مجلة حكمة
الأنماط الأفريقية في الكتابة الذاتية

الأنماط الأفريقية في الكتابة الذاتية

الكاتبأشيل مبيمبي
ترجمةدعاء عبد النبي
لقد برزت على مدى القرنين الماضيين تيارات فكرية تهدف إلى منح السلطة لعناصر رمزية معينة
مندمجة في الخيال الجماعي الأفريقي. وقد اكتسب بعض هذه الاتجاهات أتباعاً، بينما ظل البعض
الأخر مجرد خطوط عامة. وقليلون هم المتميزون في الثراء والإبداع، وقليلون هم الذين يتمتعون
بقوة استثنائية. عند تقاطع الممارسات الدينية مع التحقق في المأساة الإنسانية، ظهرت فلسفة أفريقية متميزة. ولكن على الرغم من كونها محكومة في أغلبها بروايات الخسارة، فإن مثل هذا التأمل في السيادة الإلهية وتاريخ الشعوب الأفريقية؛ لم يسفر عن أي تحقيق فلسفي لاهوتي متكامل منهجي؛ بالقدر الكافي لتحديد مأسي البشر ومخالفاتهم في إطار نظري منفرد 2 . ولا تقدم أفريقيا أيضا شيء يضاهي، على سبيل المثال، الفلسفة الألمانية التي قامت من لوثر إلى هايدجر لا على التصوف الديني فحسب، بل أيضاً، وعلى نحو أكثر جوهرية، على إرادة تجاوز الحدود بين الإنسان والإله. ولا يوجد أي شيء يضاهي المسيحية اليهودية، التي بالجمع بين الرغبة والحلم، واجهت بدون وساطة تقريباً مشكلة المطلق ووعوده، والسعي وراء هذا الاخير إلى تحقيق أكثر عواقبه تطرف في مأساة ويأس، وفي الوقت نفسه التعامل مع تفرد المعاناة اليهودية على انه مقدس مع المخاطرة بجعله محرماً 3 . صحيح أنه، بعد الأمثلة من هذين السردياتين الكبيرتين فإن الأساليب الأفريقية المعاصرة لكتابة الذات ترتبط ارتباطا لا ينفصم مع إشكاليات تكوين الذات والفلسفة الحديثة للذات. ومع ذلك؛ هناك تنتهي أوجه التشابه.

حالت عوامل مختلفة دون التطور الكامل للمفاهيم التي ربما تكون قد فسرت معنى الماضي
الأفريقي والحاضر بالإشارة إلى المستقبل، ولكن قد يطلق على اهمها اسم التاريخانية. إن الجهد
المبذول لتحديد الشروط التي بموجبها يمكن للذات الأفريقي أن يحقق الذات الكاملة، ويصبح واعياً بذاته، ولا يكون مسؤولاً أمام أي شخص آخر، سرعان ما واجه التفكير التاريخي في شكلين قادته إلى طريق مسدود. الأول من بين هؤلاء ما يمكن تسميته الراديكالية الأفريقية، بما تحمله من
الأدوات والانتهازية سياسية. والثاني هو عبء ميتافيزيقا الاختلاف (المذهب الوطني). 4 استخدم
التيار الأول للفكر – الذي احب ان يقدم نفسه علي أنه (ديمقراطي) و (راديكالي) و (تقدمي) –المقولات الماركيسية والقومية لتطوير تصور للثقافة والسياسة التي يتم فيها التلاعب بخطاب
الاستقلالية والمقاومة والتحرير بمثابة المعيار الوحيد لتحديد شرعية الخطاب الأفريقي الأصيل 5.
تطور التيار الفكري الثاني من خلال التركيز على (الحالة الأصلية). روجت لفكرة هوية أفريقية فريدة؛ تأسست على الانتماء إلى العرق الأسود.


هناك ثلاثة أحداث تاريخية أساسية لكل من تياري الفكر، وتفسير هذه الأحداث على نطاق واسع:
العبودية، والاستعمار، والفصل العنصري. وقد نسبت مجموعة معينة من المعاني القانونية إلى هذه الأحداث الثلاثة. اولاً؛ على مستوى الذات الفردية، هناك فكرة أنه من خلال عمليات العبودية
والاستعمار والفصل العنصري، اصبحت الذات الأفريقية معزولة عن نفسها (التقسيم الذاتي). من المفترض أن يؤدي هذا الانفصال إلى فقدان الألفة مع الذات، لدرجة أن الذات، بعد أن اصبحت
بعيدة عن نفسها، قد نزعت إلى شكل هام من الهوية (الذاتية). ليس فقط الذات التي لم تعد معترف بها من قبل الاخر؛ لم تعد الذات تتعرف على نفسها 6 .


المعنى القانوني الثاني له علاقة بالملكية. وفقاً للسرد السائد، أدت الأحداث الثلاثة إلى نزع الملكية، وهي عملية أدت فيها الإجراءات القانونية والاقتصادية إلى مصادرة مادية. وعقب ذلك تجربة فريدة من الخضوع تميزت بتزوير تاريخ إفريقيا من قبل الآخر، مما أدى إلى حالة من القطيعة و (الاغتراب). ويقال ان هاتين المرحلتين – عنف التزوير والمصادرة المادية – هما المكونان الرئيسيان لتفرد التاريخ الأفريقي والمأساة التي هي أساسه 7 .


أخيراً، هناك فكرة التدهور التاريخي: من المفترض أن العبودية والاستعمار والفصل العنصري قد
أغرقوا الذات الأفريقية؛ ليس فقط في الإذلال والذل والمعاناة المجهولة ولكن أيضاً في منطقة من
اللا وجود والموت الاجتماعي تتميز بإنكار الكرامة، الضرر النفسي الشديد وعذاب المنفي 8. هذه
العناصر الأساسية الثلاثة للرق، والاستعمار والفصل العنصري تعمل كمركز موحد لرغبة الأفارقة
في معرفة أنفسهم واستعادة مصيرهم (السيادة) والانتماء لأنفسهم في العالم (الحكم الذاتي).


باتباع نموذج التأمل اليهودي في ظواهر المعاناة والصدفة والمحدودية، ربما تم استخدام هذه المعاني الثلاثة كنقطة انطلاق للتفسير الفلسفي والنقدي للصعود الطويل الظاهر نحو العدم؛ الذي شهدته إفريقيا طوال تاريخها. كان لابد من إشراك اللاهوت والأدب والسينما والموسيقي والفلسفة السياسية والتحليل النفسي أيضاً. لكن مثل هذا التركيب لم يحدث 9 . وفي الواقع؛ فإن انتاج المعاني المهيمنة لهذه الأحداث؛ كان نفسه مستعمراً من قبل التياران الأيديولوجيان اللذان تم تقديمها أعلاه – الأداة الوحيدة والتيارات الأخرى – اللذان يدعيان التحدث باسم أفريقيا ككل 10.


في الملاحظات التالية؛ أقوم بفحص هذين التيارين في الفكر واستخلص نقاط ضعفهما. من خلال
هذه المناقشة، وأقترح طرقاً للخروج من الطريق المسدود؛ الذي قادوا فيه التفكير في التجربة
الأفريقية للذات والعالم. وذلك مقابل حجج النقاد؛ الذين يساون بين الهوية والعرق والجغرافيا، وأظهر كيف ان التخيلات الأفريقية الحالية للذات ولدت من ممارسات متباينة ولكنها متداخلة في
كثير من الأحيان، والهدف منها ليس فقط تسوية النزاعات الواقعية والأخلاقية حول العالم ولكن
لفتح الطريق ايضاً للأنماط الذاتية. من خلال التأكيد على الصدفة التاريخية وعملية تكوين الذات،
فإن هدفي هو إعادة تفسير الذاتية على أنها زمان.

نموذج الأدوات: التخيلات البدائية


إن تيار الفكر الماركسي والقومي يتخلله التوتر بين العمل التطوعي والظلم. له أربع خصائص رئيسية. السمة الأولى، إنه يظهر نقصاً في التأمل الذاتي ومفهوماً فعالاً للمعرفة والعلم، بمعني أنه
لا يوجد أي منها. المفهوم الأداتي للمعرفة والعلم، بمعنى انه لا يتم الاعتراف بأي منهما على أنه مستقل. هم لا يفيدون إلا بقدر ما يتم تعبئتهم للخدمة في الصراع الحزبي 11 . لهذا النضال الحزبي أهمية أخلاقية جوهرية، حيث يزعم أنه يعارض التحرر الثوري لقوى المحافظة 12 .


السمة الثانية هي رؤية ميكانيكية وموحدة للتاريخ. تنسب السببية إلى كيانات خيالية وغير مرئية
تماماً، ولكن يقال مع ذلك إنها تحدد في نهاية المطاف حياة الفرد وعمله. وفقاً لوجهة النظر هذه،
يمكن اختزال تاريخ إفريقيا في سلسلة من الاستعباد، يتم سردها في سلسلة مستمرة. من المفترض ان يتم تحديد التجربة الأفريقية للعالم بشكل مسبق من خلال مجموعة من القوي – دائماً نفس القوي، على الرغم من ظهورها بأشكال مختلفة – والتي تتمثل وظيفتها في منع ازدهار التفرد الأفريقي، لهذا الجزء من الذات التاريخية الأفريقية لا يمكن اختزاله لأي شخص اخر.


ونتيجة لذلك، يقال إن أفريقيا ليست مسؤولة عن الكوارث التي تحل بها. من المفترض أن ينطلق
المصير الحالي للقارة ليس من الخيارات الحرة والمستقلة ولكن من إرث التاريخ المفروض على
الأفارقة – الذي احترق في أجسادهم بسبب الاغتصاب والوحشية وجميع انواع الشروط الاقتصادية 13 . إن صعوبة الذات الأفريقية في تمثيل نفسها كموضوع للإرادة الحرة من المفترض أن تنطلق من هذا التاريخ الطويل من الاستعباد. يؤدي هذا البناء للتاريخ إلى موقف ساذج وغير نقدي فيما يتعلق بما يسمي النضالات من أجل التحرر الوطني والحركات الاجتماعية؛ التأكيد على العنف باعتباره السبيل المميز لتقرير المصير؛ الولع بسلطة الدولة؛ استبعاد نموذج الديمقراطية الليبرالية؛ والحلم الشعبي والسلطوي لمجتمع جماهيري 14 .


السمة الثالثة هي الرغبة في تدمير التقاليد والاعتقاد بأن الهوية الأصلية تمنح من خلال تقسيم
العمل الذي يؤدي إلى ظهور طبقات اجتماعية، تلعب البروليتاريا – الحضرية أو الريفية – دور
الطبقة العاملة بامتياز 15 . يؤدي القول بأن الطبقة العاملة هي الفاعلية العملية الوحيدة القادرة على الانخراط في النشاط التحريري الشامل إلى إنكار أي تعدد محتمل لأسس ممارسة السلطة
الاجتماعية 16 .


اخيراً؛ تعتمد هذه المدرسة الفكرية القومية الماركسية على علاقة جدلية أساساً بالعالم، علاقة تقوم على ثلاثية من الطقوس البلاغية. تتعارض الطقوس الأولي مع التعريفات الغربية لأفريقيا
والأفارقة ودحضها من خلال الإشارة إلى الأكاذيب وسوء النية التي يفترضونها مسبقاً. الثانية
يستنكر ما فعله الغرب (ولا يزال يفعل) لأفريقيا باسم هذه التعريفات. والثالثة يقدم أدلة ظاهرية –من خلال استبعاد التمثيلات الغربية الخيالية لأفريقيا ودحض ادعائه باحتكار التعبير عن الإنسان
بشكل عام – من المفترض ان تفتح مساحة يمكن للأفارقة أن يرووا فيها، أخيراً خرافاتهم الخاصة.
يجب تحقيق ذلك من خلال اكتساب لغة وصوت لا يمكن تقليدهما لأنهما بمعنى ما خاصين
بأفريقيا بشكل أصيل 17 .

ومع ذلك، فإن ما قد يبدو أنه تجسيد للإرادية يصحبه هنا نقص في العمق الفلسفي ومن المفارقات عبادة للإيذاء. ومن الناحية الفلسفية، أعاد المستعمر السابق الاستيلاء على موضوعات هيجل للهوية والاختلاف كما هو موضح بشكل كلاسيكي في علاقة السيد والعبد. في حركة تتكرر مع عدم التفكير للممارسة الإثنوغرافية يخصص المستعمر السابق مجموعة من السمات التاريخية الزائفة لكيان جغرافي يندرج في حد ذاته تحت اسم عرقي. تُستخدم السمات والاسم بعد ذلك لتحديد أو تمكين التعرف على أولئك الذين بحكم امتلاكهم لتلك السمات أو تحمل هذا الاسم يمكن القول؛ إنهم ينتمون إلى المجموعة العرقية والكيان الجغرافي المحدد على هذا النحو. تحت ستار (التحدث بصوت واحد) يتم تكرار رقم (الموطن الأصلي). يتم ترسيم الحدود بين الاخر الاصلي وغير الأصلي؛ وعلى اساس هذه الحدود يمكن التمييز بين الأصيل وغير الأصيل.


في النقد التالي؛ سأجادل (1) ان مثل هذه الروايات القومية والماركسية عن الذات الإفريقية والعالم كانت سطحية (2) نتيجة لهذه السطحية فإن صياغات الحكم الذاتي والاستقلالية التي تولدها تقوم في أحسن الأحوال على قاعدة فلسفية ضعيفة؛ و (3) ان امتيازهم للضحية على الذات مشتق، في نهاية المطاف من فهم أصلاني مميز للتاريخ – فهم للتاريخ كشعوذة. تأكيد الذات، والاستقلالية، والتحرر الأفريقي – باسمه يطالب بالحق في الذات – ليست قضايا جديدة.


مع انتهاء تجارة الرقيق عبر المحيط الاطلسي في منتصف القرن التاسع عشر، اكتسبت الشكوك
بين الأوروبيين بشأن قدرة الأفارقة علي حكم أنفسهم – أي، وفقاً لهيجل اكتسبت الدوافع للسيطرة
على جشعهم المتوحش وقسوتهم 18 . وارتبطت هذه الشكوك بشك آخر أكثر جوهرية كان ضمنياً في الطريقة التي حلت بها الأزمنة الحديثة المشكلة العامة المعقدة للتغير ووضع العلامة الأفريقية داخل اقتصاد التغيير هذا. وقد استجابت كل من الحركات الخيرية الغربية والمثقفين الأفارقة في ذلك الوقت لهذا الشك من داخل نموذج التنوير 19 .


إرث التنوير


لاستخلاص الأثار السياسية لهذه النقاشات، ربما ينبغي أولاً أن أشير إلى المشروع المركزي في
فكر التنوير لتعريف الطبيعة البشرية من حيث امتلاكها لهوية عامة. الحقوق والقيم؛ التي يجب أن
يتقاسمها الجميع مستمدة من هذه الهوية العالمية في الجوهر. إنه متطابق في كل موضوع بشري؛ لأنه يحتوي على سبب في مركزه.


