مجلة حكمة
اضطهاد النساء - مارلين فري

اضطهاد النساء

الكاتبمارلين فري
ترجمةشهد إسماعيل حسين
مارلين فري
مارلين فري

 

إن اضطهاد المرأة أحد أكثر المفاهيم والاداعاءات أساسية في الفكر النسوي.  إن لفظة “اضطهاد” هي لفظة قوية حتما. قد تولد صدا وقد تولد جذبا وقبولا. إنها كلمة خطرة، كما أنها رائجة بشكل يبعث على القلق والخطر. لقد أسيء استخدامها كثيرا وغالبا لغايات غير نظيفة.

لطالما ارتبط القول بأن النساء مضطهدات بالقول بأن الرجال مضطهدون أيضا. لقد سمعنا بأن الاضطهاد هو قامع لكل من يمارسه ولكل من يقع عليه كذلك. ويحاجج بعض الرجال بعدم مقدرتهم على البكاء كمثال على اضطهادهم. إنه من القاسي، كما أخبرونا، أن يكون المرء رجلا. عندما يتم استخدام الضغوط والاحباطات التي يواجهها الرجل كدليل على أنهم مضطهدون جراء ممارستهم للاضطهاد تمسي مفردة “الاضطهاد” خالية من كل معنى. وتعامل بناء على ذلك كأنها تشمل كل تجربة إنسانية  كالمعاناة والقمع بغض النظر عن السبب أو الدرجة أو النتيجة.

ولمّا تم توظيف هذه الكلمة بهذه الطريقة فإنه متى أنكرنا أن مجموعة ما مضطهدة فإننا نبدو كما لو كنا نضمر أنهم لا يعانون البتة ولا يمتلكون أي مشاعر.  سيتم اتهامنا بعدم التعاطف والحساسية وصولا إلى التعصب. وبالنسبة للنساء، تشكل هذه التهم ترهيبا قويا حيث أنّ الحساسية والتعاطف إحدى الفضائل والميزات التي أوكلت لنا. وإن اعتبرنا الآخرون غير حساسات  فإننا ربما نخاف ألا يكون لفقدان هذه السمات أي تعويض وربما نشك بكوننا نساء حقيقيات. وبهذا يتم إسكاتنا قبل حتى أن نبدأ: لقد نضب معنى وضعنا وقضيتنا و تم جره إلى حيث ميكانزمات  الشعور بالذنب.

ولكن هذا غير معقول البتة. قد يكون البشر تعساء دون تعرضهم للاضطهاد ومن المنطقي أن ننفي عن مجموعة أنها مضطهدة دون أن نلغي وننكر مشاعر أفرادها ومعاناتهم.

يتوجب علينا التفكير بوضوح أكبر حينما يتعلق الموضوع بـ الاضطهاد، والكثير يحول بيننا وبين ذلك. لست بصدد إثبات أن النساء مضطهدات ( وأن الرجال ليسو كذلك) ولكني أريد توضيح ما الذي يعنيه قولنا بأننا مضطهدات. إننا نحتاج هذه الكلمة بالذات، هذا المفهوم. وإننا نريده قاطعا ومؤكدا.

1. ما معنى اضطهاد النساء؟

إن جذر كلمة oppresstion في الإنجليزية هو press بمعنى الضغط. The press of the crowd; pressedinto military service; to press a pair of pants; printing press; press the button. يستخدم الضغط press  للقيام بعملية تسطيح وقولبة الأشياء وتقليصها عبر عصرها لإخراج الزائد من الغازات والسوائل. وأحيانا يكون الشيء المضغوط محصورا بين حواجز مترابطة فيما بينها تعمل على حصر الشيء والتضييق عليه أو منعه من التنقل والحركة. القولبة.. شل الحركة .. التقليص.

وتوفر الخبرة الفعلية للمضطهدين  دليلا  آخرا على ما سبق . إن أكثر سمة  واضحة من سمات حياة المضطهدين هي سمة المأزق المزدوج– المواقف التي تقلَل خياراتها للحد الأدنى أي أن كل  الخيارات تودي  إلى العقوبة أو التقريع أو الحرمان. على سبيل المثال، يتوجب علينا كمضطهدين الابتسام وأن تظل معنوياتنا مرتفعة. وإن امتثلنا لذلك، فإننا نعطي إشارة بالرضا وبقبول وضعنا هذا. لذلك لا ينبغي علينا فعل ذلك،  عندها  ستتم ملاحظتنا آجلا أم عاجلا. إن إذعاننا ورضوخنا يكمن في كوننا غير ملاحَظين أو بتعبير آخر “شفافون”بلا أي موقف ولا أي مساحة. إننا نشارك في عملية مسحنا.

من ناحية أخرى، لا يتوجب علينا الكشف عن أي مرارة أو غضب أو خطر. هذا يعني أننا سنجد على الأقل “صعوبة” في العمل وهذا كاف لأن يكلفنا معيشتنا. وفي حالات أكثر سوءا، أن يرانا الآخرون نشعر بالغضب والمرارة والخطر أمر مقبول كنتيجة لحالات الاغتصاب والضرب والقتل. إننا نحظى بأفضلية اختيار شكل الخطر ودرجة الموت المفضلة لدينا!

