مجلة حكمة
كانتور

كانتور  واللاّنهاية

الكاتبجورجيو فينتوري
ترجمةعمران دلول

الملخَص: نراجع في هذا المقال إسهام كانتور في إنشاء نظرية لللانهاية, حيث نقدم ونناقش الانجازات التقنية والأفكار الفلسفية التي دفعت كانتور لابتداع نظرية المجموعات وجعلها مقبولة.

مقدمة

إنّ تاريخ اللانهاية قديم قدم الفكر البشري، ولطالما كانت اللاَنهاية بوجوهها المتعددة تُذهل وتُخيف وتتحدى ألمع العقول. يبيّن الارتباط الوثيق ما بين اللانهاية والمجالات المختلفة للمعرفة البشرية المحاولات المختلفة، والتي عادةً ما كانت مُحبِطة، لجعل هذا المفهوم منطقياً. وفي الجهد المبذول للسيطرة على هاوية اللانهاية المخيفة، تمَ تقديم العديد من الإسهامات للفلسفة والدين والتصوف والأدب والعلم.

وبطبيعة الحال، فإنّ المحاولة الأصغر لتحقيق الوحدة بين هذه الاسهامات الكثيرة في تاريخ الثقافة الانسانية لن ترقى إلى مستوى الأفكار والمنظورات غير المتجانسة التي حفزت العديد من العقول المبدعة والتي سادت هذه القصة. على الرغم من ارتباط اللانهاية ارتباطاً وثيقاً بالتطور الثقافي العام، إلاَ أن تاريخها سهل التتبع والوصف. علاوةً على ذلك، لقد كان جزءاً كبيراً من قصة اللانهاية متروكاً بأمان في فترة ما قبل التاريخ لأنه تم تجنب المواجهة المباشرة مع اللانهاية حتى وقتٍ قريب جداً. في واقع الحال، لقد تم قبول اللانهاية فعلياً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولجعل هذا العمل أكثر إتقاناً فقد أُسس بطله الرئيسي في رجل واحد وهو جورج كانتور الذي خطا خطى برومينثوس مسلطاً الضوء على التحليل الرياضي لللانهاية. يُعتبر تطوير الأفكار أكثر تعقيداً أكثر من التبسيط اللازم الذي يديره التاريخ وهناك أسباب فلسفية للقول أنّ نظرية اللانهاية هذه لم تُولد في عقل كانتور مثل أثينا من زيوس. لقد وُصف بدقة في [9] وجود بيئة ثقافية مثالية مواتية جنباً إلى جنب مع مساهمات ديدكند وريمان والتي مهدت الطريق لقبول اللانهاية وإدخال رموز ومفاهيم ضمن الممارسة الرياضية حيث تطلّب تبريرها الكامل الاعتراف باللانهاية كمفهوم رياضي مناسب، إلاّ هناك فارقاً واضحاً ما بين الاعتراف النظري والقبول العملي ولهذا السبب فإنه يمكننا أن نعتبر بكل ثقة بأنّ كانتور لاعب رئيسي في ابتداع نظرية رياضية لللانهاية. لقد فتحت اكتشافاته والأمور التي قام بالربط فيما بينها عصراً جديداً للرياضيات والذي لم تُعتبر اللانهاية فيه مجرد أسلوب للكلام  فقط بل أصبحت بسرعة الجزء المركزي في الرياضيات حيث فيه الجانب المسلماتي، أي نظرية المجموعات، يمثّل لغةً مشتركةً في المجتمع الرياضي محققةً بذلك حلم لايبنز. إنّ الثورة ذات الطابع المتعلق بكوبرنيكوس سنتحدث عنها في القسم الأول حيث أنها مراجعة قصيرة للمفهوم الأساسي للتاريخ الكوبرنيكاني وفي القسم الثاني، نقدم إسهام كانتور في وضع نظرية لللانهاية ، وفي القسم الثالث نقدم مزيداً من وجهات النظر الفلسفية بخصوص رؤية كانتور وتبريره لللانهاية كما سنضع أفكار كانتور في سياق أسس الرياضيات في نهاية القرن التاسع عشر.

1- اللانهاية في الرياضيات

احتلّ مفهوم اللانهاية، سواءً علناً أم ضمنياً، موقع القلب في الكثير من النقاش الفلسفي في العصر اليوناني القديم، فقد تم مناقشة وتصنيف شكلين من اللانهاية وهذا التمايز سيصمد إلى كانتور. باتباع منطق أرسطو فإنّ اللانهاية يُمكن أن تُفهم ضمنياً (بشكلٍ كامن) أو فعلياً.

اللانهاية الكامنة يُفهم منها اللامحدودية، أي أنّ شيئاً ما لانهائي بشكلٍ كامن إذا كان ذو حجم قابل للتوسع ضمن عملية لا تتوقف أو تنتهي. يمكن النظر للأعداد الطبيعية كتشكيلة لانهائية كامنة من الأعداد لأنَ إضافة العدد واحد سيُفضي إلى أعداد أكبر فأكبر. بالطبع، من التعريف، فإنّ عملية تكوين تشكيلة لانهاية كامنة لن تنتهي أبداً لكن إن تجردنا من هذه العملية وتأملنا فقط النتائج من هذه العملية ، أي الاجمالي اللانهائي الكامل من الأشياء الناجمة من هذه العملية، فسنصل إلى مفهوم اللانهاية الفعلية. إنّ تشكيلة جميع الأعداد الطبيعية المبنية من خلال عملية اللاحق (التالي) تُعتبر تشكيلة كلية كاملة حيث يُمكن النظر إليها كمثال عن التشكيلة اللانهائية الفعلية. يُفضي هذا التمييز إلى انقسام آخر، يغلب عليه الطابع الفلسفي، ضمن مجال فهمنا لللانهاية، فهي طابع مزدوج مقصود وتوسعي. في الحقيقة، عند النظر للأعداد الطبيعية كعملية فإنه يمكننا وصفها على أنها تشكيلة من الأعداد ناتجة عن عملية تكرار لإضافة الواحد ابتداء من الصفر. بعبارة أخرى، يمكن الحصول على الأعداد الطبيعية بشكل مقصود عن طريق إعطاء القواعد التي تسمح لنا بتكوين هذه التشكيلة، لكن يمكن الحصول عليها بشكلٍ توسعي من خلال تسمية الكائنات التي تكون  ، أي الأعداد الطبيعية. ففي حين أنّ اللانهاية الكامنة هي مكوّن أساسي لأي شكل في الرياضيات حيث يمكن أن تُختزل إلى الحساب والهندسة[1]،إلا أنّ الخطوة اللازمة للعد إلى اللانهاية الفعلية هي واحدة من الأمور التي تطرح صعوبات نظرية. فبأيّ معنىً يمكن فهم الكلية اللانهائية كوحدة مكتملة؟ يبدو أنّ التمييز مابين الواحد والكثير يغدو ضبابياً عند الوصول لللانهاية. أضف إلى ذلك، إنَ  أصول الرياضيات الموجهة عملياً لا يمكنها أن تقدم أمثلةً لملء هذه الفجوة المفهومية اللازمة للانتقال من اللانهاية الكامنة للفعلية. على الرغم من أَنّ فهماً كاملاً لموقف أرسطو لايزال موضع جدل [7,16,14] إلاَ أنّ تأثير فلسفته كان موجوداً في تحريم اللانهاية الفعلية ذلك لأنها تعتبر خارج نطاق الفهم البشري. لقد أثّرت هذه الخلفية الثقافية جزئياً لمدة ألفي عام معرقلةً بذلك المعالجة الرياضية لللانهاية الفعلية. إضافة للاستثناءات النادرة مثل القديس اوغستين ولايبنز فإنّ اللانهاية الفعلية لم تتلق كلمات تقييم حيث أنه قد أُعتبر وجود تشكيلات لانهائية فعلية متناقضة أو ببساطة لامعنى لها ذلك لأنّ اللانهاية صفة عامة للرب أو تختص بصفاته والعقل البشري المحدود غير قادر على تجاوز محدوديته في فهم اللانهاية. ورغم ذلك فقد كتب غاوس عام 1831 في رسالةٍ إلى هنريك شوماخير:

 " إنني أحتج ضد كل استخدام للانهاية ككيان مكتمل ذلك أنه أمرُ غير مسموح به في الرياضيات. إنّ اللانهاية مجرد أسلوب للتعبير عن المحدود"

تمثل هذه الكلمات موقفاً عاماً أقر به كانط في مؤلفه “Cite of Pure Reason” واضعاً اللانهاية من بين تناقضات العلة المنطقية[2].

إنَ حاجة غاوس للتحدث رسمياً ضد اللانهاية قد تفسر من خلال التحول الثقافي الذي مهد الطريق للنصر الذي تمّ في أواخر القرن التاسع عشر ، وعلى الرغم من أنّ اللانهاية لازالت في شكلها الكامن إلاّ أنها أصبحت ذات معنى في رياضيات العصر الحديث ذلك عندما أصبح تحليل اللامتناهيات في الصغر والمفاهيم المرتبطة بالنهاية أدواتٍ أساسية من تطبيقات الرياضيات في الطبيعة.

لقد كرّس علماء رياضيات القرن التاسع عشر جهودهم بدافع من الرغبة في فهم أفضل لمثل هذه الأدوات المثمرة والتي يُطلق عليها الآن بأساسيات التحليل وغايتهم تحرير التفاضل من التبرير الهندسي. هذه الدراسات لم تكتفِ فقط بظهور تعريف  في التفاضل بل بانعكاس نظري ناضج وعميق لتعريف وطبيعة المستقيم الحقيقي. وفي هذا السياق حصل كانتور على أولى نتائجه الأساسية. لقد وُلدت نظرية اللانهاية الفعلية في المقال المنشور المنعون بـ “حول خاصية الأعداد الحقيقية الجبرية[2] ” عام 1874. وفي هذا المقال، وعلى الرغم من أنه لم يُحدث ضجةً كبيرة، إلاّ أنّ كانتور قد برهن على مايُطلق عليه الآن بنظرية كانتور والتي تنص على أنّ ” رئيسي الأعداد الحقيقية أكبر تماماً من رئيسي الأعداد الطبيعية”[3].

2-نظرية كانتور المتعلقة باللاّنهاية

إنّ الشكل الذي ظهرت به نظرية كانتور لأول مرة في المقال المنشور عام 1871 لم يكن المناقشة القطرية والتي أصبحت السمة المميزة لإسهام كانتور في نظرية اللانهاية، بل كانت استخداماً لنظرية بولزانو-فايرشتراس[4]. فقد بيّن أنّ أية عملية عد للأعداد الحقيقية بأدلة مأخوذة من الأعداد الطبيعية سيؤول إلى إيجاد عدد حقيقي جديد لا ينتمي للتعداد السابق. في الحقيقة، إذا أُعطينا مجالاً حقيقياً  فهناك حالتان:

الأولى: لدينا عددُ منتهٍ فقط من التعداد السابق واقع في هذا المجال وذلك نجد المطلوب[5].

الحالة الثانية: هناك عددُ لانهائي من هذا التعداد واقع في المجال السابق. في هذه الحالة هذه الأعداد تحدد أسرة قابلة للعد من المجالات المتداخلة والمغلقة والتي يمكن عندها تطبيق نظرية بولزانو-فايرشتراس[6].

2.1– مفهوم القوّة

إنّ المكون الرئيسي للصياغة المعاصرة لنظرية كانتور هو مفهوم القوة أي الرئيسي. لم يظهر مفهوم أنّ لشيء “نفس العدد من العناصر” إلاّ في العام 1878 في المقال ذو العنوان” إسهام في نظرية المنطويات” حيث عرَفه كانتور بدلالة التقابل واحد لواحد. ونعبّر عن ذلك رياضياً بالقول أنّ لمجموعتين  نفس الرئيسي أو القوة إذا وُجد تابع تقابل[7]  ونعبّر عن ذلك رمزياً بالشكل: . وعلى الرغم من أنّ هذا التعريف يبدو مألوفاً لدينا اليوم، إلاَ لأن هذه النقلة قد أعُتبرت تقدماً لنقدٍ طويل لللانهاية نظراً لأنها تؤول إلى نتائج تناقض الحدْس حيث أنها تُقرّ بصحة التماثل في الرئيسي من خلال التوابع التقابلية. في العام 1863 تناول غاليليو مسألة أنّ أكبر أو أصغر لايُمكن أن تُطبق في حالة المقادير اللانهائية لأنه يوجد مربعات[8] بعدد مماثل للأعداد الطبيعية وهذا يتناقض مع حقيقة أنّ مجموعة المربعات محتواة تماماً في مجموعة الأعداد الطبيعية ولذلك فقد طرح كانتور في صميم نظريته عن اللانهاية مفهوم اللانهاية الذي يعتبر أنّ ملاحظة غاليليو ليست متناقضة. هذا الموقف كان له أنصار، حيث عرَف فرديج الأعداد الطبيعية من خلال مفهوم أنها ” في تقابل مع” ([10] القسم 63) واقترح ديدكند ([8]) تعريف اللانهاية من خلال مجموعة جزئية محتواة تماماً فيها[9]. اللافت للنظر أنّ ديدكند عرّف المنتهي من خلال أنه لايحقق معياره السابق بخصوص غير المنتهي عاكساً بذلك الترتيب المفاهيمي للأولوية مابين المنتهي وغير المنتهي[10] .

