؤسسات العسكرية التي كانت حصرًا على الذكور مثل معهد سيتاديل والمعهد العسكري لفيرجينيا (1998b). تعتمد هذه المؤسسات على العزل من أجل ترسيخ ثقافة ذكورية وغرس قيم رجولية تقليدية بعيدًا عن أي ضغوط خارجية، وخصوصًا من النساء. فهي تُنشأ كأماكن يُصبح فيها الأولاد رجالًا أو يثبتون أنهم رجال بالفعل، مما يكرّس شكلًا من أشكال الرجولة تدعمه أيضًا بيئات رياضية مخصصة للذكور فقط، وأندية خاصة بالرجال، وغير ذلك (ص. 117).

وفي هذه السياقات العسكرية المؤسسية، تكون الظروف قاسية: المساكن ضيقة وتفتقر إلى الخصوصية، ويُنظر إلى الطلاب العسكريين على أنهم مجرد “جرذان” لا أشخاصًا متفردين يستحقون الاحترام. كما يُجبرون على تحمل ضغوط نفسية وعقوبات، بل وحتى ضرب، والغرض من ذلك كله هو تطوير الانضباط الذاتي، ومهارات القيادة، وبناء الشخصية من خلال التضامن مع رفاقهم في المعاناة وحتى مع مُعنِّفيهم السابقين، إضافةً إلى توجيه العدوان الذكوري لدى الشباب (ص. 118).

لكن، ووفقًا لماي، فإن هذا التدريب يأتي بنتائج عكسية، إذ يُعاد توجيه العدوان الذكوري خصوصًا نحو النساء: فعندما يرى الطلاب العسكريون أنفسهم مجرد “جرذان” بدلًا من أشخاص يستحقون الاحترام، لا تكون سوى خطوة صغيرة لينظروا إلى النساء—اللواتي يُصوَّرن عادةً على أنهن أقل استحقاقًا من أنفسهم—بأنهن أقل من الجرذان ودون أي اعتبار (ص. 129). وعندما يُعتبر العدوان أمرًا مقبولًا، فإن ذلك قد يجعل الرجل أكثر عرضة لإظهار عدوانية أكبر وأشد مما كان سيفعل في ظروف أخرى (ص. 132). وبما أن الطلاب العسكريين يُمنعون من إظهار أي عدوان تجاه طلاب السنوات الأعلى الذين يسيئون معاملتهم، فإنهم يُظهرون عدوانية متزايدة تجاه أقرانهم أو تجاه النساء في الحياة المدنية (ص. 132).

وبديلًا عن ذلك، قد يُعاد توجيه عدوانهم نحو أمور مثل السعي المفرط لحماية الأسرة ودعمها، وهو ما يُترجم غالبًا إلى دور “المُعيل” المرتبط عادةً بهيمنة الذكور (ص. 133). يناقش ماي أيضًا ممارسات مثل التحرش الجنسي التي تعزز التضامن الذكوري وتُبقي النساء في موقع أدنى (1998a, ص. 105). فتعليق صورة من مجلة بلاي بوي في مكان عام داخل بيئة العمل يساهم في خلق نوع من الترابط بين الرجال، وفي الوقت نفسه يرسل رسالة إلى أي امرأة موجودة بأنها لا تختلف عن المرأة في الصورة وبأنها غير مرحب بها في هذا الفضاء الذكوري (1998a, ص. 106).

ويشير ماي إلى أن النوع نفسه من الترابط والإقصاء قد يحدث أيضًا في المهن، خصوصًا تلك التي لا تزال النساء ممثلات فيها بشكل ضعيف (انظر: كوفمان 1999، ص. 199–201؛ فالين 1999؛ سوبيرسون 2002). مثل هذه أنماط التنشئة والممارسات تفسر، ولو جزئيًا، لماذا يطور بعض أفراد المجموعة المهيمنة من الرجال شخصيات قائمة على التمييز الجنسي أو يسلكون سلوكيات تمييزية.