إن ممارسة العقل لا تمنح الأفراد الحرية والاستقلال الذاتي فحسب، بل تمنح أيضاً القدرة على إرادة الحياة وفقاً للمبادئ الأخلاقية وفكرة الخير. الشيء الذي يجب ملاحظته هنا، هو السؤال
بالنسبة للمفكرين الأوروبيين هو أنه خارج هذه الدائرة، لا يوجد مكان لسياسة كونية. وبالنسبة للمفكرين الأوروبيين في فترة إلغاء عقوبة الإعدام، كان السؤال المطروح حقاً هو ما إذا كان
الأفارقة سيوضعون داخل الدائرة أو خارجها – أي ما إذا كانوا بشراً مثل كل الاخرين. بعبارة
أخرى: هل يمكننا أن نجد بين الأفارقة نفس الشخص البشري متخفياً فقط من خلال تسميات وأشكال مختلفة هل يمكننا اعتبار أجساد الأفارقة ولغاتهم وأعمالهم وحياتهم نتاجاً للنشاط البشري كإظهار الذاتية – أي وعي مثل وعينا – من شأنه أن يسمح لنا بالنظر إلى كل منها على حدة على أنها ذات أخرى (الأنا المتغيرة).


اقترحت مجموعة أولية من الإجابات، أن يظل الأفارقة ضمن حدود الاختلاف الوجودي المفترض.
مدرسة الفكر التنويرية هذه – كما يتضح من المواقف التي اتخذها هيجل وكانط – حددت في
العلامة الأفريقية شيئاً فريداً وحتى لا يمحى، يفصلها عن جميع العلامات البشرية الأخرى. أفضل
دليل علي هذه الخصوصية كان الجسم الأسود الذي كان من المفترض الا يحتوي علي أي نوع من
الوعي والا يكون له أي من خصائص العقل أو الجمال 20 . وبالتالي؛ لا يمكن اعتباره جسداً مؤلفاً من لحم مثل جسد المرء لأنه ينتمي فقط إلى نظام الامتداد المادي وللشيء المحكوم علية بالموت والدمار. ان مركزية الجسد في حساب التفاضل والتكامل السياسي؛ هي التي تفسر الأهمية
المفترضة في مجرى القرن التاسع عشر من خلال نظريات التجديد الجسدي والأخلاقي والسياسي
للسود وفيما بعد لليهود.


وفقاً لهذا الجانب المظلم من عصر التنوير، طور الأفارقة مفاهيم فريدة للمجتمع والعالم وللصالح الذي لم يشاركوه مع الشعوب الاخرى. لقد حدث أن هذه المفاهيم لم تظهر بأي حال من الأحوال قوة الابتكار والعالمية الخاصية بالعقل. كما أن تمثيلات الأفارقة أو أرواحهم أو أعمالهم أو لغاتهم أو أفعالهم – بما في ذلك الموت – لا تخضع لأي قاعدة أو قانون يمكنهم بناءً على سلطاتهم الخاصة تصور أو تبرير معناه. وبسبب هذا الاختلاف الجذري كان من المشروع استبعادهم بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون من مجال المواطنة الإنسانية الكاملة والتامة: فلم يكن لديهم ما يساهمون به في العمل الكوني 21 .

حدث تحول كبير في الأنماط الأفريقية للكتابة الذاتية مع ظهور استعمار رسمي موجه من الدولة
لأفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر. بينما استمر مبدأ الاختلاف الوجودي، أصبح الإهتمام بتقرير
المصير مرتبطاً بحتمية (أن تصبح حضارياً). وهكذا تم إدخال انزلاق طفيف في الاقتصاد القديم
للتبادل. لم يتم رفض فرضية عدم التشابه لكنها لم تعد قائمة فقط على فراغ الإشارة على هذا النحو. أَعطيت اسم: العرف. إذا كان الأفارقة أنواعاً مختلفة من الكائنات فذلك لأن لديهم هوية خاصة بهم. هذه الهوية لم يتم إلغاؤها. على العكس من ذلك؛ كان من المقرر إدراج الاختلاف في نظام مؤسسي متميز، نظام أصلي أجبر على العمل ضمن إطار استعماري هرمي وغير متساوي بشكل أساسي. وبعبارة أخرى؛ تم الاعتراف بالاختلاف ولكن فقط بقدر ما ينطوي علي عدم مساواة علاوة على ذلك كان يعتبر طبيعياً لدرجة أنه يبرر التمييز وفي أقصى الحالات 22 .


في وقت لاحق واصلت الدولة الاستعمارية استخدام مفهوم العرف – أي فرضية عدم التشابه، في
طبعة منقحة – كنمط من الحكومة في حد ذاته. تم إنتاج أشكال محددة من المعرفة لهذا الغرض؛
كان هذا هو الحال بالنسبة للإحصاءات وطرق القياس الأخرى، كما تم نشرها في التعدادات
وأدوات أخرى متنوعة مثل الخرائط والمساحات الزراعية والدراسات العرقية والقبلية 23 . كان
هدفهم تقديس الاختلاف والقضاء علي تعددية وتناقض العادات 24 . كان هناك تناقض في عملية
التجسيد هذه، من ناحية، بدأ الامر وكأنه اعتراف. ولكن من ناحية أخرى، شكل حكماً أخلاقياً، لأنه
في النهاية تم تحديد العرف فقط بشكل أفضل للإشارة إلى مدى فشل عالم المواطن الأصلي في
طبيعته في التوافق مع عالمنا – أنه باختصار، ليس جزءًا من عالمنا وبالتالي؛ لا يمكن ان يكون
بمثابة الاساس لممارسة العيش معاً في مجتمع مدني.


كان النهج الثالث الذي قدمه التنوير يتعلق بسياسة الاستيعاب. هنا، من المفيد إجراء مقارنة مع
التجربة اليهودية. تماماً كما هو الحال مع صورة (السود)، كان الاحتجاج بشخصية اليهود كنموذج
اصلى الاخر إلى الغرب مركزياً لمفهوم التنوير في بيلدونغ Bildung (العملية التكوينية التي يتحرك
من خلالها الفرد نحو الاستقلال الذاتي). كان ينظر إلى اليهود على أنهم نفي لوعد التنوير بالتحرر
من خلال استخدام العقل. من حيث المبدأ، استند مفهوم الاستيعاب إلى إمكانية وجود تجربة عالمية مشتركة بين جميع البشر – أو بالأحرى على امكانية وجود مثل هذه التجربة على أساس التشابه الأساسي بين البشر. لكن هذا العالم المشترك بين جميع البشر وهذا التشابه، لم يكن من المفترض أن يمنح مسبقاً للجميع.


الأسود على وجه الخصوص كان لابد من تحويله إليه. كان هذا التحول هو الشرط لإدراكه
والاعتراف به كإنسان زميل ولإنسانيته التي لا يمكن تحديدها بطريقة أخرى للدخول في العلاقة.
بمجرد تلبية هذا الشرط، يمكن المضي قدماً في مشروع الاستيعاب، مع الاعتراف بفردانية أفريقية
متميزة عن الهويات القبلية العامة. يمكن أن يكون الحقوق الأفريقية يتمتع بها الافراد، ليس بسبب
خضوعهم لقاعدة العرف ولكن بسبب وضعهم كأفراد مستقلين قادرين علي التفكير بأنفسهم
وممارسة العقل وهي القوة البشرية الخاصة 25 . للتعرف على هذه الفردية – أي هذه القدرة على تخيل أهداف مختلفة عن تلك التي تفرضها العادة –كان التخلص من الاختلاف. يجب محو هذا الاخير أو إلغاؤه إذا أصبح الأفارقة مثلنا، إذا كان من الآن فصاعداً تعتبر الذات المتغيرة. وهكذا، فإن جوهر سياسات الاستيعاب يتألف من إزالة جوهرية من الاختلاف الجمالي، على الاقل بالنسبة لفئة من السكان الاصليين؛ الذين جعلتهم تربيتهم وتنميتهم المناسبة للمواطنة والتمتع بالحقوق المدنية. وهكذا، افتتح الاستيعاب الطريق من العرف إلى المجتمع المدني ولكن؛ عن طريق الطاحونة الحضارية للمسيحية والدولة الاستعمارية 26 .


بعد انتهاء تجارة الرقيق في القرن التاسع عشر وظهور الاستعمار الرسمي، تناول النقد الأفريقي
لأول مرة مسألة الذات من حيث الحكم الذاتي والتصوير الذاتي. ورث هذه اللحظات الثلاث، لكنه لم يخضعها إلى مفهوم نقدي متماسك. بل علي العكس من ذلك، فبالانضمام إلى برنامج التحرر
والاستقلالية، قبلت في الغالب، المقولات الأساسية المستخدمة بعد ذلك في الخطاب الغربي لتفسير التاريخ العالمي 27 . كانت فكرة الحضارة واحدة من هذه المقولات. سمحت بالتمييز بين الانسان وغير البشري – أو الذي لم يصبح بشكل كاف حتى الآن والذي قد يصبح إنساناً إذا تم إعطاؤه تدريباً مناسباً 28 . كان يعتقد ان الثلاث اتجاهات لهذا التدريب هما التحول إلى المسيحية، ادخال اقتصاد السوق، اعتماد أشكال عقلانية مستنيرة للحكومة 29 . في الواقع، لم يكن الأمر يتعلق بفهم إلى ما أدى إلى العبودية وما تعنية بقدر ما كان الأمر يتعلق بافتراض بشكل مجرد ضرورة تحرير الذات من الحكم الاجنبي.


من المؤكد أن المفكرين الأفارقة أخذو على محمل الجد تحدي الاضطراب الاستعماري؛ سعياً لأن
يكونوا اسيادهم فقد استجوبوا أحياناً أخلاقيات الحداثة الاستعمارية بلهجات عامة. في أوقات اخري، سعوا إلى الحصول على الفوائد المادية للحكم الاستعماري لمصلحتهم الخاصة. كان قادة المقاومة في وقت ما من التاريخ يتنقلون بين الخيارات المبدئية والتحالفات المشبوهة. بعد (خط متعرج من مئات المسامير)، سكن معظمهم في مناطق التبعية الغامضة والمجهولة إلى حد كبير 30 . وفي استخدمهم الجدلي لأفكار الغرب، استجلبوا مفاهيم جديدة ونماذج استطراديه من أجل الدفاع عن حدود محلية جديدة وترويض ما اعتبروه تهديدات للحداثة. في هذه العملية اخترعوا رواية تحرر مبنية حول الطابع الزمني المزدوج لتقليد مجيد – وان كان ماضياً – ومستقبل مسترد (القومية) 31 .


لكن بالنسبة إلى المفكرين الأفارقة المعاصرين، كان التحرر من العبودية معادلاً قبل كل شيء
لاكتساب السلطة الرسمية. كان السؤال الأخلاقي والفلسفي الأساسي – أي كيفية لإعادة التفاوض
على رابط اجتماعي أفسدته العلاقات التجارية (بيع البضائع البشرية)، وعنف الحروب التي لا
نهاية لها والعواقب الكارثية للطريقة التي تمارس بها السلطة – كان يعتبر ثانوياً. لم يفترض النقد
الأفريقي أن مهمته الأساسية هي التفكير السياسي والأخلاقي الفلسفي في طبيعة الخلاف الداخلي؛
الذي أدي إلى تجارة الرقيق والسيطرة الاستعمارية. ولم يهتم كثيراً بطرق إعادة اختراع الوجود
معاً في موقف بدا فيه فيما يتعلق بفلسفة العقل التي يدعي انه يتبناها، أن كل المظاهر الخارجية
لحياة بشرية محتملة غير موجودة ولماذا تم تمريره للسياسة؟ كان له علاقة بالقدرة على التدمير
والربح أكثر من أي نوع من فلسفة الحياة أو العقل.


من المؤكد أنه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، جاءت القوميات الأفريقية لتحل محل مفهوم الحضارة بمفهوم التقدم. لكنهم فعلوا ذلك بشكل أفضل لتأييد الخصائص الغائية للعصر 32 . كان هذا هو الحال في الماركسية. رواية ماركس كلاً من موضوع التاريخ وغاياته معروفان. في هذا التقليد فإن الحدود النهائية للتاريخ هي مجتمع خال من السلع. يستلزم الغاء تسليع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية إلغاء سلطة السوق وانهيار التمييز بين الدولة والمجتمع. مثل هذه العمليات وما يترتب عليها من تكوين علاقات إنتاج جديدة قد تنطوي على منطق قسري أو حتى إرهاب. يمكن حشد هذا الاخير كوسيلة لتسهيل مرور التاريخ. أما بالنسبة لموضوع ماركس فهو موجود بالكامل كمجرد انعكاس وتأثير الانتاج المادي. العنف الثوري ينظر إليه على أنه قوة تماسك والغرض منها هو انتاج إعادة تشكيل أخلاقي للذات وتحويل وعيها وكذلك الظروف المادية 33 .


إذا كانت نظرية ماركس في التجربة الغربية تساوي التحديث مع الحداثة وتم تصوريها كعلم فإن
نفس السرد في السياق الأفريقي سرعان ما أصبح مرتبطاً بالسياسة كممارسة مقدسة. على هذا
النحو تتطلب السياسة الاستسلام الكامل للفرد لمستقبل مثالي والأمل في بعث جماعي يتطلب بدوره تدمير كل ما كان يعارضها. في إطار هذا المفهوم للسياسة على أنها ألم وتضحية اعتقاد راسخ في الوظيفة المعاكسة للعنف. كقربان للحياة على المذبح العام للثورة يمكن أن يكون العنف مستبدلاً أو تعويضياً. يمكن ان يعني ايضاً التضحية بالنفس – وفي هذه الحالة ارتبط منطق التضحية بمنطق الهبه. تم نشر العنف التكفيري أو الاستبدال– وتم إطلاق العنان للموت – باسم الماركسية. تم تخفيف القتل نفسه واخفائه من خلال الإسناد إلى حقيقة أخلاقية نهائية في حين أن اثبات الفضيلة والأخلاق يكمن في الألم والمعاناة 34 .