إنّ مفهوم الرئيسي وعلى الرغم من أنه يستند إلى قبول خصائص تناقض الحدْس لللانهاية إلاَ أنه قد أتضح أنه يتناسب بشكلٍ جميل مع تفسيراته الموافقة للحدْس. بدايةً يمكن تعريف الترتيب بين الرئيسيات بالقول أنّ  إذا وُجد تابع متباين من  إلى .

و  إذا كان  و لم يوجد أي تابع تقابل من  إلى .

إنّ هذا التعريف يضمن المحافظة على المقادير. في الحقيقة إنّ العلاقة ( ) ليست فقط انعكاسية ومتعدية بل تتصف بميزة هامة تحمل إسم Bernstein-Schroder كمايلي: إذا كان  و  فإنّ ، أي أنّ ( ) تخالفية.

أضف إلى ذلك، لقد بيّن كانتور أنّ الرئيسيات يمكن أن تُعمم عمليات المقادير المنتهية ذلك لأنّ عمليات الجمع والضرب والرفع للأس يمكن أن تُعرّف كمايلي:

حيث  يمثل مجموعة كل التوابع من  إلى .

إنّ هذه العمليات يمكنها فعلاً أن تعمم العمليات الحسابية المعرفة على الأعداد الحقيقية إلى رئيسيات كيفية وذلك لأنه إذا كانت  مجموعة مؤلفة من عنصر و  مجموعة مؤلفة من  عنصر فإننا سنجد أنّ  مؤلفة من  عنصروكذلك ، أي مجموعة كل التوابع من  إلى  لها  عنصراً و المجموعة  لها  عنصر. بعبارة أخرى، يبدو واضحاً أنّ مفهوم الرئيسي ملائم مادياً للعب دورٍ في قياس الحجم بشكلٍ يوسع المفهوم المعروف للمقدار المنتهي.

2.2 مسألة الاستمرارية

بعد أن أصبح مفهوم القوة بمتناول يدنا فإنه يمكننا أن نعبر عن أمرٍ أثار قلق كانتور والذي ناقشه في نهايته مقالته المنشورة عام 1874 حيث ستُدعى بمسألة الاستمرارية. بما أنّ رئيسي الأعداد الطبيعية أقل من رئيسي الأعداد الحقيقية فهل من الممكن أن تتوضع رئيسيات لانهائية لمجموعات جزئية حقيقية مابين  و  ؟ لقد اعتقد كانتور أن الجواب على هذه المسألة سيكون بالنفي فقد أطلق على هذه القضية بفرضية الاستمرارية (CH) وبشكلٍ دقيق نصيغها كمايلي: إذا كانت  مجموعةً لانهائيةً ما فعندئذٍ هناك حالتان فقط: إما  أو .[11] ليس فقط كانتور من أمضى كثيراً من حياته في إثبات ( وأحياناً دحض) (CH)، بل إنّ قسماً كبيراً من التاريخ الجزئي لنظرية المجموعات قد انقاد لمعرفة فيما إذا كانت( (CH صحيحة أم لا بشكلٍ دقيق.

يمكن تصنيف الاستراتيجات المتبعة لمواجهة هذه المسألة إلى فئتين عامتين وأمثلة لأمورٍ وُجدت مسبقاً في عمل كانتور. فمن الممكن إما دراسة خواص المجموعات الجزئية للأعداد الحقيقية ذات التعقيد المتزايد أو تطوير نظرية عامة للرئيسيات اللانهائية والتي تهدف لوضع  و  في المكان الصحيح. إنّ الدراسة الأولى تؤول إلى نظرية المجموعات الوصفية في حين أنّ الثانية تؤول إلى نظرية المجموعات البحتة. إنّ النتيجة والتي ستعتبر لاحقاً الخطوة الأولى نحو نظرية المجموعات الوصفية قد تمّ الحصول عليها من قبل كانتور و بيندكسون اللذان بيّنا أنَ أية مجموعة مغلقة في  تتمتع بخاصية المجموعة التامة PSP ، أي أنها إما قابلة للعد أو أنها مجموعة تامة ( أي لا تمتلك نقاطاً منعزلة[12]). بما أنّ كل مجموعة تامة يمكن وضعها في تقابل مع ، فإنّ كانتور وبيندكسون قد أثبتا أنّه من المستحيل تقديم أمثلة تدحض ( (CH من المجموعات المغلقة. إنّ دراسة الخواص المنتظمة كالخاصية PSP ستتضمن لاحقاً قابلية القياس وفق مفهوم لوبيغ وخاصية بير Bair وستمر عبر الاسهامات المدارس الروسية والفرنسية في بدايات القرن العشرين[13]، والتي ستكون أساساً لاكتشافات نظرية المجموعات الوصفية من خلال تبيان أنه يتعذر تقديم أمثلة من صفوف أكبر فأكبر تدحض ( (CH[14].

فيما يخص نظرية المجموعات البحتة، فقد اكتشف كانتور بنىً رياضية عامة أخرى لكي يجد أمثلةً جديدة عن رئيسيات لانهائية. وعلى الرغم من أنَ جهوده كانت غير ناجحة إلاَ أنها كانت مدهشةً بنفس الوقت. نذكر بواحدة من هذه النتائج غير المتوقعة والتي نشرها في مقالته في العام 1878 أنّ  و  لهما نفس الرئيسي[15]. لكنّ نقطة التحول قد حدثت عندما وضع كانتور مفهوم العدد الترتيبي في قلب نظريته المتعلقة باللانهاية، حيث قدمت نظرية المجموعات المرتبة جيداً فعلاً أمثلةً محددة عن مجموعات لانهائية جديدة لايمكن العثور عليها في الرياضيات المتداولة.