لقد حاولت النسويات أيضًا تفسير ما الذي يكمن في دوافع الشخص أو مواقفه ويدفعه إلى الانخراط في سلوك قائم على التمييز الجنسي. أحد التفسيرات هو تبني الصور النمطية الجنسية. تصف كاثلين وايتس الرجل الذي يعتدي على زوجته جسديًا بأنه يعتنق الأدوار التقليدية للجنسين، إذ يعتقد أن الرجل يجب أن يكون “سيد” المنزل وأن دور المرأة هو إشباع جميع احتياجاته ورغباته (1993، ص. 193). وغالبًا ما يُظهر المعتدي مظهرًا ذكوريًا صارمًا، ولديه حاجة مفرطة للهيمنة والسيطرة على زوجته، ويؤمن بأن من حقه استخدام العنف ضدها لفرض إرادته (ص. 193).

أما سوزان غريفين فتستشهد بدراسات وبيانات اجتماعية تُظهر أن المغتصب المدان يتمتع، في المتوسط الإحصائي، بشخصية جنسية “طبيعية”، ولا يختلف عن الرجل العادي المتكيف اجتماعيًا إلا في أن لديه ميلًا أكبر للتعبير عن العنف والغضب (1981، ص. 318). ويؤمن المغتصب بالتصورات النمطية عن هيمنة الذكور وخضوع الإناث. ومن بين الأسباب التي تجعل المحاكم تجد صعوبة في التمييز بين الجنس التوافقي والاغتصاب هو أن الصور النمطية الجندرية ذاتها الحاضرة في “الجنس الطبيعي” بين الجنسين موجودة أيضًا في الاغتصاب، إلا أن الأخيرة تُدفع إلى أقصى أشكالها العنيفة (ص. 317–318).

كما أن ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (FGM) تعكس أيضًا القبول بالصور النمطية حول هيمنة الذكور وخضوع الإناث. فعلى الرغم من أن هذه الممارسة تُنفَّذ عادةً على يد قريبات المرأة أو قابلة، إلا أن المجتمع ككل، وبخاصة قادته الذكور، هم الذين يضعون المعايير الاجتماعية. وتجادل سمرا أسيفا بأن هذه الممارسة طالما بُرّرت بالاعتقاد أن النساء غير قادرات على التحكم في رغبتهن الجنسية القوية (1994 و1998، ص. 98). وتهدف هذه الممارسة إلى إضعاف أو تدمير قدرة المرأة على الاستمتاع الجنسي، وتحويلها إلى مجرد “آلة إنجاب” لضمان استمرار نسل زوجها (انظر أيضًا نوسباوم 1999b).

جوهر الصور النمطية المتعلقة بـ هيمنة الذكور وخضوع الإناث هو الفكرة القائلة بأن الرجال أسمى قيمةً، والنساء أدنى، وهو ما تعتبره جان هامبتون جوهريًا في الأعمال الخاطئة: إذ إن المعتدي على زوجته يرسل رسالة مفادها أن زوجته تملك قيمة عبيد؛ أما المغتصب فيعبر عن موقف يرى النساء أدنى من العبيد، ككائنات مجردة يُستخدمن متى شاء الذكر ذلك (1999، ص. 134–135). وفقًا للرؤية الكانطية التي تؤيدها هامبتون، لا يمكن أبدًا إنقاص القيمة الجوهرية لأي شخص. لكن دوافع المغتصب وغيره من المتحيزين جنسياً الذين يرتكبون أفعالًا خاطئة ضد ضحاياهم هي غياب الاحترام للنساء ككائنات ذات قيمة جوهرية.

5. الخاتمة

موضوعات علم النفس الأخلاقي النسوي مدفوعة بالهدف النسوي لإنهاء اضطهاد النساء. وعلى الرغم من أن ما يجمع جميع النسويات هو اشتراكهن في هذا الهدف، كما رأينا،تختلف النسويات في آرائهن حول أفضل السبل لتحقيقه. على وجه الخصوص، فيما يتعلق بموضوعات علم النفس الأخلاقي، تختلف النسويات في آرائهن حول ما يلي: دور العاطفة في النظرية الأخلاقية؛ ما إذا كانت لدى النساء رغبات مشوهة وإلى أي مدى تعيق هذه الرغبات الفاعلية الأخلاقية للنساء؛ درجة مسؤولية أعضاء المجموعة المهيمنة (الرجال) عن مشاركتهم في اضطهاد النساء؛ ما إذا كان أعضاء المجموعة المهيمنة قادرين على تبني منظور غير المتميزين؛ ما إذا كانت التنشئة الاجتماعية أو الظروف الخلفية لأعضاء المجموعة التبعية تخفف من مسؤوليتهم أو لومهم على الأفعال غير الأخلاقية التي لا تتعلق بالاضطهاد؛ وما إذا كانت النساء مسؤولات عن مقاومة اضطهادهن بأنفسهن.
 لا ينبغي أن نستنتج أن هذه الخلافات تشير إلى أن البحث الفلسفي النسوي منقسم إلى درجة تجعله غير مفيد. بل ينبغي أن نستنتج العكس، وهو أن البصائر النسوية قد أثرت مجال علم النفس الأخلاقي بشكل كبير من خلال لفت انتباه الفلاسفة إلى قضايا لم يتم تناولها أو فحصها بشكل كافٍ من قبل. إن التقدم الذي أحرزته النسويات، وما زلن يحرزن، في هذه القضايا أمر أساسي لإنهاء اضطهاد النساء.