مثال آخر: من الشائع في الولايات المتحدة أن النساء الصغيرات في السن خاصة عالقات بين النشاط الجنسي وانعدام النشاط الجنسي. إن كانت المرأة نشطة جنسيا فيمكن أن تتعرض للتقريع أو العقاب لكونها “رخيصة- سهلة”، ليست امرأة ذات مبادئ وقيم وربما نعتت بالعاهرة. قد يكون العقاب على شكل نقد لاذع أو تحقير ووصم بالعار، ويمكن أن يكون على شكل معاملتها كما لو كانت إنسانة رخيصة ومنقادة وقد يصل الأمر إلى ازدرائها من قبل صديقاتها الأكثر تحفظا. ويتوجب عليها أن تكذب وأن تخفي سلوكها عن والديها. عليها أن تتحمل بعض الأخطار كالحمل غير المرغوب فيه ووسائل منع الحمل الخطيرة.

من ناحية أخرى، إن رفضت المرأة متابعة نشاطها الجنسي فسيؤذيها الرجال باستمرار، سيحاولون إقناعها بالرجوع، سيطلبون منها “الاسترخاء” سيتم تهديدها ووصفها “بالباردة, والمتوترة وكارهة الرجال، والعاهرة، وغيرها .” إن كلا الوالدين الذين قد يقلقان من نشاطها الجنسي سيقلقان من انعدام نشاطها لأن ذلك يشير إلى أنها غير محبوبة أو إلى أنها غيرطبيعية[1] جنسيا. وقد يتم وصمها بالسحاقية.

إن تعرضت امرأة للاغتصاب و كانت نشطة جنسيا من قبل فإن أول تفسير سيكون هو أنها أحبت اغتصابها (لأن نشاطها الجنسي يوحي بأنها تحب الجنس) وإن لم تكن نشطة جنسيا فإن الأمر سيفسر على أنها أحبته أيضا ( لأنها “مكبوتة وباردة”) وسواء كانت نشطة أم غير نشطة جنسيا سيفسر الأمر أنها أحبت أن تغتصب وبالطبع، ليس ذلك بالاغتصاب الحقيقي. لا تستطيع الفوز في هذا الجدال أبدا. إنك عالق في هذا المأزق، عالق بين ضغوط ممنهجة.

النساء عالقات في مثل هذا المأزق أيضا، عبر شبكات وحواجز تعرض المرأة للخسارة أو الازدراء أو العقوبة. في حال عملت خارج المنزل أم لم تعمل، مرفهة أم لا، أنجبت أطفالا أم لا، اعتنت بالأطفال أم لا، تزوجت أم لا، بقيت متزوجة أم لا، تمارس الجنس مع الرجال أم سحاقية، كلاهما أم لا شيء منهما. الضرورة الاقتصادية،  أن تعلق المرأة في أماكن عنصرية على أساس العرق أو الجنس ، التحرش الجنسي، والتتمييز الجنسي. الضغوط لتحقيق التوقعات المطلوبة من المرأة، الزوجة، الأم. (في المجتمع ككل وفي الثقافات الإثنية والعرقية الفرعية وفي عقل الفرد نفسه) الاعتماد (جزئيا أم كليا) على الزوج أو العائلة أو الدولة؛ التقيد بأفكار سياسية معينة أو الولاء تجاه الأقليات العرقية أو الإثنية أو ” ضغط مطالب احترام الذات والمسؤوليات الأخرى تجاه الآخرين.

إن كل هذه العوامل تتواجد بشكل متداخل ومعقد، مانعة أو حاظرة كل الخيارات المتاحة. ودائما ما تكون الأشياء الصغيرة هي أكثر ما يعيق المرء عن بلوغ أهدافه.  إن ارتدت المرأة لباسا معينا فإنها ستصبح مشاعا للتفسيرات التي من قبيل ” تستعرض جسدها”، وإن ارتدت بطريقة أخرى ستواجه تفسيرات من قبيل”  لا تهتم بنفسها” “إنها غير أنثوية/ مسترجلة” إن استخدمت إحداهن “لغة قوية” فسيقولون لها أنت “سيدة” أي أن هذا لا يصح. وهذا أكثر ردود الفعل استخداما للرد على الأفكار التي تطرحها بلهجة الخطاب تلك.

إن العيش  كإنسان مضطهد يعني عيش حياة محصورة ومحددة بمجموعة من الحواجز  والقوى غير العرضية وغير القابلة للتجنب؛ ولكنها مرتبطة  ببعضها البعض بطريقة تمسك بحية الفرد وتحصره وتقيد حركته. إنها تجربة الاحتجاز – الحبس – : كل الطرق وكل الاتجاهات محظورة أو مفخخة.