2.3 مفهوم العدد الترتيبي

يُطلق على مجموعة مرتبة خطياً (كلياً)  بأنها مرتبة جيداً إذا كانت العلاقة  تمثل ترتيباً خطياً على [16] بحيث أنّ أية مجموعة جزئية غير خالية من  تمتلك عنصراً أصغرياً بالنسبة للعلاقة  . فعلى سبيل المثال، البنية  مع الترتيب العادي تعتبر مجموعة مرتبة جيداً.  من الواضح أنّ أية قطعة ابتدائية من  ولنقل المجموعة  تمثل مجموعةً مرتبةً منتهية. الآن، دعونا نسمي المجموعة المرتبة جيداً  بـ [17]. نلاحظ أنّ

  وبالتالي يمكن مطابقة الاجتماع الذي ينتمي لنظرية المجموعات مع عملية اللاحق[18] (التالي)  وبذلك نعطي المجموعة  الاسم . بما أنّ  وبما أنّ  مجموعة مرتبة جيداً ، فإنه يمكن جميع الأعداد  معاً (لكل ) في مجموعة مرتبة جيداً نسميها [19]وبذلك تكون  هي الترتيب الجيد لـ

  . الآن، وبعد أن تخلصنا من عملية اللاحق، أي إضافة واحد لكل عدد للحصول على تاليه، واستبدلناها بعملية الاجتماع تلك العملية التي تنتمي لنظرية المجموعات فإنه يمكننا تعريف  بأنه  ومن ثم نتابع بهذه العملية للحصول على مجموعات مرتبة جيداً متزايدة في الكبر. تُدى المجموعات المرتبة جيداً والمعرفة بموجب هذه الطريقة بالترتيبات[20] وهي عبارة عن تمثيلات قانونية للمجموعات المرتبة جيداً[21]. على الرغم من أنّ  تمثلان ترتيبات مختلفة إلاّ أنَ لهما نفس الرئيسي، أي أنّ . إنّ الأمر المذهل الذي اكتشفه كانتور هو أنه إذا قمنا بضم كل الترتيبات الممكنة لرئيسي قابل للعد على الأكثر فإنه يمكننا ترتيب هذه المجموعة جيداً مطابقين أطوالها ( أي أنّ  تأتي بعد كل  وقبل  ) والحصول على مجموعة مرتبة جيداً[22]. ندعو هذه المجموعة الناتجة بـ  وهي رئيسي غير قابل للعد[23] لكنّ أية قطعة ابتدائية منها قابلة للعد[24] وبذلك تكون  أصغر ترتيب غير قابل للعد مزوداً بالترتيب المولد بواسطة طول الترتيبات. يمكن بطبيعة الحال تكرار الاجراء السابق حيث نضم كل الترتيبات التي رئيس كل منها يساوي  وبذلك نوجد عدد ترتيبي جديد ذو قوة أعلى ندعوه ب [25] أي أنه العدد الترتيبي الثاني بعد .

تقدم الترتيبات أمثلةً محددة عن رئيسيات متزايدة في الكبر وكذلك تقدم طريقة لتعدادهم من خلال ماأطلق عليه كانتور بتابع . إنّ التابع  يستخدم الاعداد الترتيبية كي يرتب الرئيسيات اللانهائية كمايلي:  والذي أطلق عليه كانتور بـ  وأيضاً  والذي أطلق عليه بـ  و  والذي أطلق عليه بـ  وهكذا……

لقد مكنت هذه الأعداد الترتيبية كانتور من الوصول لقوى متزايدة في الكبر لللانهاية والتي لم يكن بمقدوره الحصول عليها من خلال إجراء تحليل رياضي للبنى الرياضية المعروفة والمأخوذة من الرياضيات المتداولة. إنّ المثير للاهتمام هو انّ أول طريقة لحل CH قد كانت من خلال الاستخدام المكثف للأعداد الترتيبية. في الحقيقة إنّ تعريف مجموعاتٍ جزئية من  متزايدة في تعقيدها مثل مجموعات بوريل ومجموعات تحليلية (أي أنها اسقاطات لمجموعات مغلقة في ) ومتممات مجموعات تحليلية ومجموعات إسقاطية (تلك التي يتم الحصول عليها بواسطة اسقاط ومتممات لمجموعات جزئية من  لكل ) يتم من خلال إمكانية تكرار يتجاوز العد المنتهي أي من خلال عمليات ذات صلة بنظرية المجموعات الأساسية. بعبارة أخرى، المكوّن الرئيسي الذي جعل كانتور يقوم بتطوير نظرية محددة جيداً للانهاية هو مفهوم العدد الترتيبي. لقد عرض كانتور هذا المفهوم كتوسيع طبيعي لمفهوم العدد من خلال العابر للمنتهي. في العام 1883 حاول كانتور تقديم شرح موسع لأفكاره في المقال ذو العنوان مبرراً تقديم الأعداد الترتيبية من وجهة النظر الآتية:

“إنني أعتمد بشدة على هذا التوسيع للمفهوم العددي والذي من دونه لم أكن قادراً على اتخاذ أصغر خطوة نحو نظرية المجموعات. هذا الموقف هو تبرير (أو اعتذار إن لزم الأمر) لحقيقة أنني أقدم أفكاراً غريبة حقاً في عملي. ماهو على المحك هو توسيع أو استمرارية متتالية الأعداد الصحيحة إلى اللانهاية وعلى الرغم من أنّ هذه الخطوات تبدو جريئة، إلاَ أنني أستطيع القول ، ليس فقط مجرد أمل، بقناعة راسخة أنّ هذا التوسيع سيعتبر بمرور الوقت بسيطاً وسليماً وطبيعياً” انظر [5] الصفحة 882. وكما في حالة مفهوم القوة، كان كانتور على قناعة راسخة أنّ الأعداد الترتيبية تعرض خصائص مشابهة لتلك المتعلقة بالمنتهية. هذا الموقف الذي أطلق عليه هاليت بنهائية كانتور لم يُستخدم فقط لتبرير توسيع العدد بل كان دليل توجيه لتقديم القواعد التي تحكم اللانهاية بشكلٍ مشابه لحالة الأعداد المنتهية. في الحقيقة، يُمكن أن تٌفسَر نهائية كانتور بسهولة كقناعة للتوحيد بين العالمين المنتهي واللانهائي وعلى هذا الأساس فقد قام كانتور بتوسيع العمليات الحسابية كالجمع والضرب إلى المجموعات المرتبة جيداً كما يلي:

حيث  الترتيب الذي يعدّ أولاً جميع عناصر  بموجب الترتيب  ولاحقاً فقط عناصر  بموجب الترتيب  . وكذلك  يُعرّف بواسطة المجموعة المرتبة التي نحصل عليها من خلال كتابة متتالية مرتبة من النسخ  وفقاً للترتيب المعطى في  لذلك يكون ترتيب الجداء معطى بواسطة ترتيب معجمي والذي فيه أول عنصر من  يدلنا على مكان النسخة  المتعلقة به والنسخة الثانية من  تتعلق بالعدد الذي يلي العنصر الأول من  بموجب الترتيب .