المراجع

Asefa, Semra, 1998. “Female Genital Mutilation: Violence in the Name of Tradition, Religion, and Social Imperative,” in Violence Against Women: Philosophical Perspectives, Stanley G. French, Wanda Teays, and Laura M. Purdy (eds.), Ithaca, NY: Cornell University Press, pp. 92–104; previously published in Interpersonal Violence, Health, and Gender Politics, 2nd edition, S. G. French (ed.), Dubuque, Iowa: Brown & Benchmark, 1994.

  • Baber, Harriet E., 2007. “Adaptive Preferences,” Social Theory & Practice, 33(1): 105–126.
  • Baier, Annette C., 1987a. “Hume, the Women’s Moral Theorist?” in Women and Moral Theory, Eva Feder Kittay and Diana T. Meyers (eds.), Savage, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 37–55.
  • — 1987b. “The Need for More Than Justice,” Canadian Journal of Philosophy, 13 (Supplement): 41–56.
  • Baron, Marcia, 1984. “The Alleged Moral Repugnance of Acting from Duty,” The Journal of Philosophy, 84(4): 197–220.
  • –––, 1985. “Servility, Critical Deference and the Deferential Wife,” Philosophical Studies, 48: 393–400.
  • –––, 2004. “Killing in the Heat of Passion,” in Setting the Moral Compass: Essays by Women Philosophers, Cheshire Calhoun (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 353–378.
  • Bartky, Sandra, 1976 [1990]. “Toward a Phenomenology of Feminist Consciousness,” in Social Theory and Practice, 3: 425–439; reprinted in Femininity and Domination: Studies in the Phenomenology of Oppression, Sandra Lee Bartky (ed.), New York: Routledge, 1990, pp. 11–21.
  • –––, 1979 [1990]. “On Psychological Oppression,” in Philosophy and Women, S. Bishop and M. Weinzweig (eds.), Belmont, Wadsworth; reprinted in Femininity and Domination: Studies in the Phenomenology of Oppression, Sandra Lee Bartky (ed.), New York: Routledge, 1990, pp. 22–32.
  • –––, 1990. “Narcissism, Femininity, and Alienation,” in Femininity and Domination: Studies in the Phenomenology of Oppression, Sandra Lee Bartky (ed.), New York: Routledge, pp. 33–44.
  • –––, 2004. “Suffering to Be Beautiful,” in “Sympathy and Solidarity” and Other Essays, Sandra Lee Bartky (ed.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 13–29.
  • Benson, Paul, 2000. “Feeling Crazy: Self-Worth and the Social Character of Responsibility,” in Relational Autonomy: Feminist Perspectives on Autonomy, Agency, and the Social Self, Catriona Mackenzie and Natalie Stoljar (eds.), New York: Oxford University Press, pp. 72–93.
  • Blum, Lawrence, 1988. “Gilligan and Kohlberg: Implications for Moral Theory,” Ethics, 98(3): 472–491.
  • Blum, Larry, and Marcia Homiak, Judy Housman, and Naomi Scheman, 1973–1974. “Altruism and Women’s Oppression,” The Philosophical Forum (Special Issue on Women & Philosophy), 5(1–2): 222–247.
  • Bordo, Susan, 1997. “Can a Woman Harass a Man?” Philosophy Today, 4(1): 51–66.
  • Brennan, Samantha, 2013. “Rethinking the Moral Significance of Micro-Inequities: The Case of Women in Philosophy,” in Women in Philosophy: What Needs to Change?, Katrina Hutchinson and Fiona Jenkins (eds.), New York: Oxford University Press, pp. 180–196.
  • Brison, Susan J., 1998. “Surviving Sexual Violence: A Philosophical Perspective,” In Violence against Women: Philosophical Perspectives, Stanley G. French, Wanda Teays, and Laura M. Purdy (eds.), Ithaca, NY: Cornell University Press, pp. 11–26.
  • Brownstein, Michael B., 2019. “Implicit Bias,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2019 Edition), E. Zalta (ed.), URL = <https:plato.stanford.edu/archives/fall2019/entries/implicit-bias/>.
  • Brownstein, Michael and Jennifer Saul (eds.), 2016a. Implicit Bias and Philosophy (Volume 1: Metaphysics and Epistemology), New York: Oxford University Press.