الأقفاص.  كأقفاص الطيور مثلا. إن كنت قريبا جدا من إحدى أسلاك القفص فإنك لن تستطيع رؤية  أي أسلاك أخرى. إن كان قصر النظر هذا يحدد ويقولب مفاهيمك، فإنك ستنظر  لأعلى السلك ولأسفله ولن تكون قادرا على رؤية السبب الذي يجعل الطائر غير قادر على التحليق وقتما وحيثما يشاء. وحتى إن فحصت (مع قصر نظرك) كل سلك من أسلاك القفص على حدى فإنك لم تزل غير قادر على معرفة السبب الذي يجعل الطائر محتجزا ولا يطير إلى حيث يشاء.

لا يمكنك اكتشاف أي ضرر مادي للسلك على الطائر ولا أي ضرر إلا في حالات عرضية للغاية.  أما  إن رجعت بضع خطوات إلى الوراء وتوقفت عن معاينة كل سلك على حدى وأخذت نظرة على القفص ككل، عندها ستستطيع معرفة السبب الذي يمنع الطائر من التحليق، ستعرف ذلك من أول وهلة. ولن يتطلب ذلك ذكاء حادا وفطنة. إنه من الواضح أن الطائر محاط بشبكة من الحدود (الأسلاك) المترابطة. لن يمنع أي سلك على حدى العصفور من التحليق ولكن ترابط هذه الأسلاك والحدود معا سيشكل الجدر القوية أي القفص.

نستطيع الآن استخلاص واحد من الأسباب التي تجعل الاضطهاد صعب الإدراك والملاحظة:  يستطيع المرء دراسة عناصر البنية الاضطهادية دراسة جيدة دون رؤية هذه البنية ككل، ودون القدرة على إدرك أن المرء بصدد زنزانة بداخلها مساجين مقيدي الحركة ومقولبي الحياة. **

إن الإبقاء على هذه الرؤية الميكروسكوبية (قصيرة النظر) يؤدي لتشويش شائع كذلك الذي يتعلق بالتقليد الذي ينص على أنالرجل فتح الباب للمرأة. إن هذا التقليد الشائع في الكثير من الطبقات والأعراق يحير الناس كثيرا، فبعضهم يراه مهينا وبعضهم لا يراه كذلك. تخيل مشهدا يمشي فيه شخصان نحو الباب. يتقدم الرجل فيه بضع خطوات ويفتح الباب. يمسك الرجل الباب ليتيح للمرأة العبور. وبعدها يعبر الرجل. ويغلق الباب خلفهما. وسيقول أحدهم بخبث ” الآن  كيف ستقول النسوة التحرريات المجنونات أن هذا اضطهاد؟” “لقد أزال الرجل العوائق في طريق المرأة لتمشي بكل سهولة.” ولكن لهذا التقليد نمط معين بل أنماط في كل مكان يتم تأديته. على الإنسان أن يتخطى مستوى إدراكه الفردي ليرى الصورة كاملة.

 إن فتح الباب للمرأة هو تظاهر بالمساعدة ولكنها مساعدة خاطئة. ويمكننا استخلاص هذا بملاحظة أن هذا التقليد يتم سواء كان له أي معنى عملي أم ل. حتى العجزة والرجال المثقلين بالأكياس والحاجيات سيفتحون الباب للمرأة التي لا تعاني أي من ذلك. وقد يتصرف الرجل برعونة وبغرابة ليصل إلى الباب أولا. ولا يتحدد الفعل بالكياسة أو الراحة. إن هذه التصرفات عن غير حاجة. حتى فرض “المساعدة” بطريقة مزعجة غالبا ما تكون في مواقف خالية من أي مساعدة عملية فعلية يمكن للرجل تقديمها للمرأة.

إن ما  تواجهه النساء هو رجال يعرضون خدماتهم ومساعدتهم في أوقات تكون في المساعدة غير مطلوبة ونادرا ما يكون هؤلاء الرجال موجودين حقا للمساعدة في مواقف كالتهديد والاعتداء والخوف. لا مساعدة في غسيل الملابس (ملابسه)، لا مساعدة في طباعة تقرير الساعة الرابعة صباحا، لا مساعدة في حل خلافات الأسرة أو الأطفال. لا شيء سوى نصائح من نوع : لا تخرجي مساء، ابقي تابعة لرجلك، وأطيعيه في الفراش.

أما التصرفات النبيلة تلك -كفتح الباب- فهي بلا أي داع عملي حقيقي. إن معناها مجازي ورمزي. إن هذه المساعدات كفتح الباب مفرغة من كل قيمة إلا عندما يتعلق الأمر بمساعد إنسان عاجز، أو مريض أو حامل للكثير من الأكياس والحاجيات.. إلخ. لذا فإن الرسالة التي توصلها هذه التصرفات هي أن المرأة عاجزة. بالفصل بين هذه التصرفات وما قد يفرضه الواقع على ما قد تحتاجه المرأة وما قد لا تحتاجه، فإننا نستخلص أنها تحمل معنى عدم أهمية احتياجات المرأة واهتماماتها وربما لا عقلانية هذه الاحتياجات وهذه الاهتمامات. وأخيرا، إن هذه التصرفات هي تصرفات العبيد تجاه سادتهم قديما، وهذا خادع للمرأة للغاية حيث أنها في الأغلب الأعم من ترعى وتخدم الرجل. إن الرسالة التي توصلها هذه المساعدة (الخاطئة) تعني أن الأنثى كائن غير مستقل. وقد تعني عدم أهمية المرأة إضافة لحملها معاني الازدراء والاحتقار.