إن إمكانية التفكير الفلسفي السليم في الظرف الأفريقي قد تنحت جانباً ولم يبق سوي مسألة القوة الخام: فمن يستطيع أن يلقيها؟ كيف تم إضفاء الشرعية على التمتع بها؟ في تبرير الحق في السيادة وتقرير المصير والنضال من أجل انتزاع السلطة من النظام الاستعماري تم حشد فئتين مركزيتين: فمن ناحية شخصية الأفريقي كموضوع ضحية وجريح، ومن ناحية أخرى تأكيد التفرد الثقافي الأفريقي 35 . تطلب كلاهما استثماراً عميقاً في فكرة العرق وتطرف الاختلاف نفسه. في قلب نموذج الضحية ما بعد الاستعمار نجد قراءة للذات والعالم كسلسلة من المؤامرات. تعود أصول نظريات المؤامرة هذه إلى المفاهيم الماركسية 36 . التاريخ الافريقي كما يعتقد؛ ليس هناك سخرية ولا صدفة. يقال لنا أن التاريخ الأفريقي تحكمه في الأساس قوي خارجة عن سيطرة الأفارقة. يتم اختزال التنوع والاضطراب في العالم وكذلك الطابع المفتوح للإمكانيات التاريخية يتم تقليصها إلى حلقة متقطعة لا تتغير تتكرر بلا حدود وفقاً لمؤامرة تثيرها دائماً قوي خارجة عن متناول إفريقيا. يتم التعبير عن الوجود دائماً تقريباً على انه تلعثم في النهاية من المفترض أن يكون الأفريقي الأداة السلبية لتمتع الاخر. في ظل هذه الظروف لا يمكن أن تكون هناك رؤية راديكالية أكثر جذرية من تلك التي تقترح أن تنفصل أفريقيا نفسها عن العالم – الحلم المجنون بعالم خالٍ من الآخرين.


يتم هذه الكراهية للعالم بأسره (والتي تشير إلى رغبة عميقة في الاعتراف) وهذه القراءة بجنون
العظمة للتاريخ كخطاب (ديمقراطي) وراديكالي وتقدمي للتحرر والاستقلال – الأساس – يدعى
بسياسات أفريقية 37 . وعلى العكس من ذلك فإن الخطاب علي النقيض من ذلك، فإن عصاب الإيذاء يعزز نمط تفكير يتسم في أن واحد برهاب الأجانب والعنصرية والسلبية. لكي يعمل هذا المنطق يحتاج إلى خرافات. يجب أن تخلق خيالاً يتحول لاحقاً إلى اشياء حقيقية. يتعين عليها انتاج أقنعة يتم الاحتفاظ بها عن طريق إعادة تصميمها لتناسب احتياجات كل فترة. ويقال إن مسار التاريخ الأفريقي يحدده العمل المشترك بين زوجين شيطانيين شكلهما عدو – وضحية. وفي هذا الكون المغلق، الذي يتكون فيه (صنع التاريخ) من القضاء علي أعدائه ينظر إلى السياسة علي أنها عملية تضحية وفي النهاية ينظر إلى التاريخ علي أنه يشارك في اقتصاد ساحر عظيم 38 .


نثر مذهب الفطرة

بالتوازي مع هذا التيار الفكري الذي يسعي إلى تأسيس سياسة أفريقية على مقولات الاقتصاد السياسي الماركسي (بينما ينظر إلى السياسة على أنها تضحية والتاريخ كشعوذة)، تطور تكوين بلاغي يتعلق موضوعاته الرئيسية بالهوية الثقافية. يتسم تيار هذا الفكر بالتوتر بين حركة عالمية تدعي العضوية المشتركة في الحالة الإنسانية (التشابه) وحركة معارضة خاصة. تؤكد هذه الخطوة الاخيرة على الاختلاف والخصوصية من خلال إبراز وليس الأصالة على هذا النحو ولكن مبدأ التكرار (التقليد) وقيم الأصالة. النقطة التي تلتقي فيها هاتان الحركتان السياسيتان والثقافيتان هي العرق. اسمحوا لي ان استعرض بإيجاز تاريخ إشكالية الفكر الأفريقي.


في البداية هناك مفهوم العرق ومكانته المتميزة منذ فترة طويلة في ممارسات عرضية طارئة
للتعرف على الصفات البشرية. تاريخياً أنشأت معظم نظريات القرن التاسع عشر علاقة وثيقة بين
الذات البشرية والذات العرقية. تم فهم العرق على أنه مجموعة من الخصائص الفسيولوجية المرئية والخصائص الأخلاقية التي يمكن تمييزها. كان من المفترض أن تميز هذه الخصائص أنواعاً
بشرية بخصائص مميزة 39 . علاوة علي ذلك جعلت هذه العلامات من الممكن تصنيف هذه الأنواع ضمن تسلسل هرمي كانت آثاره العنيفة ذات طبيعة سياسية واقتصادية وثقافية 40 . كما اشرت بالفعل كانت التصنيفات سائدة خلال فترة تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي استبعدت العواقب في واقع الأفارقة من دائرة الإنسانية أو في أفضل الأحوال أعطتهم مكانة أدني في التسلسل الهرمي للأعراق.


لقد دفع هذا الإنكار للإنسانية (أو إسناد الدونية) الاستجابات الأفريقية إلى مواقف متناقضة، وما إلى ذلك، غالباً ما يتم تبنيها بشكل متزامن 41 . هناك موقف عالمي: (نحن بشر مثل أي شخص اخر) 42 . وهناك موقف خاص: (لدينا ماض مجيد يشهد لإنسانيتنا) 43 .الخطاب بشأن الهوية الافريقية في معضلة تكافح من خلالها من اجل تحرير نفسها: هل تشارك الهوية الافريقية في الهوية الإنسانية العامة 44 ؟.ينبغي للمرء أن يصر باسم الاختلاف والتفرد علي إمكانية وجود أشكال ثقافية متنوعة في إطار إنسانية واحدة – ولكنها أشكال ثقافية لا يكون هدفها الاكتفاء الذاتي وتكون دلالتها النهائية عالمية؟ 45


لا يمكن قياس الكثافة الدفاعية لتأكيد (نحن بشر مثل أي شخص آخر) يمكن قياس فقط فيما يتعلق بعنف الإنكار الذي يسبقه ويجعله ليس ممكناً فحسب بل ضرورياً 46 . من جانب الآخر إن إعادة التأكيد علي الهوية الإنسانية التي أنكرها الآخر، ينتمي في هذه الحالة إلى خطاب إعادة التأهيل والوظائف كوسيلة للتحقق الذاتي 47 . ولكن علي الرغم من أن الهدف من خطاب إعادة التأهيل هو التأكيد علي أن الأفارقة ينتمون أيضاً إلى الإنسانية بشكل عام إلا أنه لا يتحدى خيال العرقي 48 . أن الدفاع عن إنسانية الأفارقة يصاحبه دائماً بزعم أن عرقهم، تقاليدهم، وعاداتهم لها طابع محدد.


في السرديات الأفريقية المهيمنة عن الذات، يعد نشر العرق عاملاً أساسياً ليس فقط في الاختلاف
بشكل عام بل وأيضاً في فكرة الأمة، حيث من المفترض أن تخدم المحددات العرقية كأساس
أخلاقي للتضامن السياسي. في تاريخ الانتماء الأفريقي، العرق هو الموضوع الأخلاقي وفي الوقت
نفسه حقيقة متأصلة للوعي. الأسس الأساسية لعلم الإنسان في القرن التاسع عشر وهي التحامل
المؤيد للتطور والإيمان بفكرة التقدم لا تزال على حالها؛ وتأميم الأمة (السوداء) وتأميم العرق
(الأسود) يسيران جنباً إلى جنب، لا يفترقان. سواء نظرنا إلى الزنجية أو الأشكال المختلفة للنزعة
الأفريقية في هذه الخطابات الثورة ليست ضد الأفارقة الذين ينتمون إلى عرق متميز ولكن ضد
التحيز الذي يضع العرق في مرتبة أدني.


العنصر التالي الذي يجب مراعاته هو التقليد والمكانة المميزة التي يحتلها في هذا التيار الفكري
الوطني. ونقطة البداية هنا هي الادعاء بأن الأفارقة يتمتعون بثقافة أصلية تمنحهم ذاتاً خاصة غير
قابلة للاختزال لتلك التي لدى أي مجموعة أخرى. وبالتالي؛ فإن إنكار هذه الذات وهذه الأصالة من
شأنه أن يشكل تشويها. وعلى أساس هذا التفرد من المفترض أن تعيد أفريقيا اكتشاف علاقتها
بنفسها ومع العالم وأن تمتلك نفسها وأن تهرب من المناطق الغامضة والعالم الغامض (القارة
المظلمة) التي خصصها لها التاريخ. بسبب تقلبات التاريخ من المفترض أن الأفارقة تركوا التقاليد
وراءهم. ومن هنا تأتي أهمية العودة إلى الوراء من اجل استعادته وهو الشرط الضروري لتجاوز
مرحلة الذل والألم الوجودي الناجم عن الانحطاط التاريخ للقارة.


ان التركيز علي إنشاء مخططات المرء الخاصة للسيطرة علي الذات وفهم الذات والكون وانتاج
المعرفة الذاتية أدت جميعها إلى المطالبة ب (العلم الأفريقي) و (ديمقراطية أفريقية) و (لغة
أفريقية) 49 . الحث على جعل إفريقيا فريدة من نوعها يتم تقديمة كمشكلة أخلاقية وسياسية واعادة اكتساب القوة لرواية قصة المرء – وبالتالي الهوية – يبدو انه مكون بالضرورة لأي ذاتية. في النهاية لم يعد الأمر يتعلق بالمطالبة بوضع الأنا المتغيرة للأفارقة في العالم ولكن بدلاً من ذلك
التأكيد بصوت عال وبقوة على تغييرهم.


هذا هو البديل الذي يجب الحفاظ عليه بأي ثمن. يتم الإشادة بالاختلاف ليس كعرض من أعراض
عالمية أكبر ولكن؛ باعتباره مصدر إلهام لتحديد المبادئ والمعايير التي تحكم حياة الأفارقة في
استقلالية كاملة وفي معارضة العالم عند الضرورة. أن النسخ الأكثر نعومة تترك الباب مفتوح أمام
إمكانية (العمل نحو العالمية) وغثراء العقلانية الغربية من خلال اضافتها إلى (قيم الحضارة
السوداء) أو (العبقرية الخاصة بالجنس الأسود). وهذا ما يسميه ليوبولد سنجور نقطة التقاء العطاء والاستلام التي يفترض أن تكون إحدى نتائجها خلاصة الثقافات.


منذ القرن التاسع عشر، سعي أولئك الذين يؤكدون أن الأفارقة لديهم هويتهم الثقافية الخاصة، وأن هناك أصل أفريقي معين، إلى إيجاد طائفة عامة ومكان يمكنهم أن يرسخوا فيه نثرهم. اتضح أن المكان الجغرافي هو افريقيا الاستوائية، يحدها عالم خيالي تماماً في مواجهة التقسيم الوهمي الذي اخترعه الأوربيون وردده هيجل وآخرون 50 . بطريقة ما يجب جمع الأعضاء المفككين في هذه المدينة الخيالية معاً مرة أخرى. وبالتالي؛ فإن جسد تاريخ القارة المقطوع يتم إعادة تشكيله في ضوء الأسطورة. جرت محاولة لتحديد موقع الافريقية في مجموعة من الخصائص الثقافية المحددة التي تخص الإثنولوجية ومن المتوقع أن يتقدم البحث. ينطلق التأريخ القومي بحثاً عن البقية المفقودة في الإمبراطوريات الأفريقية القديمة وفي مصر الفرعونية 51 . في نثر الأصلانية (وكذلك في بعض إصدارات السرديات الماركسية والقومية) تم تأسيس شبه تكافؤ بين العرق والجغرافية.

تشتق الهوية الثقافية من العلاقة بين المصطلحين حيث تصبح الجغرافيا الموقع المميز الذي من المفترض أن تتجسد فيه مؤسسات وقوة العرق (الأسود) 52 . وتحدد الأفريقية علي وجه الخصوص؛ المواطن الأصلي والمواطن من خلال اتصافهم بالسود. في هذه الأساطير لا يصبح السود مواطنين؛ لأنهم بشر يتمتعون بحقوق سياسية ولكن بسبب عاملين خاصين: لونهم وسلطة مميزة. يتم دمج الأصالة العرقية والاقليمية وتصبح أفريقيا أرض السواد. نظراً لأن التفسير العرقي هو أساس علاقة مدنية مقيدة فإن كل ما ليس أسوداً هو في غير محله وبالتالي؛ لا يمكن أن يدعي أي نوع من الإفريقية. الجسد المكاني والجسد العرقي والجسد المدني هم من الآن فصاعداً يشهد كل منهم على أصل مجتمعي أصلى يكون بموجبه كل من الأرض أو يشارك نفس اللون أو الأجداد أخاً او أختاً.

فكرة أفريقية ليست سوداء هي ببساطة فكرة غير واردة. من هنا جاءت استحالة تصور وجود أفارقة من أصل أوروبي أو عربي أو آسيوي على سبيل المثال أو أن الأفارقة قد يكون لهم اصول متعددة. إحدى نتائج تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي هي أن السود يعيشون في أماكن بعيدة هل يمكن أن نأخذ في الحسبان تسجيلهم داخل أمة محددة عنصرياً وجغرافياً عندما فصلتهم الجغرافيا والتاريخ عن المكان الذي جاء منه أسلافهم؛ لأن الفضاء الجغرافي الأفريقي يشكل الوطن الطبيعي للسود أولئك الذين سلبتهم العبودية يجب أن يعودوا إلى أرض ابائهم… ويكونوا في سلام 53 .


المرآة المحطمة

لقد رأينا للتو ان الخطابات الأفريقية المهيمنة على الذات تطورت ضمن نموذج عنصري.
وباعتبارها خطابات انعكاسية فهم يرسمون سلطتهم الأساسية الأفريقية من الأساطير؛ التي يزعمون أنها تعارض وتعيد إنتاج انقساماتهم: الفرق العنصري بين الأسود والأبيض؛ المواجهة الثقافية بين الشعوب المتحضرة والمتوحشة؛ التعارض الديني بين المسيحيين والوثنيين. الاقتناع بأن العرق موجود وهو أساس الأخلاق والجنس. لقد تم إدراجهم في سلسلة نسب فكرية تستند إلى هوية إقليمية وجغرافيا عرقية إلا أن أسطورة العنصرية تحجب حقيقة أنه في حين أن جشع الرأسمالية العالمية قد يكون أصل المأساة. فإن فشل الأفارقة في السيطرة علي طمعهم الإنتهازي وقسوتهم الخاصة أدي أيضاً إلى العبودية والقهر 54 . والأهم من ذلك وراء حلم التحرر السياسي وخطاب الاستقلال الذاتي كانت هناك عملية شاذة أدت إلى تعزيز شعور الأفارقة بالاستياء إزاء الوقوع ضحية.