  • ––– (eds.), 2016b. Implicit Bias and Philosophy (Volume 2: Moral Responsibility, Structural Injustice, and Ethics), New York: Oxford University Press.
  • Bruckner, Donald W., 2007. “In Defense of Adaptive Preferences,” Philosophical Studies, 142: 307–324.
  • Buss, Sarah, 1997. “Justified Wrongdoing,” Noûs, 31(3): 337–369.
  • Calhoun, Cheshire, 1988. “Justice, Care, and Gender Bias,” The Journal of Philosophy, 85(9): 451–463.
  • –––, 1989. “Responsibility and Reproach,” Ethics, 99(2) (January): 389–406.
  • Card, Claudia, 1993. “Gender and Moral Luck,” In Identity, Character, and Morality: Essays in Moral Psychology, Owen J. Flanagan and Amelie Oksenberg Rorty (eds.), Bradford, Mass.: MIT University Press, pp. 199–218.
  • Cudd, Ann E., 1988. “Oppression by Choice,” Journal of Social Philosophy, 25: 22–44.
  • –––, 2002a. “Analyzing Backlash to Progressive Social Movements,” in Theorizing Backlash: Philosophical Reflections on the Resistance to Feminism, Anita M. Superson and Ann E. Cudd (eds.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 3–16.
  • 2002b. “When Sexual Harassment Is Protected Speech: Facing the Forces of Backlash in Academe,” in Theorizing Backlash: Philosophical Reflections on the Resistance to Feminism, Anita M. Superson and Ann E. Cudd (eds.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 217–243.
  • –––, 2006. Analyzing Oppression, New York: Oxford University Press.
  • Deigh, John (ed.), 1992. Ethics and Personality: Essays in Moral Psychology, Chicago: The University of Chicago Press. Introduction, pp. 1–10.
  • Dillon, Robin S., 2004. “Kant on Arrogance and Self-Respect,” in Setting the Moral Compass: Essays by Women Philosophers, New York: Oxford University Press, pp. 191–216.
  • –––, 2012. “Critical Character Theory: Toward a Feminist Perspective on ‘Vice’ (and ‘Virtue’),” in Out from the Shadows: Analytical Feminist Contributions to Traditional Philosophy, Sharon L. Crasnow and Anita M. Superson (eds.), New York: Oxford University Press.
  • Dworkin, Andrea, 1987. Intercourse, New York: Free Press.
  • Flanagan, Owen and Kathryn Jackson, 1987. “Justice, Care, and Gender: The Kohlberg-Gilligan Debate Revisited,” Ethics, 97(3): 622–637.
  • Friedman, Marilyn A., 1985. “Moral Integrity and the Deferential Wife,” Philosophical Studies, 47(1) (January): 141–150.
  • –––, 1987. “Beyond Caring: The De-Moralization of Gender,” Canadian Journal of Philosophy, 68(1): 5–20.
  • –––, 1993. “Liberating Care,” In What Are Friends For, Marilyn Friedman (ed.). Ithaca, NY: Cornell University Press, pp. 142–183.
  • –––, 1998. “Human Rights, Cultural Minorities, and Women,” (paper presented at the McDowell Conference on Human Rights, American University, November 1998), cited in Uma Narayan, “Minds of Their Own,” p. 428.
  • Frye, Marilyn, 1995. “White Woman Feminist,” in Overcoming Racism and Sexism, Linda Bell and David Blumenthal (eds.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield, 1995, pp. 113–134; reprinted in Moral Issues in Global Perspective, Christine Koggel (ed.), Peterborough, Ontario, Canada: Broadview Press, 1995, pp. 224–239.
  • Gilligan, Carol, 1982. In a Different Voice: Psychological Theory and Women’s Development, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • –––, 1987. “Moral Orientation and Moral Development,” in Women and Moral Theory, Eva Feder Kittay and Diana T. Meyers (eds.), New York: Rowman and Littlefield Publishers, Inc., pp. 19–33.
  • Goldman, Michael (ed.), 2007. Teaching Philosophy (Special Issue on Teaching in the New Climate of Conservatism) 30(2).