لقد مكّن تطبيق هذه العمليات كانتور من تطوير حساب ترتيبي غني ومثير للاهتمام وكذلك من مواجهة الاعتراضات القديمة لإمكانية التفكير بالمقادير اللانهائية. إنّ الاعتراض العام على اللانهاية ، والذي يعود لأرسطو، يصر على القول أنّ المقادير اللانهائية يُحرّم جمعها مع المقادير المنتهية وبذلك سيكون مستحيلاً إجراء أي حساب من هذا الشكل. لكنّ كانتور قد بيّن أنه على الرغم من أنّ  لأنّ  هي بالتعريف تشكيلة كل الأعداد  إلاّ أنّ .

يبين هذا المثال جانباً دقيقاً في نظرية كانتور المتعلقة باللانهاية، فعلى الرغم من أنّها قد تطورت بالتوافق مع قواعد الحساب وعلى اعتبار أنها توسيع لمفهوم العدد، إلاّ أنها قد أظهرت فارقاً ما بين المنتهي وغير المنتهي ففي مثالنا السابق عدم تحقق قانون الجمع التبديلي فيما يخص الأعداد الترتيبية.

إنّ التشابه مع الحالة المنتهية لايمكنه أن يفسر كلياً المبادئ التي استند عليها كانتور في نظرية اللانهاية وبذلك فقد فتح باباً هاماً للنقاش حول التبريرات والتوضيحات التي يمكن أن تقدمها مسلمات نظرية المجموعات التي لاتزال تنبض بالحياة حتى يومنا هذا [1,18,17,15].

بغض النظر عن كونها اشكالية، إلا أنّ هذه الملاحظة تفيد في التعرف على اسهامات كانتور التي تتشابك فيها الرياضيات والفلسفة بقوة فيما بينها.

2.4 أنواع اللانهاية

لم يكن إنشاء حساب جديد للأعداد اللانهائية لوحده الانجاز الهام لكانتور، بل كان أيضاً تصنيف جديد لأنواع اللانهايات حيث تقلّص الفارق مابين المنتهي واللانهائي لكن بقي هناك شكل غير مخترق لللانهاية.

لقد ميّز كانتور بين العابر للمنتهي (Transfinite) وفيه نجد المقادير اللانهائية مثل الأعداد الترتيبية، ورغم ذلك فاللانهاية هنا يمكنها التوسع أما اللانهاية المطبقة بشكلها الخاص في موضوع خارج نطاق تساؤل الانسان:

” ليس لديّ شك، ونحن نمضي قدماً في هذا المسار (بمعنى دراسة الأعداد اللانهائية المتزايدة في الكبر)، أننا لن نصل أبداً إلى حدود  لايمكننا تجاوزها ولكننا أيضاً لن نصل أبداً إلى مفهوم تقريبي لللانهاية المطلقة. يمكن فقط الاقرار باللانهاية المطلقة لكن يتعذر معرفتها أو معرفة تقريب لها. إنّ المتتالية اللانهائية للاطلاق تبدو لي رمزاً مناسباً للاطلاق” [8]

بعبارة أخرى، برغم إمكانية توليد أعداد لانهائية متزايدة في الكبر ، إلاّ أننا لن نصل إلى أبداً إلى حدود، حيث أنه لايزال هنالك مفهوم عن لانهاية لايمكن الحصول عليها من تلك العملية. تلك التي طابقها كانتور مع التشكيلة الكلية لجميع الأعداد اللانهائية.

لقد اتخذ وصف المطيق في كتابات كانتور طابعاً لاهوتياً لا يمكن فصله عن عمله في ظل ضياع وحدة وتماسك نظريته عن اللانهاية. في الحقيقة، لم ينظر كانتور لعمله على أنه مجرد وحي فحسب بل إنّ الوجود الأساسي للأعداد اللانهائية كان مبرراً بدلالات لاهوتية مكرساً الاعتقاد أنّ أية احتمالية يجب أن تكون قد حدثت فعلاً في عقل الإله.

بعبارة رياضية، نقول إنه لمن السهل التحقق من أنّ تشكيلة كل الأعداد العابرة للمنتهي ليس لها رئيسي أي أنها كبيرة جداً لتحليلها بدلالة الرئيسي.  هذه الحقيقية منسوبة لكانتور وبعيداً من كونها متناقضة فقد أعتبرت إشارة للعجز عن القياس المطلق وكذلك إشارةً أنه هناك بُعداً  مابين الانسان والإله[26]. لكن إن كانت تشكيلة كل الأعداد العابرة للمنتهي خارج نطاق الفهم البشري، فعلى أي أساس قد أقر بوجودها؟

مجدداً نجيب أنّ الأعداد الترتيبية هي المفتاح الأساسي ذلك لأنَ مفهوم القوة مُعرّف من خلال الترتيبات فمثلاً  مُعرَف بواسطة  ( أي أنّ  تمثل ) و  تمثل  وهكذا..

3– اللغة والواقع الرياضي

بدايةً، تشكل الأعداد الترتيبية نظاماً ترميزياً حيث تم تقديمها كرموز للانهاية [4]. إنها تمثل أدلة لترقيم مجموعات جديدة من الأعداد الحقيقية سامحةً بتكرار هذا الانشاء إلى الأعداد العابرة للمنتهي، أي بتكرار يفوق  مرة. لقد كان المثال الأول لمثل هذه العملية من خلال تعريف المجموعة المشتقة، تلك المجموعة المعرفة على أنها مجموعة النقاط الحدية (الطرفية) لمجموعة معطاة . في الحقيقة، إنّ تشكيلة كل النقاط التراكمية لمجموعة لها هي الأخرى نقاطاً تراكمية حيث اكتشف كانتور أنّ عملية الحصول على المجموعة المشتقة قد لا تنتهي بالضرورة بعد عددٍ من التكرارات مقداره  . لكنّ التحول من الأدلة[27] إلى الوجود الكلي للكائنات الرياضية لم يكن ملموساً حيث تطلب تبريراً فلسفياً ورياضياً. ففيما يخص الأمر السابق فقد استنجد كانتور بما سيُعرف لاحقاً بمبدأ المنطقة حيث يناقش مسألة ما إذا كان مقداراً يأخذ قيماً مختلفة فإنَ منطقة التغير يجب أن تكون موجودة بحد ذاتها. ولذلك ستكون الأعداد الطبيعية موجودة بكلية كاملة لأننا نستخدم المتغيرات على الأعداد الطبيعية التي مداها مجموعة الأعداد الطبيعية كاملةً. إنّ مبدأ المنطقة هو ببساطة انهيار لمفهومي اللانهاية الكامنة والفعلية لصالح اللانهاية الفعلية وهذا يعني أنه مبدأ أساس وليس مجرد جدال. ومع ذلك ، فإنّ وجهة نظر كانتور بخصوص مبدأ المنطقة كان لها قبولُ قوي مستنداً في ذلك على أساس لاهوتي ذلك لأنه لايوجد فارق مابين اللانهاية الكامنة والفعلية في عين الاله. إلاّ أنّ ذلك لن يساعد قارئاً يرفض مناقشةً تستند على خصائص جوهرية لعقل الإله. فإذا ماتجردنا من الطابع اللاهوتي فإنّ موقف كانتور ببساطة عبارة عن تصريح لواقع يحفظ فيه الكائنات الرياضية.