لا يمكن للمرء رؤية كل تلك المعاني إن كان فكره منصبا على الحدث وحده بكل خصوصياته وبما يتضمنه من نوايا ودوافع ووعي كل من الرجل والمرأة في تلك اللحظة. يبدو الأمر أحيانا وكأن الناس يتعمدون أن يركزوا النظر على الحدث بعينه حتى لا تعود عيونهم ترى المشهد كاملا. وبأي مقياس، وسواء كان الأمر متعمدا أم لا، يفشل الناس في رؤية الاضطهاد اللاحق بالمرأة نتيجة لفشلهم في رؤية الصورة كاملة ونتيجة لفشلهم في إدراك العناصر الأخرى في الموقف كنظام كامل مترابط يؤثر بعضه في بعض.

وبما أن حالة الطائر المحبوس في قفص هي ظاهرة عيانية، أي تحتاج إلى رؤية الصورة كاملة، فإن الاضطهاد الواقع على المرأة بشتى أشكاله هو كذلك ظاهرة عيانية. وكلاهما لا يمكن إدراكه برؤية قصيرة محدودة. ولكن عندما تبعد قليلا لرؤية الصورة كاملة فإنك ستدرك حتما – إنها شبكة من القوى والحدود المترابطة مع بعضها البعض والتي تستهدف الناس وتحصرهن وتقلصهن وتقولب حياتهن وحياتنا كما نعيشها الآن.

2. الانتماء والاضطهاد

إن صورة القفص ما هي إلا مقاربة لطبيعة ونظام الاضطهاد. وكذلك اختيار من هو داخل هذا القفص وتحليل هذا الاختيار يساعد على انعدام إدراك الاضطهاد الواقع على المرأة.

إنها امرأة، قد تكون مكسيكية أو سوداء أو آسيوية أو مثلية، إنها في النهاية امرأة محاصرة. 

“لم لا أستطيع الذهاب إلى الحديقة، لقد سمحت لجيمي بالذهاب”

“لأن هذا ليس آمنا للفتيات”

“أريد أن أكون سيكرتيرة، لا خياطة.. لا أريد أن أتعلم كيف نصنع الفساتين”

“لا يعمل الزنوج في مثل هذا العمل، تعلمي مهارة تكسبك لقمة العيش”

عندما تتساءل لم تتم محاصرتي بهذا الشكل، لم تتواجد هذه العقبات والحواجز أمامي فإن الإجابة لا علاقة لها بموهبتك الفردية أو مدى أحقيتك، ولا علاقة لها بمهارتك أو فشلك؛ لكنها دوما تتعلق بكونك جزءا من مجموعة أو تصنيف يوصف دوما بكونه “طبيعيا” أو “جسديا”. إن المحاصر والمحبوس في القفص ليس فردا بعينه، إنما مجموعة بكامل أفرادها. وإن كان الفرد مضطهدا فإن هذا يعود لكونه فردا من مجموعة يمارَس عليها التقليص والقولبة بشكل ممنهج. وحتى ندرك أن الفرد مضطهد فإن علينا رؤيته كشخص منتمٍ لمجموعة مصنفة تحت أي بند كان.

وهنالك العديد من الأمور التي تحجب إدراكنا لانتماء الفرد لمجموعة معينة. ويبدو من المنطقي أن يساعد الحبس الجسدي أو العزل (أحد أوجه تقييد المجموعة) على إدراك  وتصنيف هذه المجموعة التي تمارس بحقها هذه الأفعال كجموعة (وحدة واحدة). إن هذا يساعد على رؤية الصورة الكبيرة مما يعزز إدراكنا للاضطهاد الواقع على الأفراد لا بوصفهم أفرادا إنما بوصفهم جزءا من مجموعة. ولكن الحبس الجسدي والعزل الواقع على المجموعات ليسا أمرين شائعين في بنية الاضطهاد. وعندما يتم تفريق وتشتيت مجموعة ما جغرافيا وديموغرافيا فإنها توصف بأنها جماعة محظورة. تتسم حالات الاضطهاد الواقعة على الأفراد بالقليل الذي قد يحفز المرء على رؤية الصورة الكبيرة (رؤية الفرد كجزء من مجموعة أكبر) و يكشف هذا عن وحدة البناء الاضطهادي الممارس على أفراد المجموعة. *

(*الاندماج القسري، في الحقيقة، هو إحدى السياسات المتاحة للمجموعة التى تمارس الاضطهاد في جهودها التي تهدف إلى تقليص وجود أو حتى إبادة مجموعة أخرى. لقد استخدمت الحكومة الأمريكية، على سبيل المثال، هذه الاستراتيجية ضد الهنود الأمريكان (السكان الأصليين).