  • Greeno, Catherine G. and Eleanor E. Maccoby, 1986 [1993]. “How Different Is the ‘Different Voice’?” Signs: Journal of Women in Culture and Society, 11 (1986): 310–16; reprinted in An Ethic of Care: Feminist and Interdisciplinary Perspectives, Mary Jeanne Larrabee (ed.), New York: Routledge, 1993, pp. 193–98.
  • Griffin, Susan, 1981. “Rape: The All-American Crime,” in Feminism and Philosophy, Mary Vetterling-Braggin, Frederick A. Elliston, and Jane English (eds.), Totowa, New Jersey: Littlefield, Adams & Co., pp. 313–332. Originally published in Ramparts, September 1971, pp. 26–35.
  • Hampton, Jean, 1993. “Feminist Contractarianism,” in A Mind of One’s Own: Feminist Essays on Reason and Objectivity, Louise M. Antony and Charlotte Witt (eds.), pp. 227–255. Boulder, Colo.: Westview Press.
  • –––, 1999. “Defining Wrong and Defining Rape,” in A Most Detestable Crime: New Philosophical Essays on Rape, Keith Burgess-Jackson (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 118–156.
  • Hanrahan, Rebecca and Louise M. Antony, 2005. “Because I Said So: Toward a Feminist Theory of Authority,” Hypatia (Special Issue: Analytical Feminism), 20(4): 59–79.
  • Hay, Carol, 2005. “Whether to Ignore Them and Spin: Moral Obligations to Resist Sexual Harassment,” Hypatia: A Journal of Feminist Philosophy (Special Issue on Analytical Feminism), 20(4): 94–108.
  • Held, Virginia, 1987. “Feminism and Moral Theory,” in Women and Moral Theory, Eva Feder Kittay and Diana T. Meyers (eds.), Savage, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 111–128.
  • –––, 1990. “Feminist Transformations of Moral Theory,” Philosophy and Phenomenological Research, 1: 321–344.
  • –––, 2006. The Ethics of Care: Personal, Political, and Global, New York: Oxford University Press.
  • Herman, Barbara, 1981. “On the Value of Acting from the Motive of Duty,” The Philosophical Review, 90(3) (July): 359–382.
  • Hill, Thomas E., Jr., 1973 [1995]. “Servility and Self-Respect,” The Monist, 57(1): 87–104; reprinted in Dignity, Character, and Self-Respect, Robin S. Dillon (ed.), New York: Routledge, 1995, pp. 76–92.
  • Hoagland, Sarah Lucia, 1991. “Some Thoughts about ‘Caring’,” in Feminist Ethics, Claudia Card (ed.), Lawrence, Kansas: University of Kansas Press, pp. 246–263.
  • Houston, Barbara, 1987. “Rescuing Womanly Virtues: Some Dangers of Moral Reclamation,” Canadian Journal of Philosophy, 13 (Supplement): 237–262.
  • Isaacs, Tracy, 2011. Moral Responsibility in Collective Contexts, New York: Oxford University Press.
  • Kaufman, Debra Renee, 1999. “Professional Women: How Real Are the Recent Gains?” in Feminist Philosophies, 2nd edition, Janet A. Kournay, James P. Sterba, and Rosemarie Tong (eds.), Upper Saddle River, New Jersey. Prentice Hall, pp. 189–202.
  • Korsgaard, Christine M., 1986. “Skepticism About Practical Reason,” The Journal of Philosophy, 83(1): 5–25.
  • Lawrence, Charles Jr., 1993. “If He Hollers Let Him Go: Regulating Racist Speech on Campus,” in Words That Wound: Critical Race Theory, Assaultive Speech, and the First Amendment, Mari J. Matsuda, Charles R. Lawrence III, Richard Delgado, Kimberle Williams Crenshaw (eds.), Boulder, Colo.: Westview Press, pp. 53–87.
  • Little, Margaret Olivia, 1995 [2007]. “Seeing and Caring: The Role of Affect in Feminist Moral Epistemology,” Hypatia, 10(3): 117–137; reprinted in Foundations of Ethics: An Anthology, Russ Shafer-Landau and Terence Cuneo (eds.), Malden, Mass.: Blackwell Publishing, 2007, 420–432.
  • Lugones, Maria, 1990 [1995]. “Playfulness, ‘World’-Traveling, and Loving Perception,” in Making Face, Making Soul, Gloria Anzaldua (ed.), San Francisco: Aunt Lute; reprinted in Free Spirits: Feminist Philosophers on Culture, Kate Mehuron and Gary Percesepe (ed.) Englewood Cliffs, N.J.: Prentice-Hall, 1995, pp. 121–128.