ففي دفاعٍ يغلب عليه الطابع الفلسفي  فقد عرض كانتور وجهة نظره حول الوجود في الرياضيات مميزاً مابين معنيي لوجود الأعداد الطبيعية مطلقاً عليهما بالواقع الجوهري والواقع العابر. وفيما يلي عبارات كانتور التي يصف بها شكلي الوجود:

” بدايةً، يمكننا أن نعتبر الأعداد الصحيحة فعلياً بشكلٍ مبني على أساس تعريفها فهي تحتل مكانة محددة كلياً في فهمنا وهي متمايزة عن كل الأجزاء الأخرى من تفكيرنا حيث تتصدرهم في تحديد العلاقات وبذلك تعدّل جوهر عقلنا بشكلٍ محدد. دعونا نطلق على هذا الواقع للأعداد بالواقع الجوهري ،لكن عندما تُنسب هذه الواقعية إلى الحد الذي تأخذ فيه الأعداد كتعابير أو نسخ لأحداث أو علاقات تحدث في العالم، أو إلى حد أنّ صفوفاً عددية متنوعة مثلاً (I) و (II) و (III) و… هي ممثلات لقوى تحدث فعلياً في الطبيعية المادية. أنني أطلق على هذه الواقعية بالواقعية العابرة للأعداد الصحيحة”. [9]

بعبارة أخرى، إنّ الكائنات الرياضية موجودة طالما أننا نستطيع تعريفها لكنها أيضاً موجودة بالمعنى الأقوى بوجود العالم الذي يحتويها. أضف إلى ذلك، إنّ كانتور يرى توافقاً تاماً بين هذين الشكلين من الواقعية طالما أنّ الرياضيات تهتم فقط بالواقعية المتأصلة نظراً لأنّ ” ربط هذين الواقعين معاً له أساسه الصحيح في توحيد كل ماننتمي إليه”. إنّ هذه الأرضية قد استند عليها كانتور للتأكيد على حرية الرياضيات. فهذا العمل الرياضي حرُّ بالكامل لأنّ مايبدو وكأنه ابتداع لأفكار ومفاهيم وكائنات من خلال التعريف، إلاَ أنه مجرد اكتشاف لواقعٍ موجودٍ مسبقاً ومستقلٍ بذاته.

3.1 من البسيط للمنهجي

لقد شكّل الاتصال العميق مابين اللغة والواقع الرياضي المعروض في عمل كانتور سمةً مشتركةً بين العديد من المؤلفين في نهاية القرن التاسع عشر. لنتذكر أنّ ديدكند قد لخّص عمله في مقاله المنشور حول أساسيات نظرية الأعداد بمايلي: ” إنّ جوابي للمسألة المفروضة في مقالي هو، باختصار، الأعداد هي ابتداع حر قد تمّ من قبل العقل البشري”. غالباً مايُعتبر عمل ديدكند أقرب لما سيُصبح لاحقاً موقفاً ذو طابع منطقي في أساسيات الرياضيات والبعيد بشكلٍ كبير عن واقع كانتور.

وللـتأكيد على مدى الارتباط الوثيق مابين اللغة والواقع الرياضي لنتذكر أنّ هيلبرت قد عبّر ن اعتقادٍ مشابه عندما كتب في رسالةٍ إلى فريج [11] عام 1899 أنّ معياره للوجود والحقيقة في الرياضيات كان منسجماً ، حيث أنّ هذا المفهوم سيُرى لاحقاً في علم المعاني[28] ، أي من وجهة نظر لغوية. قد يتصور أحدنا أنّ انبثاق الصعوبات الفلسفية جراء الاتصال مابين اللغة والواقع الرياضي ، وبالتالي لظهور وجهات النظر المختلفة والواردة سابقاً، ناتجاً عن الارتباط بظهور اللانهاية كمفهوم رياضي حقيقي  وقد لا يكون الأمر كذلك أن دراسة فكرة شديدة الاختلاف عن تجربتنا اليومية حدثت في وقت بدأت فيه الهندسة بالتخلي عن التفسير الإقليدي البديهي واعتنقت منظورًا أكثر تحرراً. نجد في [9] انشاءً هاماً يربط عمل ريمان وديدكند ويشرح جيداً المفردات الأولية للمنطوي كي يشير للمجموعات ونظرية المنطويات كي يشير لنظرية المجموعات.

على أية حال، لقد كانت مقاربةً ضعيفةً للعلاقات مابين اللغة والواقع الرياضي والتي حفّزت التبني الضمني لما سيُدعى سابقاً بمبدأ الاستيعاب البسيط: إمكانية تحديد مجموعة من خلال خاصية. على الرغم من أنّ فريج كان معارضاً شرساً للقوة الخلاقة للغة قائلاً أنَ :” هذه النظرية تتخيل أنّ كل مانحتاجه يمكن وضعه في مسلمات والتي نرضى بها من غير جدل. إنها تحاكي إلهاً يمكنه أن يخلق في عالمه الخاص كل مايريد” [10]، إلاّ أنّ عمله قد وقع ضحية مقاربة ضعيفة عندما بيَنت مفارقة رسل Rssel عام 1901 أنه يمكن تعريف أشياء غير موجودة. تنص مفارقة رسل أنّ مجموعة الأشياء التي لاتنتمي لأنفسها، حيث أنها خاصة معرَفة جيداً، لايمكن أن تكون موجودة. من السهل التحقق من ذلك من خلال المناقشة التالية: لنعرّف المجموعة  . فلو كانت  مجموعة فحينها سنتساءل هل  أم لا؟ إذا كانت كذلك فهذا يعني أنها لاتحقق شرط هذه المجموعة وبالتالي  وإذا كانت  فهي تحقق شرط المجموعة وبالتالي . في كلا الحالتين نحصل على تناقض مرده الافتراض أنّ  مجموعة. لكنّ إيمان كانتور القوي بالتوافق التام مابين الواقع الجوهري والعابر لم يُدحض فقط من قبل مفارقة رسل فحسب بل أيضاً من قبل برهان زورميللو-فرانكلين على نظرية الترتيب الحسن (WOT) [29]عام 1904 [23]. على الرغم من أنّ كانتور قد ذهب بعيداً بالقول أنّ احتمالية ترتيب مجموعة بشكلٍ حسن يجب أن تُعتبر على شكل قانون، قد فسّر بوضوح أنّ الطابع الإنشائي لـ [30]AC كان مسؤولاً عن وجود مجموعاتٍ تفتقر للتوصيف اللغوي. مثلاً دالة الاختيار لاتتوافق مع أي قانون وهذا أيضاً إخفاق فيما يتعلق بالتوفيق الساذج مابين اللغة والواقع الرياضي حيث تبيَن وجود كائنات لاتحملُ  إسماً.

