الحداثة والمعرفة
حظيت قضـية الحداثة فـي العقـود الأخيـرة باهتمـام متميـز فـي العـالم الاسـلامي .
التحولات السياسية والاجتماعية والثقافيـة والاقتصـادية الحديثـة فـي العـالم الاسـلامي ،
والتي كانـت نتـاج العصـر الحـديث، بلـورت مسـألة كلاميـة مفادهـا : مـا هـي علاقـة هـذه
الظواهر الحديثة بالوحي الاسلامي؟ هذا السؤال قبل ان يكون سؤالا فقهيا أ ، و حقوقيا
هو سؤال كلامي ويرجع لعلاقة الحداثة بالوحي .
أن قضـية الحداثة والمعرفة الدينية بالـوحي فـي مطلـع القـرن المنصـرم كانـت احـدى أهـم القضـايا
الكلاميـة فـي العـالم الكـاثوليكي. والقضـايا التـي طرحـت وقتئـذ لا زالـت قائمـة بـنفس
. الحيوية لغرض المقارنة انتخب (تيرل) من بين الحداثيين الكاثوليك، و(محمد اقبال)
من العالم الاسلامي، لتبيين أهم القضايا التي تناولها تيرل ومقارنتها بفكر اقبال .
كلاهما طرحا افكارهما فـي العقـود الأولـى مـن القـرن العشـرين وكانـا يريـدان ان
يكتشــفا العلاقــة بــين الــوحي الثابــت مــن جهــة، والحيــاة البشــرية والمعرفــة بمــا فيهــا
الإلهيـات المتغيـرة مـن جهـة اخـرى . كيـف يمكـن الالتـزام بثبـات الـوحي فـي الحيـاة
المتقلبـة والمتحولـة؟ كمـا سـوف نـرى كـلا المفكـرين حـاولا ان يحـلا هـذه الاشـك ة الي
من خلال الاهتمام بالتجربة الدينية، وصياغة الإلهيات على ضوء هذه التجربة
آراء تيرل
التصـور المتـداول فـي الإلهيـات خـلال قـرون متماديـة ، هـو أن الانسـان مـن خـلال
الارتباط بالوحي يتلقى مجموعة من التعليمات والمعـارف لا غيـر . مـا أضـافه تيـرل هـو
ان الانسان بمجموعه، بما فيه إدراکه ي تأثر من خلال ارتباطه بالوحي. وثم عرف تيرل
الوحي بـ(تماس روح االله مع الانسان)، وهذا التماس يتجلـى ويفسـر مـن خـلال التجربـة
الدينية للفـرد المـؤمن . هـذه التجربـة، حقيقـة لا تـؤثر علـى ادراك الانسـان وحسـب، بـل
تسخّر حتى ارادة الفرد وأحاسيسه وقلبه .
وقد أکد على أن الوحي لا يفهم الا من خلال التجربة الدينية للفرد المؤمن. فإذا
كان الوحي لا يتجلى ولا يفهـم الا مـن خـلال التجربـة الدينيـة، اذاً فـي التجربـة الدينيـة
يتحد الغيب مع الطبيعة ، والرب يحضر في الطبيعـة وان كـان غيبـا . وعلـى هـذا لا معنـى
لتصـنيف الأ شـياء الـى مقـدس وغيـر مقـدس . وكـذلك يجـب رصـد حضـور الـوحي فـي
التحولات الأساسية التي تظهر في حياة الانسان الدنيوية، لا في ازدياد معلوماته