من بين كل المحاولات التي بذلت خلال القرن العشرين لكسر هذا الحلم الفارغ فإن هذا الاسلوب المنهك في التفكير كان هناك محاولتان ذات أهمية خاصة لمناقشتنا. في البداية؛ هناك جهود لتفكيك التقاليد (وبالتالي أفريقيا نفسها) من خلال اظهار أن أفريقيا قد اخترعت 55 . ومن وجهة النظر هذه، فإن أفريقيا في حد ذاتها لا توجد إلا على أساس النص الذي يظهرها كخيال للآخر. ثم يتم منح هذا النص قوة هيكلية إلى درجة أن الذات التي تدعي التحدث بصوتها الحقيقي دائماً ما تتعرض لخطر الحكم عليها بالتعبير عن نفسها في خطاب مسبق يخفي خاصتها أو يلومها أو يجبرها على التقليد. وهذا يعني أن أفريقيا لا توجد إلا علي أساس مكتبة موجودة من قبل وهي مكتبة تدخل وتلمح إلى نفسها في كل مكان حتى في الخطاب الذي يدعي دحضها لدرجة أنه فيما يتعلق بالهوية والتقاليد الأفريقية أصبح من المستحيل الآن التمييز بين الأصل والنسخ 56 . يمكن قول الشيء نفسه عن أي مشروع يهدف إلى فصل أفريقيا عن الغرب.


في سياق ذي صلة طرح طريق ثاني إشكالية الهوية الأفريقية باعتبارها هوية قيد التكوين 57 . ومن
وجهة النظر هذه لم يعد ينظر إلى العالم على أنه تهديد. بل أن الأمر على العكس من ذلك، فقد
تخيلنا شبكة واسعة من التقارب. وخلافاً للأساطير الاجتماعية فإن الرسالة الأساسية هنا، هي أن
بوسع كل شخص أن يتخيل ويختار ما يجعله أو يجعلها أفريقياً.


إلى حد كبير كل من هذه الانتقادات مدفوعة باعتبارات منهجية. أنهم لا يتطرقون إلى جوهر
المسألة: كيف يمكن التعامل مع الاشباح التي يستحضرها اتباع القومية الأصلية وما يسمى
بالراديكاليين في محاولاتهم الخاصة لتهجين الهوية الأفريقية – في نفس الوقت الذي تظهر فيه
الممارسات الابداعية والاجتماعية للفاعلين الأفارقة؛ أن أنظمة أخرى من الواقع يجري تأسيسها. أو
بعبارة أخرى كيف ينبغي لنا أن نتصور بإبداع وبطريقة غير متجانسة الدلالات متعددة الأغراض
المكونة من العبودية والاستعمار والفصل العنصري؟


على المستوي الفلسفي يجب إعطاء الأولوية لاستجواب نموذج التاريخ الذي تبلور بالفعل والذي لا يمكن للمرء إلا أن يمر به أو يتكرر – ولمعالجة ما فلت من هذا القرار في التجارب الأفريقية
الفعلية للعالم. على مستوى أكثر انثروبولوجيا، يجب أن يواجه الهوس بالتفرد والاختلاف بنظرية
التماثل. ومن أجل الابتعاد عن الاستياء والرثاء بسبب فقدان خاصية الاسم يجب أن نفسح مجالاً فكرياً لإعادة التفكير في تلك الفترات الزمنية التي تتفرع دائماً في نفس الوقت نحو عدة مستقبلات
مختلفة وبذلك نفتح الطريق أمام امكانية تعدد الأسلاف.


اخيراً؛ على الصعيد الاجتماعي يجب اعطاء الاهتمام للممارسات اليومية المعاصرة؛ التي يتمكن
الأفارقة من خلالها من التعرف على الفة غير مسبوقة والحفاظ عليها مع العالم – وهي ممارسات
يخترعون من خلالها شيئاً خاصاً بهم ويجذب العالم بشكل عام 58 .


اسمحوا لي ان افحص بإيجاز بعض الاستفسارات الفلسفية الحقيقية المهملة بواسطة النقد الأفريقي في تفكيره في الرق والاستعمار والفصل العنصري. والسؤال الاول الذي ينبغي تحديده يتعلق بوضع المعاناة في التاريخ – وهو مختلف الطرق التي تلحق بها القوى التاريخية الأذى النفسي بالهيئات الجماعية، والطرق التي يتشكل بها العنف ذاتيا. وهنا اعتبر من المناسب اجراء مقارنة مع التجارب التاريخية الأخرى 59 .


في الواقع تمثل المحرقة، العبودية، والفصل العنصري أشكالاً من الألم الأصلي. فجميعها تتميز
بمصادرة الذات من قبل قوي لا يمكن وصفها. في كل حالة تتخذ القوى أشكالاً مختلفة. ولكن في
المجمل، فإن التسلسل المركزي هو نفسه: حيث يقابل التسمم الأخلاقي الذي تستدعيه إدارة القتل الجماعي مثل الصدى، وضع الحياة بين فجوتين بحيث لا يعود الشخص يعرف ما إذا كان ميتاً أو حياً. هذا المزيج من العداء المدمر وتفكيك الذات يشكل التضاريس المشتركة من قبل هذه الأحداث الثلاثة. والواقع أن الأحداث الثلاثة تشكل في النهاية شاهد ضد الحياة نفسها. وبحجة أن الأصل والعرق هما معيار أي نوع من التقييم فإنهما يهتمان بالحياة. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن إنقاذ الحياة من هذه العملية السلبية المستمرة؟


المسألة الثانية تتعلق بعمل الذاكرة ووظيفة النسيان. هل من الممكن الجمع بين العبودية والاستعمار والفصل العنصري كذكرى؟ أي أنه ليس في نوع من التميز بين ما قبل وما بعد الأحداث أو ماضيها ومستقبلها بل فيما يمكن تسميته القوة الوراثية لهذه الاحداث – الكشف عن استحالة عالم بدون عالم آخر وثقل المسؤولية الخاصة التي تقع على عاتق الأفارقة أنفسهم في مواجهة المأساة (التي ليست العنصر الوحيد!) في تاريخهم. وهنا تكتشف المقارنة بين التجارب الأفريقية والتجارب اليهودية عن اختلافات عميقة. وعلي النقيض من الذاكرة اليهودية للهولوكست ليست هناك علي نحو صحيح ذاكرة أفريقية للرق؛ 60 أو إذا كانت هناك مثل هذه الذاكرة فإنها تتميز بالحيود (الانحراف). 61 في أفضل الأحوال تعتبر العبودية جرحاً يعود معناه إلى مجال اللاوعي وبكلمة واحدة السحر 62 . وعندما تبذل جهود للتذكر الواعي فإنها لم تفلت إلا نادراً من التناقض؛ الذي يميز الإشارات المماثلة في سياقات تاريخية أخرى 63 .


وهناك سببان لهذه الصعوبة في مشروع تخليد ذكرى الرق. اولاً، بين ذكري الرق بين الأمريكيين
الأفارقة عن العبودية وذاكري الأفارقة القاريين هناك منطقة غامضة تخفي صمتاً عميقاً – صمت
الذنب ورفض الأفارقة مواجهة الجانب المزعج من الجريمة التي تنطوي مباشرة على مسؤوليتهم
الخاصة. ذلك لان مصير العبيد السود في الحداثة لا يرجع فقط إلى الإرادة الاستبدادية وقسوة
الآخر، على الرغم من ثبوت ذنب الآخر. والدلالة البدائية الأخرى هي قتل اخ علي يد اخ (حذف
المقطع الأول من اسم العائلة) في عبارة جاك لا كان – باختصار المدينة المقسمة. على طول مسار الأحداث التي أدت إلى العبودية هذا هو المسار الذي تحاول أن تمحوه الخطابات الأفريقية المهيمنة عن الذات.


الاستئصال هنا مهم لأنه يمكن عمل الوهم بأن زمن العبودية والبؤس كانت واحدة على جانبي
المحيط الأطلسي. وهذا غير صحيح. وهذه المسافة هي التي تمنع الصدمة والغياب والخسارة من
أن تكون واحدة علي جانبي الأطلنطي 64 . طالما أن الأفارقة القاريون يهملون إعادة التفكير في الرق– ليس مجرد كارثة كانوا ضحاياها فحسب، بل كنتيجة لتاريخ لعبوا دوراً فعالاً في صياغته – فإن الدعوة إلى العرق باعتباره الأساس الأخلاقي والسياسي للتضامن ستتوقف إلى حد ما على سراب الوعي 65 .


التحدي الثاني لاستعادة الذاكرة هو من نوع اخر. وفي اجزاء معينة من العالم الجديد يقمع أحفاد
العبيد الافارقة ذكرى الرق. والدراما العائلية التي أدت إلى المأساة وكذلك بؤس وجودها في الوقت الحاضر تنكر باستمرار. لا شك أن هذا الإنكار لا يعادل النسيان في حد ذاته. وهو في الوقت نفسه
رفض الاعتراف بأسلاف الشخص ورفض تذكر فعل يثير مشاعر العار. وفي ظل هذه الظروف،
لا تكون الأولوية في الواقع إعادة الاتصال بالذات وبأصولها 66 . ولا يتعلق الأمر باستعادة علاقة
كاملة وايجابية مع الذات، لأن هذه الذات قد تعرضت للضرر والإهانة بما يتجاوز أي حد. ولأن
رواية الرق قد حكم عليها بأن تكون في حالة خمول فإن شبح يضطهد الموضوع ويطارده ويكتب
على اللاوعي له لغة جسد يجب قمعها باستمرار. فالوجود في الوقت الحاضر يستلزم نسيان اسم
الأب في نفس الفعل الذي يدعي المرء أنه يطرح فيه مسألة الأصل والنسب. وهذا هو الحال بشكل
خاص في جزر الأنتيلAntilles )) 67 .


الثغرة الثالثة في التفكير الفلسفي الأفريقي حول الأحداث الثلاثة هي مسألة رمزية المنفي. ويستخدم هذا التعبير المجازي لمعسكر الاعتقال لمقارنة حالة العبودية بمأزق يهود أوروبا فضلاً عن مقارنة العلاقات بين العرق والثقافة في الوعي الحديث، على مستوى أكثر عمومية. ولكن هذه المقارنة تتسم بشيء من التسرع والسطحية 68 . في الحقيقة، الخيال اليهودي يتأرجح باستمرار بين مجموعة من الأساطير المتناقضة والتوترات غير المحلولة ولكنها مثمرة- أسطورة الاستبداد مقابل واقع التشريد القسري، والحقيقة التجريدية للتشريد مقابل الوعد بالعودة – باختصار، فترة زمنية معلقة تكمن فيها الرؤية المزدوجة للشتات وإسرائيل، وغياب الأرض لا يعني بأي حال من الأحوال انقطاع الاستمرارية اليهودية. واخيراً، بعيداً عن الطوارئ والتجزئة والإرهاب، كان كتاب،
التوراة، وهو نص يعاد تسجيله على نحو مستمر من خلال عملية التفسير والتعليق.


خلف ظهور هذا التمزق، فإن تجربة العبيد الأفريقية في العالم الجديد تعكس هوية متشابهة إلى حد ما، حتى لو اختلفت أشكال التعبير عنها، وعلى الرغم من عدم وجود كتاب على هذا النحو. مثلهم مثل اليهود في العالم الأوروبي يتعين عليهم أن يرووا أنفسهم وأن يرووا العالم وأن يتقربوا من هذا العالم من موقع حياتهم وعملهم وطريقتهم في التحدث (اللغة) تكاد لا تكون واضحة مغطاة كما لو كانت ملامحهم شبحية. عليهم أن يبتكرون فن الوجود في خضم الحرمان – علي الرغم من أنه بحلول هذا التاريخ يكاد يكون من المستحيل إعادة سحر الماضي وإلقاء سحر علي الحاضر (ربما باستثناء التعبير المنسجم عن جسد يتم تحويلة باستمرار من الوجود إلى المظهر، من الاغنية إلى الموسيقي) 69 . ولكن بعد قول ذلك سينتهي التشابه. وعلي النقيض من المحرقة، فإن تجارب الشعوب السوداء من العبودية في العالم الجديد وغيره من الأماكن لم تفسر بأي حال من الأحول – فلسفياً أو سياسياً أو ثقافياً – مما يبرز إمكانية تأسيس نظام عالمي 70 .


لقد قللت الانتقادات الماركسية والقومية من شأن مجموعة واسعة من التجارب الأفريقية من الغزو الاستعماري. ولقد اثبت التاريخ الحديث أن الأفارقة قدموا إجابات مختلفة تماماً للخيارات التي فرضتها عليهم أوروبا بسبب الغزو، وقال إن الانقسامات الاجتماعية التي تشكلت على مدى فترة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي قد زادت حدة في ظل الاستعمار. وأدت المصادر الجديدة
للثروة المكتسبة في أوج تجارة الرقيق وعواقبها إلى قلب النظام الاجتماعي؛ الذي كان قائماً من
قبل. وتشككت الديانتين التوحيديتين الرئيسيتين؛ الإسلام والمسيحية في الأسس الكونية للمجتمعات المحلية. مع تصاعد العنف السياسي والابتزاز خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تم تحرير ممارسة السلطة من الوساطة من خلال أي خطاب للمسؤولية السياسية. وأدت التحولات في علاقات القوة التي تفاقمت بسبب حروب الخلافة المحلية، إلى أزمة شاملة في السلطة. وفي معظم الأماكن يمكن القول أن التقدم الاستعماري في المناطق الداخلية من القارة اتخذ طابع ثورة العبيد الزاحفة 71 .


من نواح عديدة كان الاستعمار اختراعاً مشتركاً. كان نتيجة للعنف الغربي وكذلك عمل سرب من
المساعدين الأفارقة الذين يسعون لتحقيق الربح. حيث كان من غير العملي استيراد المستوطنين
البيض لاحتلال الأرض، جعلت القوي الاستعمارية عموماً السود استعمار المتجانسين الخاصة بهم
باسم الامة الحضرية Metropolitan. بشكل أكثر حسماً، (غير صحي) على الرغم من أنها قد
تبدو للناقد، يجب الاعتراف بأن الاستعمار مارس قوة إغواء قوية للأفارقة على المستوي العقلي
والأخلاقي لا يقل عن المستوى المادي. وقد وعد النظام الاستعماري بإمكانات متعددة للارتقاء إلى
أعلى. ولا أحد يستطيع أن يجزم بما إذا كانت مثل هذه الوعود قد تحققت بالفعل. وأدى الاستعمار بوصفه نسيجاً منكسراً ومعاد تشكيله إلى ما لا نهاية على نشوء يوتوبيا – هلوسة مشتركة بين
المستعمرين والمستعمرين 72 .


وتكفي الامثلة المذكورة لتوضيح أن اللجوء إلى الوسائل وعدم معالجة هذه المسائل المحورية بشأن الحياة – أشكالها وامكانياتها وما ينكرها – النقد الأفريقي، يسيطر عليه الاقتصاد السياسي والنزعة القومية، قد حدد منذ البداية البحث عن الهوية السياسية ضمن نطاق عملي بحت وفي إطار زمني قصير الاجل. وعندما طرحت اسئلة اثناء أوج الاستعمار عما إذا كان الحكم الذاتي ممكناً لم يكن الهدف ابداً هو تناول المسألة العامة المتعلقة بالوجود والزمان – وبعبارة أخرى؛ الحياة – ولكن بدلاً من ذلك تيسير كفاح السكان الاصليين للسيطرة على جهاز الدولة. أن القدرة على المخاطرة بحياة المرء أي بعبارة هيجل؛ القدرة علي وضع حد لحالة العبودية وإعادة الولادة من جديد كموضوع للعالم – يظهر في نثر التوثيق الذاتي. وفي النهاية، يمكن القول إن كل شيء هنا يأتي إلى أسفل ذلك، هيكل منحرف: الأصولية.