  • Lugones, Maria and Elizabeth Spelman, 1986. “Have We Got a Theory for You! Feminist Theory, Cultural Imperialism and the Demand for ‘The Woman’s Voice’,” In Women and Values: Readings in Recent Feminist Philosophy, Marilyn Pearsall (ed.), Belmont, Calif.: Wadsworth Publishing Company, pp. 19–31.
  • Luria, Zella, 1986 [1993]. “A Methodological Critique,” Signs: Journal of Women in Culture and Society, 11: 321–24; reprinted in An Ethic of Care: Feminist and Interdisciplinary Perspectives, Mary Jeanne Larrabee (ed.), New York: Routledge, 1993, pp. 199–203.
  • MacKinnon, Catharine, 1987a. “Desire and Power,” in Feminism Unmodified: Discourses on Life and Law, ed. Catharine MacKinnon. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, pp. 46–62.
  • –––, 1987b. “Difference and Dominance: On Sex Discrimination,” in Feminism Unmodified: Discourses on Life and Law, ed. Catharine MacKinnon. Cambridge, Mass.: Harvard University Press, pp. 32–45.
  • –––, 1987c. “Francis Biddle’s Sister: Pornography, Civil Rights, and Speech,” in Feminism Unmodified: Discourses on Life and Law, Catharine MacKinnon (ed.), pp. 163–197.
  • –––, 1987d. “Sexual Harassment: Its First Decade in Court,” in Feminism Unmodified: Discourses on Life and Law, Catharine MacKinnon (ed.), pp. 103–116.
  • Manning, Rita, 1992. Speaking from the Heart: A Feminist Perspective on Ethics, Lanham, Md.: Rowman & Littlefield Publishers, Inc.
  • May, Larry, 1998a. “Sexual Harassment and Solidarity,” In Masculinity and Morality, Larry May (ed.), Ithaca, NY: Cornell University Press, pp. 98–115.
  • –––, 1998b. “Socialization and Separatism,” In Masculinity and Morality, Larry May (ed.), Ithaca, NY: Cornell University Press, pp. 116–134.
  • –––, 1999. “Shared Responsibility and Racist Attitudes,” in Sharing Responsibility, Larry May (ed.), Chicago: University of Chicago Press, 1992, 36–54.
  • May, Larry and Robert Strikwerda, 1994 [1999]. “Men in Groups: Collective Responsibility for Rape,” Hypatia, 9(2): 134–151; reprinted in Moral Issues in Global Perspective, Christine Koggel (ed.), Peterborough: Broadview Press, 1999, pp. 721–732.
  • Maybee, Julie E., 2002. “Politicizing the Personal and Other Tales from the Front Lines,” in Theorizing Backlash: Philosophical Reflections on the Resistance to Feminism, Anita M. Superson and Ann E. Cudd (eds.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 133–152.
  • Menkiti, I. A., 1977–78. “The Resentment of Injustice: Some Consequences of Institutional Racism,” The Philosophical Forum, 9(2–3): 227–249.
  • Mill, John Stuart, 1861. The Subjection of Women, Buffalo, New York: Prometheus Books, 1986.
  • Mills, Charles W., 2005. “‘Ideal Theory’ as Ideology,” Hypatia, 20(3): 165–184.
  • Moody-Adams, Michele, 1991. “Gender and the Complexity of Moral Voices,” in Feminist Ethics, Claudia Card (ed.), Lawrence, Kansas: University Press of Kansas, pp. 195–212.
  • –––, 1994. “Culture, Responsibility, and Affected Ignorance,” Ethics, 104(2) (January): 291–309.
  • Narayan, Uma, 2002. “Minds of Their Own: Choices, Autonomy, Cultural Practices, and Other Women,” in A Mind of One’s Own: Feminist Essays on Reason and Objectivity, Louise M. Antony and Charlotte E. Witt (eds.), Boulder, Colo.: Westview Press, 2nd edition, pp. 418–432.
  • Noddings, Nel, 1984. Caring: A Feminine Approach to Ethics and Moral Education, Berkeley: University of California Press.
  • Nussbaum, Martha C., 1999a. “American Women,” in Sex and Social Justice, Martha C. Nussbaum (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 130–153.