بعد هذه الأحداث أصبح جلياً أنّ هذه المقاربة الضعيفة حيال الدور الوصفي أو الابداعي للغة كان إشكالياً، فقد كانت نظرية كانتور للمجموعات بحاجة لأبوابٍ أكثر أماناً حيث يجب أن يكون الوصول اللغوي لللانهاية مقبولاً ومروضاً. ولهذا السبب فقد اقترح هيلبرت، وهو من أقوى المدافعين عن اللانهاية، على زورميللو أن يطبّق نسختة الجديدة للطريقة المسلّماتية على نظرية المجموعات.

بلغ هذا المطلب على حد تعبير زورميللو مايلي:

“أنوي أن أبيّن في هذا المقال كيف أن نظرية كانتور وديدكند بأكملها يُمكن أن تُرد إلى بضعة تعاريف وسبع مسلّمات مستقلةً عن بعضها البعض”.

وبذلك فقد بدأ تاريخ نظرية المجموعات عام 1908 ، تلك النظرية التي فيها المجموعة وطريقة المعالجة بناءً على المسلّمات أداةً للحفاظ على النمو السريع والحر للرياضيات والتي سيدعوها هيلبرت لاحقاً بـ”الفردوس الذي خلقه لنا كانتور” لكنّ هذه قصةً أخرى.

تمت بعونه تعالى في 5/10/2021


 

المراجع العلمية:

[1] G. Boolos. The iterative conception of set. Journal of Philosophy, 68(8):215– 231, 1971.

[2] G. Cantor. Uber eine Eigenschaft des Inbegriffs aller reellen algebraischen Zahlen. Journal f¨ur die reine und angewandte Mathematik, 77:258–262, 1874. English transl.: On a property of the set of real algebraic numbers, in W. Ewald, editor, From Kant to Hilbert: A Source Book in the Foundations of Mathematics, vol. II, Clarendon Press, Oxford, pp. 839–842, 2008.

[3] G. Cantor. Ein Beitrag zur Mannigfaltigkeitslehre. Journal fur die reine und angewandte Mathematik, 84:242–258, 1878.

[4] G. Cantor. Uber unendliche, lineare Punktmannigfaltigkeiten. Mathematische Annalen, 17:355–358, 1880.

[5] G. Cantor. Grundlagen einer allgemeinen Mannigfaltigkeitslehre. Ein

mathematich-philosophischer Versuch in der Lehre des Unendichen. Teubner, 1883. English transl.: Foundations of a general theory of manifolds: a mathematico-philosophical investigation into the theory of the infinite, in W. Ewald, editor, From Kant to Hilbert: A Source Book in the Foundations of Mathematics, vol. II, Clarendon Press, Oxford, pp. 878–919, 2008.

[6] B. Clegg. A brief history of infinity. The Quest to Think the Unthinkable. Constable & Robinson, 2003.

[7] U. Coope. Aristotle on the Infinite. In C. Shields, editor, The Oxford Handbook of Aristotle. Oxford University Press, 2012.

[8] R. Dedekind. Was sind und was sollen die Zahlen? Vieweg, 1888. English transl.: Was sind und was sollen die Zahlen?, in W. Ewald, editor, From Kant to Hilbert: A Source Book in the Foundations of Mathematics, vol. II, Clarendon Press, Oxford, pp. 787–832, 2008.

[9] J. Ferreir´os. Labyrinth of thought. A history of set theory and its role in modern mathematics. Birkh¨auser, 1999.

[10] G. Frege. The Foundations of Arithmetic: A Logico-Mathematical Enquiry into the Concept of Numbers. Blackwell, 1950.

[11] G. Frege. Philosophical and mathematical correspondence. Basil Blackwell, 1980.

[12] L. Graham and J. Kantor. Naming Infinity. Harvard University Press, 2009.

[13] M. Hallett. Cantorian Set Theory and Limitation of Size. Clarendon Press, 1984.

[14] J. Hintikka. Aristotelian infinity. Philosophical Review, 75:197–212, 1966.

[15] P. Koellner. On reflection principles. Annals of Pure and Applied Logic, 157(2)(4):206–219, 2009.

[16] J. Lear. Aristotelian infinity. Proceedings of the Aristotelian Society, 80:187– 210, 1981.

[17] P. Maddy. Defending the Axioms: On the Philosophical Foundations of Set Theory, publisher=Oxford University Press, year=2011,.

[18] P. Maddy. Naturalism in mathematics. Clarendon Press, 1997.

[19] E. Maor. To Infinity and Beyond. A Cultural History of the Infinite. Princeton University Press, 1987.

[20] D. Martin. Borel determinacy. Annals of Mathematics, 102:363–371, 1975.

[21] D. Foster Wallace. Everything and more : a compact history of infinity. W .W. Norton & Company, 2003.

[22] H. Woodin. The realm of the infinite. In Infinity. New research frontiers, pages 89–118. Cambridge University Press, 2011.

[23] E. Zermelo. Beweis, daßjede Menge wohlgeordnet werden kann. Mathematische

Annalen, 59:514–516, 1904. English transl.: Proof that every set can be well ordered, in J. van Heijenoort, editor, From Frege to G¨odel: A Source Book in Mathematical Logic, 1879–1931, Source Books in the History of the Sciences, Harvard Univ. Press, pp. 139–141, 1967.