الذات ، المدينة والمدينة العالمية Self, Polis, and Cosmopolis

اذاً اين نحن اليوم؟ ما هي طرق تصور الهوية في العمل وما هي الممارسات الاجتماعية التي
تنتجها؟ ولكن ماذا حدث لمناطق الإيذاء والعرق والتقاليد؟

اولاً، يجب أن أشير إلى أن مواضيع مناهضة الإمبريالية قد استنفدت. غير أن هذا لا يعني أن
الشعور بالاضطهاد قد تجاوز. في الواقع، تم إحياء النقاش ضد الإمبريالية خلال ثمانينيات
وتسعينيات القرن العشرين في شكل نقد لبرامج التكيف الهيكلي والمفاهيم الليبرالية الجديدة لعلاقة الدولة بالسوق 73 . ولكن في الفترة الانتقالية، واجهت ايديولوجية الوحدة الأفريقية واقع الدول الوطنية التي على عكس الحكمة المستلمة تبين أنها أقل اصطناعاً مما كان يعتقد. وكان التطور الأكثر أهمية هو التقاطع الناشئ بين المواضيع القديمة المناهضة للإمبريالية (الثورة) و(مناهضة الاستعمار) وبين اطروحات أصحاب النزعة الوطنية المعادية للإمبريالية. والآن تتجمع شظايا هؤلاء المعارضين للعولمة لإعادة إطلاق ميتافيزيقا الاختلاف وإعادة إحياء التقاليد وإحياء الرؤية المثالية للهوية الأفريقية المتشابهة مع السواد.


كما شهد موضوع العرق تحولات كبرى. كانت الحالة المتطرفة في جنوب أفريقيا (وغيرها من
المستعمرات الاستيطانية) سبباً لدفع الناس لفترة طويلة في الغرب وفي أفريقيا إلى تصور مفاداه أن المعارضة القطبية بين السود والبيض تلخص في حد ذاتها القضية العرقية برمتها في افريقيا. ومع ذلك، فإن ذخيرة الخيال العرقي ورمزية الدم التي تشكلت على اساسها اتسمت دائما بتنوعها الشديد. فعلي مستوي المعارضة البسيطة بين السود والبيض، كانت الانقسامات العرقية الأخرى تعمل دوماً على وضع الأفارقة في مواجهة بعضهم البعض. ويمكن هنا أن نعدد ليس فقط أكثر الناس وضوحاً– الافارقة السود في مقابل الأفارقة من أصول عربية أو جنوب اسيوية أو يهودية أو صينية – بل وأيضاً مجموعة الاشخاص الأخرين الذين يمكن أن يشهدوا على مجموعة الألوان وضمهم إلى مشاريع الهيمنة: الافارقة السود في مقابل الكريول Creoles، اللبنانيون – السوريون، الملونون والبربر Berbers والطوارق Tuaregs والبرازليون من أصل افريقي Afro-Brazilians
والفولاني Fulanis؛ امهارس Amharas مقابل اورومو Oromos؛ والتوتسيس Tutsis ضد
الهوتوس Hutus لأعطى بعض الأمثلة التوضيحية.


الحقيقة – بغض النظر عن التعريف الذي يعطيه المرء لهذا المفهوم – كانت الوحدة العرقية في
أفريقيا دائماً أسطورة. ولكن هذه الأسطورة تنهار حالياً تحت تأثير عوامل داخلية (وخارجية)
مرتبطة بصلات بين المجتمعات الافريقية والتدفقات الثقافية العالمية. فحتي لو ظل التفاوت في
السلطة وامكانية الوصول إلى الملكية قائماً (ناهيك عن القوالب النمطية للعنصرية والعنف)، فإن
فئة البياض لم تعد لها نفس المعاني التي كانت لها في ظل الاستعمار أو الفصل العنصري. على
الرغم من أن حالة البيض لم تصل إلى نقطة من الانسيابية المطلقة التي من شأنها أن تفصلها مرة
واحدة وإلى الابد عن أي ذكر للسلطة والامتيازات والقمع، فمن الواضح أن تجربة الأفارقة من
أصل أوروبي اتخذت جوانب أكثر تنوع في جميع انحاء القارة أكثر من أي وقت مضي. لم تعد
الأشكال التي تصور بها هذه التجربة – ليس فقط من قبل البيض أنفسهم ولكن أيضاً من قبل الآخرين – هي نفسها. وهذا التنوع يجعل من هوية الأفارقة المنحدرين من أصل أوروبي هوية
مشروطة و محددة . 74


ويمكن أن يقال نفس الشيء عن الافارقة من أصل جنوب آسيوي أو لبناني – سوري، حتي وأن
اختلفت الظروف التاريخية التي اصبحوا فيها مواطنين وموقفهم علي الخريطة الاجتماعية عن
مواقف البيض والسود 75 . تشير حالة أبناء شمال أفريقيا من أصل عربي إلى حدوث تحولات في
مجال حقوق الإنسان.


من جانب تستمر العلاقات والتأثيرات التاريخية بين المغرب العربي المتوسط وأفريقيا جنوب
الصحراء الكبرى في القمع وسردها في الفولكلور باستمرار. رسمياً كمسألة سياسة دولة؛ الهوية
المغربية هي عربية إسلامية. ومع ذلك؛ وبالنظر إلى النطاق التاريخي، يمكن أن ينظر إليها علي
أنها تنطلق من مزيج توفيقي بين الصحراء والبربر وشبه الجزيرة العربية، وحتي المساهمات
اليهودية والتركية 76 .من ناحية أخرى، كان الإسلام بمثابة مصطلح لمصفوفة اجتماعية ثقافية يتم من خلالها الالتزام بنفس العقيدة والانتماء إلى طائفة دينية واحدة لا تلغي علاقة العقيدة، كما نري في موريتانيا، أو في الشرق في المنطقة العربية النيلية (السودان علي وجه الخصوص).


ما يمكن أن نراه هو أن رمزية الدم والألوان تتواصل تدريجياً. وكما هو الحال في أجزاء أخرى من
العالم يتقاطع وينتج العرق والطبقة، والعرق والجنس في أفريقيا وينتج آثار العنف، على الرغم من
التناقض المتأصل في مثل هذه العمليات. وبشكل عام، يمكن القول إن أشكال الوعي العرقي تتغير
في جميع انحاء القارة. يعمل انتاج الهويات العرقية خارج المعارضة الثنائية السوداء / البيضاء
بشكل متزايد وفقاً للمنطق العارض المميز حيث تفقد الحدود القديمة الجانب الميكانيكي وتتضاعف فرص التجاوز. ومن نواحٍ عديدة، يظهر عدم استقرار الفئات العرقية على أن هناك عدة أنواع من البياض والسواد 77 .


أنا أركز هنا على مجمل التقاليد ويستند مشروع إعادة سحر التقاليد على مجموعة من الأفكار
المجزأة والممارسات الاجتماعية – على تصور يستمد مرجعيه من المصادر المحلية والعالمية. اقوى نواقل هذا الخيال هي الحركات المجتمعية. وعلى النقيض من وجهة النظر الكونية والعالمية، التي تميل إلى التأكيد على القدرة على فصل نفسها عن أي نوع من الجوهر، فإن هذه الحركات تستمد قوتها من إعادة تأهيل المنشأ. والفكرة هي انه لا توجد هوية لا تؤدي بطريقة ما إلى تساؤلات حول الأصول والارتباط بها بغض النظر عن تعريفها أو مقدار الخيال الذي قد يكون
متأصلاً في هذا التعريف.


الاختلاف فيما يتصل بالأصول من المفترض ان يكون نقطة البداية للوعي بالهوية. ولكن من
المتوقع في الوقت نفسه أن تترجم كل هوية من هذا القبيل إلى مصطلحات إقليمية. في الواقع؛
بالنسبة لهذه الطريقة في التفكير لا توجد هوية بدون حدود إقليمية – الوعي الحي بالمكان والسيطرة عليه سواء عن طريق الولادة أو الغزو أو الاستيطان. يمكن العثور على الاقليمية في اوضح
مظهرها في المواطن المحلية – أو بعبارة أخري، المنزل والمساحة الصغيرة والتركة الموروثة
حيث يتم تعزيز العلاقات المباشرة والمتقاربة من خلال العضوية في علم الانساب المشترك. هذه
هي المصفوفة الحقيقية أو المفترضة التي تعمل كأساس للمساحة المدنية ؛ في الواقع، الجنازات
والدفن هي واحدة من الطرق الرئيسية لطقوس العضوية في المجال المدني كما هو منصوص عليه داخل المنزل 78 . ويمكن بالتالي ملاحظة أنه تنشأ المواطنة من مجموعة من المقولات الايديولوجية (الانتماء والأصول) والمقولات المكانية (الاقليم والموقع)، التي يمكن تعريفها بأنها القدرة على التمتع بمسكن والقدرة على استبعاد الأجانب من هذا التمتع والحق في الحماية والوصول إلى مجموعة من السلع والموارد الجماعية الموجودة في الحيز المحدد على هذا النحو.


إن مصطلحات القرابة المستخدمة في عملية المطالبة بالمواطنة هذه – أي العلاقات من قبيل النسب والنسل والتراث – يمكن تحويلها في إطار عمليات العولمة المعاصرة إلى مواد قابلة لإعادة
التدوير. ومن وسائل هذا التحويل المعجم الدولي للحقوق. وسواء كان الحق الذي يحتج به حجة
معينة يشير إلى حماية البيئة أو إلى مطالبات الأقليات أو الشعوب الأصلية فإن الاستراتيجية في كل
حالة تتمثل في تأكيد هوية مجروحة. تم تشكيل الجرح في أفريقيا المنحدرة ويتجسد هذا الجرح في حرمان مجتمع منفصل من حقوق محددة يحاول استعادتها من خلال اللجوء إلى المعجم الدولي. وهناك وسيلة أخرى لإعادة سحر التقاليد وإعادة تدوير الهويات المحلية التي أصبحت في المقدمة الآن، الا وهي السوق. دور السوق في هذه العملية واضح بشكل خاص في سياقات السياحة وسياسة التراث.


دول الحرب وأنظمة السيادة الإلهية


ولكن إذا دخلت عمليات التبادل الرمزي العالمية في الذاتية الافريقية (من بين مستويات أخرى)
على تحويل الهويات إلى سلعة تحت شعار التقاليد، واحدة من المواقع الرئيسية لقد تبين أن وساطة كتابة الذات بين التدفقات العالمية والممارسات المحلية لإعادة سحر التقاليد كانت حرباً، أو بعبارة أدق حالة حرب. أن حالة الحرب في أفريقيا المعاصرة والتي تتجاوز مجرد النظر في جوانبها التجريبية (على سبيل المثال، تشكل الميليشيات وخصخصة العنف وتجارة الاسلحة والتهريب)، لابد وأن ننظر إليها في واقع الأمر باعتبارها تجربة ثقافية عامة تعمل على تشكيل الهويات، تماماً كما تفعل الأسرة، والمدرسة، وغير ذلك من المؤسسات الاجتماعية. وعلى نحو أكثر حسما تستدعي حالة الحرب أنظمة ذاتية يجب استكشافها بإيجاز.


ويمكن اعتبار أول آثار حالة الحرب الدخول إلى منطقة من عدم الوضوح. هذه مساحة تقع خارج
نطاق سلطة الانسان حيث تختفي الحدود بين سيادة القانون والفوضى وتصبح القرارات حول
الحياة والموت تعسفية تماماً ويصبح كل شيء ممكناً 79 . في معظم مناطق الحرب المعاصرة في
أفريقيا يتميز الانحدار إلى عدم التميز بدرجة غير مسبوقة من التعذيب، التشويه، والقتل الجماعي 80 . والانتشار بشكل تدريجي شظايا الإرهاب في المساحات الشاسعة، مما أدي إلى تدمير الاطر الزمنية المرجعية وتقليل الامكانيات المتاحة للأفراد لتحقيق أنفسهم كموضوعات مستمرة 81 . أن ما ينتج عن ذلك من اثارة للمعاناة لا يؤدي إلا إلى تعزيز هذه العملية من خلال توريث الذكريات المؤلمة.


يمكن رؤية الرعب من الاصابة الجسدية في كل مكان. الصدمة أصبحت شبه دائمة والذاكرة
مغروسة جسدياً في اجسام تحمل علامات تدميرها، وتتحرك عبر مشهد عام من التجزئة والتدهور
الاقتصادي. في العديد من الاماكن اخذت الحياة شكل رحلة مستمرة. يترك المرء مكاناً ما ويؤسس نفسه في مكان آخر ليزحزح الإرهاب ويواجه ظروفاً لا يمكن التنبؤ بها، ويجبر علي الاستقرار
مرة اخرى حيث يمكن المرء أن يستقر 82 .


والأثر الثاني الذي ينبغي ملاحظته هو بعد التضحية بالحرب 83 . كما هو موضح في اماكن أخرى،
في عدة مناطق من القارة، يسير التفكيك المادي للأطر الاقليمية القائمة جنباً إلى جنب مع ظهور
اقتصاد الحرب (والحرب كاقتصاد عام) التي لم تعد فيها النزاعات العنيفة تعني بالضرورة أن من
يملكون اسلحة يعارضون بعضهم البعض. ومن المرجح أن يعارض العديد من الصراعات من
يملكون الاسلحة ومن لا يملكونها. وفي تلك السياقات ينتج عن ذلك انفصال ملحوظ بين الناس
والأمور وتتجاوز قيمة الاشياء قيمة الناس. وتتمثل الأهداف الرئيسية لأشكال العنف الناتجة في
التدمير المادي للناس (مذابح المدنيين والإبادة الجماعية ومختلف أنواع التشويه) والاستغلال
الأساسي للموارد المعدنية 84 . تنبع معظم هذه الأحداث من فكرة التاريخ كعملية التضحية.


لكلمة تضحية معنيان: (وضع حياة المرء تحت تصرف شخص أخر، والقتل من أجل سبب ما)
والقتل الجماعي (الإبادة الجسدية لعدد لا يحصى من الأرواح البشرية). فمن ناحية، تعني التضحية
بالذات أن الشخص سيقتل اناسا اخرين مرتبطين ب (العدو). المرء يقبل أن يقتل أحداً اثناء هذه
العملية؛ يعتقد المرء أنه في مثل هذا الموت يوجد جوهر الحياة. ومن ناحية أخرى، تشكل المجزرة العلامة الاعظم في كل من السيادة وما اطلق عليه جورج باتالي Georges Bataille الإنفاق 85 . أكثر من أي شيء اخر فإنه يرسم حدود مبدأ المنفعة – وبالتالي فكرة الحفاظ علي حياة البشر. أن المذبحة تدشن سيادة الخسارة من خلال الدمار المذهل والإهدار الدموي للبشر.