يؤمن عدد كبير من الرجال والنساء من كل الأعراق والطبقات بأنّ النساء لسن مجموعة مضطهدة وأعتقد أنهم خدعوا بتوزع النساء واستيعاب أنظمة الطقبات والعرق لهن، هذه الأنظمة ذاتها من تنظم الرجال. إن توزع أو تشتت النساء في تلك المنظومات يجعل من الصعب علينا إدراك وجود الأخريات وبالتالي صعوبة إدراك شكل القفص (الاضطهاد) الواقع علينا. إن هذا التوزع والتشتت في أنحاء المنظومات يقسم النساء طبقا للحالة الاقتصادية والعرقية، أي أنه يقسمهن ضد بعضهن البعض عمليا واقتصاديا. إن هذا يدعم فكرة عدم قدرتنا على تمييز الاضطهاد عن طريق: الغيرة أو الاستياء من ميزات الآخرين.

ولتخطي ذلك، علينا إدراك أن المرأة في كل الطبقات والأعراق تعامل “كأقلية”. هنالك دوما مكان مخصص للنساء، لجميع النساء من جميع الأعراق والطبقات. وغالبا ما يعرف هذا القسم عبر الحدود الجغرافية لا عبر وظيفة هذا القسم. غالب ما تكون الوظيفة هي خدمة الرجال، ومزايا الرجال كرجال تحدد من قبلهم، وهذا يتضمن بالطبع حمل وتربية الأطفال. إن تفاصيل هذه الخدمة وشروطها تختلف بين الأعراق والطبقات، لأن رغبات وتفضيلات الرجال تختلف من عرق لعرق ومن طبقة لطبقة؛ فهم يدركون رغباتهم بشكل مختلف ويعبرون عنها بطرق ولهجات ولغات مختلفة. ولكن لا تزال هنالك بعض الثوابت.

وسواء كان الأمر في بيت/عمل الطبقة الدنيا أو الوسطى أو العليا فإن عمل المرأة الخدمي غالبا ما يتضمن الخدمة الشخصية (الخدمة والتنظيف، الطبخ، السكرتاريا الشخصية) *الخدمات الجنسية وتتضمن (تلبية رغباته الجنسية والحمل بأطفاله وتتضمن أيضا أن تكون لطيفة و”جذابة”..إلخ) وخدمات “الإيجو” (التشجيع، الدعم، الإطراء، الاهتمام) يتسم عمل المرأة الخدمي بذلك المزيج القاتل من المسؤولية والضعف: إننا مسؤولات عن توفير كل ما هو جيد للرجل وللأطفال وبكل طريقة ممكنة على الرغم من أننا لا نملك سلطة تذكر في هذا الأمر. إن تفاصيل هذه التجربة (الخدمية- العبودية) هي تفاصيل متعلقة بالتجربة الذاتية والخصوصيات المحلية. حيث تختلف هذه التفاصيل بين الطبقات الاقتصادية والتقاليد الإثنية والعرقية المختلفة إضافة إلى شخصيات الرجال. كذلك الأمر بالنسبة إلى القوى التي تجبرنا على التسامح مع هذه الأوضاع كنساء بمختلف أنماط الحياة والعمل.

(*قد لا تقوم المرأة في الطبقات العليا بكل هذه الأعمال ولكنها لا تزال مسؤولة عن توظيف العاملات والإشراف عليهن. ففي النهاية، تبقى هذه الأعمال من مسؤولية المرأة).

لا يعني كل هذا أن المرأة عاجزة عجزا تاما عن إرضاء وتلبية رغباتها، ولا يعني أنه وفي بعض الحالات تتداخل رغبات المرأة المستقلة مع رغبات الرجل. ولكن في مختلف الطبقات والأعراق لا يقوم الرجل بخدمة المرأة كما تقوم المرأة بخدمة الرجل. قد تفهم عبارة “مجال المرأة” على أنها “قسم الخدمة” آخذين العبارة الأخيرة بشكل أوسع وأعمق من معناها في الاقتصاد.

3. البناء الاجتماعي والاضطهاد

ويبدو أن الأمر حالة إنسانية، حيث أن جميعنا يعاني من الإحباطات والقيود بشكل أو بآخر، كلنا نواجه معوقات وكلنا نعاني ونتأثر بطرق مختلفة. وبما أننا كائنات اجتماعية فإن أغلب سلوكاتنا ونشاطاتنا محكومة بما أهو أكثر من ميولنا الفردي  وظروفنا المحيطة. فلا يوجد إنسان خارج أسوار هذا البناء الاجتماعي ولا توجد السعادة (ربما) في الحرية من أسوار هذا البناء. يتكون هذا البناء من حدود وحواجز. وداخل البناء ككل، قد تكون بعض التغيرات ممكنة وقد لا يكون بعضها الآخر. إن بحث أحدهم عن عذر يتملص من خلاله من كلمة “الاضطهاد” فإنه بإمكانه استخدام حقيقة البناء الاجتماعي والقول بأن الكل مضطهد. ولكن  إن رغب المرء بتوضيح ماهية الاضطهاد وما يعد اضطهادا وما لا يعد، فإنه يتوجب عليه الفصل بين أنواع المعاناة والأذى والقيود وأن يتعرف على عناصر الاضطهاد من غيرها.

