
هدفي هنا أن أبحث في الجانب الفلسفي من مشكلة اللغة اللاهوتية ، وأنا هنا لا أفرق بين اللاهوت واللغة الدينية ولكني أستعمل الإصطلاح هذا لأشير ببساطة إلى لغتنا التي نستعمل للحديث عن الإله .هذه الورقة هي أقرب إلى المقدمة منها إلى الورقة البحثية المبتكرة أو إلى البحث التفصيلي في إشكالية معيّنة ، وقد حاولت أن أؤكد على أن هدف دارس اللاهوت هو أن يلتفت إلى ما تضيفه اللغة الفلسفية إلى اللاهوت عوضاً عن البحث في شكليات اللغة الفلسفية .
الإشكال الأكبر عند الحديث عن المعنى في لغة اللاهوت هي كيف للغة بشرية أن تنتج معنىً تاماً عند الحديث عن إله متعالٍ لا نظير له ؟ جواب الفيلسوف هنا يعتمد غالباً على فلسفته في اللغة وبشكل أخص بما يقصده عند الحديث عن ما هو المعنى .
وحتى لا أبالغ في التبسيط أريد أن أشير إلى وجود ثلاث مستويات أو جوانب في اللغة وجميعها تندرج داخل الخطاب اللاهوتي والديني ، والمشكلة في اللغة الدينية أنها تفترض نسبةً من الخطر عندما يتم تجاهل أحد هذه المستويات أو تنزل رتبته إلى مستوى آخر .
سأسمي المستويات الثلاث : المصداقي ، المفهومي و الشخصي . الأول يجعل من علم اللاهوت بحثاً مفهومياً عن الإستحالة . المستوى الثاني يجعل من علم اللاهوت بحثاً مفهومياً لا إتصال له بالحقائق الموضوعية . المستويان الأولان قد ينتجا لغة ميتة عن أديان غير متصلة . والمستوى الثالث دون الأول والثاني ينتهي إلى وجودية محضة أو ديانة إنسانية .
1 – المعنى المصداقي
أول مستويات المعنى هو المصداقي أو إن كنتم تفضلون “الإحالي” . “المصداق” كلمة يأتي أصلها من المنطق وهي تعني بأن المفردات تحيل إلى موضوعات وتجارب معينّة . ففي المقدمة المشهور “كل البشر فانون ” موضوع المقدمة يمتد إلى كل فرد من أفراد البشر ، بينما المحمول “فانون” يمتد إلى الفئة الفرعية المقصودة بالفانين ممن يطلق عليهم بشر كذلك . وهذا من أوليات المنطق.
مستوى المعنى المصداقي حاضر في هذه العبارات :
-
“صلب المسيح في فترة حكم بيلاطيس البنطي ”
حينما تكون الإحالة إلى أحداث تاريخية
-
“وفي اليوم الثالث قام من الموتى ”
-
” وسيأتي ليحاسب الموتى والأحياء ”
في كل الحالات المذكورة نستطيع معرفة الأحداث التي يحال إليها كانت ماضٍ أو مستقبل .
يظهر الإشكال عند التجريبي الذي يحصر المعنى المصداقي بالإحالات التجريبية والتي يعني بها التجارب الواقعة أو الممكنة . من الممكن أن نعد ما استعرضته من حالات سابقة كإحالة إلى ظواهر تجريبية مشاهدة ، ولكن لا ينطبق ذلك على الحالات التاليه :
-
” لقد تم صلبه من أجل خطايانا ”
والذي يتم فيه تقديم مفهوم تأويلي وهو سبب إفتداء المسيح بروحه . أيضاً:
-
“أقامه الرب من الموتى”
والذي يتضمن تفسيرا سببيا من خلال الإشارة إلى قوة غير مادية وغير ملاحظة . أخيرا :
-
” أقامه الرب من أجل خلاصنا”