ومن خصائص الجثث الحقيقية، الأشياء الميتة أنها تبدو جميعها متجمدة في الماضي. وتنشأ
الشكوك حول ما إذا كانت هذه الكائنات الحية التي تبدو علي قيد الحياة حية حقاً أو ما إذا كانت
مجرد جثث رمزية لما كان حياً من قبل والآن مجرد مرايا محطمة علي حدود الجنون والإذلال 86 .
أن وظيفة هذا العنف الشهواني ليست الصاعقة أو حتي الإبهار 87 . ولا يشكل جزءاً من عملية استهلاكية من التأنيب والاكتئاب. ولم تعد هذه العملية تتعلق بالاستيلاء على الأخر أو تحويلة إلى ممتلكات وبضائع كما حدث في فترة الحكم لتجارة الرقيق الأطلسي وبعدها. بدلا من ذلك بل هو
مسألة إلغاء فكرة الدين المستحق للحياة 88 .


ولكن في الفعل الذي ينطوي على قتل عدد لا يحصي من الضحايا يسعي عامل المذبحة ايضاً إلى
تجاوز الذات وإعادة اختراعها. فبسبب خوفه سار عملاً فنياً نحتته القسوة. وبهذا المعني تصبح حالة الحرب جزءاً من الممارسات الأفريقية الذاتية الجديدة. ومن خلال التضحية يحول الشخص
الأفريقي ذاتيته وينتج شيئاً جديداً – شيئاً لا ينتمي إلى مجال الهوية المفقودة التي يجب العثور عليها مرة أخرى بأي ثمن بل شيئاً مختلفاً جذرياً شيئاً مفتوحاً للتغيير لا تزال نظريته ومفرداته قيد
الاختراع 89 .


السمة الثالثة لحالة الحرب التي ستناقش هنا هي صلتها بعاملين محددين سبق تحديدهم في تجارب الرق والفصل العنصري وهما: الحياة والممتلكات. الحياة هي عامل هنا إلى الحد الذي يسمح فيه حالة الحرب بممارسة السلطة، حتى القوة المجردة في اقصى الحدود وبطريقة مطلقة. ونتيجة لهذا فإن الحسابات التي تحكم الممارسات الثقافية والسياسية لم تعد تهدف إلى اخضاع الافراد بقدر ما تهدف إلى الاستيلاء على السلطة في الحياة ذاتها. وتتمثل وظيفته في الغاء أي فكرة عن النسب وبالتالي أي دين يتعلق بالماضي. وهنا يبرز تصور أصيل للسيادة لا يقل مجال ممارسته عن الحياة في عموميتها. قد يخضع الأخير إلى التجربة أي الموت البيولوجي. ولكن من الممكن ايضاً أن ينظر إليها باعتبارها مرهونة على نفس النحو الذي يتم به رهن الاشياء في اقتصاد عام تسرد فيه مذابح ومجازر على غرار رأس المال والعمل والقيمة الفائضة كما تم توظيفها في النموذج الماركسي الكلاسيكي.


وإلى جانب حالة الحرب هناك شكل أخر من أشكال الخيال الذي يتم من خلاله التلاقي بين العالمي والمحلي وهو شكل دولة الدين (قانون الدين). وعلى هذه الجبهة كان التطور الأكثر أهمية في الربع الأخير من القرن العشرين هو النمو غير المسبوق للمسيحية الخمسينية بين القطاعات الشعبية والنخبة الحضرية في أفريقيا. وكان من الأهمية بمكان في هذا التوسع وجود أربعة هياكل للمعنى يوفر كل منها وسيلة للتفاوض النفسي، وصياغة الذات، والمشاركة مع العالم ككل. هذه هي: هبة الالسنة (القدرة علي التحدث باللغات السماوية والبشرية) هبة الشفاء الإلهي والنبوءة أخلاق القداسة روح الازدهار 90 .


في أفريقيا المعاصرة، فإن علاقة الموضوع بالسيادة الإلهية هي التي تعمل بمثابة المزود/ الرئيسي
للمعاني لمعظم الناس. ويمكن القول بذلك على الرغم من أن التشكيلات الخطابية المختلفة التي تم ترسخ رمزيتها في السلطة الدينية ابعد ما تكون عن التجانس. وفي كل مكان تقريباً ترتبط
الممارسات المعاصرة التي تحاكي أو تنظم في إطارها القوة الالهية بعملية إعادة اختراع الذات
والمدينة بمعناها المزدوج – مدينة الأرض ومدينة السماء (المملكة). ولا يعكس هذا التصنيف
مجرد انقسام بين هذا العالم وما وراءه. كما أنه يشير إلى كيفية نشوء الذات من التفاعل بين عالم
التجربة وما لا يمكن اختزاله فيه. ومن خلال طقوس محددة واحتفالات من مختلف الأنواع أصبحت الممارسات الدينية موقعاً تتشكل فيه شبكات جديدة من العلاقات الغير بيولوجية بين أفراد الأسرة في نفس الوقت الذي تتغير فيه مفاهيم السيادة الإلهية والرعاية وظهور عقائد جديدة.


والأهم من ذلك أن تطوير التصور الديني الجديد يقوم على حشد ثلاثة ايديولوجيات رمزية
Ideosymbolic يتضح سيطرتها على المفاهيم المعاصرة للذات المثالي وهي: ممارسة الكاريزما
(التي تجيز ممارسة النطق والتنبؤ والتملك والشفاء)؛ منطق التضحية (الحداد والجنازات) واخيراً،
مجال المعجزة (أي الاعتقاد بأن كل شيء ممكن). الكاريزما مثيرة للاهتمام بشكل خاص من حيث
أنها تشمل اتجاهين متناقضين على ما يبدو. فهي تمثل، من ناحية ذروة الفردية بالإضافة إلى الخبرة المشتركة. علي الرغم من أنه ليس من المفترض أن يكون كل عضو في الجماعة قد وهب هدايا نبوية في حد ذاتها ومع ذلك يتم منح كل واحد الوصول دون عوائق إلى مصدر السلطة نفسه – النعمة الإلهية 91 . من ناحية أخرى، علامات الكاريزما منح سلطة متميزة ومستقلة تمارس على أفضل وجه لخدمة المجتمع. وممارسة هذه السلطة تضع صانع المعجزات في علاقة هرمية مع أولئك الذين لم ينعموا بنفس السحر ونفس المعرفة. وتجري محاولة لإدارة (العالم الحقيقي) على أساس الاقتناع بأن كل الرموز تشير في المقام الأول إلى نظام غير مرئي من الكون السحري وينتمي الحاضر قبل كل شيء إلى تسلسل يفتح على كل شيء مختلف.


واخيراً؛ اسمحوا لي أن أشير إلى مشكلة موضوع الرغبة في اقتصاد كقوة تحول أخرى في
الممارسات الافريقية المعاصرة للتكوين الذاتي 92 . يمكن القول بأن مواقع ونواقل هذا الخيال من الاستهلاك هي إلى حد كبير مماثلة لتلك الموجودة في أماكن اخرى من العالم. ولكن هناك تطوراً واحداً على وجه الخصوص يستحق تقديراً خاصاً هنا. هذه هي الظاهرة بكل جوانبها المتعددة لاقتصاد السلع المرغوبة المعروفة، والتي يمكن رؤيتها احياناً والتي يريد المرء أن يتمتع بها، ولكن لن يستطيع الوصول إليها مادياً ابداً. هناك عنصر من الخيال لهذه السلع المرغوبة. اذ في حالة الندرة المزمنة، فإن العامل الحاسم في تشكيل الذاتية ليس الإكمال الفعلي لعلاقات التبادل على المستوي المادي. وعندما يصبح الاستحواذ على السلع المرغوبة التي لا يمكن الوصول إليها واستهلاكها امراً اشكالياً تنشأ أنظمة ذاتية اخرى.


وحيثما يسود النقص والندرة يمكن أن يتم الاستيلاء على السلع المرغوبة عن طريق النهب
والاستيلاء العنيف. وغذا لم يحدث ذلك؛ فلن يتسنى تحقيقه إلا من خلال تداخلات الظل في عالم
الوهم 93 . وهكذا تركز الأوهام على الاشياء الخيالية البحتة. يتم تحفيز قوى الخيال وتكثفها بسبب عدم توفر الاشياء المرغوبة. وتستند ممارسات النهب ومختلف اشكال أنشطة المرتزقة والسجلات المختلفة لتزييف الحقائق إلى اقتصاد يحرك مشاعر مثل الجشع والحسد والغيرة والتعطش للغزو. وهنا يستوعب مسار الحياة في لعبة الحظ، يانصيب يستعمر فيها الأفق الزمني الوجودي من خلال الحاضر المباشر وبحسابات عشوائية قصيرة المدى. في الممارسات الشعبية المتمثلة في الاستحواذ على تدفقات التبادل العالمي، يتم تطوير طقوس الانبساط، هي طقوس تتكون من محاكاة الدلالات الرئيسية للاستهلاك العالمي.


خاتمة

حتى الآن فشلت محاولات تحديد الهوية الأفريقية على نحو منظم ومرتب. ومن المرجح أن المزيد
من المحاولات سيلقى نفس المصير طالما ظلت الانتقادات الموجهة إلى التصورات الأفريقية للذات والعالم محاصرة داخل مفهوم الهوية كجغرافيا – وبعبارة أخرى الزمن كمكان. وقد أدى هذا الخلط إلى اتهام واسع النطاق للمفاهيم المزدوجة وهما العالمية والكونية وبدلاً من ذلك، الاحتفال بالأصولية – وهذا هو بناء الذات المفهومة من حيث كل التضحية والتشويه. أحد الآثار الرئيسية لهذا الفهم للوقت والذاتية هو أن الفكر الأفريقي قد أصبح يتصور السياسة أما على غرار استعادة الطبيعة الأساسية ولكن المفقودة – تحرير الجوهر – أو كعملية تضحية.


ومن المؤكد أنه لا توجد هوية أفريقية يمكن تسميتها بمصطلح واحد أو يمكن تسميتها بكلمة واحدة أو تصنيفها ضمن فئة واحدة. الهوية الأفريقية لا وجود لها كمادة. يتم تشكيلها في أشكال مختلفة من خلال سلسلة من الممارسات ولا سيما ممارسات الذات 94 . لا اشكال هذه الهوية ولا مصطلحات الخاصة بها هي دائماً متطابقة ذاتياً. بدلاً من ذلك، فإن هذه الأشكال والمصطلحات هي متنقلة قابلة للعكس وغير مستقرة. ونظراً لتلاعب لهذا العنصر فمن غير الممكن اختزاله في نظام بيولوجي بحت قائم علي الدم أو العرق أو الجغرافيا. كما لا يمكن اختزالها إلى العرف إلى الحد الذي يكون فيه معنى هذا الاخير يتغير باستمرار 95 .


ولكن الآن أصبح الخطاب المألوف والمبتذل عن عدم المصداقية وعدم الاستقرار وعدم التحديد
مجرد وسيلة أخرى غير كافية للتعامل مع التصورات الأفريقية عن الذات والعالم 96 . لم يعد كافياً التأكيد على أن الذات الأفريقية وحدها التي تتمتع بالقدرة على التوليف السردي – أي القدرة على إنتاج أكبر عدد ممكن من القصص بأكبر عدد ممكن من الأصوات – يمكن أن تحافظ على التناقض والتداخل في تعدد المعايير والقواعد المميزة لعصرنا.


ولعل خطوة واحدة للخروج من هذا المأزق تتمثل في إعادة صياغة مفهوم الزمن من حيث علاقته
بالذاكرة والذاتية 97 . ولان الوقت الذي نعيش فيه مجزأ بشكل أساسي، فإن مشروع استعادة الذات بشكل جوهري أو التضحية بالذات محكوم عليه بالفشل. إن الممارسات المتباينة والمتقاطعة غالباً، والتي يعمل الأفارقة من خلالها على صياغة سلوكهم وحياتهم، هي وحدها قادرة على تفسر كثافة صنع الحاضر الأفريقي.


1 – Ato Quayson and Ruth Marshall‐Fratani critiqued an earlier version of this essay.
Sarah Nuttall, Françoise Vergès, Carol Gluck, and Candace Vogler offered additional
comments. Sustained encouragement came from Bogumil Jewsiewicki, Pierre Nora,
Carol A. Breckenridge, Arjun Appadurai, and Dilip Parameshwar Gaonkar. Excerpts
were presented at conferences in Cape Town in August 2000; Patna in February 2001;
and Evanston, Illinois, in March 2001.

2 – See, e.g., Fabien Eboussi Boulaga, Christianisme sans fétiche: Révélation et domination
(Paris: Présence africaine, 1981); Jean‐Marc Ela, Le cri de l’homme africain: Questions
aux chrétiens et aux églises d’Afrique (Paris: L’Harmattan, 1980), and Ma foi d’africain
(Paris: Karthala, 1985); and Valentin Y. Mudimbe, Tales of Faith: Religion as Political
Performance in Central Africa (London: Athlone, 1997).
3 – See Gershom Scholem, Aux origines religieuses du judaïsme laïque: De la mystique
aux Lumières, ed. Maurice Kriegel (Paris: Calmann‐Lévy, 2000); Yitzhak F. Baer,
Galout: L’imaginaire de l’exil dans le judaïsme, trans. Marc de Launay (Paris:
Calmann‐Lévy, 2000); Hannah Arendt, The Jew as Pariah: Jewish Identity and Politics
in the Modern Age (New York: Grove, 1978); and Sylvie Anne Goldberg, La Clepsydre:
Essai sur la pluralité des temps dans le judaïsme (Paris: Albin Michel, 2000).
4 – To be sure, the two currents of thought adhere to no single theory of identity, politics,
or culture. For different critiques, see Amady A. Dieng, Hegel, Marx, Engels et les
problèmes de l’Afrique noire (Dakar: Sankoré, 1978); Bogumil Jewsiewicki, Marx,
Afrique et Occident: Les pratiques africanistes de l’histoire marxiste (Montreal: McGill
University, Centre for Developing‐Area Studies, 1985); and Valentin Y. Mudimbe, The
Idea of Africa (Bloomington: Indiana University Press, 1994), 41–46. See also Mudimbe,
Parables and Fables: Exegesis, Textuality, and Politics in Central Africa (Madison:
University of Wisconsin Press, 1991), 166– 91. It can further be argued that in its attempt
to reconceptualize the problem of the subject, African feminism does not fundamentally
alter the dominant African Marxist, nationalist, or nativist understandings of subjectivity
or concepts of human intentionality. See, e.g., Amina Mama, Ayesha Imam, and Fatou
Sow, eds., Engendering African Social Sciences (Dakar: CODESRIA, 1997); and Ifi
Amadiume, Re‐inventing Africa: Matriarchy, Religion, and Culture (London: Zed,
1997).
5 – This approach contrasts with the politics of black radical activity in the United States
during the twentieth century. In the latter case, attempts were made to organically conjoin
Marxism and Black Nationalism, to develop a praxis that would attend to both class and
race in promoting social transformation. See, for example, Cedric J. Robinson, Black
Marxism: The Making of the Black Radical Tradition (Chapel Hill: University of North
Carolina Press, 2000); and the essay by Brent Hayes Edwards, “The ‘Autonomy’ of
Black Radicalism,” Social Text, no. 67 (2001): 1–12.
6 – Whether discussing it under the term alienation or deracination, it is francophone criticism
that has most fully conceptualized this process. See, in particular, Frantz Fanon, Black Skin,
White Masks [Peau noire, masques blancs], trans. Charles Lam Markmann (New York:
Grove, 1967); Hamidou Kane, L’aventure ambiguë (Paris: Julliard, 1961); and Fabien
Eboussi Boulaga, La crise du Muntu: Authenticité africaine et philosophie (Paris: Présence
africaine, 1977), and Christianisme sans fétiche.This approach contrasts with the politics of
black radical activity in the United States during the twentieth century. In the latter case,
attempts were made to organically conjoin Marxism and Black Nationalism, to develop a
praxis that would attend to both class and race in promoting social transformation. See, for
example, Cedric J. Robinson, Black Marxism: The Making of the Black Radical Tradition
(Chapel Hill: University of North Carolina Press, 2000); and the essay by Brent Hayes
Edwards, “The ‘Autonomy’ of Black Radicalism,” Social Text, no. 67 (2001): 1–12.