وكما قلت سابقا: إن أراد المرء معرفة وتحديد ما إذا كان الموقف أو الأذى أو القيد جزءا من اضطهاد واقع على شخص، فإن عليه بحث الموقف في سياقه لمعرفة ما إذا كان عنصرا من عناصر بناء اضطهادي.على الفرد معرفة إن كان الموقف جزءا بنى وقوى وحدود مترابطة تستهدف مجموعة معينة من الناس. على الفرد معرفة كيف تعمل هذه القوى وهذه الحواجز وفي مصلحة من تصب. وكما نستنتج من اطلاعنا على الأمثلة والنماذج، ليس كل ما يحبط ويقيد الفرد هو أمر اضطهادي بالضرورة وليس كل أذى أو دمار يصب في البناء الاضطهادي.

إن كُسرت ساق شاب أبيض ثري يعتاش من استثماراته في مناجم الماس في جنوب إفريقيا، وكان ذلك أثناء حادث تزلج وانتظر متألما لعدة ساعات حتى تم إنقاذه فإننا نعلم أنه خلال تلك المدة كان يتألم ويعاني. ولكن ألمه مهما طال سينتهي، سيتم تجبير قدمه على يد أمهر الجراحين، وسرعان ما يكمل علاجه في جناح فخم، يحتسي شراب الشيفاس الملكي. لا شيء في هذا الموقف يتعلق ببناء متكامل من الحدود والقوى. إنه فرد من مجموعة تمارس الاضطهاد على غيرها ولم يصبح مضطهدا لأنه أصيب وتألم. وحتى إن كان الإهمال المقصود هو سبب الحادث فإنه يمكننا إلقاء اللوم على الشخص المهمل وهو حتما مخطئ ولكنه ليس جزءا من بنية اضطهادية.

خذ كمثال تقيد سيارتك بمسرب واحد. لا شك أن ذلك يكون محبطا للغاية في بعض الأوقات، خصوصا عندما لا يكاد يتحرك مسربك بينما المسرب الآخر فارغ. هنالك بعض الأوقات التي يكون فيها الالتزام بهذا النظام ذو عواقب وخيمة بكل تأكيد. ولكن التقيد بالمسرب أمر ينطبق علينا جميعا وفي جميع الأوقات. إن التقيد هنا مصمم لخدمتنا، إنه مصمم لاستمرار حركتنا لا لإيقافها. إن تعليمات السير هي تنظيمات وقواعد وحدود سيسعد جميعنا بتطبيقها لأننا نعلم أن غيرنا سيطبقها أيضا. إنها جزء من بنية تنظم سلوكنا، فهي لا تقلصنا ولا تحد منا. إنها موضوعة لحمايتنا وحماية حركتنا المستمرة.

مثال آخر: إن حدود أحياء الأقليات العنصرية في مدينة أمريكية مصممة لإبقاء البيض خارجا والأقليات داخلا. قد يشعر مواطن أبيض بالإحباط أو الحرمان لأنه لا يستطيع التجول في حي الأقليات والتمتع بالنكهة الغريبة لهذه الثقافة المختلفة، أو لأنه لا يستطيع التسوق من محلات المساومات في ذلك الحي. في الحقيقة، إن وجود أحياء الأقليات المبنية على الفصل العنصري تحرم الفرد الأبيض من المعرفة وتؤذي شخصيته بما تغذيه من مشاعر التفوق غير المبررة. ولكن هذا لا يجعل الفرد الأبيض فردا من عرق مضطهد، أو فردا يتم اضطهاده بناء على عرقه.

على المرء النظر إلى الحاجز. إن الحاجز يحد من نشاطات المجموعتين الواقعتين على طرفيه ( على الرغم من اختلاف درجة هذا الحد) ولكن الحاجز عبارة فعل مخطط ومقصود من قبل البيض لأغراض تنفع البيض أيضا؛ لحماية وضمان الأفضليات التي يتمتع بها البيض عموما كأفراد من المجموعة المسيطرة. وعلى الرغم من وجود بعض العواقب السيئة التي تلحق بالبيض جراء وجود هذ الحاجز، إلا أن هذا الحاجز لا يرتبط بأي حواجز أخرى مشكلين بذلك بنية اضطهادية للبيض، بل على العكس تماما. إنه جزء من بنية تضطهد القابعين في الأحياء العنصرية -وبشكل مقصود من قبل البيض- تحمي هذه الحواجز البيض ومنافعهم كما تقتضي الثقافة البيضاء المسيطرة. إن هذا الحاجز لا يضطهد البيض على الرغم من أنه يمنعهم ويحدهم. 

إن للحدود معان مختلفة لأولئك الذين على الطرف الآخر، على الرغم من أنها حدود تستهدف كلا الجانبين. إن الجدران المادية للسجن لا تفتح لمن هم خارجها وتسمح لهم بالدخول بل تقوم بحبس من هم بالداخل. بالنسبة لمن هم بالداخل فإن الجدران تعني الحد والحصر والتقييد ولكنها تعني الحماية  من الخطر والتهديد عبر إيقاف ما قد يسببه المسجونون من أذى وقلق. إن مجموعة الحواجز والقيود والاقتصادية التي تهدف لفصل مجموعتين قد تكون مؤلمة لكليهما ولكنها حتما تعني القيد لواحدة والحرية وفرص التوسع لأخرى.