  • –––, 1999b. “Judging Other Cultures: The Case of Genital Mutilation,” in Sex and Social Justice, Martha C. Nussbaum (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 118–129.
  • –––, 1999c. “‘Whether from Reason or Prejudice’: Taking Money for Bodily Services,” in Sex and Social Justice, Martha C. Nussbaum (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 276–298; originally published in Journal of Legal Studies, 27(2) (Part 2): University of Chicago Press, 1998: 693–724.
  • –––, 2000. Women and Human Development, New York: Cambridge University Press.
  • Pineau, Lois, 1989. “Date Rape: A Feminist Analysis,” Law and Philosophy, 8: 217–243.
  • Rowe, Mary, 2008. “Micro-affirmations and Micro-inequities,” Journal of the International Ombudsman Association, 1: 45–48.
  • Ruddick, Sara, 1980. “Maternal Thinking,” in Women and Values: Readings in Recent Feminist Philosophy, Marilyn Pearsall (ed.), Belmont, Calif.: Wadsworth Publishing Co., pp. 340–351. Condensed from Feminist Studies, 6(2) (Summer 1980): 342–367.
  • Sabini, John and Maury Silver, 1982. “On Destroying the Innocent with a Clear Conscience: A Sociopsychology of the Holocaust,” in Moralities of Everyday Life, John Sabini and Maury Silver (eds.), New York: Oxford University Press, pp. 55–87.
  • Sadler, Bernice, 1986. The Campus Climate Revisited: Chilly for Women Faculty, Administrators, and Graduate Students, Washington, DC: Association of American Colleges.
  • Saul, Jennifer, 2013. “Implicit Bias, Stereotype Threat, and Women in Philosophy,” in Women in Philosophy: What Needs to Change?, Katrina Hutchinson and Fiona Jenkins (eds.), New York: Oxford University Press, pp. 39–60.
  • Silvermint, Daniel, 2018. “Passing as Privileged,” Ergo, 5(1): 1–43. doi:10.3998/ergo.12405314.0005.701
  • Smith, Michael, 1998. The Moral Problem, Malden, Mass.: Blackwell Publishers.
  • Sommers, Christina Hoff, 1994. Who Stole Feminism?: How Women Have Betrayed Women, New York: Simon and Schuster.
  • Stark, Cynthia A., 1997. “The Rationality of Valuing Oneself: A Critique of Kant on Self-Respect,” Journal of the History of Philosophy, 35(1) (January): 65–82.
  • Sterba, James P., 1996. “Understanding Evil: American Slavery, the Holocaust, and the Conquest of the American Indians,” Ethics, 106(January): 424–448.
  • Stocker, Michael, 1976. “The Schizophrenia of Modern Moral Theories,” The Journal of Philosophy, 73(14): 453–466.
  • Superson, Anita M., 1993. “Right-Wing Women: Causes, Choices, and Blaming the Victim,” Journal of Social Philosophy 24(3): 40–61.
  • –––, 1999. “Sexism in the Classroom: The Role of Gender Stereotypes in the Evaluation of Female Faculty,” APA Newsletter on Feminism and Philosophy 99(1): 46–51.
  • –––, 2002. “Welcome to the Boys’ Club: Male Socialization and the Backlash against Feminism in Tenure Decisions,” in Theorizing Backlash: Philosophical Reflections on the Resistance to Feminism, Anita M. Superson and Ann E. Cudd (ed.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield, pp. 89–117.
  • –––, 2004. “Privilege, Immorality, and Responsibility for Attending to the ‘Facts About Humanity’,” Journal of Social Philosophy, 35(1): 34–55.
  • –––, 2005. “Deformed Desires and Informed Desire Tests,” Hypatia: A Journal of Feminist Philosophy, 20(4): 109–126.
  • –––, 2010. “The Deferential Wife Revisited: Agency, Responsibility, and Self-Respect,” Hypatia: A Journal of Feminist Philosophy, 25(2): 253–275.
  • Superson, Anita M. and Ann E. Cudd (eds.), 2002. Theorizing Backlash: Philosophical Reflections on the Resistance to Feminism, Lanham, MD: Rowman & Littlefield.