[24] E. Zermelo. Untersuchungen ¨uber die Grundlagen der Mengenlehre I. Mathematische Annalen, 65:261–281, 1908. English transl.: Investigations in the foundations of set theory I, in J. van Heijenoort, editor, From Frege to G¨odel: A Source Book in Mathematical Logic, 1879–1931, Source Books in the History of the Sciences, Harvard Univ. Press, pp. 199–215, 1967.


[1] ليس فقط مقدار الأعداد غير محدود بل أيضاً طول القطع المستقيمة في هندسة اقليدس وذلك لكي يكون بالإمكان الحصول على انشاءات هندسية كبيرة بشكل كيفي

[2] إلاّ أنّ مبدأ كانط ليس فقط سلبي، فالتغير الهام والمقدم في عمله والذي سيساعد لاحقاً في تطور المنطق الحديث وأيضاً بمعالجة محافظة لللانهاية هو أنّ الوجود ليس خاصية للأشياء. في الحقيقة، من وجهة النظر هذه فإنّ العبارات الوجودية لا تتناسب أبداً مع بنية أرسطو لحامل الشيء، فتحليل العبارات الوجودية سيقود فرديج للتفريق مابين المكممات من الثوابت المنطقية في حين أنّ آخرون يعرضون وجهات نظر على العلاقات مابين الجمل الوجودية والواقع الرياضي حيث سنعود له لاحقاً في القسم الثالث.

[3] أي أنّ أية محاولة لوضع الأعداد الحقيقية في متتالية بأدلة من الأعداد الطبيعية سيؤدي إلى وجود عدد حقيقي جديد لا ينتمي لهذه المتتالية. بتعبير آخر لا يمكن إجراء العد العادي للأعداد الحقيقية كما نفعل في حالة الأعداد الطبيعية أو الزوجية أو الفردية……المترجم

[4] تنص هذه النظرية على أنّ أية متتالية من الأعداد الحقيقية والمحدودة لها متتالية جزئية متقاربة……المترجم.

[5] لأنّ هذا المجال لديه عدد لانهائي من الأعداد ولدينا فقط عدد منتهي من التعداد السابق وبالتالي يوجد هناك عدد من المجال ولابنتمي لهذا التعداد…..المترجم

[6] نحصل من هذه المتتالية على متتالية جزئية متقاربة من عدد وهذا العدد ليس طرفاً من أية مجال من المجالات المتداخلة السابقة أي أنه لا ينتمي للتعداد السابق وبذلك تنتج نظرية كانتور………المترجم

[7] أي غامر ومتباين..المترجم

[8] نقول عن عدد طبيعي   أنه مربع إذا كان له الشكل  ومثال عليها الأعداد 4,9,16,….. …………المترجم

[9] لتكن  مجموعة ما. عندئذٍ تكون  لانهائية عندما وفقط عندما إذا وُجدت مجموعة جزئية  محتواة تماماً فيها و تابع تقابل  ……….المترجم

[10] عادةً مانعرّف المجموعة المنتهية أولاً ومن ثم نعرف المجموعة اللانهائية أنها لاتحقق تعريف المجموعة المنتهية، لكنّ ديدكند قلب الآية حيث عرّف المجموعة اللانهائية أولاً ومن ثم عرف المجموعة المنتهية بدلالة المجموعة اللانهائية…..المترجم

[11] أي أنّ أية مجموعة جزئية حقيقية لانهائية لها حالتان : إما قابلة للعد أو تقابل واحد لواحد  بكاملها………..المترجم

[12] يُقال عن نقطة a  أنها منعزلة في مجموعة A إذا كانت نقطة من A واذا وجدت مجاورة لـ a  تقاطعها مع A هو فقط العنصر a….المترجم

[13] هناك تقديم ممتع لهذه القصة في [12] حيث ارتبط تطوير نظرية المجموعات بالهرطقة الأورسوزكسية  الصوفية، عبادة الاسم، والتي اعترفت بالقوة الخلاقة لاسم الإله.

[14] بيَن مارتن في ZFC (مسلمات زورميللو-فرانكلين+مسلمة الاختيار وهي المسلمات الرئيسية في نظرية المجموعات…المترجم) أنّ مجموعات بوريل تتمتع بخاصية PSP أما من أجل صفوفٍ أكثر اتساعاً، فقد تطلب الأمر إضافة رئيسيات كبيرة ، بالاضافة إلى ذلك فقد سمح الاتصال المثمر مابين نظرية المجموعات الوصفيةونظرية المجموعات المجردة بعزل صف هام من المجموعات والتي تُدعى بمجموعات بير الشاملة حيث سيكون لها دور رئيسي في في أهم البرامج الواعدة نحو حل CH والتي قدمها وواظب عليها الرياضي وودن [22].

[15] أي يوجد تابع تقابل فيما بينهما………..المترجم

[16] أي أنها انعكاسية ومتعدية وتخالفية وكل عنصرين مقترنين وفق هذه العلاقة……….المترجم

[17] أي أننا ننظر للعدد  على أنه مجموعة مرتبة جيدا وهي بالضبط مجموعة كل سابقاته الطبيعية مزودةً بالترتيب العادي……المترجم

[18] والذي ينتمي لنظرية الحساب…….المترجم

[19] أي أنّ ……..المترجم

[20] أي الأعداد الترتيبية……المترجم.

[21] أي أنّ أية مجموعة مرتبة جيداً يمكن وضعها في تقابل واحد لواحد مع إحدى هذه الترتيبات ولعل أبرز مثال هو مجموعة الأعداد الحقيقية التي يمكن أن تترتب جيدا وتقابل واحداً من هذه الترتيبات…..المترجم.

[22] أي أننا نشكل هذه المجموعة بالشكل  …..المترجم

[23] أي أنه لا يمكن وضعه في تقابل واحد لواحد مع مجموعة الأعداد الطبيعية……المترجم.

[24] لو تأملنا على سبيل المثال .لاحظ أن أية قطعة ابتدائية منها  منتهية لكن   غير منتهية….المترجم.

[25] أي أنّ ……المترجم

[26] أي أنّ هناك أموراً يدركها الاله ويعجز عن تصورها الانسان……..المترجم

[27] التي تمثل أعداداً طبيعية………..المترجم

[28] ذلك العلم الذي يبحث عن العلاقة بين العبارات الرياضية  والبنى الرياضية التي تتحقق فيها تلك العبارات….المترجم

[29] تنص هذه النظرية على أية مجموعة يجب أن تكون قابلة للترتيب بشكل جيد ، أي أنه يمكن ترقيم عناصرها بواسطة ترتيبات كانتور……..المترجم

[30] مسلمة الاختيار The Axiom of choice………….المترجم