إن قسم الخدمة الخاص بالزوجات/الأمهات/ المساعدات/ الفتيات هو قسم محصور بالنساء ولا تشكل حدوده للنساء حاجزا من الخروج فحسب إنما حاجزا لمنع الرجال من الدخول أيضا. وقد يعيش الرجال هذه التجربة فقد يشعرون بأن هذا الحاجز يقيد خطواتهم ونشطاتهم وخياراتهم في نمط الحياة. إنهم يعتقدون أن الحياة البسيطة (الخالية من التوتر والغربة والعمل الشاق) حياة بعيدة عنهم لن يلبثوا حتى يعلنوا أن “قواعد الجنس” تضطهدهم.

ولكن الحاجز مصمم وقائم من قبل الرجال ولمصلحة الرجال. ويتشكل هذا الحاجز من قوى ثقافية واقتصادية وضغوطات قائمة في ثقافة واقتصاد يحكمها الرجل في الأساس. في أي مستوى اقتصادي أو عرقي وإثني وحتى في أيدولوجيات التحرير-العمل فيها ما يبقي الثقافة المحلية والاقتصاد تحت سيطرة الذكور.*

(*بالطبع توجد بعض التعقيدات المتعلقة بالعرق والطبقة. إن سياسات الرجولة العنيفة و “الرجولة السوداء” تخدم الرجال اللاتين والسود اقتصاديا أكثر مما تخدم النساء اللاتينيات والسود، ولكن هذه السياسات، بالنسبة لي، تصب في النهاية في مصلحة الرجل الأبيض بإبقاء الاقتصاد الأكبر تحت سيطرته).

إن الحواجز التي تفصل محيط النساء غالبا ما يقيمها الرجال لمصلحة الرجال. وغالبا ما يستفيد الرجال حقا من وجود مثل هذه الحواجز حتى أولئك الذين يشتكون من وجودها يستفيدون. إن هذا الحاجز يحمي تصنيفه كرجل، ككائن متفوق كصاحب إمكانية الوصول الجنسي لأنثى واحدة أو عدة إناث. إنه يحمي ما يمكن وصفه بالمواطنة الخاصة، وهي أنه (الرجل)  فوق إناث طبقته الاقتصادية وعرقه، دخله المالي أعلى، وضعه في العمل أفضل. حتى أنه يفضل البقاء عاطلا عن العمل على أن يقوم ب”أعمال النساء”

إن تأثر نشاط الفرد وحياته بنوع ما من القوى أو الحواجز فإننا قد لا نخلص في النهاية إلى القول بأن هذا الشخص مضطهد فقط لأنه واجه بضعة عقبات ولا لأنه ما واجهه محبط ومؤلم بالنسبة له  في ذلك الوقت ولا لأن الحواجز أو العقبات أو القوى التي تعرض لها الشخص تهدف إلى حرمانه من شيء قيم. على المرء النظر إلى الحاجز أو القوى وإجابة الأسئلة التي تدور حولها. من الذي أقام هذا الحاجز؟ لمصلحة من هذا الحاجز موجود؟ هل هو جزء من بنية أكبر تهدف لتقييد وحصر مجموعة ما؟ هل الفرد عضو من هذه المجموعة المقيدة؟ يواجه الفرد العديد من الحواجز والعقبات وقد تكون جزءا من بنية اضطهاية وقد لا تكون. إن كانت كذلك، فإما أن يكون الفرد مضطهَدا أو يمارس الاضطهاد على غيره. ولا يمكننا الجزم بذلك عبر  شكوى الفرد أو عدمها.

4. القيود المفروضة على المرأة

إن العديد من القيود والمحددات تتم مراقبتها داخليا، إنها جزء من عملية تكيفنا مع المتطلبات والتوقعات المفروضة من قبل احتياجات الآخرين وأذواقهم. ويخطر في بالي عدة أمور كلغة جسد المراة التي تميل لأن تكون “منكمشة”، الخطوات الصغيرة وضبط التعبير العاطفي عند الرجال (ما عدا الغضب) ما الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الأمور، ومن يفرض العقوبات على من يتحرر من هذه الأشياء؟ ما هي العوائد من مثل هذه التصرفات؟

هل يمكن للرجال البكاء؟ نعم، بصحبة النساء. إن لم يستطع الرجل البكاء فهذا لأنه بصحبة رجل. فالرجل لا المرأة من يفرض هذا القيد. ولا يفرض الرجال هذا القيد فحسب بل يجعلونه أمرا قيما يستحق المكافأة. إن الرجل الذي يسلك سلوكا صارما وقاسيا (كل السلوكات التي تدل على القوة والحصانة) فإنه يصنف نفسه كواحد من المجتمع الذكوري كما يتم تقديره من قبل أقرانه. وبالتالي، يضمن الاستمرار في هذا السلوك احترام الذات عند الرجل. إن الأمر جيد دامه يشعر بالرضى عن نفسه. إن وجود هذا القيد داخل حياة الرجال كمتطلب اجتماعي يجعل فقدانه مؤثرا كبيرا على قبولهم في المجتمع واحترامهم لذاتهم. لذا فإنه من المفيد لهم الاستمرار في هذا السلوك.