7 – This is particularly applicable to English‐language studies of Marxist political
economy, anthropology, or history. Sometimes these also rely on nationalist and
dependentist theses. See, e.g., Claude Aké, A Political Economy of Africa (Harlow,
England: Longman, 1981); Walter Rodney, How Europe Underdeveloped Africa
(Washington, D.C.: Howard University Press, 1981); and, on a more general level, Samir
Amin, Le développement inégal: Essai sur les formations sociales du capitalisme
périphérique (Paris: Editions de Minuit, 1973).
8 On the problematics of slavery and reparation, see J. F. Ade Ajayi, “The Atlantic
Slave Trade and Africa,” and “Pan‐Africanism and the Struggle for Reparation,” in
Tradition and Change in Africa: The Essays of J. F. Ade Ajayi, ed. Toyin Falola
(Trenton, N.J.: Africa World Press, 2000). Cf., for a more subtle and sophisticated
interpretation of slavery and its impact, Orlando Patterson, Slavery and Social Death: A
Comparative Study (Cambridge: Harvard University Press, 1982); and, on “dispersion”
as seen from the other side of the Atlantic, Paul Gilroy, The Black Atlantic: Modernity
and Double Consciousness (Cambridge: Harvard University Press, 1993).
9 To be sure, attempts have occasionally been made at such a project. Apartheid has been
the subject of constant biblical interpretation. See, among others, Allan Boesak, Black
and Reformed: Apartheid, Liberation, and the Calvinist Tradition: Sermons and
Speeches, comp. Mothobi Mutloatse, ed. John Webster (New York: Orbis, 1984); and
Desmond Tutu, Hope and Suffering (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 1984).
Colonization has also been the subject of such interpretations. See, e.g., Oscar
Bimwenyi‐Kweshi, Discours théologique négro‐africain: Problème des fondements
(Paris: Présence africaine, 1981); and Ela, Le cri de l’homme africain and Ma foi
d’Africain.
10 See, e.g., Thandika Mkandawire and Charles C. Soludo, Our Continent, Our Future:
African Perspectives on Structural Adjustment (Trenton, N.J.: Africa World Press, 1999).
11 See, e.g., Jacques Depelchin, “African Anthropology and History in the Light of the
History of FRELIMO,” Contemporary Marxism, no. 7 (1983): 69–88.
12 This tendency took shape during the last quarter of the twentieth century in ideological
production issuing not only from national institutions, such as the University of Dar‐es‐
Salaam (Tanzania), but also from regional ones, such as the Southern African Political
Economy Series (SAPES) Trust, based in Harare (Zimbabwe), and continental ones, such
as the Council for the Development of Social Science Research in Africa (CODESRIA),
based in Dakar (Senegal). For a theorization, see Claude Aké, Social Science as
Imperialism: The Theory of Political Development (Ibadan: Ibadan University Press,
1982), and Revolutionary Pressures in Africa (London: Zed, 1978).
13 See the ideological criticisms of structural adjustment programs and the continuous
conceptual dependence on a developmentalist paradigm in Thandika Mkandawire and
Adebayo Olukoshi, eds., Between Liberalization and Oppression: The Politics of
Structural Adjustment in Africa (Dakar: CODESRIA, 1995).
14 On social movements, see Mahmood Mamdani and Ernest Wamba‐dia‐Wamba, eds.,
African Studies in Social Movements and Democracy (Dakar: CODESRIA, 1995). On
the populist critique of liberal democracy, see Claude Aké, The Feasibility of Democracy
in Africa (Dakar: CODESRIA, 2000); and Issa G. Shivji, The Concept of Human Rights

in Africa (London: CODESRIA, 1989), and Fight My Beloved Continent: New
Democracy in Africa (Harare: SAPES Trust, 1988).
15 See, e.g., Mahmood Mamdani, ed., Uganda: Studies in Labour (Dakar: CODESRIA,
1996); Issa G. Shivji, Class Struggles in Tanzania (London: Heinemann, 1976).
16 One recent example is Mahmood Mamdani, Citizen and Subject: Contemporary
Africa and the Legacy of Late Colonialism (Princeton, N.J.: Princeton University Press,
1996). See also Mamdani, Politics and Class Formation in Uganda (New York: Monthly
Review Press, 1976).
17 See, e.g., Paul Tiyambe Zeleza, A Modern Economic History of Africa, vol. 1, The
Nineteenth Century (Dakar: CODESRIA, 1993), and Manufacturing African Studies and
Crises (Dakar: CODESRIA, 1997).
18 See Georg Wilhelm Friedrich Hegel, The Philosophy of History, trans. John Sibree
(Buffalo, N.Y.: Prometheus, 1991), 91–99.
19 To be sure, Enlightenment discourse on race was not univocal. Nevertheless, it can be
said that, for the most part, its thinkers joined in debate on common discursive terrain.
As Paul Gilroy shows, the extensive debate as to whether “Negroes” should be accorded
membership in the human family was central to the formation of the modern episteme.
See Gilroy, “Race Ends Here,” Ethnic and Racial Studies 21 (1998): 838–47. See also
Susan Buck‐Morss, “Hegel and Haiti,” Critical Inquiry 26 (2000): 821–65; and, more
generally, Emmanuel Chukwudi Eze, ed., Race and Enlightenment: A Reader
(Cambridge, Mass.: Blackwell, 1997).
20 On the centrality of the body in Western philosophy and its status as the ideal unit of
the subject, the site of the recognition of his or her identity, see Maurice Merleau‐Ponty,
Phénoménologie de la perception (Paris: Gallimard, 1945), 81–234. On the “weight” of
the body of the colonized, see Fanon, Black Skin, White Masks, 110–13.
21 On this point and the preceding discussion, cf. Olivier Le Cour Grandmaison, Les
citoyennetés en Révolution, 1789–1794 (Paris: Presses universitaires de France, 1992);
Pierre Pluchon, Nègres et Juifs au XVIIIe siècle: Le racisme au siècle des lumières
(Paris: Tallandier, 1984); Charles de Secondat, Baron de Montesquieu, De l’esprit des
lois (Paris: Garnier‐Flammarion, 1979); Voltaire, Oeuvres complètes (Paris: Imprimerie
de la Société littéraire et typographique, 1785); and Immanuel Kant, Observations on
the Feeling of the Beautiful and Sublime, trans. John T. Goldthwait (Berkeley:
University of California Press, 1965).
22 The most fully realized institutional form of this economy of alterity was the system of
apartheid, in which the hierarchies were biological in nature. A less extreme version was
“indirect rule,” a not very onerous form of domination which, in the British colonies,
made it possible to exercise authority over natives with few soldiers by making use of the
natives’ passions and vices. Cf. Lucy Philip Mair, Native Policies in Africa (London:
Routledge, 1936); Frederick John Dealtry, Baron Lugard, The Dual Mandate in British
Tropical Africa (London: Blackwood and Sons, 1980).
23 See “Number in the Colonial Imagination,” chap. 6 in Arjun Appadurai, Modernity at
Large: Cultural Dimensions of Globalization (Minneapolis: University of Minnesota
Press, 1996). For a study of the appropriation of these techniques by postcolonial elites,
see Thongchai Winichakul, Siam Mapped: A History of the Geo‐Body of a Nation
(Honolulu: University of Hawai‘i Press, 1994).

24 This was done notwithstanding the fact that “custom” varied radically from place to
place. As was the case elsewhere, “custom” became the trope for social order in African
societies thought to be outside of history, devoid of individuals. It could, from the
colonial moment on, be reproduced through the force of law. On similar experiences in a
different part of the colonized world, see Nicholas B. Dirks, “The Policing of Tradition:
Colonialism and Anthropology in Southern India,” Comparative Studies in Society and
History 39 (1997): 182–212.
25 In practice, the new subjects created by the politics of assimilation were cast as
homogeneous reproductions of the metropolitan subject. Christopher Miller rightly states
that the “theory and practice of assimilation stressed continuity with the metropolitan
country and the reproduction of ‘her’ values, while ignoring or denying the truly
profound break that colonial subjects were experiencing in relation to their own
cultures” (Miller, Nationalists and Nomads: Essays on Francophone African Literature
and Culture [Chicago: University of Chicago Press, 1998], 122). As Fanon makes clear,
race would remain the barrier between the assimilé and Frenchness; the amount of
Frenchness available to the colonized would be restricted by biology. See Black Skin,
White Masks, chap. 5.
26 Even when the postulate of equality among human beings was admitted, colonization
was sometimes justified in the name of “civilization.” See, among others, Alexis de
Tocqueville, De la colonie en Algérie (Brussels: Editions Complexe, 1988). On the
ambiguities of French assimilation policies, see Alice L. Conklin, A Mission to Civilize:
The Republican Idea of Empire in France and West Africa, 1895–1930 (Stanford, Calif.:
Stanford University Press, 1997).
27 Cf. the essays in Henry S. Wilson, ed., Origins of West African Nationalism (London:
Macmillan– St. Martin’s Press, 1969).
28 Cf., e.g., Marie Jean Antoine Nicolas de Caritat, Marquis de Condorcet, “Réflexions
sur l’esclavage des nègres,” in Oeuvres (Paris: Firmin‐Didot, 1849).
29 See Edward W. Blyden, Christianity, Islam and the Negro Race (Edinburgh:
Edinburgh University Press, 1967).
30 See Shula Marks, The Ambiguities of Dependence in South Africa: Class,
Nationalism, and the State in Twentieth‐Century Natal (Johannesburg: Ravan, 1986).
31 See Jomo Kenyatta, Facing Mount Kenya: The Tribal Life of the Gikuyu (London:
Secker and Warburg, 1938); and John Lonsdale, “Jomo, God, and the Modern World,” in
African Modernities? Duration and Disjuncture, ed. Jan‐Georg Deutsch, Peter Probst,
and Heike Schmidt (London: James Currey, in press).
32 In later modernity, Western philosophical criticism has begun moving away from some
of the most radical Enlightenment propositions. See Jürgen Habermas, The Philosophical
Discourse of Modernity: Twelve Lectures, trans. Frederick Lawrence (Cambridge: MIT
Press, 1987).
33 Karl Marx, Capital, A Critique of Political Economy, vols. 1 and 3, trans. Ben Fowkes
(Harmondsworth, England: Penguin, 1976, 1981). On violence see Leon Trotsky,
Terrorism and Communism: A Reply to Karl Kautsky, 2d English ed. (Ann Arbor:
University of Michigan Press, 1961). For critiques, see Maurice Merleau‐ Ponty,
Humanism and Terror: An Essay on the Communist Problem, trans. John O’Neill
(Boston: Beacon Press, 1969); and Hannah Arendt, La crise de la culture; Huit exercices

de pensée politique [Between Past and Future: Eight Exercises in Political Thought],
trans. Patrick Lévy (Paris: Gallimard, 1972), 28–57.
34 See, for instance, the texts collected in Aquino de Bragança and Immanuel Wallerstein,
eds., The African Liberation Reader (London: Zed, 1982).
35 See Nnamdi Azikiwe, Renascent Africa (London: Cass, 1969); Kwame Nkrumah, I
Speak of Freedom: A Statement of African Ideology (London: Heinemann, 1961);
Amilcar Cabral, Revolution in Guinea: Selected Texts (New York: Monthly Review
Press, 1970).
36 This is especially the case with respect to notions of witchcraft. See Peter Geschiere,
The Modernity of Witchcraft: Politics and the Occult in Postcolonial Africa, trans.
Geschiere and Janet Roitman (Charlottesville: University Press of Virginia, 1997).
37 See Archie Mafeje, “Africanity: A Combative Ontology,” CODESRIA Bulletin 1
(2000): 66–71. For different views, see, in the same issue, Wambui Mwangi and André
Zaiman, “Race and Identity in Africa: A Concept Paper,” 61–63; Fabien Eboussi
Boulaga, “Race, Identity, and Africanity,” 63–66; and Mahmoud Ben Romdhane, “A
Word from a Non‐Black African,” 74–75.
38 This is something that the vernacular language fully recognizes, but that the Marxist lexicon
nevertheless prevents African intellectuals from naming as such. See, e.g., Ernest
Wamba‐dia‐ Wamba, “Mobutisme après Mobutu: Réflexions sur la situation actuelle en
République Démocratique du Congo,” Bulletin du CODESRIA, nos. 3, 4 (1998): 27–34.
39 Cf. Immanuel Kant, Anthropology from a Pragmatic Point of View, trans. Victor Lyle
Dowdell (Carbondale, Ill.: Southern Illinois University Press, 1978).
40 See Pierre Guiral and Emile Témime, eds., L’idée de race dans la pensée politique
française contemporaine: Recueil d’articles (Paris: Editions du CNRS, 1977).
41 With regard to the other side of the Atlantic, see Brent Hayes Edwards, “The Uses of
Diaspora,” Social Text, no. 66 (2001): 45–75.
42 Cf. the importance of this theme in Fanon, Black Skin, White Masks. See also Aimé
Césaire, Discours sur le colonialisme (Paris: Présence africaine, 1955); and, more
generally, Léopold Sédar Senghor’s poetry.
43 See, e.g., Cheikh Anta Diop, Antériorité des civilisations nègres: Mythe ou vérité
historique? (Paris: Présence africaine, 1967).
44 On this, see Fanon’s last pages, Black Skin, White Masks.
45 This is Léopold Sédar Senghor’s thesis. See Senghor, Liberté I: Négritude et
humanisme (Paris: Seuil, 1964), and Liberté III: Négritude et civilisation de l’universel
(Paris: Seuil, 1977).
46 Cf. the problematics of race in the United States as discussed in Charles W. Mills,
Blackness Visible: Essays on Philosophy and Race (Ithaca, N.Y.: Cornell University
Press, 1998), and Lewis R. Gordon, ed., Existence in Black: An Anthology of Black
Existential Philosophy (New York: Routledge, 1997).
47 See Abiola Irele, “African Letters: The Making of a Tradition,” Yale Journal of
Criticism 5 (1991): 69–100.
48 Cf. Kwame Anthony Appiah’s criticism of texts by Alexander Crummel and W. E. B.
Du Bois in In My Father’s House: Africa in the Philosophy of Culture (London:
Methuen, 1992) chaps. 1–2. See also Appiah’s “Racism and Moral Pollution,”
Philosophical Forum 18 (1986/87): 185–202.