  • Teays, Wanda, 1998. “Standards of Perfection and Battered Women’s Self-defense,” inViolence Against Women: Philosophical Perspectives, Stanley G. French, Wanda Teays, and Laura M. Purdy (eds.), Ithaca, New York: Cornell University Press, pp. 57–76.
  • Tessman, Lisa, 2005. Burdened Virtues: Virtue Ethics for Liberatory Struggles, New York: Oxford University Press.
  • Tessman, Lisa, 2017. When Doing the Right Thing Is Impossible. New York: Oxford University Press.
  • Thomas, Laurence, 1996. “Becoming an Evil Society,” Political Theory, 24(2): 271–294.
  • –––, 1993 [1999]. “Moral Deference,” The Philosophical Forum, 24 (Fall-Spring): 233–250; reprinted in Moral Issues in Global Perspectives, Christine Koggel (ed.), Peterborough: Broadview Press, 1999, pp. 180–191.
  • Thomson, Judith Jarvis, 1971. “A Defense of Abortion,” Philosophy and Public Affairs, 1(1): 47–66.
  • Tronto, Joan, 1987 [1993]. “Beyond Gender Difference to a Theory of Care,” Signs: Journal of Women in Culture and Society, 12 (1987): 644–63; reprinted in An Ethic of Care: Feminist and Interdisciplinary Perspectives, Mary Jeanne Larrabee (ed.), New York: Routledge, 1993, pp. 240–257.
  • Tuana, Nancy, 1992. Woman and the History of Philosophy, New York: Paragon House.
  • Valian, Virginia, 1999. Why So Slow?: The Advancement of Women, Cambridge, Mass.: The MIT Press.
  • Waits, Kathleen, 1993. “The Criminal Justice System’s Response to Battering: Understanding the Problem, Forging the Solutions,” in Feminist Jurisprudence, Patricia Smith (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 188–209; originally published in the Washington Law Review, 60 (1985): 267–330.
  • Walker, Lawrence J., 1984 [1993]. “Sex Differences in the Development of Moral Reasoning: A Critical Review,” Child Development, 55: 677–91; reprinted in An Ethic of Care: Feminist and Interdisciplinary Perspectives, Mary Jeanne Larrabee (ed.), New York: Routledge, 1993, 157–76.
  • Westlund, Andrea C., 2003. “Selflessness and Responsibility for Self: Is Deference Compatible with Autonomy?,” The Philosophical Review, 112(4): 483–523.
  • Williams, Bernard, 1983. “Internal and External Reasons,” in Moral Luck, Bernard Williams (ed.), New York: Cambridge University Press, pp. 101–113.
  • Wilson, Catherine, 2004. “The Preferences of Women,” in Moral Psychology: Feminist Ethics and Social Theory, Peggy Desautels and Margaret Urban Walker (eds.), Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers, Inc., pp. 99–117.
  • Wolf, Susan, 1980 [1986]. “Asymmetrical Freedom,” The Journal of Philosophy, 77 (March): 151–166; reprinted in Moral Responsibility, John Martin Fischer (ed.), Ithaca, NY: Cornell University Press, 1986, pp. 225–240.
  • Young, Iris, 1988. “Five Faces of Oppression,” Philosophical Forum, 19(4): 270–290.
  • Zack, Naomi, 1998. Thinking about Race, Belmont, Calif.: Wadsworth Publishing Co.
  • Zheng, Robin, 2016. “Attributability, Accountability, and Implicit Bias,” in Brownstein and Saul (eds.) 2016b, pp. 62–89.

أدوات أكاديمية

Description: sep man iconHow to cite this entry.
Description: sep man iconPreview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Description: inpho iconLook up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Description: phil papers iconEnhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على شبكة الإنترنت


 [يرجى التواصل مع المؤلف لتقديم الاقتراحات.]

مداخل ذات صلة :

bias, implicit | contractarianism | emotion | feminist philosophy, interventions: ethics | feminist philosophy, topics: perspectives on power | moral motivation | practical reason | reasons for action: internal vs. external