وعلى العكس من ذلك هنالك وضعيات الجسد المنكمشة والخطوات الصغيرة للنساء. يمكن للمرأة التحرر من هذا القيد في حضرة نساء أخريات ولكن، غالبا ما يكون التحرر من ذلك شبه مستحيل في حضرة الرجال*. وكما هو الحال مع ضبط التعبير العاطفي، فإن لغة الجسد المنكمشة قيد   يفرضه الرجل. ولكن على العكس من ضبط العاطفة لدى الرجال، القيود الجسدية على المرأة لا يتم تقديرها. ولكن ما العائد منها؟ الاحترام والقبول؟ لا. إنهم يسخرون منا ويحاكموننا على خطواتنا “المنمقة”تلك.

إننا نبدو سخيفات وضعيفات وغير مستحقات ويتم ازدراؤنا بعمق. إن هذا السلوك يخفض من احترامنا لذاتنا. إنه لا يعود علينا بالنفع. إن هذا السلوك هو جزء من شبكة من السلوكات الأخرى التي نقوم بممارستها لإيصال فكرة أننا برتبة أدنى، وبلا قدرة على الدفاع عن سلامتنا الجسدية والأخلاقية. إنه أمر مهين، كما أنه جزء من نمط أكبر من الإهانة.

تتضمن السلوكات المقبولة لكلا الرجال  والنساء أمورا سخيفة وقد تكون مؤذية. ولكن الآثار الاجتماعية مختلفة تماما. إن القيود المتعلقة بالمرأة هي جزء من نظام يضطهد المرأة. والقيود المتعلقة بالرجل هي جزء من نظام يضطهد المرأة أيضا.

(*Cf., Let’s Take Back OUT Space: “Female” and “Male ” Body Language as a Result of Patriarchal Structures, by Marianne Wex (Frauenliteratureverlag Hermine Fees, West Germany, 1979), especially p. 173. إن هذا الكتاب الرائع هو عبارة عن آلاف الصور لنساء ورجال في الأماكن العامة، جالسين أو واقفين أو مستلقين. وتوضح الصور فروقا جوهرية بين لغة الجسد عند المرأة وعند الرجل). 

5. الفرد والمجموعة واضطهاد النساء

يتعرض الفرد للضغوط الاضهادية نتيجة كونه عضوا من مجموعة أو تصنيف ما.  وفي الحقيقة، إن أغلب معاناة وإحباط الفرد تقع على عاتق كونه فردا من مجموعة أو تصنيف. وفي الحالة التي ندرسها الآن، هذه المجموعة والتصنيف هو “النساء”. كوني امرأة هو سبب في عدم حصولي على وظيفة أفضل. كوني امرأة يجعلني أكثر عرضة لأن أكون ضحية اعتداء أو تحرش جنسي. كوني امرأة يحد من قدرتي على التعبير عن غضبي أو انفعالي. إن كانت المرأة تحظى بقوة اقتصادية وسياسية ضئيلة، أو إن كانت تحقق أقل مما تريد حقا تحقيقه فلإن السبب الرئيس غالبا ما يكون لأنها “امرأة”. من أي طبقة اقتصادية ومن أي عرق، كونك امرأة مرتبط ارتباط وثيق مع الحرمان والانتقاص الذي تعانينه مهما كبر أو صغر.

ولا يعاني الرجال من أي شيء من هذا القبيل. فببساطة، أن تكون رجلا لا يعقيك عن الحصول على وظيفة أفضل. مهما تعرض الرجل للإيذاء أو الاعتداء فإنه لا يتم تصنيفه كضيحة. أن  يكون المرء رجلا ليس سببا يدفعه لابتلاع غضبه والتعبير عنه بشكل معكوس تماما. إن كان الرجل لا يحظى بقوة اقتصادية وسياسية، أو إن كان يحقق أقل مما يريد حقا تحقيقه فلن يكون السبب أنه “رجل”. كونه رجلا هي “ميزة ” له حتى وإن كان العرق أو الطبقة أو العمر أو الإعاقة ضده.

يتم اضطهاد النساء ، كنساء. يتم اضطهاد أفراد مجموعات عرقية أو طبقية ما ، رجالا ونساء لأنهم أفراد من تلك المجموعات. ولكن لا يتم اضطهاد الرجال كرجال.

 

أليس غريبا كيف يمكن للمرء أن يخلط ويتشوش في مثل هذا الأمر البسيط للغاية؟


 

[1] قد يقصد بتعبير “طبيعية جنسيا”  السوية الجنسية. ولكننا آثرنا ترجمتها كما هي تجنبا للجدل القائم حول المثلية/ السوية الجنسية. (المترجم)

*(لقد نشر هذا المقال كجزء من كتاب مارلين فري Politics of Reality: Essays in Feminist Theory الصادر عام 1983)