49 On these debates, see Julius Nyerere, Ujamaa: Essays on Socialism (London:
Oxford University Press, 1968); Kwasi Wiredu, Cultural Universals and Particulars: An
African Perspective (Bloomington: Indiana University Press, 1996), and “How Not to
Compare African Thought with Western Thought,” in African Philosophy as Cultural
Inquiry, ed. Ivan Karp and D. A. Masolo (Bloomington: Indiana University Press,
2000), 187–214; Paulin Hountondji, ed., Endogenous Knowledge: Research Trails
(Dakar: CODESRIA, 1997); Kwame Gyekye, African Cultural Values: An Introduction
(Philadelphia: Sankofa, 1996), and Tradition and Modernity: Philosophical Reflections
on the African Experience (New York: Oxford University Press, 1997); Ngugi wa
Thiong’o, Decolonising the Mind: The Politics of Language in African Literature
(London: James Currey, 1986).
50 See Hegel’s geography of Africa in Philosophy of History.
51 See Joseph Ki‐Zerbo, Histoire de l’Afrique noire d’hier à demain (Paris: Hatier, 1972);
Cheikh Anta Diop, L’unité culturelle de l’Afrique noire: Domaines du patriarcat et du
matriarcat dans l’antiquité Classique (Paris: Présence africaine, 1959); Théophile
Obenga, L’Afrique dans l’antiquité: Egypte pharaonique, Afrique noire (Paris: Présence
africaine, 1973).
52 Ironically, we find the same impulse and the same desire to conflate race with
geography in the racist writings of white settlers in South Africa. For details, see J. M.
Coetzee, White Writing: On the Culture of Letters in South Africa (New Haven, Conn.:
Yale University Press, 1988).
53 Blyden, Christianity, Islam and the Negro Race, 124.
54 See Joseph Miller, Way of Death: Merchant Capitalism and the Angolan Slave Trade
(1730–1830) (Madison: University of Wisconsin Press, 1988).
55 In his study of the foundations of discourse about Africa, Mudimbe notices that
“Western interpreters as well as African analysts have been using categories and
conceptual systems which depend on a Western epistemological order. Even in the most
explicitly ‘Afrocentric’ descriptions, models of analysis explicitly or implicitly,
knowingly or unknowingly, refer to the same order” (Valentin Y. Mudimbe, The
Invention of Africa: Gnosis, Philosophy, and the Order of Knowledge [Bloomington:
Indiana University Press, 1988], x).
56 For a case study, see Carolyn Hamilton, Terrific Majesty: The Powers of Shaka Zulu and
the Limits of Historical Invention (Cambridge: Harvard University Press, 1998).
57 See Appiah, In My Father’s House. In a later study, Appiah denounces the narrowness
of nationalist positions, emphasizes the possibility of double ancestry, and affiliates
himself with a “liberal cosmopolitanism.” See Kwame Anthony Appiah, “Cosmopolitan
Patriots,” Critical Inquiry 23 (1997): 617–39.
58 In recent years, various studies have shown how, beyond claims to Africanness,
Africans have constantly negotiated new positions in the spaces between cultures and
have disrupted the signs of both identity and difference. See, among others, Karin Barber,
ed., Readings in African Popular Culture (Bloomington: Indiana University Press, 1997);
Sarah Nuttall and Cheryl‐Ann Michael, eds., Senses of Culture: South African Culture
Studies (Oxford: Oxford University Press, 2000); Jonathan Haynes, ed., Nigerian Video
Films (Athens, Ohio: Ohio University Center for International Studies, 2000). For two
case studies on the complex entanglements of so‐called traditional and global

intellectual traditions, see Peterson Bhekizizwe, Monarchs, Missionaries, and African
Intellectuals: African Theatre and the Unmaking of Colonial Marginality (Johannesburg:
Witwatersrand University Press, 2000); and Stephanie Newell, Ghanaian Popular Fiction:
“Thrilling Discoveries in Conjugal Life” and Other Tales (Oxford: James Currey, 2000).
59 See Laurence Thomas, Vessels of Evil: American Slavery and the Holocaust
(Philadelphia: Temple University Press, 1993).
60 On Jewish memory, see, among other studies, Dominick LaCapra, History and Memory
after Auschwitz (Ithaca, N.Y.: Cornell University Press, 1998); Yosef H. Yerushalmi,
Zakhor: Jewish History and Jewish Memory (Seattle: University of Washington Press,
1982). For a philosophical critique, cf. Paul Ricoeur, La mémoire, l’histoire, l’oubli
(Paris: Seuil, 2000).
61 See Madeleine Borgomano, “La littérature romanesque d’Afrique noire et l’esclavage:
‘Une mémoire de l’oubli’?” in Esclavage et abolitions: Mémoires et systèmes de
représentation, ed. Marie‐ Christine Rochmann (Paris: Karthala, 2000), 99–112.
62 See, e.g., Rosalind Shaw, “The Production of Witchcraft/Witchcraft as Production:
Memory, Modernity, and the Slave Trade in Sierra Leone,” American Ethnologist 24
(1997): 856–76. Cf. Route et traces des esclaves, special issue, Diogène, no. 179 (1997).
63 See T. A. Singleton, “The Slave Trade Remembered on the Former Gold and Slave
Coasts,” Slavery and Abolition 20 (1999): 150–69; and Edward M. Bruner, “Tourism in
Ghana: The Representation of Slavery and the Return of the Black Diaspora,” American
Anthropologist 98 (1996): 290–304. In the postapartheid context, see the description of
“township tours” by Steven Robins, “City Sites,” in Nuttall and Michael, Senses of
Culture, 408–25.
64 On the status of these categories in general and their role in Jewish consciousness in
particular, cf. Dominick LaCapra, “Trauma, Absence, Loss,” Critical Inquiry 25 (1999):
696–730.
65 In their “Trust, Pawnship, and Atlantic History: The Institutional Foundations of the
Old Calabar Slave Trade,” American Historical Review 104 (1999): 333–55, Paul E.
Lovejoy and David Richardson show how African dealers in slaves and British merchants
adapted the local institution of debt bondage, or “pawnship,” as a way of securing credit
(or goods advanced against the delivery of slaves). For a general discussion on human
pawnship in Africa, see Toyin Falola and Paul E. Lovejoy, eds., Pawnship in Africa:
Debt Bondage in Historical Perspective (Boulder, Colo.: Westview Press, 1994).
66 Compare Lucien Taylor, “Créolité Bites. A Conversation with Patrick Chamoiseau,
Raphael‐ Confiant, and Jean Bernabé,” Transition 74 (1998): 124–60, with Peter
Hallward, “Edouard Glissant between the Singular and the Specific,” Yale Journal of
Criticism 11 (1998): 441–64.
67 On these questions, see Daniel Maragnes, “L’identité et le désastre: Origine et
fondation,” in Mémoire juive, mémoire nègre: Deux figures du destin, ed. Roger
Toumson (Châteauneuf‐le‐Rouge, France: Vents des Iles, 1998).
68 Paul Gilroy, “Between Camps: Race and Culture in Postmodernity. An Inaugural
Lecture,” Economy and Society 28 (1999): 183–97.
69 Gilroy, Black Atlantic; and Stuart Hall, “Nihilism in Black America” in Black
Popular Culture, ed. Michele Wallace and Gina Dent (Seattle: Bay Press, 1992).

70 See Howard H. Harriott, “The Evils of Chattel Slavery and the Holocaust: An
Examination of Laurence Thomas’s Vessels of Evil,” International Philosophical
Quarterly 37 (1997): 329–47.
71 John Lonsdale, “The European Scramble and Conquest in African History,” in The
Cambridge History of Africa, vol. 6 (Cambridge: Cambridge University Press, 1981).
72 Cf. Françoise Vergès’s reading of Fanon in “Creole Skin, Black Mask: Fanon and Disavowal,”
Critical Inquiry23 (1997): 578–95.
73 See, e.g., Mkandawire and Soludo, Our Continent, Our Future.
74 Cf., e.g., Ian Smith, The Great Betrayal: The Memoirs of Ian Douglas Smith (London:
Blake, 1997); Eugene De Kock and Jeremy Gordin, A Long Night’s Damage: Working
for the Apartheid State (Saxonwold, South Africa: Contra, 1998); and Antjie Krog,
Country of My Skull (Johannesburg: Random House, 1998). More generally, see Sarah
Nuttall, “Subjectivities of Whiteness,” African Studies Review 44 (2001): 115–40.
75 See R. G. Gregory, South Asians in East Asia: An Economic and Social History,
1890–1980 (Boulder, Colo.: Westview Press, 1993); also Melanie Yap and Dianne Leong
Man, Colour, Confusion, and Concessions: The History of the Chinese in South Africa
(Hong Kong: Hong Kong University Press, 1996); and Peter Mark, “The Evolution of
‘Portuguese’ Identity: Luso‐Africans on the Upper Guinea Coast from the Sixteenth to
the Early Nineteenth Century,” Journal of African History 40 (1999): 173–91.
76 Cf. Africanité du Maghreb, special issue of Africultures 13 (1998); and Afrique noire et
monde arabe: Continuités et ruptures, special issue of Cahiers des sciences humaines 16
(2000).
77 Cf., in another context, Livio Sansone, “The New Blacks from Bahia: Local and
Global in Afro‐Bahia,”Identities 3 (1997): 457–93.
78 See Kwame Arhin, “The Economic Implications of Transformations in Akan
Funeral Rites,” Africa 64 (1994): 307–21; and Sjaak van der Geest, “Funerals for the
Living: Conversations with Elderly People in Kwahu, Ghana,” African Studies Review
43 (2000): 103–29.
79 On these discussions, see Jenny Edkins, “Sovereign Power, Zones of
Indistinction, and the Camp,”Alternatives 25 (2000): 3–25.
80 Cf. Inge Brinkman, “Ways of Death: Accounts of Terror from Angolan Refugees in
Namibia,” Africa 70 (2000): 1–24.
81 See Boubacar Boris Diop, Murambi: Le livre des ossements (Paris: Stock, 2000);
Thierno Monenembo, L’aîné des orphelins (Paris: Seuil, 2000).
82 Here, I draw my inspiration from Daniel Pécaut, “Configurations of Space, Time, and
Subjectivity in a Context of Terror: The Colombian Example,” International Journal of
Politics, Culture, and Society 14 (2000): 129–50.
83 A dimension that we also encounter in autochthonous practices and that monotheistic
religions have only accentuated. See Robin Law, “Human Sacrifice in Pre‐Colonial
West Africa,” African Affairs 34 (1985): 53–87; and, more generally, J. Milbank,
“Stories of Sacrifice: From Wellhausen to Girard,” Theory, Culture, and Society 12
(1995): 15–46.
84 Cf. Achille Mbembe, “At the Edge of the World: Boundaries, Territoriality, and
Sovereignty in Africa,”Public Culture 12 (2000): 259–84.

85 Georges Bataille, La part maudite, précédé de La notion de dépense (Paris: Editions de
Minuit, 1967).
86 On “corpses” and “abjection,” see Julia Kristeva, Powers of Horror: An Essay on
Abjection, trans. Leon S. Roudiez (New York: Columbia University Press, 1982).
87 On the Dionysian character of the process, see Harris Memel‐Fotê, “La fête de
l’homme riche dans le Golfe de Guinée au temps de l’esclavage, XVIIe‐XIXe siècles,”
Cahiers d’études africaines 131 (1993): 363–79.
88 Cf. Achille Mbembe, “Political Imagination in Times of War” (forthcoming).
89 See Ahmadou Kourouma, Allah n’est pas obligé (Paris: Seuil, 2000).
90 On the ethics of sainthood and the ethos of prosperity, see Ruth Marshall‐Fratani
“Prospérité miraculeuse: Pasteurs pentecôtistes et argent de Dieu au Nigéria,” Politique
africaine, no. 82 (June 2001): 24– 44.
91 Cf. Raphael Falco, “Charisma and Tragedy: An Introduction,” Theory, Culture, and
Society 16 (1999): 71–99.
92 Cf. Serguei Alex. Oushakine, “The Quantity of Style: Imaginary Consumption in the
New Russia,” Theory, Culture, and Society 7 (2000): 97–121.
93 See Jean Comaroff and John Comaroff, “Occult Economies and the Violence of
Abstraction: Notes from the South African Postcolony,” American Ethnologist 26
(1999): 279–303.
94 See T. K. Biaya, “Crushing the Pistachio: Eroticism in Senegal and the Art of
Ousmane Ndiaye Dago,” Public Culture 12 (2000): 707–20, and “Les plaisirs de la ville:
Masculinité, féminité et sexualité à Dakar, 1997– 2000,” African Studies Review 44
(2001): 71–85. See also Dominique Malaquais, Anatomie d’une arnaque: Feymen et
feymania au Cameroun, Les études du CERI, no. 77 (Paris: Centre d’Etudes et de
Recherches Internationales, 2001).
95 94.Cf. Carolyn Hamilton, Terrific Majesty (Cambridge: Harvard University Press,
1998).
96 95.See AbdouMaliq Simone, “The Worldling of African Cities,” African Studies
Review 44 (2001): 15–41; Mamadou Diouf, “The Senegalese Murid Trade Diaspora and
the Making of a Vernacular Cosmopolitanism,” Public Culture 12 (2000): 679–702; and
Janet MacGaffey and Rémy Bazenguissa‐Ganga, Congo‐Paris: Transnational Traders
on the Margins of the Law (Oxford: James Currey, 2000).
97 96. Achille Mbembe, On the Postcolony (Berkeley: University of California Press, 2001);
James Ferguson, Expectation of Modernity: Myths and Meanings of Urban Life on the
Zambian Copperbelt (Berkeley: University of California Press, 1999).